موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٠٢٥] مسألة ٥ : لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أنّه صلّى الظهر أم لا فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر بنى على الإتيان بها ، وإن كان في الوقت المشترك عدل إلى الظهر بعد البناء على عدم الإتيان بها (١).

______________________________________________________

(١) فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان ذلك في الوقت المشترك فيعدل إلى الظهر بعد البناء على عدم الإتيان بها ، وبين ما إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر فيبني على الإتيان بها ويتمّها عصراً ، فانّ وظيفته ذلك حتّى مع القطع بعدم الإتيان بالظهر فضلاً عن الشكّ فيه.

أقول : ما أفاده (قدس سره) هو الصحيح في كلا الفرضين :

أمّا في الوقت المشترك فلاستصحاب عدم الإتيان بالظهر ، ولا أقلّ من قاعدة الاشتغال ، فهو بمثابة العالم بعدم الإتيان بالظهر ، وقد دلّت النصوص الكثيرة على وجوب العدول إليها لو تذكّر ذلك أثناء العصر كما تقدّمت سابقاً (١).

وقد يتوهّم البناء على الإتيان ، استناداً إلى قاعدة التجاوز ، بدعوى أنّ محلّ الظهر قبل العصر ، وبالدخول فيه قد تجاوز المحلّ فيبني على الإتيان.

وفيه : ما تقدّم قريباً (٢) من عدم جريان القاعدة في مثل المقام ، إذ ليس للظهر محلّ خاص ، وإنّما المحلّ معتبر في العصر فقط ، فإنّه المشروط بتأخّره عن الظهر وليس الظهر مشروطاً بتقدّمه على العصر كي يكون له محلّ معيّن شرعاً ، فالبعدية ملحوظة في العصر بمقتضى الترتيب ، لا أنّ القبلية معتبرة في الظهر. وعليه فمحلّ المشكوك باقٍ بحاله ولم يتجاوز عنه ولو كان الشكّ عارضاً بعد الفراغ عن العصر ، فضلاً عمّا إذا كان في الأثناء ، فلا مناص من الاعتناء.

وأمّا في الوقت المختصّ فيبني على الإتيان كما أفاده (قدس سره).

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٢٠٥ وما بعدها.

(٢) في ص ١١٤ وما بعدها.

١٢١

[٢٠٢٦] مسألة ٦ : إذا علم أنّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر ولم يدر المعيّن منهما يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة سواء كان في الوقت أم في خارجه ، نعم لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء (*) على أنّ ما أتى به هو الظهر فينوي فيما يأتي به العصر. ولو علم أنّه صلّى إحدى العشاءين ولم يدر المعيّن منهما وجب الإتيان بهما ، سواء كان في الوقت أم في خارجه ، وهنا أيضاً لو كان في وقت الاختصاص بالعشاء بنى على أنّ ما أتى به هو المغرب وأنّ الباقي هو العشاء (١)

______________________________________________________

أمّا أوّلاً : فلقاعدة التجاوز ، إذ المستفاد من الأدلّة أنّ محلّ الظهر هو قبل الانتهاء إلى هذا الوقت لدى عدم الإتيان بصلاة العصر ، لاختصاص الوقت بها ، بمعنى عدم مزاحمتها به كما مرّ (١) ، فالشكّ العارض في هذا الوقت ولم يفرغ بعد عن وظيفة العصر شكّ بعد تجاوز المحلّ كما مرّ سابقاً.

وثانياً : مع الإغماض عن ذلك فتكفينا أصالة البراءة عن القضاء ، فإنّ الأمر بالظهر أداءً ساقط حينئذ على كلّ تقدير إمّا للامتثال أو لعدم سعة الوقت بعد لزوم صرفه في العصر ، وأمّا القضاء فموضوعه الفوت ، وهو مشكوك ، فينفى بالبراءة بعد وضوح أنّ أصالة عدم الإتيان لا تجدي في إثباته ، لعدم حجّية الأُصول المثبتة كما مرّ غير مرّة.

(١) إذا علم إجمالاً بعدم الإتيان بواحد من الظهرين أو واحد من العشاءين فقد يكون ذلك في الوقت المشترك ، وقد يكون في الوقت المختص.

__________________

(*) لاستصحاب عدم الإتيان بالعصر ، ولا يعارضه استصحاب عدم الإتيان بالظهر لعدم الأثر ، هذا بناءً على عدم انقلاب ما أتى به عصراً ظهراً ، وإلّا فلا أثر للشك.

(١) في ص ١١٧.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا في الوقت المشترك : فلا إشكال في وجوب الإتيان بكلتا الصلاتين ، عملاً بقاعدة الاشتغال الناشئ من العلم الإجمالي ببقاء أحد الوجوبين بعد معارضة الاستصحاب من الطرفين ، فانّ الفراغ اليقيني عن التكليف المعلوم لا يحصل إلّا بذلك.

نعم ، فيما إذا كانت الصلاتان متّحدتي العدد كالظهرين يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، لكفاية القصد الإجمالي بلا إشكال بمقتضى القاعدة مضافاً إلى الصحيحة الواردة في الفائتة المردّدة بينهما المصرّحة بذلك (١).

هذا بناءً على أنّ العصر المقدّم نسياناً يقع عصراً ويأتي بالظهر بعد ذلك كما عليه المشهور ، وأمّا بناءً على أنّه يحتسب ظهراً ويعدل بنيّته إليه ويأتي بالعصر بعد ذلك ، لقوله (عليه السلام) في النصّ الصحيح : «إنّما هي أربع مكان أربع» (٢) جاز له الإتيان بنيّة العصر خاصّة ، لأنّ الباقي في ذمّته على هذا المبنى إنّما هو العصر على كلّ تقدير كما لا يخفى. وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الإتيان بقصد ما في الذمّة كما عرفت.

وأمّا في الوقت المختصّ بالعصر أو العشاء فقد ذكر (قدس سره) أنّه يجوز له البناء على أنّ ما أتى به هو الظهر أو المغرب ، فينوي فيما يأتي به العصر أو العشاء.

والوجه فيما أفاده (قدس سره) أنّا إنّما ذكرنا في الفرض السابق وجوب الإتيان بكلتا الصلاتين أو بأربع بقصد ما في الذمّة من جهة معارضة الأصلين بعد العلم الإجمالي كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٥ / أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ١ [لا يخفى أنّها لم ترد في خصوص الظهرين].

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

١٢٣

[٢٠٢٧] مسألة ٧ : إذا شكّ في الصلاة في أثناء الوقت ونسي الإتيان بها وجب عليه القضاء إذا تذكّر خارج الوقت (١) ، وكذا إذا شكّ وأعتقد أنّه خارج

______________________________________________________

أمّا في المقام فتجري أصالة عدم الإتيان بالعصر بلا معارض ، إذ لا أثر لأصالة عدم الإتيان بالظهر ، فإنّها إنّما تنفع في وجوب الإتيان بالظهر لدى إحراز فراغ الذمّة عن العصر ، وهو مشكوك حسب الفرض.

وواضح أنّ الأصل المزبور لا يترتّب عليه وقوع العصر خارجاً وفراغ الذمّة عنه ، إذ لا يثبت به اللّازم كي يتعارض الأصلان. فأصالة عدم الإتيان بالعصر التي نتيجتها اختصاص الوقت بالعصر سليمة عن المعارض ، فيجوز له أن ينوي فيما يأتي به العصر ، كما يجوز له الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة.

ومنه تعرف الحال في العشاء ، فإنّ أصالة عدم الإتيان بها غير معارضة بأصالة عدم الإتيان بالمغرب ، لعدم الأثر كما عرفت.

وبالجملة : أصالة عدم الإتيان بالظهر أو المغرب لا تنفع في وجوب الإتيان بهما في الوقت لما ذكر ، ولا في خارجه قضاءً ، لأنّ موضوعه الفوت الذي لا يثبت بالأصل المزبور ، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. فلا مانع من البناء على الإتيان بهما كما أُفيد في المتن.

(١) إذ بعد حدوث الشكّ في الوقت الموجب لتنجّز التكليف عليه بمقتضى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال فهو محرز للفوت وجداناً ، الذي هو الموضوع لوجوب القضاء ، وإن كان الفائت هو امتثال التكليف الظاهري الثابت ببركة الأصل لا الواقعي ، ضرورة أنّ القضاء تابع لفوت الوظيفة المقرّرة في الوقت سواء أكانت واقعية أم ظاهرية قد ثبتت بدليل شرعي كالاستصحاب ، أم عقلي كقاعدة الاشتغال.

١٢٤

الوقت ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان في أثناء الوقت (١) ، وأمّا إذا شكّ واعتقد أنّه في الوقت فترك الإتيان بها عمداً أو سهواً ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان خارج الوقت فليس عليه القضاء.

[٢٠٢٨] مسألة ٨ : حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره ، فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه. وأمّا الوسواسي فالظاهر أنّه يبني على الإتيان وإن كان في الوقت (٢).

______________________________________________________

(١) فيجب الاعتناء عملاً بالاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، إذ الاعتبار بحدوث الشكّ في الوقت الواقعي لا الخطائي الخيالي. ومنه تعرف عدم القضاء في صورة العكس المذكورة بعد ذلك.

(٢) أمّا إذا بلغت كثرة الشكّ حدّ الوسواس فلا إشكال في عدم الاعتناء فيبني على الإتيان وإن كان في الوقت ، لأنّ مضافاً إلى قيام الإجماع عليه ، بل قيل بحرمته استناداً إلى بعض النصوص ، وإن كانت الدلالة قاصرة كما مرّت الإشارة إليه في مطاوي بعض الأبحاث السابقة (١) المقتضي للاعتناء من النصّ أو الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال في نفسه قاصر الشمول لمثل ذلك ، لانصرافه إلى الشكوك المتعارفة الناشئة عن منشإ عقلائي ، فلا يعمّ الوسواسي الذي ربما يستند شكّه إلى الجنون. وكذا الحال في القاعدة ، فإنّ الاشتغال اليقيني أنّما يستدعي اليقين المتعارف بالفراغ كما لا يخفى.

وأمّا إذا لم تبلغ ذاك الحدّ ، بل كان مجرّد كثرة الشكّ ، على الخلاف في تفسير ضابطها من الإيكال إلى الصدق العرفي ، أو عدم خلوّ ثلاث صلوات متتاليات

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ١٦٠ ١٦١.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الشكّ كما هو المقرّر في محلّه (١) عند التعرّض لكثرة الشكّ المتعلّق بالأجزاء فهل الكثرة المتعلّقة بأصل الصلاة تلحق بكثرة الشكّ المتعلّق بالأجزاء في عدم الاعتناء ، أو لا؟

المعروف والمشهور عدم الإلحاق كما اختاره في المتن ، اقتصاراً في الخروج عن عموم أدلّة الشكوك من الشرعية والعقلية على المقدار المتيقّن ، وهو كثرة الشكّ المتعلّق بأجزاء الصلاة أو ركعاتها ، فلا يتعدّى إلى من كان كثير الشك في أصل الصلاة ، أو في تحصيل شرائطها من الطهارة الحدثية كالغسل والوضوء ، أو الخبثية كتطهير الثوب أو البدن ونحو ذلك ، لما عرفت من أنّ الأخبار الواردة في كثير الشكّ التي بها يخرج عن مقتضى العموم موردها الشكّ في الأجزاء أو الركعات مثل موثقة عمّار : «في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا ، ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا ، فقال : لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتّى يستيقن يقيناً ...» إلخ (٢) ، ونحوها غيرها ممّا ورد في الركعات ، فيحتاج التعدّي وإلغاء خصوصية المورد إلى دليل مفقود ، هذا.

ويستفاد من الموثّقة أنّ وظيفة كثير الشكّ هو عدم الاعتناء والمضيّ في صلاته وأنّه لو اعتنى فركع أو سجد أفسد ونقض صلاته ، إذ بعد النهي عنهما فالإتيان من الزيادة العمدية القادحة كما لا يخفى.

وكيف ما كان فربما يستدلّ للتعدّي :

تارة بصحيحة ابن مسلم : «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك ، فإنّه يوشك أن يدعك ، إنّما هو من الشيطان» (٣).

__________________

(١) شرح العروة ١٩ : ١١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأُخرى بصحيحة زرارة وأبي بصير ولعلّها أوضح قالا «قلنا له : الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه ، قال : يعيد ، قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك ، كلّما أعاد شكّ ، قال : يمضي في شكّه ، قال : لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فانّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ ...» إلخ (١).

فإنّه يستفاد منهما أنّ المناط في عدم الاعتناء بكثرة الشكّ عدم تمكين الخبيث وتطميعه وتعويده ، وأنّه متى تُرك تَرك ولم يعد إليه الشك ، فلا يفرق في ذلك بين تعلّق الكثرة بأجزاء الصلاة أم بأصلها.

ولكنّ الظاهر عدم الدلالة على التعدّي ، لوجود الفارق.

أمّا الأخيرة فلأنّ موردها النقض وقطع الصلاة ، وهو إمّا محرّم كما عليه المشهور أو مكروه على الأقل ، وعلى أيّ حال فهو أمر مرجوح. ومقتضى مناسبة الحكم والموضوع أن يكون ذلك مستنداً إلى الشيطان وناشئاً عن إغوائه ، ومن ثمّ أمر (عليه السلام) بعدم الاعتناء ، فكيف يمكن أن يقاس عليه الشكّ المتعلّق بأصل الصلاة المستتبع للتكرار ، ضرورة أنّه وإن كثر لا مرجوحية فيه أبداً ما لم يبلغ حدّ الوسوسة كما هو المفروض ، فكيف يمكن أن يدّعى أنّه من عمل الشيطان ومستند إلى تطميعه كي يشمله النصّ.

وكذا الحال في كثرة الشكّ المتعلّق بالشرائط الخارجة عن الصلاة كالتطهير من الحدث أو الخبث ونحو ذلك ، فإنّ شيئاً من ذلك ما لم يصل حدّ الوسواس وكان الشكّ ناشئاً عن سبب عادي متعارف كما هو محلّ الكلام لا مرجوحية فيه بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

١٢٧

[٢٠٢٩] مسألة ٩ : إذا شكّ في بعض شرائط الصلاة فامّا أن يكون قبل الشروع فيها أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها ، فإن كان قبل الشروع فلا بدّ من إحراز ذلك الشرط ولو بالاستصحاب ونحوه من الأُصول ، وكذا إذا كان في الأثناء ، وإن كان بعد الفراغ منها حكم بصحّتها وإن كان يجب إحرازه للصلاة الأُخرى ، وقد مرّ التفصيل في مطاوي الأبحاث السابقة (١).

______________________________________________________

ومنه تعرف الحال في الصحيحة السابقة ، فإنّ موردها النقض أيضاً ولو بقرينة الروايات الواردة في كثير الشكّ في الأجزاء الناهية عن الاعتناء كموثّقة عمّار المتقدّمة ، بناءً على ما استظهرنا منها كما مرّ من الدلالة على البطلان وانتقاض الصلاة لو اعتنى بشكّه من أجل الزيادة العمدية ، فقياس ما عدا ذلك عليه قياس مع الفارق. فلا وجه للتعدّي عن مورد الصحيحتين.

إذن يبقى عموم أدلّة الشكوك شرعيّها وعقليّها سليماً عن المخصّص ، ولعلّه من أجل ذلك لم يلتزم الفقهاء بإجراء حكم الشكّ المتعلّق بالأجزاء أو الركعات فيما عداهما ، بل بنوا على الاعتناء.

(١) بعد ما فرغ (قدس سره) عن بيان حكم الشكّ في أصل الصلاة تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لحكم الشكّ في الشرائط ، وفي المسائل الآتية لحكم الشكّ في الأجزاء. فذكر (قدس سره) أنّ الشكّ في الشرط قد يكون قبل الشروع في الصلاة ، وأُخرى أثناءها ، وثالثة بعد الفراغ منها.

أمّا في الأخير : فلا إشكال في عدم الاعتناء والبناء على الصحّة ، لقاعدة الفراغ المستفادة من الروايات الكثيرة كما هو مقرّر في محلّه (١).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٦٢ وما بعدها.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في الأوّل : فلا بدّ من إحراز الشرط ولو بالأصل من استصحاب ونحوه إذ الشكّ في الشرط شكّ في المشروط ، وهو مانع عن إحراز الامتثال الذي لا بدّ من اليقين به في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم.

وأمّا في الثاني : فإن كان محرزاً للشرط فعلاً وقد شكّ في تحقّقه بالإضافة إلى الأجزاء السابقة كما لو رأى نفسه متوجّهاً نحو القبلة وشكّ في كونه كذلك قبل ذلك ، لا مانع حينئذ من جريان قاعدة التجاوز في الأجزاء السابقة ، فتكون صحّتها محرزة بالتعبّد وصحّة اللّاحقة بالوجدان ، فيحكم بصحّة الصلاة بضمّ الوجدان إلى الأصل.

وأمّا إذا لم يحرزه بالفعل كما لو كان شاكاً في الطهارة وجب الاعتناء ، لعين ما مرّ في الأوّل من لزوم إحراز الشرط ، عملاً بقاعدة الاشتغال.

وربما يقال كما عن بعض بأنّ الشكّ في الطهارة في الأثناء لا يستوجب البطلان ، بل يتوضّأ ويبني على صلاته بعد إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الأجزاء السابقة.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّه خلط بين ما هو شرط للجزء وما يكون شرطاً في أصل الصلاة ، ففي الأوّل يتمّ ما أُفيد كما في مثال القبلة المتقدّم ، وكما لو شكّ حال القراءة في القيام حال التكبير الذي هو شرط في صحّته ، بل هو ركن كما مرّ (١) ، فيبني على صحّة الجزء السابق بقاعدة التجاوز ، ويحرز الشرط للجزء اللّاحق بالوجدان ، فتصحّ الصلاة بضمّ الوجدان إلى الأصل كما عرفت.

وأمّا الطهارة فهي من قبيل الثاني ، حيث إنّها شرط في تمام حالات الصلاة بما فيها من الأكوان المتخلّلة بين الأجزاء ، وليست شرطاً في الأجزاء خاصّة بل في الأكوان أيضاً وإن لم تكن هي من الصلاة. فما دام المصلّي في الصلاة

__________________

(١) في ص ٥٢.

١٢٩

[٢٠٣٠] مسألة ١٠ : إذا شكّ في شي‌ء من أفعال الصلاة فامّا أن يكون قبل الدخول في الغير المرتّب عليه وإمّا أن يكون بعده (١) ، فإن كان قبله وجب الإتيان كما إذا شكّ في الركوع وهو قائم ، أو شكّ في السجدتين أو السجدة الواحدة ولم يدخل في القيام أو التشهّد ، وهكذا لو شكّ في تكبيرة الإحرام ولم يدخل فيما بعدها ، أو شكّ في الحمد ولم يدخل في السورة ، أو فيها ولم يدخل في الركوع أو القنوت. وإن كان بعده لم يلتفت وبنى على أنّه أتى به

______________________________________________________

ومتشاغلاً بها يجب أن يكون متطهّراً. وعليه ففي حالة الاشتغال بالتوضي التي هي كون صلاتي حسب الفرض غير محرز للشرط ، فلا يمكن تحصيله بالتوضي في الأثناء ، بل لا مناص من إعادة الصلاة بعد تحصيل الطهارة كما ذكرناه.

(١) الشكّ في جزء من أفعال الصلاة قد يكون بعد تجاوز المحلّ المتحقّق بالدخول في الغير المترتّب عليه كما لو شكّ في القراءة بعد ما ركع ، أو في الركوع بعد ما سجد. وقد يكون قبل التجاوز كما لو شكّ في الركوع وهو قائم ، أو في السجود ولم يدخل في القيام أو التشهد. ففي الأوّل لم يلتفت وبنى على أنّه أتى به ، وفي الثاني يجب الاعتناء والإتيان بالمشكوك فيه.

ويدلّ على الحكمين مضافاً إلى التسالم وعدم الخلاف جملة وافرة من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة زرارة المتكفّلة لكلا الحكمين ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي ، قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : يمضي ، قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : يمضي ، قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : يمضي ، قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ، قال : يمضي على صلاته ، ثمّ قال : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

١٣٠

من غير فرق بين الأوّلتين والأخيرتين على الأصحّ (١)

______________________________________________________

دلّ الصدر على عدم الاعتناء بعد ما تجاوز ، والذيل بمقتضى المفهوم على الاعتناء ما لم يتجاوز ولم يدخل في الغير. مضافاً إلى أنّ الأخير مطابق لقاعدة الاشتغال أو الاستصحاب. فالحكم في الجملة مسلّم لا غبار عليه ، إنّما الكلام في بعض الخصوصيات التي أُشير إليها في المتن ، ونتعرّض إليها في ضمن جهات :

(١) الاولى : هل تختصّ قاعدة التجاوز بالركعتين الأخيرتين أو تعمّ الأولتين؟

المشهور هو الثاني ، أخذاً بإطلاق النصوص. وعن جماعة كالشيخين (١) والعلّامة (٢) وابن حمزة (٣) الأوّل ، نظراً إلى ورود جملة من النصوص المعتبرة المتضمّنة للزوم سلامة الأولتين عن الشكّ لأنّهما فرض الله ، وفرضه تعالى لا يدخله الشكّ والوهم (٤) ، وبذلك يقيّد الإطلاق في تلك النصوص ويحمل على الأخيرتين.

ولكن الصحيح ما عليه المشهور ، فانّ هذه النصوص ظاهرة أو محمولة على إرادة الشكّ في الركعات ، كيف وبعض تلك الروايات صريحة في الركعة الأُولى كصحيحة زرارة المتقدّمة ، فإنّ سبق ذكر الإقامة والتكبير يستدعي إرادتها كما لا يخفى ، فلا يمكن ارتكاب التقييد فيها ، فيكشف ذلك عن أنّ المراد من الشكّ

__________________

(١) المقنعة : ١٤٥ [لاحظ ص ١٣٨ منها ، حيث قال : فان شكّ في الركوع وهو قائم ... ، حيث لم يفصّل بين الركعات] النهاية : ٩٢ ، التهذيب ٢ : ١٥٤ / ذيل ح ٦٠٤.

(٢) التذكرة ٣ : ٣١٦ [لكن فصّل بين الركن وغيره ، وما نقل إنّما يستفاد من كلام العلّامة بعد ملاحظة صدر مسألة ٣٤١ من التذكرة].

(٣) الوسيلة : ١٠١.

(٤) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

١٣١

والمراد بالغير مطلق الغير المرتّب على الأوّل كالسورة بالنسبة إلى الفاتحة (١) فلا يلتفت إلى الشكّ فيها وهو آخذ في السورة ، بل ولا إلى أوّل الفاتحة أو السورة وهو في آخرهما ، بل ولا إلى الآية وهو في الآية المتأخّرة ، بل ولا إلى أوّل الآية وهو في آخرها. ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير جزءاً واجباً أو مستحبّاً (*) كالقنوت بالنسبة إلى الشكّ في السورة والاستعاذة بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام ، والاستغفار بالنسبة إلى التسبيحات الأربعة ، فلو شكّ في شي‌ء من المذكورات بعد الدخول في أحد المذكورات لم يلتفت.

______________________________________________________

الممنوع دخوله في الأُوليين في تلك النصوص خصوص الشكّ المتعلّق بعدد الركعات لو لم تكن ظاهرة فيها في نفسها كما عرفت.

ومنه تعرف ضعف التفصيل بين الركن وغيره كما عن بعضهم ، للتصريح في الصحيحة بعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع بعد ما سجد.

(١) الجهة الثانية : هل تختصّ القاعدة بالأجزاء المستقلّة فلا تشمل الجزء غير المستقل ، فلو شكّ في الفاتحة بعد ما دخل في السورة وجب الاعتناء،أو أنّها تشمل الأجزاء بأسرها؟

قد يقال بالأوّل ، نظراً إلى أنّ المذكورات في صحيح زرارة كلّها من قبيل الأجزاء المستقلّة ، إذ الظاهر أنّ المراد بالقراءة تمامها المشتمل على الفاتحة والسورة ، فالمجموع جزء مستقلّ معنون بهذا العنوان ، فلا دليل على جريانها في الجزء غير المستقل ، بل المرجع حينئذ القاعدة الأوّلية المقتضية للاعتناء أعني الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، اقتصاراً في الخروج عمّا يقتضيه الأصل الأوّلي

__________________

(*) في جريان قاعدة التجاوز بالدخول في المستحبّ المترتب إشكال ، بل منع.

١٣٢

كما أنّه لا فرق في المشكوك فيه أيضاً بين الواجب والمستحب (١).

______________________________________________________

على المقدار المتيقّن.

ولكن الظاهر هو الثاني ، فإنّ المذكورات في الصحيح من باب المثال ، والعبرة إنّما هي بالضابطة الكلّية الواقعة في كلام الإمام (عليه السلام) المذكورة في ذيل الصحيحة ، قال (عليه السلام) : «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» ، ومن المعلوم أنّ إطلاق الشي‌ء غير قاصر الشمول لغير المستقلّ من الأجزاء.

بل الظاهر شمول الإطلاق لأبعاض الجزء الواحد ، فلو شكّ في أوّل الفاتحة أو السورة وهو في آخرهما أو في آية وهو في الآية المتأخّرة لم يلتفت ، لاندراج الكلّ تحت إطلاق النصّ.

نعم ، يعتبر في الشمول صدق الخروج والدخول عرفاً الذي هو الموضوع في الجريان بمقتضى الضابطة المتقدّمة ، فلا تجري لو شكّ في كلمة من الآية أو من الجملة المستقلّة وقد دخل في كلمة اخرى ، فضلاً عمّا لو شكّ في حرف من الكلمة الواحدة وهو في الحرف الآخر منها كما لو شكّ عند التلفظ بنون (العالمين) في العين منها ، وأنّه هل أدّاها على النهج العربي الصحيح أو باللهجة الفارسية المؤدية إلى قلب العين همزة ، فإنّ شيئاً من ذلك غير مشمول للنصّ ، لانتفاء الصدق العرفي المزبور الذي هو المدار في جريان القاعدة كما عرفت. فالشكّ في أمثال ذلك يعد من الشكّ في المحلّ المحكوم بالاعتناء.

(١) الجهة الثالثة : لا فرق في جريان القاعدة بين كون المشكوك فيه من الأجزاء الواجبة أو المستحبّة ، فلو شكّ بعد الدخول في التشهّد في الإتيان بالذكر المستحبّ الوارد قبل ذلك أعني قول : بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلّها لله ...

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلخ ، أو بعد الدخول في القراءة في الاستعاذة ونحو ذلك ، لم يلتفت وبنى على الإتيان ، لإطلاق النصّ ، مضافاً إلى ما في صحيح زرارة من عدم الاعتناء بالشكّ في الأذان والإقامة بعد ما كبّر.

إنّما الكلام في عكس ذلك ، أعني ما لو شكّ في الجزء الوجوبي وقد دخل في المستحبّ المترتّب عليه كما لو شكّ في القراءة بعد ما دخل في القنوت ، أو في السجدة الثانية وهو متشاغل بذكر بسم الله وبالله ... إلخ ، ونحو ذلك.

فقد ذكر جماعة منهم الماتن جريان القاعدة حينئذ أيضاً ، استناداً إلى إطلاق لفظ (الغير) المذكور في النصّ ، فإنّه شامل لمطلق الغير المترتّب ، سواء أكان واجباً أم مستحباً.

ولكنّ الظاهر المنع ، لا لقصور في إطلاق لفظ الغير ، بل لعدم صدق التجاوز.

وتوضيحه : أنّا قد أشرنا قريباً (١) إلى أنّ المعتبر في هذه القاعدة بعد ملاحظة أنّ الشكّ فيها متعلّق بأصل الوجود لا بصحة الموجود إنّما هو التجاوز عن محلّ المشكوك فيه ، لامتناع التجاوز عن نفسه بعد فرض الشكّ في أصله ، فلا بدّ من فرض محلّ شرعي مقرّر للمشكوك فيه ليصدق التجاوز عنه ولو بعناية التجاوز عن محلّه لدى الدخول فيما هو مترتّب عليه ، وإلّا فلو لم يكن له محلّ خاصّ امتنع صدق التجاوز حتّى بالعناية كما لا يخفى.

وعلى ذلك رتّبنا المنع عن جريان القاعدة لو شكّ في الظهر بعد الإتيان بالعصر أو بعد الدخول فيه ، لعدم لحاظ محلّ خاصّ للظهر ، إذ هو غير مشروط بتقدّمه على العصر ، بل العصر مشروط بتأخّره عن الظهر بمقتضى الترتيب الملحوظ بينهما ، فالمحلّ المقرّر معتبر في العصر دون الظهر ، فلا تجاوز كي تجري القاعدة.

__________________

(١) في ص ١١٤.

١٣٤

والظاهر عدم الفرق (*) بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء أو مقدّماتها فلو شكّ في الركوع أو الانتصاب منه بعد الهويّ للسجود لم يلتفت ، نعم لو شكّ في السجود وهو آخذ في القيام وجب عليه العود ، وفي إلحاق التشهّد به في ذلك وجه (**) إلّا أنّ الأقوى خلافه ، فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت ، والفارق النصّ الدال على العود في السجود فيقتصر على مورده ويعمل بالقاعدة في غيره (١).

______________________________________________________

وبعين هذا البيان يظهر وجه المنع في المقام ، ضرورة أنّ القراءة لا محلّ لها بالإضافة إلى القنوت ، لعدم كونها مشروطة بالتقدّم عليه ، فهي غير مشروطة إلّا بالتقدّم على الركوع ، والمحلّ غير ملحوظ إلّا بالقياس إليه فحسب ، فلو ترك القنوت رأساً كانت القراءة واقعة في محلّها ، وإنّما المعتبر في القنوت التأخّر عن القراءة والوقوع بينها وبين الركوع ، لا في القراءة التقدّم على القنوت.

وعليه فمحلّ القراءة باقٍ حقيقة وإن كان متشاغلاً بالقنوت ، ولا يصدق التجاوز عنها بالدخول فيه ، وإنّما يتجاوز بالدخول في الركوع كما عرفت. فلا مجال لجريان القاعدة حينئذ ، بل لا بدّ من الاعتناء بالشكّ عملاً بالاستصحاب أو قاعدة الاشتغال.

(١) الجهة الرابعة : هل المراد بالغير الذي يعتبر الدخول فيه نفس الجزء المترتّب ، أو يعمّ الدخول في مقدّمته فتجري القاعدة لو شكّ في الركوع بعد الهوي للسجود ، أو شكّ في السجود أو التشهّد بعد النهوض والأخذ في القيام؟

لعلّ المشهور هو الثاني ، أخذاً بإطلاق الغير المذكور في النصّ. غير أنّ في

__________________

(*) بل الظاهر اعتبار كون الغير من الأجزاء.

(**) وهو الأوجه.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

خصوص الشكّ في السجود لدى النهوض يجب الرجوع للنصّ الخاصّ كما ستعرف. وعليه بنى في المتن وذكر أنّه لا يتعدّى إلى التشهّد ، للزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على المقدار المتيقّن.

ولكن الظاهر هو الأوّل ، لا لقصور في إطلاق لفظ الغير ، بل لما عرفت في الجهة السابقة من إناطة القاعدة بصدق التجاوز والخروج عن محلّ الشي‌ء المشكوك فيه كما دلّت عليه صحيحتا زرارة وإسماعيل بن جابر (١).

ومن الواضح أنّ هذا المعنى غير صادق عند الدخول في المقدّمات ، لعدم كون الهوي أو النهوض من أجزاء الصلاة وواجباتها كي يكون محلّ الركوع أو السجود ملحوظاً شرعاً قبل ذلك ، وإنّما يجب الإتيان بهما بحكم العقل من باب استحالة الطفرة ، فليست المقدّمات من أفعال الصلاة المترتّبة على الجزء السابق ليصدق التجاوز ، بل محلّ الركوع باقٍ ما لم يدخل في الجزء المترتّب عليه وهو السجود ، كما أنّ محلّ السجود باقٍ ما لم يدخل في القيام.

وبعبارة اخرى : المراد بالغير هو الجزء المترتّب ، لا مطلق ما كان مغايراً كقراءة آية من القرآن. ومن الضروري أنّ المقدّمات ليست كذلك. وعليه فمقتضى القاعدة الاعتناء بالشكّ في مثل ذلك.

ومنه تعرف أنّ النصّ الخاصّ المومئ إليه الوارد في المقام مطابق للقاعدة لا أنّه مخصّص لها كما أُفيد ، وهو صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : «... قلت : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال : يسجد» (٢). فلا مانع من التعدّي عن مورده إلى التشهّد.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١ ، ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٦.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، ربما يظهر من صحيحة أُخرى لعبد الرحمن جريان القاعدة لو شكّ في الركوع لدى الهوي إلى السجود ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : قد ركع» (١).

ومن هنا فصّل صاحب المدارك بين النهوض والهوي ، فحكم بعدم الجريان في الأوّل لما مرّ ، والجريان في الثاني لهذه الصحيحة (٢) وجعلها مخصّصة للقاعدة المتقدّمة.

ولكن الظاهر عدم التخصيص ، وأنّ هذه الصحيحة أيضاً مطابقة للقاعدة لأنّ المذكور فيها لفظة «أهوى» بصيغة الماضي ، ومفاده تحقّق الهوي إلى السجود المساوق لحصول السجود خارجاً ، فإنّه مرادف لقولنا سقط إلى السجود ، الملازم لتحقّقه ، فيكون موردها الشكّ في الركوع بعد الوصول إلى السجود ، الذي هو مورد لقاعدة التجاوز بلا كلام. فلا تدلّ على جريان القاعدة وعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع حال الهوي ولو لم يصل إلى السجود.

نعم ، لو كان التعبير هكذا : يهوي إلى السجود ، بصيغة المضارع كان مفاده المعنى المذكور ، لظهور هذه الهيئة في التلبّس دون التحقّق كما لا يخفى. ومراجعة الاستعمالات العرفية تشهد بصدق ما ادّعيناه من الفرق بين الماضي والمضارع فانّ معنى قولنا : زيد صلّى ، تحقّق الصلاة والفراغ منها ، بخلاف قولنا : زيد يصلّي فانّ مفاده أنّه مشغول بالصلاة ولم يفرغ بعد عنها ، هذا.

ومع الغضّ عمّا ذكرناه فغايته الإطلاق ، وأنّ كلمة «أهوى» تشمل ما إذا وصل حدّ السجود وما لم يصل ، إذ لا ظهور لها في خصوص الثاني ، فيقيّد بصحيحة إسماعيل بن جابر المتضمّنة أنّ مورد عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع إنّما هو

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

(٢) المدارك ٤ : ٢٤٩ ٢٥٠.

١٣٧

[٢٠٣١] مسألة ١١ : الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار فمن كان فرضه الجلوس مثلاً وقد شكّ في أنّه هل سجد أم لا وهو في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام لم يلتفت (*) ، وكذا إذا شكّ في التشهّد ، نعم لو لم يعلم أنّه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو جلوس للسجدة أو للتشهّد وجب التدارك ، لعدم إحراز الدخول في الغير حينئذ (١).

______________________________________________________

التجاوز عنه والدخول في السجود ، وهو واقع في كلام الإمام (عليه السلام) لا كلام السائل ، قال (عليه السلام) : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (١).

نعم ، صدر الصحيحة لا مفهوم له كما بيّناه في الأُصول (٢). ولكن التحديد بالتجاوز المذكور في الذيل كاشف عمّا ذكرناه ، وأنّ عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع مورده التجاوز عنه أي عن محلّه ، وقد عرفت أنّ التجاوز عن محلّ الركوع لا يكون إلّا بالدخول في الجزء المترتّب عليه ، وليس هو إلّا السجود دون الهوي كما مرّ ، فيقيّد بذلك الإطلاق المزبور.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : عدم جريان القاعدة بالدخول في المقدّمات مطلقاً ، من غير فرق بين الركوع والسجود والتشهّد.

(١) هل تختصّ قاعدة التجاوز بالأجزاء الأصلية ، أو تعمّ الأبدال المجعولة في ظرف الاضطرار كالجلوس المجعول بدلاً عن القيام لدى العجز عنه؟ فلو دخل

__________________

(*) بل يجب الالتفات ما لم يشتغل بالقراءة أو نحوها.

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٤.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٣.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في هذا البدل وشكّ في الجزء السابق فهل تجري القاعدة حينئذ أو لا؟.

ذكر (قدس سره) أنّ الأقوى هو الجريان وعدم اختصاص الحكم بصلاة المختار.

أقول : لا ينبغي التأمّل في شمول الحكم للأبدال ، بل لا ينبغي جعل ذلك محلّاً للخلاف والجدال ، لا لأجل الاستناد إلى عموم دليل البدلية كي يناقش فيه بقصر نظره على البدلية من حيث الجزئية ، وعدم تكفّله للتنزيل بلحاظ سائر الأحكام التي منها كون الدخول فيه موجباً لعدم الاعتناء بالشكّ في وجود ما قبله.

بل لأجل الاستناد إلى إطلاق نفس أدلّة القاعدة ، إذ لا قصور في شموله للبديل كالأصيل بعد ملاحظة أنّ البدل هو الوظيفة المقرّرة في هذه الحالة ، وهو الجزء المترتّب على ما قبله ، والدخول فيه يوجب التجاوز عن محلِّ المشكوك فيه فيشمله قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١) وقوله (عليه السلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة : «كل شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه».

فلو كانت وظيفته الإيماء إلى الركوع فأومأ إليه وعند ذلك شكّ في القراءة أو أومأ إلى السجود فشكّ في إيمائه للركوع ، أو كان عاجزاً عن القراءة فكانت وظيفته الانتقال إلى البدل وهو الإتيان بما تيسّر من القرآن ، فأتى به وبعده شكّ في التكبير ، لا ينبغي التأمّل في جريان القاعدة حينئذ ، ولا نظنّ فقيهاً يرتاب في ذلك.

__________________

(١) تقدّمت في ص ١٣٠.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فشمول الكبرى لكلا المقامين وعموم الضابط لكلتا الصلاتين الاختيارية والاضطرارية ممّا لا ينبغي المرية فيه ولا شبهة تعتريه.

إنّما الكلام في تطبيق ذلك على الصغرى المذكورة في المتن ، وهي من كان فرضه الصلاة جالساً فشكّ في حال الجلوس في أنّه هل سجد أو هل تشهّد أم لا.

أمّا إذا لم يعلم أنّه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو أنّه جلوس للسجدة إمّا للاستراحة أو بين السجدتين أو للتشهّد ، فلا إشكال في وجوب التدارك وعدم جريان القاعدة حينئذ ، لعدم إحراز الدخول في الغير الذي هو شرط في الجريان كما أُشير إليه في المتن ، وهو ظاهر.

وأمّا إذا علم ذلك وأنّه في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام فقد حكم في المتن بعدم الالتفات ، وأنّ القاعدة تجري حينئذ.

ولكنّه مشكل جدّاً ، فإنّ العبرة في جريان القاعدة بواقع التجاوز ، لا بالبناء عليه واعتقاده. ومن المعلوم أنّ الجلوس إنّما يكون بدلاً عن القيام ويتحقّق معه التجاوز فيما لو كان مسبوقاً بالتشهّد وبالسجدتين واقعاً ، سواء علم به المصلّي وبنى عليه أم لا ، إذ لا يعتبر فيه قصد البدلية ، فمتى كان مسبوقاً بهما اتّصف بالبدلية وبالتجاوز ، ومتى لم يكن مسبوقاً لم يكن بدلاً ولا متجاوزاً ، ولا أثر لما تخيّله من الاعتقاد والبناء في شي‌ء من ذلك.

وعليه فمع الشكّ في المسبوقية كما هو المفروض لم يحرز بدلية هذا الجلوس عن القيام ليحرز معه التجاوز ، فحيث إنّ صدق التجاوز والخروج والدخول مشكوك فيه لا مجال للتمسّك بالقاعدة.

ولا يقاس ذلك بالقيام حال الاختيار فإنّه غير بالذات ، فيتحقّق معه التجاوز حقيقة ، بخلاف الجلوس فانّ غيريّته لا تكون إلّا بالمسبوقية بما عرفت. ومن

١٤٠