موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد دلّت على العدول عند الائتمام بمن يصلّي الحاضرة إلى الفائتة ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما كانت الفائتة المنسيّة موافقة مع الحاضرة في الجهر والإخفات ، أو كانت مخالفة معها كما لو كانت عصراً.

وتدلّ عليه صريحاً أيضاً موثّقة إسحاق بن عمّار قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تقام الصلاة وقد صلّيت ، فقال : صلّ واجعلها لما فات» (١).

وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمّ يجد جماعة ، قال : يصلّي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء» (٢).

ورواها الكليني (قدس سره) عن حفص بن البختري بدون كلمة «إن شاء» (٣).

فإنّ المراد جعلها الفريضة الفائتة ، ولو بقرينة الموثّقة المتقدّمة ، مع أنّ كلمة «إن شاء» قرينة على ذلك ، لدلالتها على التخيير بين جعلها الفائتة أو احتسابها الحاضرة ، فتكون من الصلاة المعادة.

نعم ، ائتمام المؤدّي بالقاضي صلاته عارٍ من النصّ ، ولكن يمكن تعميم الحكم الثابت في عكسه بالنصوص المتقدّمة بأحد وجهين :

أحدهما : دعوى الإجماع القطعي والتسالم وعدم القول بالفصل ، فإنّ أحداً من الفقهاء لم يفرّق في الجواز بين الصورتين ، فينتج ذلك القطع باتحاد الحكم فيهما. وهذه الدعوى قريبة جدّاً إن لم تكن مقطوعاً بها.

ثانيهما : التمسّك بعموم صحيحة زرارة والفضيل المتقدّمة في صدر المبحث (٤) الدالّة على أنّ الجماعة سنّة في جميع الفرائض كلّها ، فإنّ ائتمام المؤدّي بالقاضي

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٠١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٠٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١١ ، الكافي ٣ : ٣٧٩ / ١.

(٤) في ص ٩.

٤١

والقصر والتمام (١) ، بل والوجوب والندب ، فيجوز اقتداء مصلّي الصبح أو المغرب أو العشاء بمصلّي الظهر أو العصر ، وكذا العكس.

______________________________________________________

يكون في صلاة الفريضة لا محالة ، فيشمله العموم المذكور.

ويتوجّه عليه : أنّ العموم الذي تضمّنه الصحيح عموم أفرادي ، بمعنى شمول الحكم بالاستحباب لكلّ فردٍ من أفراد الفريضة ومنها صلاة القضاء ، فتشرع فيها الجماعة أيضاً ، لكن حالات هذا الفرد من كون المأموم مؤدّياً والإمام قاضياً وبالعكس غير مشمولة للعموم ، لعدم كون الحالات والخصوصيات المذكورة مفرّدة كما لا يخفى.

نعم ، لا بأس بالتمسّك بالإطلاق الأحوالي للصحيحة بتقريب : أنّ الظهر مثلاً فرد من الفريضة فيشملها عموم الصحيحة لا محالة ، ومقتضى إطلاق الدليل هو عدم الفرق بين ما إذا كان الإمام مؤّدياً أيضاً أم كان قاضياً.

(١) أشرنا في صدر المسألة إلى أنّ الحكم في الجميع من المتسالم عليه ، وقد نسب الخلاف في المقام إلى والد الصدوق (قدس سره) وهو عدم الجواز مع الاختلاف بين الإمام والمأموم سفراً وحضراً (١). ولكن النسبة غير ثابتة ، وقد تنظّر في صدقها بعضهم كما عرفته سابقاً.

وعلى كلّ حال فلا دليل على ذلك ، بل الدليل على خلافه ، وهو صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : لا يؤمّ الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي بشي‌ء من ذلك فأمّ قوماً حضريين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم. وإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر والأخيرتين العصر» (٢).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤٨٨ المسألة ٣٤٨ ، راجع فقه الرضا : ١٦٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٣٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦.

٤٢

ويجوز اقتداء المؤدّي بالقاضي والعكس ، والمسافر بالحاضر والعكس ، والمعيد صلاته بمن لم يصلّ والعكس (١) ، والذي يعيد صلاته احتياطاً استحبابياً أو وجوبياً بمن يصلّي وجوباً (٢) ، نعم يشكل اقتداء من يصلّي وجوباً بمن يعيد احتياطاً ولو كان وجوبياً (٣)

______________________________________________________

فانّ صدر الرواية وإن كان ظاهراً في نفسه لولا الذيل في المنع ، لكنّه بقرينة الذيل الصريح في الجواز محمول على الكراهة ، وأنّ فيه نوعاً من المرجوحية.

(١) يدلّ على الأصل ذيل صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة (١) ، وعلى العكس صحيحة ابن بزيع قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : إنّي أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم ، فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن أتاهم ، وربما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل ، فأكره أن أتقدّم وقد صلّيت ، لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت ذلك ، فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله ، فكتب عليه‌السلام : صلّ بهم» (٢).

والظاهر أنّ قوله : «قبل أن أتاهم» تصحيف ، والصحيح : «قبل أن آتيهم». وكيف كان ، فقد دلّت على جواز اقتداء من لم يصلّ بالمعيد صلاته.

(٢) لا محذور في ذلك ، فإنّ صلاة المأموم المعادة إن كانت صحيحة واقعاً لأجل فساد صلاته الاولى فقد انعقدت الجماعة الصحيحة لا محالة ، وإلّا كانت لغواً ، بلا فرق بين الإتيان بها جماعة أو فرادى ، فلا موجب للمنع من الائتمام حينئذ.

(٣) مورد كلامه (قدس سره) ما إذا تمحّضت الإعادة في عنوان الاحتياط ، فإنّه يشكل حينئذ اقتداء المصلّي وجوباً بمثله وإن كان الاحتياط وجوبياً ، لعدم

__________________

(١) في ص ٤١.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٠١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٥.

٤٣

بل يشكل اقتداء المحتاط بالمحتاط (١) إلّا إذا كان احتياطهما من جهة واحدة.

______________________________________________________

إحراز كون الإمام مصلّياً ، لاحتمال أن تكون صلاته الأُولى صحيحة فتكون الثانية صورة صلاة عارية عن الأمر الشرعي ، والاقتداء إنّما يكون بمن يصلّي المأمور به.

وأمّا لو فرضنا كون صلاة الإمام من المعادة المأمور بها كما إذا كان قد صلّاها أوّلاً فرادى ثم أراد إعادتها جماعة فيصحّ اقتداء من يصلّي وجوباً بمثله وإن كان الإمام حينئذ ناوياً الاحتياط أيضاً لاحتماله الخلل في صلاته الاولى.

حيث لا محذور في هذه الضميمة في القصد بعد فرض صحّة صلاته الثانية وتعلّق الأمر بها على كلّ تقدير سواء أكانت الأُولى صحيحة أيضاً أم لا ، لكون الثانية حينئذ مأموراً بها وجوباً أو استحباباً. لكن هذه الصورة خارجة عن مفروض كلام المصنّف كما لا يخفى.

(١) كما لو احتمل كلّ منهما بطلان صلاته ، الموجب للإعادة احتياطاً وجوباً أم استحباباً ، فإنّه لا يصحّ إعادتهما للصلاة حينئذ جماعة بائتمام أحدهما بالآخر ، لاحتمال خطأ الإمام في احتماله بطلان صلاته الاولى وإصابة المأموم في احتماله ذلك.

فإنّه على هذا التقدير تكون صلاة المأموم مأموراً بها دون الإمام ، حيث تكون صلاته صورية وفاقدة للأمر. ومجرّد هذا الاحتمال المقتضي لعدم إحراز صحّة صلاة الإمام يكفي للحكم بعدم مشروعية الجماعة.

هذا فيما إذا اختلف الإمام والمأموم في منشأ الاحتياط ، بحيث احتملنا الانفكاك بينهما في صحّة الثانية وبطلانها.

وأمّا مع الاتحاد في المنشأ كما لو توضّأ الإمام والمأموم بماء معيّن ، وبعد فراغهما من الصلاة شكّا في طهارة الماء ، لشبهة اقتضت الاحتياط بالإعادة وجوباً أو استحباباً ، ففي مثل ذلك لا مانع من الائتمام ، لعدم احتمال البطلان في

٤٤

[١٨٧١] مسألة ٤ : يجوز الاقتداء في اليومية أيّاً منها كانت أداء أو قضاء بصلاة الطواف (*) كما يجوز العكس (١).

[١٨٧٢] مسألة ٥ : لا يجوز الاقتداء في اليوميّة بصلاة الاحتياط في الشكوك (٢) ، والأحوط ترك العكس أيضاً (**) (٣) وإن كان لا يبعد الجواز ،

______________________________________________________

حقّ الإمام والصحّة في حقّ المأموم ، بل هما صحيحتان معاً أو باطلتان معاً. فعلى تقدير صحّة كلتا الصلاتين يتمّ الاقتداء ، وإلّا كانت الصلاتان معاً باطلتين كما هو ظاهر.

(١) الحكم في كلّ من الأصل وعكسه في غاية الإشكال ، لعدم دليل عليه بل عرفت فيما سبق (١) الإشكال في مشروعية الجماعة في صلاة الطواف بنفسها فضلاً عن الاقتداء في غيرها بها أو بالعكس ، لعدم معهودية ذلك بين المسلمين ولم ينقل هو أيضاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحد المعصومين عليهم‌السلام ، بل ولا من أصحابهم. فهذا الالتزام بالترك الكلّي كاشف عن عدم مشروعية الجماعة كذلك ، وإلّا فما الموجب لهذا الالتزام مع ما هو الثابت من فضيلة الجماعة.

وبذلك ترفع اليد عن إطلاق صحيحة زرارة والفضيل المتقدّمة في صدر المبحث (٢) ، وإن كان مقتضى القاعدة الحكم بالجواز لولا ذلك ، عملاً بالإطلاق كما أشرنا إليه سابقاً.

(٢) لعدم الجزم بوجوب تلك الصلاة ، إذ على تقدير عدم النقص فهي نافلة ولا جماعة في النافلة ، فلم تحرز صحّة الاقتداء بها.

(٣) بل هو الأظهر ، فلا يصحّ الاقتداء في صلاة الاحتياط بمن يصلّي اليومية

__________________

(*) فيه وفي عكسه إشكال ، بل مشروعية الجماعة في صلاة الطواف في نفسها محلّ إشكال.

(**) بل الأظهر ذلك.

(١) في ص ١١.

(٢) في ص ٩.

٤٥

بل الأحوط (*) (١) ترك الاقتداء فيها ولو بمثلها من صلاة الاحتياط حتّى إذا كان جهة الاحتياط متّحدة ، وإن كان لا يبعد الجواز في خصوص صورة الاتّحاد كما إذا كان الشكّ الموجب للاحتياط مشتركاً بين الإمام والمأموم.

______________________________________________________

جزماً ، لأنّ هذه الصلاة إمّا فريضة متمّمة للنقص أو نافلة ، والجماعة غير مشروعة على التقديرين ، أمّا الأوّل فلعدم صحّة الاقتداء في الأثناء ، وأمّا الثاني فلعدم مشروعية الجماعة في النافلة.

(١) بل هو الأقوى فيما إذا كان الائتمام في خصوص صلاة الاحتياط ، كما لو صلّى كلّ منهما منفرداً وحصل لكلّ منهما الشكّ بين الثلاث والأربع مثلاً ، وأراد أحدهما الاقتداء بالآخر في صلاة الاحتياط.

وذلك لعين ما تقدّم في وجه المنع آنفاً من البطلان على التقديرين ، بل لو فرض علم المأموم بصحّة صلاة الإمام وعدم النقص فيها كان عدم جواز الائتمام به حينئذ أظهر ، لعلمه بلغوية تلك الركعة ، فكيف يقتدي بها.

وأمّا لو كان الائتمام من أوّل الأمر كما لو حصل الشكّ بين الثلاث والأربع لكلّ من الإمام والمأموم فوجب عليهما صلاة الاحتياط لفرض عدم حفظ واحد منهما كي يرجع الآخر إليه ، فلا يبعد حينئذ عدم صحّة الاقتداء في صلاة الاحتياط أيضاً ، فإنّ الائتمام حينئذ وإن لم يكن في الأثناء كما كان كذلك في الفرض السابق فلا إشكال من هذه الجهة ، إلّا أنّ المستفاد من أدلّة ركعات الاحتياط كموثّقة عمّار قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شي‌ء من السهو في الصلاة ، فقال : ألا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟ قلت : بلى ، قال : إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما

__________________

(*) لا يترك الاحتياط ، بل الأظهر عدم الجواز في بعض الصور.

٤٦

[١٨٧٣] مسألة ٦ : لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية أو الطواف بمصلّي الآيات أو العيدين أو صلاة الأموات ، وكذا لا يجوز العكس ، كما أنّه لا يجوز اقتداء كلّ من الثلاثة بالآخر (١).

______________________________________________________

نقصت» (١) هو أنّ جبر الصلاة على تقدير النقص فيها إنّما يكون بالإتيان بركعة محكومة بالصحّة على تقديري النقص وعدمه ، وأن الصحّة على أحد التقديرين غير كافية في الجبر.

وعليه فبما أنّ الائتمام هنا يوجب فساد الصلاة على تقدير عدم النقص لكونها حينئذ من النافلة التي لا تشرع الجماعة فيها فشرط الجبر غير متحقّق لعدم صحّة المأتي بها على التقديرين ، ولأجل ذلك يشكل الاقتداء فيها سواء اتحدت جهة الاحتياط فيهما أم اختلفت.

لكن الإشكال يختصّ بما إذا ترتّب على الاقتداء أحكام الجماعة من رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر عند الشك في أفعال الصلاة ، وأمّا مع عدم ترتّبها لعدم تحقّق الشك ، والمفروض عدم تحمّل الإمام القراءة أيضاً لاختصاصه بالأوّلتين ، وهذه على تقدير النقص من الأخيرة التي لا تحمّل فيها فلا موجب للبطلان ، لاشتراكها مع الصلاة فرادى ، وعدم الفرق بينهما إلّا في نية الائتمام ، وهي ممّا لا ضير فيها إذا كانت رجاء لا تشريعا.

(١) أمّا عدم جواز الاقتداء في صلاة الطواف بغيرها وبالعكس فقد ظهر ممّا مرّ في المسألة الرابعة ، بل قد عرفت عدم مشروعية الجماعة فيها بنفسها فضلاً عن صورة الاختلاف.

وأمّا في صلاة الأموات بغيرها وبالعكس فالأمر أوضح ، لعدم كونها صلاة حقيقية ذات ركوع وسجود ، وإنّما هي تهليل وتحميد وتكبير ، فلا موجب لترتيب أحكام الصلاة الحقيقية ومنها الائتمام عليها ، وإن ثبتت مشروعية

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [الظاهر كونها ضعيفة سنداً].

٤٧

[١٨٧٤] مسألة ٧ : الأحوط عدم اقتداء مصلّي العيدين (*) بمصلّي الاستسقاء وكذا العكس (١) وإن اتّفقا في النظم.

______________________________________________________

الجماعة فيها بالاستقلال بأدلّتها الخاصّة كما سبق في محلّه (١).

وأمّا في غيرهما من الثلاثة المذكورة في المتن أعني اليوميّة والآيات والعيدين فالوجه في عدم مشروعية الجماعة فيها بعضها مع بعض قصور المقتضي وعدم الدليل ، عدا ما قد يتوهّم من عموم صحيحة زرارة والفضيل المتقدّمة (٢).

ويتوجّه عليه : ما سبق (٣) من كونها بعمومها ناظرة إلى الأفراد ، دون الخصوصيات والحالات الطارئة عليها. وأمّا التمسّك بإطلاقها الأحوالي فإنّما يتّجه مع الاتّحاد في النظم وعدم الاختلاف في الكيفية كالائتمام في الأداء بالقضاء ، وأمّا مع عدم الاتّحاد كما في المقام ولا سيما مع الاختلاف الفاحش في الكيفية فالإطلاق غير ناظر إليه يقيناً ، هذا.

مع أنّ مفهوم الائتمام في نفسه غير منطبق على المقام ، فإنّ الإمامة تتقوّم بالمتابعة والاقتداء ، وهما يستدعيان الاتّحاد في النظم كي تتحقّق المتابعة والاقتداء في العمل ، وكيف تمكن متابعة الإمام وهو يصلّي الآيات بخمسة ركوعات في صلاة العيدين المشتملة على خمسة قنوتات ، وكذلك في الصلاة اليومية مع الاختلاف الفاحش بينهما في الأفعال. فاطلاقات أدلّة الائتمام في نفسها قاصرة عن شمول المقام.

(١) بل هو الأقوى وإن اتّحدا في النظم ، فإنّ الجماعة غير مشروعة في النافلة

__________________

(*) بل الأقوى.

(١) شرح العروة ٩ : ٢٠٧.

(٢) في ص ٩.

(٣) في ص ٤٢.

٤٨

[١٨٧٥] مسألة ٨ : أقلّ عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة والعيدين اثنان أحدهما الإمام (١) سواء كان المأموم رجلاً أو امرأة (٢).

______________________________________________________

عدا صلاة الاستسقاء ، والقدر المتيقّن من التخصيص هو ما إذا ائتمّ فيها بمثلها فيرجع في غير ذلك إلى إطلاق دليل المنع. وأمّا صلاة العيدين فقد مرّ (١) أنّ مشروعيّة الجماعة فيها ليست من باب الاستثناء ، لكونها فريضة بالذات.

ما تنعقد به الجماعة :

(١) بلا خلاف ، لصحيح زرارة قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجلان يكونان جماعة؟ فقال : نعم ، ويقوم الرجل عن يمين الإمام» (٢).

وما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما‌السلام «قال : الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه ، يقوم عن يمينه ، فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (٣).

(٢) وقد استدلّ له بخبر محمد بن يوسف عن أبيه قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن الجهنيّ أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ... إلى أن قال فقال : يا رسول الله فإنّ ولدي يتفرّقون في الماشية فأبقى أنا وأهلي فأُؤذّن وأُقيم وأُصلّي بهم ، أفجماعة نحن؟ فقال : نعم ...» (٤).

ورواية الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته كم أقلّ ما تكون الجماعة؟ قال : رجل وامرأة» (٥).

__________________

(١) في ص ٣٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٩٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٤١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ / ٨٩.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٩٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٢.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٩٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٧.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لكنّ الرواية الأُولى ضعيفة السند ، فانّ محمد بن يوسف الصنعاني وإن كان ثقة لكن والده الذي يروي عنه لم يوثّق. وكذلك الرواية الثانية فإنّها ضعيفة السند بالحسن الصيقل وبأبي مسعود الطائي الواقع في السند. فلا يصح الاستناد إليهما.

نعم ، يمكن الاستدلال له بالروايات الواردة في إمامة الرجل لأهله كصحيحة الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنّه قال : المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة والتطوّع وتأتمّ به في الصلاة» (١).

والاستشهاد بذيل الرواية ، وأمّا صدرها فناظر إلى تحديد المكان وعدم وقوفها بحيال الرجل كما لا يخفى ، وقد أشار إليه صاحب الوسائل (قدس سره) أيضاً.

وصحيحته الأُخرى قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أُصلّي المكتوبة بأُمّ علي؟ قال : نعم ، تكون عن يمينك ، يكون سجودها بحذاء قدميك» (٢) المؤيّدتين بغيرهما.

ويمكن الاستدلال له أيضاً بإطلاق قوله عليه‌السلام : صلّ خلف من تثق بدينه (٣). فانّ الرجل غير مخاطب بما هو رجل ، بل بما هو أحد المكلّفين ، فيعمّ الحكم الأُنثى أيضاً كما لا يخفى.

فالمرأة أيضاً مخاطبة بالصلاة خلف من تثق بدينه ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان معها غيرها وما لم يكن فليتأمّل.

بل لو بنينا على جواز إمامة المرأة للنساء في الفرائض وحملنا النهي عن ذلك على الكراهة أمكن القول بجواز إمامتها لواحدة من النساء ، تمسّكاً بالإطلاق المذكور ، وإن كان هذا الفرض غير منصوص عليه ، لاختصاص النصوص

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٨ : ٣٣٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ١ ، ٢.

(٣) لم أظفر بهذا المضمون في الوسائل ، والموجود في خبر [أبي علي بن] راشد قريب منه راجع الوسائل ٨ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٢.

٥٠

بل وصبيّاً مميّزاً على الأقوى (١).

______________________________________________________

بامامتها للنساء ، دون التنصيص على الفرض المذكور.

(١) إذا كان الصبيّ إماماً فلا ريب في عدم الجواز حتّى على القول بمشروعيّة عباداته ، لفقد النصّ وقصور الإطلاقات عن شمول المقام ، والأصل عدم المشروعية. فلا يصح للرجل أو المرأة الاقتداء به وترتيب أحكام الجماعة على ذلك.

وأمّا إذا كان مأموماً فقد قوّى الماتن (قدس سره) الجواز ، بناء على مشروعيّة عباداته.

بل قيل بالجواز حتّى على كونها تمرينية ، استناداً إلى رواية أبي البختري عن الصادق عليه‌السلام : «قال إنّ علياً عليه‌السلام قال : الصبيّ عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصفّ جماعة ...» (١).

ورواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل يؤمّ النساء ليس معهنّ رجل في الفريضة؟ قال : نعم ، وإن كان معه صبيّ فليقم إلى جانبه» (٢).

ولكنهما لضعف سنديهما غير صالحتين للاستدلال بهما فلا دليل على الصحّة بحيث يترتّب على ذلك أحكام الجماعة من رجوع كلّ من الإمام أو المأموم إلى الآخر عند الشكّ وغيره ، بناءً على التمرينية.

نعم ، بناء على الشرعية كما هو الصحيح فالأقوى هو الجواز ، تمسكاً بإطلاق قوله عليه‌السلام : صلّ خلف من تثق بدينه. حيث لا قصور في شموله للصبيّ المميّز ، فإنّه إذا وثق الصبيّ بدين الإمام شمله الإطلاق وانعقدت الجماعة ، سواء كان معه غيره أم لم يكن ، عملاً بالإطلاق ، فتدبّر جيداً.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٩٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٤٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٥.

٥١

وأمّا في الجمعة والعيدين فلا تنعقد إلّا بخمسة أحدهم الإمام (١).

______________________________________________________

وملخّص القول : أنّ اقتداء الصبيّ بالرجل لا يحقّق الجماعة بناء على التمرينية ، لأصالة عدم المشروعيّة بعد عدم الدليل عليها. وأمّا على الشرعية فيشمله إطلاق قوله عليه‌السلام : صلّ خلف من تثق بدينه. وبذلك يحكم عليه بالصحّة كما مرّ ، هذا إذا كان الصبيّ مأموماً.

وأمّا إذا كان إماماً فمقتضى الأصل هو عدم المشروعية أيضاً كما هو المعروف والمشهور ، بل ادّعي قيام الإجماع على اعتبار البلوغ في الإمام ، كما قد يساعده بعض الروايات أيضاً (١).

نعم ، نسب إلى الشيخ (قدس سره) وبعض من تبعه جواز إمامة المراهق البالغ عشر سنين (٢) استناداً إلى موثّقة سماعة (٣) ، وسيجي‌ء البحث عن ذلك مستقصى إن شاء الله في فصل (شرائط إمام الجماعة) (٤).

والمقصود بالكلام هنا هو بيان أنّ مقتضى الأصل وهو أصالة عدم المشروعية مع الغضّ عن الأدلّة الاجتهادية إنّما هو البطلان مطلقاً.

ولا يقاس المقام بالصورة السابقة حيث حكمنا فيها بالصحّة بناءً على شرعية عبادات الصبيّ عملاً بإطلاق قوله عليه‌السلام : صلّ خلف من تثق بدينه. فإنّ الصبيّ ما لم يوضع عليه قلم التكليف كما هو المفروض لا دين له حتّى يوثق به أو لا يوثق ، فلا يشمله الإطلاق المذكور فتدبّر.

(١) والكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

__________________

(١) [كموثّقة إسحاق بن عمار الواردة في الوسائل ٨ : ٣٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٧].

(٢) [لاحظ المبسوط ١ : ١٥٤ ، الخلاف ١ : ٥٥٣ المسألة ٢٩٥ ، حيث لم يقيد ببلوغه عشراً].

(٣) [المذكور في الأصل عمّار ، والصحيح ما أثبتناه. الوسائل ٨ : ٣٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥].

(٤) في ص ٣٣٧.

٥٢

[١٨٧٦] مسألة ٩ : لا يشترط في انعقاد الجماعة في غير الجمعة والعيدين (*) نيّة الإمام الجماعة والإمامة (١) ، فلو لم ينوها مع اقتداء غيره به تحقّقت الجماعة ، سواء كان الإمام ملتفتاً لاقتداء الغير به أم لا ، نعم حصول الثواب في حقّه موقوف على نيّة الإمامة (٢). وأمّا المأموم فلا بدّ له من نيّة الائتمام (٣) ، فلو لم ينوه لم تتحقّق الجماعة في حقّه وإن تابعه في الأقوال والأفعال ، وحينئذ فان أتى بجميع ما يجب على المنفرد صحّت صلاته وإلّا فلا.

______________________________________________________

ما لا يشترط في الجماعة :

(١) لعدم الدليل عليه في غير الجماعة الواجبة ممّا تتقوّم الصلاة بها كالجمعة والعيدين ، فيكون المحكّم هو إطلاق قوله عليه‌السلام : صلّ خلف من تثق بدينه (١). مضافاً إلى الإجماع والتسالم على ذلك ، فمع اقتداء الغير به وإن لم ينو الإمامة تتحقّق الجماعة ، بل حتّى وإن لم يكن ملتفتاً إلى الاقتداء.

(٢) بناءً على ما هو المحقّق في محلّه من كون الثواب من لوازم الإطاعة المتقوّمة بالقصد (٢).

(٣) أيّ نيّة الملازمة للإمام في أفعاله بجعله قدوة يقتدي به ، فانّ مفهوم الاقتداء والائتمام متقوّم بذلك.

ومن هنا ورد أنّه «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به» (٣) ، فانّ سند الرواية وإن كان ضعيفاً إلّا أنّ مضمونها مطابق للارتكاز ، بل لعلّ ذلك من القطعيات الواضحة.

__________________

(*) وفي غير المعادة جماعة.

(١) وقد تقدّم في ص ٥٠ عدم العثور على رواية بهذا اللفظ.

(٢) ذكره في موارد منها ما في مصباح الأُصول ٢ : ٨٢ ، محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣٩ ، ٣٩٦.

(٣) المستدرك ٦ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٩ ذيل ح ٢ ، ١.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يكفي مجرّد المقارنة والمتابعة خارجاً ما لم ينضمّ إليها القصد المذكور ، بل كانت بداع آخر كحفظ عدد الركعات فراراً من الوسوسة ونحو ذلك من الدواعي ، حيث لا يصدق حينئذ عنوان الاقتداء والائتمام عرفاً ، وهذا ظاهر لا سترة عليه ، هذا في غير الجماعة الواجبة.

وأمّا الواجبة فالمعروف هو اعتبار نيّة الإمامة في الإمام ، كاعتبار نيّة الائتمام في المأموم ، بلا كلام على ما سبق.

وناقش فيه بعضهم ، بل أحاله مطلقاً ، نظراً إلى أنّ عنوان الإمامة والجماعة ممّا لا يمكن قصده من الإمام لا في المقام ولا في غيره ، لخروجه عن قدرته واختياره ، فانّ العنوان المذكور إنّما ينتزع من ائتمام الغير به ، وواضح أنّ فعل الغير لا يكون تحت قدرته واختياره.

نعم ، فيما كانت الجماعة معتبرة في صحّة العمل كالجمعة لا بدّ من وثوق الإمام بتحقّق الجماعة خارجاً رعاية للشرط ، وأمّا لزوم قصد تحقّق ذلك فلا.

وعلى الجملة : إنّ الإمام لا يمكنه أن يجعل نفسه إماماً ، لعدم كونه فعله ، وإنّما تتحقّق الإمامة بواسطة اقتداء الغير ، وهو فعل غيره وخارج عن تحت قدرته ولا يعقل تعلّق القصد بفعل غير مقدور.

أقول : إذا فرضنا توجّه الأمر نحو جماعة بصفة الاجتماع ، بحيث كان لهذا الوصف دخل في تعلّق الحكم كالأمر بإقامة مجلس العزاء أو الصلاة جماعة كان الوجوب المتعلّق بكلّ فرد مشروطاً لا محالة بحضور الآخرين وتهيئهم للارتباطية الملحوظة في هذا الفرض ، كما يفصح عنه ما ورد في بعض روايات صلاة الجمعة من الأمر بإقامتها إذا وجدوا من يخطبهم (١) ، وقوله عليه‌السلام : «إذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم» (٢).

فالوجوب المتوجّه إلى كلّ فرد بما فيهم الإمام مشروط حدوثاً بتحقّق الاجتماع وحضور الباقين وتهيئهم ، كما أنّه مشروط بقاءً بالائتمام خارجاً

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٧ : ٣٠٤ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٦ ، ٤.

٥٤

وكذا يجب وحدة الإمام (١) ، فلو نوى الاقتداء باثنين ولو كانا متقارنين في الأقوال والأفعال لم تصحّ جماعة ، وتصحّ فرادى إن أتى بما يجب على المنفرد ولم يقصد التشريع.

______________________________________________________

وانعقاد الجماعة.

ولا ريب في أنّ هذا القيد كما كان شرطاً للوجوب يكون شرطاً للواجب أيضاً ، نظير الزوال بالإضافة إلى الظهرين ، فانّ الواجب هي الحصّة الخاصّة من الطبيعة ، وهي الواقعة بين الزوال والغروب ، ولذلك ليس لأحد إيقاعهما اختياراً بعد الغروب بدعوى كون الزوال قيداً للوجوب فقط.

وفي المقام يكون الواجب على الإمام كالمأموم الحصّة الخاصّة من الصلاة وهي الواقعة مقارنة لصلاة الآخرين ، الموصوفة بالجماعة. ومن الواضح لزوم قصد هذه الحصّة الخاصّة المفروض كونها لا غيرها مصداقاً للمأمور به في تحقّق عنوان الامتثال والإطاعة بالإضافة إلى الأمر الوجوبي كالجمعة والعيدين ، أو الاستحبابي كما في غيرهما.

وممّا ذكرنا يظهر لزوم إلحاق المعادة جماعة بصلاتي الجمعة والعيدين ، فانّ مشروعيتها إماماً ومأموماً مقيّدة بوقوعها على صفة الاجتماع ، فلا بدّ من تعلّق قصد كلّ من الإمام والمأموم بها بالوصف المذكور ، إذ لا تشرع الإعادة منفرداً وإن ائتم به غيره خارجاً بحيث كان لا يدري بذلك فتحقّقت الجماعة من حيث لم يقصد ولا يدري.

(١) بلا خلاف فيه ، ولعلّه من القطعيات المتسالم عليها فيما بينهم كما يظهر ذلك من تتبّع كلماتهم في موارد متفرّقة كقولهم في صلاة الجمعة : إنّه إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام ، وما ذكروه في تشاحّ الإمامين من المرجّحات ، وما إذا حدث للإمام حادث من تقدّم أحد المأمومين وقيامه مقام الإمام ، وغير ذلك من الأبواب المناسبة ممّا يظهر من ذلك كلّه مفروغية الحكم عندهم.

٥٥

ويجب عليه تعيين الإمام (١) بالاسم أو بالوصف أو الإشارة الذهنية أو الخارجية ، فيكفي التعيين الإجمالي كنية الاقتداء بهذا الحاضر ،

______________________________________________________

ويقتضيه مضافاً إلى ما عرفت ، وإلى أصالة عدم المشروعية أنّه في فرض التعدّد لا يخلو الحال من اقتداء المأموم بكلّ واحد منهما مستقلا وبنحو العام الاستغراقي ، أو بكليهما معاً على سبيل العام المجموعي ، ولا ثالث. وشي‌ء منهما لا يتم :

أمّا الأوّل : فلأنّه من الجائز اختلاف الإمامين في الأفعال ، بأن يركع أحدهما والآخر قائم ، حيث يكون هذا التفكيك في نفسه ممكناً جدّاً وإن فرضنا عدم تحقّقه خارجاً ، ضرورة أنّ صدق الشرطية لا يتوقّف على صدق طرفيها.

وحينئذ فلنا أن نتساءل أنّ المأموم حينما يقتدي وهو يرى إمكان التفكيك المزبور هل هو بانٍ على الاستمرار في نيّته حتّى مع فرض تحقّق الانفكاك بينهما خارجاً ، فلازمه البناء على الجمع بين الضدّين ، أو أنّه ينوي الاقتداء بعد ذلك بأحدهما ، ولازمه عدم استمراره على نيّة الاقتداء بإمام معيّن في تمام الصلاة ، وهو كما ترى.

وأمّا الثاني : فلأنّه مع فرض الاختلاف وإن لم يتحقّق خارجاً كما سمعت يبطل الائتمام لا محالة ، لعدم الموضوع للمجموع ، حيث لا يصدق في فرض قيام أحد الإمامين وركوع الآخر مثلاً أنّ المجموع في حال القيام أو الركوع ليمكن الاقتداء.

وحينئذ فان كان قد استمرّ في نيّته فقد ائتمّ بإمام لا وجود له ، وإن نوى الاقتداء آن ذاك بواحد معيّن منهما استلزم الائتمام في الأثناء ، ولا دليل على مشروعيّته في المقام.

(١) لتقوّم مفهوم التبعيّة والاقتداء والائتمام بتعيين الإمام ، فلا يتصوّر التبعية وما يرادفها بدون تعيّن المتبوع.

٥٦

أو بمن يجهر في صلاته مثلاً من الأئمة الموجودين ، أو نحو ذلك (١) ولو نوى الاقتداء بأحد هذين أو أحد هذه الجماعة لم تصحّ جماعة (٢) وإن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك في الأثناء أو بعد الفراغ.

[١٨٧٧] مسألة ١٠ : لا يجوز الاقتداء بالمأموم ، فيشترط أن لا يكون إمامه مأموماً لغيره (٣).

______________________________________________________

(١) فانّ المعتبر إنّما هو نوع تعيين يخرجه عن الإبهام والترديد ، من دون اعتبار أن يكون ذلك بنحو التعيين التفصيلي ، لعدم المقتضي لذلك.

(٢) لما عرفت من أنّ الإبهام والترديد ينافيان التبعية والائتمام والاقتداء فلا يكاد تتحقّق المفاهيم المذكورة مع فرض الإبهام من الأوّل ، وإن كان من قصده التعيين في الأثناء أو بعد الفراغ.

وهل يكفي التعيين الاستقبالي ، بمعنى أنّه ينوي الائتمام بالمتعيّن واقعاً وسيعرفه فيما بعد كما إذا نوى الاقتداء بمن يركع من هذين أوّلاً ، حيث إنّه متعيّن واقعاً وفي علم الله ، غير أنّه لا يتعيّن لديه إلّا فيما بعد؟

الظاهر هو التفصيل بين ما إذا لم يناف ذلك مفهوم الائتمام والمتابعة كما في المثال ، فإنّ القراءة ساقطة على كلّ حال ، والمفروض هو تعيّن الإمام عند أوّل جزء يأتمّ به وهو الركوع ، فإنّه معيّن في علم الله تعالى من أوّل الأمر ، وكان قد قصده أيضاً على ما هو عليه من التعيّن ، فلا مانع من الصحة.

وبين ما إذا كان منافياً له كما إذا نوى الائتمام بمن يسلّم منهما أوّلاً ، فإنّ الظاهر حينئذ هو البطلان ، لإخلاله بالتبعية في الأفعال.

وكيف ما كان ، فالمتّبع في المقام إنّما هي القاعدة بعد عدم ورود نصّ فيه بالخصوص. فكلّ ما كان عدم التعيين فيه قادحاً في صدق الائتمام والاقتداء بطل ، وإلّا فلا.

(٣) إجماعاً كما عن غير واحد ، وتقتضيه أصالة عدم المشروعية.

٥٧

[١٨٧٨] مسألة ١١ : لو شكّ في أنّه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم (١) وأتمّ منفرداً وإن علم أنّه قام بنيّة الدخول في الجماعة ، نعم لو ظهر عليه أحوال الائتمام كالإنصات (*) ونحوه فالأقوى عدم الالتفات (٢) ولحوق أحكام الجماعة وإن كان الأحوط الإتمام منفرداً. وأمّا إذا كان ناوياً للجماعة ورأى نفسه مقتدياً وشكّ في أنّه من أوّل الصلاة نوى الانفراد أو الجماعة فالأمر أسهل (٣).

______________________________________________________

(١) لأصالة عدم الائتمام ، فتشمله أحكام من لم يأتم بصلاته وإن كان لا يثبت بذلك عنوان الانفراد ، لعدم كونه موضوع الحكم ، فانّ مقتضى الإطلاق في دليل القراءة وأدلّة الشكوك الصحيحة والفاسدة هو وجوب الفاتحة والاعتناء بالشك في كلّ صلاة ، خرج منها عنوان الجماعة ، ويبقى ما عداها تحت العموم.

والنتيجة وجوب القراءة والاعتناء بالشكّ في كلّ صلاة لم تكن جماعة ، لا ما كانت متّصفة بكونها فرادى ، لعدم تعنون العام بعد التخصيص إلّا بعدم العنوان الخاص كما هو المقرّر في الأُصول (١) ، ولذا لا تجب على المصلّي نيّة الانفراد في الصلاة فرادى بلا إشكال.

وعليه فعند الشكّ في الائتمام وإحراز عدمه بالأصل ينقّح موضوع العام لا محالة ، ويثبت أن هذه صلاة في غير جماعة فيشملها حكمها ، بلا توقّف على ثبوت عنوان الانفراد ليستشكل ثبوته بالأصل.

(٢) تعويلاً على ظاهر الحال. ويندفع بأنّ أقصى ما يترتّب عليه هو الظنّ وهو لا يغني عن الحقّ إلّا إذا ثبتت حجّيته ، والمفروض عدم ورود ما يقتضي ذلك في المقام ، وعليه فلا يمكن الاستناد إليه في تحقّق الجماعة.

(٣) ينبغي التفصيل في المسألة ، فإنّه قد يحتمل من نفسه فسخ العزيمة

__________________

(*) لا أثر لظهور الحال في الحكم بتحقّق الجماعة ، نعم لو كان من نيّته الجماعة بحيث كان احتمال عدمها مستنداً إلى الغفلة لم يبعد جريان قاعدة التجاوز.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٢٧.

٥٨

[١٨٧٩] مسألة ١٢ : إذا نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو فان لم يكن عمرو عادلاً بطلت جماعته (١) وصلاته أيضاً (*) (٢) إذا ترك القراءة أو أتى بما يخالف صلاة المنفرد ، وإلّا صحّت على الأقوى ، وإن التفت في الأثناء ولم يقع منه ما ينافي صلاة المنفرد أتمّ منفرداً. وإن كان عمرو أيضاً عادلاً ففي المسألة صورتان :

______________________________________________________

والعدول عمّا بنى عليه سابقاً ، وحينئذ فلا يكاد يكفي ظاهر الحال الفعلي المفيد للظنّ لا أكثر ، لعدم الدليل على اعتبار مثله.

وقد لا يحتمل العدول العمدي ، وإنّما كان الترديد مستنداً إلى الغفلة في رفع اليد عمّا قد نواه سابقاً ، فحينئذ لا يبعد الحكم بالصحّة ، عملاً بقاعدة التجاوز كما يقتضيه التعليل الوارد في بعض أخبارها : إنّه حين العمل أذكر (١) أو أقرب إلى الحق (٢). فلأجل عموم العلّة يحكم بعدم الاعتناء باحتمال الغفلة في المقام.

(١) بلا إشكال ولا خلاف ، لفقد شرط الصحّة وهو عدالة الإمام.

(٢) المشهور والمعروف بل قيل إنّه ممّا لا خلاف فيه البطلان مطلقاً وهناك قولان بالتفصيل ، أحدهما ما اختاره الماتن (قدس سره) والآخر ما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.

ويستدلّ للمشهور بوجوه :

أحدها : أنّ الصلاة جماعة تغاير الفرادى في طبيعتها ، والمفروض بطلانها جماعة لفقد شرطها ، والصلاة فرادى لم تكن مقصودة حسب الفرض. فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

ويتوجّه عليه : أنّ هذا يتمّ على تقدير تغاير ما وقع وما قصد في الطبيعة والماهية ، بحيث كانا طبيعتين متباينتين كما في الظهرين والأداء والقضاء

__________________

(*) بل صحّت صلاته وإن ترك القراءة ، إلّا إذا أتى بما يوجب البطلان مطلقاً ولو سهواً.

(١) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوهما. فلو نوى الظهر ولم تكن ذمّته مشغولة إلّا بالعصر ، أو نوى الأداء ولم يدخل الوقت بعد وكان عليه القضاء ، أو نوى القضاء ولم تكن عليه بل كان عليه الأداء لم يحتسب المأتي به عمّا اشتغلت به الذمّة في جميع ذلك ، لما ذكر من أنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

وأمّا الجماعة والفرادى فليستا من هذا القبيل ، فإنّهما من الخصوصيات الفردية والحالات الطارئة على الطبيعة مع اتّحاد الصلاتين في الطبيعة النوعيّة كيف ولم يفرض على المكلّف في كلّ يوم إلّا خمس طبائع من الصلاة.

فصلاة الظهر مثلاً طبيعة واحدة يكون لها فردان ، أحدهما الظهر جماعة والآخر فرادى ، غايته أنّ أحدهما أفضل من الآخر ، لما في الخصوصية اللاحقة من الرجحان والمزيّة ، من دون تأثير لذلك في تعدّد الطبيعة وتغايرها ، كما هو الحال في سائر الخصوصيات الزمانية والمكانية التي لا يستوجب تخلّفها البطلان بلا إشكال.

فإذا صلّى باعتقاد أنّ المكان مسجد أو باعتقاد كونه في أوّل الوقت ، فكان قاصداً الصلاة في المسجد أو في أوّل الوقت فانكشف الخلاف بعد ذلك لم يضرّ بصحّة الصلاة بزعم أنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، وكذلك الحال فيما نحن فيه حرفاً بحرف.

والسرّ في الجميع ما عرفت من أنّ هذه الخصوصيات بأجمعها من عوارض الفرد ، وخارجة عن حريم الماهية ، وأنّه لا تخلّف إلّا في الفرد ولا ضير فيه دون الطبيعة ، لكونها مقصودة ولو في ضمن الفرد. فالواقع مقصود والمقصود واقع.

ثانيها : أنّ الجماعة الفاقدة للشرط غير مشروعة ، فقصدها تشريع محرّم موجب لفساد العمل.

وفيه ما لا يخفى ، فانّ التشريع عبارة عن إسناد شي‌ء لا يعلم به إلى الشارع ، وهذا لا ينطبق على المقام ، حيث إنّه يعتقد الصحّة ووجود الأمر

٦٠