أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٣

يبغضني إلاّ منافق ولا يُحبّني إلاّ موَمن(١).

وقد أعرب عن ذلك الاِمام علي بن الحسين عليهما‌السلام في خطبته في جامع دمشق ، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال :

«أيّها الناس أُعطينا ستّاًو فُضِّلنا بسبع ، أعطينا : العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب الموَمنين» (٢).

ولا عجب في أنّه تبارك وتعالى سمّاهم كوثراً أي الخير الكثير ، وقال : (إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر ...) قال الرازي : الكوثر أولاده ، لاَنّ هذه السورة إنّما نزلت على من عابه عليه‌السلام بعدم الاَولاد ، فالمعنى انّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّالزمان فانظر كم قتل من أهل البيت عليهم‌السلام والعالم ممتلوَ منهم ولم يبق من بني أُمية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثمّ انظر كم كان فيها من الاَكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام (٣).

إنّ محبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين عليه‌السلام لم تكن محبة نابعة من حبه لنسَبه بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسين عليه‌السلام في الفضل والكمال والشهادة في سبيله ، ونجاة الاَُمّة من مخالب الظلم ، والثورة على الظلم والطغيان وهناك كلام للعلاّمة المجلسي يقول :

إنّ محبة المقربين لاَولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

__________________

١. بحار الاَنوار : ٤٥ / ١٣٨.

٢. تفسير الفخر الرازي : ٣٢ / ١٢٤.

٣. تفسير الفخر الرازي : ٣٢ / ١٢٤.

١٠١

النفسانية والشهوات البشرية ، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حُبَّهم ، ووُدَّهم للّه. وحُبّهم لغير اللّه إنّما يرجع إلى حبهم له ، ولذا لم يحُبَّ يعقوب من سائر أولاده مثل ماأحب يوسف عليه‌السلام منهم ، ولجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال ، وقالوا : نحن عصبة ، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له ، لاَنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا ، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحب اللّه تعالى له واصطفائه إيّاه فمحبوب المحبوب محبوب(١).

__________________

١. سفينة البحار : ١ / ٤٩٦ ، مادة حبب.

١٠٢

من سمات أهل البيت عليهم‌السلام

٣

استجابة دعائهم عليهم‌السلام

الابتهال إلى اللّه وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب أمر مرغوب ، يقوم به الاِنسان تارة بنفسه ، وأُخرى يتوصل إليه بدعاءالغير.

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه ، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه : (أُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (١) وليس كلّدعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه ، فانّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الاِنسان العادي.

نعم هناك أُناس مطهرون من الذنوب يكون دعاوَهم صاعداً إلى اللّه سبحانه ومستجاباً قطعاً ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه ، قال سبحانه : (وَلَو انّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أنفسهُمْ جاءُوكَ فاستغْفروا اللّه وَاسْتَغْفر لَهُمُ الرَّسُول لَوَجدوا اللّه تَوّاباً رَحيماً) (٢).

وقال سبحانه : (وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُول اللّه لَوّوا رُوَوسهُمْ

__________________

١. غافر : ٦٠.

٢. آل عمران : ٦٥.

١٠٣

وَرأيتهم يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (١).

ولذلك طلب أبناء يعقوب أباهم أن يستغفر في حقّهم (قالُوا يا أَبانا استَغْفِر لَنا ذُنُوبنا إنّاكُنّا خاطِئين) (٢).

ويظهر ممّا جرى بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة انّأهل البيت إذ أمَّنوا لدعاء النبيص يُستجاب دعاءه ، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة ، فحاجَّهم الرسولص ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة : (إِنَّ مَثل عيسى عِنْدَاللّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُون) (٣).

فقد قارعهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية ، حيث كانوا نصارى نجران يحتجون ببنوة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب : «بأنّ مثل المسيح كمثل آدم ، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن إبناً للّه سبحانه» وأولى منه أن لا يكون المسيح إبناً له.

ولمّا أُفحموا في المحاجة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة ، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولص ورجال النصارى ، لكن عمَّت الدعوة للاَبناء والنساء ، ليكون أولى على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ وذلك لما أودع اللّه سبحانه في قلب الاِنسان من محبة الاَولاد والشفقة عليهم ، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الاَهوال والاِخطار دونهم ، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الاَبناء على النساء ، وقال : (فَمَنْ حاجّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكََ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءُكُمْ وَنساءَناو نساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنُفسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللّه

__________________

١. المنافقون : ٥.

٢. يوسف : ٩٧.

٣. آل عمران : ٥٩.

١٠٤

عَلى الكاذِبين) (١).

وإنّ إتيانه سبحانه بلفظ الاَبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده بل أبناوَه ونساوَه ، ولذلك عدَّدتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الاَُمة ونسائهم وأبنائهم.

ثمّ إنّالمفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشاف ، قال : لما دعاهم إلى المباهلة ، قالوا : حتى نرجع وننظر.

فلّما تخالوا قالوا للعاقب ، وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : واللّه لقد عرفتم يامعشر النصارى انّمحمّداً نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، واللّه ما باهل قوم نبياً قط ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فإن أبيتم إلا اِلف دينكم والاِقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غدا محتضناً الحسين ، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه ، وعليّ خلفها ، وهو يقول : «إذا أنا دعوت فأمَّنوا».

فقال أُسقف نجران : يا معشر النصارى! إنّي لاَرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يُزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا ، ولا يبقى على وجه الاَرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا. قال : «فإذا أبيتم المباهلة ، فأسلموا ، يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم».

__________________

١. آل عمران : ٦١.

١٠٥

فأبوا ، قال : «فانّي أُناجزكم» ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ، ولا تخيفنا ، ولا تردُّنا عن ديننا ، على أن نوَدي إليك كلّ عام ألفي حلّة ، ألف في صفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعاً عادية من حديد ، فصالحهم على ذلك.

وقال : «والذي نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على روَوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا».

وعن عائشة انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ علي ، ثمّ قال : (إنّما يريداللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) (١).

الشاهدعلى استجابة دعائهم أمران :

أ : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنا دعوت فأمّنوا ، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم ، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعداً بفضل دعائهم.

ب : قول أُسقف نجران : «انّي لاَرى وجوهاً لوشاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها» والضمير يرجع إلى الوجوه ، أي لازاله بدعائهم أو لاَزاله بالقسم على اللّهبهم ، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في «العمدة» حيث قال : المباهلة بهم تصدق دعوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على اللّه بهم(٢).

__________________

١. الكشاف : ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، ط عام ١٣٦٧ هـ.

٢. العمدة : ٢٤٣.

١٠٦

وقد تركت مباهلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين ، يشهد بها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلن أسبَّه ، لاَن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول اللّه ، خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟

وسمعته يوم خيبر ، يقول : لاَُعطينّ الراية رجلاً يحب اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله.

قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّاً ، فأُتي به أرمد العين ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح اللّه على يديه.

ولما نزلت هذه الآية : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : اللّهم هوَلاء أهل بيتي(١).

__________________

١. صحيح مسلم : ٧ / ١٢٠ ، باب فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

١٠٧

من سمات أهل البيت عليهم‌السلام

٤

ابتغاء مرضاة اللّه تعالى

الاِنسان الكامل هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلاّلابتغاء مرضاة اللّه تبارك وتعالى ، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلى مكان تفنى فيه كلّالدوافع والحوافز إلاّ داع واحد وهو طلب رضى اللّه تبارك وتعالى ، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الاِنساني ، وربَّما يبلغ الاِنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع مالم يقع ، أو عدم ما وقع ، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته :

وبهجة بما قضى اللّه رضا

وذو الرضا بما قضى ما اعترضا

اعظم باب اللّه ، الرضا وُعي (١)

وخازن الجنة رضواناً دُعي

فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى

وذا ن سيّان لصاحب الرضا

عن عارف عمّر سبعين سنة

إن لم يقل رأساً لاَشيا كائنة

يا ليت لم تقع ولا لما ارتفع

مماّ هو المرغوب ليته وقع (٢)

__________________

١. إشارة إلى ما روي انّ الرضا باب اللّه الاَعظم.

٢. شرح منظومة السبزواري : ٣٥٢.

١٠٨

وممَّن يمثل ذلك المقام في الاَُمّة الاِسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين علي أمير الموَمنين عليه‌السلام فهو في عامة مواقفه في جهاده ونضاله ، وعزلته وقعوده في بيته ، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الاَُمّة ، فهو في كلّهذه الاَحوال والمواقف ، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى.

وقد صرح الاِمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة ، فقال : «أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لاَلقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولاَلفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ» (١).

وقد تجلت هذه الخصلة في علي عليه‌السلام حين مبيته في فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

روى المحدّثون أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب عليه‌السلام بمكة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : يا علي اتَّشح ببردي الحضرمي الاَخضر ، ثمّ نم على فراشي ، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه ، إن شاء اللّه عزّوجلّ ، ففعل ذلك عليه‌السلام فأوحى اللّه عزّوجلّ إلى جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يوَثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويوَثره بالحياة ، اهبطا إلى الاَرض فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

__________________

١. نهج البلاغة : الخطبة ٣.

١٠٩

فقال جبرئيل : بخ بخ مَن مثلك يابن أبي طالب؟ يباهي اللّه بك الملائكة ، فأنزل اللّه تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب عليه‌السلام : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَمَرْضاتِ اللّه) (١).

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ علي عليه‌السلام.

وقال ابن عباس : أنشدني أمير الموَمنين شعراً قاله في تلك الليلة :

وقيت بنفسي من وطىَ الحصا

وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبتَّ أراعي منهم ما يسوءني

وقد صَّبرت نفسي على القتل والاَسر

وبات رسول اللّه في الغار آمناً

ومازال في حفظ الاِله وفي الستر (٢)

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسان بن ثابت في شعره عند مدح علي عليه‌السلام :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا

وأسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمد اسرى يوَم الغارا

من كان في القرآن سمّي

في تسع آيات تلين غزارا (٣)

محاولة طمس الحقيقة لولا ...

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهمية هذا العمل التضحويّ العظيم دفعت بكبار علماء الاِسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الاِمام علي عليه‌السلام ، وإلى أن

__________________

١. البقرة : ٢٠٧.

٢. شواهد التنزيل : ١ / ١٣٠؛ أُسد الغابة : ٤ / ٢٥.

٣. سبط ابن الجوزى : تذكرة الخواصّ : ٢٥ ، ط عام ١٤٠١ هـ.

١١٠

يَصِفُوا بها علياً بالفداءو البذل والاِيثار ، وإلى أن يعتبروا نزول الآيةالمذكورة في شأنه من المسلّمات ، كلّما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها(١).

إنّ هذه الحقيقة ممّا لا ينسي أبداً ، فانّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلاّ أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الاَوهام ، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إنّ معاداة معاوية لاَهل بيت النبوة وبخاصة للاِمام أمير الموَمنين علي عليه‌السلام ممّا لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلوّث صفحات التاريخ اللامعة ويخفي حقائقه بوضع الاَكاذيب ، ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد «سمرة بن جندب» الذي أدرك عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انضمّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بلاط معاوية بالشام ، عمد إلى تحريف الحقائق لغاية أموال أخذها من الجهاز الاَموي ، الحاقد على أهل البيت.

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن علي عليه‌السلام ، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليّ (أي عبد الرحمن بن ملجم المرادي) ، ويأخذ في مقابل هذه الاَُكذوبة الكبرى ، وهذا الاختلاق الفضيع الذي أهلك به دينه ، مائة ألف درهم.

فلم يقبل «سمرة» بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمائة ألف درهم ، فقبل الرجل بذلك ، فقام بتحريف الحقائق الثابتة ، مسوَّداً

__________________

١. الغدير : ٢ / ٤٨.

١١١

بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل ، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية(١).

وقبل السامعون البسطاء قوله ، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً انّ (عبد الرحمن بن ملجم) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك. فكيف يصحّ؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية ، ولا يمكن أن تُنسى بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.

فقد زالت حكومة معاوية وزال معها أعوانها ، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشوَوم ، وطلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرة أُخرى ، واعترف أغلبُالمفسرين الاَجلّة والمحدّثين الاَفاضل ـ في العصور والاَدوار المختلفة ـ بأنّ الآية المذكورة نزلت في «ليلة المبيت» في بذل علي عليه‌السلام ومفاداته النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه.

__________________

١. لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٧٣.

١١٢

من سمات أهل البيت عليهم‌السلام

٥

الاِيثار

إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الاِيثار في كتابه الكريم وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم ، يقول سبحانه في وصف الاَنصار : (وَالّذِينَ تَبَوَّءُو الدّارَ وَالاِِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّون َ مَنْ هاجَرَإِليْهِمْ وَلا يَجِدُونَ في صُدُورِهمْ حَاجةً مِمّا أُوتوا ويُوَْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْكانَ بِهِمْ خَصاصَة وَمَنْ يوقَ شُحَّ نَفْسهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) (١).

كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر ، قال سبحانه : (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نذر فَانَّ اللّهَ يعلمهُ) (٢) ، وقال سبحانه : (ثُمَّ لْيقضُوا تَفثهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورهُمْ) (٣).

وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه يقول سبحانه : (يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوب وَالاََبْصار ...) (٤). وقال سبحانه : (وَالّذِينَ يصلُونَ ما أَمَر اللّه بهِ

__________________

١. الحشر : ٩.

٢. البقرة : ٢٧٠.

٣. الحجّ : ٢٩.

٤. النور : ٣٧.

١١٣

أَنْ يُوصل وَيَخشونَ ربّهم ويخافُونَ سُوء الحِساب) (١).

ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلىّ بها أولياوَه سبحانه ، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيت عليهم‌السلام في سورة واحدة ، يقول سبحانه :

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوماًكانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً * وَيطعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه لا نُريدُ مِنْكُمْ جزاءً وَلا شكوراً * إِنَّا نَخاف مِنْ رَبِّنا يَوماً عَبُوساً قَمْطَريراً) (٢).

فقوله سبحانه : (ويُطْعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّه) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم ، والضمير في (عَلى حُبِّهِ) يرجع إلى الطعام أي انّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم ، كما أنّ قوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْر ...) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض.

ثمّ قوله : (وَيَخافُونَ يَوماً) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة.

وقد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلّهم ، انّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام.

روي عن ابن عباس (رض) انّ الحسن والحسين عليهما‌السلام مرضا فعادهما رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أُناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لونذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ، إن شفاهما اللّه تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم

__________________

١. الرعد : ٢١.

٢. الاِنسان : ٧ ـ ١٠.

١١٤

شيء ، فاستقرض علي عليه‌السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنة ، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلاّالماء وأصبحوا صائمين.

فلماّ أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ووقف عليهم يتيم فآثروه ، وجاءهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي عليه‌السلام بيد الحسن والحسين عليهما‌السلام ودخلوا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلماّ أبصرهم ، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك.

فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال : خذها يا محمّد هنّأك اللّهُ في أهل بيتك ، فاقرأها السورة(١).

روى السيوطي في الدر المنثور ، وقال : اخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (ويُطعمون الطَّعام على حُبِّهِ) الآية ، قال : نزلت هذه الآيةفي علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

ورواه الثعلبي في تفسيره ، وقال : نزلت في علي بن أبي طالب وفاطمة عليهما‌السلام وفي جاريتهما فضة ، ثمّذكر القصة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة.

وقال : وذهب محمّد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه

__________________

١. الكشاف : ٣ / ٢٩٧؛ تفسير الفخر الرازي : ٣٠ / ٢٤٤.

٢. الدر المنثور : ٨ / ٣٧١ ، تفسير سورة الاِنسان.

١١٥

المعروف بـ «البلغة» انّهم عليهم‌السلام نزلت عليهم‌السلام مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام ، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب(١).

وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيت عليهم‌السلام غير واحد من أئمّة الحديث(٢).

__________________

١. ابن البطريق : العمدة : ٢ / ٤٠٧ ـ ٤١٠.

٢. شواهد التنزيل للحافظ الحاكم الحسكاني : ٢ / ٤٠٥ ـ ٤٠٨؛ أُسد الغابة : ٥ / ٥٣٠؛ مناقب ابن المغازلي : ٢٧٢.

١١٦

من سمات أهل البيت عليهم‌السلام

٦

هم خير البريّة

إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن باللّه ورسوله وعرف خالقه ومنعمه ، وقد قال سبحانه : (لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَنْآمَنَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وََالمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ وَآتَى المالَ عَلى حُبّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتامَى وَالْمَساكينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسّائلينَ وَفِي الرِّقابِ وأقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذاعَاهَدُوا وَالصَّابِرينَ فِي البَأْساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَأْس أُولئكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ الْمُتَّقُون) (١).

وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها ، متمثلة في أهل البيت عليهم‌السلام شهد على ذلك سيرتهم ، ولذلك صاروا خير البرية.

أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه : (إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُالْبَرِيَّة) (٢). باسناده عن أبي الجارود ، عن محمد بن علي ، قال : قال

__________________

١. البقرة : ١٧٧.

٢. البيّنة : ٧.

١١٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت يا علي وشيعتك» (١).

روى الخوارزمي عن جابر قال : كنّا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول اللّه : «قد أتاكم أخي» ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال : «والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة» ، ثمّ قال : «إنّه أوّلكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد اللّه ، وأقومكم بأمر اللّه ، وأعدلكم في الرعيّة ، وأقسمكم بالسوّية ، وأعظمكم عند اللّه مزيّة» ، قال : وفي ذلك الوقت نزلت فيه : (إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة) ، وكان أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليّ ، قالوا : قد جاء خير البرية(٢).

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه ، عن يزيد بن شراحيل الاَنصاري ، كاتب علي عليه‌السلام ، قال سمعت عليّاً ، يقول : «حدَّثني رسول اللّه وأنا مُسْنده إلى صدري ، فقال : «أي عليّ»! ألم تسمع قول اللّه تعالى : (إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة)؟ أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاَُمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين(٣).

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عباس ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة ، أنت وهم راضين مرضيين ، ويأتي أعداوَك غضاباً مقمحين» (٤).

__________________

١. تفسير الطبري : ٣٠ / ١٤٦.

٢. المناقب للخوارزمي : ٦٦.

٣. المناقب للخوارزمي : ١٧٨.

٤. الفصول : ١٢٢.

١١٨

من سمات أهل البيت عليهم‌السلام

٧

أهل البيت عليهم‌السلام ورثة الكتاب

اختلفت الاَُمّة الاِسلامية بعد رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الخلافة ـ وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد ـ وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الاِمامة من هذا الجزء.

والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله ـ سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة ـ.

والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الاَُمّة في أُصول الدين وفروعه ، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه ، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة.

يقول سبحانه : (وَالّذي أَوحَيْنا إِلَيْكَ الكِتابَ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللّه بِعِبادِهِ لَخبير بَصير * ثُمَّ أَورَثْنَا الكِتاب الّذينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالخَيرات بِإِذْنِ اللّه ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

١١٩

الكَبير) (١).

المراد من الكتاب في قوله (أوحينا إليك الكتاب) هو القرآن بلا شكّ وكونه حقّاً لاَجل براهين قطعية تُثبت انّه منزل من ربّه فانّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الاِنسانية والقصص الواردة فيها مصونة من الاَساطير ، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ. ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب السماوي.

هذا هومفاد الآية الاَُولى.

ثمّ إنّه سبحانه يقول : (ثُمَّ أَورَثْنا الكتاب) المراد من الكتاب هو القرآن : لاَنَّ الّلام للعهد الذكري أي الكتاب المذكور في الآية المتقدمة ، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الاِنسان بلا مشقة وجهد ، والوارث لهذا الكتاب هم الذين ُأشير إليهم بقوله : (الذين اصطفينا من عبادنا) ، فلو قلنا بأنّ «من» للتبيين فيكون الوارث هو الاُمة الاِسلامية جميعاً ، ولو قلنا : إنّ «مِن» للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب.

والظاهر هو التبيين كما في قولنا : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِه الّذينَ اصْطَفى) (٢).

ولكن الاَُمة الاِسلامية صاروا على أقسام ثلاثة :

أ : ظالم لنفسه الَّذين قصرَّوا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم ، فلذلك صاروا ظالمين لاَنفسهم.

ب : مقتصد : الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ والعمل لكن لا بنحو كامل

__________________

١. فاطر : ٣١ ـ ٣٢.

٢. النمل : ٥٩.

١٢٠