موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : صحيحة عبيد بن زرارة : «عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً قال : يعيد ، قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال : إنّما ذلك في الثلاث والأربع» (١). وقد حملها الشيخ على الشكّ في المغرب (٢).

وفيه : أنّه تبرّعي لا شاهد عليه. على أنّ الشكّ في المغرب باطل مطلقاً حتّى بين الثلاث والأربع ، فكيف قال (عليه السلام) : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع» اللهمّ إلّا أن يكون كناية عن الرباعية.

والصحيح أن يقال : إن أمكن حملها على الشكّ قبل إكمال السجدتين كما ذكره صاحب الوسائل وإن كان بعيداً فهو ، وإلّا فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، لمعارضتها مع النصوص الكثيرة المتقدّمة (٣) التي عرفت (٤) عدم البعد في دعوى تواترها إجمالاً ، المصرّحة بدخول الشكّ في الأخيرتين وأنّ الذي يلزم سلامته عنه إنّما هو الأولتان فحسب ، معلّلاً بأنّهما فرض الله وتلك ممّا سنّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم). فلو منع عن دخول الشكّ في الثالثة كان اللّازم عدم دخوله إلّا في الأخيرة ، لا في الأخيرتين كما هو صريح تلك الأخبار.

على أنّ الحصر المذكور في قوله (عليه السلام) : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع» غير حاصر ، لعدم اختصاص الشكوك الصحيحة بذلك ، فانّ الشكّ بين الثنتين والأربع ، والثنتين والثلاث والأربع ، والأربع والخمس أيضاً صحيح ، وكلّها

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠.

(٣) تقدّم بعضها في ص ١٥٩ ١٦٠.

(٤) في ص ١٦١ ١٦٢.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

منصوص ، فلا ينحصر عدم إعادة الفقيه صلاته في ذلك الشكّ.

وأمّا القول بالتخيير فمستنده الفقه الرضوي (١) الذي مرّ الكلام فيه (٢).

ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ الصحيح ما عليه المشهور من صحّة الشك والبناء على الأكثر والتدارك بركعة الاحتياط ، للروايات الكثيرة المشار إليها آنفاً ، المصرّحة بدخول الشكّ في الأخيرتين ، المؤيّدة بإطلاق الروايات الأُخرى الآمرة بالبناء على الأكثر مهما عرض الشكّ التي منها موثّقة عمّار : «متى ما شككت فخذ بالأكثر ...» إلخ (٣) وروايته الأُخرى : «إلا أُعلّمك شيئاً إلى قوله (عليه السلام) : إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ...» إلخ (٤) ، وغيرهما المحمولة على الشكّ بعد إكمال الركعتين ، بقرينة تلك النصوص المصرّحة بلزوم سلامتهما عن الشكّ ، والمؤيّدة أيضاً بصحيحة قرب الإسناد المتقدّمة (٥) بناءً على ما عرفت من أنّ المراد باليقين فيها هو اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة ، دون الأقل المتيقّن.

وبالجملة : فالنصّ الصحيح الصريح وإن لم يكن وارداً في خصوص المقام إلّا أنّ الحكم مستفاد ممّا ذكرناه بلا كلام ، فلا إشكال في المسألة.

مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في غير واحد من الكلمات ، بل عن الأمالي

__________________

(١) فقه الرضا : ١١٨.

(٢) في ص ١٥٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٥) في ص ١٧٩.

١٨٢

ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، والأحوط اختيار الركعة من قيام (*) ، وأحوط منه الجمع بينهما بتقديم الركعة من قيام ، وأحوط من ذلك استئناف الصلاة مع ذلك (١).

______________________________________________________

أنّه من دين الإمامية (١). فلا يعبأ بخلاف من عرفت ممّا هو شاذ قولاً وضعيف مستنداً كما مرّ.

(١) ذكر (قدس سره) أنّ مقتضى الاحتياط التام استئناف الصلاة بعد العمل بوظيفة البناء على الأكثر ، ودونه الجمع في صلاة الاحتياط بين ركعة من قيام وركعتين من جلوس مع تقديم الأوّل ، ودونه اختيار الركعة من قيام ، وإن كان الأقوى التخيير بين الأمرين كما عليه المشهور.

أقول : أمّا الاحتياط بالإعادة فمستنده الخروج عن خلاف من حكم بالبطلان في المسألة استناداً إلى صحيحة عبيد ونحوها ، وقد تقدم ضعفه.

وأمّا الاحتياط بالجمع فمبني على رعاية الخلاف المنسوب إلى العماني (٢) والجعفي (٣) حيث حكي عنهما تعيّن الركعتين من جلوس ، ولكنّه لا وجه له هنا أصلاً ، إذ لم ترد في هذه المسألة ولا رواية واحدة ولو ضعيفة تدلّ على ذلك وإنّما وردت الروايات المتضمّنة للركعتين في المسألة الآتية أعني الشكّ بين الثلاث والأربع فلا موجب لتعيّنهما في المقام. وهما أعرف بما قالا ، بل المستفاد

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك ، وإذا كانت وظيفته الصلاة عن جلوس فالأحوط وجوباً الإتيان بركعة عن جلوس.

(١) أمالي الصدوق : ٧٤٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٨٤ المسألة ٢٧١.

(٣) حكاه عنه في الذكرى ٤ : ٧٩.

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

من ظواهر النصوص الواردة في المقام تعيّن الركعة من قيام ، وهو الوجه في كون الأحوط اختيارها ، كموثّقة عمّار : «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين ، متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (١) ، فانّ ما ظنّ نقصه هي الركعة من قيام ، فإتمامها بإتيانها كذلك.

وأصرح منها روايته الأُخرى : «... إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ...» إلخ (٢).

ونحوها صحيحة العلاء المرويّة في قرب الإسناد ومحمّد بن خالد الطيالسي الواقع في السند وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة ، قال : يبني على اليقين ، فاذا فرغ تشهّد وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن» (٣) بناءً على ما مرّ (٤) من أنّ المراد باليقين هو اليقين بالبراءة.

وربما يستدلّ أيضاً بصحيحة زرارة : «رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً قال : إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» (٥) بدعوى أنّ المراد بالأُخرى هي صلاة الاحتياط كما حملها عليها في الوسائل.

لكن عرفت فيما مرّ عند التكلّم حول الصحيحة أنّ المراد بها هي الركعة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٢ ، قرب الإسناد : ٣٠ / ٩٩.

(٤) في ص ١٧٩.

(٥) الوسائل ٨ : ٢١٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الرابعة وأنّ قوله : «بعد دخوله في الثالثة» كناية عن إحراز الثنتين فيمضي في الثالثة ، أي يبني على أنّ ما بيده الثالثة ويأتي بالرابعة بعدها ، كما يكشف عنه قوله : «ويسلم». ولا تعرّض فيها لركعة الاحتياط كي تدلّ على كونها من قيام وإنّما يستفاد ذلك من الخارج. وكيف ما كان ، فلا ريب أنّ ظاهر النصوص تعيّن الركعة من قيام.

ولكنّ المشهور ذهبوا إلى التخيير بينها وبين الركعتين من جلوس ، استناداً إلى القطع بعدم الفرق بين المقام وبين الفرع الآتي أعني الشكّ بين الثلاث والأربع المحكوم فيه بالتخيير بلا إشكال ، فبعدم القول بالفصل بين المقامين والإجماع المدّعى على تساوي الحكم في البابين يثبت التخيير هنا أيضاً ، ويحكم بأنّ المذكور في النصوص إنّما هو أحد عدلي التخيير.

ولكنّ هذا الوجه كما ترى لا يجدي بمجرّده في التعدّي عن ذاك المقام ، ولعلّ هناك خصوصية لا نعرفها ، فان حصل الجزم من ذلك باتحاد الحكم في المقامين فلا كلام ، ولكن كيف وأنّى يثبت الجزم ولا طريق لنا إلى استعلام مناطات الأحكام المبنية على التعبّد.

نعم ، يمكن إثبات الحكم في المقام بوجه آخر ، وهو أنّ المصلّي بعد ما بنى في المقام على الثالثة وأتى بالركعة الأُخرى ، فبعد الإتيان بها ينقلب شكّه عندئذ من الثنتين والثلاث إلى الثلاث والأربع بطبيعة الحال ، ويشكّ فعلاً في أنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ، فيندرج حينئذ في صغرى الفرع الآتي ، ويكون من أحد مصاديقه الحقيقية ، فيشمله حكمه من غير حاجة إلى الإلحاق ودعوى عدم القول بالفصل.

وبالجملة : الموضوع المذكور في نصوص الفرع الآتي من لم يدر في ثلاث أو في أربع ، وهذا العنوان بعينه ينطبق على المقام عند الإتيان بالركعة الأُخرى ، إذ

١٨٥

ويتحقق إكمال السجدتين (١) بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية على الأقوى ، وإن كان الأحوط إذا كان قبل رفع الرأس البناء ثمّ الإعادة ، وكذا في كلّ مورد يعتبر إكمال السجدتين.

الثاني : الشكّ بين الثلاث والأربع في أيّ موضع كان ، وحكمه كالأوّل (٢) إلّا أنّ الأحوط هنا اختيار الركعتين من جلوس.

______________________________________________________

هو شاكّ فعلاً وجداناً في أنّه في ثلاث أم في أربع ، نعم كان شاكاً قبل ذلك بين الثنتين والثلاث ، أمّا الآن فلا يحتمل الثنتين ، بل شكّه متمحّض بين الثلاث والأربع.

ولا ريب أنّ العبرة في أحكام الشكوك بمراعاة الحالة الفعلية ولحاظ الشك بقاءً لا حدوثاً ، كما عليه عمل الفقهاء وبناؤهم ، فانّ الميزان عندهم بالشكّ الفعلي ولذا لو شكّ بين الواحدة والثنتين مثلاً ثمّ انقلب إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث وكان بعد الإكمال لوحظت الحالة الثانية ، وحكم عليه بالصحّة بلا إشكال فلا يعتبر في إجراء أحكام الشكوك عدم كونه مسبوقاً بشكّ آخر. وعليه فلا يبعد ثبوت التخيير في المقام أيضاً كما عليه المشهور.

إلّا أن يقال بانصراف تلك الأخبار إلى الشكّ الابتدائي ، وعدم شمولها للشكّ المسبّب عن شكّ آخر كما في المقام ، ومن ثمّ كان الاحتياط باختيار الركعة عن قيام هو المتعيّن.

(١) تقدّم الكلام حول ذلك مستوفى عند البحث عن الرابع من الشكوك الباطلة ، فلاحظ (١).

(٢) فيبني على الأكثر ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، سواء كان الشكّ قبل الإكمال أم بعده.

__________________

(١) ص ١٦٤.

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا أصل البناء فلا خلاف فيه ولا إشكال ، ويقتضيه مضافاً إلى عمومات البناء على الأكثر المتقدّمة جملة وافرة من النصوص المعتبرة الواردة في خصوص المقام :

كصحيحة الحلبي : «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ، ثمّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ...» إلخ (١).

وصحيحة الحسين بن أبي العلاء : «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب ...» إلخ (٢).

وصحيحة ابن سيابة وأبي العباس البقباق : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً إلى أن قال : وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (٣). ونحوها غيرها.

نعم ، بإزائها روايتان ربما يظهر منهما البناء على الأقلّ :

إحداهما : صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث «قال : إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أُخرى ولا شي‌ء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» (٤).

وربّما حملت على التقيّة ، لموافقتها لمذهب العامّة ، حيث استقرّ رأيهم على

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٣.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

البناء على الأقلّ في باب الركعات استناداً إلى الاستصحاب (١) ، ولكن يأباه صدرها المتعرّض لحكم الشكّ بين الثنتين والأربع ، والمتضمّن للإتيان بركعتي الاحتياط مفصولة بقرينة التصريح بفاتحة الكتاب ، ومن المستبعد حدوث موجب جديد للتقية.

فالأولى أن يقال : إنّ الصحيحة غير ظاهرة في البناء على الأقلّ لو لم تكن ظاهرة في البناء على الأكثر والإتيان بالركعة الأُخرى مفصولة وعدم ضمّها وإدخالها وخلطها بالركعات المتيقّنة ، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) : «ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر» ، أي لا يدخل الركعة المشكوك فيها في المتيقّنة ، ولا يخلط بينهما.

ولعلّ المقصود من المبالغة في ذلك بإيراد العبائر المختلفة المذكورة في الفقرات المتعدّدة التعريض بالعامّة ، والإيعاز إلى فساد مذهبهم من البناء على الأقلّ لاشتماله على الخلط المزبور الذي لا يؤمن معه من الزيادة المبطلة ، فإنّ هذا النوع من التأكيد والمبالغة إنّما يناسب البناء على الأكثر المخالف لهم ، دون الأقلّ كما لا يخفى. وصدرها أيضاً شاهد على ذلك كما عرفت.

ثانيتهما : رواية محمّد بن مسلم «قال : إنّما السهو بين الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة ، ومن سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً واعتدل شكّه ، قال : يقوم فيتمّ ، ثمّ يجلس فيتشهّد ويسلّم ، ويصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ...» إلخ (٢).

ولكن مفادها غير قابل للتصديق ، لتضمّنها الجمع بين البناء على الأقلّ كما

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٠٦ ١١١ ، المغني ١ : ٧١١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤.

١٨٨

ومع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام (١).

______________________________________________________

هو ظاهر قوله : «يقوم ويتمّ ...» إلخ ، وبين الإتيان بركعتي الاحتياط من جلوس وهذا كما ترى لا وجه له ، إذ بعد البناء على الأقلّ لم يكن ثمّة إلّا احتمال الزيادة فلا موقع لصلاة الاحتياط التي شرعت لتدارك النقص المحتمل. ولم يقل بمضمونها أحد لا من الخاصّة ولا من العامّة ، ولا ينبغي القول به كما عرفت. فهي إذن مطروحة وغير صالحة لمقاومة النصوص المتقدّمة.

والذي يهوّن الخطب أنّها لم تكن مروية عن الإمام (عليه السلام) وإنّما هي قول محمّد بن مسلم نفسه ، ولا حجّية لفتواه ورائه ما لم يسنده إلى المعصوم (عليه السلام). هذا كلّه في أصل البناء على الأكثر.

وأمّا كيفية صلاة الاحتياط فهو مخيّر فيها بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس ، لورود النصوص بكلّ من الكيفيتين.

نعم ، الأحوط هنا على خلاف الفرع السابق اختيار الثاني كما ذكره في المتن ، لكثرة النصوص الواردة في الركعتين من جلوس ، وأحوط منه الجمع بين الأمرين عملاً بالنصّ الوارد في كلا النحوين.

(١) لما عرفت من كثرة النصوص في الركعتين الموجبة لأقوائية احتمال تعيّنهما ، فتقديم الركعة عليهما موجب للفصل المخلّ بمراعاة الاحتياط.

ولكنّ هذا الاحتياط ليس بعد احتياطاً تاماً ومن جميع الجهات ، إذ من الجائز أن تكون الوظيفة الواقعية تعيّن الركعة من قيام وإن لم يكن به قول ولا دلّ عليه النصّ ، ولكنّه محتمل واقعاً ، وإلّا لم يكن وجه للاحتياط بالجمع.

وعليه فان قلنا بأنّ ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة فائدتها تدارك النقص المحتمل فلا كلام ، وأمّا إذا قلنا كما هو الصحيح بأنّها على تقدير النقص جزء

١٨٩

الثالث : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد الإكمال (١) فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام.

______________________________________________________

متمّم من الصلاة وعلى التقدير الآخر نافلة ، فتقديم الركعتين عليها يوجب الفصل بينها وبين الصلاة الأصلية على تقدير النقص ، الموجب للإخلال ، لاشتمال الركعتين على الزيادات من الركوع والسجدات ، فلم يكن الاحتياط التامّ مرعياً على هذا التقدير. وكيف ما كان ، فالأمر سهل بعد ضعف الاحتمال المزبور في نفسه.

(١) أمّا قبل الإكمال فباطل بلا إشكال ، لاعتبار إحراز الأُوليين وسلامتهما عن الشكّ كما مرّ.

وأمّا بعد الإكمال فالمعروف والمشهور هو البناء على الأربع وإتمام الصلاة ثمّ الاحتياط بركعتين من قيام ، وقيل بالتخيير بينه وبين الاستئناف ، وقيل بالتخيير أيضاً بينه وبين البناء على الأقلّ ، وعن الصدوق في المقنع بطلان الصلاة (١).

ويدلّ على المشهور مضافاً إلى عمومات البناء على الأكثر الروايات الخاصّة كصحيحة الحلبي : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهّد وسلم ، ثمّ صلّ ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ، ثمّ تشهّد وتسلّم ، فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة» (٢) ، ونحوها صحاح ابن أبي يعفور وزرارة ومحمّد بن مسلم (٣) وغيرها.

نعم ، بإزائها روايات ربما يظهر منها خلاف ذلك.

__________________

(١) المقنع : ١٠٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٦.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : صحيحة محمّد بن مسلم : «عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً قال : يعيد الصلاة» (١). ولعلّها مستند القول بالبطلان المنسوب إلى الصدوق في المقنع.

وعن بعضهم الجمع بينها وبين النصوص المتقدّمة بالحمل على التخيير بين البناء على الأكثر وبين الإعادة ، بدعوى رفع اليد عن ظهور الأمر في كلّ منهما في التعيين وحمله على الوجوب التخييري بقرينة الآخر ، واستحسنه المحقّق الهمداني (قدس سره) في مقام الجمع بين الأخبار (٢).

وفيه ما لا يخفى ، لما مرّ (٣) من أنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد ، كما أنّ نفيها إرشاد إلى الصحّة ، ولا معنى للتخيير بين الصحّة والفساد ، وإنّما يتّجه ذلك في الأوامر المولوية الظاهرة في الوجوب النفسي ، فيرفع اليد عن الوجوب التعييني ويحمل على التخييري ، دون مثل المقام الذي لا يكون الأمر إلّا للإرشاد إلى الفساد. فهذا الجمع ساقط جزماً.

وحينئذ نقول : إن أمكن حمل الصحيحة على ما قبل إكمال السجدتين كما عن صاحب الوسائل وغيره فهو ، ولا نرى بعداً في هذا الحمل وإن استبعده المحقّق الهمداني (قدس سره) (٤) ، فإنّ الصحيحة مطلقة من حيث الإكمال وعدمه ، فمن الجائز أن يكون المراد هو الثاني ، بأن يكون الشكّ عارضاً قبل الفراغ عن ذكر السجدة الأخيرة ، فإنّه يصدق عليه ولو بالعناية أنّه لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٧.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٦ السطر ٢٧.

(٣) في ص ٦٠.

(٤) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٧ السطر ١.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا بخلاف النصوص المتقدّمة ، فإنّها ظاهرة في كون الشكّ بعد الإكمال ورفع الرأس من السجدتين ، لقوله (عليه السلام) فيها : «فتشهّد وسلم» الظاهر في توجيه الخطاب حال الجلوس ورفع الرأس من السجود كما لا يخفى.

بل إنّ صحيحة زرارة صريحة فيما بعد الإكمال ، لمكان قوله (عليه السلام) : «من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحزر الثنتين ...» إلخ (١) ، فيجمع بينهما بحمل الصحيحة على ما قبل الإكمال وهذه النصوص على ما بعده.

وكيف ما كان ، فإن أمكن هذا الجمع فلا إشكال ، وإلّا كما استبعده الهمداني (قدس سره) فلا ينبغي التأمّل في ترجيح تلك النصوص ، لكثرتها وشهرتها وشذوذ هذه فلا تنهض لمقاومتها. ومع الغضّ عن ذلك وتسليم استقرار المعارضة فتتساقطان ، والمرجع حينئذ إطلاق نصوص البناء على الأكثر ، وهي الروايات الثلاث لعمّار (٢) التي إحداها موثّقة ولا يخلو سند الأُخريين عن الخدش قال (عليه السلام) : «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين ، متى ما شككت فخذ بالأكثر ...» إلخ (٣) ، وفيها غنى وكفاية.

ومنها ما يظهر منه البناء على الأقلّ ثمّ الإتيان بسجدتي السهو لتدارك الزيادة المحتملة ، وهي صحيحة أبي بصير : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ، ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ثمّ سلّم بعدهما» (٤).

وصحيحة بكير بن أعين : «رجل شكّ فلم يدر أربعاً صلّى أم اثنتين وهو قاعد ، قال : يركع ركعتين وأربع سجدات ويسلّم ، ثمّ يسجد سجدتين وهو

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ ، ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٢١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٨.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

جالس» (١).

وقد يقال بأنّ مقتضى الجمع بينهما وبين النصوص المتقدّمة هو الالتزام بالتخيير بين البناء على الأقلّ وسجود السهو للزيادة المحتملة ، وبين البناء على الأكثر وهذا هو مستند القول بالتخيير بينهما في المقام.

وفيه : ما عرفت من أنّ الجمع بالحمل على التخيير إنّما يتّجه في الأوامر النفسية فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب التعييني إلى التخييري ، لا في مثل المقام ممّا كان الأمر إرشاداً إلى تصحيح العمل وكيفية العلاج ، فانّ الحمل المزبور في مثل ذلك ليس من الجمع العرفي في شي‌ء ، ولا سيما وفي بعض تلك النصوص ما يأبى الحمل على التخيير كقوله في رواية عمّار : «إلا أُعلِّمك شيئاً ...» إلخ ، حيث يظهر منها أنّ كيفية العلاج منحصرة بالبناء على الأكثر ، رعاية لسلامة الصلاة عن الزيادة المبطلة وصوناً لها عمّا يحتمل القدح الموجود في البناء على الأقلّ ، فكيف يحتمل إرادة التخيير بينهما.

على أنّ صحيحة زرارة (٢) كالصريح في نفي ذلك ، للاهتمام الأكيد والمبالغة التامّة المبذولة لنفي البناء على الأقل بالعبائر المختلفة والفقرات المتعدّدة ، المتضمّنة لعدم ضمّ الركعة المشكوكة بالمتيقّنة ، وأنّه لا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، وغير ذلك من الفقرات الستّ أو السبع ، فانّ هذه العناية الخاصّة والتأكيد البليغ تنافي التخيير أشدّ المنافاة. فلا مناص من الالتزام بالمعارضة وعدم إمكان الجمع المزبور بوجه.

والذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحتين المتضمّنتين للبناء على الأقلّ موافقتان

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٩.

(٢) المتقدمة في ص ١٨٧.

١٩٣

الرابع : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإكمال ، فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس (١).

______________________________________________________

لمذهب العامّة ، لاستقرار رأيهم على العمل بالاستصحاب في باب الركعات (١) فتحملان على التقيّة ، فتبقى تلك النصوص المتضمّنة للبناء على الأكثر سليمة عن المعارض ، فيتعيّن العمل بها كما عليه المشهور.

(١) فان كانت ثنتين كانت الركعتان من قيام جابرتين ، وإن كانت ثلاثاً فالركعتان من جلوس عوض عن الركعة الناقصة ، ولا يقدح الفصل بالركعتين من قيام ، كما لم يقدح تخلّل السلام في الفروض السابقة بعد ورود النصّ المرخص في ذلك. هذا هو المعروف والمشهور.

وعن الصدوقين (٢) وغيرهما أنّه بعد البناء على الأربع يصلّي ركعة من قيام وركعتين من جلوس ، وقوّاه في الذكرى من حيث الاعتبار ، لأنّهما تنضمان حيث تكون الصلاة ثنتين ولا يقدح الفصل بالسلام بعد ثبوت العفو عنه وعن التكبير في نظائر المقام ويجتزي بأحدهما حيث تكون ثلاثاً (٣). وقيل بالتخيير بين الكيفيّتين أعني ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، وبين ركعة قائماً وركعتين جالساً.

ويستدلّ للمشهور بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم التي رواها الصدوق في الفقيه قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل لا يدري

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ١٦٠ ، المغني ١ : ٧١١ ، المجموع ٤ : ١٠٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢١ وذيل ح ١٠٢٤ ، وحكاه عنهما في المختلف ٢ : ٣٨٤ المسألة ٢٧٢.

(٣) الذكرى ٤ : ٧٧.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال : يصلّي ركعتين من قيام ثم يسلّم ، ثمّ يصلّي ركعتين وهو جالس» (١).

وهي صريحة في المدعى ، غير أنّ نسخ الفقيه مختلفة ، والموجود في بعضها «ركعة» بدل «ركعتين» ، بل قيل : إنّ نسخة «ركعة» أشهر ضبطاً وإنّ في النسخة الأُخرى تصحيفاً. وعليه فلم تثبت الرواية بذاك المتن كي تصلح للاستدلال.

ومن هنا عدلوا عنها إلى الاستدلال بمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال : يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمّ يصلي ركعتين من جلوس ويسلّم فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة ، وإلّا تمّت الأربع» (٢).

ولكن هذا إنّما يتّجه بناءً على حجّية مراسيل ابن أبي عمير وكونها في حكم المسانيد كما عليه المشهور ، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من عدم الفرق بين مراسيله ومراسيل غيره لما شاهدناه من روايته عن الضعاف أحياناً فيشكل الحكم في المقام ، لأنّ ما صحّ سنده غير ثابت المتن ، وما صحّ متنه فهو ضعيف السند.

فلم يبق حينئذ مستند للقول المشهور من تعيّن الركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، بل مقتضى القاعدة حينئذ التخيير بين ذلك وبين ركعة قائماً وركعتين جالساً ، أخذاً بإطلاق نصوص البناء على الأكثر الدالّة على تتميم ما ظنّ نقصه بعد التسليم كما في موثّقة عمّار ، فإنّ إطلاقها يعمّ الكيفيّتين ، لحصول التتميم وجبر النقص المحتمل بكل منهما كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٤.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّ الذي يهوّن الخطب أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ الصحيح من نسخة الفقيه هي نسخة «ركعتين» ، فإنّه (قدس سره) بعد أن روى الصحيحة المذكورة روى ما أسنده عن علي بن أبي حمزة في من لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً أنّه (عليه السلام) قال : «فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان فإنّه يوشك أن يذهب عنه» (١).

ثمّ روى (قدس سره) بإسناده عن سهل بن اليسع عن الرضا (عليه السلام) في ذلك أنّه قال : «يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ، ويتشهّد تشهّداً خفيفاً» (٢) ثمّ قال (قدس سره) : وقد روى «أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس» (٣) ، ثمّ قال بعد ذلك : ليست هذه الأخبار بمختلفة ، وصاحب السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ فهو مصيب (٤) انتهى.

فانّ المشار إليه بقوله : في ذلك ، عند ذكر خبر سهل ليس هو مورد رواية علي بن أبي حمزة جزماً ، فانّ موردها كثير الشكّ كما عرفت سابقاً (٥) ، ولا شكّ أنّ مثله لا يبني على اليقين الذي تضمّنه خبر سهل ، إذ لا قائل به حتّى من العامّة القائلين بالبناء على الأقلّ في باب الشكّ في الركعات ، فانّ هذا الفرد مستثنى عن هذا الحكم لدى الكلّ ، ووظيفته ليست إلّا المضيّ في الصلاة وعدم

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣١ ذيل ح ١٠٢٤.

(٥) في ص ١٦١.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاعتناء بالشكّ إجماعاً.

بل هو إشارة إلى مورد رواية ابن الحجاج التي ذكرها أوّلاً ، أعني الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع. ومن هنا نقل في الوسائل رواية سهل وكذا المرسلة التي بعدها عقيب رواية ابن الحجاج ، لاستفادته اتحاد مورد الكلّ ، وأفرد رواية ابن أبي حمزة في باب آخر كما مرّ. ونعم ما صنع.

وبالجملة : فالمرسلة كرواية سهل كلتاهما واردتان في مورد صحيحة ابن الحجاج قطعاً ، وعليه فلا بدّ من مغايرة مضمون المرسلة مع الصحيحة كي تصح المقابلة ويتّجه حكمه (قدس سره) بالخيار بين الأخذ بأيّ منها شاء ، وحيث إنّ المرسلة متضمّنة للركعة فيكشف ذلك عن أنّ متن الصحيحة هو (الركعتين) وأنّ النسخة الصحيحة هي المشتملة على هذا اللفظ جزماً.

وأمّا هذه الروايات الثلاث التي ذكرها الصدوق وأفتى بالتخيير في العمل بمضمونها فالمرسلة منها من أجل إرسالها غير صالحة للاعتماد ، فيدور الأمر بين صحيحة (١) ابن الحجاج ورواية سهل التي هي أيضاً صحيحة ، ولكن الثانية من أجل موافقتها للعامّة تحمل على التقية ، فيتعيّن العمل بالأُولى ، المؤيّدة بمرسلة ابن أبي عمير. فما عليه المشهور هو المتعيّن.

__________________

(١) لا يخفى أنّ في طريق الصدوق إلى عبد الرحمن بن الحجاج في المشيخة [أي في الفقيه ٤ (المشيخة) : ٤١] أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، وهو مجهول عند سيّدنا الأُستاذ كما صرّح به في المعجم ٣ : ١٢٢ / ٩٣٢ فالطريق ضعيف ، ولكنّه (دام ظله) بالرغم من ذلك يرى صحّة الرواية ، نظراً إلى أنّ الراوي عنه في الطريق المزبور هو الحسن بن محبوب وابن أبي عمير ، وللشيخ الصدوق (قدس سره) طريق صحيح إلى جميع كتبهما ورواياتهما كما يظهر ذلك بمراجعة الفهرست [: ٤٦ / ١٥١ ، ١٤٢ / ٦٠٧] وبذلك يصبح طريق الصدوق إلى جميع روايات عبد الرحمن الواردة في الفقيه صحيحاً أيضاً فلاحظ.

١٩٧

والأحوط تأخير الركعتين من جلوس (*) (١).

الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين فيبني على الأربع ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ يسجد سجدتي السهو (٢).

______________________________________________________

(١) بل هو الأظهر ، لاشتمال الصحيحة وكذا المرسلة على العطف بـ «ثمّ» الظاهر في الترتيب ولزوم التأخير ، ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور ، فلو عكس وقدم الركعتين من جلوس وصادف نقص الصلاة ركعتين لم يكن ثمة مؤمّن عن هذه الزيادة الفاصلة بين الصلاة الأصلية وبين الركعتين من قيام بعد كونه على خلاف ظاهر الدليل. فمقتضى الجمود على ظاهر النصّ تعيّن ذلك وعدم جواز العكس.

(٢) على المشهور ، للنصوص المعتبرة الدالّة عليه صريحاً كصحيحة عبد الله ابن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمّ سلّم بعدهما» ونحوها صحيحة الحلبي (١) وموثّقة أبي بصير (٢).

ونسب إلى الشيخ الصدوق في المقنع الاحتياط في هذه الصورة بركعتين جالساً حيث قال ما لفظه : إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أو زدت أو نقصت فتشهّد وسلم ، وصلّ ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. قال : وفي حديث آخر : تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة (٣). انتهى ، وعن الشيخ في الخلاف

__________________

(*) بل هو الأظهر ، وأمّا إذا كانت وظيفته الصلاة عن جلوس فيحتاط بالإتيان بركعتين عن جلوس ثمّ بركعة عن جلوس.

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٣ [لاحظ السند ، فانّ الظاهر كونها صحيحة].

(٣) المقنع : ١٠٣.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

القول بالبطلان (١).

أمّا الأخير فلم نعرف له مستنداً أصلاً ، والأخبار المتقدّمة كلّها حجّة عليه.

وأمّا القول المنسوب إلى الصدوق فان كان المستند فيه الفقه الرضوي (٢) حيث اشتمل على مثل تلك العبارة ، فقد مرّ غير مرّة عدم الاعتماد عليه.

وإن كان مستنده مضمرة الشحّام قال : «سألته عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات ، قال : إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستاً فليعد ، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر وهو جالس ، ثمّ ليركع ركعتين ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمّ يتشهّد ...» إلخ (٣) بناءً على أنّ قوله : «وإن كان لا يدري» بيان لمفهوم الشرطية الأُولى ، ومرجعه إلى أنّه إن لم يستيقن بما ذكر فلا يدري هل زاد أم لا ، أو هل نقص أم لا فليكبّر ... إلخ ، فيكون الأوّل مورداً للشكّ بين الأربع والخمس.

ففيه : مضافاً إلى ضعف السند بأبي جميلة الذي هو المفضّل بن صالح وهو ضعيف جدّاً ، أنّ الدلالة قاصرة ، إذ الظاهر من قوله : «وإن كان لا يدري ...» إلخ ولا سيما بقرينة العطف بـ «أم» احتمال الزيادة والنقيصة معاً ، لا كلّ منهما مستقلا ، فهي ناظرة إلى صورة الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس كما أشار إليه صاحب الوسائل الملفّقة من شكّين صحيحين : الثلاث والأربع ، والأربع والخمس ، فهي على تقدير صحّة السند متعرّضة لحكم الشكّ المركّب الذي سيجي‌ء الكلام حوله إن شاء الله تعالى (٤).

__________________

(١) [لم نعثر عليه في الخلاف ، نعم حكاه عنه في المنتهي ١ : ٤١٧ السطر ٢١].

(٢) فقه الرضا : ١٢٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٥.

(٤) في ص ٢٠٦.

١٩٩

السادس : الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام ، فإنّه يهدم ويجلس ويرجع شكّه إلى ما بين الثلاث والأربع ، فيتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام (١).

السابع : الشكّ بين الثلاث والخمس حال القيام ، فإنّه يهدم القيام ويرجع شكّه إلى ما بين الاثنتين والأربع ، فيبني على الأربع ويعمل عمله.

الثامن : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام ، فيهدم القيام ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع فيتمّ صلاته ويعمل عمله.

______________________________________________________

وعليه فالإتيان بالركعتين من جلوس إنّما هو من أجل تدارك النقص المحتمل أعني رعاية الشكّ بين الثلاث والأربع ، لا لأجل كونه حكماً للشكّ بين الأربع والخمس. على أنّك قد عرفت فيما مرّ أنّ الرواية أجنبية عن محلّ الكلام أعني الشكّ أثناء الصلاة بتقريب قد تقدّم فراجع (١).

وكيف ما كان ، فالقولان المزبوران ساقطان ، والمتعيّن ما عليه المشهور للنصوص المتقدّمة ، وحيث إنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) فيها : «صلّيت» الفراغ من الركعة فهذا الحكم مختصّ بالشكّ بعد إكمال السجدتين.

(١) بعد ما فرغ عن حكم المنصوص من الشكوك الصحيحة وهي الخمسة المتقدّمة تعرّض لبيان غير المنصوص منها ، وهي أربعة :

أحدها : الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام. ثانيها : الشكّ بين الثلاث والخمس حاله. ثالثها : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس. رابعها : الشكّ بين الخمس والستّ حاله.

__________________

(١) ص ١٧٦.

٢٠٠