موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، تلتبس عليه صلاته ، قال : كلّ ذا؟ قال قلت : نعم قال : فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان ، فإنّه يوشك أن يذهب عنه» (١).

ولكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني ، فإنّه لم يوثّق. ومع الغضّ عن ذلك فالدلالة قاصرة ، فانّ موردها كثير الشكّ بقرينة قوله : «كلّ ذا» وأمره (عليه السلام) بالاستعاذة من الشيطان ، وهو خارج عن محلّ الكلام.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عنبسة قال : «سألته عن الرجل لا يدري ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثاً ، قال : يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، ويسجد سجدتي السهو» (٢). وهي واضحة الدلالة على البناء على الأقلّ.

ويقع الكلام تارة في سندها ، وأُخرى من حيث معارضتها لما سبق.

أمّا من حيث السند فقد رواها في الوسائل وفي التهذيبين (٣) عن عنبسة والظاهر أنّ المراد به بقرينة رواية صفوان (٤) عنه هو عنبسة بن بجاد ، وهو ثقة نعم رواها في الحدائق عن عنبسة بن مصعب (٥) ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات. فالرجل موثّق على التقديرين.

وأمّا من حيث المعارضة فهي لا تقاوم النصوص السابقة لكثرتها ، بل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٧.

(٤) روى صفوان عن ابن مصعب أيضاً كما صرّح به في المعجم ١٤ : ١٨٠ / ٩١١٧ ، فلا قرينة.

(٥) الحدائق ٩ : ٢٠٠.

١٦١

الرابع : الشكّ بين الاثنتين والأزيد قبل إكمال السجدتين (١).

______________________________________________________

تواترها إجمالاً كما مرّ من أنّها مقطوعة الصدور ، فامّا أن تطرح هذه رأساً لعدم حجّية الرواية الواقعة في قبال السنّة القطعية ، أو أنّها تحمل على التقية لموافقتها لمذهب العامّة ، حيث عرفت أنّ المتسالم عليه بينهم هو البناء على الأقلّ عملاً بالاستصحاب.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم استقرار التعارض المؤدِّي إلى التساقط فالمرجع حينئذ إطلاق صحيحة صفوان الدالّة على البطلان ، التي عرفت (١) أنّها المرجع الوحيد والأصل الثانوي المجعول في باب الشكّ في الركعات ، خرج منه موارد خاصّة يبني فيها على الأكثر ، وليس منها الشكّ بين الواحدة والأزيد قطعاً ، لمخالفته لضرورة الإسلام من الخاصّة والعامّة كما مرّ. فيبقى مشمولاً تحت الإطلاق.

وملخّص ما ذكرناه لحد الآن : أنّ الشكّ في الصلوات الثنائية والثلاثية مطلقاً ، وكذا الرباعية بين الواحدة والثنتين أو الواحدة والأزيد محكوم في كلّ ذلك بالبطلان ، للروايات المستفيضة المعتبرة. ومعارضها مطروح لموافقته للعامّة بل لعدم حجّيته في نفسه. ومع الغض فالمرجع القاعدة الثانوية المستفادة من صحيحة صفوان وغيرها الدالّة على البطلان.

(١) كما دلّت عليه عدّة من الروايات المتظافرة وجملة منها صحاح المتضمّنة عدم دخول الشكّ في الأولتين ولزوم سلامتهما عنه ، وفي بعضها أنّهما فرض الله لا بدّ من حفظهما والاستيقان بهما.

منها : صحيحة زرارة «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهنّ

__________________

(١) في ص ١٥١.

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

القراءة ، وليس فيهنّ وهم ...» إلخ (١).

فانّ المراد بالركعة في المقام ليس هو الركوع قطعاً ، بل الركعة التامّة ، وإن أُطلقت عليه أحياناً في لسان الأخبار كما ورد في صلاة الآيات من أنّها عشر ركعات (٢) وكذا في غيرها (٣)

أمّا أوّلاً : فلاستعمال الركعة في نفسها في ذلك في اصطلاح المتشرّعة وفي كثير من الروايات ممّا ورد في باب أعداد الفرائض ونوافلها وغيره ، فهذا الإطلاق هو الشائع الذائع في لسان الشارع وتابعيه ، فينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق.

وثانياً : أنّ المراد بها في خصوص المقام إنّما هي الركعة التامّة بقرينة قوله : «وفيهنّ القراءة» لوضوح عدم كون ظرفها الركوع ، فدلّت الصحيحة بوضوح على لزوم إحراز الركعتين الأولتين بكاملهما وسلامتهما عن الشكّ.

ومنها : صحيحة البقباق (٤) وموثّقة عنبسة بن مصعب (٥) الذي مرّ أنّه من رجال كامل الزيارات ، وصحيحة أبي بصير (٦). وكلّها صريحة في المطلوب ، وبها يخرج عن إطلاق قوله (عليه السلام) : إذا شككت فابن على الأكثر (٧). وهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام فيما ذكره الماتن وغيره من الفقهاء من تقييد الشكّ بما قبل إكمال السجدتين ، وأنّه يبني على الأكثر لو طرأ الشكّ بعد إكمالهما ، فإنّ هذا العنوان لم

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣ وغيرهما.

(٤) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٥) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٦) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٧) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ وغيره.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يرد في شي‌ء من الروايات ، وإنّما المذكور فيها حفظ الركعتين عن الشكّ ، المراد بهما الركعة التامّة الكاملة كما عرفت. فيقع الكلام في أنّ إكمال الركعة بماذا يتحقّق وما هو الحدّ المقرّر في صدق حفظ الركعتين عن الشكّ المذكور في النصوص.

ذكر جماعة ولعلّه الأشهر أنّ محقّق الإكمال هو رفع الرأس عن السجدة الثانية ، إذ ما لم يرفع لم يفرغ عن الركعة ، بل هو بعد فيها ، وما لم يتحقّق الفراغ يصدق عروض الشكّ في الأولتين ، وأنّه شاكّ في أنّ ما بيده ثانية أم ثالثة فتبطل بمقتضى النصوص المتقدّمة المانعة عن دخول الشكّ فيهما ، بخلاف ما لو طرأ الشكّ بعد الرفع ، إذ يصحّ أن يقال حينئذ إنّه حفظ الأولتين ، وإنّما الشك في الزائد عليهما ، فيحكم بالصحّة.

ولكنّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) ذهب إلى أنّ محقّق الإكمال هو الفراغ عن الذكر الواجب في السجدة الأخيرة وإن لم يرفع بعد رأسه عنها ، وأنّه بذلك يحرز الركعتين ، ولا يضرّه الشكّ بعدئذ.

وذكر (قدس سره) في وجه ذلك أنّ الطبيعي إنّما يتحقّق بصرف الوجود سواء طال زمان الفرد أم قصر ، إذ لا يختلف الحال بذلك فيما به يتحقّق الطبيعي. وعليه فمتى فرغ من وظيفة السجدة الأخيرة فقد تحقّق طبيعي الركعتين وإن لم يفرغ بعد من شخص هذا الفرد لإطالة السجود ، فلا نضايق من صدق أنّ المصلّي بعد في السجدة ، إذ عدم خروجه بذلك عن الركعتين وكونه فيهما عرفاً ممّا لا ينكر ، لكن ذلك لا ينافي صدق تحقّق الركعتين وتيقّنهما الذي هو مناط الصحّة في الأخبار ، إذ لا منافاة بين تحقّق الماهية وعدم الفراغ عن الشخص (١).

وقد استغرب المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) هذا الكلام نظراً إلى أنّ الكلّي

__________________

(١) كتاب الصلاة : ٢٣٩ السطر ٢١.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٤ السطر ٤.

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

حدوثاً وبقاءً وجوداً وعدماً تابع للفرد ، فكيف يصحّ أن يقال مضى الكلّي وبقي الشخص ، فإنّه لا وجود للكلّي بغير وجود فرده.

أقول : الذي ينبغي أن يقال في المقام ولعلّه مراد الشيخ (قدس سره) : إنّه إن كان المستفاد من النصوص أنّ الموضوع للبطلان دخول الشكّ في الأولتين بحيث تكون الأولتان ظرفاً لعروض الشكّ في قبال غير المبطل منه وهو الشكّ الحادث والمصلّي في الأخيرتين ، تمّ ما أفاده الهمداني (قدس سره) ، فإنّ الركعة التي بيده مردّدة بين الثانية والثالثة ، فكانت إحدى الأولتين معرضاً وظرفاً لطروء الشكّ ، إذ لم يحرز بعد فراغه عن الأولتين حسب الفرض ، فلا مناص من الحكم بالبطلان.

وإن كان المستفاد منها أنّ الموضوع للبطلان تعلّق الشك بالأولتين وعدم إحرازهما لا ظرفية الركعتين للشكّ ، تمّ ما أفاده الشيخ (قدس سره) ، ضرورة أنّه حافظ للأُوليين ومتيقّن بهما ولو كان هو بعدُ في الأولتين ، فقد حدث الشكّ وهو في ركعة أحرز معها الأولتين في أنّها هي الثانية أم الثالثة. فالشكّ متعلّق لا محالة بالإتيان بالزائد لا بالإتيان بالأولتين.

ولا ينبغي الشكّ في أنّ المستفاد من النصوص إنّما هو المعنى الثاني ، أعني كون الأولتين متعلّقاً للشكّ لا ظرفاً له.

والذي يكشف عن ذلك عدّة من الأخبار ، فإنّه وإن سلّم الإجمال في بعضها الآخر كموثّقة عنبسة ونحوها إلّا أنّ مثل صحيحة زرارة كالصريح فيما ذكرناه لقوله (عليه السلام) : «فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين» (١) حيث يظهر منها أنّ المناط في الصحّة إحراز الأولتين وحفظهما واليقين بهما الحاصل كلّ ذلك في المقام ، أعني قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة.

__________________

(١) وقد تقدمت في ص ١٥٩.

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا قوله (عليه السلام) في صحيحة البقباق : «إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد» ، حيث دلّ على أنّ المبطل عدم حفظ الأولتين ، غير المنطبق على المقام فإنّه عالم بهما وحافظ ولو كان ظرف شكّه ومركز عروضه هي الركعة المحتمل كونها الثانية. فما ذكره الشيخ (قدس سره) هو الصحيح.

نعم ، هناك رواية واحدة قد يستفاد منها ما ذكره الهمداني (قدس سره) من إناطة الصحّة برفع الرأس وعدم كفاية الفراغ من الذكر ، وهي صحيحة زرارة التي استشهد هو (قدس سره) بها ، قال «قلت له : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» (١).

فانّ الدخول الحقيقي في الثالثة المتحقّق بالقيام غير مراد قطعاً ، إذ مجرّد عروض الشكّ بعد إكمال السجدتين وإن لم يكن قائماً كافٍ في الحكم بالبناء على الأكثر إجماعاً ، وإنّما الخلاف في كفايته قبل رفع الرأس ، وأنّ الإكمال هل يتحقّق قبل ذلك أو لا ، بل المراد الدخول المجازي ، أعني الدخول في المقدّمات ولو بضرب من العناية ، التي منها رفع الرأس عن السجدة الأخيرة. فالدخول المزبور كناية عن رفع الرأس.

وعليه فتدلّ الصحيحة بمقتضى مفهوم الشرط على البطلان فيما لو كان الشكّ عارضاً قبل رفع الرأس ، سواء أكان فارغاً عن الذكر أم لا.

وفيه أوّلاً : أنّ الشرط لا مفهوم له في مثل المقام ممّا كان مسوقاً لبيان تحقّق الموضوع ، فانّ انتفاء الحكم لدى انتفاء الشكّ من باب السالبة بانتفاء الموضوع فهو نظير قولك : إن ركب الأمير فخذ ركابه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لو كانت العبارة هكذا : إن دخل الشكّ وكان بعد دخوله في الثالثة ... إلخ تمّ ما أُفيد وانعقد المفهوم ، فانّ مفهومه حينئذ أنّ الشك المفروض وجوده لو كان قبل الدخول في الثالثة أي قبل رفع الرأس بطلت صلاته ، لكن العبارة ليست كذلك.

نعم ، للصحيحة مفهوم من حيث الوصف لا الشرط بالمعنى الذي ذكرناه في الأُصول (١) أعني الدلالة على أنّ الطبيعي لم يكن على إطلاقه وسريانه موضوعاً للحكم ، وأنّ القيد مبنيّ على الاحتزاز. فتدلّ على أنّ الشكّ بين الثنتين والثلاث لم يكن على إطلاقه محكوماً بالصحّة ، ويكفي في ذلك بطلانه لو كان في حال القيام ، أو قبل الفراغ عن ذكر السجدة الأخيرة ، لا أنّها تدلّ على أنّه كلّما كان الشكّ قبل رفع الرأس عن الأخيرة فهو محكوم بالبطلان كي تدلّ على المفهوم بالمعنى المصطلح.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فالصحيحة في نفسها غير خالية عن شائبة من الإجمال ، فإنّ المفروض في السؤال الشكّ بين الثنتين والثلاث فما معنى قوله (عليه السلام) في الجواب : «إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة» ، فإنّه إن أُريد به الثالثة المحتملة فهو حاصل بمقتضى فرض الترديد بين الثنتين والثلاث المذكور في السؤال ، وحكمه البطلان إذا كان قبل الإكمال بلا إشكال ، فكيف حكم (عليه السلام) بالصحّة.

وإن أُريد بها الثالثة اليقينية أي الدخول في ركعة أُخرى يقطع معها بتحقّق الثلاث فينقلب الشكّ حينئذ إلى الثلاث والأربع ، ويخرج عمّا افترضه السائل من الشكّ بين الثنتين والثلاث ، نعم كان كذلك قبل ذلك لا بالفعل ، فلا يرتبط بالسؤال.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.

١٦٧

الخامس : الشكّ بين الاثنتين والخمس أو الأزيد وإن كان بعد الإكمال (١).

______________________________________________________

على أنّ حكم الشاكّ بين الثلاث والأربع البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة لا موصولة كما هو ظاهر الصحيحة.

وعلى الجملة : لم نفهم معنى الصحيحة ، ولم يتّضح المراد ، لعدم الربط بين الجواب والسؤال ، فهي محكومة بالإجمال ، ومثلها غير صالحة للاستدلال على كلّ حال.

والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّ محقّق الإكمال هو ما أفاده الشيخ (قدس سره) من الفراغ عن وظيفة الركعة المتحقّق بالانتهاء عن الذكر الواجب في السجدة الأخيرة ، فإنّه بذلك يفرغ عمّا عليه من عهدة الركعة ويحصل امتثال الأمر بها ، فقد تحقّقت الركعة ومضت وإن كان بعد باقياً في الشخص لاختياره إطالة السجود ، فانّ ذلك أمر آخر زائد على أصل الواجب. ولا منافاة بين البقاء في الشخص ومضي الطبيعة كما أفاده (قدس سره).

وعليه فالشكّ العارض بعد ذلك وقبل رفع الرأس لم يكن متعلّقاً بالأولتين بل هو حافظ وضابط لهما ، وإن كانتا ظرفاً له ، وإنّما الشكّ متعلّق بالإتيان بالزائد عليهما ، فلا يستوجب البطلان كما عرفت بما لا مزيد عليه.

(١) من الشكوك المبطلة الشكّ بين الثنتين وما زاد على الأربع كالخمس ، أو الأربع والخمس ، ونحو ذلك. أمّا إذا كان قبل الإكمال فلا إشكال في البطلان للنصوص المتقدّمة (١) الدالّة على لزوم سلامة الأولتين عن الشكّ ، فمحلّ الكلام ما إذا كان الشكّ بعد الإكمال ، بحيث يكون حافظاً للأولتين كما أشار إليه الماتن بقوله : وإن كان بعد الإكمال. والمشهور حينئذ هو البطلان ، لعدم إمكان التصحيح

__________________

(١) في ص ١٦٢ ١٦٣.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد الدوران بين النقص والزيادة.

وقد يقال بلزوم البناء على الأقل ، استناداً إلى الاستصحاب بعد قصور نصوص البناء على الأكثر عن الشمول للمقام ، لاختصاصها بما إذا كان الأكثر صحيحاً كي يمكن البناء عليه وتكون الركعة المفصولة جابرة على تقدير ونافلة على التقدير الآخر ، فلا تعمّ مثل المقام ممّا كان البناء على الأكثر مفسداً لا مصحّحاً. وعليه فيبني على أنّ ما بيده هي الركعة الثانية بعد نفي الركعات الزائدة عليها المشكوكة بالأصل.

وربما يورد عليه تارة بأنّ الاستقراء الظنّي أورث الاطمئنان بإلغاء الشارع حجّية الاستصحاب في باب الشكّ في الركعات.

وفيه أوّلاً : أنّ ذلك لا يستوجب رفع اليد عن عموم دليل الاستصحاب في غير الموارد التي ثبت فيها الإلغاء ، وهي موارد البناء على الأكثر. والاستقراء المزبور ظنّي ناقص ، فلم يثبت لنا الإلغاء على سبيل الإطلاق كي نخرج به عن عموم الدليل.

وثانياً : أنّه قد ثبت عدم الإلغاء والاعتناء بالاستصحاب في بعض الموارد كالشكّ بين الأربع والخمس ، فإنّه يبني على الأربع ويسجد سجدتي السهو للركعة الزائدة المحتملة ، ولا وجه له إلّا الاعتماد في نفي الزائد على الأصل ، ومن الجائز أن يكون المقام من هذا القبيل ، ومعه كيف تصحّ دعوى الإلغاء الكلّي.

وأُخرى بأنّه لا يثبت بالأصل المزبور كون الركعة التي جلس فيها هي الثانية ليتشهّد فيها ، ولا أنّ الركعتين بعدهما هي الثالثة والرابعة ليتشهّد ويسلّم بعد الأخيرة ، ولا بدّ في ذلك من إحراز الاتّصاف بالثانية والرابعة على ما يستفاد من الأدلّة.

وفيه أوّلاً : أنّه لم يقم دليل على اعتبار الاتّصاف المزبور ، وإنّما المستفاد من

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأدلّة اعتبار محلّ خاصّ للتشهّد ، وهو كونه بعد الأولتين وقبل القيام إلى الثالثة ، وكذا كونه بعد الرابعة لا كونه في ركعة موصوفة بأنّها الثانية أو الرابعة وذلك محرز في المقام بعد إجراء الأصل المتقدّم كما لا يخفى.

وثانياً : على تقدير تسليم ذلك فيمكن إحرازه بالأصل أيضاً ، فإنّ المصلي كان قبل هذا في حالة متّصفة بأنّه في الركعة الثانية يقيناً ، ونشكّ في تبدّل الحالة وانقلابه عمّا كان فيبني على أنّه كما كان. وكذا بعد الإتيان بالركعتين بعدهما يقطع بأنّه كان في آن مردّد بين الحال والماضي في ركعة متّصفة بالرابعة يقيناً ، ويشكّ في انقلاب تلك الحالة فيبنى عليها بالاستصحاب.

فالإنصاف : أنّ الاستصحاب في نفسه لا مانع من جريانه في المقام لولا أنّ صحيحة صفوان (١) وما في معناها دلّت على الغاية في باب الشكّ في الركعات كما مرّ ، وحكمت بانقلاب الأصل الأوّلي إلى الثانوي في هذا الباب ، وهو أصالة الفساد في كلّ شكّ تعلّق بأيّ ركعة عدا ما ثبت خروجه ، وهو موارد الشكّ بين الأربع والخمس وكلّ مورد يبنى فيه على الأكثر على ما أُشير إليه في رواية عمّار : «إلا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء ، قلت : بلى ، قال : إذا سهوت فابن على الأكثر» (٢).

ومن المعلوم عدم شمولها لمثل المقام ، لاختصاصها بقرينة قوله (عليه السلام) في الذيل : «فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء» بموارد يمكن تصحيح الصلاة فيها بالبناء على الأكثر ، فلا تعمّ مثل المقام الذي يوجب البناء عليه البطلان. على أنّها لو شملت المقام فنتيجته البطلان كما لا يخفى.

وعليه فإطلاق صحيحة صفوان هو المحكّم ، ولأجلها يحكم بالبطلان في المقام

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٥١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد عدم الدليل على التقييد ، لعدم ورود نصّ فيما نحن فيه.

وقد يقال بقصور الصحيحة عن الشمول للمقام ، لاختصاصها بموارد لم يدر كم صلّى بحيث كان شاكّاً في عدد الركعات رأساً ولم يكن حافظاً أصلاً ، وهو الذي عنونه الفقهاء في رسائلهم العمليّة وعدّوه من أحد الشكوك المبطلة مستقلا وأشار إليه الماتن في المبطل الثامن ، فلا تعمّ مثل المقام ممّا يعلم كم صلّى ويتردّد بين الثنتين والخمس مثلاً.

وفيه : أنّ فرض الجهل البحت بحيث لم يدر عدد الركعات رأساً ولم يكن متيقّن في البين أصلاً غير معقول الوقوع خارجاً ، فان كلّ مصلّ شاكّ في العدد فهو عالم لا محالة بالقدر المتيقّن ولو كانت الواحدة ، فيرجع هذا الشكّ إلى أحد الشكوك المبطلة ، ولا أقلّ إلى الشكّ بين الواحدة والأزيد الذي هو الثالث من أقسام الشكوك المبطلة كما مرّ ، فلا يكون هذا عنواناً مستقلا قبال بقيّة الشكوك وإن عنونه الفقهاء كذلك ، فانّ من شكّ بين الواحدة والثنتين والثلاث والأربع وهكذا ولم يدر كم صلّى فهو عالم لا محالة بالتلبّس بالواحدة ، فيرجع إلى الشكّ بينها وبين الأزيد كما عرفت.

وعليه فلا يمكن تخصيص الصحيحة بتلك الصورة غير المعقولة ، بل هي عامّة لمطلق الشكوك المتعلّقة بمطلق الركعات ، خرج ما خرج وبقي الباقي الذي منه المقام ، إذ لم يثبت خروجه ، لعدم الدليل عليه لا خصوصاً ولا عموماً ، فيبقى تحت الإطلاق المقتضي للبطلان.

نعم ، قد يستدلّ للخروج ولزوم البناء على الأقلّ بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وعلي عن أبي إبراهيم (عليه السلام) : «في السهو في الصلاة ، فقال : تبنى على اليقين وتأخذ بالجزم ، وتحتاط الصلوات كلّها» (١) بناءً على أنّ المراد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٥.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

باليقين هو الأقلّ ، فإنّه المتيقّن المجزوم به.

وفيه ما لا يخفى ، لعدم مناسبته مع الاحتياط الذي أمر بمراعاته في الصلوات كلّها ، فإنّ الأقلّ احتمال لا احتياط ، فالمراد منه هو اليقين بالبراءة ، أي البناء على عمل يقطع معه بفراغ الذمّة وصدور صلاة صحيحة مطابقة للاحتياط وهو البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة الذي أُشير إليه في رواية عمّار بقوله (عليه السلام) : «أ لا أُعلّمك شيئاً ...» إلخ (١) ، وأنّ تلك الركعة جابرة على تقدير ونافلة على التقدير الآخر ، فيحصل اليقين بالبراءة بهذه الكيفية.

وقد عرفت فيما مرّ أنّ البناء على الأكثر خاصّ بموارد يحتمل الصحّة لدى البناء عليه ، فلا يشمل المقام. وكيف ما كان ، فصحيحة عبد الرحمن أجنبية عن الدلالة على الأقلّ كي نخرج بها عن إطلاق صحيحة صفوان. فالاستدلال بها على ذلك ضعيف.

ونحوه في الضعف الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار قال «قال لي أبو الحسن الأوّل (عليه السلام) : «إذا شككت فابن على اليقين ، قال قلت : هذا أصل؟ قال : نعم» (٢).

إذ فيه أوّلاً : أنّ الموثّقة لم ترد في خصوص باب الشكّ في الركعات ، بل في مطلق الشكّ فيما كان على يقين منه ، فهي من أخبار باب الاستصحاب ، نظير قوله (عليه السلام) : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه ، فانّ الشك لا ينقض اليقين» (٣). وقد ذكرنا أنّ الاستصحاب ساقط في هذا الباب بمقتضى صحيحة صفوان.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فالمراد باليقين هو اليقين بالبراءة كما مرّ في الرواية

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١ : ٢٤٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٦.

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السابقة ، دون الأقلّ ، هذا.

وربما يستدلّ للصحّة في المقام وفي الفرعين الآتيين أعني السادس والسابع من الشكوك الباطلة بروايات يتوهّم دلالتها عليها مع التدارك بسجدة السهو.

منها : صحيحة الحلبي «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً ، أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً» (١) دلّت على أنّ الشكّ بين الأربع والخمس أو بين الناقص عن الأربع أو الزائد على الخمس كلّه محكوم بالصحّة ، ولا يحتاج إلّا إلى سجدة السهو.

وفيه : أنّ قوله : «أم نقصت أم زدت» إمّا أن يكون عطفاً على جملة «لم تدر» أو على مفعولها أعني أربعاً.

فعلى الأوّل : كانت الصحيحة أجنبية عن محلّ الكلام بالكلّية ، لأنّ مفادها حينئذ أنّ نقصان الجزء أو زيادته موجب لسجدة السهو ، كما أنّ الشكّ بين الأربع والخمس موجب لها. فتكون الصحيحة من أدلّة لزوم سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، ولا ربط لها بما نحن فيه.

وعلى الثاني : فإن قلنا بأنّ مدخول (أم) مختصّ بموارد العلم الإجمالي والدوران بين أمرين يعلم بتحقّق أحدهما إجمالاً كما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) ليكون المعنى إذا لم تدر نقصت ركعة أم زدت مع العلم بثبوت أحدهما ، فلا ينبغي الإشكال في بطلان الصلاة حينئذ ، من جهة العلم الإجمالي بالنقصان أو الزيادة فكيف حكم (عليه السلام) بالصحّة والتدارك بسجدتي السهو.

وإن قلنا بأنّ مدخولة يشمل موارد الشبهة البدوية أيضاً ليكون المعنى : إذا

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٦٨ السطر ١٣.

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لم تدر أنّك نقصت أم لم تنقص ، أو لم تدر أنّك زدت أم لم تزد ، فغايته أنّ الصحيحة مطلقة من حيث الركعات والأفعال فلتحمل على الثاني ، لأنّ الأوّل إن احتمل فيها النقص فهو مورد للبناء على الأكثر بمقتضى موثّقة عمّار ، وإن احتمل الزيادة فهو محكوم بالبطلان بمقتضى إطلاق صحيحة صفوان فتقيّد هذه الصحيحة بذينك الدليلين ، ويختصّ موردها بالشكّ في الأفعال ، أي زيادة جزء أو نقيصته وأنّ حكمه الصحّة مع الإتيان بسجدتي السهو ولو استحباباً. فلا يصحّ الاستدلال بها للصحّة في المقام على جميع التقادير.

وعلى الجملة : فهذه الصحيحة غير صريحة في الشكّ في الركعات ، بل أقصاها الإطلاق والشمول لها وللأجزاء ، فيخرج عنها الأوّل ويحكم فيه بالبطلان إن لم يكن مورداً للبناء على الأكثر وإلّا فبالبناء عليه ، للأدلّة الدالّة عليهما ، فتكون هذه مختصّة بالشكّ في الأجزاء وتخرج عن محلّ الكلام.

ومنها : صحيحة زرارة «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسماهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المرغمتين» (١). وهي مثل السابقة استدلالاً وجواباً ، فتحمل على زيادة الأجزاء أو نقيصتها ، وتخرج الركعات عن إطلاقها ، المحكومة بالبطلان تارة وبالبناء على الأكثر أُخرى بالأدلّة الخاصّة كما عرفت.

ومنها : رواية زيد الشحّام «عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات ، قال : إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستاً فليعد ، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر وهو جالس ثمّ ليركع ركعتين ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ، ثم يتشهّد ...» إلخ (٢).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٥.

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّها صريحة في الشكّ في الركعات ، وقد قيل إنّ إطلاقها يشمل محلّ الكلام أعني الشكّ بين الثنتين والخمس ، أو الثلاث والستّ ، أو الأربع والستّ ، ونحو ذلك.

وفيه أوّلاً وهو العمدة ـ : أنّ الرواية ضعيفة السند بأبي جميلة مفضّل بن صالح ، الذي ضعّفه النجاشي (١) وغيره ، فلا وجه للتعبير عنها بالموثّقة كما في بعض الكلمات.

وثانياً : أنّها غير ناظرة إلى مثل المقام ممّا كان الأمر دائراً بين النقص والزيادة كالثنتين والخمس ، لوضوح أنّ ركعة الاحتياط المأمور بها في الذيل غير نافعة إلّا على تقدير النقص دون الزيادة ، فهي تؤمّن الاحتمال الأوّل لا الثاني. على أنّ الركعة موردها البناء على الأكثر ، الموجب للبطلان في المقام. كما أنّها غير ناظرة إلى مورد احتمال النقص فقط أو الزيادة فقط ، لما مرّ.

فلا مناص من حملها على مورد يحتمل معه التمام أيضاً كالشكّ بين الثلاث والأربع والخمس الملفّق من شكّين صحيحين ، أعني الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الأربع والخمس ، فانّ في حكم الشكّ الملفّق منهما كلاماً سيأتي التعرّض إليه إن شاء الله تعالى (٢) بعد الفراغ عن حكم الشكوك الصحيحة ، وهو أنّ أدلّة الشكوك هل هي مختصّة ولو انصرافاً بالشكوك البسيطة ، بأن يشكّ بين الثلاث والأربع بلا احتمال الزيادة ، أو الأربع والخمس بلا احتمال النقيصة ، أو أنّها مطلقة من هذه الجهة ، فيعمل بموجب الشكّين في موارد التلفيق ويحكم بصحّة الصلاة حينئذ.

وهذه الرواية من شواهد الاحتمال الثاني. وبالجملة : فالرواية ناظرة إلى هذه

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢ ، في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي.

(٢) في ص ٢٠٦.

١٧٥

السادس : الشكّ بين الثلاث والستّ أو الأزيد (١). السابع : الشكّ بين الأربع والستّ أو الأزيد.

______________________________________________________

الصورة أعني مورد التلفيق. فهي أجنبية عن محلّ الكلام.

وممّا ذكرنا يعلم عدم إمكان حملها على مورد الشكّ بين الثلاث والخمس لأنّ الشكّ إن كان في حال القيام يهدم القيام فيرجع الشكّ إلى الثنتين والأربع وحكمه الإتيان بركعتي الاحتياط ، لا بركعة واحدة كما تضمّنته الرواية ، فإنّ الركعتين من جلوس ركعة واحدة. وإن كان في حال الجلوس بطل ، لعدم إمكان البناء على الأكثر والإتيان بركعة الاحتياط كما تضمّنته الرواية أيضاً ، فلا مناص من حملها على التلفيق كما ذكرنا.

ثمّ إنّ سيّدنا الأُستاذ أعاد النظر حول هذه الرواية فقال (دام ظله) : إنّ المفروض فيها وقوع صلاة العصر وتحقّقها خارجاً ، ومعه فان استيقن أنّه زاد ركعة أو ركعتين أعادها ، وإن شكّ فلم يدر أنّه زاد أم نقص بنى على النقص وأكملها بركعتين من جلوس ، وعليه فلا بدّ من أن يكون فرض الشكّ بين الثلاث والخمس أو الستّ. فالرواية أجنبية عن محلّ الكلام وهو الشكّ في أثناء الصلاة.

ثمّ إنّ الرواية لو كانت معتبرة لم يكن مناص من العمل بها في موردها ، لكنّها لضعفها كما عرفت لا يمكن الاعتماد عليها. إذن فيحكم بالبطلان في الفرض المزبور ، للعلم الإجمالي بالزيادة أو النقيصة.

(١) قد ظهر لك ممّا تقدّم حكم هذا القسم والذي يليه ، فإنّهما مشاركان مع الشكّ بين الثنتين والخمس في جميع ما مرّ ، حيث إنّ مقتضى الاستصحاب هو البناء على الأقلّ ، غير أنّ صحيحة صفوان وما في معناها الحاكمة عليه والتي هي المرجع الوحيد في هذا الباب تقتضي البطلان في الجميع.

١٧٦

الثامن : الشكّ بين الركعات بحيث لم يدر كم صلّى (١).

______________________________________________________

نعم ، نسب الخلاف في الأخير أعني الشكّ بين الأربع والستّ إلى جماعة منهم العلّامة (١) والشهيد (٢) وأنّهم ذهبوا إلى الصحّة.

فإن كان المستند التعدّي عن نصوص الأربع والخمس كما صرّح به بعضهم بدعوى أنّ المستفاد منها أنّ الموضوع للحكم الشكّ بين الأربع فما زاد ، ولا خصوصية للخمس. ففيه : أنّ الدعوى غير ثابتة ، ولا بدّ في الأحكام التعبّدية من الجمود على مورد النصّ والاقتصار على المقدار المتيقّن. فلا وجه للتعدّي والإلحاق.

وإن كان المستند الاستصحاب ونفي الزائد بالأصل ، ففيه مضافاً إلى سقوطه في هذا الباب ، وأنّ المرجع صحيحة صفوان كما مرّ أنّه غير مختصّ بالمقام بل يجري في سائر الأقسام ، فما هو الموجب للتخصيص؟

وإن كان هو النصوص المتقدّمة من صحيحة الحلبي وغيرها (٣) فقد عرفت الحال فيها وأنّها غير صالحة للاستناد إليها.

(١) على ما هو المعروف بين الفقهاء ، المذكور في كتبهم وفي رسائلهم العمليّة حيث جعلوه عنواناً مستقلا في مقابل الأقسام السابقة ، وحملوا صحيحة صفوان على ذلك وجعلوها مستنداً لهذا الحكم. وقد أشرنا فيما مرّ (٤) إلى أنّ هذا النوع من الشكّ أعني الجهل البحت بعدد الركعات بحيث لم يعلم رأساً ولم يكن قدر

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣٩١ المسألة ٢٧٧.

(٢) الذكرى ٤ : ١٦٣.

(٣) المتقدّمة في ص ١٧٣ ١٧٤.

(٤) في ص ١٧١.

١٧٧

[٢٠٣٨] مسألة ٢ : الشكوك الصحيحة تسعة في الرباعية :

أحدها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين (١) فإنّه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتمّ صلاته

______________________________________________________

متيقّن في البين أصلاً غير معقول الوقوع خارجاً.

ضرورة أنّ المصلّي مهما شكّ فهو يعلم لا محالة بالحدّ الأقلّ والمتيقّن ممّا في يده ، ولا أقل من الواحدة ، فيرجع إلى الشكّ بين الواحدة والأزيد أو الثنتين والأزيد وهكذا ، فبالأخرة يؤول الشكّ إلى أحد الأقسام السابقة وإن تكثّرت أطرافه ، فلا يكون هذا نوعاً آخر من الشكّ وعنواناً مستقلا في قبالها ، وليست الصحيحة ناظرة إلى تلك الصورة غير المعقولة ، بل يعمّ جميع أقسام الشكوك الباطلة كما عرفت.

(١) أمّا قبل الإكمال فباطل بلا إشكال ، لرجوعه إلى الشكّ في الأولتين اللّتين لا بدّ من سلامتهما عنه واليقين بهما كما مرّ.

وأمّا بعد الإكمال وقد مرّ (١) ما يتحقّق به الإكمال وأنّه الفراغ عن ذكر السجدة الأخيرة فالمشهور لزوم البناء على الثلاث والإتيان بالرابعة ثمّ بصلاة الاحتياط.

وعن الصدوق تجويز البناء على الأقل (٢) ، وعن والده التخيير بينه وبين البناء على الأكثر (٣) ، وعن السيّد لزوم البناء على الأقلّ (٤) ونسب إلى الصدوق

__________________

(١) في ص ١٦٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣١ ذيل ح ١٠٢٤ [تقدّمت في ص ١٤٩ محاولة تفنيد النسبة].

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٨٣ المسألة ٢٧٠.

(٤) المسائل الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية) : ٢٣٧ المسألة ١٠٢ السطر ٢٤.

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً في المقنع الحكم بالبطلان (١). وكيف ما كان ، فلا عبرة بهذه الأقوال الشاذّة. والصحيح ما عليه المشهور ، لضعف مستند ما عداه.

أمّا البناء على الأقلّ فيستدلّ له بصحيحة العلاء المرويّة في قرب الإسناد قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة قال : يبني على اليقين فاذا فرغ تشهّد وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن» (٢) بناءً على أنّ المراد باليقين المتيقّن ، وهو الأقل.

لكن الظاهر أنّ المراد به اليقين بالبراءة ، وأن يعمل عملاً يقطع معه بفراغ الذمّة وحصول صلاة صحيحة ، وهو البناء على الأكثر ، الذي أُشير إليه في عدّة من النصوص التي منها رواية عمّار : «إلا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء ، قلت : بلى ، قال : إذا سهوت فابن على الأكثر ...» إلخ (٣).

ويكشف عنه بوضوح قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : «وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن» ، فإنّ ركعة الاحتياط إنّما تنفع لتدارك النقص المحتمل ومع البناء على الأقلّ لم يكن ثمّة إلّا احتمال الزيادة دون النقصان ، فلا موقع للجبران. فالصحيحة ولا سيما بقرينة الذيل على خلاف المطلوب أدلّ ، فإنّها من شواهد القول المشهور.

ويستدلّ للبطلان بروايتين :

إحداهما : صحيحة زرارة : «رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : إن

__________________

(١) المقنع : ١٠١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٢ ، قرب الإسناد : ٣٠ / ٩٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» (١) ، حيث دلّت بمقتضى المفهوم على البطلان ما لم يكن داخلاً في الثالثة.

وفيه : أنّ المراد بالثالثة ليس هي الثالثة اليقينية ، لرجوع الشكّ حينئذ إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، وهو مضافاً إلى خروجه عن مفروض السؤال لا يناسبه قوله (عليه السلام) : «ثمّ صلّى الأُخرى ...» إلخ الظاهر في الإتيان بالركعة الأُخرى موصولة ، ولا سيما بقرينة قوله (عليه السلام) : «ويسلّم» ، فانّ حكم الشاكّ حينئذ الإتيان بركعة الاحتياط مفصولة ، فلا مناص من أن يكون المراد الثالثة المحتملة.

وحيث إنّ الشكّ العارض لدى الدخول في الركعة المردّدة بين الثانية والثالثة يكون قبل الإكمال لا محالة فهو غير محرز للثنتين ، وقد دخل الشكّ في الأُوليين وحينئذ فحكمه (عليه السلام) بالصحّة معارض بالروايات الكثيرة المتقدّمة المتضمّنة للزوم سلامة الأُوليين عن الشكّ وحصول اليقين بهما.

فلا بدّ إذن من ارتكاب التأويل ، بدعوى أنّ قوله (عليه السلام) : «بعد دخوله في الثالثة» كناية عن إكمال الأُوليين وإحرازهما ، وأنّه عندئذ يبني على أنّ ما بيده هي الثالثة فيمضي فيها ويأتي بالأُخرى التي هي الرابعة ، نعم لا تعرّض فيها حينئذ لركعة الاحتياط ، فتقيد بالروايات الأُخرى الدالّة عليها.

وعليه فليس مفهومها لو كان لها مفهوم إلّا البطلان فيما إذا كان الشكّ قبل الإكمال ، لا ما إذا كان بعده كما هو محلّ الكلام ، وقد تقدّم شطر من الكلام حول هذه الصحيحة فلاحظ (٢).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.

(٢) ص ١٦٦.

١٨٠