موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

لاعتقاده عدالة الإمام حسب الفرض ، فلا موضوع للتشريع المحرّم في مفروض الكلام. ومن الواضح : أنّ مجرّد الائتمام الواقع في غير محلّه العاري عن عنوان التشريع المحرّم غير موجب للبطلان ، وعلى تقدير الشكّ فيه تكفي أصالة البراءة.

ثالثها : وهو العمدة الإخلال بالقراءة عامداً ، ولا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، فإنّه بعد بطلان الجماعة وتبيّن عدم التحمّل قد حصل الإخلال بها.

ولا سبيل إلى التصحيح بقاعدة لا تعاد ... ، لاختصاصها بصورة الغفلة وعدم الالتفات إلى الترك حين العمل ، دون المقام الذي كان ملتفتاً إلى ترك القراءة ، لفرض تركه لها عامداً وإن كان معذوراً فيه لاعتقاده عدالة الإمام وتحقّق الجماعة ، فمثله غير مشمول للقاعدة.

ويردّه : أنّ الحديث لا تقييد فيه ، وإن أصرّ المحقّق النائيني (قدس سره) على اختصاصه بالناسي (١) ، لكن الظاهر عمومه لمطلق التارك ما عدا العامد عن غير عذر ، لا لمجرّد الإجماع على خروج هذا الفرد ، بل لقصور الحديث عن الشمول لمثله في حدّ نفسه.

فانّ المتبادر إلى الذهن من التعبير الوارد في الحديث هو الاختصاص بما لو أخلّ بالجزء أو الشرط ثم انكشف الخلاف ، فكانت الإعادة نفياً أو إثباتاً مسبّبة عن انكشاف الخلاف ، بحيث لو لم يكن ذلك واستمرّ الجهل لم يكن هناك مقتض للإعادة ، فإنّ التعبير بالإعادة بنفسه يقتضي ذلك كما لا يخفى.

وأمّا المتعمّد العاصي فلا يتصوّر انكشاف الخلاف في حقّه ، لكونه يدري من الأوّل بالإفساد والإخلال ، فلا معنى للحكم عليه بالإعادة أو بعدمها.

وأمّا ما عدا ذلك سواء أكان الإخلال غفلة أم جهلاً أم عمداً مع العذر كما في المقام فلا قصور في شمول إطلاق الحديث له بعد عدم وجود ما يقتضي التقييد بغير الملتفت.

__________________

(١) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

والذي يكشف عمّا ذكرناه من شمول الحديث للعامد المعذور في الترك ما تسالموا عليه ظاهراً من الحكم بالصحّة فيما لو صلّى خلف زيد مثلاً بخصوصه باعتقاد عدالته ثمّ بان فسقه ، فإنّه قد ترك القراءة حينئذ عمداً وعن التفات لكن معذوراً فيه من جهة اعتقاده صحّة الجماعة. فلولا شمول الحديث له لما أمكن تصحيحه.

وكذا لو صلّى خلفه باعتقاد إسلامه فبان كفره ، كما ورد النصّ به أيضاً (١). وكذا لو صلّى منفرداً وتخيّل أنّ الركعة التي بيده هي الثالثة فسبّح فيها ثمّ تذكّر في الركوع أنّها الثانية ، فقد ترك القراءة عن علم والتفات باختياره التسبيحات غايته أنّه كان معذوراً في ذلك للتخيّل المذكور ، فإنّه لا إشكال في الحكم بصحّة الصلاة عملاً بالحديث المزبور.

وعلى الجملة : ترك القراءة في المقام غير قادح بعد تكفّل الحديث بتصحيح الصلاة الفاقدة لها. فلا موجب للبطلان من هذه الجهة.

وممّا ذكرناه يظهر ضعف ما اختاره الماتن من الحكم بالبطلان إذا ترك القراءة.

نعم ، يتّجه ذلك فيما إذا أتى بما يخالف صلاة المنفرد ، أي كان ممّا يوجب البطلان مطلقاً كما لو زاد ركناً كركوع أو سجدتين لأجل متابعة الإمام ، أو عرضه أحد الشكوك الباطلة كالشكّ بين الواحدة والثنتين أو الثنتين والثلاث قبل إكمال السجدتين ، أو الصحيحة ولكنّه لم يعمل بمقتضاها كما لو شكّ بين الثلاث والأربع ورجع إلى الإمام ولم يأت بصلاة الاحتياط بعد الفراغ ، فإنّ الصلاة في هذه الفروض بحسب الحقيقة صلاة فرادى وإن لم يعلم المصلّي بها فيلحقها حكمها.

فظهر أنّ الأقوى هو التفصيل بين ما إذا أتى بما يوجب بطلان الصلاة فرادى مطلقاً ولو سهواً بأن أخلّ بما هو وظيفة المنفرد كزيادة الركن أو عروض

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧.

٦٢

إحداهما : أن يكون قصده الاقتداء بزيد وتخيّل أنّ الحاضر هو زيد (١) وفي هذه الصورة تبطل جماعته (٢) وصلاته (*) أيضاً إن خالفت صلاة المنفرد.

______________________________________________________

الشكّ المبطل ، وبين ما لم يكن كذلك وإن ترك القراءة ، فيحكم ببطلان الصلاة في الأوّل دون الثاني.

ولا مانع من ذلك بعد مساعدة الدليل إلّا ما قد يتخيّل من مخالفته للإجماع المدّعى على البطلان مطلقاً كما سبق ، ولكن من المعلوم أنّه ليس إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام بعد وضوح مستند المجمعين حسبما عرفت.

(١) أي أنّه ائتمّ بالحاضر المقيّد بكونه معنوناً بعنوان زيد من باب التقييد ثمّ انكشف عدم تحقّق القيد خارجاً.

(٢) لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده ، فانّ من قصد الائتمام به وهو زيد غير واقع ، والواقع وهو عمرو لم يقصد الائتمام به ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

والظاهر أنّ هذا فرض غير معقول ، وأنّ المعقول في المقام ينحصر فيما سيأتي منه (قدس سره) من الفرض الثاني. فلا موقع للتقسيم.

ولا يقاس ذلك بباب الإنشاءات من العقود والإيقاعات حيث يحكم فيها بالبطلان إذا كان بنحو التقييد دون الداعي ، فلو زوج ابنته من زيد على أنّه تقيّ شريف ثريّ بحيث كان اعتقاد اتّصافه بذلك من قبيل الداعي للتزويج ، فتخلّف وظهر أنّه

فاسق وضيع معدَم صح العقد. بخلاف ما لو باعه الشي‌ء على أنّه ذهب فبان كونه نحاساً ، فإنّه يحكم ببطلانه ، لتخلّف العنوان الذي قيّد به المبيع. وذلك لكون القياس مع الفارق.

وتوضيحه : أنّ الأفعال على ضربين :

__________________

(*) بل تصحّ صلاته وجماعته على الأظهر.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : الأفعال الإنشائية المتعلّقة بالأُمور الاعتبارية كالملكية والزوجية ونحوهما.

ثانيهما : الأفعال التكوينية المتعلّقة بالأُمور الخارجية كالأكل والضرب والقتل ونحو ذلك.

أمّا القسم الأوّل : فتارة يتعلّق الاعتبار بعنوان خارجي محقّق ، لكنّه كان بداعٍ من الدواعي انكشف فيما بعد تخلّفه ، وأنّ تلك الغاية الداعية إلى الفعل لم تكن مطابقة للواقع كما في مثال التزويج المتقدّم ، وكما لو اشترى العبد المعيّن على أن يكون كاتباً فبان عدمه.

ففي مثل ذلك لا موجب للبطلان بعد أن كان المقصود وما تعلّق به الاعتبار والإنشاء متحقّقاً في الخارج ، وهو الزوج أو العبد الذي هو طرف لعلقة الزوجية أو الملكية. ولا أثر لتخلّف الوصف الداعي إلّا الخيار فيما إذا كان اعتباره بلسان الاشتراط ضمن العقد مع قابلية المحلّ له ، بخلاف مثل النكاح حيث لا يثبت الخيار فيه مطلقاً.

وعلى الجملة : فإنشاء العقد لم يكن معلّقاً على ثبوت الوصف ، وإلّا كان من التعليق في الإنشاء المجمع على بطلانه ، وإنّما كان الالتزام بالعقد معلّقاً عليه ونتيجته هو الخيار عند التخلّف في المحلّ القابل.

وأُخرى : يتعلّق الاعتبار بعنوان غير واقع خارجاً ، كما لو باع هذا الكتاب مشيراً إليه بعنوان أنّه كتاب المكاسب فبان أنّه كتاب المطوّل ، أو باعه القطعة الخاصّة على أنّها ذهب فبانت نحاساً ، ففي أمثال ذلك لا مناص من الحكم بالبطلان ، فإنّ المنشأ معلّق على عنوان لا واقع له ، وما هو الواقع لم يقع متعلّقاً للاعتبار والإنشاء. فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

وقد تقرّر في محلّه (١) أنّ التعليق في المنشأ أمر معقول وجائز ، فقد ينشأ العقد مطلقاً ، وقد ينشأ معلّقاً على شي‌ء كما في الوصية التمليكية ، بل إنّ التعليق في

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٣ : ٦٦.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المنشأ ممّا لا مناص منه بالنسبة إلى ما يرجع إلى الذات ويعدّ من المقوّمات كعنوان الذهب وكتاب المكاسب ونحوهما ممّا يتقوّم به المبيع ، وليس هو على حدّ التعليق على الأُمور الخارجية الأجنبية عن المنشأ بالعقد ، الذي ادّعي الإجماع على بطلانه.

فيرجع قوله : بعتك هذا الشي‌ء على أن يكون ذهباً ، أو ... هذا الذهب. إلى قوله : إن كان هذا ذهباً فقد بعته. لوضوح أنّ الموضوع لا بدّ وأن يكون مفروض الوجود عند ورود الحكم عليه ، ومرجع فرضه كذلك إلى التعليق.

وعليه فمع عدم حصول المعلّق عليه لا إنشاءَ ولا قصدَ ، فلا عقد ، ونتيجته طبعاً هو البطلان.

وأمّا القسم الثاني : أعني الأفعال التكوينية ، فحيث إنّ متعلّقها أُمور خارجية وهي أُمور جزئية وشخصية فلا يعقل في مثلها التعليق ، إذ لا إطلاق ليقبل التقييد. فمن ضرب زيداً مثلاً باعتقاد أنّه فاسق ، أو قتله بتخيّل كونه كافراً ، أو شرب شيئاً بزعم كونه ماء ثمّ انكشف الخلاف فقد تحقّق الفعل في جميع ذلك خارجاً ، تحقّقت تلكم العناوين أم لا ، إذ لا يعقل كون الضرب الشخصي أو القتل أو الشرب معلقاً على عناوين الأُمور المذكورة ومتقيّداً بها كما كان هو الحال في الأُمور الاعتبارية.

وكيف يمكن القول بأنّ الضرب الصادر في المثال معلّق على تقدير الفسق وأنّه على تقدير العدالة لم يتحقّق الضرب منه أصلاً ، وهو فعل تكويني وجزئي خارجي تعلّق بأمر جزئي خارجي مثله ، وقد صدر منه ذلك على كلّ حال كان المضروب فاسقاً أم كان عادلاً.

وكذا الحال في الأمثلة الأُخرى ، بل وحتّى في الأفعال القصدية كالتعظيم والتحقير ونحوهما ، فمن قام لزيد تعظيماً بتخيّل أنّه عالم ، أو إهانة بتخيّل أنّه فاسق أو جاهل فبان الخلاف فقد تحقّق منه التعظيم بقصده أو الإهانة على كلّ حال ، لا أنّ القصد قد تحقّق منه على تقدير دون آخر.

٦٥

الثانية : أن يكون قصده الاقتداء بهذا الحاضر ولكن تخيّل أنّه زيد فبان أنّه عمرو ، وفي هذه الصورة الأقوى صحّة جماعته وصلاته (١). فالمناط ما قصده لا ما تخيّله من باب الاشتباه في التطبيق.

[١٨٨٠] مسألة ١٣ : إذا صلّى اثنان وبعد الفراغ علم أنّ نيّة كلّ منهما الإمامة للآخر صحّت صلاتهما ، أمّا لو علم أنّ نيّة كلّ منهما الائتمام بالآخر استأنف كلّ منهما الصلاة إذا كانت مخالفة لصلاة المنفرد (٢).

______________________________________________________

ففي جميع ذلك لا أثر لانكشاف الخلاف إلّا في ظهور تخلّف الداعي الباعث على العمل ، دون تخلّف نفس الفعل.

وعلى الجملة : الفعل التكويني الخارجي جزئي حقيقي غير قابل للتقسيم والتنويع حتّى يعقل فيه التقييد والتعليق.

وعليه فالائتمام في مفروض الكلام فعل خارجي ، وهو عبارة عن متابعة الإمام في أفعاله ، فيقوم حيث يقوم الإمام ، ويركع حيث يركع وهكذا ، ومثله غير قابل للتعليق والتقييد ، ولا يكون التخلّف في مورده إلّا من باب التخلّف في الداعي.

فالمتعيّن في مثل المقام الحكم بصحّة الجماعة ، فضلاً عن صحّة أصل الصلاة حيث إنّه نوى الاقتداء بشخص صالح لذلك ، غايته أنّه تخيّله زيداً العادل بحيث لو علم أنّه عمرو العادل لم يكن ليأتمّ به لغرض من الأغراض.

(١) قد عرفت آنفاً الوجه في ذلك ، كما عرفت انحصار المتصوّر المعقول في مثل المقام بهذه الصورة.

(٢) التفصيل المذكور في المتن هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع.

والمستند فيه ما رواه الكليني (قدس سره) بسنده عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام «قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في رجلين اختلفا فقال أحدهما : كنت إمامك ، وقال الآخر : أنا كنت إمامك ، فقال : صلاتهما تامّة ، قلت : فان قال كلّ واحد منهما : كنت ائتمّ بك؟ قال : صلاتهما فاسدة ، وليستأنفا» (١).

ولا يخفى أنّ الحكم في الشقّ الأوّل ممّا لا إشكال فيه ، لمطابقته للقاعدة ، فإنّ الإمام يأتي بوظيفة المنفرد ولا يترك شيئاً ممّا يجب عليه ، وقد عرفت أنّ الإمامة منتزعة من ائتمام الغير به ، وليست فعلاً من أفعاله كي يعتبر قصدها. فتخيّل كلّ منهما أنّه هو الإمام لا يضر بصحّة صلاته كما هو واضح.

وأمّا في الشقّ الثاني فقد ناقش فيه صاحب المدارك (قدس سره) (٢) بكونه على خلاف القواعد ، فانّ ترك القراءة لا يوجب البطلان بمقتضى حديث «لا تعاد الصلاة ...» (٣) ، حيث لا قصور في شموله لمثله وإن كان عمدياً بعد كونه معذوراً فيه ، فمقتضى القاعدة هي الصحة. وليس بإزاء ذلك ما يوجب الخروج عنه عدا رواية السكوني المتقدّمة ، ولكنّها ضعيفة السند جدّاً ، فلا يعتمد عليها.

أقول : أمّا الرواية فيمكن القول بعدم اعتبارها ، ولا سيما على مسلكه (قدس سره) من عدم الاعتماد إلّا على الصحيح الأعلائي ، فانّ السكوني وإن وثّقه الشيخ (قدس سره) في العدّة (٤) لكنه عاميّ ، وهو (قدس سره) لا يعتمد إلّا على العدل الإمامي ، وأمّا النوفلي فلم يرد فيه توثيق أصلاً.

وأمّا على مسلكنا من كفاية الوثاقة والاعتماد على ما ورد في أسناد كامل الزيارات فالرواية معتبرة ، لتوثيق السكوني كما عرفت ، وورود النوفلي في أسناد كامل الزيارات (٥) ، وليس في السند من يتوقّف فيه غيرهما.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٥٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٩ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٣.

(٢) المدارك ٤ : ٣٣٤.

(٣) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٤) العدّة ١ : ٥٦ السطر ١٣.

(٥) ولكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، وقد بنى (دام ظله) أخيراً على

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيف كان ، فتوصيف الرواية بالضعف خاصّة مع تأكيده بكلمة (جدّاً) في غير محلّه ، إذ غايته عدم الاعتبار لعدم توثيق بعض رواتها لا الرمي بالضعف لعدم ورود قدح أو تضعيف في أيّ واحد من رجال سندها.

على أنّها معتبرة على مسلك المشهور القائلين بانجبار الضعف بالشهرة ، فإنّ من المطمأنّ بل المقطوع به استناد المشهور إليها في الفتوى المذكورة ، بل الموجب لتحريرهم المسألة وتعرّضهم لها هي هذه الرواية ، وإلّا فالفرض نادر الوقوع خارجاً جدّاً ولا سيما الشقّ الثاني منه ، حيث إنّه من الندرة بمكان ، بل كاد يلحق بالممتنع ، ضرورة أنّ الائتمام يتقوّم بمتابعة الإمام في كافّة الأفعال فكيف يعقل أن يأتمّ كلّ واحد منهما بالآخر بأن يتابعه في أفعاله كلّها ، فانّ لازمه أن يكون كلّ منهما تابعاً ومتبوعاً ، وهو على حدّ الجمع بين المتقابلين كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فلا شكّ في استناد الأصحاب (قدس سرهم) إلى هذه الرواية ، الموجب لانجبار ضعفها على القول باعتبار الانجبار ، هذا ما يرجع إلى السند.

وأمّا الدلالة فظاهرها وإن كان إناطة الحكم صحة وفساداً بمجرّد إخبار كلّ منهما الآخر بالإمامة أو المأمومية ، إلّا أنّه غير مراد قطعاً ، لعدم احتمال أن يكون لمجرّد القول والإخبار دخل في الحكم على سبيل الموضوعية حتّى مع القطع بكذبه أو البناء على عدم حجّية قول الثقة في الموضوعات.

فلا محالة يكون اعتبار القول من باب الطريقية والكاشفية ، وتكون العبرة بالواقع ، فيكون مفادها الحكم بالبطلان في فرض ائتمام كلّ منهما بالآخر المنكشف ذلك بأخبارهما بعد الفراغ أو من طريق آخر ولو لم يكن إخبار منهما ، والحكم بالصحّة في فرض إمامة كلّ منهما للآخر المنكشف كذلك أيضاً.

__________________

اختصاص التوثيق بهم. إذن فلا توثيق من هذه الناحية ، نعم هو من رجال تفسير القمي فيحكم بوثاقته لأجل ذلك.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وحيث إنّ المأمومية تستلزم ترك القراءة غالباً لكونه من اللوازم العادية لها ، كما أنّ الإمامة تلازم الإتيان بها ، فالرواية محمولة بطبيعة الحال على هذا الفرد الغالب ، فهي تدلّ على البطلان في خصوص ما لو كان المأموم تاركاً للقراءة كما هو المتعارف في الجماعة ، بل إنّه قد لا تشرع القراءة فيها كما في الجهرية عند سماع قراءة الإمام أو همهمته.

وأمّا الفرد النادر وهو المأموم الذي أتى بالقراءة استحباباً كما في الصلوات الإخفاتية أو الجهرية مع عدم سماع القراءة ولو همهمة فالرواية منصرفة عنه قطعاً ، والصلاة حينئذ تكون محكومة بالصحّة.

ولا مانع من الالتزام بالبطلان في خصوص الصورة [الأُولى] بعد مساعدة الدليل عليه ، وإن كان ذلك خلاف القاعدة المستفادة من حديث «لا تعاد الصلاة ...» القاضية بالصحّة ، بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث لأمثال المقام ممّا كان الترك العمدي عذريا.

فانّ غايته التخصيص في الحديث المذكور بالرواية المعتبرة ، وهذا ممّا لا غرو فيه بعد ملاحظة ورود التخصيصات الأُخر عليه ، ومنها ما لو كبّر من كانت وظيفته القيام جالساً سهواً أو بالعكس ، المحكوم عليه بالبطلان بمقتضى الدليل الخاص ، الموجب لتخصيص الحديث المذكور الذي مقتضاه الصحّة ، وغيره من الموارد الكثيرة. فكم من تخصيص ورد على الحديث ، فليكن المقام من جملة ذلك.

والحاصل : أنّا نلتزم بأنّ ترك القراءة ممّن يأتمّ بمن يأتمّ هو به أيضاً كما تضمّنه النصّ المتقدّم يوجب البطلان ، للنصّ المذكور ، وإن كان مقتضى حديث «لا تعاد الصلاة ...» صحّته.

ومنه تعرف أنّ موضوع الحكم بالبطلان الذي دلّ عليه النصّ إنّما هو ترك القراءة حال الائتمام بالغير ، المقارن لائتمام الغير به أيضاً بحيث يتقارن الائتمامان فلا بطلان إلّا مع انضمام أحد الائتمامين إلى الآخر ومقارنته له. فلو ائتمّ هو

٦٩

ولو شكّا فيما أضمراه فالأحوط الاستئناف ، وإن كان الأقوى الصحّة إذا كان الشكّ بعد الفراغ ، أو قبله مع نيّة الانفراد بعد الشك (١).

______________________________________________________

بالغير لكن الغير لم يأتمّ به سواء أقصد الإمامة أم الانفراد صحّت صلاتهما. وليكن هذا على ذكر منك لتنتفع به عند التكلّم عن صورة الشك.

(١) ظاهر المحقّق (قدس سره) في الشرائع بل صريحه هو البطلان مطلقاً (١) استناداً إلى قاعدة الاشتغال الحاكمة بلزوم تحصيل القطع بالصلاة الصحيحة.

وقد يفصّل بين ما إذا كان الشكّ في الأثناء فيحكم بالبطلان ، وبين ما إذا كان بعد الفراغ فالصحّة استناداً إلى قاعدة الفراغ ، واختار الماتن الحكم بالصحّة مطلقاً [لكن] إذا كان ذلك في الأثناء [فإنّما تصحّ] مع نيّة الانفراد بعد الشكّ ، أو يحكم بالصحّة في هذا الفرض بدون النيّة إلّا في بعض الصور كما ستعرفه ، وجوه ، بل أقوال.

وينبغي أن يعلم أنّه لا بدّ وأن يكون محلّ الكلام هو صورة القطع بترك القراءة أو الشكّ فيه ، أمّا مع العلم بالإتيان بها حتّى لو كان مأموماً كما في موارد الصلوات الإخفاتية (٢) أو الجهرية مع عدم سماع همهمة الإمام حيث تشرع القراءة حينئذ للمأموم ، فلا ينبغي الشكّ في الصحّة عندئذ على كلّ تقدير سواء أكان ناوياً للإمامة أم الائتمام أم الانفراد ، لعدم الموجب للبطلان بعد عدم الإخلال بشرائط الصحّة على كلّ حال.

ثمّ إنّ الموضوع للبطلان في النصّ كما أشرنا إليه آنفاً هو ائتمام كلّ منهما مقارناً لائتمام الآخر به ، فهو مركّب من جزأين ، منوط بانضمام أحد الائتمامين إلى الآخر ، فانّ ذلك هو السبب في بطلان كلتا الصلاتين كما نطقت بذلك الرواية المتقدّمة ، فلا بطلان مع ائتمام أحدهما بالآخر وانتفاء ائتمام الآخر به ولو كان بالأصل.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٤٦.

(٢) [لكنّه خلاف ما انتهى إليه من منع القراءة فيها كما في ص ١٩٧ وما بعدها].

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ منشأ الشكّ في البطلان عند العلم بترك القراءة هو أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ ، إمّا هو الشكّ فيما نواه من الائتمام وعدمه مع العلم فعلاً بأنّ صاحبه قد نوى الائتمام به ، وإمّا هو العكس ، أي الشكّ فيما نواه صاحبه مع العلم بأنّه قد نوى الائتمام ، ولا منشأ له وراء هذين كما هو ظاهر بملاحظة ما مرّ ، فهاهنا صورتان :

ففي الأُولى : يشكّ في بطلان الصلاة لأجل التردّد في استناد ترك القراءة إلى الغفلة كي يحكم بالصحّة بحديث «لا تعاد الصلاة ...» أو إلى نيّة الائتمام كي تبطل للنصّ المتقدّم.

والمتّجه حينئذ الحكم بالصحّة ، استناداً إلى أصالة عدم الائتمام ، السليمة عن المعارضة بأصالة عدم نيّة الإمامة ، إذ لا أثر لها بعد وضوح عدم كون نيّة الإمامة شرطاً في صحّة الجماعة فضلاً عن صحّة الصلاة.

وليس المقصود من إجراء الأصل المذكور إثبات كونه قد نوى الإمامة أو الانفراد حتّى يكون الأصل مثبتاً ، إذ يكفينا مجرّد نفي سبب البطلان وهو الائتمام بالأصل ، غايته ترك القراءة ، ولا ضير فيه ، لتصحيح ذلك بحديث «لا تعاد الصلاة ...» ، وهذا من غير فرق بين ما إذا كان حدوث الشكّ في الأثناء أم بعد الفراغ.

نعم ، على الأوّل يلزمه البناء على الانفراد بعد الشكّ كما ذكره المصنّف (قدس سره) ، إذ لا يسعه البناء على الجماعة بعد التعبّد بعدم الدخول في الصلاة بنيّة الائتمام بمقتضى الأصل المزبور. ومن الواضح عدم مشروعية الاقتداء في الأثناء ، على أنّ المفروض هو علمه فعلاً بائتمام صاحبه فكيف يأتمّ هو به أيضاً؟ وهو ظاهر.

وكيف كان ، فمستند الحكم بالصحّة حتّى فيما إذا كان الشكّ بعد الفراغ هو أصالة عدم الائتمام كما عرفت ، لا قاعدة الفراغ ، إذ لا مجال لجريانها لاختصاصها بمقتضى التعليل بالأذكرية والأقربية إلى الحقّ الوارد في ذيل

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

بعض أخبار الباب (١) بما إذا كان احتمال البطلان مستنداً إلى الغفلة والنسيان كي يصحّ التعليل لدفعه ، فيبني على الصحّة لكونه حين العمل أذكر أو أقرب إلى الحقّ منه حين يشكّ ، دون صورة الاتّفاق والصدفة التي لا يفرق الحال فيها بين حال العمل وما بعده كما فيما نحن فيه.

ضرورة أنّه لو كان ناوياً للائتمام فإنّما كان ذلك عن قصد وعمد ، لعدم كونه على خلاف ما تقتضيه وظيفته آن ذاك كي يكون الإتيان مستنداً إلى النسيان حيث كان يعتقد مشروعيته ، لعدم علمه بائتمام صاحبه إلّا فيما بعد ، وإلّا لم يكن ليأتمّ به قطعاً. فبطلان الصلاة على تقدير الائتمام مستند إلى مقارنة ائتمامه مع صاحبه واقعاً من باب الصدفة والاتّفاق ، دون السهو والغفلة ، ومثله غير مشمول للقاعدة.

هذا كلّه فيما إذا علم بترك القراءة ، وأوضح حالاً ما لو شكّ فيها ، فإنّه إذا حكم بالصحّة في فرض اليقين بالترك فمع الشكّ واحتمال القراءة يحكم بها بطريق أولى ، فيجري حينئذ جميع ما مرّ بالأولوية القطعية.

وأمّا الثانية : وهو الشكّ فيما نواه صاحبه مع فرض علمه بأنّه قد نوى الائتمام به ، فالمرجع فيها أيضاً هو أصالة عدم الائتمام ، لكن في فعل صاحبه الذي هو مورد الشكّ ، لا في فعل نفسه ، لفرض علمه بالائتمام.

وهذا الأصل غير معارض بأصالة عدم الإمامة ، لما سبق. ومن دون حاجة إلى إثبات أنّه نوى الإمامة أو الانفراد كما مرّ أيضاً ، فإنّه يكفي مجرّد نفي الائتمام الذي هو السبب في البطلان على حدّ ما عرفته في الصورة الأُولى ، ومن دون فرق أيضاً بين كون الشكّ في الأثناء أو بعد الفراغ ، للأصل المذكور على التقديرين.

بل إنّ الوجه في عدم جريان قاعدة الفراغ هنا أوضح ، وعدم انطباق التعليل الوارد في ذيل بعض الأخبار عليه أصرح ، إذ كيف يكون هو أذكر في

__________________

(١) تقدّم ذكر المصدر في ص ٥٩.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عمل غيره ونيّته الخارجين عن تحت قدرته واختياره.

وعلى الجملة : بالأصل المذكور يثبت أنّ صاحبه لم يكن مؤتمّاً به ، وبضمّه إلى ائتمامه بصاحبه المعلوم له وجداناً ينتج اقتداؤه بمن لم يكن هو مقتدياً به وهو كافٍ في الحكم بصحّة الصلاة.

فحكم هذه الصورة حكم الصورة السابقة بعينه ، إذ المبطل إنّما هو اقتران أحد الائتمامين بالآخر واجتماعهما معاً ، وبعد نفي أحدهما بالأصل يتّجه الحكم بالصحّة ، غاية الفرق بين الصورتين أنّ مجرى الأصل هنا هو فعل الغير ، بخلاف السابقة حيث كان مجراه هو فعل نفسه.

نعم ، تمتاز هذه الصورة عن سابقتها بجواز البقاء على نيّة الائتمام ، وعدم لزوم نيّة الانفراد بعد الشكّ إذا كان في الأثناء كما كان يلزم ذلك في الصورة المتقدّمة كما عرفت ، إذ بعد علمه بأنّه قد نوى الائتمام كما هو المفروض ودفع احتمال ائتمام صاحبه بالأصل يحكم بصحّة اقتدائه كما يحكم بصحّة صلاته ، فتكون صلاته محكوماً عليها بكونها جماعة بما لها من الآثار ، فله إتمامها جماعة ، ويكون حالها مثل ما لو اقتدى بزيد لكنّه احتمل في ذلك الحين أن يكون زيد قد ائتمّ به فكما أنّه يدفع هذا الاحتمال بالأصل ويمضي في صلاته جماعة ، كذلك الحال في المقام.

ومنه تعرف أنّ ما أفاده الماتن (قدس سره) من الحكم بلزوم نيّة الانفراد بعد الشكّ لا يتمّ على إطلاقه ، بل يتمّ ذلك في الصورة السابقة فقط حسبما عرفت.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر حكم اقتران الشكّين ، كما إذا شكّ في نيّة نفسه ونيّة صاحبه من دون علم بتحقّق الاقتداء من أحد الطرفين ، فإنّه يتمسّك حينئذ بأصالة عدم الائتمام من كلا الجانبين ، ويحكم بصحّة كلتا الصلاتين ، مع لزوم البناء على الانفراد بعد الشكّ المزبور إذا كان قد حدث في الأثناء ، كما يفهم ذلك ممّا مرّ فلاحظ.

٧٣

[١٨٨١] مسألة ١٤ : الأقوى والأحوط عدم نقل نيّته من إمام إلى إمام آخر اختياراً (١) وإن كان الآخر أفضل وأرجح ، نعم لو عرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته من موت (٢)

______________________________________________________

العدول إلى إمام آخر :

(١) إذ لا دليل على النقل اختياراً وإن كان المنقول إليه أفضل بعد فقد الإطلاق في المسألة ، ومقتضى الأصل هو عدم المشروعية ، فهو نظير ما لو كان ناوياً للانفراد ثمّ بدا له الائتمام في الأثناء ، فإنّهما من واد واحد. والجامع هو عدم جواز الائتمام في الأثناء ، فإنّ المتيقّن من مشروعية الجماعة هو الائتمام من أوّل الصلاة إلى آخرها بإمام معيّن ، والمرجع فيما عدا ذلك الأصل المتقدّم ذكره.

وعن العلامة (قدس سره) الجواز في المقام (١) ، وكأنّه استند إلى الروايات الواردة في الفرع الآتي بعد إلغاء خصوصية المورد ، وإلى الاستصحاب بتقريب أنّ المأموم في أوّل الصلاة كان له الائتمام بالشخص الآخر قبل ائتمامه بغيره والآن كما كان.

وفي كلا الوجهين ما لا يخفى :

أمّا الروايات : فلأنّ موردها صورة العذر وعدم تمكّن الإمام من إتمام الصلاة ، فكيف يتعدّى عنه إلى النقل الاختياري بلا عذر. ولا شاهد على إلغاء خصوصية المورد أصلاً كما لعلّه ظاهر.

وأمّا الاستصحاب فهو ساقط جدّاً ، فإنّه مضافاً إلى كونه في الشبهة الحكمية ولا نقول به من الاستصحاب التعليقي الذي هو من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر كما لا يخفى.

(٢) كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّه سأل عن

__________________

(١) التذكرة ٤ : ٢٦٩.

٧٤

أو جنون أو إغماء (١)

______________________________________________________

رجل أمّ قوماً فصلّى بهم ركعة ثم مات ، قال : يقدّمون رجلاً آخر ويعتدّون بالركعة ، ويطرحون الميّت خلفهم ، ويغتسل من مسّه» (١).

ويؤيّد ذلك التوقيع المروي في الاحتجاج بهذا المضمون (٢).

(١) لا دليل على ذلك في النصوص ، وإنّما تعدّى الأصحاب (قدس سرهم) من الموارد المنصوصة ممّا مرّ وما سيمرّ عليك بيانه إلى مورد الجنون أو الإغماء ، وإلى ما لو عرض للإمام ما يمنعه من إتمام الصلاة مختاراً كما سيأتي.

ويمكن الاستدلال له بصحيح معاوية بن عمّار الآتية (٣) في اعتلال الإمام بناء على أنّ المراد من اعتلال الإمام ليس خصوص المرض ليكون ذلك على حدّ الاستثناء في سائر الموارد المنصوصة بالخصوص ، بل المراد به عروض العذر ومطلق الحادث المانع من إتمام الصلاة كما هو غير بعيد ، وعليه فلا حاجة في التعدّي إلى دليل آخر.

بل يمكن التعدي حتّى ولو كان المراد بالاعتلال هو المرض ، وذلك لأنّ الموارد المنصوصة كلّها إنّما نصّ عليها في كلام السائلين دون الإمام عليه‌السلام ، ومن الواضح أنّ التنصيص على موارد خاصّة في الأسئلة ليس لأجل انقداح خصوصية المورد في ذهن السائل ، بل لأجل أمر جامع وهو عدم تمكّن الإمام من الإتمام ، فكان المسوق له السؤال هي الجهة العامّة غير الخاصّة بالمفروض في السؤال ، وكان ذكر المورد الخاصّ فيه من باب المثال وكونه أحد المصاديق.

وعلى الجملة : سياق النصوص التي تقدّم بعضها وتأتي البقية يشهد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٨٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٦ / أبواب غسل مسّ الميت ب ٣ ح ٤ ، الاحتجاج ٢ : ٥٦٣ / ٣٥٤.

(٣) في ص ٨٢.

٧٥

أو صدور حدث (١)

______________________________________________________

بإلغاء خصوصية المورد ، وكونها ناظرة سؤالاً وجواباً إلى طروء مطلق العذر المانع من إتمام الصلاة جماعة. فالبناء على التعدّي كما عليه الأصحاب هو الصحيح.

(١) وتدلّ عليه روايات كثيرة ، جملة منها صحيحة السند كصحيحة زرارة أنّه قال «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، وأحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم أتجزئهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال : لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي له أن ينويها (صلاة) وإن كان قد صلّى ، فانّ له صلاة أُخرى ، وإلّا فلا يدخل معهم ، وقد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها» (١).

فإنّه عليه‌السلام بعد ما حذّر عن الدخول في الجماعة بدون النيّة ، وأنّه ينبغي له أن ينوي وإن كان قد صلّى ، وتحتسب له صلاة أُخرى لكونها معادة حكم بصحة صلاة القوم وجماعتهم عند تقديمهم الرجل ، وإن لم يكن ناوياً للصلاة ، لجهلهم بحاله.

وصحيحة سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يؤمّ القوم فيحدث ، ويقدّم رجلاً قد سبق بركعة ، كيف يصنع؟ قال : لا يقدّم رجلاً قد سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدّمه» (٢).

وصحيحة علي بن جعفر «أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن الإمام أحدث فانصرف ولم يقدّم أحداً ، ما حال القوم؟ قال : لا صلاة لهم إلّا بإمام ، فليقدّم بعضهم فليتمّ بهم ما بقي منها ، وقد تمّت صلاتهم» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤١ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٢٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ١.

٧٦

بل ولو لتذكّر حدث سابق (١) جاز للمأمومين تقديم (٢)

______________________________________________________

(١) كما تدلّ عليه صحيحة جميل عن الصادق عليه‌السلام : «في رجل أمّ قوماً على غير وضوء فانصرف ، وقدّم رجلاً ولم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله ، قال : يذكّره من خلفه» (١) المؤيّدة برواية زرارة (٢) ومرسلة الفقيه (٣).

(٢) الكلام يقع تارة في وجوب الاستنابة وعدم وجوبها ، وأُخرى في كون الاستنابة من وظيفة المأمومين أو الإمام ، فهنا جهتان :

أمّا الجهة الأُولى : فالظاهر عدم الوجوب ، بل لا ينبغي الإشكال فيه ، بناء على ما سيجي‌ء (٤) من عدم وجوب البقاء على الجماعة وجواز العدول في الأثناء اختياراً إلى الانفراد حتّى مع تمكّن الإمام من الإتمام ، فضلاً عمّا إذا مات أو عجز عن الإتمام كما في المقام.

نعم ، قد يتوهّم الوجوب من قوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة آنفاً : «لا صلاة لهم إلّا بإمام» ، ولكنّها محمولة على الفضل قطعاً لما عرفت.

مضافاً إلى أنّ ظاهرها بمقتضى نفي طبيعة الصلاة بدون الإمام هو وجوب الجماعة في أصل الصلاة ، لقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بإمام» دون : لا إتمام للصلاة إلّا بإمام. وهذا غير مراد البتة ، لأنّ إقامة الصلاة جماعة مستحبة في الفرائض كلّها بلا إشكال ، فيكون المراد به نفي الكمال بطبيعة الحال.

على أنّ صحيحة زرارة صريحة في جواز الانفراد ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمّ أخبرهم أنّه ليس على

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٢٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٢.

(٤) في ص ٨٥.

٧٧

إمام آخر (*) وإتمام الصلاة معه (١).

______________________________________________________

وضوء ، قال : يتمّ القوم صلاتهم ، فإنّه ليس على الإمام ضمان» (١).

مع أنّ الحكم إجماعي ظاهراً ، حيث لم ينسب القول بالوجوب في المقام إلى أحد من الأعلام ، وإن تردّد فيه صاحب المدارك (قدس سره) (٢).

وأمّا الجهة الثانية : فظاهر صحيحة البقباق الآتية (٣) في مورد اختلاف الإمام والمأمومين سفراً وحضراً أنّ الاستنابة من وظائف الإمام. لكن المستفاد من بعض النصوص كصحيحة الحلبي المتقدّمة (٤) في مورد موت الإمام وغيرها أنّها وظيفة المأمومين ، بل ظاهر صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة هو تقديم بعضهم من دون تعيين أن يكون التقديم من قبل الإمام أو المأمومين.

والمتحصّل من ملاحظة مجموع النصوص نيابة شخص صالح للإمامة يقوم مقام الإمام الأوّل ، بلا فرق في أن تكون الاستنابة من قبل الإمام أو المأمومين ، أو تقدّم من يرتضيه المأمومون من تلقاء نفسه بلا استنابة ، وأنّ ذكر الإمام أو المأمومين في بعض النصوص إنّما هو مقدّمة لحصول هذه الغاية ، أي ليتمكّن القوم من إتمام الصلاة جماعة. فلا خصوصية للتعيين.

(١) هل يشترط أن يكون النائب هو أحد المأمومين أو يجوز استنابة الأجنبي أيضاً؟

ذهب جمع من الأصحاب منهم صاحب الحدائق (قدس سره) (٥) إلى الثاني مستندين في ذلك إلى إطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة في موت الإمام ، حيث

__________________

(*) بشرط أن يكون هو من المأمومين.

(١) الوسائل ٨ : ٣٧١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) المدارك ٤ : ٣٦٣ ٣٦٤.

(٣) في ص ٨٢.

(٤) في ص ٧٤.

(٥) الحدائق ١١ : ٢١٨.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال عليه‌السلام : «يقدّمون رجلاً آخر ...» فإنّه بإطلاقه يعمّ المأموم والأجنبي.

وإلى ظاهر صحيحة جميل المتقدّمة (١). وتؤيّدهما رواية زرارة المتقدّمة (٢) الضعيفة بعلي بن حديد ، فانّ قوله في الصحيحة : «ولم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله ...» (٣) وفي الرواية : «ولم يعلم الذي قدّم ما صلّى القوم ...» (٤) ظاهران في الأجنبي ، وإلّا فلو كان أحد المأمومين لعلم بذلك. ففرض الجهل به لا يكون إلّا في الأجنبي.

أقول : يمكن فرض الجهل بالنسبة إلى المأموم أيضاً ، إمّا لغفلته عن عدد الركعات وعدم اهتمامه بضبطها ، تعويلاً على حفظ الإمام لضبطه ، والمأموم تابع فلا يبالي بغير المتابعة كما يتّفق كثيراً. أو لكونه مسبوقاً كما لو أدرك الإمام في الركوع وحدث له الحادث في السجود ، فلم يدر بعدد الركعة التي هو فيها. فدعوى ظهور الروايتين في الأجنبي في غير محلّها ، بل غاية ما في الباب هو الإطلاق ، كما في صحيحة الحلبي.

وعليه فالروايات الثلاث كلّها مشتركة في الدلالة بإطلاقها على ذلك وحينئذ فمقتضى الجمع بينها وبين صحيحة البقباق الآتية في اختلاف الإمام والمأمومين سفراً وحضراً وصحيحة علي بن جعفر المتقدّمة (٥) الصريحتين ولا سيما الثانية منهما في لزوم استنابة أحد المأمومين ، حمل المطلقات على المقيّدة ، عملاً بقانون الإطلاق والتقييد.

وحمل الأمر في الصحيحتين على الفضل كما قيل لا شاهد عليه بعد

__________________

(١) في ص ٧٧.

(٢) [تقدّمت الإشارة إليها فقط في ص ٧٧].

(٣) الوسائل ٨ : ٣٧٧ / من أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٢.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٧٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٤.

(٥) في ص ٧٦.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ظهورهما في تعيّن كون المقدّم من المأمومين ، من دون قرينة على الصرف عن هذا الظاهر ، فلا مناص من ارتكاب التقييد. كما أنّ حمل القيد على أنّه أسهل لكونه من الفرد الغالب معارض بحمل الإطلاق على إرادة هذا الفرد الغالب فلا يعمّ غيره.

فالأقوى اشتراط أن يكون النائب من المأمومين.

ثمّ إنّه على تقدير جواز استنابة الأجنبي فهل يبني على الصلاة من حيث قطع الإمام فيأتي بالمقدار الباقي من صلاة الإمام ، أو أنّه يبدأ بالصلاة من أوّلها ويتمّ صلاته منفرداً بعد ما يتمّ المأمومون ما تبقى من صلاتهم معه؟

نسب الأوّل في الحدائق إلى العلامة (قدس سره) مستدلاً له بالأولوية ، إذ لو جازت إمامة المأموم في المقدار الباقي جاز للأجنبي بطريق أولى (١). ثمّ إنّه (قدس سره) ناقش في الاستدلال بها وبأمثالها بأنّها وجوه ضعيفة مبتنية على الاستحسانات العقلية.

وقد استدلّ هو بصحيحة جميل ورواية زرارة المتقدّمتين ، حيث ذكر في أُولاهما : «ولم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله ...» وفي الثانية : «ولم يعلم الذي قدّم ما صلّى القوم ...» ، فانّ التصريح بهذا القيد إنّما يتلائم مع اعتبار صلاة النائب من حيث قطع الإمام ، فإنّ العلم بما صلاة الإمام يوجب تمكّن النائب من مراعاة المقدار الباقي ، وإلّا فلو جاز له الشروع في الصلاة من الأوّل لم يترتّب على علمه بما صلاة الإمام أيّ أثر ، فإنّه يأتي بصلاته والمأمومون يتمّون ما بقي من صلاتهم معه كائناً ما كان.

فالمستفاد من الروايتين هو قيام شخص آخر مقام الإمام في إتمام الباقي من الصلاة ، كي لا يبقى المأمومون بدون إمام ، وإن استلزم ذلك نقصان صلاة النائب.

وقد استغرب صاحب الحدائق (قدس سره) الحكم المذكور ، وقال ما لفظه :

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٢١٨.

٨٠