موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

بصير (١) وسماعة (٢).

ولا يقدح اشتمال هذه الروايات على حكاية سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) المنافي لأُصول المذهب في صحّة الاستدلال بها ، فإنّ الإمام (عليه السلام) لم يصدّق السائل ولم يقرّره في تلك الحكاية كما يشعر به جوابه بما يشتمل على كلمة «لو» في قوله : «ولو برح ...» التي هي للامتناع ، غايته أنّه (عليه السلام) لم يكذّبه فيما زعمه ، فلتكن محمولة على التقية من هذه الجهة. وأمّا بيان الحكم الكلّي وهو أنّ المصلّي لو برح استقبل الذي هو مناط الاستدلال فهو حكم واقعي ، ولا تقيّة فيه وإن كان التطبيق على المورد بعدم التكذيب مبنيّاً عليها كما عرفت.

ومن المعلوم أنّه ليس المراد من قوله (عليه السلام) : «لو برح ...» الحركة اليسيرة ومجرّد الانتقال ، إذ هو لا ضير فيه حتّى اختياراً وفي الأثناء بلا إشكال غايته أنّه يكفّ عن القراءة عندئذ ، بل المراد الحركة المستتبعة لارتكاب المنافي من الاستدبار ونحوه كما لا يخفى. فتدلّ هذه الروايات بوضوح على البطلان لو كان التذكّر بعد الإتيان بشي‌ء من المنافيات عمداً وسهواً.

ومنها : صحيحة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قلت : أجي‌ء إلى الإمام وقد سبقني بركعة في الفجر فلمّا سلّم وقع في قلبي أنّي قد أتممت ، فلم أزل ذاكراً لله حتّى طلعت الشمس ، فلمّا طلعت نهضت فذكرت أنّ الإمام كان قد سبقني بركعة ، قال : فان كنت في مقامك فأتمّ بركعة ، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة» (٣) ، فانّ الانصراف ملازم للاستدبار عادة.

وهذه الأخبار كما ترى تعارض الطائفة الأُولى معارضة واضحة ، ولا سبيل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٠ ، ١١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٠ ، ١١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ١.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى التوفيق بينهما بوجه ، لصراحة هذه في البطلان كصراحة تلك في الصحّة. والسند قوي من الطرفين كالدلالة ، كما لا سبيل إلى الحمل على التقية ، لاتفاق العامّة أيضاً على البطلان (١) كما قيل كالخاصّة.

فما قيل في وجه الجمع من الحمل على الاستحباب ، أو على النافلة ، أو على من لم يستدبر ، أو لم يستيقن الترك ، أو التقية كما استجود الأخير في الحدائق (٢) بناءً على ما أصّله في مقدّمات كتابه من عدم اشتراط الموافقة للعامة في الحمل على التقية (٣) كلّ ذلك ساقط لا يمكن المصير إليه ، لعدم كونه من الجمع العرفي في شي‌ء ، والجمع التبرّعي المبني على ضرب من التأويل الذي كان يسلكه الشيخ (قدس سره) لا نقول به ، كمبنى الحدائق في التقية. إذن لا مناص من الالتزام باستقرار المعارضة.

وحينئذ فإن أمكن إعمال قواعد الترجيح ، وإلّا فمقتضى القاعدة التساقط. ولا شكّ أنّ ما دلّ على البطلان مطابق لفتوى المشهور ، بل لم ينقل القول بالصحّة إلّا عن الصدوق في المقنع كما مرّ. فما دلّ على الصحّة معرض عنه عند الأصحاب فإن كفى ذلك في الترجيح على ما يراه القوم ، أو قلنا بأنّ ما دلّ على البطلان يعدّ من الروايات المشهورة المجمع عليها بين الأصحاب وما بإزائها من الشاذ النادر قدّمت تلك الأخبار ، وإلّا فيتساقطان ، فيرجع حينئذ إلى عمومات أدلّة القواطع من الحدث والاستدبار ونحوهما التي نتيجتها البطلان أيضاً ، لعدم إمكان تدارك الفائت بعد حصول المبطل. فالمتعيّن ما عليه المشهور.

بقي الكلام في رواية واحدة ممّا استدلّ به على الصحّة ، وهي رواية علي بن

__________________

(١) لاحظ المجموع ٤ : ١١٥ ، المغني ١ : ٧٠٠ ٧٠١.

(٢) الحدائق ٩ : ١٣٠.

(٣) الحدائق ١ : ٥.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

النعمان الرازي قال : «كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا إمامهم ، فصلّيت بهم المغرب فسلّمت في الركعتين الأولتين ، فقال أصحابي : إنّما صلّيت بنا ركعتين فكلّمتهم وكلّموني ، فقالوا : أمّا نحن فنعيد ، فقلت : لكنّي لا أُعيد ، وأُتمّ بركعة فأتممت بركعة ، ثمّ صرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا ، فقال لي : أنت كنت أصوب منهم فعلاً ، إنّما يعيد من لا يدري كم صلّى» (١).

ولكنّها ضعيفة سنداً ودلالة. أمّا بحسب الدلالة فلأنّ الظاهر عدم القول بمضمونها من أحد حتّى الصدوق القائل بالصحّة ، فإنّه على الظاهر إنّما يلتزم بها فيما إذا لم يرتكب المنافي بعد التذكر وأنّ الذي يعذر فيه خصوص المنافيات الصادرة قبل حال الالتفات ، أمّا بعده فتجب عليه المبادرة إلى التتميم فوراً قبل أن يرتكب ما ينافي عمداً كالتكلّم ، أو حتّى سهواً كالحدث والاستدبار.

والرواية كما ترى صريحة في الارتكاب بعد الالتفات ، وأنّه كلّم القوم وكلّموه وتدارك النقص بعد الكلام العمدي. ولا قائل بالصحّة حينئذ كما عرفت.

وأمّا بحسب السند فالظاهر أنّ الرواية ضعيفة وإن وصفها في الحدائق بالصحّة (٢) ، فانّ علي بن النعمان الرازي مجهول ، والذي ثبتت وثاقته هو علي بن النعمان الأعلم النخعي ، الذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) وهو غير الرازي ، فإنّه كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) كما تشهد به نفس الرواية.

ويظهر منها أيضاً أنّه كان في زمن الصادق (عليه السلام) رجلاً يؤمّ القوم لاستبعاد إمامة المميّز أو من هو في أوائل البلوغ ، فكيف يحتمل عادة بقاء من هو كذلك إلى زمان الرضا (عليه السلام)؟

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٣.

(٢) الحدائق ٩ : ١٢٥.

٨٣

من غير فرق بين الرباعية وغيرها ، وكذا لو نسي أزيد من ركعة (١).

______________________________________________________

مع أنّ من جملة الرواة عن النخعي هو أحمد بن محمّد بن عيسى ، وهو وإن أدرك الرضا (عليه السلام) إلّا أنّه لم يرو عنه ، والفصل بين وفاته ووفاة الصادق (عليه السلام) لعلّه يزيد على مائة وثلاثين سنة ، فكيف يمكن عادة أن يروي عن أصحابه (عليه السلام) اللهمّ إلّا أن يكون المروي عنه حدث السن في حياته (عليه السلام) وكان من المعمّرين.

وعلى الجملة : فملاحظة اختلاف الطبقة يشرفنا على القطع بتعدّد المسمّى بهذا الاسم ، وكأنّ صاحب الحدائق حسب الاتحاد فوصف الرواية بالصحّة ، وليس كذلك ، فإنّ أحدهما ملقّب بالأعلم النخعي وهو الموثق ، والآخر بالرازي كما في رواية الشيخ (١) والصدوق (٢) وهو شخص آخر كما عرفت ، وحيث إنّه مجهول فالرواية محكومة بالضعف (٣)

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الروايات في المقام متعارضة متساقطة والمرجع حينئذ عموم ما دلّ على البطلان بارتكاب المنافي ، إذ لم يثبت شي‌ء على خلافه.

(١) فانّ ما مرّ في جميع صور المسألة مشترك فيه بين الرباعية وغيرها ، وبين نسيان الركعة أو الزائد عليها ، فانّ التذكر إن كان قبل السلام فالتشهّد الزائد غير مبطل في جميع الأقسام ، فيتدارك النقص وإن زاد عن الركعة.

وإن كان بعد السلام فكذلك ، لما عرفت من أنّ السلام المخرج هو الواقع في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨١ / ٧٢٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠١١.

(٣) على أنّ المنسوب في حواشي بعض نسخ التهذيب والوافي إلى الفقيه هكذا : علي بن نعمان عن النعمان الرازي ، وهو أي النعمان الرازي مجهول بلا إشكال.

٨٤

[٢٠١٩] مسألة ١٨ : لو نسي ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة لم تبطل صلاته (١) وحينئذ فان لم يبق محلّ التدارك وجب عليه سجدتا السهو للنقيصة وفي نسيان السجدة الواحدة والتشهّد يجب قضاؤهما أيضاً بعد الصلاة (*) قبل سجدتي السهو ، وإن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليه ممّا فعله سابقاً وسجدتا السهو لكلّ زيادة.

______________________________________________________

محلّه ، أو الصادر عمداً في غير محلّه إمّا للتعبّد أو لكونه من كلام الآدمي ، وأما الواقع في غير محلّه سهواً فلا بأس به ، لحديث لا تعاد ، بلا فرق أيضاً بين الصور المتقدّمة.

وكذا الحال لو كان التذكّر بعد ارتكاب المنافي ، بل قد عرفت التصريح في بعض النصوص بالثنائية وفي بعضها الآخر بالثلاثية ، وعلى أيّ حال فالنصوص متعارضة كما مرّ ، والمرجع عموم دليل مبطلية المنافي الذي لا فرق فيه بين الرباعية وغيرها ، وبين الركعة الواحدة والأزيد كما هو واضح.

(١) لحديث لا تعاد الشامل لكافّة الأجزاء والشرائط غير الركنية ، فما خرج عنه بالدليل الخاصّ كالتكبير ونحوه يلتزم به ، وفيما عداه يتمسّك بإطلاق الحديث القاضي بالصحّة ، وحينئذ فإن بقي محلّ التدارك رجع وتدارك ، وإلّا مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه عدا سجدتي السهو للنقيصة بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة.

ولكن يستثني عن هذا الحكم السجدة الواحدة والتشهّد ، فإنّهما يمتازان عن بقية الأجزاء بوجوب القضاء وسجدتي السهو لو كان التذكّر بعد فوات المحلّ على تفصيل ، وإلّا تداركهما في المحلّ كما مرّ (١). فالكلام يقع تارة في نسيان

__________________

(*) وجوب قضاء التشهّد مبني على الاحتياط الوجوبي.

(١) شرح العروة ١٥ : ١٦١ ، ٢٤٦.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السجدة الواحدة ، وأُخرى في نسيان التشهّد.

أمّا السجدة فالكلام فيها من حيث سجدة السهو سيجي‌ء في محلّه (١) إن شاء الله تعالى ، وأمّا من حيث القضاء فالمعروف والمشهور وجوبه مطلقاً ، ونسب إلى الكليني (٢) والعماني (٣) بطلان الصلاة بنسيانها كنسيان السجدتين ، وأنّ حكم الواحدة حكم الثنتين. وعن المفيد (٤) والشيخ (٥) التفصيل بين الركعتين الأُوليين والأخيرتين ، فتبطل في الأوّل ، وتقضى السجدة في الثاني. ففي المسألة أقوال ثلاثة ، وهناك قولان آخران سنتعرّض إليهما بعد ذلك.

أمّا القول المشهور : فتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة إسماعيل بن جابر : «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام فذكر وهو قائم أنّه لم يسجد ، قال : فليسجد ما لم يركع ، فاذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها ، فإنّها قضاء» (٦). وهي ظاهرة الدلالة قويّة السند ، ونحوها غيرها كموثّقة عمّار وصحيحة أبي بصير (٧) على طريق الصدوق (٨) كما وصفها بها في الحدائق (٩) ، أمّا على طريق الشيخ فضعيفة بمحمّد بن سنان (١٠).

__________________

(١) في ص ٣٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦١.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٢ المسألة ٢٦٢.

(٤) المقنعة : ١٤٥ [لكن لاحظ ص ١٣٨ ، ١٤٧ منها].

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٤ / ذيل ح ٦٠٤.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ١.

(٧) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢ ، ٤.

(٨) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٨.

(٩) الحدائق ٩ : ١٤٥ ، ١٣٦.

(١٠) التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٨.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ما ذهب إليه الكليني والعماني فيمكن أن يستدلّ له بوجهين :

أحدهما : حديث لا تعاد ، حيث إنّ المستثنى هو طبيعي السجود الصادق على الواحد والاثنين ، فيؤخذ بإطلاقه.

وهذا الكلام صحيح في حدّ نفسه ، فلو كنّا نحن والحديث ولم يكن في البين دليل آخر كان مقتضى الإطلاق الحكم بالبطلان لدى الإخلال بطبيعي السجود المنطبق على الواحد كالاثنين ، ولكنّ الروايات المتقدّمة القاضية بعدم البطلان لدى نسيان السجدة الواحدة توجب تقييد الحديث واختصاصه بنسيان السجدتين معاً.

ثانيهما : رواية معلّى بن خنيس قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء» (١). ولكنّها مخدوشة سنداً ودلالة.

أمّا الدلالة : فلعدم كونها صريحة في نسيان السجدة الواحدة ، بل غايتها الدلالة عليها بالإطلاق ، كحديث لا تعاد ، فيقيّد بالروايات المتقدّمة الدالّة على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة.

وأمّا السند : فلأنها مرسلة ، لجهالة الرجل الذي يروي عن معلّى ، ولعلّه كذّاب وضّاع ، بل الظاهر أنّ الرجل على جهالته كاذب في روايته هذه ، فإنّه يرويها عن معلّى عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) الذي هو الكاظم (عليه السلام) ، وإنّما يوصف بذلك للامتياز بينه وبين أبي الحسن الرضا (عليه السلام)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المشارك معه في الكنية ، فلقّب بعد وفاته بالماضي ، إشارة إلى أنّ المراد به هو الذي مضى وتوفي ، فظاهر اللّقب أنّ الرواية مرويّة بعد وفاة الكاظم (عليه السلام) مع أنّ معلّى بن خنيس قتل في زمن الصادق (عليه السلام) وأمر (عليه السلام) بقتل قاتله ، فكيف يروي مَن قتل في زمن الصادق عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام).

واحتمال روايته عنه أيّام حياة أبيه يكذّبه التوصيف بالماضي ، لأنّه لا يوصف به إلّا بعد وفاته (عليه السلام) كما عرفت ، كما أنّ احتمال أن يكون التوصيف من غير معلّى بعيد ، وذلك لأنّ الرجل يروي عن معلّى ما قاله ، ومقول قوله هو «سألت أبا الحسن الماضي». فالتوصيف لا محالة من معلّى نفسه. وبالجملة : فأمارة الكذب موجودة في نفس الرواية. وكيف ما كان ، فهي ساقطة سنداً ودلالة.

وأمّا التفصيل المنسوب إلى المفيد والشيخ فيستدلّ له بصحيحة البزنطي قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل يصلّي ركعتين ثمّ ذكر في الثانية وهو راكع أنّه ترك السجدة في الأُولى ، قال : كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول : إذا ترك السجدة في الركعة الأُولى فلم يدر واحدة أو ثنتين استقبلت الصلاة حتّى يصحّ لك ثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (١).

دلّت على اختصاص القضاء بما إذا كانت السجدة المنسية من الأخيرتين وأمّا في الأولتين فنسيانها يوجب البطلان ، فيقيّد بها إطلاقات القضاء الواردة في الروايات المتقدّمة.

ولكنّ الصحيحة غير صالحة للاستدلال بها ، لاضطراب المتن ، حيث إنّ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٣.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المفروض في السؤال ترك السجدة ، فهو أمر مفروغ عنه ، والسؤال عن حكم نسيانها ، فلا ينطبق عليه الجواب المتعرّض لحكم الشكّ في أنّه سجد واحدة أو ثنتين.

ومن هنا حملت على أنّ المراد من قوله : «فلم يدر واحدة أو ثنتين» الشكّ في أنّها الركعة الأُولى أو الثانية ، فيكون حكمه (عليه السلام) بالاستقبال من أجل عروض الشكّ في الأُوليين ، الموجب للبطلان.

ولكنّه كما ترى بعيد غايته ، حيث إنّ المفروض في السؤال نسيان السجدة من الاولى وتذكّرها في الثانية ، فلا شكّ من حيث الركعة ، فلا يرتبط به التعرّض لحكم الشكّ في الركعات.

ونحوه في البعد ما احتمله في الوسائل من أنّه مع فرض ترك السجدة شكّ في الركعتين الأولتين ، إذ لا يلائمه التفريع المستفاد من حرف الفاء في قوله : «فلم يدر ...» إلخ. وأيّ علاقة وارتباط بين الشكّ في الركعتين وبين ترك السجدة ليترتّب أحدهما على الآخر ، هذا.

والمحتمل في الصحيحة أمران :

أحدهما : أن يكون المراد من قوله : «إذا ترك السجدة ...» إلخ أنّه متيقّن بترك السجدة من الاولى في الجملة ، ولكنّه لم يدر أنّ المتروك واحدة أم سجدتان.

ثانيهما : أن يكون المراد أنّه تخيّل الترك واحتمله دون أن يجزم به ، فلم يدر أنّه أتى بسجدة أم بسجدتين.

ولا شكّ أنّ الاحتمال الأوّل هو الأظهر. وعلى التقديرين فهي أجنبية عن المقام وغير صالحة للاستدلال.

أمّا على الاحتمال الثاني فواضح ، لكونها حينئذ ناظرة إلى حكم الشكّ الذي هو فرض آخر غير ما افترضه السائل من استيقان الترك ، فيكون قد أعرض

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) عن الجواب لتقية أو نحوها ، ولا ريب أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الصحّة ، لأنّه من الشكّ في السجدة بعد تجاوز المحلّ بالدخول في ركوع الركعة الثانية كما فرضه السائل المحكوم بعدم الاعتناء بمقتضى قاعدة التجاوز. فغايته أن يكون حكمه (عليه السلام) بالبطلان تخصيصاً في القاعدة وأنّها غير جارية في خصوص المقام. وكيف ما كان ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه.

وأمّا على الاحتمال الأوّل الذي عرفت أنّه الأظهر فمقتضى القاعدة حينئذ الجمع بين الإعادة وبين قضاء السجدة ، للعلم الإجمالي بأحد التكليفين ، الناشئ من العلم بترك السجدة أو السجدتين ، لكن لا مانع من الاقتصار على الإعادة ولا حاجة إلى ضمّ الإتمام والقضاء ، لقصور دليل حرمة القطع عن الشمول لمثل المقام ونحوه ممّا لا يتمكّن فيه من الاجتزاء بتلك الصلاة في مقام الامتثال ، فانّ الدليل على تقدير ثبوته مختصّ بما إذا تمكّن من إتمام الصلاة صحيحة مقتصراً عليها ، وهو منتفٍ في الفرض ، ولعلّه من أجله حكم (عليه السلام) بالاستقبال.

هذا بناءً على تنجيز العلم الإجمالي في أمثال المقام ، وأمّا بناءً على انحلاله كما هو الصحيح بالعلم التفصيلي بترك السجدة الثانية الذي هو مقطوع به على كلّ تقدير ، وبالتعبّد الشرعي بإتيان الاولى المستفاد من قاعدة التجاوز ، إذ هو يشكّ بعد ما ركع في ترك سجدة أُخرى زائداً على المتيقّن لكي تبطل الصلاة ومقتضى القاعدة عدم الاعتناء والبناء على الإتيان.

فعلى هذا المبنى تكون الصحيحة مرتبطة بالمقام ، لكونها متعرّضة لحكم من نسي السجدة الواحدة ، فتدلّ على مختار الشيخ ، لتضمّنها البطلان مع كون السجدة المنسية من الأولتين.

ولكنّها أيضاً غير صالحة للاستدلال ، إذ لو كان مراده (عليه السلام) ذلك لأجاب بالبطلان ابتداءً من غير حاجة إلى التعرّض لفرض الشكّ في ترك

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الواحدة أو الثنتين ، الراجع إلى نسيان الواحدة بالتقريب المزبور ، الذي هو نوع تعقيد في الكلام وتبعيد للمسافة كما لا يخفى.

فالإنصاف : أنّ الصحيحة غير خالية عن الإجمال والإشكال ، فلا تصلح للاستدلال هذا.

ومع تسليم الدلالة فهي معارضة مع الروايات المتقدّمة الدالة على الصحّة والقضاء مطلقاً ، ولا يمكن تقييدها بهذه الصحيحة ، للزوم حملها على الفرد النادر ، فانّ تلك النصوص بأجمعها متعرّضة للتذكّر في الأثناء ، ومشتملة على التفصيل بين كون التذكّر قبل الركوع أو بعده ، وأنّ السجدة تتدارك على الأوّل وتقضى على الثاني.

وعليه فهي غير شاملة للركعة الأخيرة من الرباعية وغيرها يقيناً ، إذ لو تذكّر قبل السلام رجع وتداركها لا أنّها تقضى بعد الصلاة كما هو ظاهر والمفروض أنّ الركعتين الأولتين أيضاً خارجتان ، بمقتضى التقييد المستفاد من الصحيحة المزبورة. ومنه تعرف خروج الثنائية والثلاثية عنها كما لا يخفى ، فلم يبق تحتها عدا الركعة الثالثة من الصلاة الرباعية ، فيلزم حمل تلك المطلقات الكثيرة على خصوص هذه الصورة ، الذي هو من حمل المطلق على الفرد النادر كما ذكرنا.

فلا مجال للتقييد ، بل هي معارضة لها ، ولا ريب أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، فإنّها أشهر وأكثر ، وهذه رواية شاذّة فلا تنهض للمقاومة معها. فهذا القول يتلو سابقه في الضعف.

ثمّ إنّ هناك قولين آخرين :

أحدهما : ما عن الشيخ المفيد (قدس سره) من أنّ السجدة المنسية من الركعة الأُولى يؤتى بها في الركعة الثانية لو تذكّرها بعد الركوع ، فيسجد فيها

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثلاث سجدات ، والمنسية من الركعة الثانية يؤتى بها في الثالثة ، ومن الثالثة في الرابعة ، ومن الرابعة خارج الصلاة (١). وهذا لم يوجد له مدرك أصلاً كما اعترف به غير واحد ، ولعلّه عثر على ما لم يصل إلينا. مع أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز ، للزوم زيادة السجدة في غير محلّها عامداً كما لا يخفى.

ثانيهما : ما عن والد الصدوق (قدس سره) من أنّ السجدة المنسية من الركعة الأُولى يؤتى بها في الركعة الثالثة ومن الثانية في الرابعة ، ومن الثالثة تقضى بعد السلام (٢). ومستند هذا القول هو الفقه الرضوي (٣) ، لموافقة المحكي عنه مع مضمونه ، لكنّه ليس بحجّة عندنا كما مرّ مراراً. فهذه الأقوال كلّها ساقطة والمتعيّن ما عليه المشهور.

إنّما الكلام في محلّ القضاء : مقتضى النصوص المتقدّمة (٤) من صحيحة إسماعيل ابن جابر وموثّقة عمّار وصحيحة أبي بصير وغيرها أنّ محلّها خارج الصلاة بعد ما يسلّم. ولكن بإزائها صحيحتان دلّتا على أنّ محلّ التدارك قبل التسليم.

إحداهما : صحيحة جعفر بن بشير على طريق الصدوق (٥) ، وأمّا على طريق البرقي في المحاسن فهي مرفوعة ، قال : «سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة وهو في التشهّد الأوّل ، قال : فليسجدها ثمّ لينهض وإذا ذكره وهو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمّ يسلِّم ، ثمّ يسجد سجدتي السهو» (٦).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٤ المسألة ٢٦٣ [ولكن ذكر خلافه في المقنعة ١٤٧].

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٣ المسألة ٢٦٣.

(٣) فقه الرضا : ١١٦ ١١٧.

(٤) في ص ٨٦ ٨٧.

(٥) [الظاهر أنّه سهو ، إذ الطريق الثاني مذكور في المحاسن ٢ : ٥٠ / ١١٥٠ أيضاً].

(٦) الوسائل ٦ : ٣٦٧ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٧.

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصدرها وإن كان قد يوهم أنّه لم يأت في مجموع الأُوليين إلّا سجدة واحدة بحيث تركت ثلاث سجدات ، لكن المراد بقرينة الذيل أنّه ترك سجدة واحدة كما لا يخفى.

الثانية : صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم ...» إلخ (١).

واحتمال أن تكون ناظرة إلى الركعة الأخيرة فيكون محلّ التدارك باقياً حينئذ خلاف الظاهر جدّاً ، فإنّ الأمر بالسجود بعد ما يقعد ظاهر في أنّ ظرف الخطاب قبل القعود ، وأنّه تذكّر المنسيّ وهو في حال السجود ، وهذا إنّما يتّجه فيما إذا كانت السجدة المنسية من الركعات السابقة ، وإلّا فلا نسيان لو كانت من الركعة الأخيرة بعد كونه ملتفتاً حال السجود كما هو ظاهر.

وقد مالَ المحقّق الهمداني (قدس سره) إلى الجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة بالحمل على التخيير لولا إعراض الأصحاب عنهما ، المسقط لهما عن درجة الاعتبار (٢).

ولكنّه كما ترى غير وجيه حتّى مع الغضّ عن الإعراض ، للتعليل في صحيحة إسماعيل بن جابر بقوله : «فإنّها قضاء» الدالّ على اختصاص التدارك بما بعد الفراغ من العمل تعييناً ، لتعنونه بعنوان القضاء الذي لا يكون إلّا خارج الصلاة.

فالحمل على التخيير بعيد في حدّ نفسه ، بل الروايات متعارضة ، لدلالة الصحيحتين على أنّ ظرف التدارك قبل السلام ، وقد دلّت تلك النصوص على أنّ ظرفه بعده وأنّها قضاء ، ولا شكّ أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لمطابقتها

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٧٠ / أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٥١ السطر ١.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مع المشهور بل المجمع عليه ، إذ لا قائل بالتدارك قبل السلام ، ولا عامل بالصحيحتين في المقام.

على أنّ المرجع بعد التساقط عموم ما دلّ على قدح الزيادة العمدية ، فإنّ هذه السجدة الواقعة في غير محلّها زيادة عمدية أثناء الصلاة ، لتعلّقها بالركعة السابقة ، فهي هنا زائدة فيشملها العموم المزبور ، السليم عمّا يصلح للتقييد لابتلاء المقيّد بالمعارض حسب الفرض ، هذا كلّه في نسيان السجدة.

وأمّا التشهّد المنسي : فالمشهور فيه هو القضاء أيضاً ، وعن جماعة منهم صاحب الحدائق عدمه وأنّه يجزي عنه التشهّد الذي يأتي به بعد سجدتي السهو (١) ، وعن الكاتب بطلان الصلاة بنسيان التشهّد (٢).

أمّا القول الأخير : فمستنده روايتان :

إحداهما : موثّقة عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال : بسم الله ، فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة» (٣).

والأُخرى رواية علي بن جعفر : «عن رجل ترك التشهّد حتّى سلّم كيف يصنع؟ قال : إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد وعليه سجدتا السهو ، وإن ذكر أنّه قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أو بسم الله ، أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير حتّى يسلّم أعاد الصلاة» (٤).

__________________

(١) الحدائق ٩ : ١٥٣.

(٢) حكاه عنه في البحار ٨٨ : ١٥٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٧.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٤ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٨.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن الأخيرة ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، والعمدة هي الموثّقة. إلّا أنّها معارضة بالأخبار المستفيضة المعتبرة إن لم تكن متواترة ، المصرّحة بعدم البطلان كما ستعرف ، التي منها صحيحة لا تعاد ، وقد ذكر في ذيلها أنّ التشهّد سنّة ، وهي لا تنقض الفريضة (١). ولا شكّ أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لكثرتها بل كونها من المجمع عليه بين الأصحاب ، إذ لا عامل بالموثّقة غير الكاتب كما عرفت فلا تنهض لمقاومتها ، بل يردّ علمها إلى أهله.

وأمّا القول المشهور : أعني وجوب القضاء مقدّماً على سجدتي السهو فيستدلّ له بجملة من النصوص :

منها : صحيحة حكم بن حكيم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثمّ يذكر بعد ذلك ، فقال : يقضي ذلك بعينه ، فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : لا» (٢).

فإنّ إطلاق الشي‌ء شامل للتشهّد ، نعم خرج عنه بقيّة الأجزاء المنسية كالقراءة والذكر ونحوهما بالإجماع على نفي القضاء فيها ، فيبقى التشهّد مشمولاً للإطلاق.

وفيه : أنّ الإطلاق المزبور معارض بإطلاق آخر ، وهو قوله (عليه السلام) : «يقضي ذلك بعينه» فانّ المراد بالقضاء ليس هو المعنى الاصطلاحي الدارج على ألسنة الفقهاء من الإتيان خارج الصلاة ، بل هو في الآيات والروايات يطلق على ما هو عليه من المعنى اللغوي أعني مطلق الإتيان ، كما في قوله تعالى (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) (٣) أي أتيتم بها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٦.

(٣) البقرة ٢ : ٢٠٠.

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ ذلك المعنى غير مراد في خصوص المقام قطعاً ، فإنّ الركعة الواقعة في قبال السجود يراد بها الركوع ، لا الركعة التامّة المصطلحة ، كما يساعده المعنى اللّغوي ، فإنّ الركعة والركوع كلاهما مصدر لـ (ركع) كما أنّ السجدة والسجود مصدر لـ (سجد) ، ولا شكّ أنّ الركوع المنسي لا يقضى بعد الصلاة ، بل تبطل بنسيانه. فالمراد بالقضاء مطلق الإتيان بالمنسي ، سواء كان في المحلّ بأن تذكّر ومحلّ التدارك باقٍ ، أم في خارجه.

ولا ريب في عدم إمكان التحفّظ على كلا الإطلاقين ، بأن يحكم بوجوب تدارك المنسي كيف ما كان ومتى تذكّر ، لانتقاض ذلك بمثل القراءة ونحوها فيدور الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق الأوّل باختصاصه بالتشهّد مع المحافظة على الإطلاق الثاني ، فيكون المعنى أنّ التشهّد المنسيّ يتدارك مطلقاً إمّا في الصلاة مع بقاء المحلّ أو خارجها مع عدم البقاء ، وبين العكس بأن يتحفّظ على الإطلاق الأوّل ويقيّد التدارك بالمحلّ ، فيحكم بأنّ كلّ جزء منسيّ من التشهّد وغيره يجب تداركه والإتيان به بعينه مع بقاء محلّه ، ولا يجب التدارك خارج المحل.

والاستدلال مبنيّ على ترجيح الاحتمال الأوّل ، وهو غير ظاهر ، كيف ونسيان الركوع المعطوف عليه الشي‌ء موجب للإعادة ولا قضاء له ، فكيف حكم (عليه السلام) بالقضاء ونفي الإعادة ، بل الأظهر هو الاحتمال الثاني.

فيكون مفاد الصحيحة أنّ نسيان أيّ جزء محكوم بتداركه في محلّه ، من غير تعرّض للقضاء ، كما تؤيّده صحيحة ابن سنان : «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (١) ، حيث أمر (عليه السلام) بصنع المنسي وإتيانه لدى التذكّر ، الذي لا يراد إلّا إتيانه في محلّه كما

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يخفى ، فيطابق مضمون إحداهما الأُخرى.

وعليه فالصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه ، ولا أقل من تساوي الاحتمالين وعدم ظهور لها في الاحتمال الأوّل الذي هو مبنى الاستدلال ، فغايته الإجمال المسقط لها عن صلاحية الاستدلال.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف ، فقال : إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه ، وقال : إنّما التشهّد سنّة في الصلاة» (١).

وأورد في الحدائق على الاستدلال بها بأنّ موردها التشهّد الأخير ، ومحلّ البحث في الأخبار وكلام الأصحاب إنّما هو التشهّد الأوّل ، للتفصيل الواقع فيهما بين كون الذكر قبل الركوع أو بعده (٢).

واعترض عليه المحقّق الهمداني (قدس سره) بمنع دعوى الاختصاص بالأخير بل إنّ ندرة تحقّق الفراغ مع نسيان التشهّد الأخير صالحة لصرف الصحيحة إلى إرادة الأوّل ، ولا أقلّ من كونها موجبة لعدم انصراف السؤال إلى خصوص الثاني كي ينزّل عليه إطلاق الجواب (٣).

أقول : الظاهر صحّة ما استظهره في الحدائق من الاختصاص بالأخير ، وذلك بقرينة قوله : «حتّى ينصرف» الكاشف عن استمرار النسيان إلى زمان الانصراف إذ لو أُريد به التشهّد الأوّل كان هذا التقييد من اللّغو الظاهر ، لوجوب القضاء على القول به بمجرّد الخروج عن المحلّ بالدخول في ركوع الركعة الثالثة ، سواء

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

(٢) الحدائق ٩ : ١٥٤.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٥١ السطر ٣٢.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أتذكّر بعد ذلك أم استمرّ النسيان إلى ما بعد الانصراف والخروج عن الصلاة.

بخلاف ما لو أُريد الأخير ، فإنّ نسيانه لا يتحقّق إلّا بالانصراف والفراغ عن السلام إذ لو تذكّر قبله فقد تذكّر في ظرف التشهّد فلا نسيان أبداً.

وعليه فما تضمّنته الصحيحة من الرجوع والتدارك حكم على القاعدة ، لوقوع السلام حينئذ في غير محلّه سهواً ، ومثله لا يوجب الخروج ، فهو بعد في الصلاة فيرجع إلى مكانه ، أو يطلب مكاناً نظيفاً ما لم يرتكب المنافي فيتشهّد ويسلِّم فهذا التشهّد واقع في غير محلّه ، وليس من القضاء في شي‌ء.

وبالجملة : فالصحيحة ظاهرة في التشهّد الأخير بالقرينة المزبورة ، ولا أقلّ من عدم ظهورها في الإطلاق للاحتفاف بما يصلح لمنعه ، فتسقط عن الاستدلال.

ومنها : رواية علي بن أبي حمزة البطائني قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (١).

وهي وإن كانت ظاهرة بل صريحة في أنّ المنسي إنّما هو التشهّد الأوّل ، إلّا أنّه يتوجّه على الاستدلال بها ضعف السند أوّلاً بعلي بن أبي حمزة الذي ضعّفه الشيخ (٢) وغيره.

وقصور الدلالة ثانياً ، فانّ قوله (عليه السلام) : «سجد سجدتين ...» إلخ إشارة إلى سجدتي السهو ، فقوله (عليه السلام) «ثمّ تشهّد» يراد به التشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو وأنّه يكتفى به بدلاً عن التشهّد الفائت ، فلا تدلّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) [لم نجد له تصريحاً بذلك ، بل صرّح في عدّة الأُصول ١ : ٥٦ السطر ١٩ بوثاقته].

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

على وجوب تشهّد آخر معنون بالقضاء.

وثالثاً : سلّمنا دلالتها على ذلك إلّا أنّ مضمونها حينئذ غير مطابق لفتوى المشهور ، لأنّهم يقدّمون قضاء الجزء المنسي الذي هو من متمّمات الصلاة على سجدتي السهو ، ولا يجوّزون الفصل ، والرواية قد دلّت على العكس. ومنه تعرف عدم انجبار ضعفها بالعمل لو سلّمنا كبرى الانجبار ، إذ لا عامل بمضمونها على ما هو عليه ، فهي غير صالحة للاستناد إليها بوجه.

والمتحصّل من جميع ما مرّ أنّ الروايات المستدلّ بها للمشهور كلّها مخدوشة بما عرفت ، لقصورها دلالة ، وبعضها سنداً أيضاً.

أضف إلى ذلك ورود روايات كثيرة مستفيضة معتبرة قد دلّت وهي في مقام البيان وتعيين تمام الوظيفة على أنّ التشهّد المنسي لا حكم له عدا سجدتي السهو ، إذ ليس فيها من ذكر القضاء عين ولا أثر ، كصحيحة سليمان بن خالد : «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلم وليسجد سجدتي السهو» (١). ونحوها صحاح ابن أبي يعفور والحسين بن أبي العلاء (٢) والفضيل بن يسار والحلبي (٣) وموثّقة أبي بصير (٤). فلو كان القضاء واجباً فكيف أُهمل؟ ولماذا اقتصر في جميعها على التعرّض لسجدتي السهو فقط؟ فيكشف ذلك عن عدم الوجوب لا محالة. وعلى تقدير الشكّ فتكفينا أصالة البراءة بعد ما عرفت من قصور ما استدلّ به على الوجوب.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٤ ، ٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٥ / أبواب التشهد ب ٩ ح ١ ، ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٦.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فالأقوى وفاقاً للشيخ المفيد (١) والصدوقين (٢) وصاحب الحدائق (٣) أنّ ناسي التشهّد لا يجب عليه إلّا سجدة السهو ، وأنّه يكتفي بالتشهّد الذي فيها عن القضاء ، فضمّه إليها كما عليه المشهور مبنيّ على الاحتياط.

هذا كلّه حكم نسيان السجدة الواحدة والتشهّد من حيث القضاء.

وأمّا من حيث سجدة السهو فقد عرفت آنفاً وجوبها في التشهّد. وأمّا في السجدة المنسية فالمشهور وجوبها أيضاً. ويستدلّ له :

تارة بمرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٤). ولكن ضعفها مانع عن الاستدلال حتّى على القول بالانجبار ، إذ لم يلتزم المشهور بمضمونها العام ، ولم يحكموا بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقصان.

وأُخرى بصحيحة جعفر بن بشير المتقدّمة (٥).

وفيه أوّلاً : أنّها قد تضمّنت تدارك السجدة المنسية قبل التسليم ، وحينئذ فهي معارضة بالنصوص الكثيرة المتقدّمة المصرّحة بأنّ محلّ التدارك بعد السلام.

ودعوى أنّ سقوطها عن الحجّية من هذه الجهة لأجل الابتلاء بالمعارض غير مانع عن صحّة الاستدلال بها من ناحية الدلالة على سجدتي السهو.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤٠٥ المسألة ٢٨٨ [ولكن ذكر خلافه في المقنعة : ١٤٨].

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٣ / ذيل ح ١٠٣٠ ، وحكى العلّامة عن والد الصدوق في المختلف ٢ : ٤٠٥ المسألة ٢٨٨ ، راجع فقه الرضا : ١١٨.

(٣) الحدائق ٩ : ١٥٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

(٥) في ص ٩٢.

١٠٠