موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو حكم غريب ، لم يوجد له في الأحكام نظير ، فانّ هذه الصلاة بالنسبة إلى هذا الداخل إنّما هي عبارة عن مجرّد الأذكار وإن اشتملت على ركوع وسجود وإلّا فإنّها ليست بصلاة حقيقية ، إذ المفهوم من الخبرين المذكورين أنّه يدخل معهم من حيث اعتلّ الإمام ويخرج معهم من غير أن يزيد شيئاً على صلاتهم وإنّما يؤمّهم فيما بقي عليهم كائناً ما كان ولو كان ركعة واحدة ، ومن هذا حصل الاستغراب إلخ (١).

أقول : لا يخفى ما في كلامه (قدس سره) من السهو والاشتباه في كلّ من النسبة والاستظهار ، فإنّ الأولوية الواقعة في كلام العلامة (قدس سره) (٢) غير ناظرة إلى هذه الجهة الواضحة الفساد ، وكيف تكون صلاة الأجنبي الناقصة أولى من صلاة أحد المأمومين التامّة؟ بل الأولوية ناظرة إلى الجهة السابقة أعني بها أصل الاستنابة ، وأنّ المأموم التابع إذا جازت استنابته جازت استنابة الأجنبي الذي لم يكن تابعاً بطريق أولى.

وإنّنا وإن لم نعتمد على هذه الأولوية بعد ما استظهرناه من اشتراط أن يكون النائب هو أحد المأمومين كما سبق ، إلّا أنّ الغرض هو بيان الجهة التي ينظر إليها العلامة (قدس سره) في الأولوية وأنّها هي هذه الجهة ، دون الجهة التي فرضها صاحب الحدائق (قدس سره) وهي الاستنابة من محلّ القطع. فنسبته لهذا الحكم إلى العلامة في غير محلّها ، فتأمّل.

وأمّا استظهاره الحكم المذكور من الروايتين بالتقريب المتقدّم فغريب ، كغرابة أصل الحكم كما اعترف بها (قدس سره) ، فانّ التصريح بالقيد المذكور إنّما هو للزوم مراعاة النائب حال المأمومين ، بأن يجلس للتشهّد ثم يومئ بيده إلى اليمين والشمال بمثابة التسليم كي يسلّم القوم وينصرفوا كما تضمّنته صحيحة معاوية بن عمّار الآتية في اعتلال الإمام ، وكذا غيرها من الأخبار ، ولأجل ذلك

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٢١٨.

(٢) المنتهي ١ : ٣٨١ السطر ٢٨.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

يحتاج النائب إلى معرفة المقدار الباقي من صلاة القوم. فلا دلالة لهذا القيد على الشروع من محلّ القطع بوجه.

ثمّ إنّ من جملة الموارد المنصوصة :

ما لو كان الإمام مسافراً والمأموم حاضراً كما دلّت عليه صحيحة الفضل ابن عبد الملك البقباق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : لا يؤمّ الحضريّ المسافر ولا المسافر الحضريّ ، فإن ابتلي بشي‌ء من ذلك فأمّ قوماً حضريّين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ، ثمّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم» (١).

وما إذا اعتل الإمام كما دلّت عليه صحيحة معاوية بن عمّار : «عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة ، وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر ، فيعتلّ الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدّمه ، فقال عليه‌السلام : يتمّ صلاة القوم ...» (٢).

وما إذا ابتلي الإمام بالرعاف كما تدلّ عليه رواية ابن سنان أو ابن مسكان عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل أمّ قوماً فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين فقدّم رجلاً ممّن قد فاته ركعة أو ركعتان ، قال : يتمّ بهم الصلاة ، ثمّ يقدّم رجلاً فيسلّم بهم ، ويقوم هو فيتمّ بقيّة صلاته» (٣) ، وكذا تدلّ عليه مرسلة الفقيه الآتية في ابتلاء الإمام بأذى في بطنه.

أقول : إنّ رواية طلحة بن زيد ضعيفة السند ، فإنّ طلحة وإن كان ثقة ، نظراً إلى ما أفاده الشيخ (قدس سره) في الفهرست من اعتماده كتاب طلحة بن زيد (٤) الظاهر في وثاقته في نفسه ، فلا يضرّ بذلك عدم تصريح الرّجاليين بوثاقته. إلا

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٣٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٧٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٥.

(٤) الفهرست : ٨٦ / ٣٧٢.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ ابن سنان الذي يروي عن طلحة بن زيد هو محمّد بن سنان [فإنّه] والقاسم ابن إسماعيل القرشيّ (١) [يرويان كتاب طلحة] وإن أمكن بحسب الطبقة أن يروي عنه عبد الله بن سنان إلّا أنّه لم يعهد روايته عنه ، فلا محالة يكون المراد بابن سنان في هذه الرواية على تقدير أن يكون ابن سنان لا ابن مسكان هو محمّد بن سنان ، ولأجل ذلك لا تصلح الرواية للاعتماد عليها. وأمّا المرسلة فالأمر فيها ظاهر. وعليه فلم يثبت استثناء هذا المورد بالخصوص.

وما لو وجد الإمام في بطنه أذى ، ولا بدّ أن يراد به ما لا يتمكّن معه من إتمام الصلاة كما لا يخفى.

ويستدلّ له تارة : بمرسلة الفقيه قال «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما كان من إمام تقدّم في الصلاة وهو جنب ناسياً ، أو أحدث حدثاً ، أو رعف رعافاً ، أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثمّ لينصرف ، وليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه ...» (٢). ولكن ضعفها ظاهر.

وأُخرى : بما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب بإسناده [عن علي بن مهزيار عن فضالة عن أبان] عن سلمة عن أبي حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : لا يقطع الصلاة الرعاف ولا القي‌ء ولا الدم ، فمن وجد أذى فليأخذ بيد رجل من القوم من الصفّ فليقدّمه ، يعني إذا كان إماماً» (٣).

وهي أيضاً ضعيفة بكلّ من سلمة وأبي حفص ، فإنّهما مجهولان. نعم في الكافي : عن سلمة أبي حفص (٤). وهو أيضاً لم يوثّق. فالحكم في هذا المورد

__________________

(١) [وهو ومحمد بن سنان يرويان كتاب طلحة بن زيد كما في الفهرست].

(٢) الوسائل ٨ : ٤٢٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٤٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١١ [والموجود فيه : سلمة بن أبي حفص. لكن ذهب في معجم رجال الحديث ٩ : ٢٠٨ / ٥٣٥٠ إلى أن الصحيح : سلمة أبو حفص].

٨٣

بل الأقوى ذلك لو عرض له ما يمنعه من إتمامها مختاراً كما لو صار فرضه الجلوس (١) حيث لا يجوز البقاء على الاقتداء به ، لما يأتي من عدم جواز ائتمام القائم بالقاعد.

[١٨٨٢] مسألة ١٥ : لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء (٢).

______________________________________________________

أيضاً غير ثابت بالدليل الخاص ، وإن ثبت بالدليل العام حسبما تقدّم (١).

(١) وقد مرّ الكلام في ذلك (٢) فلاحظ.

العدول إلى الجماعة في الأثناء :

(٢) على المشهور ، لأصالة عدم المشروعية ، فإنّ المتيقّن من أدلّة الجماعة هو الاقتداء من أوّل الصلاة ، ولا إطلاق لها يتمسّك به لأمثال المقام كما مرّ ذلك غير مرّة.

وذهب بعضهم إلى الجواز ، ويستدلّ له بأخبار الاستنابة المتقدّمة ، وتقريبه من وجهين :

أحدهما : أنّ في فترة الانتقال الفاصلة بين قطع الإمام الأوّل وقيام الثاني مقامه تنقطع الجماعة لا محالة ، لاستحالة الائتمام بدون إمام ، فلا محالة ينفرد المأمومون في هذه الفترة ، وقد دلّت النصوص على جواز ائتمامهم في الأثناء بالإمام الجديد. فالحكم بجواز قيام الثاني مقام الأوّل يستلزم جواز العدول من الانفراد إلى الائتمام في الأثناء ، وإلّا لما صحّ الاقتداء بالثاني.

ويتوجّه عليه : أنّ الانفراد في الفرض المذكور مسبوق بالائتمام ، وقد دلّت النصوص على عدم قدح الانفراد لفترة في هذا الفرض ، فلا مجال لأن يقاس المقام عليه ممّا كان ناوياً الانفراد من الأوّل ، لعدم الدليل على التعدّي من

__________________

(١) في ص ٧٥.

(٢) [لعلّه إشارة إلى ما ذكره في ص ٧٥].

٨٤

[١٨٨٣] مسألة ١٦ : يجوز العدول من الائتمام إلى الانفراد ولو اختياراً في جميع أحوال الصلاة (١) على الأقوى ، وإن كان ذلك من نيّته (*) في أول الصلاة.

______________________________________________________

مفروض الرواية.

ثانيهما : أنّ مقتضى صحيحة جميل المتقدّمة (١) الدالّة على الاستنابة لدى تذكّر الإمام دخوله في الصلاة محدثاً هو بطلان الجماعة واتّصاف صلاة القوم بالانفراد من الأوّل ، ومع ذلك فقد دلّت الصحيحة على جواز العدول في الأثناء إلى الإمام الجديد ، فكذلك الحال في المقام ، لوحدة المناط.

ويتوجّه عليه : أنّه قياس مع الفارق ، فإنّ المأموم هناك كان ناوياً للجماعة منذ دخوله في الصلاة ، غايته أنّها لم تتحقّق خارجاً لعدم شرط الصحّة في صلاة الإمام ، فلا يقاس عليه المقام ممّا كان المصلّي ناوياً للانفراد من أوّل الأمر.

ويدلّ على عدم الجواز زائداً على ما مرّ الأخبار الدالّة على أنّ من دخل في الفريضة ثم أُقيمت الجماعة أنّه يعدل إلى النافلة ويتمّها ثمّ يلتحق بالجماعة ، فلو جاز له الائتمام في الأثناء لم تكن حاجة إلى العدول كما لا يخفى.

(١) مطلقاً ، سواء أكان ذلك لعذر أم لم يكن ، وسواء أكان من نيّته ذلك من ابتداء الصلاة أم بدا له العدول في الأثناء كما هو المشهور والمعروف ، بل عن العلّامة (٢) وغيره دعوى الإجماع عليه ، وأنّ الجماعة مستحبّة بقاء كما كانت مستحبة حدوثاً ، فله الانتقال في جميع الأحوال.

ولم ينسب الخلاف صريحاً إلّا إلى الشيخ في المبسوط حيث منع من

__________________

(*) صحّة الجماعة معها لا تخلو من إشكال.

(١) في ص ٧٧.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ١٢٨ [والمذكور فيها : (ويجوز للإمام نقل النية من الائتمام إلى الانفراد ...) وهو اشتباه واضح ، فلاحظ].

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المفارقة لغير عذر (١) ، نعم استشكل الحكم جماعة كصاحب المدارك (٢) والسبزواري في الذخيرة (٣) وصاحب الحدائق (٤) وغيرهم (قدس سرهم).

وكيف ما كان ، فيقع الكلام تارة فيما إذا كان ناوياً للانفراد من ابتداء الصلاة وأُخرى فيما إذا بدا له العدول في الأثناء. فهاهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل : فلا إشكال في الجواز بالنسبة إلى الموارد المنصوصة كما في المأموم المسبوق ، وفي اقتداء الحاضر بالمسافر أو العكس ، وفي الرباعية بالثلاثية أو الثنائية وبالعكس. والضابط : كلّ مورد علم المأموم من الأوّل بعدم مطابقة صلاته مع صلاة الإمام في عدد الركعات ، لنقص في صلاته أو في صلاة الإمام بحيث يلجأ فيه إلى الانفراد ، ممّا ورد النصّ على جواز العدول في جميع ذلك بالخصوص.

وأمّا في غير الموارد المنصوصة فالظاهر عدم مشروعية الجماعة وإن كان معذوراً في نيّة الانفراد ، إذ لا دليل على مشروعية الائتمام في بعض الصلاة ، وإنّما الثابت بأدلّة الجماعة كقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة والفضيل : «وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنّها سنّة ...» (٥) هو مشروعيتها واستحبابها في تمام الصلاة ، وأمّا الاقتداء في البعض فغير مشمول لهذه النصوص ، ومقتضى الأصل عدم المشروعية.

إذن فما دلّ على بطلان الصلاة بزيادة الركوع لو زادها في المقام متابعة منه للإمام هو المحكّم ، للشكّ في خروج هذا الائتمام من إطلاق تلكم الأدلّة زائداً على المقدار المتيقّن أعني قصد الائتمام في تمام الصلاة ، فإنّه من الواضح عدم وجود إطلاق يتضمّن مشروعية الجماعة في أبعاض الصلاة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٢) المدارك ٤ : ٣٧٨.

(٣) الذخيرة : ٤٠٢ السطر ١٩.

(٤) الحدائق ١١ : ٢٤٠.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٨٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٢.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ما ورد من ترتّب الثواب على الركعات ، وأنّ الاقتداء حتّى في الركعة الواحدة له مقدار خاصّ من الثواب فهو أمر آخر لا يكاد يدلّ على مشروعية الجماعة في تلك الركعة بخصوصها ، بل هو ناظر إلى المأموم المسبوق كما لا يخفى.

وقد تحصّل : أنّ الأقوى بطلان الجماعة لو كان ناوياً للانفراد منذ ابتداء الصلاة ، وأنّها تكون فرادى لو أتى المصلّي بوظيفة المنفرد ، وإلّا بطلت أيضاً.

وأمّا المقام الثاني : فلا إشكال كما لا خلاف في الجواز قبل التسليم لعذر أم لغيره ، وكذا قبل التشهّد في صورة العذر ، للنصّ على الجواز في هذه الموارد الثلاثة :

١ العدول قبل التسليم لغير عذر ، ويدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد ، قال : يسلّم من خلفه ، ويمضي لحاجته إن أحبّ» (١).

٢ العدول كذلك لعذر ، ويدلّ عليه صحيحة أبي المغراء قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون خلف الإمام فيسهو فيسلّم قبل أن يسلّم الإمام ، قال : لا بأس» (٢).

٣ العدول قبل التشهّد لعذر ، ويدلّ عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطوّل الإمام بالتشهّد ، فيأخذ الرجل البول ، أو يتخوّف على شي‌ء يفوت ، أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : يتشهّد هو وينصرف ، ويدع الإمام» (٣).

وأمّا صحيحة أبي المغراء الأُخرى عن أبي عبد الله : «في الرجل يصلّي خلف

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٤١٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٤١٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إمام فسلّم قبل الإمام ، قال : ليس بذلك بأس» (١) فمقتضى إطلاقها هو جواز العدول قبل التسليم حتّى بدون عذر ، فيستفاد منها الحكم في الصورتين الأُوليين ، هذا.

ولعلّ تفصيل الشيخ (قدس سره) بين العذر وعدمه حيث منع من العدول لغير عذر كما سبق مستند إلى صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة آنفاً بعد إلغاء خصوصية المورد وهو التشهّد ، والتعدّي عنه إلى سائر الأحوال.

وكيف ما كان ، فلا إشكال في الحكم في الموارد الثلاثة المتقدّمة ، لدلالة النصوص عليه كما عرفت.

وأمّا ما عدا ذلك من سائر أحوال الصلاة فالظاهر أنّ التفصيل في ذلك بين العذر وعدمه بالقول بالجواز في الأوّل دون الثاني لا وجه له ، إذ لا دليل عليه ولا شاهد على التعدّي عن مورد النصّ ، بل إن ثبت الجواز ثبت مطلقاً وإلّا فالمنع مطلقاً ، إذ غاية ما يترتّب على وجود العذر إنّما هو الجواز التكليفي ، دون الوضعي أعني به الصحّة الذي هو محلّ الكلام ، هذا.

وقد استدلّ لعدم الجواز مطلقاً بوجوه :

أحدها : قاعدة الاشتغال ، فإنّه بعد نيّة الانفراد يشكّ في صحّة الصلاة والعبادة توقيفية ، ومقتضى الأصل عدم المشروعية ، فلا دليل على الاكتفاء بهذه الصلاة.

ويتوجّه عليه : أنّ الشكّ في الصحّة إنّما ينشأ من احتمال اشتراط صحّة الصلاة بالاستمرار في الائتمام ، والمرجع حينئذ هو أصالة البراءة عن الوجوب النفسي الشرطي ، بناءً على أنّ المرجع في الأقلّ والأكثر الارتباطيين هي البراءة كما حقّق في محلّه (٢).

ولعلّ نظر صاحب الجواهر (قدس سره) (٣) في استدلاله بالأصل إلى ما

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٤.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٤٢٦.

(٣) الجواهر ١٤ : ٢٥.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكرناه ، أي أصالة البراءة عن الحكمين الشرطي والتكليفي ، دون خصوص التكليفي كي يعترض عليه بعدم اقتضائها الصحّة كما لا يخفى.

ثانيها : أنّ المنفرد في الأثناء تارك للقراءة عامداً ، ولا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، والمتيقّن من سقوطها في صلاة الجماعة إنّما هو حال الائتمام في تمام الصلاة. ومن الواضح عدم جريان حديث : «لا تعاد الصلاة ...» (١) في مورد الترك العمدي.

ويتوجّه عليه : أنّه لا مانع من شمول الحديث للمقام وإن كان ترك القراءة فيه عمدياً ، لكونه معذوراً فيه استناداً إلى جهله واعتقاده الائتمام في تمام الصلاة ، وقد ذكرنا في محلّه شمول الحديث للجاهل المعذور (٢). وقد مرّ نظير ذلك في اختلاف المصلّيين في الإمامة والمأمومية ، فقد قلنا هناك : إنّ ترك القراءة وإن كان عمدياً لكنّه لأجل المعذورية فيه يكون مشمولاً للحديث.

ومن نظائره كما أشرنا إليه هناك أيضاً (٣) ما لو تخيّل أنّه في الركعة الثالثة فترك القراءة والتفت إلى ذلك بعد الدخول في الركوع ، فإنّ الصلاة صحيحة حينئذ بلا إشكال لصحيحة «لا تعاد ...» مع فرض تركه القراءة عمداً ، وليس ذلك إلّا لشمول الحديث لموارد العذر وإن كان عمدياً ، هذا.

مضافاً إلى كون الدليل أخصّ من المدّعى ، فإنّه يمكن فرض الانفراد بدون الإخلال بالقراءة كما إذا كانت الصلاة جهريّة ولم يسمع قراءة الإمام حتّى الهمهمة فقرأ لنفسه ، أو مطلقاً ولو كانت إخفاتية ولكن المأموم كان مسبوقاً بركعتين فاقتدى بالإمام في الركعة الثالثة وأتى بالقراءة كما هو وظيفته ، ثمّ عدل إلى الانفراد في ركعة الإمام الرابعة مثلاً. والحاصل : أنّ الدليل لا يقتضي البطلان في أمثال هذه الصور.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) شرح العروة ١ : ٢٧١ ٢٧٥ ، وسيأتي في ١٨ : ١٧.

(٣) [بل في مسألة ما إذا نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو ... راجع ص ٦١ وما بعدها].

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثالثها : وهو أخص من المدّعى أيضاً ، وخاصّ ببعض صور المسألة أنّه لو زاد ركوعاً سهواً متابعة منه للإمام فمقتضى إطلاق ما دلّ على البطلان بزيادة الركن الحكم بالفساد في المقام ، فانّ القدر المتيقّن الخارج عنه هو الائتمام في تمام الصلاة ، فالعدول إلى الانفراد في مثل هذا الفرض يجعل الصلاة باطلة بحكم الإطلاق المذكور.

ويتوجّه عليه : أنّه لا بأس بالتمسّك حينئذ بإطلاق دليل المخصّص ، فانّ ما دلّ على العفو عن زيادة الركن حال الائتمام يشمل بإطلاقه ما إذا عدل إلى الانفراد بعد ذلك ، فالمرجع حينئذ هذا الإطلاق دون إطلاق دليل البطلان كما لا يخفى.

رابعها : استصحاب البقاء على الائتمام ، للشكّ في انقطاعه بمجرّد نيّة العدول إلى الانفراد ، فلا يمكنه ترتيب أحكام المنفرد ، فلا تجوز له القراءة مع سماعه قراءة الإمام. ولو شكّ بين الثلاث والأربع مثلاً ليس له البناء على الأربع وهكذا ، عملاً باستصحاب بقاء الجماعة.

ويتوجّه عليه أوّلاً : أنّ الشبهة حكمية ولا نقول بجريان الاستصحاب فيها فإطلاق أدلّة أحكام المنفرد هو المحكّم.

وثانياً : الموضوع متعدّد ، فانّ عنوان الائتمام والجماعة من العناوين القصدية كما سبق (١) ، والمصلّي إنّما كان محكوماً عليه بأحكام الجماعة لكونه ناوياً لها وبعد عدوله إلى الانفراد يكون ذلك القصد قد انعدم وزال لا محالة ، فأصبح بذلك موضوعاً آخر ، فكيف يجري الاستصحاب.

وقد تحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الصحيح جواز العدول إلى الانفراد في الأثناء في جميع أحوال الصلاة ، من غير فرق بين صورتي العذر وعدمه والعمدة في ذلك أصالة البراءة عن اشتراط البقاء على الجماعة وإدامتها ، فينتفي

__________________

(١) في ص ٥٣.

٩٠

لكنّ الأحوط عدم العدول إلّا لضرورة ولو دنيوية ، خصوصاً في الصورة الثانية (١).

[١٨٨٤] مسألة ١٧ : إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول في الركوع لا يجب عليه القراءة (٢) ،

______________________________________________________

بذلك احتمال الوجوب الوضعي كالتكليفي ، ونتيجة ذلك استحباب الجماعة حدوثاً وبقاء.

(١) بل قد عرفت بطلان الجماعة في غير الموارد المنصوصة ، بل بطلان الصلاة أيضاً في بعض الصور فلاحظ.

(٢) إذا كان الانفراد قبل شروع الإمام في القراءة فلا إشكال في وجوبها عليه كما هو واضح ، وأمّا إذا كان بعد تمام القراءة وقبل ركوع الإمام فاختار (قدس سره) عدم الوجوب.

وغاية ما يمكن توجيهه : أنّ الإمام ضامن للقراءة عن المأمومين والمفروض هو ائتمامه حالها ، فقد سقط الأمر بها عنه بعد العدول ، ولا موجب للإعادة.

وفيه : أنّ موضوع نصوص الضمان هو عنوان الائتمام ، فما دام المصلّي يصدق عليه العنوان المذكور ومتّصفاً بالمأمومية يكون الإمام ضامناً لقراءته ، وأمّا بعد خروجه عن العنوان المذكور بعدوله إلى الانفراد فيلحقه حكم المنفرد ، ويشمله إطلاق قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (١).

وبعبارة اخرى : القراءة واجبة على كلّ أحد ، وليس المأموم بخارج عن تحت العموم بالتخصيص ، بل القراءة واجبة عليه أيضاً وغير ساقطة عنه غايته أنّ الإمام بقراءته يتحمّلها عنه وتكون مجزية عنه ، فكأنّ الشارع قد

__________________

(١) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ ، [راجع ص ١٨ ، الهامش (١)].

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

اعتبر صلاتي الإمام والمأموم بمثابة صلاة واحدة ، وأنّ فيها قراءة واحدة يتصدّاها الإمام.

لكن الضمان والتحمّل منوطان ببقاء الائتمام ، لكونه هو موضوع النصوص فيختصّ الحكم المذكور بحال كونه مأموماً ، ومع زوال العنوان بالعدول يكون المحكّم هو إطلاق دليل وجوب القراءة.

وفيما يلي نشير إلى النصوص الدالّة على ضمان الإمام القراءة عن المأموم وهي :

موثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام ، فقال : لا ، إنّ الإمام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه ، إنّما يضمن القراءة» (١). وقد علّق فيها الضمان على الصلاة خلف الإمام ، المساوق لعنوان الائتمام.

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال : أمّا الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه ، فلا تقرأ خلفه ...» (٢).

وصحيحة سليمان بن خالد قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيقرأ الرجل في الأُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال : لا ينبغي له أن يقرأ ، يكِلهُ إلى الإمام» (٣).

وقد حكم عليه‌السلام فيها بايكاله القراءة إلى الإمام ، وأنّه لا ينبغي له أن يقرأ ، وكل ذلك منوط حدوثاً وبقاءً بفرض الائتمام كما ذكرناه ، فلا ضمان له ولا إيكال إليه بعد العدول والانفراد ، لكونه حينئذ منفرداً لا مؤتمّاً ، فيكون مشمولاً لإطلاق دليل وجوب القراءة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٥٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٥٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٥٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٨.

٩٢

بل لو كان في أثناء القراءة يكفيه بعد نيّة الانفراد قراءة ما بقي منها ، وإن كان الأحوط استئنافها (*) خصوصاً إذا كان في الأثناء (١).

[١٨٨٥] مسألة ١٨ : إذا أدرك الإمام راكعاً يجوز له الائتمام والركوع معه ثمّ العدول إلى الانفراد اختياراً ، وإن كان الأحوط ترك العدول حينئذ خصوصاً إذا كان ذلك من نيّته (**) أوّلاً (٢).

______________________________________________________

(١) لا ينبغي الشكّ في وجوب القراءة على المأموم بعد عدوله إلى الانفراد في الفرض ولو سلّمنا بعدم وجوبها عليه في الفرض السابق ، وهو ما إذا كان عدوله إلى الانفراد بعد تمام القراءة وقبل الركوع ، فيجب عليه في هذا الفرض استئناف القراءة ، ولا يجتزئ بالإتيان بما تبقّى منها ، وذلك لوضوح عدم دلالة النصوص المتقدّمة على ضمان الإمام بعض القراءة. فالحكم بعدم الضمان في هذه الصورة أظهر.

والحاصل : أنّ الأقوى هو وجوب القراءة في صورتي انفراد المأموم أثناء قراءة الإمام وبعد تمام القراءة وقبل الركوع.

(٢) في العبارة مسامحة ظاهرة ، فانّا إذا بنينا على المنع من نيّة العدول في ابتداء الصلاة وخصّصنا الجواز بما إذا بدا له ذلك في الأثناء كما هو الصحيح وقد عرفت وجهه (١) بطلت الجماعة فيما إذا كان ناوياً للعدول من ابتداء الصلاة ، سواء انفرد خارجاً وتحقّق منه العدول أم لا ، فانّ القادح حينئذ إنّما هو نيّة الائتمام في بعض الصلاة ، وهو مشترك بين الصورتين.

وأمّا إذا بنينا على الجواز كما اختاره (قدس سره) صحّت الجماعة على كلا التقديرين أيضاً ، أي سواء تحقّق منه العدول خارجاً أم لم يتحقّق. فلا يظهر

__________________

(*) لا يترك ذلك ، بل وجوبه في الفرض الثاني قويّ.

(**) مرّ الإشكال في هذا الفرض آنفا.

(١) في ص ٨٦ وما بعدها.

٩٣

[١٨٨٦] مسألة ١٩ : إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام وأتمّ صلاته فنوى الاقتداء به في صلاة أُخرى قبل أن يركع الإمام في تلك الركعة ، أو حال كونه في الركوع من تلك الركعة جاز ، ولكنّه خلاف الاحتياط (*) (١).

______________________________________________________

الوجه في قوله (قدس سره) : خصوصاً إذا كان ذلك أي العدول من نيّته أولاً.

فإنّ مقتضى الاحتياط وإن كان هو ترك العدول كما ذكره خروجاً عن مخالفة المانع عنه ممّن سبقت الإشارة إليه (١) ، غير أنّه لا خصوصية لهذا الاحتياط بما إذا كان من نيّته العدول من الأوّل ، لما عرفت من أنّ القادح على القول به وهو الصواب مجرّد تلك النيّة ، لا مع انضمام العدول الخارجي إليها كي يكون الاحتياط بترك العدول هنا أقوى وآكد.

وعلى الجملة : فعبارة المتن إلى قوله : حينئذ ، مستقيمة ، وإنّما القصور في قوله : خصوصاً ... إلخ. ومراده (قدس سره) أنّ الأحوط ترك العدول ، وآكد منه الاحتياط بترك نيّة العدول من الأوّل ، فإنّ الاحتياط بترك نيّة العدول آكد وأولى من الاحتياط بترك العدول خارجاً ، لقوّة احتمال البطلان هناك ، بل هو الحقّ كما عرفت. لكنّ العبارة قاصرة وغير وافية بأداء ذلك. ولو أبدلها بقوله : وأحوط منه ترك نيّته أوّلاً ... ، لكان أحسن وأولى.

(١) إذا بنينا على أنّ المأموم لو انفرد عن الإمام قبل الركوع تجب عليه القراءة ، ولا يتحمّلها الإمام عنه كما هو الصحيح على ما مرّ (٢) فلا ينبغي الإشكال في الجواز في المقام ، ولا وجه للاحتياط ، إذ لم يطرأ ما يستوجب الخلل في الصلاة الأُولى بعد فرض الإتيان بالقراءة والبناء على جواز العدول

__________________

(*) هذا بناءً على عدم لزوم القراءة فيما إذا انفرد بعد قراءة الإمام ، وإلّا فلا موجب للاحتياط.

(١) في ص ٨٥.

(٢) في ص ٩١.

٩٤

[١٨٨٧] مسألة ٢٠ : لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الائتمام (١) ، نعم لو تردّد في الانفراد وعدمه ثم عزم على عدم الانفراد صحّ (*) (٢)

______________________________________________________

في الأثناء كما هو المفروض ، فلا مانع من الاقتداء في الصلاة الثانية بنفس الركوع من هذه الركعة ، كما لو لم يكن مسبوقاً بالصلاة الاولى.

وأمّا إذا بنينا على الضمان وعدم وجوب القراءة كما اختاره (قدس سره) فالاحتياط حينئذ حسن ، والوجه فيه : هو احتمال ضمان الإمام في ركعة واحدة عن قراءة ركعة واحدة ، لا عن قراءة ركعتين كما يقتضيه الاقتداء في ركعتين بركعة واحدة ، وأنّ مثله غير مشمول لأدلّة الضمان.

والحاصل : أنّ احتياط الماتن (قدس سره) لا وجه له على مسلكنا ، وإنّما يتّجه على مسلكه (قدس سره).

(١) قد أشرنا سابقاً (١) إلى عدم مشروعية الائتمام في بعض الصلاة لعدم الدليل عليه ، سواء أكان من نيّته ذلك من الأوّل كما إذا كان عازماً على الانفراد في أثناء الصلاة ، أم بدا له الائتمام في الأثناء كما إذا صلّى منفرداً وفي أثنائها بدا له الائتمام. فإنّ كلّ ذلك غير جائز ، لأصالة عدم المشروعية كما مرّ.

ويترتّب عليه عدم جواز العود إلى الائتمام لو نوى الانفراد في الأثناء ، لأنّ ذلك من مصاديق الائتمام في بعض الصلاة الذي قد عرفت المنع عنه.

(٢) فيه : أنّ الترديد لا يجامع البقاء على نيّة الائتمام ، فقد زال بمجرّد الترديد قصد الجماعة ، فيكون غير مؤتمّ في هذه الحال ، لتقوّمه بالقصد المنفي حسب الفرض. وعزمه الطارئ على الائتمام يدخل تحت عنوان الاقتداء في بعض الصلاة ، وهو غير مشروع كما عرفت. فما أفاده (قدس سره) من الحكم بالصحّة عند التردّد ضعيف.

__________________

(*) فيه إشكال ، وكذا فيما لو نوى الانفراد ثم عدل بلا فصل.

(١) في ص ٨٦ ، ٨٤.

٩٥

بل لا يبعد جواز العود إذا كان بعد نيّة الانفراد بلا فصل ، وإن كان الأحوط عدم العود مطلقاً (١).

[١٨٨٨] مسألة ٢١ : لو شكّ في أنّه عدل إلى الانفراد أم لا بنى على عدمه (٢).

[١٨٨٩] مسألة ٢٢ : لا يعتبر في صحّة الجماعة قصد القربة من حيث الجماعة (٣) بل يكفي قصد القربة في أصل الصلاة (٤) ، فلو كان قصد الإمام من الجماعة الجاه أو مطلب آخر دنيوي ولكن كان قاصداً للقربة في أصل الصلاة صحّ ، وكذا إذا كان قصد المأموم من الجماعة سهولة الأمر عليه ، أو الفرار من الوسوسة أو الشكّ ، أو من تعب تعلّم القراءة ، أو نحو ذلك من الأغراض الدنيوية صحّت صلاته مع كونه قاصداً للقربة فيها ،

______________________________________________________

(١) الحكم بالصحّة هنا أضعف منه في مورد الترديد ، إذ لا فرق في المسألة بين قصر الزمان وطوله ، فمتى ما زالت نيّة الائتمام يكون العود إليه مصداقاً للائتمام في بعض الصلاة غير المشروع ، ولو كان ذلك آناً ما وبلا فصل. فالأقوى الحكم بعدم الصحّة في جميع الفروض الثلاثة المذكورة في المتن.

(٢) لأصالة عدم المانع من بقائه على الجماعة عند الشكّ في حصوله ، مع فرض كونه حال الشكّ على حالة الاقتداء.

قصد القربة في الجماعة :

(٣) الظاهر أنّ هذا الحكم هو المعروف والمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، إذ لم يتعرّض أحد منهم للشرط المذكور في أحكام الجماعة. وهو الصحيح.

(٤) أمّا في الإمام فواضح ، لما عرفت (١) من عدم اعتبار قصد الإمامة في

__________________

(١) في ص ٥٣.

٩٦

نعم لا يترتّب ثواب الجماعة إلّا بقصد القربة فيها.

______________________________________________________

صحّة الجماعة ، فضلاً عن قصد القربة فيها ، بل تصحّ الجماعة حتّى مع نيّة الإمام الصلاة فرادى ، نعم إنّما يعتبر ذلك فيما تكون الجماعة شرطاً في صحّة الصلاة كالجمعة والعيدين ، فانّ حكم الإمام في ذلك هو حكم المأموم في مطلق الجماعة ، كما عرفت وسنشير إليه أيضاً.

وأمّا في المأموم فقصد الائتمام وإن كان معتبراً في صحّة الجماعة كما سبق ، إلّا أنّ عنوان الجماعة من العناوين الطارئة كسائر الخصوصيات الزمانية والمكانية فكما لا يعتبر قصد القربة في سائر الخصوصيات الطارئة كأن يصلّي في المسجد لبرودة المكان لا بقصد التقرّب لا يعتبر في خصوصية الجماعة أيضاً لعدم دخلها في ماهية الصلاة كي يعتبر القصد فيها.

فلو كان الداعي للائتمام شيئاً آخر ممّا ذكره الماتن (قدس سره) ونحوها من الدواعي غير القربية مع كون الداعي إلى أصل الصلاة هو التقرّب صحّت الجماعة ، نعم ترتّب ثواب الجماعة موقوف على قصد القربة بها ، لكونها من شؤون الطاعة.

وعلى تقدير الشكّ في ذلك فالمرجع إطلاقات أدلّة الجماعة ، بناء على ما هو الصحيح من التمسّك بالإطلاق لإثبات التوصلية كما ذكرناه في مبحث التعبّدي والتوصّلي من أُصول الفقه (١).

هذا كلّه إذا لم يكن القصد الدنيوي من قبيل الرياء ، وإلّا فلا ينبغي الإشكال في بطلان الصلاة فضلاً عن الجماعة ، لما مرّ في الكلام عن الرياء في مبحث النيّة من كونه مبطلاً للعمل كيف ما اتّفق ، سواء أكان في تمام الصلاة ، أم في أجزائها أم في شرائطها أم في خصوصياتها المقارنة لها من الزمان والمكان ونحو ذلك ممّا له مساس بالصلاة (٢) ، فإنّه تعالى كما في بعض الروايات خير

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٥٥ ١٧٢.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٢٣ وما بعدها.

٩٧

[١٨٩٠] مسألة ٢٣ : إذا نوى الاقتداء بمن يصلّي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها (١) سهواً أو جهلاً كما إذا كانت نافلة أو صلاة الآيات مثلاً ، فان تذكّر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل إلى الانفراد وصحّت ، وكذا تصحّ إذا تذكّر بعد الفراغ ولم تخالف صلاة المنفرد ، وإلّا بطلت (*) (٢).

______________________________________________________

شريك فمن عمل له ولغيره كان لغيره (١). وكلام المصنّف (قدس سره) منزّل على غير هذه الصورة بالضرورة.

(١) كما لو ائتمّ به بتخيّل أنّه يصلّي فريضة الفجر فانكشف في الأثناء أو بعد الفراغ أنّها كانت نافلة ، أو اعتقد أنّه يصلّي اليومية فائتمّ به ثمّ بان له أنّها صلاة الآيات مثلاً ، ونحو ذلك ممّا لا يجوز فيه الاقتداء.

(٢) لا ينبغي الشكّ في بطلان الجماعة وعدم انعقادها حينئذ كما هو ظاهر وأمّا الصلاة فهل هي محكومة بالبطلان أيضاً ، أو لا؟

الصحيح أن يقال : إنّه إذا أخلّ بوظيفة المنفرد بارتكاب ما يوجب البطلان عمداً وسهواً كما لو زاد ركوعاً لمتابعة الإمام ، أو عرضه أحد الشكوك المبطلة كالشكّ بين الواحدة والثنتين فرجع إلى الإمام لاعتقاده الائتمام فلا إشكال في بطلان الصلاة حينئذ ، أخذاً بإطلاق ما دلّ على البطلان.

وأمّا إذا أخلّ بما لا يوجب البطلان إلّا عمداً كترك القراءة فالظاهر صحّة الصلاة حينئذ ، سواء أكان التذكّر أثناء الصلاة أم بعدها ، لحديث «لا تعاد الصلاة» (٢) ، لعدم قصوره عن شمول مثل المقام ، لكونه معذوراً في ترك القراءة وإن كان عن عمد ، لزعمه الائتمام ، كما مرّ غير مرّة.

__________________

(*) صحّة الصلاة مطلقاً إلّا فيما إذا أتى بما تبطل به الصلاة عمداً وسهواً لا تخلو من قوّة.

(١) الوسائل ١ : ٧٢ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٩٨

[١٨٩١] مسألة ٢٤ : إذا لم يدرك الإمام إلّا في الركوع ، أو أدركه في أوّل الركعة أو أثنائها أو قبل الركوع فلم يدخل في الصلاة إلى أن ركع ، جاز له الدخول معه وتحسب له ركعة ، وهو منتهى ما تدرك به الركعة في ابتداء الجماعة على الأقوى (١)

______________________________________________________

ما يدرك به الجماعة :

(١) لا إشكال كما لا خلاف في أنّ من أدرك الإمام قبل الركوع أي فيما بين تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع فهو مدرك للركعة ، فلا يلزم في تحقّق الائتمام أن يكون ذلك عند تكبيرة الإحرام أو قبل القراءة أو قبل الفراغ عنها ، بل لو أخّر ذلك فأدرك تكبيرة الركوع فقد أدركها أيضاً ، وهو متّفق ومجمع عليه.

والمعروف والمشهور أنّه لو أدرك الإمام حال الركوع كفى أيضاً ، وجاز له الدخول معه وتحسب له ركعة ، وهو منتهى ما تدرك به الركعة في ابتداء الجماعة ، فيكبّر تكبيرة الافتتاح وأُخرى للركوع ، وإن خاف فوت الركوع أجزأته تكبيرة الافتتاح.

وعن المفيد (١) والطوسي (قدس سرهما) في النهاية (٢) أنّ منتهى الحدّ إدراك تكبيرة الركوع ، فلا يكفي إدراك الإمام راكعاً ، وإن عدل الأخير عنه في الخلاف ووافق المشهور ، بل ادّعى الإجماع عليه (٣). ونسب الخلاف إلى القاضي (٤) أيضاً. وكيف كان ، فالمتّبع هو الدليل.

__________________

(١) [كما نقله جمع عن المقنعة ، لكنا لم نعثر عليه فيها ، قال في مفتاح الكرامة ٣ : ١٢٨ السطر ٢١ : ونقله جماعة من متأخري المتأخرين عن المقنعة ، وليس في المقنعة عين ولا أثر ، وكأنّهم توهّموه من عبارة التهذيب ٣ : ٤٣ ذيل ح ١٤٨ ...].

(٢) النهاية : ١١٤.

(٣) الخلاف ١ : ٥٤٧ المسألة ٢٨٥ ، ٥٥٥ المسألة ٢٩٨.

(٤) المهذب ١ : ٨٢.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد وردت جملة وافرة من النصوص بالغة حدّ الاستفاضة بل قيل بتواترها ، ولا يبعد تواترها الإجمالي دلّت على كفاية إدراك الإمام راكعاً وفيها الصحاح والموثّقات أيضاً ، وهي كما يلي :

١ صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّه قال : إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» (١).

٢ صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّه قال : في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع ، وكبّر الرجل وهو مقيم صُلبه ، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» (٢).

٣ صحيحة أبي أُسامة يعني زيد الشحّام : «أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل انتهى إلى الإمام وهو راكع ، قال : إذا كبّر وأقام صُلبه ثمّ ركع فقد أدرك» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة بل الصريحة في المطلوب ، ممّا لا تخفى على المراجع.

وتؤيّدها الأخبار الواردة في أنّ من دخل المسجد وخاف من رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يبلغ الصفّ جاز له التكبير والركوع في مكانه ، ثمّ يمشي راكعاً أو بعد السجود على اختلاف النصوص ممّا عقد لها في الوسائل باباً مستقلا (٤) ، فانّ هذا الحكم كما ترى يلازم جواز إدراك الإمام راكعاً.

ويؤيّدها أيضاً ما ورد من استحباب إطالة الإمام ركوعه ضعفين إذا أحسّ بمن يريد الاقتداء به ، وقد عقد لها في الوسائل باباً مستقلا أيضاً (٥).

كما يؤيّدها أيضاً ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّ أمير المؤمنين

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٨ : ٣٨٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٨٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٨٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٩٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٠.

١٠٠