موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : موثّقة أبي بصير : «عن رجل صلّى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة قال : فما ذهب وهمه إليه ، إن رأى أنّه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شي‌ء سلّم بينه وبين نفسه ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب» (١). حيث أجرى (عليه السلام) حكم الشكّ من البناء على الأربع والتدارك بركعة الاحتياط ، مع أنّه يرى أي يظنّ أنّه في الثالثة.

ولكنّها من أجل مخالفتها لتلك النصوص الكثيرة المعتبرة الدالّة على حجّية الظنّ التي لا يبعد القطع بصدور بعضها ولو إجمالاً غير صالحة للاعتماد عليها لعدم نهوضها في قبالها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، أو ارتكاب التأويل فيها بدعوى أنّ المراد من الوهم والرأي هو الشكّ المتساوي الطرفين فالمراد مساواة ما يراه مع ما وقع في قلبه ، كما حملها عليه في الحدائق (٢) وإن كان بعيداً جدّاً.

ومنها : ما أرسله الصدوق في المقنع عن أبي بصير أنّه روى في من لم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً : «إن كان ذهب وهمك إلى الرابعة فصلّ ركعتين وأربع سجدات جالساً ...» إلخ (٣).

ولكنّها من جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال ، ولم يذكر في الفقيه ولا في الكافي رواية بهذا المضمون كي تكون هذه إشارة إليها ، فهي ساقطة سنداً مضافاً إلى إمكان حملها على الاستحباب كما تقدّم في الرواية الأُولى ، هذا كلّه في الأخيرتين.

وأمّا في الركعتين الأُوليين : فالمعروف والمشهور حجّية الظنّ فيهما أيضاً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٧.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٣١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٨ ، المقنع : ١٠٤.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

ونسب الخلاف إلى ابن إدريس (١).

ووافقه على ذلك صاحب الحدائق (٢). فإن كان نظره (قدس سره) في عدم كفاية الظنّ إلى أنّ المستفاد من النصوص اعتبار اليقين والحفظ والإحراز في الركعتين الأولتين وبذلك تمتاز عن الأخيرتين في عدم الاعتداد بالظنّ ، فجوابه ظاهر ، لتوقّفه على استظهار اعتبار اليقين المأخوذ في الموضوع على نحو الصفة الخاصّة.

وهو من أجل افتقاره إلى مئونة زائدة بعيد عن الفهم العرفي جدّاً ، بل المنسبق إلى الذهن من اليقين المأخوذ في الموضوع لحاظه على نحو الطريقية والكاشفية ، من دون خصوصية لصفة اليقين ، كما في قوله (عليه السلام) : لا تنقض اليقين بالشك ، بل انقضه بيقين آخر (٣). فانّ اليقين الناقض طريق إلى الواقع. والمراد مطلق الحجّة ، لا خصوص وصف اليقين.

وعليه فصحيحة صفوان (٤) المتضمّنة لحجّية الظنّ التي مرجعها إلى جعله بمثابة العلم في الكشف عن الواقع في نظر الشارع حاكمة على تلك الأدلّة فإنّ القدر المتيقّن ممّا تشمله الصحيحة هو الأولتان ، لكونهما الأكثر الغالب في الشكوك المحكومة بالإعادة والبطلان ، كالشكّ بين الواحدة والثنتين مطلقاً ، والثنتين والثلاث ، والثنتين والأربع ، والثنتين والثلاث والأربع قبل الإكمال. وإن أمكن فرضه في الأخيرتين أيضاً كالشكّ بين الأربع والسّت ، وكذا الثلاث والخمس في غير حالات القيام ، لكن الغالب هو الأوّل ، بحيث لا يحتمل تخصيصها بالأخيرتين وتنزيلها عليها ، لعدم الحكم فيهما بالإعادة إلّا نادراً.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٠.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٠٧ ٢٠٨.

(٣) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٤) المتقدّمة في ص ٢١٩.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فالمتيقّن من حجّية الوهم المستفاد من مفهومها هما الأولتان ، فتكون حاكمة على تلك الأدلّة كما ذكرنا ، إذ بعد اتصافه بالحجّية فهو علم تعبّدي ، ولا فرق بينه وبين العلم الوجداني في الكشف عن الواقع.

وبالجملة : فان كان نظر الحدائق إلى ما ذكر فجوابه ما عرفت. إلّا أنّه (قدس سره) لم يقتصر على ذلك ، بل له دعوى اخرى وهي معارضة مفهوم صحيحة صفوان مع منطوق صحيحة زرارة المصرّحة بعدم دخول الوهم في الأُوليين ، قال (عليه السلام) : «كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة ، وليس فيهنّ وهم ...» إلخ (١).

فانّ المراد بالوهم هو الظنّ ولو بقرينة بقيّة الروايات المتضمّنة أنّه إذا وقع وهمه على شي‌ء كالثلاث أو الأربع بنى عليه ، فتكون الصحيحة مقيّدة لإطلاق صحيح صفوان ، أو أنّهما يتساقطان من هذه الجهة ، فلم يكن ثمة دليل على كفاية الظنّ ، فتجب الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال.

ولكن هذه الدعوى ظاهرة الاندفاع ، لتفسير الوهم في نفس الصحيحة بالسهو ، قال يعني سهواً. المراد به الشكّ ، لإطلاقه عليه كثيراً في لسان الأخبار (٢) كما يكشف عنه التفريع الذي ذكره (عليه السلام) بعد ذلك بقوله : «فمن شكّ في الأولتين ...» إلخ.

فإنّ تفريع هذه الجملة على سابقتها يكشف بوضوح عمّا ذكرناه من أنّ المراد بالوهم هو الشكّ ، مضافاً إلى التفسير المزبور ، فإنّه (عليه السلام) بعد أن بيّن عدم دخول الوهم في العشر ركعات ودخوله في السبع الزائدة رتّب عليه أنّ من شكّ في الأولتين أعاد ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم. وهذا التفريع

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٥ ح ١ وغيره.

٢٢٣

[٢٠٤٢] مسألة ٦ : في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين كالشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والشكّ بين الاثنتين والأربع والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع إذا شكّ مع ذلك في إتيان السجدتين أو إحداهما وعدمه إن كان ذلك حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهّد بطلت الصلاة ، لأنّه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بأحدهما فيكون قبل الإكمال ، وإن كان بعد الدخول في القيام أو التشهّد لم تبطل ، لأنّه محكوم بالإتيان شرعاً فيكون بعد الإكمال ، ولا فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أو تقدّم أحدهما على الآخر ، والأحوط الإتمام والإعادة خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة (١).

______________________________________________________

لا يستقيم إلّا بناءً على إرادة الشكّ من الوهم كما لعلّه ظاهر جدّاً.

فالإنصاف : أنّ ما عليه المشهور من حجّية الظنّ في باب الركعات من غير فرق بين الأُوليين والأخيرتين استناداً إلى الإطلاق في صحيحة صفوان هو المتعيّن.

(١) إذا تعلّق الشكّ بما يعتبر في صحّته إكمال السجدتين ومع ذلك شكّ في تحقّق الإكمال :

فإن كان ذلك قبل تجاوز المحلّ كما لو كان في حال الجلوس ولم يدر أنّه جلوس بين السجدتين مثلاً ، أو أنّها جلسة الاستراحة ، فلا ينبغي الإشكال في البطلان ، لعدم إحراز شرط الصحّة وهو الإكمال ، بل هو محرز للعدم بمقتضى الاستصحاب ومفهوم قاعدة التجاوز ، فهو محكوم شرعاً بلزوم الإتيان بالسجدتين أو بإحداهما ، لما ذكر ، ولا أقلّ من أجل قاعدة الاشتغال.

وعليه فلم يكن محرزاً للأولتين ، فيكون المضيّ في الصلاة مع هذه الحالة مضيّاً

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مع الشكّ فيهما ، الممنوع في لسان الأخبار والمحكوم فيها بالبطلان ، وهذا ظاهر.

وإن كان بعد التجاوز كما لو عرض الشكّ المزبور بعد الدخول في التشهّد ، أو بعد الدخول في القيام فشكّ في أنّ الركعة التي قام عنها وقد شكّ فعلاً في سجدتها هل كانت الثانية أو الثالثة ، الملازم للشكّ في أنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ، فحينئذ بما أنّه محكوم شرعاً بالإتيان بالسجدتين بمقتضى قاعدة التجاوز فالشكّ المذكور حاصل بعد الإكمال بطبيعة الحال.

ونتيجة ذلك كون المصلّي محرزاً للأولتين ولو ببركة التعبّد الشرعي الناشئ من العمل بقاعدة التجاوز ، إذ لا فرق في الإحراز المزبور بين كونه وجدانياً أم متحصّلاً من ناحية التعبّد. وعليه فلو مضى في صلاته مضى وقد أحرز الثنتين وليس الشكّ إلّا في الثالثة ، ومثله مشمول لأدلّة البناء على الأكثر. وهذا من غير فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أعني الشكّ في الركعة مع الشكّ في السجدة أو تقدّم أحدهما على الآخر ، لاشتراك الكلّ في مناط الصحّة.

نعم ، ذكر في المتن أنّ الأحوط الإتمام والإعادة خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة. والوجه في تخصيصه الصورتين بمراعاة الاحتياط أنّ في الصورة الثالثة وهي تقدّم الشكّ في السجدة بما أنّ التعبّد بإتيان السجدتين حاصل ابتداءً فالشكّ الحادث بعد ذلك في الركعة شكّ بعد إحراز الإكمال ، فيضعف الاحتمال المقتضي للاحتياط عدا مجرّد إدراك الواقع.

وهذا بخلاف صورة العكس ، أعني تقدّم الشكّ في الركعة ، إذ لم يتعلّق بعدُ تعبّد من قِبَل الشارع بتحقّق السجدتين ، لعدم حصول موجبه وهو الشكّ المستتبع للحكم بالتحقّق بمقتضى قاعدة التجاوز ، فلا محالة يتّصف الشكّ وقت حدوثه بكونه قبل الإكمال.

ومنه يظهر الحال في صورة المقارنة ، لعدم اتّصاف الشكّ عندئذ بكونه بعد

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الإكمال ، المعتبر ذلك في الحكم بالصحّة ، هذا.

ولكن الاحتياط المزبور ضعيف جدّاً بحسب الصناعة وإن كان حسناً لمجرّد إدراك الواقع كما عرفت ، وذلك لما تقدّم من أنّ الشكّ بحدوثه لم يكن مبطلاً ، وإنّما العبرة بمرحلة البقاء وأن لا يمضي في صلاته مع الشكّ ، والمفروض أنّ الشكّ في الركعة موصوف بقاءً بكونه بعد الإكمال. إذن لا أثر لتقدّم أحد الشكّين على الآخر في مرحلة الحدوث بعد تعلّق التعبّد بإكمال السجدتين في مرحلة البقاء.

بل لو كان قاطعاً لدى حدوث الشكّ بين الثنتين والثلاث بكونه قبل الإكمال ثمّ تبدّل القطع بنقيضه فتيقّن كونه بعد الإكمال صحّت صلاته بلا إشكال ، فضلاً عن المقام. والسرّ هو ما عرفت من أنّ الميزان في الصحّة والبطلان لحاظ مرحلة البقاء دون الحدوث ، فلا فرق بين الصور الثلاث. والاحتياط الاستحبابي في الجميع كما صنعه في المتن لا منشأ له عدا المحافظة على المصلحة الواقعية المحتملة التي هي حسن على كلّ حال ، هذا.

وربما يفصّل بين الدخول في التشهّد والدخول في القيام ، فيمنع عن الصحّة في الأوّل ، نظراً إلى عدم الدخول حينئذ في الغير ، المترتّب المعتبر في جريان قاعدة التجاوز ، إذ لو بنى على أنّ ما بيده الثالثة بمقتضى أدلّة البناء على الأكثر كان اللّازم اتصاف التشهّد بالزيادة ، إذ لا تشهّد في الثالثة البنائية كالأصلية فوجوده كالعدم لوقوعه في غير محلّه.

إذن فالشكّ في السجدة شكّ قبل التجاوز ، لتوقّفه على الدخول في الغير المترتب المأمور به ، لا في مطلق الغير ، فلا تجري القاعدة ، ومعه لم يحرز الإكمال فلم تحرز الأولتان ، فلا مناص من البطلان ، لعدم كون مثله مشمولاً لأدلّة البناء على الأكثر. وهذا بخلاف الدخول في القيام الذي هو مأمور به على كلّ حال.

ويردّه : أنّا نقطع بالتجاوز عن محلّ السجدة الثانية الذي هو المناط في تحقّق

٢٢٦

(٢٠٤٣) مسألة ٧ : في الشكّ بين الثلاث والأربع ، والشك بين الثلاث والأربع والخمس إذا علم حال القيام أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة السابقة بطلت الصلاة ، لأنّه يجب عليه هدم القيام لتدارك السجدة المنسيّة فيرجع شكّه (*) إلى ما قبل الإكمال. ولا فرق بين أن يكون تذكّره للنسيان قبل البناء على الأربع أو بعده (١).

______________________________________________________

الإكمال ، للجزم بالدخول في الجزء المترتّب عليها على كلّ تقدير وإن لم نشخّص ذلك الجزء ولم نميّز الغير المدخول فيه.

فانّ الركعة التي بيده إن كانت بحسب الواقع هي الثانية فقد وقع التشهّد في محلّه والمفروض دخوله فيه ، وإن كانت الثالثة فقد تجاوز عن سجود الثانية بالدخول في قيام الثالثة وما بعده من أجزائها. فهو متجاوز عن محلّ السجدة الثانية للركعة الثانية على كلّ حال ، وداخل في الغير المترتّب عليها. فشرط القاعدة محرز جزماً.

وبعد جريانها تحرز الأولتان ولو ببركة التعبّد ، فلا يكون الشكّ إلّا في الثالثة فتشمله أدلّة البناء على الأكثر ، من غير فرق بين الدخول في التشهّد أو في القيام ، للعلم في الأوّل بالدخول في الغير المترتّب كالثاني ، وإن لم يعرف أنّه التشهّد أو القيام إلى الثالثة. فالتفصيل بينهما في غير محلّه.

(١) في عبارته (قدس سره) مسامحة ظاهرة ، إذ لا معنى لوجوب هدم القيام تداركاً للسجدة المنسية ثمّ الحكم بالبطلان من أجل رجوع شكّه حينئذ إلى ما قبل الإكمال ، فإنّ إيجاب شي‌ء مقدّمة للبطلان ممّا لا محصّل له ، بل الشكّ قبل الهدم شكّ قبل الإكمال ، بعد وضوح عدم العبرة بالقيام الزائد الواقع في غير محلّه.

__________________

(*) بل لأنّ شكّه قبل الهدم شكّ قبل إكمال السجدتين.

٢٢٧

[٢٠٤٤] مسألة ٨ : إذا شكّ بين الثلاث والأربع مثلاً فبنى على الأربع ثمّ بعد ذلك انقلب شكّه إلى الظنّ بالثلاث بنى عليه ، ولو ظنّ الثلاث ثمّ انقلب شكّاً عمل بمقتضى الشكّ ، ولو انقلب شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير ، فلو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع فلمّا رفع رأسه من السجود شكّ بين الاثنتين والأربع عمل عمل الشكّ الثاني (١) وكذا العكس (*) فإنّه يعمل بالأخير (٢).

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) في هذه المسألة من العمل بالمتأخّر إذا انقلب شكّه إلى الظنّ أو العكس ، أو انقلب شكّه إلى شكّ آخر هو الصحيح الذي لا خلاف فيه ولا إشكال ، لما عرفت من أنّ المدار على مرحلة البقاء والحالة التي يتمّ عليها الصلاة ، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في بعض نصوص البناء على الأكثر : «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (١) الظاهر في أنّ العبرة بالحالة المتأخّرة التي يتمّ الصلاة عليها ، وأنّه يلاحظ عندئذ ما ظنّ نقصه فيتمّ ، فلا عبرة بمرحلة الحدوث والحالة السابقة غير الباقية.

فلو بنى على الأربع لدى الشكّ بينه وبين الثلاث ثمّ انقلب شكّه إلى الظنّ بالثلاث بنى عليه ، ولو انقلب الظنّ به إلى الشكّ عمل بمقتضاه ، كما أنّه لو انقلب الشكّ المزبور إلى الشكّ بين الثنتين والأربع مثلاً أو بالعكس أو انقلب الشكّ الصحيح إلى الفاسد أو بالعكس عمل بموجب الأخير في الجميع.

(٢) لا تخلو العبارة عن نوع من التشويش ، فانّ ظاهر العكس حدوث الشكّ بين الثنتين والأربع حال القيام وانقلابه بعد رفع الرأس من السجود إلى الشكّ

__________________

(*) لعلّه يريد بذلك الانقلاب من دون أن يمضي على شكّه.

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

٢٢٨

[٢٠٤٥] مسألة ٩ : لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ كما يتّفق كثيراً لبعض الناس كان ذلك شكّاً (١)

______________________________________________________

بين الثلاث والأربع ، مع أنّ الصلاة حينئذ محكومة بالبطلان ، لأنّ الشكّ بين الاثنتين والأربع قبل الإكمال من الشكوك الباطلة. ولا يبعد أن يريد به الانقلاب قبل الاسترسال في العمل والمضيّ على الشكّ ، فلاحظ.

(١) إذا حصلت في النفس حالة مردّدة بين الشكّ والظنّ لوسوسة ونحوها فقد ذكر في المتن أنّها محكومة بالشكّ.

وأشكل عليه غير واحد بأنّ كلا من الشكّ والظنّ حادث مسبوق بالعدم ولا طريق إلى إحراز واحد منهما بخصوصه بعد كونه على خلاف الأصل ، وعليه فامّا أن يعمل بموجبهما إن أمكن رعاية للعلم الإجمالي ، أو يبني على أنّها ظنّ بناءً على تفسير الشكّ في روايات الباب باعتدال الوهم ، والظنّ بعدم الاعتدال فيكون هو المطابق لمقتضى الأصل.

ولكن الصحيح ما أفاده في المتن ، وتوضيحه : أنّه قد يفرض الكلام في الشكوك الباطلة ، وأُخرى في الصحيحة.

إمّا الباطلة كما لو حصل الترديد بين الاولى والثنتين ، أو بين الرابعة والخامسة في حال الركوع ولم يعلم أنّه شكّ أو ظنّ ، فلا ينبغي الريب في لزوم معاملة الشكّ معه ، فانّ لفظ اعتدال الوهم لم يرد في شي‌ء من نصوص الشكوك الباطلة وإنّما الوارد فيها : أنّ من شكّ أو لا يدري أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين. كما في صحيحة زرارة وغيرها (١). فالمراد بالشكّ فيها خلاف اليقين ، المطابق للمعنى اللغوي ، الذي هو محرز بالوجدان.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١ ، ٦ وغيرهما.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، في صحيحة صفوان تقييده بعدم وقوع الوهم على شي‌ء ، قال : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (١) ، فكأنّ الموضوع مركّب من عدم العلم ومن عدم وقوع الوهم على شي‌ء.

أمّا الأوّل فمحرز بالوجدان كما عرفت. وأمّا الثاني فبمقتضى الاستصحاب إذ الأصل عدم وقوع وهمه على شي‌ء ، وهو عدم نعتي لا محمولي ، فلا يتوقّف على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي ، وإن كان المختار جريانه فيه أيضاً.

وإنّما يبتني عليه لو كانت العبارة هكذا : ولم يكن ما في نفسك ظنّ. لعدم وجود الحالة السابقة حينئذ ، فإنّ ما في النفس من أوّل وجوده إمّا شكّ أو ظنّ. نعم ، الاتصاف بأحدهما أمر حادث ، فيستصحب عدم الاتصاف من باب السالبة بانتفاء الموضوع وبنحو العدم الأزلي ، لكن لا حاجة إليه في المقام كما عرفت.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في الحكم بالبطلان لدى التردّد بين الظنّ وبين الشكّ المبطل ، فهو ملحق بالشكّ كما ذكره في المتن.

وأمّا في الشكوك الصحيحة فالمستفاد من بعض النصوص أنّ إطلاق دليل البناء على الأكثر مقيّد بالعنوان الوجودي وهو اعتدال الوهم ، كصحيحة [الحسين بن] أبي العلاء الخفاف : «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين ...» إلخ (٢) المؤيّدة بمرسلة جميل : «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار» (٣).

ومقتضى ذلك أنّه مع الشك في الاعتدال وأنّ الحالة الحاصلة شكّ أو ظنّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٢.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

يستصحب عدمه ، فلا يرتّب الأثر من البناء على الأكثر ، بل لا حاجة إلى الاستصحاب ، فانّ مجرّد الشكّ في الاعتدال وعدمه ملازم لعدم الاعتدال ، فهو محرز بالوجدان من غير حاجة إلى إثباته بالأصل.

والمستفاد من البعض الآخر تقييده بالعنوان العدمي وهو عدم وقوع الوهم على شي‌ء كصحيحة الحلبي : «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء» (١) وصحيحته الأُخرى : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء ...» إلخ (٢).

ومقتضى ذلك ترتيب الأثر لدى الشكّ ، استناداً إلى استصحاب عدم وقوع الوهم على شي‌ء ، فانّ الموضوع للبناء على الأكثر مؤلّف حينئذ من جزأين : كونه لا يدري وعدم وقوع الوهم على شي‌ء ، وبعد ضمّ الأوّل المحرز بالوجدان إلى الثاني الثابت ببركة الأصل يلتئم الموضوع فيرتّب الأثر ، فتكون النتيجة حينئذ على خلاف الأوّل ، لمطابقة القيد العدمي مع الأصل دون الوجودي.

وهناك طائفة ثالثة جمع فيها بين الأمرين ، فيظهر من صدرها أنّ القيد أمر عدمي ومن ذيلها أنّه عنوان وجودي ، كصحيحة أبي العباس البقباق : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث إلى أن قال : وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (٣).

فانّ المستفاد من صدرها أنّ القيد أمر عدمي ، وهو عدم وقوع الرأي على الثلاث أو على الأربع ، فإنّه قد تضمّن العمل بما وقع عليه الرأي ، الذي هو بمثابة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستثناء عن إطلاق دليل البناء على الأكثر. ومن المقرّر في محلّه (١) أنّ استثناء العنوان الوجودي عن العام يستدعي أن يكون الباقي تحته عدم ذاك العنوان فتكون النتيجة بعد ضمّ أحد الدليلين المستثنى والمستثنى منه إلى الآخر أنّ البناء على الأكثر مقيّد بعدم وقوع الرأي على شي‌ء كما ذكرنا. والمستفاد من ذيلها أنّ القيد عنوان وجودي ، وهو اعتدال الوهم.

ونحوها في الجمع بين الأمرين صحيحة محمّد بن مسلم (٢) ، فانّ صدرها دال على أنّ القيد عنوان وجودي وهو اعتدال الشكّ ، وذيلها على أنّه أمر عدمي وهو عدم كون أكثر وهمه الأربع أو الثنتين ، نعم الرواية غير مسندة إلى المعصوم (عليه السلام) وإنّما هي فتوى محمّد بن مسلم نفسه ، التي لا حجّية لها كما ذكرناه سابقاً (٣) فهي لا تصلح إلّا للتأييد.

وكيف ما كان ، فالروايات مختلفة وعلى طوائف ثلاث كما عرفت. والمستفاد من مجموعها أنّ الإطلاق في أدلّة البناء على الأكثر لم يكن باقياً على حاله ، بل هو مقيّد إمّا بعنوان وجودي أو عدمي أعني اعتدال الوهم ، أو عدم وقوع الوهم على شي‌ء وهما وإن كانا متلازمين خارجاً ومتّحدين بحسب النتيجة لكنّ الثمرة تظهر في إجراء الأصل لدى الشكّ في الاعتدال وأنّ الحالة الحاصلة شكّ أو ظنّ كما عرفت ، هذا.

وحيث إنّ من الظاهر عدم إمكان الجمع بين القيدين المزبورين ، لإغناء أحدهما عن الآخر ، ضرورة أنّ الاعتدال ووقوع الوهم على شي‌ء من الضدّين اللّذين لا ثالث لهما ، ولا معنى للجمع بين التقييد بأحد الضدّين وعدم الضدّ

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٢٦ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤.

(٣) في ص ٢٢٠.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الآخر ، كالحركة وعدم السكون ، لكون الثاني منهما لغواً محضاً ، فلا مناص من إرجاع أحد القيدين إلى الآخر ، وأنّ مورد الاعتبار أحدهما بخصوصه ، والآخر طريق إليه ومعرّف له ، فلا بدّ من تعيين ذلك القيد وأنّه العنوان الوجودي أو العدمي.

ويمكن أن يقال بالثاني ، وأنّ المستفاد من النصوص أنّ العبرة بعدم حصول الظنّ لا باعتدال الوهم ، نظراً إلى أنّ حكم الشارع بالعمل على ما وقع عليه الوهم الراجع إلى اعتبار الظنّ في باب الركعات لا يحتمل أن يكون من باب التعبّد البحت ولخصوصية في الظنّ بما هو ، بحيث يكتفى في مرحلة الامتثال بالإتيان بثلاث ركعات مقرونة بصفة الظنّ ، فانّ مرجعه إلى تجويز الاجتزاء بالامتثال الاحتمالي ، الذي هو بعيد غايته كما لا يخفى.

بل إنّما هو من أجل مراعاة الطريقية وكون الظنّ كاشفاً عن الواقع وحجّة عليه ، فكأنّ الظان محرز للركعة ، نظير من قامت عنده البيّنة. فالاعتبار بقيام الحجّة وعدمه ، ولازم ذلك أن يكون الحكم بالبناء على الأكثر لدى اعتدال الوهم من أجل انتفاء الحجّة وفقد الطريق على أحد طرفي الترديد ، لا لخصوصية للاعتدال في حدّ نفسه.

وبعبارة اخرى : الجاهل بعدد الركعات إمّا أن تقوم عنده حجّة عليها أو لا فالأوّل يعمل على طبق الحجّة ، والثاني إنّما يبني على الأكثر لكونه فاقداً للحجّة وغير محرز للواقع ، فأيّ أثر لاعتدال الوهم بعدئذ؟ وعليه فمع الشكّ في قيام الحجّة وحصول الظنّ يبني على أصالة العدم.

هذا كلّه بناءً على تسليم ارتكاب التقييد في إطلاق دليل البناء على الأكثر وتردّده بين الوجودي والعدمي ، ولكنّ الظاهر انتفاء التقييد رأساً ، وأنّ ما دلّ على حجّية الظنّ في باب الركعات حاكم على ذاك الدليل لا أنّه مقيّد له ، وإن

٢٣٣

وكذا لو حصل له حالة في أثناء الصلاة وبعد أن دخل في فعل آخر لم يدر أنّه كان شكّاً أو ظنّاً بنى على أنّه كان شكّاً إن كان فعلاً شاكّاً ، وبنى على أنّه كان ظنا إن كان فعلاً ظاناً ، مثلاً لو علم أنّه تردّد بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ولم يدر أنّه حصل له الظنّ بالثلاث فبنى عليه أو بنى عليه من باب الشكّ يبني على الحالة الفعلية. وإن علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين والثلاث وأنّه بنى على الثلاث وشكّ في أنّه حصل له الظنّ به أو كان من باب البناء في الشكّ

______________________________________________________

كانت الحكومة تقييداً بحسب النتيجة وفي مقام اللّب ، لكنّه لا تقييد في ظاهر الكلام كي يمنع عن التمسّك بالإطلاق لدى الشكّ في تحقّق القيد. فليفرض أنّ الروايات مجملات أو متعارضات ولم يتّضح منها أنّ القيد وجودي أو عدمي وكأنها لم تكن.

والوجه في الحكومة المزبورة : أنّ ما دلّ على حجّية الظنّ رافع لموضوع دليل البناء على الأكثر وهو الجهل بعدد الركعات وكونه لا يدري ، فإنّه بعد اعتبار الظنّ يكون عالماً ولو تعبّداً ، فلا يبقى بعدئذ موضوع لذاك الدليل ، لا أنّه يتقيّد بعدم الظنّ أو باعتدال الوهم.

فإطلاق دليل المحكوم باقٍ على حاله ، غايته أنّه يحتمل الاندراج تحت الدليل الحاكم بحصول الظنّ له ، وبعد نفيه بالأصل لم يكن أيّ مانع من التمسّك بالإطلاق السليم عن التقييد ، فإنّه لا يدري فعلاً وجداناً ولم يحصل له الظنّ بمقتضى الأصل ، فيحكم عليه بلزوم البناء على الأكثر.

فتحصّل : أنّ ما ذكره في المتن من إجراء حكم الشكّ على الحالة المتردّدة بينه وبين الظنّ هو الصحيح.

٢٣٤

فالظاهر عدم وجوب صلاة الاحتياط (*) عليه وإن كان أحوط (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت حكم الترديد في الحالة الفعلية وأنّها شكّ أو ظنّ ، وأمّا لو كان التردّد في الحالة السابقة بعد الدخول في فعل آخر ، فهذا قد يكون في أثناء الصلاة كما لو علم أنّه تردّد بين الاثنتين والثلاث وأنّه بنى على الثلاث ، ولم يدر أنّه حصل له الظنّ بالثلاث فبنى عليه ، أو أنّه بنى عليه من باب الشكّ والبناء على الأكثر كي تجب عليه ركعة الاحتياط. وقد يكون بعد الفراغ من الصلاة.

أمّا في الصورة الأُولى : فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يبني على أنّه كان شكّاً إن كان فعلاً شاكاً ، وعلى أنّه كان ظنا إن كان فعلاً ظاناً.

وغير خفي أنّ في عبارته (قدس سره) مسامحة ظاهرة ، إذ لا أثر للبناء على مطابقة الحال السابقة للحاضرة بعد أن كانت العبرة بالحال الحاضرة ، بل لو كان عالماً بالمخالفة لم يكن به بأس فضلاً عن الشكّ ، فانّ الظنّ السابق أو الشكّ إنّما يترتّب عليه الأثر لو كان باقياً على حاله دون ما لو زال وانقلب إلى غيره إذ المتعيّن حينئذ العمل بمقتضى الأخير ، لكون المدار على مرحلة البقاء دون الحدوث ، كما تقدّم في المسألة السابقة. فأيّ أثر بعد هذا البناء المزبور ، وما هو الموجب لذلك؟

وأمّا في الصورة الثانية : فقد حكم في المتن بعدم وجوب صلاة الاحتياط عليه. وهو مبنيّ على أنّ ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية وإن كان الداعي على إيجابها تدارك النقص المحتمل ، إذ عليه يكون الأمر بنفس الصلاة ساقطاً جزماً ، وإنّما الشكّ في تعلّق أمر جديد بصلاة الاحتياط

__________________

(*) لا يبعد وجوبها.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وبعبارة اخرى : مقتضى البناء على الاستقلال سقوط جزئية الركعة في ظرف الشكّ ، وتشريع صلاة أُخرى بداعي التدارك على تقدير النقص. وبعد احتمال حصول الظنّ وعدم عروض الشكّ يشكّ في تعلّق الأمر بتلك الصلاة ، فيندفع بأصالة البراءة.

ويكون الوجه في احتياطه (قدس سره) مراعاة الاحتمال الآخر في تلك الصلاة وأنّها جزء متمّم من الصلاة الأصلية ، إذ عليه يجب الإتيان بصلاة الاحتياط عملاً بقاعدة الاشتغال ، لرجوع الشكّ حينئذ إلى مرحلة الامتثال والخروج عن عهدة التكليف المعلوم المتعلّق بالركعة الرابعة ، لا إلى مقام الجعل وحدوث التكليف الجديد ، هذا.

ولكن الظاهر وجوب الإتيان بركعة الاحتياط على التقديرين. أمّا على التقدير الثاني فظاهر كما مرّ ، وأمّا على التقدير الأوّل فلعدم كون المقام من موارد الرجوع إلى البراءة ، وذلك من أجل وجود الأصل الحاكم المنقّح لموضوع صلاة الاحتياط ، فانّ موضوعها التردّد بين الثنتين والثلاث وعدم وقوع الوهم على شي‌ء ، أي عدم حصول الظنّ. والأوّل محرز بالوجدان حسب الفرض والثاني ثابت بمقتضى الأصل ، وبذلك يلتئم الموضوع ويرتّب الأثر ، هذا.

وربما يتمسّك لنفي صلاة الاحتياط بقاعدة الفراغ.

وفيه : أنّ صحّة الصلاة مقطوعة على كلّ تقدير ، ولا يحتمل الفساد ليدفع بقاعدة الفراغ ، فلا شكّ في كون وظيفته هو البناء على الثلاث وفي أنّه قد عمل بهذه الوظيفة ، وإنّما الشكّ في منشأ ذلك وأنّ سببه الظنّ بالثلاث أو البناء على الأكثر. ومن البيّن أنّ القاعدة لا تتكفّل لإثبات السبب وتعيينه. فلا مجال للرجوع إليها في مثل المقام ، بل المرجع إمّا أصالة البراءة أو قاعدة الاشتغال حسبما عرفت.

٢٣٦

[٢٠٤٦] مسألة ١٠ : لو شكّ في أنّ شكّه السابق كان موجباً للبطلان أو للبناء (١) بنى على الثاني ، مثلاً لو علم أنّه شكّ سابقاً بين الاثنتين والثلاث وبعد أن دخل في فعل آخر أو ركعة أُخرى شكّ في أنّه كان قبل إكمال السجدتين حتّى يكون باطلاً أو بعده حتّى يكون صحيحاً بنى على أنّه كان بعد الإكمال ، وكذا إذا كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة.

______________________________________________________

(١) كما لو علم في حال القيام أنّه شكّ سابقاً بين الثنتين والثلاث ، المستلزم لشكّه الفعلي في أنّ ما بيده الثالثة أو الرابعة ، ولكن لم يدر أنّ شكّه السابق هل كان قبل إكمال السجدتين وقد استمرّ عليه غافلاً ليستوجب بطلان الصلاة أو كان بعد الإكمال وقد بنى على الثلاث حتّى يكون صحيحاً ، ومثله ما لو طرأ الشكّ المزبور حال التشهّد أو بعد الفراغ من الصلاة. وقد حكم (قدس سره) بأنّه يبني على أنّه كان بعد الإكمال.

وربما يستدلّ له بجريان قاعدة الفراغ في السجدتين ، فانّ الشكّ المذكور إن كان عارضاً قبل الإكمال بطلت السجدتان كأصل الصلاة ، وإلّا كانتا صحيحتين فببركة القاعدة الجارية فيهما يبني على الثاني.

وفيه : أنّ مورد القاعدة الشكّ في صحّة العمل المأتي به وانطباق المأمور به عليه بعد العلم بتعلّق الأمر به ، وأمّا مع الشكّ في أصل وجود الأمر فلا تجري القاعدة لإثباته وتعيين الوظيفة الفعلية.

فلو شكّ في صحّة الغسل من أجل الشكّ في كونه جنباً ليكون مأموراً بالاغتسال ، أو شكّ في صحّة الصلاة بعد الفراغ منها من أجل الشكّ في دخول الوقت وتعلّق الأمر بها ، فلا يمكن إجراء القاعدة لإثبات الأمر بالغسل أو الصلاة لما عرفت من أنّها ناظرة إلى مرحلة الامتثال وتصحيح العمل لدى تفريغ الذمّة

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الأمر المتعلّق به ، الذي هو متفرّع على أصل وجود الأمر وفي مرتبة متأخّرة عنه ، فلا يمكن إثباته بها.

والمقام من هذا القبيل ، فانّ تعلّق الأمر بالسجدتين مشكوك فيه ، لجواز عروض الشكّ قبل الإكمال المستوجب للبطلان وسقوط الأمر بالإتمام والإتيان ببقية الأجزاء ، فلم يحرز الأمر بالسجدتين في شخص هذه الصلاة ليرجع الشكّ إلى مرحلة التطبيق والامتثال ، نعم الأمر بالطبيعي ولو في ضمن فرد آخر من الصلاة محرز ، لكن مورد القاعدة إنّما هو الشخصي لا الكلّي كما هو ظاهر.

بل الوجه فيما أفاده الماتن (قدس سره) هو التمسّك باستصحاب عدم عروض الشكّ قبل الإكمال فينفى موجب البطلان بمقتضى الأصل.

نعم ، قد يورد عليه بأنّ المعتبر إحراز حدوث الشكّ بعد الإكمال ، ليكون على يقين من إحراز الركعتين وسلامتهما عن الشكّ. ومن المعلوم أنّ الأصل المزبور لا يتكفّل لإثبات ذلك.

ويندفع بعدم أخذ الحدوث في شي‌ء من أدلّة الشكوك الصحيحة ، وإنّما المعتبر أن لا يكون الشكّ حادثاً قبل الإكمال ، الذي هو الموضوع للبطلان. فالشكّ بين الثنتين والثلاث المحكوم بالبناء على الأكثر موضوعه عروض الشكّ المزبور وأن لا يكون قبل الإكمال. أمّا الأوّل فمحرز بالوجدان حسب الفرض وأمّا الثاني فبمقتضى الأصل ، ولا يعتبر اتصاف الشكّ بحدوثه بعد الإكمال.

نعم ، يعتبر أن لا يكون هذا الشكّ مسبوقاً بشكّ مبطل ، وإلّا لزم اللّغوية في دليل ذلك الشكّ ، وأمّا الاتصاف بالحدوث بعده فغير مأخوذ في شي‌ء من الأدلّة. وعليه فلا مانع من التمسّك بالاستصحاب المزبور وتنقيح الموضوع به.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو علم وهو بعد الإكمال بتردّده قبل الإكمال بين

٢٣٨

(٢٠٤٧) مسألة ١١ : لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة أنّ شكّه هل كان موجباً للركعة بأن كان بين الثلاث والأربع مثلاً ، أو موجباً للركعتين بأن كان بين الاثنتين والأربع ، فالأحوط الإتيان بهما ثمّ إعادة الصلاة (*) (١).

______________________________________________________

الثنتين والثلاث ولم يدر أنّه كان شكاً أم ظنا على ما مرّت الإشارة إليه في المسألة السابقة بنى بمقتضى أصالة عدم عروض المبطل على عدم كونه شكّاً فهو كما لو شكّ ابتداءً في حصول الشكّ المبطل قبل ذلك ، المحكوم بعدم الاعتناء.

(١) أمّا وجوب الاحتياط بالإتيان بهما فلأجل العلم الإجمالي بوجوب إحدى الصلاتين المردّدة بين الركعة والركعتين ، اللّتين هما من المتباينين كما لا يخفى. وأمّا الإعادة فلاحتمال كون الواجب ما يفعله ثانياً فتكون الأُولى فاصلة بينها وبين الصلاة الأصلية بناءً على قدح مثل هذا الفصل.

أقول : الجمع بين الإتيان بهما وبين الإعادة ممّا لا وجه له ، بل إمّا يجب الأوّل أو الثاني ، فانّا إذا بنينا على أنّ صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية وإن كانت الحكمة الداعية لإيجابها تدارك النقص المحتمل ، ومن هنا جاز بناءً على هذا القول تخلّل الفصل بينهما حتى اختياراً بمثل حدث ونحوه ، فيتوضّأ ثمّ يأتي بركعة الاحتياط فلا موجب حينئذ للإعادة لعدم احتمال قدح الفصل المزبور حسب الفرض.

وأمّا إذا بنينا على أنّها جزء متمّم على تقدير النقص قد أُخّر ظرفه ومحلّه وزيادة السلام مغتفرة ، كما أنّها نافلة على التقدير الآخر ، فحيث إنّ تخلّل الفصل

__________________

(*) والأظهر جواز رفع اليد عن صلاة الاحتياط بإبطالها في هذا الفرع وفيما بعده ثمّ إعادة الصلاة.

٢٣٩

[٢٠٤٨] مسألة ١٢ : لو علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه طرأ له الشكّ في الأثناء لكن لم يدر كيفيّته من رأس فإن انحصر في الوجوه الصحيحة أتى بموجب الجميع وهو ركعتان من قيام وركعتان من جلوس وسجود السهو ثمّ الإعادة ، وإن لم ينحصر في الصحيح بل احتمل بعض الوجوه الباطلة استأنف الصلاة ، لأنّه لم يدر كم صلّى (١).

______________________________________________________

قادح على هذا المبنى فصلاة الاحتياط غير نافعة حينئذ بطبيعة الحال ، إذ لا تتّصف الركعة بالجزئية على تقدير النقص بعد احتمال تخلّل الفصل بالأجنبي المانع عن صلاحية الانضمام بالصلاة الأصلية ، فلا يجوز الاقتصار عليها في مقام تفريغ الذمّة عن الركعة المشكوكة.

وعليه فيجوز له رفع اليد عن صلاة الاحتياط بإبطالها وعدم الإتيان بها رأساً ، بعد وضوح عدم شمول دليل حرمة القطع لمثل المقام ممّا لا يتمكّن معه من إتمامها صحيحة والاقتصار عليها في مقام الامتثال ، فإنّ الحرمة على تقدير تسليمها غير شاملة لمثل ذلك قطعاً.

فالمتعيّن حينئذ إعادة الصلاة عملاً بقاعدة الاشتغال ، ولا موجب للإتيان بركعة الاحتياط ، هذا.

وحيث إنّ الأقوى عندنا هو المبنى الثاني كما سيأتي (١) فلا تجب عليه إلّا الإعادة.

(١) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى ما إذا انحصرت أطراف الشبهة في الشكوك الصحيحة ، وما إذا احتمل معها لبعض الشكوك الباطلة أيضاً.

__________________

(١) في ص ٢٧٧ وما بعدها.

٢٤٠