أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٣

من حقوق أهل البيت عليهم‌السلام

٣

وجوب مودَّتهم وحبِّهم

قام الرسل بابلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس ، دون أن يبغوا أجراً منهم ، بل كان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه ، لاَنّ إبلاغ رسالاته كانت فريضة إلهية على عواتقهم ، فكيف يطلبون الاَجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه ، ولذلك كان شعارهم دوماً ، قولهم (وَما أسأَلكم عليهِ منْ أَجْر إِن أَجْري إِلاّعلى اللّه ربّ العالَمين) (١).

فقد ذكر سبحانه على لسان الاَنبياء تلك الآية في سورة الشعراء ، ونقلها عن عديد من أنبيائه ، نظراء :

نوح (٢) ، هود (٣) صالح (٤) لوط (٥) شعيب (٦)

وقد جاء هذا الشعار في سور أُخرى نقلها القرآن الكريم عن رسله وأنبيائه ، فقدكانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم :

__________________

١. الشورى : ١٠٩.

٢. الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.

٣. الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.

٤. الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.

٥. الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.

٦. الشعراء : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.

١٤١

(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه) (١).

(يا قَوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الّذي فطرني) (٢).

فإذا كان هذا موقف الاَنبياء من أُمّتهم ، فكيف يصح للنبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطلب الاَجر؟! بل هو أولى بأن يكون عمله خالصاً للّه ، لاَنّه خاتم الرسل وأفضلهم ، وقد كان يرفع ذلك الشعار أيام بعثته ، بأمر منه سبحانه ويتلو قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِكرى لِلْعالَمين) (٣)

هذه هي حقيقة قرآنية لا يمكن إنكارها ، ومع ذلك نرى انّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودة القربى أجراً للرسالة.

ويقول : (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّةَ فِي القُربى) (٤).

فكيف يمكن الجمع بين هذه الآية ، وما تقدم من الآية الخاصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآيات الراجعة إلى سائر الاَنبياء ، فانّهم عليهم‌السلام كانوا على نهج واحد؟.

هذا هو السوَال المطروح في المقام.

والاِجابة عليه يتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الكريم ، فنقول :

الآيات التي وردت حول أجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصناف أربعة :

الاَوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه : (قُلْلا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِكرى لِلْعالَمين) (٥).

__________________

١. هود : ٢٩.

٢. هود : ٥١.

٣. الاَنعام : ٩٠.

٤. الشورى : ٢٣.

٥. الاَنعام : ٩٠.

١٤٢

الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيقول سبحانه : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْأَجْرِيَ إِلاّعلى اللّهِ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهيد) (١).

الثالث : ما يُعرّف أجره ، بقوله : (قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِمِنْ أَجْرٍ إِلاّمَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِسَبيلاً) (٢). فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة.

الرابع : ما يجعل مودة القربى أجراً للرسالة ، ويقول : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَوَدَّةَ فِي القُربى).

فهذه العناوين الاَربعة لابدّأن ترجع إلى معنى واحد ، وهذا هو الذي نحاول أن نسلّط عليه الاَضواء.

الجواب : انّ لفظة الاَجر يطلق على الاَجر الدنيوي والاَُخروي غير انّ المنفي في تلك الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الاَجر الدنيوي على الاِطلاق ، ولذلك لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدعوته شيئاً بل نقل خلافه.

هذه هي قريش تقدَّمت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي طليعتهم أبو الوليد ، فتقدم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الاَمر ، مالاًً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا ، حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك ، طلبنا لك الطبَّ ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه ، فانّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، أو كما قال له

__________________

١. سبأ : ٤٧.

٢. الفرقان : ٥٧.

١٤٣

حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني قال : أفعل ، فقال : (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِالرَّحيم * حم * تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِالرَّحيم * كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناًعَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ * بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون * وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه) (١).

ثمّ مضى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها يقروَها عليه. فلماّ سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه ، ثمّانتهى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثمّ قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك(٢).

هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الاِثبات والنفي هو الاَجر الدنيوي بعامة صوره ، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبي أن يطلبه من الناس.

قال الشيخ المفيد : إنّ أجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم ، وهومستحق على اللّه تعالى في عدله وجوده وكرمه ، وليس المستحق على الاَعمال يتعلَّق بالعباد ، لاَنّ العمل يجب أن يكون للّه تعالى خالصاً ، وما كان للّه فالاَجر فيه على اللّه تعالى دون غيره(٣).

إذا عرفت ذلك ، فنقول :

إنّ مودة ذي القربى وإن تجلت بصورة الاَجر حيث استثنيت من نفي الاَجر ، لكنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً ، فالاَجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحب قبل رجوعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك لاَنّ مودة ذي القربى تجرّ المحب إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أُسوة في

__________________

١. فصّلت : ١ ـ ٥.

٢. السيرة النبوية : ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

٣. تصحيح الاعتقاد : ٦٨.

١٤٤

دينه ودنياه ، ومن الواضح انّ الحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحب. قال الصادق عليه‌السلام : «ما أحب اللّه عزّ وجلّ من عصاه» ثمّ تمثَّل ، فقال :

تعصي الاِله وأنت تظهر حبه

هذا محال في الفعال بديع

لو كان حبك صادقاً لاَطعته

انّ المحبّ لمن يحب مطيع (١)

وسيوافيك انّ المراد من ذوي القربى ليس كلّ من ينتمي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنسب أو سبب ، بل طبقة خاصة من أهل بيته الذين عرفهم بأنّهم أحد الثقلين في قوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (٢).

فإذا كان المراد من ذوي القربى هوَلاء الذين أنيط بهم أمر الهداية والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم يرفع الاِنسان من حضيض العصيان والتمرد إلى عزّ الطاعة.

إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعد ما فحصه وكتب وصفة : لا أُريد منك أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة ، فانّ عمل المريض بوصفة الطبيب وإن خرجت بهذه العبارة بصورة الاَجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الاَجر.

وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، كأن يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع

__________________

١. سفينة البحار : مادة حبَّب.

٢. أخرجه الحاكم في مستدركه : ٣ / ١٤٨ ، وقال : هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين. ولم يخرجاه ، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرط الشيخين قلت : هذا حديث متواتر وقد ألَّف غير واحد من المحقّقين رسائل حوله.

١٤٥

أمراً غريباً في القرآن بل له نظائر مثل قوله : (لا يسمعون فيها لَغْواً إِلاّسَلاماً) (١).

وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السوَال ، وقال :

فإن قال قائل : فما معنى قوله : (قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّة فِي القُربى) أو ليس هذا يفيد انّه قد سألهم مودة القربى لاَجره على الاَداء؟.

قيل له : ليس الاَمر على ما ظننت لما قدمنا من حجّة العقل والقرآن ، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه قل لا أسألكم عليه أجراً لكنّي ألزمكم المودة في القربى واسألكموها ، فيكون قوله : (قُلْ لا أسْألكُمْ عليهِ أَجراً) كلاماً تاماً ، قد استوفى معناه ، ويكون قوله : (إِلاّالمودة في القُربى) كلاماً مبتدأً ، فائدته لكن المودة في القربى سألتكموها ، وهذا كقوله : (فَسَجَد المَلائِكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّإِبْلِيس) (٢). والمعنى فيه لكن إبليس ، وليس باستثناء من جملة(٣).

وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قوله سبحانه : (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) (٤).

وقد تبَّين انّ حبّ الاَولياء والصالحين لصالح المحب قبل أن يكون لصالحهم.

كما تبَّين معنى قوله سبحانه في شأن ذلك الاَجر : (ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً) (٥).

__________________

١. مريم : ٦٢.

٢. الحجر : ٣٠ ـ ٣١.

٣. تصحيح الاعتقاد : ٦٨.

٤. سبأ : ٤٧.

٥. الفرقان : ٥٧.

١٤٦

فانّ اتخاذ السبيل لا يخلو من أحد احتمالين :

١. مودَّة القربى والتفاني في حبهم الذي سينتهي إلى العمل بالشريعة الموجب لنيل السعادة.

٢. نفس العمل بالشريعة الذي يصل إليها الاِنسان عن طريق حبهم ومودتهم.

وبذلك ترجع الآيات الثلاث إلى معنى واحد من دون أن يكون بينهما أي تناف واختلاف.

وقد جاء الجمع بين مفاد الآيات الثلاث في دعاء الندبة الذي يشهد علو مضامينه على صدقه ، حيث جاء فيه :

«ثمّ جعلت أجر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مودّتهم في كتابك ، فقلت (لا اسألكم عليه أجراً إلاّالمودة في القربى) ، وقلت : ما سألتكم من أجر فهو لكم ، وقلت : (ما أسألكم عليه من أجر إلاّمن شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً) ، فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك».

وإلى ذلك يشير شاعر أهل البيت ويقول :

موالاتهم فرض وحبهم هدى

وطاعتهم ودٍّ وودُّهم تقوا

* * *

وأمّا القربى فهو على وزن البشرى والزلفى بمعنى القرابة ، يقول الزمخشري : القربى مصدر كالزلفى والبشرى ، بمعنى القرابة والمراد في الآية «أهل القربى» (١).

وقد استعمل القرآن الكريم لفظة القربى في عامة الموارد بالمضاف ، فتارة

__________________

١. الكشاف : ٣ / ٨١ في تفسير الآية.

١٤٧

بلفظة ذي ، قال سبحانه : (وِبالوالدين أَحساناً وذي القُربى واليَتامى) (١).

وأُخرى بلفظة ذوي ، قال سبحانه : (وَاتَى المال عَلى حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى) (٢).

وثالثة : بلفظة «أُولي» ، قال سبحانه : (ما كان لِلنَّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَوكانُوا أُولي قُربى) (٣).

وقد جاءت مرة واحدة دون إضافة وهي نفس الآية المباركة ، فلاَجل ذلك يلزم تقدير شيء مثل لفظة «أهل» كما قدَّره الزمخشري أو لفظاً غير ذلك مثل كلمة «ذي» أو «ذوي» أو «ذوي قربى».

إلى هنا تمت الاِجابة عن السوَال الاَوّل حول الآية.

السوَال الثاني (٤)

دلَّت الآية الكريمة على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض مودة ذي القربى ، على المسلمين ولكن يبقى هناك سوَال وهو انّ الآية تحتمل وجهين :

أ : أن يكون المراد مودة ذوي القربى من أقرباء النبي وأهل بيته.

ب : أن يكون المراد ودّ كلّمسلم أقربائه وعشيرته ومن يمُّت إليه بصلة ، وليس في الآية ما يدل على المعنى الاَوّل.

أقول : إنّ ذي القربى كما علمت بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية ، ويتعَّين مورده بتعينُّ المنسوب إليه ، وهو يختلف حسب اختلاف موارد الاستعمال ،

__________________

١. البقرة : ٨٣.

٢. البقرة : ١٧٧.

٣. التوبة : ١١٣.

٤. مضي السوَال الاَوّل : ٢٥٨.

١٤٨

ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام ، وهي :

الاَشخاص المذكورون في الآية أو ما دلَّ عليه سياق الكلام.

فتارة يراد منه الاَقرباء دون شخص خاص ، مثل قوله سبحانه : (ما كانَلِلنَّبي وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا ذوي قُربى) (١).

وقوله سبحانه : (فَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُربى) (٢).

فانّ ذكر النبي والذين آمنوا معه آية على أنّ المراد قريب كلّ إنسان إليهما ، كما أنّ جملة (فإذا قلتم فاعدلوا) آية أنّ المراد كل إنسان قريب إليه.

وأمّا قوله سبحانه : (قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَةَ فِي القُربى) فالفعل المتقدّم عليه يعنى (لا أسألكم) آية انّ المراد أقرباء السائل ، مثل قوله سبحانه : (ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِالقُرى فَلِلّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِي القُربى) (٣).

فانّ لفظة (على رَسُولِهِ) آية أنّ المراد أقرباء الرسول.

وعلى ذلك فلابدّ من الرجوع إلى القرائن الحافَّة بالآية وتعيين المراد منه ، وبذلك ظهر أنّالمراد هو أقرباء الرسول.

يقول الاِمام أمير الموَمنين عليه‌السلام ناقداً انتخاب الخليفة الاَوّل في السقيفة لاَجل انتمائه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة :

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب (٤)

__________________

١. التوبة : ١١٣.

٢. الاَنعام : ١٥٢.

٣. الحشر : ٧.

٤. شرح ابن أبي الحديد : ١٨ / ٤١٦.

١٤٩

السوَال الثالث

إنّ سورة الشورى سورة مكية ، فلو كان المراد من ذوي القربى هو عترته الطاهرة ، أعني : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فلم يكن يومذاك بعض هوَلاء كالحسن والحسين عليهما‌السلام؟.

والجواب : إنّ الميزان في تمييز المكي عن المدني ، أمران ، وكلاهما يدلان على أنّالآية نزلت في المدينة المنورة.

الاَمر الاَوّل : دراسة مضمون الآيات

فقد كانت مكافحة الوثنية والدعوة إلى التوحيد والمعاد هي مهمة النبي قبل الهجرة ، ولم يكن المجتمع المكّي موَهلاً لبيان الاَحكام والفروع أو مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولذلك تدور أغلب الآيات المكّية حول المعارف والعقائد والعبرة بقصص الماضين ، وما يقرب من ذلك.

ولمّا استتب له الاَمر في المدينة المنورة واعتنق أغلب سكّانها الاِسلام حينها سنحت الفرصة لنشر الاِسلام وتعاليمه ولمناظرة اليهود والنصارى حيث كانوا يثيرون شبهاً ويجادلون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت آيات حول اليهود والنصارى في السور الطوال.

فلو كان هذا هو الميزان بغية تميّز المكّي عن المدني ، فالآية مدنية قطعاً دون ريب لعدم وجود أيَّة مناسبة لسوَال الاَجر أو طلب مودة القربى من أُناس لم يوَمنوا به بل حشَّدوا قواهم على قتله ، بخلاف البيئة الثانية فقد كانت تقتضي ذلك حيث التفَّ حوله رجال من الاَوّس والخزرج وطوائف كثيرة من الجزيرة العربية.

١٥٠

الاَمر الثاني : الاعتماد على الروايات والمنقولات

فلو كان هذا هو الميزان فقد صرح كثير منهم بأنّ أربعةً آيات من سورة الشورى مكّية ، حتى أنّ المصاحف المطبوعة في الاَزهر وغيره ، تصرح بذلك وتُقرأ فوق السورة هذه الجملة : سورة الشورى مكية الآيات إلاّ ثلا ث وعشرين وأربع وعشرين وسبع وعشرين.

أضف إلى ذلك انّ كثيراً من المفسرّين والمحدِّثين صرحوا بذلك(١).

وهذا هو البقاعيّ موَلف «نظم الدرر وتناسب الآيات والسور» يصرح بأنّ الآيات مكية ، كما نقله المحقّق الزنجاني في «تاريخ القرآن» (٢).

السوَال الرابع

الاِنسان مفطور على حب الجميل وكراهة القبيح فيكون الودّأمراً خارجاً عن الاختيار ، فكيف يقع في دائرة السوَال ويطلبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الموَمنين مع أنّه كذلك.

والجواب : أوّلاً : انّالحبّ لو كان أمراً خارجاً عن الاختيار فلا يتعلَّق به الاَمر ، كما لا يتعلَّق به النهي ، مع انّه سبحانه ينهى عن ود من حادَّ اللّه ورسوله ، ويقول : (لا تَجد قَوماً يُوَْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ من حادّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ) (٣).

__________________

١. انظر الكشاف : ٣ / ٨١؛ تفسير الرازي : ٧ / ٦٥٥؛ تفسير أبي السعود في هامش تفسير الرازي نفس الصفحة؛ تفسير أبي حيان : ٧ / ٥١٦؛ تفسير النيسابوري : ٦ / ٣١٢. وأمّا من المحدّثين كمجمع الزوائد للهيتمي : ٩ / ١٦٨؛ الصواعق المحرقة : ١٠١ ـ ١٣٥ ، والزرقاني في شرح المواهب : ٧ / ٣ و ٩٢١.

٢. تاريخ القرآن : ٥٧.

٣. المجادلة : ٢٢.

١٥١

كما أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو إلى التراحم والتعاطف النابعين عن الود والحب ، ويقول :

مثل الموَمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (١).

كلّ ذلك يدل على انّ الودّ والبغض ليس على النسق الذي وصفه السائل ، ولذلك نرى الدعوة الكثيرة إلى الحب في اللّه والبغض في اللّه.

قال الاِمام الصادق عليه‌السلام : «من أوثق عرى الاِيمان أن تحب في اللّه وتبغض في اللّه» (٢).

وقد كتب الاِمام علي عليه‌السلام إلى عامله في مصر مالك الاَشتر رسالة قال فيها : «واشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم ، واللطف بهم» (٣).

روى الخطيب في تاريخه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عنوان صحيفة الموَمن حبّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٤).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بالاَئمّة من بعدي ، فانّهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً» (٥).

روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبني فليحب عليّاً» (٦).

__________________

١. مسند أحمد : ٤ / ٢٧٠.

٢. سفينة البحار : ٢ / ١١ مادة الحبّ.

٣. نهج البلاغة : قسم الرسائل : الرسالة ٥٣.

٤. تاريخ بغداد : ٤ / ٤١٠.

٥. حلية الاَولياء : ١ / ٨٦.

٦. مسند أحمد : ٥ / ٣٦٦؛ صحيح مسلم : ج كتاب الفتن : ١١٩.

١٥٢

وأخرج أحمد في مسنده عن الرسول : «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأُمُّهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة» (١).

وثانياً : أنّ الاِيصاء إنّما لا يفيد إذا لم يتوفر في الموصى له ملاك الحب والود كما إذا كان الرجل محطاً للرذائل الاَخلاقية ، وأمّا إذا كان الموصى له إنساناً مثالياً متحلياً بفضائل الاَخلاق ومحاسنها ، فانّالاِيصاء به يعطف النظر إليه وبالتالي يجيش حبه كلَّما تعمَّقت الصلة به.

وحاصل الكلام : أنّ دعوة الناس إلى الحبّ تقوم على إحدى دعامتين :

الاَُولى : الاشادة بفضائل المحبوب وكمالاته التي توجد في نفس السامع حبّاً وولعاً إليه.

الثانية : الاِيصاء بالحب والدعوة إلى الودّ ، فانّه يعطف نظر السامع إلى الموصى له ، فكلَّما توطَّدت الاَواصر بنيهما وانكشفت آفاق جديدة من شخصيته ازداد الحبّ والود له. وعلى كلّتقدير فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المحبوب التام لعامة المسلمين ، فحبُّه لا ينفك عن حبّ من أوصى بحبِّه وأمر بودّه.

وخير ما نختم به هذا البحث حديث مروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقله صاحب الكشاف حيث قال ، قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّآل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات موَمناً مستكمل الاِيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشرَّه ملك الموت بالجنة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات على حبّآل محمد يُزفُّ إلى الجنة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها ،

__________________

١. مسند أحمد : ١ / ٧٧.

١٥٣

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح اللّه له في قبره بابين إلى الجنّة ، ألا ومن مات على حبّآل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيساً من رحمة اللّه ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة» (١).

وروى أيضاً : انّه لما نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول اللّه من قرابتك هوَلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي وفاطمة وأبناهما» (٢).

__________________

١. الكشاف : ٣ / ٨٢ ، تفسير سورة الشورى ، ط عام ١٣٦٧.

٢. الكشاف : ٣ / ٨١.

١٥٤

من حقوق أهل البيت عليهم‌السلام

٤

الصلوات عليهم

إن ّمن حقوق أهل البيت عليهم‌السلام هي الصلوات عليهم عند الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال سبحانه : (إِنَّ اللّهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيّ يا أَيُّهَاالّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وََسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١).

ظاهر الآية هو تخصيص الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن فهمت الصحابة انّ المراد هو الصلاة عليه وعلى أهل بيته ، وقد تضافرت الروايات على ضمّ الآل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند التسليم والصلاة عليه ، وقد جاء ذلك في الصحاح والمسانيد ، نقتصر منها على ما يلي :

١. أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة ، قال : ألا أُهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : بلى ، فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلنا : يا رسول اللّه ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فانّ اللّه قد علّمنا كيف نسلم ، قال :

«قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى

__________________

١. الاَحزاب : ٥٦.

١٥٥

آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حَميدٌ مجيد» (١).

وأخرجه أيضاً في كتاب التفسير عند تفسير سورة الاَحزاب (٢).

كما أخرجه مسلم في باب الصلاة على النبي من كتاب الصلاة (٣).

٢.أخرج البخاري أيضاً ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا يا رسول اللّه ، هذا التسليم فكيف نصلّي عليك؟ قال : «قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك ، كما صلّيت على آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم» (٤).

٣. أخرج البخاري ، عن ابن أبي حازم عن يزيد ، قال : «كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم» (٥).

٤. أخرج مسلم ، عن أبي مسعود الاَنصاري ، قال : أتانا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا اللّه تعالى أن نصِّلي عليك ، يا رسول اللّه : فكيف نصلي عليك؟

قال : فسكت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تمنينا انّه لم يسأله.

ثمّ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم

__________________

١. صحيح البخاري : ٤ / ١٤٦ ضمن باب «يزفُّون النَسَلان في المشي» من كتاب بدء الخلق.

٢. صحيح البخاري : ٦ / ١٥١ تفسير سورة الاَحزاب.

٣. صحيح مسلم : ٢ / ١٦.

٤. صحيح البخاري : ٦ / ١٥١ ، تفسير سورة الاَحزاب.

٥. المصدر السابق.

١٥٦

في العالمين انّك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم» (١).

إنّ ابن حجر ذكر الآية الشريفة ، وروى جملة من الاَخبار الصحيحة الواردة فيها ، وانّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه ، لمّا سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه ، قال : وهذا دليل ظاهر على أنّالاَمر بالصلاة على أهل بيته ، وبقية آله مراد من هذه الآية ، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عُقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر ، فلمّا أُجيبوا به دلّعلى أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به ، وانّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه ، لاَنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ، ومنه تعظيمهم ، ومن ثمّ لمّا أُدخل من مرّفي الكساء ، قال : «اللّهمّ انّهم منّي وأنا منهم ، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم» ، وقضية استجابة هذا الدعاء : انّ اللّه صلّى عليهم معه فحينئذٍ طلب من الموَمنين صلاتهم عليهم معه.

ويروى : لا تصلوا عليّالصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاةالبتراء؟ قال : تقولون : اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون بل قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمد. ثمّ نقل عن الاِمام الشافعي قوله :

يا أهل بيت رسول اللّه حبكم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر إنّكم

من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

فقال : فيحتمل لا صلاة له صحيحة فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل ، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه(٢).

__________________

١. صحيح مسلم : ٢ / ٤٦ ، باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد التشهد من كتاب الصلاة.

٢. الصواعق المحرقة : ١٤٦ ، ط عام ١٣٨٥ هـ.

١٥٧

هذا كلّه حول الصلاة على الآل عند الصلاة على الحبيب.

وأما حكم الصلاة على آل البيت في التشهد ، فقال أكثر أصحاب الشافعي : انّه سنّة.

وقال التربجي : من أصحابه هي واجبة ، ولكن الشعر المنقول عنه يدل على وجوبه عنده ، ويوَيده رواية جابر الجعفي ـ الذي كان من أصحاب الاِمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وفي طبقة الفقهاء ـ ، عن أبي جعفر عن أبي مسعود الاَنصاري ، قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صلّى صلاة لم يصل فيها عليّ ولا أهل بيتي لم تقبل منه» (١).

وجابر الجعفي ممَّن ترجمه ابن حجر في تهذيبه ، ونقل عن سفيان في حقّه :

ما رأيت أورع في الحديث منه ، وقال وكيع : مهما شككتم في شيء فلا تشكّوا في أنّ جابراً ثقة.

وقال سفيان أيضاً لشعبة : لاَن تكلَّمت في جابر الجعفي لاَتكلمنَّ فيك إلى غير ذلك(٢).

قال ابن حجر : أخرج الدار قطني والبيهقي حديث من صّلى صلاة ولم يصل فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ، وكأنّهذا الحديث هو مستند قول الشافعي انّ الصلاة على الآل من واجبات الصلاة ، كالصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّه ضعيف ، فمستنده الاَمر في الحديث المتفق عليه ، قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، والاَمر للوجوب حقيقة على الاَصحّ(٣).

وقال الرازي : إنّ الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء

__________________

١. سنن الدارقطني : ١ / ٣٥٥.

٢. تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٦.

٣. الصواعق المحرقة : ٢٣٤ ، ط الثانية ، عام ١٣٨٥ هـ.

١٥٨

خاتمة التشهد في الصلاة ، وقوله : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد.

وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ ذلك يدل على أنّ حبّ آل محمّد واجب ، وقال الشافعي :

يا راكباً قف بالمحصَّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كما نظم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبُّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي (١)

وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى : (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّة فِي القُربى) كفى شرفاً لآل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كلّصلاة(٢).

وروى محب الدين الطبري في الذخائر عن جابر بن عبد اللّه الاَنصاري (رض) عنه انّه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل(٣).

وقال المحقّق الشيخ حسن بن عليّ السقاف : تجب الصلاة على آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد الاَخير على الصحيح المختار ، لاَنّ أقصر صيغة وردت عن سيدنا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبت فيها ذكر الصلاة على الآل ، ولم ترد صيغة خالية منه في صيغ تعليم الصلاة ، فقد تقدّم حديث سيدنا زيد بن خارجة ، انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

__________________

١. تفسير الفخر الرازي : ٢٧ / ١٦٦ ، تفسير سورة الشورى.

٢. تفسير النيسابوري : تفسير سورة الشورى.

٣. ذخائر العقبى : ١٩ ، ذكر الحث على الصلاة عليهم.

١٥٩

«صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» (١).

بلاغ وإنذار

لقد تبين ممّا سبق كيفية الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانّه لا يصّلى عليه إلاّ بضم الآل إليه ، ومع ذلك نرى أنّه قد راجت الصلاة البتراء بين أهل السنَّة في كتبهم ورسائلهم ، مع أنّ هذه البلاغات من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب أعينهم ولكنَّهم رفضوها عملاً واكتفوا بالصلاة عليه خاصة ، حتى أنّ ابن حجر الهيتمي (٨٩٩ ـ ٩٧٤ هـ) نقل كيفية الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن كتابه المطبوع مليء بالصلاة البتراء. وإليك نصّ ما قال : ويروى لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء ، قال : تقولون : اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ولا ينافي ما تقرر حذف الآل في الصحيحين ، قالوا : يا رسول اللّه : كيف نصلّي عليك؟ قال : قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذريّته ، كما صليت على إبراهيم إلى آخره.

لاَنّ ذكر الآل ثبت في روايات أُخر ، وبه يعلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ذلك كلّه فحفظ بعض الرواة مالم يحفظه الآخر(٢).

وفي الختام نذكر ما ذكره الرازي ، انّه قال : أهل بيته ساووه في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهد ، وفي السلام ، والطهارة ، وفي تحريم الصدقة ، وفي المحبّة(٣).

__________________

١. صحيح صفة صلاة النبي : ٢١٤.

٢. الصواعق المحرقة : ١٤٦ ، ط الثانية ، عام ١٣٨٥.

٣. الغدير : ٢ / ٣٠٣ ، ط طهران نقله عن تفسير الرزاي : ٧ / ٣٩١ ولم نعثر عليه في الطبعتين.

١٦٠