موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

التاسع : الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، فإنّه يهدم القيام فيرجع شكّه إلى ما بين الأربع والخمس ، فيتمّ ويسجد سجدتي السهو مرّتين (*) إن لم يشتغل بالقراءة أو التسبيحات ، وإلّا فثلاث مرّات ، وإن قال : «بحول الله» فأربع مرّات ، مرّة للشكّ بين الأربع والخمس وثلاث مرّات لكلّ من الزيادات من قوله : «بحول الله» والقيام والقراءة أو التسبيحات. والأحوط في الأربعة المتأخّرة بعد البناء وعمل الشكّ إعادة الصلاة أيضاً.

______________________________________________________

وحكم الكلّ أنّه يهدم القيام ويجلس ، فيرجع شكّه بعدئذ إلى أحد الشكوك المنصوصة المتقدّمة ، ويعمل بموجبها. ففي الأوّل يرجع شكّه بعد الهدم إلى الشكّ ما بين الثلاث والأربع ، وفي الثاني إلى ما بين الاثنتين والأربع ، وفي الثالث إلى ما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، وفي الرابع إلى ما بين الأربع والخمس ، فيعمل على حسب وظيفته في هذه الشكوك التي مرّت أحكامها.

نعم ، ذكر (قدس سره) في خصوص الأخير أنّه يأتي بسجدتي السهو مرّتين مرّة لأجل الشكّ بين الأربع والخمس ، ومرّة أُخرى لأجل القيام الزائد ، ولو كان قد أتى بزيادات اخرى من القراءة أو التسبيحات أو قولِ «بحول الله» ، أتى بالسجدتين لكلّ واحدة من تلك الزيادات.

أقول : لا بدّ من التكلّم في جهتين : الاولى : في حكم الشكوك المزبورة مع كونها غير منصوصة. الثانية : فيما أفاده (قدس سره) من تخصيص الأخير بسجدتي السهو لأجل القيام الزائد مع كونه مشتركاً فيه في جميع هذه الفروض الأربعة،فماهوالموجب للتخصيص؟

__________________

(*) على الأحوط.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الجهة الأُولى : فالمشهور والمعروف هو ما عرفت من هدم القيام والعمل بعد رجوع الشكّ إلى أحد الشكوك المنصوصة المتقدّمة بموجبها.

وعن بعضهم البطلان ، نظراً إلى انتفاء النصّ في المقام ، ولا دليل على الهدم وإرجاع الشكّ إلى شكّ آخر. وأدلّة الشكوك المنصوصة منصرفة إلى ما كان كذلك ابتداءً ، لا ما كان منقلباً عن شكّ آخر. وحينئذ فمقتضى القاعدة البطلان إمّا لقاعدة الاشتغال ، أو لإطلاق صحيحة صفوان المتقدّمة (١) بعد وضوح عدم الرجوع إلى الاستصحاب ، لإلغائه في هذا الباب.

ولكنّ الصحيح ما عليه المشهور ، فانّ الشكوك المزبورة وإن كانت مغايرة بحسب الصورة لموارد الشكوك المنصوصة ، إلّا أنّها راجعة إليها لدى التحليل ومشمولة لإطلاق أدلّتها حتّى قبل هدم القيام ، من غير حاجة إلى الهدم ثمّ الإرجاع ليورد بعدم الدليل على الهدم.

فالشاكّ بين الأربع والخمس حال القيام يصدق في حقّه وقتئذ حقيقة أنّه لم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً ، المأخوذ موضوعاً للحكم بالبناء على الأربع في صحيحة الحلبي والبقباق وغيرهما (٢) ، فإنّه وإن كان شاكاً في أنّ ما بيده هل هي الرابعة أم الخامسة إلّا أنّ مرجع ذلك إلى الشكّ في أنّه هل دخل في الرابعة أم في الخامسة ، وهو عين الشكّ في أنّه هل صلّى ثلاثاً أم أربعاً ، إذ لو كان دخل في الرابعة فقد صلّى الثلاث ، ولو كان داخلاً في الخامسة فقد صلّى الأربع فيندرج في موضوع النصّ المزبور حقيقة ، فيبني على الأربع ويلزم عليه هدم القيام ، لأنّه وقع زائداً.

__________________

(١) في ص ١٥١.

(٢) وقد تقدّمت في ص ١٨٧.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، بعض تلك النصوص كصحيحة زرارة : «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع ...» إلخ (١) غير منطبق على المقام كما لا يخفى ، إلّا أنّ بعضها الآخر كالصحيحة المزبورة ونحوها غير قاصر الشمول لما نحن فيه كما عرفت.

وكذا الحال في الشاكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، فإنّه يصدق حينئذ حقيقة أنّه لم يدر أربعاً صلّى أم خمساً ، المحكوم بوجوب البناء على الأربع في صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها (٢) بالتقريب المتقدّم آنفاً ، نعم يختصّ ذلك بما إذا لم يكن داخلاً في الركوع ، وإلّا كانت الصلاة باطلة ، للعلم بالزيادة القادحة وهي الركوع فقط ، أو هو مع الركعة التامّة ، فتكون الصلاة فاسدة على أيّ حال. وممّا ذكرنا يظهر الحال في الشكّين الآخرين.

وبالجملة : فإطلاق الدليل في الشكوك المنصوصة غير قاصر الشمول لجميع الفروض الأربعة المتقدّمة ، وهي بعينها من مصاديق العناوين المأخوذة في تلك الأدلّة من غير حاجة إلى قلب الشكّ وإرجاعه إليها بعد الهدم.

وعمدة السرّ هي ما عرفت من أنّ الموضوع في تلك الأدلّة الشكّ في عدد الركعات التامّة الصادرة منه خارجاً وأنّه صلّى أربعاً أو خمساً مثلاً ، أو ثلاثاً أو أربعاً وهكذا ، لا في عدد الناقصة وأنّ ما بيده أيّ شي‌ء ، وذاك الموضوع بعينه محفوظ حتّى بعد الدخول في الركعة الأُخرى.

وممّا ذكرنا تعرف ما في كلام الماتن وغيره من المسامحة ، حيث عبروا برجوع الشكّ إلى ما سبق بعد الهدم والجلوس ، مع أنّه راجع إليه قبل الهدم أيضاً حسبما عرفت.

وأمّا الجهة الثانية : فالكلام من حيث سجود السهو لما عدا القيام من

__________________

(١) وقد تقدّمت في ص ١٨٧ ، ١٩٨.

(٢) وقد تقدّمت في ص ١٨٧ ، ١٩٨.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

القراءة ونحوها موكول إلى محلّه (١) عند البحث عن أنّ سجدة السهو هل تجب لكلّ زيادة ونقيصة أم تختصّ بالموارد المنصوصة ، وستعرف الحال فيها إن شاء الله تعالى.

وأمّا من حيث القيام فالصحيح هو ما أفاده الماتن (قدس سره) من التخصيص بالقسم الأخير ، وعدم انسحابه إلى بقية الفروض وإن شاركته في زيادة القيام.

والوجه في ذلك : ما أشرنا إليه في مطاوي بعض الأبحاث السابقة من أنّ الأدلّة المتكفّلة لإثبات حكم لعنوان الزيادة ، سواء أكان هو البطلان كما في موارد الزيادة العمدية ، أم كان سجود السهو كما في زيادة القيام سهواً أو غيره بناءً على ثبوته لكلّ زيادة ونقيصة منصرفة إلى ما إذا أوجد الزائد ابتداءً.

ولا تعمّ ما إذا أحدث وصف الزيادة لما كان ، بأن عمل عملاً استوجب اتصاف ما صدر منه سابقاً بعنوان الزيادة ، كما لو شرع في السورة وقبل بلوغ النصف بدا له في العدول إلى سورة أُخرى الموجب لاتصاف ذاك النصف بصفة الزيادة بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، أو تلفّظ بكلمة من الآية ثمّ مكث مقداراً فاتت معه الموالاة المعتبرة بينها وبين الكلمة اللّاحقة الموجب لإعادتها أو تلفّظ ببعض الكلمة كـ (ما) في مالك فلم يتمّها ورفع اليد عنها ولو عامداً ثمّ أعادها.

ففي جميع ذلك يحكم بالصحّة ولو كان متعمّداً ، ولا تكون مشمولة لأدلّة الزيادة العمدية ، لاختصاصها كما عرفت بما إذا أوقع الزائد ، لا ما إذا أعطى صفة الزيادة لما وقع ، وكذا الحال في موجبات سجود السهو فلا نعيد.

وعليه فبما أنّ القيام في القسم الأخير موصوف بالزيادة من حين حدوثه

__________________

(١) في ص ٣٦١.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لفرض القطع بتحقّق الأربع الذي هو لازم الشكّ بين الخمس والستّ ، فهو موجب لسجود السهو بلا إشكال ، وأمّا في بقية الفروض فلم تحرز الزيادة لدى الحدوث ، لجواز كونه واقعاً في محلّه بحسب الواقع ، وإنّما عرضت له صفة الزيادة بعد حصول الشكّ وحكم الشرع بالبناء على الأربع المستتبع للهدم ، وإلّا فلولا الشكّ وحكم الشرع لم تكن الزيادة محرزة للقيام أبداً. فهي صفة عارضة وحالة طارئة ، وقد عرفت أنّ أدلّة الزيادة منصرفة عن مثل ذلك.

ولا يقاس المقام بما لو شكّ بين الثلاث والأربع حال الجلوس فبنى على الأربع وتشهّد ثمّ غفل وقام إلى الركعة الأُخرى سهواً ، المحكوم فيه بوجوب سجدتي السهو لأجل القيام الزائد بلا إشكال مع احتمال كونه في محلّه بحسب الواقع ، فلم يكن محرزاً للزيادة عند حدوثه.

للفرق الواضح بينه وبين ما نحن فيه ، إذ بعد أن حكم الشارع هناك بالبناء على الأربع فالركعة التي بيده محكومة ظاهراً بأنّها الرابعة ، ويجب أن يتعامل معها معاملة الرابعة الواقعية التي منها اتصاف ما يزيد عليها بصفة الزيادة منذ حدوثه ، فالقيام بعد ذلك إحداث للزائد من أوّل الأمر ، وبما أنّه سهوي فهو موجب لسجدتي السهو.

وهذا بخلاف المقام ، فانّ القيام هنا قد حصل قبل الشكّ ، ولم يكن آن ذاك محكوماً بالزيادة ، وإنّما اتصف بها بعد عروض الشكّ وحكم الشرع بالبناء على الأربع المستلزم للهدم ، فقد طرأت له صفة الزيادة فيما بعد. وقد عرفت أنّ أدلّة الزيادة منصرفة عن مثل ذلك. فلا موجب لسجود السهو في المقام كما ذكرناه. وبذلك يظهر الفرق بين القسم الأخير وما عداه من الفروض الثلاثة كما صنعه في المتن.

٢٠٥

كما أنّ الأحوط في الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس العمل بموجب الشكّين ثمّ الاستئناف (١).

______________________________________________________

(١) بعد ما فرغ (قدس سره) من حكم الشكوك الباطلة وهي ثمانية ، ومن حكم الشكوك الصحيحة وهي تسعة حسبما مرّ ، تعرّض (قدس سره) لحكم الشكّ المركّب من شكّين صحيحين ، وذكر له فرعين ، وحكم بأنّ مقتضى الاحتياط العمل بموجب الشكّين ثم الاستئناف.

أحدهما : الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس ، فإنّه مؤلّف من الشكّ بين الاثنتين والأربع وحكمه البناء على الأربع والإتيان بركعتي الاحتياط قائماً والشكّ بين الأربع والخمس وحكمه البناء على الأربع والإتيان بسجدتي السهو.

ثانيهما : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، فإنّه مؤلّف من الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الأربع والخمس ، فيعمل بموجب الشكّين في كلّ منهما ، هذا.

ولا ينحصر الشكّ المزبور في هذين الفرعين ، بل هناك فرع ثالث وهو الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فإنّه أيضاً مركّب من شكّين صحيحين منصوصين ، أحدهما : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر : الشكّ بين الأربع والخمس.

وكيف ما كان ، فلعلّ المعروف والمشهور أنّ الشكّ المركّب محكوم بالصحّة فإنّه وإن لم يكن بخصوصه مورداً للنصّ ، إلّا أنّه ينحلّ إلى شكّين بسيطين يجري في كلّ منهما حكمه ، عملاً بإطلاق دليله الشامل لصورتي الاقتران بشكّ آخر وعدمه. فالشكّ في المركّب تابع للبسائط ومحكوم بأحكامها ، والهيئة الاجتماعية غير مانعة عن ذلك بعد إطلاق أدلّة البسائط. وهذا هو الظاهر من عنوان صاحب الوسائل.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وناقش فيه صاحب الجواهر (قدس سره) (١) نظراً إلى انصراف الأدلّة إلى صورة انفراد الشكّ وبساطته وعدم انضمامه مع شكّ آخر ، فالمركّب خارج عن إطلاق أدلّة البسائط ، فهو عارٍ عن النصّ ، ومثله محكوم بالبطلان.

وعن العلّامة الطباطبائي (قدس سره) (٢) دعوى الإجماع على البطلان فيما لو كان الشكّ مركّباً من صحيح وباطل ، وأنّ محلّ الكلام ما لو كان مركّباً من شكّين صحيحين ، هذا.

والذي ينبغي أن يقال في المقام بعد وضوح أنّ محلّ الكلام ما إذا كان احتمال الخمس طرفاً للتركيب ، وإلّا فالشكّ فيما دونه كالشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، الملفّق من الشكّ بين الاثنتين والأربع ، والثلاث والأربع بخصوصه مورد للنصّ كما مرّ ـ : إنّ نصوص الشكّ بين الأربع والخمس كلّها ظاهرة في الاختصاص بحالة الانفراد ، كقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً ...» إلخ (٣).

فانّ الظاهر من مثل هذا التعبير وكلّ نصوص الباب من هذا القبيل أنّ مورد الشكّ دائر بين الأربع والخمس على سبيل منع الخلوّ ، وهو الشكّ البسيط بحيث لم يكن ثمة احتمال ثالث ، فلو انضمّ معه احتمال آخر كالثلاث خرج الشكّ عن كونه بنحو منع الخلوّ الذي هو المتراءى والمنسبق إلى الذهن من مثل ذاك اللسان. فلا ينبغي الترديد في خروج فرض التركيب عن منصرف هذه النصوص. ودعوى الإطلاق فيها غير مسموعة.

وهكذا الحال في نصوص الشكّ بين الثلاث والأربع ، أو الثنتين والأربع ، فانّ بعضها وإن لم تكن بهذا اللسان إلّا أنّ كثيراً منها مشتمل على التعبير المزبور

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ٣٦٠.

(٢) حكاه عنه في الجواهر ١٢ : ٣٦٠.

(٣) تقدّمت في ص ١٩٨.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر في القضية المنفصلة مانعة الخلوّ كما لا يخفى على من لاحظها ، فلا تعمّ صورة انضمام احتمال الخمس بتاتاً.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في عدم مشمولية الشكوك المركّبة لأدلّة البسائط ، وحيث لم يرد فيها نصّ خاصّ فلا مناص من الحكم بالبطلان إمّا لقاعدة الاشتغال أو لإطلاق صحيحة صفوان (١).

وقد يستدلّ للبطلان في الفرعين المتقدّمين باستلزامهما لانضمام شكّ ثالث باطل ، وهو الشكّ بين الثنتين والخمس في الأوّل ، والثلاث والخمس في الثاني فإنّ محلّ الكلام فيهما حدوث الشكّ بعد تمام الركعة كما لا يخفى ، وحينئذ فيندرجان في معقد الإجماع المدّعى في كلام العلّامة الطباطبائي على البطلان في الشكّ المركّب من صحيح وباطل.

أقول : مراد السيّد الطباطبائي (قدس سره) ممّا ادّعاه في معقد الإجماع ما إذا كان الشكّ الباطل المنضمّ إلى الصحيح على وجه لم يكن قابلاً للتصحيح ، ولم يكن ثمة مؤمّن عنه ، كالشكّ بين الثنتين والأربع والستّ المركّب من الشكّ بين الثنتين والأربع الصحيح ، والأربع والستّ الباطل ، فإنّ الثاني غير قابل للإصلاح بوجه.

وهذا بخلاف المقام ، فانّ الشكّ بين الثنتين والخمس والثلاث والخمس المحكوم بالبطلان في حدّ نفسه وإن كان هنا موجوداً أيضاً ، إلّا أنّه بعد حكم الشارع بالبناء على الأربع وإلغاء الخمس بمقتضى فرض الشكّ بينهما الذي هو أحد طرفي الشكّ المركّب في الفرعين المزبورين فاحتمال الخمس ساقط ، ووجوده كالعدم ، لكونه ملغى في نظر الشارع بعد حكمه بالبناء المذكور. وبذلك يعالج الشكّ الباطل المزبور لوجود المؤمّن عنه.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٥١.

٢٠٨

[٢٠٣٩] مسألة ٣ : الشكّ في الركعات ما عدا هذه الصّور التسعة موجب للبطلان كما عرفت (١) ، لكن الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقلّ صحيحاً والأكثر باطلاً كالثلاث والخمس والأربع والستّ ونحو ذلك البناء على الأقلّ والإتمام ثمّ الإعادة ، وفي مثل الشكّ بين الثلاث والأربع والستّ يجوز البناء على الأكثر الصحيح وهو الأربع والإتمام وعمل الشكّ بين الثلاث والأربع ثمّ

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : بعد فرض تسليم شمول أدلّة البسائط للمركّبات كما هو المفروض في كلام المستدلّ ، فالشكّ بين الأربع والخمس الذي هو طرف للمركّب محكوم بالبناء على الأقلّ بحكم الشرع ، الراجع إلى نفي الزائد هنا بالاستصحاب المعتبر لدى العامّة في جميع الأبواب ، فبعد تأمينه عن احتمال الخمس ونفيه بالأصل الذي هو حجّة في خصوص المقام ، فبطبيعة الحال يرتفع الشكّ المبطل وتنحصر أطراف المركّب في الشكوك الصحيحة ، فيخرج عندئذ عن معقد الإجماع المدّعى في كلامه (قدس سره).

فالصحيح هو منع الإطلاق في تلك الأدلّة كما عرفت. وحيث إنّ إطلاقات البناء على الأكثر غير شاملة للمقام أيضاً كما لا يخفى ، فلا مناص من الحكم بالبطلان ، لقاعدة الاشتغال أو إطلاق صحيحة صفوان.

(١) أي عرفت البطلان فيما عدا التسع من القيود المأخوذة في موضوع الشكوك التسعة الصحيحة التي تقدّمت الإشارة إليها ، مثل قيد بعد الإكمال المأخوذ في الشكّ الخامس ، حيث يعرف منه بطلان الشكّ بين الأربع والخمس لو كان قبل إكمال السجدتين لخروجه عن مورد النصّ كما مرّ ، ومثل قيد حال القيام المأخوذ في الشكّ السادس إلى التاسع ، الذي يظهر منه البطلان لو كان الشكّ حال الركوع لامتناع تصحيح الصلاة حينئذ كما مرّت الإشارة إليه (١). وبالجملة : البطلان فيما

__________________

(١) في ص ٢٠٢.

٢٠٩

الإعادة ، أو البناء على الأقلّ وهو الثلاث ثمّ الإتمام ثمّ الإعادة (١).

______________________________________________________

عدا الصور التسع معلوم ممّا سبق ، وقوله : كما عرفت ، إشارة إلى ذلك.

(١) أفاد (قدس سره) أنّ في موارد الشكوك الباطلة وإن جاز رفع اليد عن الصلاة لكنّ الأحوط البناء على الأقلّ لو كان هو الصحيح ، ونفي الزائد الباطل بالأصل ، كما في الشكّ بين الثلاث والخمس بعد الدخول في الركوع ، والشكّ بين الأربع والستّ ، فيتمّها ثمّ يعيدها ، كما أنّه لو كان في البين أكثر صحيح كالشكّ بين الثلاث والأربع والستّ يبني عليه ويعمل عمل الشكّ بين الثلاث والأربع أو يبني على الأقلّ وهو الثلاث وينفي الزائد بالأصل ثمّ يعيدها بعد الإتمام.

أقول : إن أُريد من الاحتياط المزبور رعاية مجرّد احتمال الصحّة الواقعية لم يكن به بأس ، فإنّ الاحتياط حسن على كلّ حال ، وإلّا فهو بحسب الصناعة ضعيف جدّاً ، لابتنائه على مراعاة دليل حرمة قطع الفريضة المحتمل شموله للمقام والذي كان هو المستند في وجوب العمل بأحكام الشكوك الصحيحة في مواردها وإلّا فأدلّة الشكوك غير ناظرة إلّا لبيان كيفية العلاج والإرشاد إلى طريقة التصحيح ، ولا تعرّض فيها لوجوب العمل بمقتضياتها ، بحيث لولا دليل حرمة القطع لأمكن القول بجواز رفع اليد عن الصلاة وترك العمل بتلك الأدلّة ، لما عرفت من عدم كونها بصدد البيان إلّا من تلك الجهة.

لكنّ الدليل المذكور غير شامل للمقام قطعاً ، فانّ مستنده الإجماع المدّعى على حرمة القطع ، وهو لم تمّ خاصّ بما إذا تمكّن المصلي من إتمام الصلاة صحيحاً والاقتصار عليها والاجتزاء بها في مقام الامتثال ، فشموله للصلاة المحكومة بالبطلان ولو ظاهراً التي لا يجوز الاكتفاء بها في مقام تفريغ الذمّة كما فيما نحن فيه غير معلوم ، بل معلوم العدم كما لا يخفى. فلا مقتضي للاحتياط إلّا مجرّد الاحتمال العاري عن كلّ دليل.

٢١٠

(٢٠٤٠) مسألة ٤ : لا يجوز العمل بحكم الشكّ من البطلان أو البناء بمجرّد حدوثه بل لا بدّ من التروّي (*) والتأمّل حتّى يحصل له ترجيح أحد الطرفين أو يستقر الشكّ ، بل الأحوط في الشكوك غير الصحيحة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارة في الشكوك الصحيحة ، وأُخرى في غير الصحيحة.

أمّا الأوّل : فمقتضى إطلاق الأدلّة عدم وجوب التروّي ، لصدق عنوان الشكّ المأخوذ موضوعاً فيها بمجرّد حدوثه ، كما هو الحال في سائر موارد الشكوك المأخوذة موضوعاً للأحكام الشرعية الظاهرية كالاستصحاب وأصل البراءة ونحوهما ، إذ لا فرق بينها وبين المقام في اقتضاء إطلاق الدليل عدم اعتبار التروّي.

وعلى تقدير التسليم فغايته اعتبار التروّي في ترتيب أثر الشكّ والعمل به لا في جواز المضيّ في الصلاة متروّياً كي يتّضح الحال ويرتّب الأثر بعدئذ ، كما لو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع ، فإنّه لا مانع حينئذ من الاسترسال والمضيّ في الصلاة وهو مشغول بالتروّي إلى أن يرفع رأسه من السجدة الثانية فإن استقرّ رأيه وإلّا بنى على الأربع ، فإنّ هذه الركعة محكومة بالصحّة الواقعية على كلّ تقدير كما لا يخفى.

وبالجملة : فلم نجد ما يدلّ على لزوم المكث والكفّ لدى عروض الشكّ والانتظار والتروّي ثمّ المضيّ في الصلاة حتّى فيما إذا لم يظهر أثر الشكّ في هذا

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد عدم وجوبه.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الحال ، فإنّ الإطلاقات دافعة لهذا الاحتمال ، ومؤيّدة بما ورد من دخول الوهم في الأخيرتين وعدم دخوله في الأولتين ، فإنّ المراد بعدم الدخول عدم المضيّ فيهما مع الشكّ بلا إشكال ، فيراد بالدخول بقرينة المقابلة جواز المضي.

وملخّص الكلام : أنّ وزان الشكّ المأخوذ في المقام وزان أخذه في أدلّة الأُصول العملية ، وهو لغة خلاف اليقين ، والمكلّف الملتفت لا يخلو من أحدهما فمتى حصل الشكّ فهو جاهل بالفعل حقيقة ، فيجري عليه حكمه وإن لم يتروّ بمقتضى إطلاق الأدلّة.

ولو قطعنا النظر عنه فلا مانع من المضيّ على الشكّ حتّى يستقرّ أو يتبدّل فيرتّب الأثر فيما بعد ، لأنّ دليل عدم جواز المضيّ عليه مختصّ بالأُوليين بمقتضى النصوص الواردة فيهما ، ولم يرد نصّ في الأخيرتين ، فلا مانع من الاسترسال في العمل متروّياً ، فيأتي به على واقعة ، لتعلّق الأمر به وصحّته على كلّ تقدير.

فاحتمال وجوب الانتظار والتروّي في الركعتين الأخيرتين ضعيف جدّاً لإطلاق الأدلّة وكون الجواز هو مقتضى القاعدة كما عرفت.

وأمّا الثاني أعني التروّي في الشكوك غير الصحيحة كالشكّ في الأولتين ، أو في صلاة المغرب فقد ذكر في المتن وجوبه أيضاً ، بل ذكر أنّ الأحوط استدامة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ.

وتفصيل الكلام في المقام يستدعي التكلّم في جهات :

الاولى : هل الشكّ في الأُوليين موجب للبطلان بمجرّد حدوثه وإن ارتفع بقاءً ، فمسمّى الشكّ ناقض للصلاة كالحدث والاستدبار ، أو أنّ الممنوع هو الاستمرار والمضيّ على الشكّ للزوم حفظ الأُوليين ، فلا يقدح عروضه بعد ما تبدّل وانقلب إلى اليقين أو إلى الظنّ على القول بحجّيته في باب الركعات؟ وجهان

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بل قولان.

ربما يتراءى من بعض النصوص الأوّل ، كصحيحة زرارة : «رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين ، قال : يعيد» (١) ، فانّ ظاهرها أنّ مجرّد الشكّ مبطل. وقد مرّ غير مرّة أنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد. ونحوها غيرها.

ولكن بإزائها روايات أُخرى معتبرة دلّت على أنّ البطلان إنّما هو من أجل عدم جواز المضيّ على الشكّ ، وعدم حصول الامتثال ما لم يكن حافظاً للأُوليين وضابطاً لهما ، وأنّ الغاية من الإعادة المأمور بها إنّما هي إحراز الأُوليين وتحصيل الحفظ واليقين ، فلا مقتضي لها لو زال الشكّ وتبدّل إلى اليقين ، فتكون هذه النصوص شارحة للمراد من الطائفة الأُولى ، وهي كثيرة :

منها : صحيحة زرارة : «كان الذي فرض الله على العباد إلى أن قال : فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين ...» إلخ (٢).

وصحيحة ابن مسلم : «عن الرجل يصلّي ولا يدري أواحدة صلّى أم ثنتين قال : يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ ...» إلخ (٣).

وصحيحة ابن أبي يعفور : «إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع ، فأعد ولا تمض على الشكّ» (٤) ونحوها غيرها ، وهي صريحة فيما ذكرناه. إذن فاحتمال البطلان بمجرّد الشكّ ضعيف جدّاً.

الجهة الثانية : بعد ما لم يكن الشكّ بمجرّده مبطلاً كما عرفت فهل يجب التروّي؟ بل هل يجب الانتظار إلى فوات الموالاة ، أو يجوز رفع اليد بمجرّد الشكّ والتبديل بفرد آخر؟.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ١٨٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٧.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٢٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٢.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر هو الجواز وعدم وجوب التروِّي ، للإطلاق في أدلّة الإعادة. ودعوى الانصراف إلى الشكّ المستقرّ المنوط بالتروّي بلا بيّنة ولا برهان ، فانّ حال الشكّ وما يرادفه من التعبير بـ «لا يدري» المأخوذ في نصوص المقام بعينه حاله في أدلّة الأُصول العمليّة لا يراد به في كلا المقامين إلّا مسمّاه ، الصادق على مجرّد الترديد وعدم اليقين ، لما عرفت من أنّ الشكّ لغة خلاف اليقين ، وأنّ المكلّف الملتفت لا يخلو عن اليقين بالشي‌ء أو عن خلافه ولا ثالث ، فاذا لم يكن متيقّناً فهو شاكّ لا محالة ، فيندرج في موضوع الأدلّة وتشمله أحكامها من غير حاجة إلى التروّي بمقتضى الإطلاق. فالقول بوجوب التروّي ضعيف.

وأضعف منه دعوى وجوب تمديده والانتظار إلى أن تفوت الموالاة ، فإنّ هذا بعيد غايته ، لاحتياجه إلى مئونة زائدة ، وليس في الأخبار من ذلك عين ولا أثر ، بل المذكور فيها إعادة الصلاة بعد الشكّ. فالتقييد بالصبر مقدار ربع ساعة مثلاً كي تنمحي الصورة وتفوت الموالاة يحتاج إلى الدليل ، وليس في الأدلّة إيعاز إلى ذلك فضلاً عن الدلالة. فهو مدفوع بالإطلاق جزماً ، هذا.

وقد يقال بامتياز المقام عن الشكّ المأخوذ في أدلّة الأُصول ، لاختصاصه بوجه من أجله يحكم باعتبار التروّي ، وهو أنّ قطع الفريضة حرام فيجب الإتمام. وحيث يحتمل القدرة عليه بعد التروّي ، لجواز تبدّل شكّه بالظنّ أو اليقين ، فرفع اليد عن العمل قبل التروّي إبطال له مع احتمال القدرة على الإتمام الواجب عليه لدى التمكّن منه. فمرجع الشكّ إلى الشكّ في القدرة ، والمقرّر في محلّه لزوم الاحتياط في هذه الموارد. فيجب التروّي في المقام حذراً من أن يكون الإبطال مستنداً إليه.

وفيه أوّلاً : أنّ كبرى عدم جواز رفع اليد عن التكليف المحتمل لدى الشكّ في القدرة وإن كانت مسلّمة لكنّها خاصّة بموارد الأُصول العملية ، فلا تجري البراءة مع الشكّ في القدرة عند كون التكليف فعلياً من بقيّة الجهات.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والوجه فيه : ما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ القدرة إذا لم تكن دخيلة في الملاك شرعاً وإن كانت شرطاً في التكليف عقلاً كما في إنقاذ الغريق فالملاك موجود على تقديري قدرة المكلّف وعجزه ، وعليه ففي ترك الإنقاذ فوت للمصلحة الواقعية ، والعقل لا يجوّز تفويت الملاك الملزم ما لم يستند المكلّف إلى عذر شرعي ، فلا بدّ من الإقدام وإعمال القدرة ، فإن انكشف التمكّن وإلّا فهو معذور. فأدلّة البراءة لا تشمل فوت الغرض الواقعي.

وهذا بخلاف موارد الأدلّة اللفظية ، فإنّ الإطلاق فيها مؤمّن ، والاستناد إليه معذّر ، لشموله موارد الشكّ في القدرة أيضاً ، سيما مثل المقام الذي لم يكن من التروّي في لسان الأخبار عين ولا أثر كما عرفت ، فانّ الغالب حصول القدرة على الإتمام بعد التروّي كما لا يخفى ، ومع ذلك لم يؤمر به في شي‌ء من الأخبار. فما ذكر إنّما يتمّ في مورد الأصل العملي دون الإطلاق.

وثانياً : لا يتم حتّى في الأصل فيما إذا كان مورد الشكّ من قبيل المقام ، إذ لا شكّ هاهنا في العجز الفعلي ، وإنّما يحتمل تجدّد القدرة فيما بعد. وما سبق من الكلام فإنّما هو فيما إذا كان شاكاً في القدرة الفعلية ، وأمّا إذا علم العجز فعلاً واحتمل عروض القدرة فلا مانع من استصحاب عدمها ، فهو عاجز فعلاً وجداناً وفيما بعد تعبّداً ، وكفى به عذراً.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّه عاجز بالفعل عن الإتمام ، لكونه شاكاً بشكّ لا يجوز معه المضيّ حسب الفرض ، ويحتمل التمكّن منه بعد التروِّي ، فيستصحب بقاءه على العجز. فلا يتمّ ما أُفيد في مثل المقام حتّى ولو لم يكن هناك إطلاق.

الجهة الثالثة : لو أراد الإعادة قبل فوات الموالاة إمّا بعد التروّي أو قبله على الخلاف فهل يجب عليه أوّلاً إبطال الصلاة بكلام عمدي أو استدبار

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٦٠ ، ٣ : ٢٧٧ ، مصباح الأُصول ٢ : ٤٠٠.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوهما ثمّ الشروع في الإعادة ، ليقطع ببطلان الأُولى لدى الشروع في الثانية؟

قد يقال بذلك ، نظراً إلى احتمال صحّة الصلاة واقعاً ، فتكون التكبيرة واقعة أثناء الصلاة ، فتفسد وتفسد.

لكنّ الأقوى عدم الوجوب ، والوجه فيه : أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب وإن كان منحلا إلى أوامر عديدة حسب تعدّد الأجزاء ، إلّا أنّها ليست أوامر استقلالية متعلّقة بكلّ جزء على سبيل الإطلاق بحيث يسقط أمره بمجرّد الإتيان بذات الجزء ، بل سقوط كلّ أمر منوط بالإتيان ببقية الأجزاء بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بينها ، فلا يسقط الأمر المتعلّق بالتكبير إلّا لدى اقترانه خارجاً بسائر الأجزاء ، كما أنّ الأمر المتعلّق بالقراءة لا يسقط بمجرّد الإتيان بها إلّا إذا كانت مسبوقة بالتكبير وملحوقة بالركوع والسجود ، وهكذا الحال في بقية ما يعتبر في الصلاة.

فالأمر المتعلق بكلّ واحد مراعى سقوطه بامتثال الأمر المتعلّق بالباقي ، ولا ينفكّ أحدهما عن الآخر. وجميع هذه الأوامر الضمنية التحليلية مساوقة مع الأمر النفسي المتعلّق بالمركّب ، وملازمة معه ثبوتاً وسقوطاً ، حدوثاً وبقاءً وما لم يأت بالجزء الأخير لم يسقط شي‌ء منها. ونتيجة ذلك جواز رفع اليد أثناء العمل وتبديل الامتثال بفرد آخر.

وبعبارة اخرى : من المقرّر في محلّه أنّ متعلّق الأوامر إنّما هي الطبائع المجرّدة دون الأفراد الخارجية ، وإنّما هي مصاديق للمأمور به لدى انطباقه عليها والخصوصيات الفردية خارجة عن حريم الأمر طرّاً (١).

ومن المعلوم أنّ المكلّف مخيّر عقلاً في امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة بين الأفراد الطولية والعرضية ، وله اختيار أيّ منها شاء ، وهذا التخيير كما هو ثابت قبل

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ١٢ وما بعدها.

٢١٦

[٢٠٤١] مسألة ٥ : المراد بالشكّ في الركعات تساوي الطرفين ، لا ما يشمل الظنّ (١) فإنّه في الركعات بحكم اليقين ، سواء كان في الركعتين الأوّلتين والأخيرتين.

______________________________________________________

الشروع في العمل ثابت بعد الشروع أيضاً بمناط واحد. فكما كان مخيّراً من قبل بين كلّ واحد من الأفراد فكذا مخيّر بعد الشروع بين إتمام العمل وبين رفع اليد والتبديل بفرد آخر.

هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية في عامّة المركّبات ، خرجنا عن ذلك في خصوص باب الصلاة ، للإجماع القائم على حرمة القطع ووجوب الإتمام ، فليس له رفع اليد بعد ما شرع. إلّا أنّ مورد الإجماع إنّما هي الصلاة الصحيحة التي يتمكّن المصلّي من إتمامها ، وأمّا الصلاة المحكومة بالبطلان في ظاهر الشرع لجهة من الجهات التي منها عروض الشكّ المبطل الممنوع من المضيّ معه كما في المقام فليس هناك مظنّة الإجماع ، ولا مورد توهّمه قطعاً.

إذن فيجري فيها ما ذكرناه في تقرير القاعدة من جواز رفع اليد بعد ما شرع من غير حاجة إلى الإبطال ، وإن كانت محكومة بالصحّة واقعاً ، هذا.

مضافاً إلى إطلاق الأمر بالإعادة الوارد في المقام ، فانّ مقتضاه عدم الفرق بين الإبطال قبل الشروع في الإعادة وعدمه. وهذا الإطلاق مؤيّد للقاعدة المزبورة ومؤكّد لها ، بحيث لو نوقش فيه بدعوى عدم كون الروايات في مقام البيان من هذه الجهة كانت القاعدة كافية في إثبات المطلوب ، وإن كانت المناقشة ضعيفة جدّاً.

(١) فالأحكام المتقدّمة المترتّبة على الشكّ من البطلان أو البناء على الأكثر ونحوهما موضوعها الشكّ المقابل للظنّ ، أعني تساوي الاحتمالين واعتدال الوهم لا ما يقابل اليقين الذي هو معناه اللغوي ، لحجّية الظنّ بالخصوص في باب

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعات وكونه بحكم اليقين ، هذا.

ويقع الكلام تارة في الركعتين الأخيرتين ، وأُخرى في الأُوليين.

أمّا في الأخيرتين : فلا إشكال كما لا خلاف في حجّية الظن ، عدا ما ربما ينسب إلى الصدوق من إلحاقه بالشكّ وإجراء حكمه عليه (١). وهو على تقدير صدق النسبة ضعيف جدّاً لا يعبأ به.

إنّما الكلام في مستنده بعد أن كان مقتضى الأصل عدم حجّية الظن الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً ، فنقول : مستند الحكم التصريح في النصوص باعتدال الوهم وأنّه متى وقع وهمه أو رأيه على أحد الطرفين بنى عليه. لكن مورد النصوص خصوص الشكّ بين الثلاث والأربع ، والاثنتين والأربع.

فمن الأوّل صحيحة أبي العباس : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (٢).

ومن الثاني صحيحة الحلبي : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهّد وسلم ، ثمّ صلّ ركعتين ...» إلخ (٣).

ولم يرد في غير هذين الموردين من سائر موارد الشكّ في الأخيرتين كالشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، والأربع والخمس نصّ خاصّ يدلّ على كفاية الظنّ وحجّية الوهم ، لعراء ألسنتها عن مثل ذاك التعبير الوارد فيهما ، فيحتاج التعدّي عن موردهما إلى الدليل.

__________________

(١) [لم نعثر عليه في مظانّه].

(٢) الوسائل ٨ : ٢١١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد استدلّ له بالقطع بعدم الفرق ، لعدم القول بالفصل ، المؤيّد بالنبويّين المرويّين عن طرق العامّة : «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصّواب فليبن عليه» (١) وفي الآخر : «إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب» (٢).

لكنّ النبويّ لا حجّية فيه. وعدم القول بالفصل إن أفاد الجزم فلا كلام وإلّا فيشكل الاعتماد عليه.

والأولى أن يقال : يكفينا في إثبات الحكم لعامّة الموارد إطلاق صحيحة صفوان : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (٣) فإنّها تدلّ على حكمين :

أحدهما : بمقتضى مفهوم الشرط ، وهو عدم وجوب الإعادة لدى وقوع الوهم على شي‌ء ، وأنّه يعمل على طبق الظنّ الذي هو المراد من الوهم في المقام.

ثانيهما : وجوب الإعادة مهما تعلّق الشكّ بالركعات.

لكن الثاني مقيّد بغير الشكوك الصحيحة بمقتضى النصوص الخاصّة كما مرّ وأمّا الأوّل فهو باق على إطلاقه ، لسلامته عن التقييد ، ومقتضاه جواز العمل بالظنّ في جميع الركعات ، سواء أتعلّق بالأقلّ أم بالأكثر.

نعم ، بإزاء هذه النصوص روايات اخرى يظهر منها عدم حجّية الظنّ ، وإجراء حكم الشكّ عليه.

منها : ما رواه في الكافي بإسناده عن محمّد بن مسلم قال : «إنّما السهو بين

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ / ٩٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢٨ [وفيهما : فليتمّ عليه].

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ / ٩٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢٨ [وفيه : فليتحرّ الذي يرى أنه الصواب].

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة. ومن سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً واعتدل شكّه ، قال : يقوم فيتمّ ثمّ يجلس فيتشهّد ويسلّم ، ويصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ، فان كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ، ثمّ قرأ وسجد سجدتين وتشهّد وسلم ...» إلخ (١).

فإنّ قوله : «فان كان أكثر وهمه ...» إلخ صريح في إلحاق الظن بالشكّ ، لإجراء حكمه عليه من الإتيان بصلاة الاحتياط.

وفيه أوّلاً : أنّ مضمونها غير قابل للتصديق ، لحكمه في الصدر بالبناء على الأقل لدى الشكّ بين الثلاث والأربع ، من جهة أمره بالقيام والإتمام ، وهذا كما ترى مخالف للنصوص الكثيرة المتظافرة الدالّة على البناء على الأكثر حينئذ والمتسالم عليه بين الأصحاب كما مرّ.

أضف إلى ذلك أنّ حكمه بصلاة الاحتياط في هذه الصورة لا يناسب البناء على الأقلّ ، لأنّها لتدارك النقص المحتمل ، وبعد البناء المزبور ليس هناك إلّا احتمال الزيادة دون النقصان. فهي من أجل اشتمال صدرها على ما لا يقبل التصديق غير صالحة للاستدلال بها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، أو حمل الأمر بركعة الاحتياط في الفقرة المستشهد بها لمحلّ الكلام على الاستحباب.

وثانياً وهو العمدة ـ : أنّه لم يثبت كونها رواية عن المعصوم ، إذ لم يسندها ابن مسلم إلى الإمام (عليه السلام) بل ظاهرها أنّ ذلك هو رأيه وفتواه. ولا حجّية لرأيه ما لم يسنده إليه (عليه السلام) ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك عند التكلّم حول هذه الصحيحة (٢).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤ ، الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٥.

(٢) في ص ١٨٩.

٢٢٠