موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وفوت محلّ التدارك (١) إمّا بالدخول في ركن بعده على وجه لو تدارك المنسي

______________________________________________________

مدفوعة بأنّها متعرّضة لحكم واحد متعلّق بنسيان السجدة ، وقد عرفت أنّه مبتلى بالمعارض ، فلا يمكن التفكيك بين الجهتين. فهي متروكة ، ومثلها غير صالح للاستدلال.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فهي معارضة حتّى من ناحية الدلالة على سجود السهو برواية أبي بصير النافية له ، التي هي صحيحة على طريق الصدوق كما مرّ (١) قال : «سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته ، فاذا انصرف قضاها ، وليس عليه سهو» (٢)

وحينئذ فإمّا أن يجمع بينهما بالحمل على الاستحباب ، أو يرفع اليد عنهما بعد التعارض والتساقط ويرجع إلى أصالة البراءة. فالأقوى عدم الوجوب كما نسب إلى أكثر المتأخّرين ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الواجب في نسيان التشهد إنّما هو سجدتا السهو ، وضمّ القضاء مبنيّ على الاحتياط. وفي السجدة المنسية الأمر بالعكس فالواجب هو القضاء ، وضمّ سجدتي السهو مبنيّ على الاحتياط.

(١) بعد أن فرغ (قدس سره) عن حكم نسيان ما عدا الأركان وأنّه لا يوجب البطلان ، بل يتدارك مع بقاء المحلّ وإلّا مضى ولا شي‌ء عليه عدا القضاء وسجدتي السهو في بعض الموارد على التفصيل الذي مرّ تصدّى (قدس سره) لبيان ما به يتحقّق فوات المحلّ ، وذكر لذلك أُموراً ثلاثة :

__________________

(١) في ص ٨٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

١٠١

لزم زيادة الركن ، وإمّا بكون محلّه في فعل خاصّ جاز محلّ ذلك الفعل كالذكر في الركوع والسجود إذا نسيه وتذكّر بعد رفع الرأس منهما ، وإمّا بالتذكر بعد السلام الواجب (*). فلو نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما أو إعرابهما أو القيام فيهما أو الطمأنينة فيه وذكر بعد الدخول في الركوع فات محلّ التدارك ، فيتمّ الصلاة ويسجد سجدتي السهو للنقصان إذا كان المنسي من الأجزاء ، لا لمثل الترتيب والطمأنينة ممّا ليس بجزء ، وإن تذكّر قبل الدخول في الركوع رجع وتدارك وأتى بما بعده وسجد سجدتي السهو لزيادة ما أتى به من الأجزاء. نعم ، في نسيان القيام حال القراءة أو الذكر ونسيان الطمأنينة فيه لا يبعد فوت محلّهما قبل الدخول في الركوع أيضاً ، لاحتمال كون القيام واجباً حال القراءة لا شرطاً فيها (**) ، وكذا كون الطمأنينة واجبة حال القيام لا شرطاً فيه ، وكذا الحال في الطمأنينة حال التشهّد وسائر الأذكار ، فالأحوط العود والإتيان بقصد الاحتياط والقربة لا بقصد الجزئية. ولو نسي الذكر في الركوع أو السجود أو الطمأنينة حاله وذكر بعد رفع الرأس منهما فات محلّهما ، ولو تذكّر قبل الرفع أو قبل الخروج عن مسمّى الركوع وجب الإتيان بالذكر ، ولو كان المنسي الطمأنينة حال الذكر فالأحوط

______________________________________________________

أحدها : الدخول في الركن الذي بعده ، والوجه في فوت المحلّ بذلك ظاهر فإنّ جزئية المنسي أو شرطيته أو مانعيته لو كانت ثابتة مطلقاً وحكمنا لأجله بالتدارك كان لازمه اتصاف ما وقع من الركن بالزيادة الموجبة لإعادة الصلاة

__________________

(*) الظاهر أنّه لا يتحقّق الخروج عن المحلّ بذلك ، بل السلام حينئذ يقع في غير محلّه.

(**) مرّ الكلام فيه في المسألة الثانية في فصل القيام.

١٠٢

إعادته بقصد الاحتياط والقربة ، وكذا لو نسي وضع أحد المساجد حال السجود. ولو نسي الانتصاب من الركوع وتذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية فات محلّه ، وأمّا لو تذكّر قبله فلا يبعد (*) وجوب العود إليه ، لعدم استلزامه إلّا زيادة سجدة واحدة ، وليست بركن ، كما أنّه كذلك لو نسي الانتصاب من السجدة الأُولى وتذكّر بعد الدخول في الثانية ، لكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة. ولو نسي الطمأنينة حال أحد الانتصابين احتمل

______________________________________________________

وحديث لا تعاد الحاكم على الأدلّة الأولية مانع عن الإعادة المستندة إلى ما عدا الأركان ، وموجب لاختصاص المنسي بحال الذكر ، فلا موقع للتدارك.

الثاني : وهو الأمر الثالث في كلامه (قدس سره) أن يكون التذكّر بعد السلام الواجب ، فلو سلّم وتذكّر نقص السجدة الواحدة أو التشهّد أو الصلوات جاز محلّ التدارك ، فان كان ممّا يقضى كالأولين تلافاه ، وإلّا كما في الأخير مضى ولا شي‌ء عليه. والوجه في ذلك كون التسليم مخرجاً عن الصلاة إمّا تعبّداً أو لكونه من كلام الآدمي ، فلا يبقى معه محلّ التدارك.

أقول : تقدّم قريباً (١) أنّه لا دليل على مخرجية السلام مطلقاً ، بل المخرج منه منحصر في أحد أمرين : إمّا وقوعه في محلّه أو صدوره متعمّداً في غير محلّه كما دلّت عليه صحيحة ميسر (٢) ، وقد ورد في مرسلة الصدوق (٣) أنّ ابن مسعود

__________________

(*) لا يبعد فوات المحلّ بالخروج من حدّ الركوع وإن لم يدخل في السجدة الأُولى ، ورعاية الاحتياط أولى.

(١) في ص ٦٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٩ / أبواب التشهد ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهد ب ١٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٠.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أفسد على القوم صلاتهم لإدراجه التسليم في التشهّد الأوّل.

وأمّا السلام الواقع في غير محلّه سهواً كما في المقام فلا دليل على كونه مخرجاً بل المستفاد من بعض الروايات مضافاً إلى حديث لا تعاد كما سبق عدم الخروج به ، كما ورد في من سلّم على الثالثة باعتقاد أنّها الرابعة من أنّه يلغي السلام ويأتي بالرابعة ثمّ يسلّم (١).

وعليه فلا بدّ في المقام من التدارك لو تذكّر بعد السلام وقبل المنافي ، فيرجع ويتلافى المنسي ويسلّم ، ويكون ذلك السلام الواقع في غير محلّه زائداً يسجد له سجدتي السهو.

الثالث : وهو الأمر الثاني في كلامه (قدس سره) ما إذا كان محلّ المنسي مقرّراً في فعل خاص ، وقد جاز محلّ ذلك الفعل وخرج عن الظرف الذي عيّنه الشارع له وإن لم يدخل في الركن.

وقد طبّق (قدس سره) هذه الكبرى على موارد ، وذكر لها أمثلة ، وإن كانت الكبرى في حدّ نفسها ممّا لا إشكال فيها.

منها : ما لو نسي الذكر في الركوع أو السجود وتذكّر بعد رفع الرأس. أمّا بالإضافة إلى الركوع فظاهر ، لاستلزام التدارك لزيادة الركن ، وقد عرفت في الأمر الأوّل تجاوز المحلّ في مثل ذلك.

وأمّا بالنسبة إلى السجود فالتدارك وإن كان ممكناً ، إذ غايته زيادة سجدة واحدة سهواً ولا ضير فيها ، إلّا أنّه مع ذلك لا يجب ، لفوات المحلّ.

والوجه فيما أفاده (قدس سره) أنّا قد استفدنا من الروايات كصحيحة حماد وغيرها (٢) أنّ الواجب في الصلاة سجدتان ، الاولى والثانية ، ويجب في كلّ منهما

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ وغيره.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بعنوان أنّهما الاولى والثانية الذكر وبقية ما يعتبر في السجدة من الطمأنينة ووضع اليدين والركبتين والإبهامين ، وعدم علو المسجد عن الموقف. فهذه واجبات قرّرها الشارع في كلّ واحدة من السجدتين.

فلو نسي شيئاً منها في السجدة الأُولى مثلاً وتذكّر بعد رفع الرأس امتنع التدارك ، إذ السجدة الواجبة المتقوّمة بوضع الجبهة على الأرض قد تحقّقت فلو سجد أُخرى فهي غير الاولى ، لامتناع إعادة المعدوم ، ومن المعلوم أنّ تلك الأُمور إنّما كانت واجبة في خصوص الاولى لا في مطلق السجود.

وإن شئت قلت : كانت معتبرة في الطبيعي المنطبق على السجدة الأُولى ، وقد حصلت ، وسقط أمرها ، وامتنعت إعادتها ، فلا يمكن التدارك إلّا بإعادة الصلاة المنفية بحديث لا تعاد.

وهكذا الحال في السجدة الثانية ، فإنّه لو أعادها كانت ثالثة ، وتلك الأُمور معتبرة في الثانية بخصوصها ، الممتنع تداركها إلّا بإعادة الصلاة كما عرفت.

نعم ، لو كان المنسي ممّا يعتبر في تحقّق السجود الشرعي ومن مقوّماته كالسجود على الأرض ، فنسي وسجد على القير أو المأكول والملبوس ، فحيث إنّ السجود الواجب غير متحقّق حينئذ لنهي الشارع عن السجود على هذه الأُمور كان محلّ التدارك باقياً ، ولذا قلنا في محلّه بوجوب إعادة السجدة في مثل ذلك (١).

وعلى الجملة : بعد فرض تحقّق السجدة المأمور بها المستتبع لسقوط أمرها فالواجب الذي قرّره الشارع في هذه الحالة من الذكر ونحوه لو كان وجوبه مطلقاً فتداركه غير ممكن ، بعد ملاحظة امتناع إعادة المعدوم إلّا بإعادة الصلاة المنفيّة بحديث لا تعاد. ونتيجة ذلك تجاوز المحلّ وعدم إمكان التدارك ، إلّا إذا

__________________

(١) شرح العروة ١٣ : ١٨٢ ، ١٥ : ١٣٦.

١٠٥

فوت المحلّ (*) وإن لم يدخل في السجدة كما مرّ نظيره ، ولو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد وذكر بعد الدخول في الركوع أو بعد السلام فات محلّهما (**) ولو ذكر قبل ذلك تداركهما ، ولو نسي الطمأنينة في التشهّد فالحال كما مرّ من أنّ الأحوط الإعادة بقصد القربة والاحتياط ، والأحوط (***) مع ذلك إعادة الصلاة أيضاً ، لاحتمال كون التشهّد زيادة عمدية حينئذ خصوصاً إذا تذكّر نسيان الطمأنينة فيه بعد القيام.

______________________________________________________

كان الإخلال عائداً إلى نفس السجود لفقد ما يعتبر في تحقّقه شرعاً ، الذي لا يجري الحديث في مثله كما عرفت.

والعبرة في كلّ ذلك بشمول الحديث وعدمه ، فكلّما لزم من التدارك إعادة الصلاة حكم بتجاوز المحلّ ، وإلّا فلا. فتطبيق هذه القاعدة على ذكرى الركوع والسجود صحيح وفي محلّه ، ووجهه هو ما ذكرناه ، مضافاً إلى لزوم زيادة الركن في الأوّل كما مرّ.

ومنها : ما لو نسي القيام أو الطمأنينة حال القراءة فتذكّر قبل الدخول في الركوع ، أو نسي الطمأنينة حال التشهّد فتذكّر قبل القيام ، أو حال الذكر فتذكّر قبل رفع الرأس من الركوع أو السجود ، ففي جميع ذلك احتمل (قدس سره) فوات المحلّ ، بناءً على أنّ القيام حال القراءة أو الاطمئنان حالها أو حال التشهّد أو الذكر واجب مستقلّ مقرّر في حالة خاصّة ، فيفوت محلّه بالخروج عن تلك الحالة. نعم ، بناءً على أن يكون ذلك شرطاً في الواجب لا واجباً في واجب

__________________

(*) لكنّه بعيد بالنسبة إلى نسيان الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين.

(**) مرّ آنفاً عدم فوت المحل به.

(***) هذا الاحتياط ضعيف جدّاً.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لزمه التدارك ، لبقاء المحلّ كما لا يخفى.

أقول : قد ذكرنا في بحث القيام (١) وجوب التدارك حتّى بناءً على كون القيام أو الطمأنينة واجباً مستقلا ، وذلك لأنّ فرض الارتباطية الملحوظة بين أجزاء المركّب لا ينفكّ عن فرض الاشتراط والتقييد ، فكلّ جزء مشروط بغيره من الأجزاء المتقدّمة والمتأخّرة والمقارنة.

فالقيام وإن بنينا على كونه واجباً مستقلا حال القراءة إلّا أنّ قضية الارتباطية تستدعي أن يكون كلّ منهما مضافاً إلى جزئيته المستقلّة شرطاً في الآخر ، فالجزء من القراءة حصّة خاصّة منها وهي المقارنة للقيام ، وكذا العكس فالإخلال بأحدهما إخلال بالآخر لا محالة.

وعليه فالقراءة في غير حال القيام فاقدة للشرط ، فيجب استئنافها تحصيلاً للحصّة الواجبة قبل فوات محلّها ، وكذا الحال في الطمأنينة ، فانّ الارتباطية تستدعي أن تكون شرطاً في كلّ من القراءة والتشهّد والذكر ، فلو تذكّر بعد الفراغ عنها وقبل أن يركع ، أو قبل أن يقوم عن التشهّد ، بل ولو قام ما لم يركع ، أو قبل أن يرفع رأسه من الركوع أو السجود نسيان الطمأنينة في هذه الأُمور وجب التدارك ، لأنّ مرجعه إلى عدم الإتيان بالحصّة الواجبة منها مع بقاء المحلّ ، وكذا الحال لو نسي الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين لعين ما ذكر. ففي جميع ذلك حيث إنّ الواجب لم يؤت به في ظرفه والمحلّ باقٍ فلا مناص من التدارك.

ومنها : ما لو نسي الانتصاب من الركوع ، وقد حكم (قدس سره) بفوات المحلّ فيما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية التي هي ركن ، وأمّا لو تذكّر قبله فلم يستبعد (قدس سره) وجوب العود ، لعدم استلزامه إلّا زيادة

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ١٧٣ ١٧٤.

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

سجدة واحدة ، وليست بركن. وكذا الحال لو نسي الانتصاب من السجدة الأُولى وتذكّر بعد الدخول في الثانية ، فإنّه يجب العود والتدارك ، لما ذكر.

أقول : الظاهر فوات المحلّ في الفرض الأوّل وإن لم يدخل في السجدة الثانية بل ولا الاولى فتذكّر عند الهوي إلى السجود ، وذلك لما تقدّم في بحث الركوع من أنّ القيام الواجب بعده ليس هو مطلق الانتصاب وحصول القيام بعد الركوع كيف ما كان ، بل المستفاد من الأدلّة أنّ الواجب حينئذ عنوان خاص وهو رفع الرأس عن الركوع حتّى يعتدل قائماً. فالقيام الواجب هو القيام عن الركوع ، لا القيام بعد الركوع ، وبين الأمرين فرق واضح.

ومن هنا ذكرنا في محلّه (١) أنّه لو جلس عن ركوعه ولو متعمّداً لحاجة دعت إليه كأخذ شي‌ء من الأرض ، فإنّ هذا الجلوس غير المقصود به الجزئية جائز وغير مبطل قطعاً ، ومع ذلك فسدت صلاته من أجل الإخلال بالقيام الواجب فإنّه لو قام فهو قيام عن الجلوس لا عن الركوع ، وليس هو مصداقاً للمأمور به.

وعلى الجملة : القيام بعد الركوع ليس هو واجباً مستقلا في حدّ نفسه كي يقبل التدارك ، وإنّما الواجب رفع الرأس عن الركوع ، أي كما أوجد الركوع عن القيام يعود إلى ما كان عليه ، وهذا لا يمكن تداركه إلّا بإعادة الركوع ، المستلزمة لزيادة الركن.

وعليه فلو كان المنسي نفس الانتصاب فضلاً عن الطمأنينة حال الانتصاب فهو غير قابل للتدارك ، حتّى لو كان التذكر عند الهوي وقبل الدخول في السجود لعدم كون قيامه حينئذ عن الركوع ، فالظاهر تجاوز المحلّ في مثله وعدم إمكان الرجوع.

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٥٣.

١٠٨

[٢٠٢٠] مسألة ١٩ : لو كان المنسي الجهر أو الإخفات لم يجب التدارك بإعادة القراءة أو الذِّكر على الأقوى (١) وإن كان أحوط إذا لم يدخل في الركوع.

______________________________________________________

نعم ، لو رجع وقام قبل أن يدخل في السجدة الأُولى بعنوان الرجاء والاحتياط لم يكن به بأس ، دون ما لو كان التذكّر بعد الدخول فيها كما لا يخفى.

وهذا بخلاف الانتصاب بعد السجدة الاولى (١) فلو نسيه حتّى دخل في السجدة الثانية كان محلّ التدارك باقياً ، إذ الواجب إنّما هو الجلوس بين السجدتين وأن ينتصب بعد الاولى قبل الثانية ، وهذا قابل للتدارك ، لعدم استلزامه زيادة الركن فلا يقاس ذلك بالانتصاب بعد الركوع ، فيرجع هنا ويتدارك لبقاء المحلّ كما ذكره (قدس سره).

(١) لأنّ دليل اعتبار الجهر والإخفات وهو صحيح زرارة خاصّ بحال العلم والالتفات ، قال (عليه السلام) فيه : «أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» (٢). فالمقتضي للإعادة لدى النسيان قاصر في حدّ نفسه بعد أخذ العمد جزءاً للموضوع ، ومعه لا يبقى مجال للتدارك.

ومنه تعرف أنّ الاحتياط الذي ذكره في المتن من العود ما لم يدخل في الركوع لم يظهر له وجه أصلاً ، اللهمّ إلّا التشكيك في صدور هذه الصحيحة ومطابقتها للواقع ، وإلّا فبحسب الصناعة لا وجه لهذا الاحتياط أبداً ، ولا بأس بالاحتياط الاستحبابي لما ذكر.

__________________

(١) لو كان الواجب هو الانتصاب بعد الاولى بوصفها العنواني فهو أيضاً غير قابل للتدارك لعين ما مرّ في المورد الأوّل.

(٢) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ مراده (قدس سره) من الذكر المعطوف على القراءة لا بدّ وأن يكون هو التسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين ، التي هي بدل عن القراءة ومحكومة بالإخفات ، وإن كان المتعارف التعبير عنها بالتسبيح دون الذكر ، وإلّا فلم يوجد في الصلاة ذكر غير ذلك محكوم بوجوب الجهر فيه أو الإخفات كي يبحث عن تداركه لدى النسيان وعدم التدارك كما هو ظاهر.

١١٠

فصل : في الشكّ

وهو إمّا في أصل الصلاة وأنّه هل أتى بها أم لا ، وإمّا في شرائطها ، وإمّا في أجزائها وإمّا في ركعاتها.

(٢٠٢١) مسألة ١ : إذا شكّ في أنّه هل صلّى أم لا ، فإن كان بعد مضي الوقت لم يلتفت وبنى على أنّه صلّى سواء كان الشكّ في صلاة واحدة أو في الصلاتين ، وإن كان في الوقت وجب الإتيان بها كأن شكّ في أنّه صلّى صلاة الصبح أم لا ، أو هل صلّى الظهرين أم لا ، أو هل صلّى العصر بعد العلم بأنّه صلّى الظهر أم لا. ولو علم أنّه صلّى العصر ولم يدر أنّه صلّى الظهر أم لا فيحتمل جواز البناء على أنّه صلاها ، لكن الأحوط الإتيان بها ، بل لا يخلو عن قوة ، بل وكذلك لو لم يبق إلّا مقدار الاختصاص بالعصر وعلم أنّه أتى بها وشكّ في أنّه أتى بالظهر أيضاً أم لا فإنّ الأحوط الإتيان بها (*) وإن كان احتمال البناء على الإتيان بها وإجراء حكم الشكّ بعد مضي الوقت هنا أقوى من السابق ، نعم لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر وعلم بعدم الإتيان بها أو شكّ فيه ، وكان شاكاً في الإتيان بالظهر وجب الإتيان بالعصر ، ويجري حكم الشكّ بعد الوقت (**) بالنسبة إلى الظهر

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(**) بل حكم الشك بعد التجاوز ، وعلى فرض الإغماض عنه لا يجب القضاء لأنّه بأمر جديد.

١١١

لكن الأحوط قضاء الظهر أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) بعد أن قسّم (قدس سره) الشكّ إلى ما كان في أصل الصلاة تارة ، وأُخرى في شرائطها ، وثالثة في أجزائها ، ورابعة في ركعاتها ، تعرّض فعلاً لحكم الشكّ في أصل الصلاة وأنّه هل أتى بها أم لا.

وقد فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان الشكّ بعد مضيّ الوقت ودخول الحائل وبين ما إذا كان في الوقت ، فحكم بالاعتناء في الثاني دون الأوّل. وكلا الحكمين مضافاً إلى التسالم عليهما كما يظهر من غير واحد مطابق للقاعدة.

أمّا الأوّل : فلأنّ التكليف الثابت في الوقت قد سقط جزماً إمّا بالامتثال أو بخروج الوقت ، فلو كان ثمّة تكليف فهو متعلّق بالقضاء ، وحيث إنّه بأمر جديد وموضوعه الفوت وهو مشكوك فيه حسب الفرض فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. ومن المعلوم أنّ استصحاب عدم الإتيان في الوقت غير مجدٍ في إثباته إذ لا يترتّب عليه عنوان الفوت ، الذي هو الموضوع للقضاء كما عرفت إلّا على القول بالأصل المثبت.

وأمّا الثاني : فلأنه مقتضى قاعدة الاشتغال ، بل الاستصحاب الذي هو حاكم عليها بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في مثل المقام كما بيّناه في الأُصول (١) ، إذ معه يحرز عدم الإتيان ، فلا تصل النوبة إلى الشكّ كي يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال ، هذا.

مضافاً إلى ورود النصّ الصحيح المتكفّل لكلا الحكمين ، وهو صحيحة زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها ، وإن

__________________

(١) [توجد هذه الكبرى مع مثال آخر في مصباح الأُصول ٢ : ٢٩٥].

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن ، فان استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» (١).

ومقتضى إطلاق النصّ كعموم القاعدة عدم الفرق في الشكّ الحادث بعد خروج الوقت بين ما إذا كان متعلّقاً بصلاة واحدة أم بصلاتين كالظهرين كما هو واضح ، كما أنّ الحادث في الوقت أيضاً كذلك ، فلو شكّ في أنّه هل صلّى الصبح أم لا ، أو هل صلّى الظهرين أم لا ، أو هل صلّى خصوص العصر أم لا ، وجب الاعتناء ، لما عرفت.

إنّما الكلام فيما إذا علم بالإتيان بالمترتّبة كالعصر أو العشاء وقد شكّ في الوقت في الإتيان بالسابقة كالظهر أو المغرب ، فهل يجب الاعتناء حينئذ أيضاً أم لا؟

قد يفرض عروض الشك في الوقت المشترك ، وأُخرى في الوقت المختص فهنا مقامان

أمّا المقام الأوّل : فقد احتمل فيه الماتن جواز البناء على أنّه صلاها. وربما يستدلّ له بوجهين :

أحدهما : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا جاء يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين ، ويقضي الحائل والشكّ جميعاً ، فان شكّ في الظهر فيما بينه وبين أن يصلّي العصر قضاها ، وإن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن ، لأنّ العصر حائل فيما بينه وبين الظهر ، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٣ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ٢ ، السرائر ٣ : ٥٥٨.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : ما ذكرناه غير مرّة من أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز مجهول فالرواية في حكم المرسل فلا يعتمد عليها ، ويزيدها وهناً أنّها غير مذكورة في شي‌ء من الكتب الأربعة مع بناء المشايخ الثلاثة على النقل عن كتاب حريز كما صرّح به الكليني والصدوق في ديباجتي الكافي (١) والفقيه (٢).

ثانيهما : قاعدة التجاوز التي يثبت بها وجود صلاة الظهر ، فإنّها تشمل الأجزاء وغيرها من الأعمال المستقلّة التي لها محلّ معيّن ، كما يكشف عنه تطبيقها في صحيح زرارة على الأذان والإقامة.

أقول : قد ذكرنا في الأُصول (٣) أنّ قاعدة التجاوز المتقوّمة بالشكّ في الوجود لا في صحّة الموجود سواء أكانت جارية في الأجزاء أم في غيرها يعتبر فيها التجاوز عن المشكوك ، وبما أنّ التجاوز عن نفسه غير معقول ، لفرض الشكّ في أصل وجوده ، فلا جرم يراد به التجاوز عن محلّه المقرّر له شرعاً بالدخول في الجزء المترتّب عليه ، فانّ محلّ التكبير قبل القراءة ، وهي قبل الركوع ، وهو قبل السجود وهكذا ، كما أنّ محلّ الأذان قبل الإقامة فلا يشرع بعدها ، فلو شكّ في شي‌ء من ذلك وقد خرج عن محلّه لا يلتفت إليه.

وهذا المعنى غير متحقّق في المترتّبتين كالظهرين والعشاءين ، ضرورة أنّ ما له المحلّ منهما إنّما هي الصلاة المترتّبة كالعصر والعشاء ، فهي التي اعتبر فيها التأخّر وكان محلّها الشرعي بعد الظهر والمغرب ، وأمّا السابقة فلا محلّ لها أصلاً ولم يعتبر فيها القبلية أبداً.

__________________

(١) [لم نجد له تصريحاً بذلك].

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٢٧٩.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ذكرنا في محلّه (١) أنّ قوله (عليه السلام) : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٢) إشارة إلى ما هو المتعارف بحسب الوجود الخارجي ، ويشتمل على نوع مسامحة في التعبير ، أو أنّه تفنّن في العبارة. والمراد أنّ هذه بعد هذه ، وإلّا فاتصاف الظهر أو المغرب بالقبلية غير معتبر في صحّتها قطعاً.

فلو صلّى الظهر بانياً على ترك العصر عمداً وعصياناً ولم يأت بها بعدها أبداً صحّ الظهر بلا إشكال ، وإن كان آثماً في ترك العصر. أو لو قدّمها نسياناً فتذكّر بعد الفراغ عدم الإتيان بالظهر أتى بها ، ولا حاجة إلى إعادة العصر رعاية للقبلية ، والترتيب المعتبر في العصر ذكرى لا يلزم تداركه ، بمقتضى حديث لا تعاد. أو لو فرضنا أنّه أتى بالظهر ونسي العصر رأساً لم يفت منه من وظيفة الظهر شي‌ء ، وحصل الامتثال بالنسبة إليه بلا إشكال.

فيستكشف من جميع ذلك أنّه لا يشترط في الظهر تقدّمه على العصر ، بل العصر مشروط بتقدّم الظهر عليه. إذن فليس للظهر محلّ شرعي كي تجري فيه قاعدة التجاوز بلحاظ الخروج عن محلّه.

والذي يكشف عمّا ذكرناه أنّه لو كان له محلّ شرعي كان اللّازم جريان قاعدة التجاوز لو عرض له الشكّ أثناء صلاة العصر أيضاً ، إذ بمجرّد الدخول فيها يتجاوز المحلّ ، ولا يناط ذلك بالفراغ عنها قطعاً. ولا نظنّ فقيهاً يلتزم بذلك ، بل لا بدّ من الاعتناء حينئذ والعدول إليها.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم جريان القاعدة في المترتّبتين ، بل لا بدّ من الاعتناء والإتيان بالسابقة من الظهر أو المغرب ، للاستصحاب أو لا

__________________

(١) [لم نعثر على ذلك ، نعم أشار إليه في شرح العروة ١١ : ٢١٠ ، ٤٠٩ ، مصباح الأُصول ٣ : ٣١٦ ٣١٧].

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ وغيره.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقلّ من قاعدة الاشتغال كما مرّ.

نعم ، في الظهرين حيث يحتمل احتساب العصر المقدّم بدلاً عن الظهر ولزوم الإتيان بالعصر بعد ذلك ، لقوله (عليه السلام) في النصّ الصحيح : «إنّما هي أربع مكان أربع» (١) كان الأولى الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة من دون نيّة الظهر أو العصر كما مرّ التعرّض له في مبحث الأوقات (٢).

وأمّا المقام الثاني : أعني ما لو عرض الشك في السابقة في الوقت المختصّ باللّاحقة من العصر أو العشاء ، فقد يفرض مع العلم بالإتيان باللّاحقة ، وأُخرى مع العلم بالعدم أو الشكّ فيه الملحق به.

أمّا في فرض العلم بالإتيان فقد ذكر في المتن أنّ احتمال البناء على فعل المشكوك وإجراء حكم الشكّ بعد مضيّ الوقت أقوى هنا من الفرض السابق لقوّة احتمال أن يكون الشكّ العارض في الوقت المختصّ بمثابة الشكّ بعد خروج الوقت ، المحكوم بعدم الاعتناء.

أقول : إذا بنينا على ثبوت وقت الاختصاص بمعنى أنّ مقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختصّ بصلاة العصر ، كما أنّ مقدارها من أوّله مختصّ بصلاة الظهر ، بحيث لا يكون الوقت في حدّ ذاته صالحاً لغير ذلك ، وأنّ وقت العصر إنّما يدخل بعد مضيّ مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت ، كما أنّ وقت الظهر ينتهي عند بلوغ أربع ركعات من آخره ، ويتفرّع عليه بطلان العصر لو أوقعه نسياناً في أوّل الوقت كما التزم به القائل بوقت الاختصاص ، فبناءً على هذا القول يتّجه حينئذ ما ذكره ، ولا مناص عن الالتزام بخروج الوقت ، وأنّ الشك العارض عندئذ يجري عليه حكم الشكّ في خارج الوقت ولا يعتنى به.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) شرح العروة ١١ : ٢٠٥.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا أنكرنا ذلك كما أنكرناه على ما سبق في محلّه (١) وقلنا إنّ المستفاد من الأدلّة أنّ كلّ جزء من أجزاء الوقت من المبدإ إلى المنتهي صالح في حدّ ذاته لكلّ من الصلاتين ، وقابل لإيقاع كلّ من الشريكتين ، غير أنّ مراعاة الترتيب تستدعي تقديم الظهر ، فلا يجوز إيقاع العصر أوّل الوقت اختياراً ، ولا بأس نسياناً بمقتضى حديث لا تعاد.

وبطبيعة الحال يختصّ مقدار أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، بمعنى أنّه لا يزاحمه الظهر عندئذ ما دامت الذمّة مشغولة بالعصر ، فإن قضيّة الترتيب تستوجب ذلك. وهذا هو معنى وقت الاختصاص.

أمّا لو كانت فارغة منه للإتيان به قبل ذلك ولو نسياناً أو باعتقاد الإتيان بالظهر قبله المحكوم بالصحّة لذكرية شرطية الترتيب بمقتضى حديث لا تعاد كما عرفت فلا مانع من الإتيان بالظهر في هذا الوقت ، لما عرفت من أنّ الوقت في حدّ ذاته صالح لكلّ منهما ، ولم يثبت اختصاص الجزء الأخير بالعصر إلّا بالمعنى الذي ذكرناه أعني عدم جواز مزاحمة الظهر له. وحيث إنّ المفروض فراغ الذمّة عن العصر فلا أمر به كي تقع المزاحمة ، فلا محذور في الإتيان بالظهر عندئذ أداءً بعد وجود المقتضي وعدم المانع حسب الفرض.

وعلى الجملة : إذا بنينا على ثبوت وقت الاختصاص بالمعنى الذي ذكرناه وهو الحقّ ، لعدم اقتضاء الأدلّة أكثر من ذلك فلا مناص من الإتيان بالظهر المشكوك فيه ، إمّا للاستصحاب أو لقاعدة الاشتغال كما مرّ ، فإنّه من الشكّ في الوقت ، لا في خارجه كي يلحقه حكمه.

وأمّا في فرض العلم بعدم الإتيان بالعصر أو الشكّ فيه والمفروض شكّه في الظهر أيضاً ، فلا إشكال في لزوم الإتيان بالعصر حينئذ كما هو ظاهر.

__________________

(١) في شرح العروة ١١ : ١٢٧.

١١٧

[٢٠٢٢] مسألة ٢ : إذا شكّ في فعل الصلاة وقد بقي من الوقت مقدار ركعة فهل ينزّل منزلة تمام الوقت أو لا؟ وجهان (١) أقواهما الأوّل ، أمّا لو بقي أقل من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج.

______________________________________________________

وأمّا بالنسبة إلى الظهر فقد بنى (قدس سره) على إجراء حكم الشكّ بعد الوقت وقد ظهر ممّا قدّمناه المناقشة في ذلك ، لابتنائه على تفسير وقت الاختصاص بالمعنى الأوّل كما لا يخفى. وقد عرفت أنّ الصحيح هو المعنى الثاني ، وعليه فالشكّ المزبور من الشكّ في الوقت لا في خارجه ، ومع ذلك فالصحيح هو ما ذكره (قدس سره) من عدم الاعتناء.

أمّا أوّلاً : فلقاعدة التجاوز ، فانّ المستفاد من الأدلّة أنّ محلّ الظهر شرعاً هو قبل هذا الوقت الذي لا تجوز فيه مزاحمة العصر لدى عدم الإتيان به ، فالشكّ عندئذ معدود من الشكّ بعد تجاوز المحلّ كما لا يخفى.

وثانياً : مع الإغماض عن ذلك وتسليم إنكار المحلّ الشرعي كما قد يتراءى ممّا قدّمناه فتكفينا أصالة البراءة عن القضاء ، فإنّ الأمر الأدائي بالظهر ساقط وقتئذ جزماً إمّا للامتثال أو للعجز ، من أجل عدم إمكان اجتماعه مع الأمر الفعلي المتعلّق بالعصر ولزوم صرف الوقت فيه ، لعدم سعة الوقت لكلتا الصلاتين حسب الفرض.

وأمّا الأمر القضائي فغير معلوم الحدوث ، لأنّ القضاء بأمر جديد ، وموضوعه الفوت ، وهو مشكوك. واستصحاب عدم الإتيان لا يجدي في إثبات عنوان الفوت كما مرّ ، فيرجع حينئذ إلى أصالة البراءة عن القضاء.

(١) مبنيان على استظهار المراد من الوقت الوارد في صحيحة زرارة والفضيل

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المتقدّمة (١) قال (عليه السلام) «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة ...» إلخ ، وأنّ الظاهر منه هل هو الوقت الأعم من الحقيقي والتنزيلي بمقتضى التوسعة المستفادة من حديث من أدرك ، الوارد في صلاة الغداة (٢) والملحق بها بقية الصلوات بعدم القول بالفصل أو أنّه منصرف إلى خصوص الوقت الحقيقي الثابت بمقتضى الجعل الأوّلي.

وحيث إنّ الأظهر هو الاحتمال الأوّل ، لعدم قصور في شمول الإطلاق له بعد ملاحظة التوسعة المزبورة ، كان الأقوى ما اختاره الماتن (قدس سره) من التنزيل.

ومع الإغماض عن ذلك (٣) والتشكيك في المراد من النصّ لتكافؤ الاحتمالين فغايته الإجمال المسقط عن الاستدلال ، فيرجع حينئذ إلى ما تقتضيه القاعدة.

ولا ريب أنّ مقتضاها الاعتناء أيضاً ، إذ بعد جريان استصحاب عدم الإتيان بالمشكوك فيه ولا أقلّ من قاعدة الاشتغال فهو بمثابة العالم بعدم الإتيان فيشمله حديث من أدرك المتكفّل لتوسعة الوقت بالإضافة إلى من لم يدرك منه إلّا ركعة ، فإنّ هذا ممّن لم يدرك إلّا ركعة بمقتضى الاستصحاب أو القاعدة. فالنتيجة إلحاق هذا الشكّ بالشكّ في تمام الوقت ، المحكوم بالاعتناء والالتفات إليه.

هذا كلّه فيما إذا بقي من الوقت مقدار ركعة أو أكثر ، وأمّا إذا بقي أقلّ من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج كما ذكره في المتن ، لعدم بقاء الوقت الحقيقي ولا التنزيلي ، فيصدق الشكّ بعد خروج الوقت ، المحكوم بعدم الاعتناء في النصّ المتقدّم.

__________________

(١) في ص ١١٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠.

(٣) هذا الجواب هو المتعيّن ، وأمّا ما أفاده (دام ظله) أولاً من التمسّك بالإطلاق فلا يكاد يجدي من دون التمسّك بالاستصحاب ، لعدم إحراز موضوع الحديث إلّا به كما لا يخفى.

١١٩

[٢٠٢٣] مسألة ٣ : لو ظنّ فعل الصلاة فالظاهر أنّ حكمه حكم الشكّ في التفصيل بين كونه في الوقت أو في خارجه ، وكذا لو ظنّ عدم فعلها (١).

[٢٠٢٤] مسألة ٤ : إذا شكّ في بقاء الوقت وعدمه يلحقه حكم البقاء (٢).

______________________________________________________

وعلى فرض التشكيك في ذلك واحتمال كون المراد خروج الوقت بتمامه بحيث لم يبق أيّ جزء منه ولو كان أقلّ من الركعة فغايته الإجمال أيضاً ، ومقتضى القاعدة حينئذ عدم الاعتناء ، فإنّ الأمر الأدائي ساقط جزماً إمّا للامتثال أو لعدم سعة الوقت حتّى التنزيلي منه حسب الفرض.

وأمّا القضاء فحيث إنّه بأمر جديد وموضوعه الفوت وهو مشكوك فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة ، وقد عرفت غير مرّة أنّ أصالة عدم الإتيان في الوقت لا تجدي في إثبات عنوان الفوت الذي هو الموضوع للقضاء إلّا على القول بالأصل المثبت.

(١) إذ بعد عدم الدليل على اعتباره فهو ملحق بالشكّ ، فانّ الظنّ لا يغني عن الحقّ ، بل هو باعتبار الشكّ في اعتباره من أقسام الشكّ حقيقة. ومجرّد رجحان الفعل أو الترك لا يخرجه عن عنوان الشكّ الذي هو خلاف اليقين لغة (١) كما تقتضيه المقابلة بينه وبين اليقين في الصحيحة المتقدّمة (٢) فيلحقه التفصيل المتقدّم بين الوقت وخارجه كما هو ظاهر.

(٢) لاستصحاب بقاء الوقت على سبيل مفاد كان التامة حسبما أوضحناه في الأُصول (٣).

__________________

(١) المنجد : ٣٩٧ مادّة شكّ.

(٢) في ص ١١٢.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ١٢٢ وما بعدها.

١٢٠