السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٥
واليابس في سبيل هذا الدين ..
ولو كان كافراً؛ فلماذا يتحمل كل ذلك؟!
ولماذا لم نسمع عنه ولو كلمة عتاب أو تذمر مما جرَّه عليه النبي محمد صلىاللهعليهوآله؟!.
واحتمال : أن يكون قد طمع بمقام دنيوي أعظم.
يرده : أن الطامع إنما يسعى للحفاظ على حياته لينال ما طمع به ، أما أبو طالب فكان على استعداد لأن يقتل هو وجميع أولاده ، وعشيرته في سبيل هذا الدين.
تشنيع الأعداء :
وقد استدل سبط ابن الجوزي على إيمانه بأنه لو كان أبو الإمام علي عليهالسلام كافراً لكان شنع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعدائه عليهالسلام ، مع أنه عليهالسلام كان يذمهم ، ويزري عليهم بكفر الآباء والأمهات ، ورذالة النسب (١).
أشعاره الصريحة بالإيمان :
تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً؛ فإنها كلها ناطقة بإيمانه وإسلامه.
ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله :
__________________
(١) راجع : أبو طالب مؤمن قريش ٢٧٢ / ٢٧٣ ط سنة ١٣٩٨ ه. عن تذكرة الخواص.
إن كل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، من حيث مجموعها (١).
فمن الشواهد على توحيده ، قوله :
مليك الناس ليس له شريك |
|
هو الوهاب ، والمبدئ المعيد |
ومن تحت السماء له بحق |
|
ومن فوق السماء له عبيد |
ومن الشواهد على إيمانه بنبوة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، نذكر :
١ ـ ألم تعلموا : أنا وجدنا محمداً |
|
نبياً كموسى خط في أول الكتب |
٢ ـ نبي أتاه الوحي من عند ربه |
|
ومن قال : لا ، يقرع بها سن نادم |
٣ ـ يا شاهد الله علي فاشهد |
|
إني على دين النبي أحمد |
٤ ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه |
|
عليك نزل من ذي العزة الكتب |
٥ ـ أنت النبي محمد |
|
قرم أغر مسوَّد |
٦ ـ أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب |
|
على نبي كموسى أو كذي النون |
٧ ـ وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى |
|
وأمر أتي من عند ذي العرش قيم |
٨ ـ لقد أكرم الله النبي محمداً |
|
فأكرم خلق الله في الناس أحمد |
٩ ـ وخير بني هاشم أحمد |
|
رسول الإله على فترة (٢) |
__________________
(١) شرح النهج ج ١٤ ص ٧٨ والبحار ج ٣٥ ص ١٦٥.
(٢) وقيل : إن قائل هذا البيت هو طالب بن أبي طالب. راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٧٨. إلا أن يقال : إنه قاله على سبيل التمثل بشعر أبيه (رحمهالله).
١٠ ـ والله لا أخذل النبي ولا |
|
يخذله من بني ذو حسب |
١١ ـ وقال رحمهالله يخاطب ملك الحبشة ، ويدعوه إلى الإسلام :
أتعلم ملك الحبش أن محمداً |
|
نبياً كموسى والمسيح ابن مريم |
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به |
|
فكل بأمر الله يهدي ويعصم |
وإنكم تتلونه في كتابكم |
|
بصدق حديث لا حديث الترجم |
فلا تجعلوا لله ندا فأسلموا |
|
فإن طريق الحق ليس بمظلم |
١٢ ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة رحمهالله :
فصبراً أبا يعلى على دين أحمد |
|
وكن مظهراً للدين وفقت صابراً |
وحط من أتى بالحق من عند ربه |
|
بصدق وعزم لا تكن حمز كافراً |
فقد سرني أن قلت : إنك مؤمن |
|
فكن لرسول الله في الله ناصراً |
وباد قريشاً في الذي قد أتيته |
|
جهاراً ، وقل : ما كان أحمد ساحراً |
١٣ ـ نصرت الرسول رسول المليك |
|
ببيض تلالا كلمع البروق |
أذب وأحمى رسول الإله |
|
حماية حام عليه شفيق |
١٤ ـ لقد علموا : أن ابننا لا مكذب |
|
لدينا ولا نعبأ بقول الأباطل |
١٥ ـ أقيم على نصر النبي محمد |
|
أقاتل عنه بالقنا والقنابل |
١٦ ـ أنت ابن آمنة النبي محمد |
|
عندي بمثل منازل الأولاد |
١٧ ـ ألا إن أحمد قد جاءهم |
|
بحق ولم يأتهم بالكذب |
١٨ ـ أوصي بنصر نبي الخير مشهده |
|
علياً ابني وشيخ القوم عباسا |
١٩ ـ ودعوتني وعلمت أنك صادق |
|
ولقد صدقت وكنت ثم أميناً |
ولقد علمت بأن دين محمد |
|
من خير أديان البرية ديناً |
وأشعار أبي طالب عليهالسلام الناطقة بإيمانه كثيرة ، وقد اقتصرنا منها على هذا القدر؛ لنفسح المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ، ويقال في هذا الموضوع.
مدائح أبي طالب عليهالسلام للنبي صلىاللهعليهوآله :
قال المعتزلي : «قلت : كان صديقنا علي بن يحيى البطريق رحمهالله يقول : لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب ، وهو شيخ قريش ، ورئيسها ، وذو شرفها ، يمدح ابن أخيه محمداً وهو شاب قد ربي في حجره. وهو يتيمه ومكفوله ، وجار مجرى أولاده بمثل قوله :
وتلقوا ربيع الأبطحين محمداً |
|
على ربوة في رأس عنقاء عيطل |
وتأوي إليه هاشم إن هاشماً |
|
عرانين كعب آخر بعد أول |
ومثل قوله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
يطيف به الهلاك من آل هاشم |
|
فهم عنده في نعمة وفواضل |
فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس ، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء.
فإذا تصورت : أنه شعر أبي طالب ، ذاك الشيخ المبجل العظيم في النبي محمد صلىاللهعليهوآله. وهو شاب مستجير به ، معتصم بظله من قريش ، قد رباه في حجره غلاماً ، وعلى عاتقه طفلاً ، وبين يديه شاباً.
يأكل من زاده ، ويأوي إلى داره ، علمت موضع خاصية النبوة وسرها ، وأن أمره كان عظيماً» (١).
كما أن قصيدته اللامية تلك التي يقول فيها :
وأبيض يستسقى .. الخ ..
وهي طويلة ، وكان بنو هاشم يعلمونها أطفالهم (٢) فيها الكثير مما يدل على إيمانه العميق الصادق ، وقد ذكرها ابن هشام وابن كثير ، وغيرهم.
وهي ظاهرة الدلالة علىعظمة الرسول صلىاللهعليهوآله في نفس أبي طالب عليهالسلام ، وهي عظمة أوجبت خضوع قلبه له صلىاللهعليهوآله ، وتعامله معه تعامل التابع ، المؤمن المصدق ، والمسرور بهذا الإيمان ، والمبتهج بذلك التصديق ، والملتذ بذلك الانقياد.
النار محرمة على أبي طالب عليهالسلام :
ومما يدل على إيمانه ما روي عنه صلىاللهعليهوآله : أن الله عز وجل قال له على لسان جبرئيل : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك.
أما الصلب فعبد الله ، وأما البطن فآمنة ، وأما الحجر فعمه ، يعني أبا
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٣ وماذا في التاريخ ج ٣ ص ١٩٦ / ١٩٧ عنه.
(٢) مقاتل الطالبيين ص ٣٩٦.
طالب عليهالسلام ، وفاطمة بنت أسد. وبمعناه غيره مع اختلاف يسير (١).
النبي صلىاللهعليهوآله يحب عقيلاً حبين :
ومما يدل دلالة واضحة على إيمانه : حب النبي صلىاللهعليهوآله إياه ، حتى لقد روي عن ابن عباس؛ قال : قال علي للنبي صلىاللهعليهوآله : إنك لتحب عقيلاً.
قال : إي والله إني لأحبه حبين ، حباً له ، وحباً لحب أبي طالب له. وإن ولده لمقتول في محبة ولدك .. الخ .. (٢).
ورسول الله صلىاللهعليهوآله لا يحب أعداء الله سبحانه ، ولا يحب إلا من يحبه الله.
كان على دين الله :
وكان الإمام علي عليهالسلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليهالسلام ، وأن يدوَّن ، وقال : تعلموه ، وعلموه أولادكم ، فإنه كان على دين
__________________
(١) أصول الكافي ج ١ ص ٣٧١ والبحار ج ٣٥ ص ١٠٩ والتعظيم والمنة للسيوطي ص ٢٧ وراجع : روضة الواعظين ص ١٣٩ وشرح النهج ج ١٤ ص ٦٧ والغدير ج ٧ ص ٣٧٨ عنهم ، وعن : كتاب الحجة لابن معد ص ٨ ، وتفسير أبي الفتوح ج ٤ ص ٢١٠.
(٢) البحار ج ٢٢ ص ٢٨٨ وج ٤٤ ص ٢٨٨ والعوالم للبحراني ص ٣٤٩ ومعجم رجال الحديث للخوئي ج ١٩ ص ١٦٦ عن أمالي الصدوق وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٢٢ عن أمالي الصدوق أيضاً.
الله ، وفيه علم كثير (١).
المسلم المؤمن :
وعن أبي بصير عن الإمام الباقر عليهالسلام ، قال : مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً (٢).
خلاصة جامعة :
وبعد كل ما تقدم نقول : إن إسلام أي شخص أو عدمه ، إنما يستفاد من أمور أربعة :
١ ـ من مواقفه العملية ، ومعلوم أن مواقف أبي طالب عليهالسلام ، قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين.
٢ ـ من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، وقد تقدم قدر كبير من ذلك في شعره وفي غيره في المناسبات المختلفة.
٣ ـ من موقف نبي الإسلام ورائد الحق الذي لا ينطق عن الهوى. والموقف الرضي هذا أيضاً ثابت منه صلىاللهعليهوآله تجاه أبي طالب عليهالسلام على أكمل وجه.
__________________
(١) راجع : البحار ج ٣٥ ص ١١٥ والغدير ج ٧ ص ٣٩٤ والكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ج ١ ص ١٠٩.
(٢) البحار ج ٣٥ ص ١١٦ وأبو طالب حامي الرسول لنجم الدين العسكري ص ١٩١ والغدير ج ٧ ص ٣٩٠.
٤ ـ من إخبار المطلعين على أحواله عن قرب ، وعن حس ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه.
وقد قلنا : إنهم مجمعون على ذلك.
بل إن نفس القائلين بكفره لما لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية ، حاولوا : أن يخدعوا العامة بكلام مبهم ، لا معنى له؛ فقالوا :
«إنه لم يكن منقاداً»!! (١).
كل ذلك رجماً بالغيب ، وافتراء على الحق والحقيقة ، من أجل تصحيح ما رووه عن المغيرة بن شعبة وأمثاله من أعداء آل أبي طالب عليهالسلام ، كما سنشير إليه حين ذكر أدلتهم الواهية إن شاء الله تعالى.
رواياتهم تدل أيضاً على إيمانه :
ومن أجل أن نوفي أبا طالب عليهالسلام بعض حقه ، نذكر بعض ما يدل على إيمانه من الروايات التي رويت في مصادر غير الشيعة عموماً ونترك سائره ، وهو يعد بالعشرات ، لأن المقام لا يتسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة ، نجملها في العناوين التالية :
النبي صلىاللهعليهوآله يرجو الخير لأبي طالب عليهالسلام :
قال العياص : يا رسول الله ، ما ترجو لأبي طالب؛ قال : كل الخير
__________________
(١) راجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٤٤ / ٤٧ ، والإصابة ج ٤ ص ١١٦ / ١١٩.
أرجوه من ربي (١).
أبو بكر فرح بإسلام أبي طالب عليهالسلام :
جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يقوده ، وهو شيخ أعمى ، يوم فتح مكة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ألا تركت الشيخ في بيته حتى نأتيه؟!
قال : أردت أن يؤجره الله. لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشد فرحاً مني بإسلام أبي ، ألتمس بذلك قرة عينك الخ (٢).
والعلامة الأميني في الغدير ، لا يوافق على أن يكون الرسول صلىاللهعليهوآله قد قال لأبي بكر : ألا تركت الشيخ حتى نأتيه.
ونحن نوافقه على ذلك أيضاً ، فإن الشيوخ الذين أسلموا على يديه صلىاللهعليهوآله كثيرون ، وكان إسلام كثير منهم أصح من إسلام أبي قحافة.
وربما تكون هذه العبارة زيادة من بعض المتزلفين ، كما عودونا في أمثال هذه المناسبات.
__________________
(١) الأذكياء ص ١٢٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٨ ، وطبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ٧٩ ط ليدن ، والبحار ج ٣٥ ص ١٥١ و ١٠٩.
(٢) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٧٤ عن الطبراني والبزار ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٤٤ عن المجمع ، والإصابة ج ٤ ص ١١٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٩.
التشهد قبل الموت :
قال المعتزلي : «روي بأسانيد كثيرة ، بعضها عن العباس بن عبد المطلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله» (١).
وتقدم في شعره تصريحات كثيرة بذلك أيضاً.
استغفار النبي صلىاللهعليهوآله له :
وفي المدينة حينما استسقى النبي صلىاللهعليهوآله لأهلها ، فجاءهم الغيث ، ذكر صلىاللهعليهوآله أبا طالب عليهالسلام ، وقال صلىاللهعليهوآله :
لله در أبي طالب ، لو كان حياً لقرت عينه ، من ينشدنا قوله .. فأنشده الإمام علي عليهالسلام من قصيدته أبياتاً فيها قوله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
ورسول الله صلىاللهعليهوآله يستغفر لأبي طالب عليهالسلام على المنبر (٢).
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٧١ ، وراجع : الغدير ج ٧ ص ٣٦٩ عن البداية والنهاية ج ٣ ص ١٢٣ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٨٧ والإصابة ج ٤ ص ١١٦ ، وعيون الأثر ج ١ ص ١٣١ ، والمواهب اللدنية ج ١٠ ص ٧١ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٧٢ والسيرة النبوية لدحلان بهامشها ج ١ ص ٨٩ ، وأسنى المطالب ص ٢٠ ودلائل النبوة للبيهقي ، وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٢٠ وكشف الغمة للشعراني ج ٢ ص ١٤٤.
(٢) راجع : عيون الأنباء ص ٧٠٥ وشيخ الأبطح ص ٥٥ و ٥٦ عن شرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ٣١٦.
تشيع جنازته ومراسم دفنه :
ولما مات أبو طالب عليهالسلام تبع رسول الله صلىاللهعليهوآله جنازته ، مع أنهم يروون أن ثمة نهياً عن المشي في جنازة المشرك.
كما أنهم يروون أنه صلىاللهعليهوآله أمر الإمام علياً عليهالسلام بأن يغسله ويكفنه ويواريه (١).
وحين التشييع اعترض النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله نعشه ، وقال : برقة وحزن وكآبة : وصلت رحماً ، وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ، ونصرت وآزرت كبيراً (٢).
__________________
(١) راجع في كل ذلك : تذكرة الخواص ص ٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٨١ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٧ والمصنف ج ٦ ص ٣٨ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٨٧ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥ ، وطبقات ابن سعدج ١ ص ٧٨ وتاريخ بغداد للخطيب ج ٣ ص ١٢٦ ، وج ١٣ ص ١٩٦ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٥ ، والطرائف لابن طاووس ص ٣٠٥ عن الحنبلي في نهاية الطلب والبحار ج ٣٥ ص ١٥١ والتعظيم المنة ص ٧ ولسان الميزان ج ١ ص ٤١. والإصابة ج ٤ ص ١١٦ ، والغدير ج ٧ ص ٣٧٢ و ٣٧٤ / ٣٧٥ عمن ذكر ، وعن : شرح شواهد المغني للسيوطي ص ١٣٦ ، وأعلام النبوة للماوردي ص ٧٧ ، وبدايع الصنايع ج ١ ص ٢٨٣ ، وعمدة القاري ج ٣ ص ٤٣٥ ، وأسنى المطالب ص ١٥ و ٢١ و ٣٥ وطلبة الطالب ص ٤٣. ودلائل النبوة للبيهقي والبرزنجي ، وابن خزيمة ، وأبي داود ، وابن عساكر.
(٢) راجع : البحار ج ٣٥ ص ١٢٥ و ١٦٣ ، وراجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٧٦ والإصابة ج ٧ ص ١١٣ ط مصر سنة ١٣٢٥ هـ وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج ٢ ص ٥٥٧ والغدير ج ٧ ص ٣٨٦ والدرجات الرفيعة لابن معصوم ص ٦٢.
لماذا لم يأمر بالصلاة عليه؟ :
وإنما لم يأمر علياً عليهالسلام بالصلاة عليه ، لأن صلاة الجنازة لم تكن فرضت بعد.
ولأجل ذلك قالوا : إن خديجة لم يصل عليها النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله حينما توفيت ، مع أنها سيدة نساء العالمين.
وقد فصلت ذلك الرواية التي رواها علي بن ميثم ، عن أبيه عن جده : أنه سمع علياً عليهالسلام يقول : تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته ، وأوصاني أن أدفنه في قبره ، فأخبرت رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك ، فقال : اذهب فواره ، وانفذ لما أمرك به.
فغسلته ، وكفنته ، وحملته إلى الجحون ، ونبشت قبر عبد المطلب ، فرفعت الصفيح عن لحده ، فإذا هو موجه إلى القبلة ، فحمدت الله تعالى على ذلك ، ووجهت الشيخ ، وأطبقت الصفيح عليهما ، فأنا وصي الأوصياء وورثت خير الأنبياء.
قال ميثم : والله ما عَبَدَ علي ، ولا عَبَدَ أحد من آبائه غير الله تعالى ، إلى أن توفاهم الله تعالى (١).
رثاء علي عليهالسلام لأبيه :
وقد رثاه ولده الإمام علي عليهالسلام حينما توفي بقوله :
__________________
(١) سفينة البحار ج ٥ ص ٣٢١.
أبا طالب عصمة المستجير |
|
وغيث المحول ونور الظلم |
لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ |
|
فصلى عليك ولي النعم |
ولقاك ربك رضوانه |
|
فقد كنت للطهر من خير عم (١) |
ولا أبو سفيان كأبي طالب عليهالسلام :
وكتب أمير المؤمنين عليهالسلام رسالة مطولة لمعاوية جاء فيها :
«ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق» (٢).
فإذا كان أبو طالب عليهالسلام كافراً وأبو سفيان مسلماً ، فكيف يفضل الكافر على المسلم ، ثم لا يرد عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان؟.
ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً؛ فإن أبا سفيان هو الذي قال : «إنه لا يدري ما جنة ولا نار» كما ذكرناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم في أواخر غزوة أحد (٣).
__________________
(١) تذكرة الخواص ص ٩.
(٢) صفين لنصر بن مزاحم ص ٤٧١ والفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ٢٦٠ ، ونهج البلاغة الذي بهامشه شرح الشيخ محمد عبده ج ٣ ص ١٨ الكتاب رقم ١٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ١١٧ والإمامة والسياسة ج ١ ص ١١٨ ، والغدير ج ٣ ص ٢٥٤ عنهم ، وعن : ربيع الأبرار للزمخشري باب ٦٦ ، وعن مروج الذهب ج ٢ ص ٦٢. وراجع أيضاً : مناقب الخوارزمي الحنفي ص ١٨٠.
(٣) الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله ج ٦ ص ٢٧٣.
ويلاحظ هنا أيضاً : أن أمير المؤمنين عليهالسلام يشير في كلامه الآنف الذكر إلى عدم صفاء نسب معاوية ، ولهذا البحث مجال آخر.
أبو طالب عليهالسلام الداعية إلى الإسلام :
كما أن أبا طالب عليهالسلام الذي يدعو ملك الحبشة إلى الإسلام ، هو الذي دعا ولده جعفراً إلى ذلك ، وأمره بأن يصل جناح ابن عمه في الصلاة (١).
وهو أيضاً الذي دعا زوجته فاطمة بنت أسد إلى الإسلام (٢).
وأمر حمزة بالثبات على هذا الدين ، وأظهر سروره بإسلامه ومدحه على ذلك.
وكذلك الحال بالنسبة لولده أمير المؤمنين عليهالسلام.
الاعتراف بممارسة التقية :
وقد صرح أبو طالب عليهالسلام في وصيته بأنه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأن ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآله قد قبله الجنان وأنكره اللسان؛ مخافة الشنآن. وأوصى قريشاً
__________________
(١) راجع : الاوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ١٥٤ ، وروضة الواعظين ص ١٤٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٦٩ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٩ وأسنى المطالب ص ١٧ والإصابة ج ٤ ص ١١٦ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٨٧ والغدير ج ٧ ص ٣٥٧.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٧٢.
بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة (١).
موقف النبي صلىاللهعليهوآله من أبي طالب عليهالسلام :
ثم هناك ترحم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وجزعه عليه عند موته (٢).
ولا يصح الترحم إلا على المسلم ، ولأجل ذلك قال صلىاللهعليهوآله لسفانة بنت حاتم الطائي : لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه (٢).
أنا على دين أبي طالب عليهالسلام :
وحمل محمد بن الحنفية يوم الجمل على رجل من أهل البصرة ، قال : فلما غشيته قال : أنا على دين أبي طالب ، فلما عرفت الذي أراد كففت عنه (٣).
__________________
(١) الروض الأنف ج ٢ ص ١٧١ وثمرات الأوراق ص ٩٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٠١ / ٣٠٢ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٥٢ والبحار ج ٣٥ ص ١٠٧ والغدير ج ٧ ص ٣٦٦ عن مصادر أخرى.
(٢) تذكرة الخواص ص ٨.
(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٥ وكنز العمال ج ٣ ص ٦٦٤ وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج ١١ ص ٣٥٩ وج ٦٩ ص ٢٠٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٨٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٣٢ وسبل الهدى والرشاد للشامي ج ٦ ص ٣٧٧ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٤٠٠ ..
(٤) طبقات ابن سعد ج ٥ ص ٦٧ ط ليدن.
شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله له :
وورد عنه صلىاللهعليهوآله أيضاً قوله : إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي ، وأمي ، وعمي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية (١).
إقراره على زواجه بمسلمة :
وسئل الإمام السجاد عليهالسلام عن إيمان أبي طالب عليهالسلام ، فقال :
واعجباً ، إن الله نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات (٢).
ونزول آية النهي عن الإمساك بعصم الكوافر في المدينة ، لا يوجب بطلان هذه الرواية ، لإمكان أن يكون النهي عن ذلك نهياً قولياً على لسانه صلىاللهعليهوآله ، قبل نزول القرآن.
وعدم خضوع بعض المسلمين لذلك حينئذ ربما كان لظروف معينة فرضت عليهم ذلك.
__________________
(١) ذخائر العقبى ص ٧ عن تمام الرازي في فوائده ، والدرج المنيفة للسيوطي ص ٨ ومسالك الحنفا ص ١٤ عن أبي نعيم وغيره وذكر أن الحاكم صححه ، وتفسير القمي ج ١ ص ٣٨٠ وتفسير البرهان ج ٢ ص ٣٥٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٣٢.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٨ ، والغدير ج ٧ ص ٣٨١ و ٣٨٩ عنه وعن : كتاب الحجة ص ٢٤ ، والدرجات الرفيعة ، وضياء العالمين ، وادَّعي تواتر هذا الحديث عندنا.
من لم يقر بإيمان أبي طالب عليهالسلام :
وأخيراً ، فقد كتب بعضهم يسأل الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام عن إسلام أبي طالب عليهالسلام ، فإنه قد شك في ذلك ، فكتب عليهالسلام إليه : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) (١).
وبعدها : إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار (٢).
دفاع النبي صلىاللهعليهوآله عن أبي طالب عليهالسلام :
وسيأتي في غزوة بدر : أن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله لم يقبل من شهيد بدر عبيدة بن الحارث أن يعرض بعمه أبي طالب عليهالسلام ، ولو بمثل أن يقول : إني أولى بما قال منه.
بعد قتل الفرسان الثلاثة :
وفي بدر العظمى ، وبعد قتل عتبة وشيبة والوليد ، وقطع رجل عبيدة بن الحارث ، حمل حمزة والإمام علي عليهماالسلام عبيدة بن الحارث من المعركة ، وأتيا به إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وألقياه بين يديه ، وإن مخ ساقه ليسيل ، فاستعبر ، وقال : يا رسول الله ، ألست شهيداً؟!
قال : بلى ، أنت أول شهيد من أهل بيتي (مما يشير إلى أنه لسوف
__________________
(١) الآية ١١٥ من سورة النساء.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٨ والغدير ج ٧ ص ٣٨١ و ٣٩٤ عن الكراجكي ص ٨٠ ، وكتاب الحجة لابن معد ص ١٦ ، والدرجات الرفيعة والبحار وضياء العالمين.
تأتي قافلة من الشهداء من أهل بيته صلىاللهعليهوآله ، وهكذا كان).
فقال عبيدة : أما لو كان عمك حياً لعلم أني أولى بما قال منه ، قال : وأي أعمامي تعني؟
قال : أبو طالب ، حيث يقول :
كذبتم وبيت الله يُبْزى محمد |
|
ولما نطاعن دونه ونناضل |
ونسلمه حتى نصرع دونه |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
فقال صلىاللهعليهوآله : أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟!.
قال : يا رسول الله ، أسخطت علي في هذه الحالة؟
قال : ما سخطت عليك ، ولكن ذكرت عمي ، فانقبضت لذلك (١).
وبلغ عبيدة مع النبي صلىاللهعليهوآله الصفراء ، فمات ، فدفن بها ..
__________________
(١) راجع : تفسير القمي ج ١ ص ٢٦٥ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٥٥ ، وفي شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٨٠ : أن رسول الله استغفر له ولأبي طالب يومئذ. والغدير ج ٧ ص ٣١٦.
وفي نسب قريش لمصعب ص ٩٤ : أن عبيدة قال : «يا رسول الله ليت أبا طالب حيا حتى يرى مصداق قوله إلخ».
وربما يقال : إن هذا هو الأنسب بأدب عبيدة وإخلاصه ، ولكن لا ، فإن قوله الآنف لا يضر في أدبه ولا في إخلاصه ، حيث يرى نفسه قد ضحى بنفسه في سبيل الدين ، فلا مانع من أن يقول ذلك.
وقد روى كثير من المؤرخين هذه القضية من دون ذكر القسم الأخير منها.
قالوا : ونزل في هؤلاء الستة قوله تعالى : (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ) (١).
وفي البخاري : أن أبا ذر كان يقسم : أنها نزلت فيهم (٢).
ونزل في علي ، وحمزة ، وعبيدة أيضاً قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (٣).
وقيل : نزلت في علي وحده (٤).
وثمة عدة آيات أخرى نزلت في بدر في الثناء على أمير المؤمنين عليهالسلام (٥) فراجع.
__________________
(١) الآية ١٩ من سورة الحج.
(٢) البخاري ط الميمنية ج ٣ ص ٤ ، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١١٨ عن مسلم ، من دون قسم أبي ذر ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٢ ص ٣٨٦ ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه ، والغدير ج ٧ ص ٢٠٢ عن : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٣ ص ٢١٢ ، وتفسير ابن جزي ج ٣ ص ٣٨ ، وتفسير الخازن ج ٣ ص ٦٩٨ ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٢ ص ٢٥ ـ ٢٦ ، وصحيح مسلم ج ٢ ص ٥٥٠ ، وبهذا قال ابن عباس ، وابن خثيم ، وقيس بن عباد ، والثوري ، والأعمش ، وسعيد بن جبير ، وعطاء.
(٣) الآية ٢٣ من سورة الأحزاب. الصواعق المحرقة ص ٨٠.
(٤) مناقب الخوارزمي ص ١٨٨ ، والكفاية للخطيب ص ١٢٢.
(٥) المناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١١٨ وغيره.
غضب النبي صلىاللهعليهوآله لأبي طالب عليهالسلام :
ونقول :
إنه إذا كان الرسول صلىاللهعليهوآله يغضب لذكر عمه ، ولو بهذا النحو من التعريض المهذب ، والمحدود ، فماذا سيكون موقفه ممن يرمي أبا طالب عليهالسلام بالشرك والكفر ، ويعتبره مستحقاً للعذاب الأليم في نار الله المؤصدة؟! وفي ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟!
فهل تراه سوف يكون مسروراً ومرتاحاً لهذا الكلام ، الذي لا سبب له إلا السياسة ، وما أدراك ما السياسة؟!
وما لأحد عنده من نعمة تجزى :
ثم إننا نجد النبي صلىاللهعليهوآله نفسه يقول :
«اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة» (١).
كما أنه صلىاللهعليهوآله قد رد هدية حكيم بن حزام؛ لأنه كان مشركاً ، قال ، عبيد الله :
حسبت أنه قال : إنا لا نقبل من المشركين شيئاً ، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن (٢).
__________________
(١) راجع أبو طالب مؤمن قريش للخنيزي.
(٢) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٨٤ وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة ، وصححاه. وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ و ٢٦٠ عن كنز العمال وعن مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٧٨ وكنز العمال ج ٦ ص ٥٧ و ٥٩ عن أحمد والطبراني ، والحاكم