موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

فعلى الأوّل : أتى بموجب الجميع على النحو المقرّر في المتن ، رعاية للعلم الإجمالي بوجود أحد الموجبات ، ثمّ يعيد الصلاة لاحتمال كون الوظيفة ما يفعله متأخّراً ، المستلزم لحصول الفصل القادح فيما بينه وبين الصلاة الأصلية على ضوء ما مرّ في المسألة السابقة.

وعلى الثاني : حكم (قدس سره) بالبطلان ، وعلّله بأنّه لم يدر كم صلّى.

أقول : أمّا الكلام في الصورة الأُولى فهو بعينه الكلام المتقدّم في المسألة السابقة حرفاً بحرف ، لاتحاد المسألتين وعدم الفرق إلّا من حيث قلّة الأطراف وكثرتها ، فانّ الشكّ الصحيح كان مردّداً هناك بين اثنين وهما الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الاثنتين والأربع ، وهنا بين الأكثر من ذلك ، وهذا لا يستوجب فرقاً بينهما في الحكم. وحيث عرفت ثمّة أنّ الأقوى كفاية الإعادة من غير حاجة إلى ضمّ صلاة الاحتياط فكذا في المقام بعين المناط.

وأمّا في الصورة الثانية فقد يقال : إنّ مقتضى العلم الإجمالي بحدوث الشكّ الصحيح أو الفاسد الجمع بين الإتيان بموجب الشكوك الصحيحة وبين الإعادة.

وربما يجاب عنه بانحلال العلم الإجمالي بقاعدة الاشتغال المثبتة للإعادة وأصالة البراءة النافية لموجب الشكّ الصحيح ، فينحلّ العلم بالأصل المثبت والنافي ، فانّ الإعادة لو ثبتت فليست هي بأمر جديد ، وإنّما هي بمقتضى نفس الأمر الأوّل الذي يشكّ في سقوطه والخروج عن عهدته ، وهذا بخلاف موجب الشكّ الصحيح كصلاة الاحتياط فإنّها بأمر جديد حادث بعد الصلاة ، وحيث إنّه مشكوك فيه فيدفع بأصل البراءة.

وهذا الجواب جيّد بناءً على أن تكون ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة ، إذ عليه تكون الركعة المشكوكة ساقطة في ظرف الشكّ ، ويعوّض عنها أمر جديد متعلّق بصلاة الاحتياط بداعي تدارك النقص المحتمل ، ومقتضى الأصل البراءة كما ذكر.

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا بناءً على المسلك الآخر وهو الصحيح من كونها جزءاً متمّماً على تقدير النقص فليس الأمر بها أمراً جديداً حادثاً بعد الصلاة ليرجع الشكّ إلى الشكّ في التكليف ، وإنّما تجب بنفس الأمر الصلاتي المتعلّق بالركعة الرابعة ، فإنّ هذه هي تلك الركعة حقيقة ، غايته أنّ ظرفها ومحلّها قد تأخّر عن الصلاة. فالشكّ من هذه الناحية أيضاً راجع إلى مرحلة الامتثال والسقوط دون الجعل والثبوت ، وعليه فكلا طرفي العلم الإجمالي مورد لقاعدة الاشتغال ، فلا موجب للانحلال.

نعم ، ينحلّ العلم بتقريب آخر مرّت الإشارة إليه في المسألة السابقة ، وهو عدم كون ركعة الاحتياط نافعة في مثل المقام ممّا كانت أطراف الشكوك الصحيحة متعدّدة ، من أجل تطرّق احتمال الفصل القادح بينها وبين الصلاة الأصلية ، المانع عن إحراز تدارك النقص المحتمل.

وقد عرفت عدم شمول دليل حرمة القطع لمثل المقام ممّا لا يصحّ الاقتصار عليه في مقام الامتثال ، وعليه فلا مانع من رفع اليد عن تلك الصلاة رأساً والاكتفاء بالاستئناف حسبما تقدّم.

وأمّا التعليل الذي ذكره في المتن بقوله : لأنّه لم يدر كم صلّى. فغير بعيد أن يريد به الإشارة إلى الأصل الموضوعي ، فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة صفوان : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (١) أنّ كلّ من لم يدر كم صلّى فصلاته باطلة ، وبعد الخروج عنه في موارد الشكوك الصحيحة بمقتضى أدلّتها الموجبة لتقييد الإطلاق ، ينتج أنّ موضوع البطلان من لم يدر كم صلّى ولم يكن شكّه من الشكوك الصحيحة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

٢٤٢

[٢٠٤٩] مسألة ١٣ : إذا علم في أثناء الصلاة أنّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين والثلاث مثلاً وشكّ في أنّه هل حصل له الظنّ بالاثنتين فبنى على الاثنتين أو لم يحصل له الظنّ فبنى على الثلاث يرجع إلى حالته الفعلية (١) فإن دخل في الركعة الأُخرى يكون فعلاً شاكاً (*) بين الثلاث والأربع ، وإن لم يدخل فيها يكون شاكاً بين الاثنتين والثلاث.

______________________________________________________

وهذا الموضوع محرز في المقام بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّه لم يدر كم صلّى بالوجدان أي كان شاكّاً في عدد الركعات حسب الفرض ولم يكن شكّه من الشكوك الصحيحة بمقتضى الأصل ، فيلتئم الموضوع ، ولأجله يحكم بالبطلان. فغرضه (قدس سره) من التعليل الإشارة إلى هذا المعنى ، ولا بأس به فلاحظ.

(١) من شكّ أو ظنّ فيبني عليه ، وهذا ظاهر بالنظر إلى ما قدّمناه (١) من أنّ الاعتبار في الشكّ المنقلب إلى الظنّ أو بالعكس بالمتأخّر منهما ، لكون العبرة في ترتيب أحكامهما بمرحلة البقاء دون الحدوث.

إنّما الكلام فيما لو حدث الشكّ المزبور بعد دخوله في ركعة أُخرى ، المستلزم لشكّه الفعلي في أنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ، فإنّ ما طرأ سابقاً لو كان ظنا لزم ترتيب حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ، ولو كان شكّاً لزم ترتيب حكم الشكّ بين الثنتين والثلاث.

ولا ثمرة لهذا البحث بناءً على تساوي حكم الشكّين واشتراك الوظيفتين

__________________

(*) لا أثر للشك بين الثلاث والأربع ، فانّ الشك بينهما لا محالة يرجع إلى الشك بين الاثنتين والثلاث في المقام ، فلا بدّ من ترتيب أثر ذلك الشك.

(١) في ص ٢٢٨.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه مخيّر على التقديرين في كيفية الإتيان بركعة الاحتياط بين ركعة قائماً أو ركعتين جالساً كما هو المشهور ، أو قلنا بالتخيير في أحدهما دون الآخر كما كان هو الأحوط عندنا من تعيّن اختيار الركعة قائماً في الشكّ بين الثنتين والثلاث كما تقدّم ، فإنّه يأتي حينئذ بالركعة قائماً وتبرأ ذمّته على التقديرين.

نعم ، تظهر الثمرة بناءً على تباين الوظيفتين وتخالفهما ، وأنّه تتعيّن الركعة من قيام في الشكّ بين الثنتين والثلاث ، والركعتان من جلوس في الشك بين الثلاث والأربع كما حكي القول به عن بعضهم حسبما مرّ في محلّه (١) ، فإنّ الوظيفة الفعلية اللّازمة تتردّد حينئذ بين الأمرين.

فقد يقال بلزوم الجمع بينهما رعاية للعلم الإجمالي بأحد التكليفين من دون أصل يعيّن أحدهما بخصوصه.

لكن الظاهر عدم الحاجة إلى الجمع ، لوجود الأصل الموضوعي المنقّح الذي به ينحلّ العلم الإجمالي ، وهو أصالة عدم حصول الظنّ ، وذلك لما عرفت سابقاً (٢) من أنّ الموضوع للبناء على الأكثر هو التردّد مع عدم وقوع الوهم على شي‌ء ولا خصوصية للاعتدال وتساوي الوهم ونحوهما من العناوين الوجودية وإن كان مأخوذاً في ظاهر بعض النصوص ، فإنّه لدى التحليل راجع إلى العنوان العدمي كما أسلفناك فيما مرّ.

وعليه فكون الحالة السابقة تردّداً محرز بالوجدان ، وعدم كونه ظنّاً ثابت بمقتضى الأصل ، فيلتئم جزءا الموضوع ويرتّب عليه الأثر ، أعني البناء على الأكثر ولازمه إجراء حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث.

__________________

(١) في ص ١٨٣.

(٢) في ص ٢٣٠ ٢٣٣.

٢٤٤

(٢٠٥٠) مسألة ١٤ : إذا عرض له أحد الشكوك ولم يعلم حكمه من جهة الجهل بالمسألة أو نسيانها فان ترجّح له أحد الاحتمالين عمل عليه (*) وإن لم يترجّح أخذ بأحد الاحتمالين مخيّراً (١) ثمّ بعد الفراغ رجع إلى المجتهد فإن كان موافقاً فهو ، وإلّا أعاد الصلاة (٢) ، والأحوط الإعادة في صورة الموافقة أيضاً (٣).

(٢٠٥١) مسألة ١٥ : لو انقلب شكّه بعد الفراغ من الصلاة إلى شكّ آخر (٤)

______________________________________________________

(١) إذ بعد البناء على حرمة القطع ووضوح تعذّر الاحتياط امتنع الامتثال الجزمي ، فلا محالة يستقلّ العقل حينئذ بالتنزّل إلى الامتثال الظنّي إن أمكن وإلّا فالاحتمالي.

(٢) إذ لا يسوّغ العقل الاقتصار على مثل هذا الامتثال بعد إمكان الفحص والسؤال ، لاستقلاله بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني عن اشتغالٍ مثله ، ولا دليل على حجّية الظنّ في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم فضلاً عن الاحتمال ، فلا مناص من الرجوع إلى المجتهد والإعادة على تقدير المخالفة.

(٣) لاحتمال عدم كفاية الإطاعة الاحتمالية مع التمكّن من الإطاعة الجزمية ولا بأس بهذا الاحتياط وإن لم يكن لازماً كما لا يخفى.

(٤) حاصله : أنّه لو عرض للمصلّي أحد الشكوك الصحيحة ثمّ انقلب بعد الفراغ من الصلاة إلى شكّ آخر لم يجب عليه شي‌ء ، ولا أثر لشي‌ء من الشكّين أمّا الأوّل فلأنّ تأثيره منوط ببقائه والمفروض زواله ، وأمّا الثاني فلأنه شكّ

__________________

(*) ويجوز له قطع الصلاة وإعادتها من رأس ، وكذلك فيما إذا لم يترجّح أحد الاحتمالين.

٢٤٥

فالأقوى عدم وجوب شي‌ء عليه (*) لأنّ الشكّ الأوّل قد زال ، والشكّ الثاني بعد الصلاة فلا يلتفت إليه ، سواء كان ذلك قبل الشروع في صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها ، لكن الأحوط عمل الشكّ الثاني ثمّ إعادة الصلاة ، لكن هذا إذا لم ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الثلاث والأربع ، أو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع مثلاً ثمّ انقلب إلى الثلاث والأربع ، أو عكس الصورتين. وأمّا إذا شكّ بين الاثنتين والأربع مثلاً ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الاثنتين والثلاث فاللّازم أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه الحاصل بعد الصلاة لتبيّن كونه في الصلاة وكون السلام في غير محلّه ، ففي الصورة المفروضة يبني على الثلاث ويتمّ ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ويسجد

__________________

(*) الظاهر أنّ للمسألة صوراً عديدة : منها ما إذا انقلب الشك في النقيصة إلى الشك في الزيادة أو بالعكس ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فانقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الأربع والخمس أو بعكس ذلك ، ففي مثله يحكم بصحّة الصلاة ولا يجب عليه شي‌ء. ومنها ما إذا شكّ في النقيصة وكان الشكّ مركّباً ثمّ انقلب إلى البسيط ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ففي مثله يجري حكم الشكّ الفعلي ، لأنّه كان حادثاً من الأوّل ، غاية الأمر أنّه كان معه شكّ آخر قد زال ، ومن ذلك يظهر حكم انقلاب الشك البسيط إلى المركب بعد السلام وأنّه لا يجب فيه إلّا ترتيب أثر الشك السابق دون الحادث بعد السلام. ومنها ما إذا انقلب الشكّ البسيط في النقيصة إلى شك مثله مغاير له كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشك بين الثلاث والأربع أو بالعكس ، ففي مثله لا بدّ من الحكم ببطلان الصلاة ، فإنّ الشك الأوّل لا يمكن ترتيب الأثر عليه والشكّ الثاني لا تشمله أدلّة الشكوك ، فلا مناص من الإعادة تحصيلاً للفراغ اليقيني. وبما ذكرناه يظهر الحال في انقلاب الشك بعد صلاة الاحتياط.

٢٤٦

سجدتي السهو للسّلام في غير محلّه ، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (*).

______________________________________________________

حادث بعد الفراغ ، ومثله محكوم بعدم الاعتناء ، إلّا إذا كان الشكّ المنقلب إليه ممّا يعلم معه بالنقيصة كما لو شكّ بين الثنتين والأربع فبنى على الأربع وأتمّ ، ثمّ انقلب إلى الثنتين والثلاث ، فانّ اللّازم حينئذٍ عمل الشك المنقلب إليه الحاصل بعد الصلاة ، لتبيّن كونه بعد في الصلاة وأنّ السلام قد وقع في غير محلّه ، فيبني حينئذٍ على الثلاث ويتمّ ، وبعد ما يأتي بصلاة الاحتياط يسجد سجدتي السهو للسلام الزائد.

أقول : أمّا الحكم في صورة الاستثناء فظاهر جدّاً ، لما ذكره في المتن من تبيّن كونه في الصلاة ، فكأنّ الشكّين المنقلب أحدهما إلى الآخر كلاهما عارضان في أثناء الصلاة ، وقد مرّ (٢) أنّ الاعتبار في مثله بالمتأخّر منهما.

وأمّا الاحتياط بالإعادة الذي ذكره (قدس سره) في هذه الصورة فلم يعرف وجهه ، إذ المقام داخل حينئذ في من تذكّر النقص بعد السلام ، الذي لا خلاف ظاهراً في كونه محكوماً بالتدارك ما لم يأت بالمنافي كما هو المفروض وفي اتّصاف السلام الواقع في غير محلّه بالزيادة. وكيف ما كان ، فالحكم في هذه الصورة ظاهر لا سترة عليه.

وأمّا فيما عدا ذلك فالتعليل الذي ذكره (قدس سره) لعدم الاعتناء بشي‌ء من الشكّين من أنّ الأوّل قد زال والثاني شكّ حادث بعد الصلاة بظاهره كلام جيّد ، لكنّه لدى التحليل لا يستقيم على إطلاقه.

وتفصيل الكلام يستدعي استقصاء صور الانقلاب فنقول :

قد يكون الشكّان متباينين بحيث لا يشتركان في جامع أصلاً ، كما إذا انقلب

__________________

(*) لم يظهر لنا وجهه.

(١) في ص ٢٢٨.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الشكّ في النقيصة إلى الشكّ في الزيادة أو بالعكس ، وقد يكونان مشتركين في احتمال النقص ، وعلى الثاني فامّا أن ينقلب الشكّ المركّب إلى البسيط ، أو البسيط إلى المركّب ، أو ينقلب الشكّ البسيط إلى بسيط مثله مغاير معه. فهذه صور أربع :

أمّا الصورة الأُولى : فمثالها ما لو انقلب الشكّ بين الثلاث والأربع إلى الأربع والخمس ، فأحتمل أوّلاً نقصان الصلاة ثمّ زال هذا الاحتمال وأيقن بالتمام بعد السلام ، وتبدّل باحتمال الزيادة المباين للاحتمال الأوّل ، أو انعكس ذلك بأن انقلب احتمال الزيادة إلى النقيصة كالشكّ بين الأربع والخمس المنقلب إلى ما بين الثلاث والأربع.

ففي هذه الصورة لا ينبغي الإشكال في صحّة الصلاة وعدم وجوب شي‌ء عليه ، لما ذكره في المتن من أنّ الشكّ الأوّل قد زال ، والثاني حادث بعد الصلاة فلا أثر لشي‌ء من الشكّين. فالتعليل المذكور في المتن متّجه في هذه الصورة.

وأمّا الصورة الثانية : أعني انقلاب الشكّ المركّب إلى البسيط ونعني بالمركّب كون طرف الشكّ أكثر من اثنين ، الراجع إلى تركيبه من شكّين كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، فحكمها العمل على طبق الشكّ الفعلي ، لوضوح عدم كونه شكاً جديداً حادثاً بعد السلام ، بل هو نفس الشكّ العارض في الأثناء غير أنّه كان آن ذاك مقروناً بشكّ آخر قد زال ، فلا أثر للزائل ، ولا موجب لرفع اليد عن أثر الباقي.

وعلى الجملة : احتمال النقص بركعة موجود سابقاً ولاحقاً ، ولم ينقلب هذا الاحتمال عمّا كان ، غاية ما هناك أنّ هذا الاحتمال كان مقروناً سابقاً باحتمال آخر وهو النقص بركعتين وقد زال ذاك وانعدم مع بقاء الاحتمال الأوّل بحاله فلا مانع من شمول الإطلاق في موثّقة عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت» (١)

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لمثل المقام ، ولازمه إجراء حكم الشكّ الفعلي كما عرفت.

ومنه يظهر حكم الصورة الثالثة أعني انقلاب الشكّ البسيط إلى المركّب كما لو شكّ بين الثلاث والأربع ثمّ انقلب بعد السلام إلى الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، وأنّ اللّازم حينئذ إجراء حكم الشكّ السابق دون الحادث ، فانّ ترديده بعد السلام ينحلّ إلى الشك بين الثلاث والأربع والشكّ بين الثنتين والأربع ، والأوّل منهما كان بعينه موجوداً سابقاً وقد أُضيف إليه الشكّ الثاني لاحقاً فيلغى الزائد المتّصف بالحدوث ، ويعمل بالأوّل غير المتّصف به ، فالتعليل المذكور في المتن غير متّجه في هاتين الصورتين كي لا يرتّب الأثر على شي‌ء من الشكّين.

وأمّا الصورة الرابعة : أعني انقلاب الشكّ البسيط إلى مثله المغاير معه في الجملة والمشارك معه في النقيصة كالصورتين السابقتين كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ انقلب شكّه بعد السلام إلى الشكّ بين الثلاث والأربع أو بالعكس ، ففي مثله لا مناص من الحكم بالبطلان.

فانّ شكّه الفعلي الراجع إلى احتمال النقص وعدم إتمام الرابعة لم يكن شكاً حادثاً طارئاً بعد السلام كي يحكم عليه بعدم الالتفات ، بل كان موجوداً أثناء الصلاة ، غاية الأمر أنّ طرف الشكّ قد تغيّر وتبدّل ، فكان طرفه سابقاً الثنتين فانقلب إلى الثلاث أو بالعكس. فذات الشكّ محفوظ في كلتا الحالتين ولم ينقلب عمّا هو عليه ، وإنّما الانقلاب في طرفه ومتعلّقه ، فلا يمكن الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ الفعلي.

كما لا يمكن ترتيب الأثر والبناء على الأكثر على الشكّ السابق ، لانصراف النصوص إلى ما إذا كان ذاك الشكّ بما له من الطرفين باقياً ومستمرّاً إلى ما بعد الصلاة ، والمفروض تخلّفه عمّا كان ولو في الجملة ، باعتبار التخلّف في أحد طرفيه.

فاذن لا يمكن تصحيح الصلاة بوجه بعد وضوح عدم جريان قاعدة الفراغ في المقام ، لاختصاصها بالشكّ الحادث بعد السلام ، المنفي فيما نحن فيه كما عرفت

٢٤٩

[٢٠٥٢] مسألة ١٦ : إذا شكّ بين الثلاث والأربع أو بين الاثنتين والأربع ثمّ بعد الفراغ انقلب شكّه إلى الثلاث والخمس والاثنتين والخمس وجب عليه الإعادة ، للعلم الإجمالي إمّا بالنقصان أو بالزيادة (١).

______________________________________________________

كوضوح عدم جريان الاستصحاب في باب الركعات.

فنبقى نحن والإطلاق في صحيحة صفوان (١) السليم عن التقييد في مثل المقام لدلالتها على البطلان في كلّ شكّ عارض أثناء الصلاة عدا ما خرج بالدليل وقد عرفت أنّ دليل الخارج غير شامل للمقام ، لاختصاصه بما إذا كان الشكّ بين الاثنتين والثلاث مثلاً مستمرّاً إلى ما بعد الصلاة ، المفقود فيما نحن فيه.

ومع الغض عن الإطلاق فتكفينا قاعدة الاشتغال الحاكمة بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، المتوقّف في المقام على الإعادة.

(١) غرضه (قدس سره) من التعليل بالعلم الإجمالي هو إبداء الفارق بين هذه المسألة وبين المسألة السابقة ، باعتبار أنّ احتمال الصحّة كان محفوظاً هناك فكان بالإمكان التمسّك بقاعدة الفراغ ، بخلاف المقام الذي لم يتطرّق فيه هذا الاحتمال ، لفرض الجزم بالخلل ، وعدم وقوع التسليم في المحلّ ، وأنّه إمّا زاد أو نقص ، المانع عن الرجوع إلى القاعدة حينئذ.

وليس مراده من العلم الإجمالي العلم ببطلان الصلاة على كلّ من تقديري الزيادة أو النقيصة ليورد عليه بمنع العلم بعد إمكان التدارك على التقدير الثاني بالإتمام بركعة متّصلة.

وكيف ما كان ، فما أفاده (قدس سره) من الحكم بالبطلان هو الصحيح

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٤٢.

٢٥٠

[٢٠٥٣] مسألة ١٧ : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث ثمّ شكّ بين الثلاث البنائي والأربع فهل يجري عليه حكم الشكّين أو حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع؟ وجهان ، أقواهما الثاني (١).

______________________________________________________

لاندراج المقام تحت إطلاق صحيحة صفوان بعد تعذّر الرجوع إلى قاعدة الفراغ كما عرفت ، كتعذّر الرجوع إلى إطلاق أدلّة الشكوك ، لما سبق من انصرافها إلى الشكّ الحادث أثناء الصلاة المستمرّ ، وعدم شمولها للشكّ الزائل المنقلب إلى غيره ولو بعد الصلاة كما فيما نحن فيه ، ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب في باب الركعات.

وعلى الجملة : الشكّ الزائل غير مشمول للأدلّة ، والشكّ الحادث لا تجري فيه القاعدة بعد اقترانه بالعلم بالخلل ، والاستصحاب لا مسرح له في المقام. فلا مناص من البطلان استناداً إلى صحيحة صفوان.

(١) لرجوع الشكّ الفعلي إلى أحد هذه الأطراف الثلاثة وجداناً ، فإنّه يحتمل أن يكون ما بيده لدى عروض الشكّ هي الثانية واقعاً ولم يكن قد أتى بعد البناء على الثلاث بشي‌ء.

كما يحتمل أن تكون هي الثالثة إمّا لأنّ بناءه على الثلاث كان مطابقاً للواقع ولم يأت بعدها بشي‌ء ، أو أنّها كانت الثانية وقد أتى بعد البناء على الثلاث بركعة بعنوان الرابعة وهي ثالثة واقعاً ، ففي هذين التقديرين يكون ما بيده هي الثالثة بحسب الواقع.

كما يحتمل أن تكون هي الرابعة ، باعتبار أنّ بناءه على الثلاث كان مطابقاً للواقع وقد أتى بعدها بالركعة الرابعة.

وعلى الجملة : فشكّه الفعلي شكّ واحد ذو أطراف ثلاثة ، فيشمله حكم الشكّ

٢٥١

[٢٠٥٤] مسألة ١٨ : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ثمّ ظنّ عدم الأربع يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، ولو ظنّ عدم الاثنتين يجري عليه حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ، ولو ظنّ عدم الثلاث يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والأربع (١).

______________________________________________________

بين الثنتين والثلاث والأربع ، لا أنّ هناك شكّين مستقلّين يتعلّق كلّ منهما بطرفين ليجمع بين الحكمين.

على أنّ أدلّة الشكوك ظاهرة في أنّها ناظرة إلى الشكوك المتعلّقة بالركعات الواقعية ، لا ما تعمّ البنائية كما لا يخفى.

(١) ففي كلّ مورد كان أطراف الشكّ ثلاثة ثمّ تعلّق الظنّ بعدم طرف خاصّ دار الشكّ بين الطرفين الآخرين كما في الأمثلة المذكورة في المتن ، استناداً إلى دليل حجّية الظنّ ، فإنّه وإن كان في المقام متعلّقاً بالعدم إلّا أنّه يطمأنّ بل يقطع بعدم الفرق في حجّية الظنّ في باب الركعات بين تعلّقه بثبوت ركعة أو بعدمها.

وبعبارة أُخرى : ظاهر النصوص الدالّة على حجّية الظنّ في باب الركعات وإن كان هو الظنّ المتعلّق بإتيان الركعة وتحقّقها ، فالظنّ المتعلّق بعدم الإتيان خارج عن مورد النصوص ، ولكنّ المنسبق إلى الذهن من تلك الأدلّة بمقتضى الفهم العرفي ومناسبة الحكم والموضوع اعتبار الظنّ مطلقاً ، سواء أتعلّق بالوجود أم بالعدم ، هذا.

مضافاً إلى أنّ المستفاد من نصوص الشكوك أنّ أحكام الشكّ وآثاره إنّما تترتّب على الشكّ فيما إذا اعتدل ، لا بعنوان أنّه معتدل ومتساوي الطرفين الذي هو قيد وجودي ، وإلّا فهو بهذا المعنى غير مأخوذ في موضوع تلك الأدلّة كما

٢٥٢

[٢٠٥٥] مسألة ١٩ : إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث وأتى بالرابعة فتيقّن عدم الثلاث وشكّ بين الواحدة والاثنتين بالنسبة إلى ما سبق يرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي بين الاثنتين والثلاث (١) فيجري حكمه.

______________________________________________________

سبق في محلّه (١) بل بعنوان عدم وقوع الوهم على شي‌ء الذي هو أمر عدمي. فذات الاعتدال مأخوذ في أحكام الشكّ بالمعنى الذي ذكرناه. ومن المعلوم أنّ من ظنّ بعدم الركعة لم يعتدل شكّه بالمعنى المزبور فلا تشمله أدلّة الشكوك.

(١) لعدم تحقّق الشكّ بين الواحدة والثنتين لا سابقاً ولا لاحقاً ليستوجب البطلان ، أمّا في السابق فالمفروض تعلّقه بين الاثنتين والثلاث ، وأمّا في اللّاحق فهو وإن كان متعلّقاً بالواحدة والثنتين بالإضافة إلى ما سبق ، إلّا أنّه بعد فرض كونه آتياً بركعة أُخرى فالشكّ بالنسبة إلى حاله الفعلي الذي هو المدار في ترتيب الآثار إنّما هو بين الثنتين والثلاث.

وعلى الجملة : الميزان في ترتيب أثر الشكّ رعاية الحالة الفعلية ، ولا عبرة بملاحظة الحالة السابقة ، وإلّا لجرى ذلك في جميع الشكوك ، فانّ الشاكّ بين الثلاث والأربع شاكّ لا محالة في أنّ الركعة السابقة هل كانت الثانية أو الثالثة ، كما أنّ الشاكّ بين الثنتين والثلاث يشكّ بطبيعة الحال في أنّ الركعة السابقة هل كانت الأُولى أو الثانية ، وهكذا.

ولا عبرة بمثل هذا الشكّ المتولّد من شكّ آخر ، فليس المدار إلّا على مراعاة الحالة الوجدانية الفعلية ، وهو في المقام شاكّ بالفعل بين الثنتين والثلاث كما عرفت فيشمله حكمه.

__________________

(١) في ص ٢٣٠ وما بعدها.

٢٥٣

(٢٠٥٦) مسألة ٢٠ : إذا عرض أحد الشكوك الصحيحة للمصلّي جالساً من جهة العجز عن القيام (١) فهل الحكم كما في الصلاة قائماً فيتخيّر في موضع التخيير بين ركعة قائماً وركعتين جالساً بين ركعة جالساً بدلاً عن الركعة قائماً أو ركعتين جالساً من حيث إنّه أحد الفردين المخيّر بينهما ، أو يتعيّن هنا اختيار الركعتين جالساً ، أو يتعيّن تتميم ما نقص ، ففي الفرض المذكور يتعيّن ركعة جالساً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يتعيّن ركعتان جالساً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يتعيّن ركعة جالساً وركعتان جالساً؟ وجوه ، أقواها الأوّل (*) ، ففي الشكّ بين الاثنتين والثلاث يتخيّر بين ركعة جالساً أو ركعتين جالساً ، وكذا في الشكّ بين الثلاث والأربع ، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يتعيّن ركعتان جالساً بدلاً عن ركعتين قائماً ، وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يتعيّن ركعتان جالساً بدلاً عن ركعتين قائماً وركعتان أيضاً جالساً من حيث كونهما أحد الفردين.

______________________________________________________

(١) احتمل (قدس سره) في مفروض المسألة وجوهاً ثلاثة :

أحدها : أن يكون الحكم فيه هو الحكم في المصلّي قائماً من بقاء التخيير في موضع التخيير بين ركعة قائماً وركعتين جالساً على حاله ، غير أنّه لمكان العجز عن الأوّل ينتقل إلى بدله وهو الركعة من جلوس ، فيتخيّر بين ركعة جالساً بدلاً عن الركعة قائماً وبين ركعتين جالساً من حيث إنّه أحد الفردين المخيّر بينهما.

والوجه في ذلك الأخذ بإطلاق كلّ من دليل التخيير بين الركعة والركعتين

__________________

(*) بل أقواها الأخير ، وبه يظهر حكم الفروع الآتية.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ودليل بدلية الجلوس عن القيام ، فإنّ نتيجة الجمع بين الإطلاقين هو ما عرفت. وهذا الوجه هو خيرة الماتن (قدس سره).

ثانيها : تعيّن اختيار الركعتين جالساً ، بدعوى أنّ إطلاق أدلّة التخيير وإن كان في حدّ نفسه شاملاً للمقام إلّا أنّه بعد تعذّر أحد الطرفين يتعيّن الطرف الآخر ، كما هو الشأن في كلّ واجب تخييري تعذّر بعض أطرافه ، فإنّ التكليف يتعيّن حينئذ في الطرف الآخر.

ومعه لا مجال للرجوع إلى إطلاق أدلّة بدلية الجلوس ، لاختصاصها بصورة تعيّن القيام المنفي في المقام ، للتخيير بينه وبين الركعتين جالساً اختياراً ، فمثله غير مشمول لإطلاق تلك الأدلّة. وحيث يتمكّن هنا من العدل الآخر فيتعيّن.

ثالثها : أنّه يتعيّن عليه تتميم ما نقص ، ففي الشكّ بين الثلاث والأربع يتعيّن ركعة جالساً ، وفي الشكّ بين الثنتين والأربع ركعتان كذلك ، وفي الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع تتعيّن ركعة جالساً وركعتان كذلك ، فيتمّم كلّ نقص يحتمله بالركعة الجلوسية.

وهذا الوجه الأخير هو الأظهر ، لقصور أدلّة التخيير عن الشمول للمقام فإنّها إنّما ثبتت في حقّ من تمكّن من الصلاة قائماً ، وأنّ مثله لو شكّ بين الثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع فهو مخيّر في كيفية صلاة الاحتياط بين ركعة قائماً وركعتين جالساً ، فكانت المصلحة الموجودة في الركعة قائماً موجودة في مقام تدارك النقص المحتمل في الركعتين جالساً.

وأمّا من كان عاجزاً عن القيام رأساً وانتقل فرضه إلى الصلاة جالساً فلم تكن أدلّة التخيير شاملة له من أصلها ، فاللّازم حينئذ تدارك النقص من جنس الفائت ، وهو الإتيان بما كلّف به من الركعة الجلوسية ، قضاءً لما تقتضيه القاعدة الأوّلية من لزوم المطابقة بين الفائت وما هو تدارك له في الكيفية. فليس عليه إلّا تتميم النقص بهذا النحو.

٢٥٥

وكذا الحال لو صلّى قائماً ثمّ حصل العجز عن القيام في صلاة الاحتياط (١)

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : دلّت صحيحة صفوان (١) على أنّ مطلق الشكّ في الصلاة موجب للبطلان ، وقد خرجنا عن ذلك في الشكوك الصحيحة بمقتضى موثّقة عمّار (٢) المتضمّنة لعلاج الشكّ بالاحتياط والإتيان بعد الصلاة بما يحتمل نقصه وأنّه لا يضرّه الفصل بالتسليم.

وقد تضمّنت أدلّة أُخرى التخيير في كيفية الاحتياط بين القيام ركعة والجلوس ركعتين لمن كان متعارفاً وهو المتمكّن من القيام ، أمّا غير المتعارف العاجز عنه فتلك الأدلّة منصرفة عنه.

ولكنّ إطلاق الموثّقة غير قاصر الشمول له ، إذ مقتضاه تتميم ما ظن أنّه نقص ، ولم يظهر منها الاختصاص بمن كانت وظيفته الصلاة عن قيام ، بل المأخوذ فيها دخول الشكّ في الصلاة ، الشامل للعاجز عن القيام الذي وظيفته الصلاة جالساً ، ولم تذكر فيها كيفية صلاة الاحتياط ، بل دلّت على مجرّد تتميم ما ظنّ نقصه بعد السلام ، والمظنون نقصه في المقام ركعة عن جلوس أو ركعتان عن جلوس أو هما معاً حسب اختلاف موارد الشك ، فيجب عليه تتميم ذلك النقص وتداركه ، المتوقّف على كونه من جنس الفائت ، ولا يتحقّق هنا إلّا بالإتيان بالركعة الجلوسية بمقدار ما يحتمل نقصه بعد قصور أدلّة التخيير وبدلية الجلوس للقيام عن الشمول للمقام حسبما عرفت.

(١) فيثبت التخيير لدى الماتن (قدس سره) بين ركعة جالساً وركعتين جالساً لكن قد عرفت الإشكال في ذلك ، لقصور أدلّة التخيير عن الشمول له. فالواجب عليه إتيان الركعة جالساً ، لأنّ وظيفته الفعلية هو ذلك كما لو فرضنا طروء العجز في الركعة الأخيرة من صلاته.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٤٢ ، ١٩٢.

(٢) المتقدّمة في ص ٢٤٢ ، ١٩٢.

٢٥٦

وأمّا لو صلّى جالساً ثمّ تمكّن من القيام حال صلاة الاحتياط فيعمل كما كان يعمل في الصلاة قائماً (١) ، والأحوط في جميع الصور المذكورة إعادة الصلاة بعد العمل المذكور (٢).

[٢٠٥٧] مسألة ٢١ : لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة (*) واستئنافها (٣) ، بل يجب العمل على التفصيل المذكور والإتيان بصلاة الاحتياط كما لا يجوز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة والاكتفاء بالاستئناف ، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان (٤) ، نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء صحّت الصلاة المستأنفة وإن كان آثماً في الإبطال.

______________________________________________________

(١) إذ قد تبدّل الموضوع من غير المتمكّن إلى المتمكّن من الصلاة قائماً وأصبح بذلك مصداقاً لأدلّة التخيير ، فله أن يأتي بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ومعه لا مجال لأدلّة بدلية الجلوس كي تجري فيه الوجوه المتقدّمة.

(٢) حذراً عن الشبهات المتطرّقة في المسألة حسبما عرفتها.

(٣) هذا يتّجه بناءً على تسليم حرمة القطع ، وأمّا بناءً على الجواز من أجل عدم نهوض ما استدلّ به على الحرمة كما تقدّم في محلّه (١) فلا مانع من القطع والاستئناف. وظاهر أنّ أدلّة البناء على الأكثر غير وافية لإثبات الحرمة ، لوضوح كونها بصدد بيان كيفية تصحيح العمل وتعليم طريقة التخلّص لدى عروض الشكّ ، ولا تعرّض لها لبيان الحكم التكليفي بوجه.

(٤) أمّا الصلاة الأُولى فلأجل الزيادات الحاصلة من فعل الصلاة الثانية من ركوع وسجود ونحوهما ، المانعة من صلاحية انضمام الباقي من أجزاء الصلاة

__________________

(*) على الأحوط.

(١) شرح العروة ١٥ : ٥٢٣ وما بعدها.

٢٥٧

ولو استأنف بعد التمام قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط لم يكف (١) وإن أتى بالمنافي أيضاً (*) وحينئذ فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط أيضاً ولو بعدحين.

______________________________________________________

الأصلية إليها ، ولا أقلّ من السلام للثانية المخرج عن الأُولى أيضاً ، فلا يتوقّف الحكم على اعتبار الموالاة بين الأجزاء كما لا يخفى.

وأمّا الصلاة الثانية فبطلانها بناءً على حرمة القطع ظاهر ، لأنّها بنفسها مصداق للقطع المحرّم ، ولا يكون الحرام مصداقاً للواجب.

وأمّا بناءً على عدم الحرمة فلامتناع اتّصاف تكبيرة الإحرام بعنوان الافتتاح الذي هو مقوّم لها ، ضرورة اقتضاء هذا العنوان أن لا يكون مصلّياً آن ذاك كي يتحقّق معه الشروع والدخول وتتّصف التكبيرة بكونها أوّل الصلاة وافتتاحها والمفروض كونه فعلاً في أثناء الصلاة ومتّصفاً بالدخول فيها ، وهل هذا إلّا من قبيل تحصيل الحاصل.

ومن المعلوم أنّ مجرّد البناء على رفع اليد عن الصلاة الأُولى والعدول عنها لا يؤثّر في الخروج ، ولا يستوجب قلب الواقع عمّا هو عليه ، ومن ثمّ سبق في محلّه (١) أنّ نيّة القطع لا تكون قاطعاً ، فلو نوى القطع وقبل الإتيان بالمنافي بدا له وعاد إلى النيّة الأُولى صحّت صلاته.

وعلى الجملة : فما دام كونه متّصفاً بعنوان المصلّي يتعذّر منه القصد إلى الافتتاح والدخول في الصلاة ، نعم لو أتى قبل ذلك بالمنافي صحّت الصلاة المستأنفة وإن كان آثماً في الإبطال بناءً على حرمته.

(١) أمّا قبل الإتيان بالمنافي فبناء على ما هو الصحيح من أنّ ركعة الاحتياط

__________________

(*) الظاهر كفايته في هذا الفرض.

(١) شرح العروة ١٤ : ٥٠ وما بعدها.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

جزء متمّم على تقدير النقص لم يكن له الاستئناف ، لعدم إحراز الفراغ من الصلاة ، فلا يتمشّى منه القصد إلى تكبيرة الإحرام المتقوّمة بالافتتاح كما عرفت.

بل الصلاة الأُخرى غير مأمور بها قطعاً ، سواء أكانت الأُولى تامّة أم ناقصة إذ على الأوّل فقد سقط الأمر ، ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال. وعلى الثاني فهو مأمور بالتتميم والإتيان بركعة الاحتياط. فلا أمر بالصلاة الثانية على التقديرين.

وأمّا بناءً على كونها صلاة مستقلّة شرّعت بداعي تدارك النقص المحتمل فكذلك ، للقطع بسقوط الأمر المتعلّق بصلاة الظهر مثلاً ، سواء أكانت تامّة أم ناقصة. أمّا على الأوّل فظاهر ، وكذا على الثاني ، إذ المفروض على هذا المبنى اكتفاء الشارع بتلك الصلاة الناقصة في ظرف الشكّ بتعبّده بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة ، لا بمعنى انقلاب التكليف بالصلاة الأوّلية إلى صلاة الاحتياط ، فإنّه غير محتمل وممّا لا تساعده الأدلّة كما لا يخفى ، بل بمعنى الاكتفاء بما وقع وجعل حكم ظاهري نتيجة الاجتزاء على تقدير النقص ، فبعد فرض سقوط التكليف لا موقع للاستئناف بوجه.

وأمّا بعد الإتيان بالمنافي فقد ذكر في المتن عدم كفاية الاستئناف أيضاً ، بل لا بدّ من الإتيان بصلاة الاحتياط ولو بعد حين.

ولكنّ الظاهر كفايته في هذا الفرض بناءً على المختار من كون ركعة الاحتياط جزءاً متمّماً ، للقطع بالصحّة ، أي براءة الذمّة حينئذ إمّا بالصلاة الاولى لو كانت تامّة أو بالصلاة المستأنفة لو كانت ناقصة ، ومعه لا حاجة إلى ضمّ صلاة الاحتياط ، بل لا مقتضي لها ، لعدم احتمال التتميم على تقدير النقص والاتّصاف بالجزئية بعد فرض تخلّل المنافي المانع عن صلاحية الانضمام. فتتمحض الوظيفة حينئذ في الاستئناف تحصيلاً للقطع بالفراغ.

نعم ، يتّجه ما أفاده (قدس سره) بناءً على القول بكونها صلاة مستقلّة ، لما

٢٥٩

[٢٠٥٨] مسألة ٢٢ : في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكّه وأتمّ الصلاة ثمّ تبيّن له الموافقة للواقع ففي الصحّة وجهان (*) (١).

______________________________________________________

عرفت من سقوط الأمر حينئذ بفعل الاولى ، فلا يحتمل بقاء التكليف لينفع الاستئناف ، وإنّما الوظيفة الفعلية متمحّضة في الإتيان بصلاة الاحتياط ، فيجب الإتيان بها ولو بعد حين كما ذكره (قدس سره) ، إذ تخلّل المنافي غير قادح بناءً على مسلك الاستقلال.

(١) أوجههما الصحّة ، فإنّ منشأ البطلان بعد وضوح عدم كون الشكّ بمجرّد حدوثه ولو آناً ما مبطلاً كالحدث كما مرّ سابقاً (١) أحد أمرين :

الأوّل : قاعدة الاشتغال وعدم إحراز الامتثال ، إذ لو بنى على كلّ من طرفي الاحتمال احتمل معه الزيادة أو النقيصة من غير مؤمّن شرعي ، لعدم كون المقام مجرى لشي‌ء من الأُصول المصحّحة كأصالة البناء على الأكثر أو أصالة عدم الزيادة.

الثاني : عدم جواز المضيّ على الشكّ ولزوم الحفظ والتثبّت وكونه على يقين كما ورد ذلك في الركعتين الأُوليين وفي الثنائية والثلاثية وأنّها فرض الله (٢) لا يدخلها الشك (٣) ، فاليقين مأخوذ فيها موضوعاً وإن كان الأخذ على وجه الطريقية دون الصفتية ، ولذا تقوم سائر الأمارات مقامه من شهادة البيّنة ونحوها.

وكيف ما كان ، فالمستفاد من النصوص أنّ علّة البطلان في موارد الشكوك

__________________

(*) أوجههما الصحّة.

(١) في ص ١٤٩.

(٢) [لم نعثر على ما يدل على كون الثلاثية فرض الله].

(٣) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

٢٦٠