موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٩٨٢] مسألة ٢ : إذا شكّ المأموم بعد السجدة الثانية من الإمام أنّه سجد معه السجدتين أو واحدة (١) يجب عليه الإتيان بأُخرى إذا لم يتجاوز المحل.

______________________________________________________

الفوات ففيه إشكال.

أقول : لا ينبغي الإشكال في عدم الجواز لدى فوت الموالاة ، لاستلزامه بطلان الصلاة ، فلا يسوّغه الانتظار المستحب. لكن الشأن في صغرى هذه الكبرى ، إذ بعد فرض الاشتغال بالذكر كما صرّح (قدس سره) به في المتن لا يوجد مصداق لها أبداً ، بعد ملاحظة ما ورد من أنّ كلّ ما ذكر الله به فهو من الصلاة (١). فلا يتصوّر فوات الموالاة مع الاشتغال المزبور وإن طالت المدّة.

نعم ، يتّجه التفصيل المزبور في الانتظار المجرّد عن الذكر ، فيفرق حينئذ بين فوات الموالاة كما في المأموم المسبوق بثلاث ركعات ، مثل ما لو أدرك الإمام في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر ، وبين عدم الفوات كالمسبوق بركعة أو المؤتمّ في عشائه بالمغرب أو العكس ، سيما مع استعجال الآخر وإسراعه ، فلا يجوز الانتظار في الأوّل ويجوز في الثاني.

وعلى الجملة : من انتهى عن صلاته إماماً كان أو مأموماً إن كان متشاغلاً بالذكر جاز له الانتظار مطلقاً ، ولا تفوت معه الموالاة أبداً ، وإن كان مجرّداً عنه اختص الجواز بصورة عدم فوت الموالاة.

(١) قد يفرض علم المأموم بمتابعة الإمام في السجود فيرجع الشكّ إلى الشكّ في أنّ الإمام هل سجد الواحدة أم الثنتين. ولا إشكال في عدم الاعتناء حينئذ ، لما دلّ على رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر لدى الشكّ مع حفظ الآخر (٢) كما هو المفروض ، وسيأتي التعرّض له في مباحث الخلل إن شاء الله تعالى (٣).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٢٧ / أبواب الركوع ب ٢٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٣.

(٣) شرح العروة ١٩ : ٢٩.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يفرض عدم علمه بالمتابعة ، كما لو شكّ حال السجود في أنّه تابع الإمام في سجدتيه فهذه ثانية لهما ، أو تخلّف عنه سهواً فهذه الاولى له والثانية للإمام والمتّبع حينئذ قاعدة الشكّ ، فيعتني به إن كان في المحلّ ، ولا يعتني إذا جاوزه كما لو كان الشكّ المزبور بعد الدخول في التشهّد.

ولا مجال للرجوع إلى الإمام في مثل المقام ما لم يحرز التبعية ولم يتعلّق الشكّ بالفعل المشترك ، لاختصاص الرجوع بما إذا حفظ عليه الآخر ، المنوط بالمتابعة ، لا لأجل التقييد بحفظ المأموم في رجوع الإمام إليه وبعدم سهو الإمام في رجوع المأموم إليه ، المذكورين في مرفوعة إبراهيم بن هاشم في نوادره (١) لضعفها من أجل الرفع ، لعدم كون إبراهيم من أصحاب الصادق عليه‌السلام فبينهما واسطة لا محالة ، فلا تصلح للاستدلال.

بل لأنّ عمدة المستند هي صحيحة حفص البختري : «ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ...» إلخ (٢) ، وهي وإن كانت مطلقة حسب النظر البدوي لكنّها منصرفة بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع وبحسب الفهم العرفي إلى ما إذا كان الآخر حافظاً وضابطاً ، وأنّ حفظ أحدهما بعد فرض المتابعة والمشاركة في العمل يقوم مقام حفظ الآخر ، لما فيه من الكاشفية النوعية.

إذ لا يحتمل أن يكون للجماعة بما هي خصوصية وراء ذلك تستدعي استثناءها عن أدلّة الشكوك ، بحيث لو لم يكن ثمّة حفظ من الآخر واشتركا في الشكّ لم تشملهما أدلّة الشكوك ، وكانا مخيّرين في البناء على الطرفين ، فانّ هذا غير محتمل في الصحيحة بحسب الفهم العرفي بوجه ، بل هي منصرفة إلى ما ذكرناه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٣.

٤٠٢

[١٩٨٣] مسألة ٣ : إذا اقتدى المغرب بعشاء الإمام وشكّ في حال القيام أنّه في الرابعة أو الثالثة (١) ينتظر حتى يأتي الإمام بالركوع والسجدتين حتّى يتبيّن له الحال ، فان كان في الثالثة أتى بالبقية وصحّت الصلاة ، وإن كان في الرابعة يجلس ويتشهّد ويسلّم ثم يسجد سجدتي السهو (*) لكلّ واحد من الزيادات من قوله : بحول الله ، والقيام ، وللتسبيحات إن أتى بها أو ببعضها.

______________________________________________________

وعليه فمستند الرجوع إلى الإمام قاصر الشمول لمثل المقام ، فالمتّبع أدلّة الشكوك السليمة عن الدليل الحاكم ، ومقتضاها ما عرفت من الاعتناء بالشكّ إذا كان في المحلّ ولم يتجاوز عنه.

(١) لا مجال لمتابعة الإمام حينئذ ، لوضوح اختصاص أدلّتها بما إذا شارك الإمام في الأمر المتعلّق بالفعل الذي يتابعه فيه ، ولا أمر في المقام بعد احتمال أنّها الرابعة الموجبة للبطلان لدى المتابعة ، فهو معذور في ترك المتابعة.

ومع ذلك لا تبطل صلاته ، لعدم كون الشكّ في الثنائية والثلاثية بمجرّده موجباً للبطلان كالحدث ، وإنّما يستوجبه بقاءً لا حدوثاً ، فينتظر كما ذكره في المتن حتّى يأتي الإمام بالركوع والسجدتين كي يتبيّن له الحال ، فان كان في الثالثة أتى بالبقيّة وصحّت صلاته ، ولكنّها حينئذ تكون فرادى كما لا يخفى. وإن كان في الرابعة جلس وتشهّد وسلم مع الإمام وعليه سجدتا السهو للقيام الزائد.

وأمّا وجوبها لكلّ واحد من الزيادات من قول : بحول الله ، والتسبيحات إن أتى بها أو بعضها كما ذكره في المتن فهو مبني على الخلاف في وجوبها لكلّ زيادة ونقيصة أو الاقتصار على مورد النصّ ، وحيث إنّ الأظهر هو الثاني فوجوبها لتلك الزيادات مبنيّ على الاحتياط.

__________________

(*) وجوبه لكلّ زيادة مبنيّ على الاحتياط.

٤٠٣

[١٩٨٤] مسألة ٤ : إذا رأى من عادل كبيرة لا يجوز الصلاة خلفه إلّا أن يتوب مع فرض بقاء الملكة فيه (١) ، فيخرج عن العدالة بالمعصية ويعود إليها بمجرّد التوبة.

[١٩٨٥] مسألة ٥ : إذا رأى الامام يصلي ولم يعلم أنّها من اليومية أو من النوافل لا يصح الاقتداء به ، وكذا إذا احتمل أنّها من الفرائض التي لا يصح اقتداء اليومية بها ، وإن علم أنّها من اليومية لكن لم يدر أنّها أية صلاة من الخمس ، أو أنّها أداء أو قضاء ، أو أنّها قصر أو تمام لا بأس بالاقتداء ، ولا يجب إحراز ذلك قبل الدخول كما لا يجب إحراز أنّه في أيّ ركعة كما مرّ.

______________________________________________________

(١) لا ريب في عدم جواز الصلاة خلفه بعد ارتكاب الكبيرة ما لم يتب ، إلّا أنّ ما أفاده (قدس سره) من اشتراط بقاء الملكة مع التوبة مبنيّ على تفسير العدالة بالملكة النفسانية.

وهذا لم يثبت كما تعرّضنا له في محلّه (١) عند التكلّم حول تحقيق معنى العدالة ، حيث قلنا إنّها عبارة عن الاستقامة العملية في جادّة الشرع ، وعدم الانحراف عن الطريقة المستقيمة يمنة وشمالاً. وأمّا اعتبار الملكة فإن أُريد بها هذا المعنى فلا كلام ، وإن أُريد بها معنى آخر على حدّ سائر الملكات فلم يقم عليه أيّ دليل.

وعليه فالعادل بارتكابه الذنب قد خرج عن الجادّة المستقيمة ، وسلك غير الشريعة القويمة ، فهو غير متّصف بهذه الصفة وقتئذ ، وبمجرّد التوبة يعود بمقتضى قوله عليه‌السلام : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (٢) إلى ما كان ويرجع إلى جادّة الشرع ، ويتّصف بالاستقامة العملية ، فيكون عادلاً ويصح الاقتداء به ، ومعه لا حاجة إلى اعتبار الملكة زائداً على ذلك.

__________________

(١) شرح العروة ١ : ٢١٢ وما بعدها.

(٢) الوسائل ١٦ : ٧٤ / أبواب جهاد النفس ب ٨٦ ح ٨ ، ١٤.

٤٠٤

[١٩٨٦] مسألة ٦ : القدر المتيقن من اغتفار زيادة الركوع للمتابعة سهواً زيادته مرّة واحدة في كلّ ركعة (١) ، وأمّا إذا زاد في ركعة واحدة أزيد من مرّة كأن رفع رأسه قبل الإمام سهواً ثمّ عاد للمتابعة ثمّ رفع أيضاً سهواً ثمّ عاد فيشكل الاغتفار ، فلا يترك الاحتياط حينئذ بإعادة الصلاة بعد الإتمام ، وكذا في زيادة السجدة القدر المتيقّن اغتفار زيادة سجدتين في ركعة ، وأمّا إذا زاد أربع فمشكل.

______________________________________________________

(١) فلو زاد ركوعين في ركعة واحدة كما لو رفع رأسه قبل الإمام سهواً ثمّ عاد للمتابعة ، ثمّ رفع أيضاً سهواً ثمّ عاد بحيث صار المجموع ثلاثاً ، وكذا الحال في عكسه أي الركوع قبل الإمام سهواً. أو لو زاد سجودين في كلّ ركعة بسجوده قبل الإمام أو رفع رأسه قبله ، بحيث صار مجموع السجدات الزائدة أربعاً. ففي جميع ذلك يشكل الاغتفار ، لعدم إطلاق في أدلّته ، فإنّها ناظرة إلى الزيادة على الركوع أو السجود الأصليين دون الزيادة على التبعي منهما ، إذ الاغتفار عن الزيادة لأجل المتابعة إنّما ثبت بنفس هذه الأدلّة لا بدليل آخر فلا يشمل الإطلاق للزائد على هذا الزائد كما لا يخفى ، حتّى ولو كان ذاك الزائد سجدة واحدة.

ومع ذلك فالظاهر هو الاغتفار ، لكن مع الاختلاف في كيفية الزيادة ، بأن كان أحدهما قبل ركوع الإمام والآخر بعده ، وكذا الحال في السجود ، لقيام الدليل الخاصّ على الاغتفار في كلّ منهما ، سواء تحقّق الآخر أم لا ، بمقتضى الإطلاق.

فلو ركع قبل الإمام سهواً فعاد ثمّ ركع معه فهذه زيادة واحدة ثبت العفو عنها بمقتضى الدليل ، فلو رفع رأسه حينئذ سهواً قبل الإمام ثمّ عاد فهذه زيادة أُخرى ثبت العفو عنها بدليل آخر ، لما عرفت في محلّه (١) عند التكلّم حول

__________________

(١) في ص ٢٤٥ ، ٢٣٣.

٤٠٥

[١٩٨٧] مسألة ٧ : إذا كان الإمام يصلّي أداءً أو قضاءً يقينياً والمأموم منحصراً بمن يصلّي احتياطياً (١)

______________________________________________________

المسألة من قيام الدليل الخاصّ على كلّ من طرفي المسألة أعني الركوع قبل الإمام سهواً ، ورفع الرأس قبله كذلك مستقلا وعلى حدة.

فلا مانع من شمول الدليلين لكلّ من الطرفين لدى اجتماعهما وتقارنهما خارجاً ، فيثبت العفو عنهما معاً كلّ بدليله ، لا أخذاً بإطلاق دليل واحد ليرد الإشكال المزبور من عدم النظر إلّا إلى الزائد على الركوع الأصلي دون التبعي.

وهكذا الحال في السجود ، فانّ الدليل اللفظي فيه وإن كان خاصاً بأحد الطرفين (١) لكن الطرف الآخر ملحق به للإجماع والقطع (٢) بعدم الفرق كما سبق في محلّه (٣). فلو سجد قبل الإمام سهواً ثمّ عاد فسجد معه ثمّ رفع رأسه سهواً فعاد ، وكذا الحال في السجدة الثانية بحيث صار مجموع السجدات الزائدة في ركعة واحدة أربعاً ، لم يكن به بأس ، لعين ما مرّ.

والحاصل : أنّ الزيادة إن كانت مع الاختلاف في السبب فهي مغتفرة وإن كان الزائد أكثر من الواحد ، وأمّا مع الاتّحاد في السبب كما لو ركع قبل الإمام سهواً فعاد ثمّ ركع فعاد ، أو رفع رأسه عن الركوع سهواً مكرّراً ، وكذا الحال في السجود ، فالحكم بالاغتفار حينئذ مشكل جدّاً ، لما عرفت من عدم الإطلاق في الدليل.

(١) استشكل (قدس سره) حينئذ في إجراء حكم الجماعة من اغتفار زيادة الركن ، ورجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر ، لعدم إحراز كون المأتي به

__________________

(١) [وهو رفع الرأس من السجود قبل رفع الإمام ، راجع ص ٢٣٤].

(٢) لكنّهما دليلان لبّيان ، لا إطلاق لهما يشمل صورة الاجتماع مع الآخر ، إلّا أن يدّعي القطع بعدم الفرق من هذه الناحية أيضاً.

(٣) في ص ٢٤٥.

٤٠٦

يشكل إجراء حكم الجماعة من اغتفار زيادة الركن (*) ، ورجوع الشاكّ منهما إلى الآخر ونحوه ، لعدم إحراز كونها صلاة ، نعم لو كان الإمام أو المأموم أو كلاهما يصلّي باستصحاب الطهارة لا بأس بجريان حكم الجماعة ، لأنّه وإن كان لم يحرز كونها صلاة واقعية ، لاحتمال كون الاستصحاب مخالفاً للواقع ، إلّا أنّه حكم شرعي ظاهري ، بخلاف الاحتياط فإنّه إرشادي (**) وليس حكماً ظاهرياً. وكذا لو شكّ أحدهما في الإتيان بركن بعد تجاوز المحلّ فإنّه حينئذ وإن لم يحرز بحسب الواقع كونها صلاة لكن مفاد قاعدة التجاوز أيضاً حكم شرعي ، فهي في ظاهر الشرع صلاة.

______________________________________________________

صلاة بعد أن كانت بعنوان الاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي ، لاحتمال عدم مصادفته للواقع ، المستلزم لعدم تعلّق الأمر بها حينئذ ، فتكون صورة الصلاة لا حقيقتها ، ومعه لم يحرز انعقاد الجماعة ، فلا يمكن ترتيب آثارها.

ثم تصدّى (قدس سره) لبيان الفرق بين المقام وبين ما إذا كان المأموم أو الإمام أو كلاهما يصلّي باستصحاب الطهارة ، أو معتمداً على قاعدة التجاوز لدى الشكّ في ركن بعد خروج المحلّ ، بأنّ الصلاة الواقعية وإن كانت مشكوكة التحقّق في هذه الموارد أيضاً ، إلّا أنّها محكومة بالصحّة في ظاهر الشرع ، لتعلّق الأمر الشرعي الظاهري المولوي بها ، بخلاف المقام ، فإنّ الأمر المتعلّق بالاحتياط عقلي إرشادي ، وليس حكماً ظاهرياً مولوياً كي تتّصف الصلاة بالصحّة في ظاهر الشرع.

أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) في صدر كلامه من الإشكال في اغتفار زيادة الركن ورجوع الشاكّ منهما إلى الآخر ، فالظاهر أنّه سهو من قلمه

__________________

(*) لعلّ هذا من سهو القلم ، فإنّ الإشكال في مفروض المسألة إنّما هو في رجوع الإمام إلى المأموم ، وأمّا رجوع المأموم إلى الإمام أو اغتفار زيادة الركن فلا إشكال فيه أصلاً ولا فرق في ذلك بين انحصار المأموم به وعدمه.

(**) لا فرق في الإشكال بين كونه إرشادياً وكونه مولويّاً.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الشريف ، لوضوح اختصاص مناط الإشكال في مفروض المسألة برجوع الإمام إلى المأموم ، حيث لم يحرز كون صلاته صلاة كي يرجع إليه ، فلا يمكن ترتيب آثار الجماعة من طرف الإمام.

وأمّا من ناحية المأموم فلا إشكال أصلاً ، فله الرجوع إلى الإمام ، ويحكم باغتفار زيادة الركن في المقام ، لأنّ الصادر منه إن كانت صلاة فقد تشكّلت الجماعة وانعقدت ، فلا مانع من ترتيب آثارها من الرجوع والاغتفار ، وإلّا بأن كانت الذمّة فارغة والأمر ساقطاً فلا شي‌ء عليه ، فيكون ترتيب تلك الآثار كنفس الصلاة لغواً ، ولا محذور في ارتكاب هذا اللغو المحتمل ، الساري في جميع موارد الاحتياط كما هو ظاهر.

فالمتعيّن هو التفصيل بين الإمام والمأموم ، فيجوز للثاني ترتيب أحكام الجماعة دون الأوّل ، لما عرفت من عدم إحراز صدور الصلاة من المأموم كي يرجع إليه.

ومنه تعرف أنّ الإشكال غير مختصّ بما إذا كان المأموم منحصراً بمن يصلّي الاحتياط كما يظهر من عبارة المتن ، بل يعمّ ولو لم يكن منحصراً به وكان فيهم من يصلّي وجوباً ، فلا يجوز الرجوع إليه وإن جاز الرجوع إلى غيره ، لعدم إحراز انعقاد الجماعة بين الإمام وبين من يصلّي احتياطاً ، كما في فرض الانحصار. فمناط الإشكال مشترك بين الصورتين.

وأمّا ما أفاده (قدس سره) في ذيل كلامه في مقام الفرق بين المقام وغيره من أنّ الأمر هنا إرشادي وهناك شرعي ظاهري ، ففيه : أنّ الإرشادية والمولوية لا تكونان ضابطاً للفرق ، ولا تكاد تنحسم به مادّة الإشكال لجريانه حتّى بناءً على أنّ أوامر الاحتياط مولوية والحكم في مورده شرعي ظاهري ، كما ليس بالبعيد على ما بيّناه في الأُصول (١). فلا يجوز الرجوع إلى

__________________

(١) أشار (دام ظلّه) إليه في مصباح الأُصول ٢ : ٣١٧ ، لكن قد يظهر خلافه من ص ٣٠١ فلاحظ ، ولاحظ الدراسات ٣ : ٢٨٠ ، ٢٩٩ ٣٠٠ أيضاً.

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المأموم الذي يصلّي احتياطاً ، سواء أقلنا بأنّ الأمر في مورده عقلي كما في الشبهات قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي ، أو قلنا بأنّه شرعي مولوي وحكم ظاهري.

بل الضابط في الفرق أنّ في موارد الاحتياط حتّى بناءً على ثبوت الحكم الظاهري الشرعي لم يتعلّق أمر بذات العمل ، وإنّما تعلّق الأمر المولوي بنفس عنوان الاحتياط ، وأمّا العمل الذي يحتاط فيه فلم يتعلّق به أمر شرعي من ناحية الاحتياط بوجه ، بل هو على ما كان عليه واقعاً. فالصلاة الصادرة من المأموم احتياطاً لم يحرز تعلّق الأمر بها لا واقعاً ولا ظاهراً.

وهذا بخلاف موارد الاستصحاب أو قاعدة التجاوز ، فإنّ الصلاة حينئذ بنفسها متعلّقة للأمر الشرعي الظاهري ، فهي محكومة بالصحّة الشرعية ظاهراً ، فيرتّب عليها أحكام الجماعة. فالمناط الوحيد في الفرق تعلّق الأمر الشرعي بذات الصلاة وعدمه ، ولا أثر للإرشادية والمولوية في ذلك أبداً.

ومنه تعرف أنّ في موارد الاحتياط الوجوبي كما لو شكّ أثناء الوقت في الإتيان بالصلاة ، إن قلنا بجريان الاستصحاب في الأمر المتعلّق بالصلاة كما هو الصحيح فقد أحرز بذلك تعلّق الأمر الظاهري بها ، فيرتّب عليها أحكام الجماعة.

وأمّا لو أنكرنا ذلك كما عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (١) بدعوى أنّ وجوب الفعل عقلاً من آثار نفس الشكّ لا الواقع ، ولا يشمل التعبّد الاستصحابي مثل ذلك فهذه الدعوى وإن كانت ممنوعة كما بيّناه في الأُصول (٢) لكن بناءً على تسليمها لم يحرز تعلّق الأمر الشرعي بالصلاة حينئذ ، ومعه لا يمكن ترتيب آثار الجماعة.

__________________

(١) [توجد هذه الكبرى مع مثال آخر في أجود التقريرات ٢ : ٤٠٩ ، فوائد الأُصول ٤ : ٤٥٦].

(٢) [توجد هذه الكبرى مع مثال آخر في مصباح الأُصول ٢ : ٢٩٥].

٤٠٩

[١٩٨٨] مسألة ٨ : إذا فرغ الإمام من الصلاة والمأموم في التشهّد أو في السلام الأوّل لا يلزم عليه نيّة الانفراد ، بل هو باق على نيّة الاقتداء عرفاً (١).

[١٩٨٩] مسألة ٩ : يجوز للمأموم المسبوق بركعة أن يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الإمام التي هي ثالثته وينفرد (٢) ، ولكن يستحب له أن يتابعه في التشهد متجافياً إلى أن يسلّم ثمّ يقوم إلى الرابعة.

______________________________________________________

(١) بل وحقيقة ، فلا يلزم عليه نيّة الانفراد ، ولا يصير منفرداً قهراً وإن ذكره بعضهم. وخروج الإمام عن الصلاة لا يستدعي شيئاً من ذلك ، لعدم منافاته لبقاء القدوة ، لما عرفت سابقاً من أنّ الائتمام ليست له حقيقة شرعية بل هو على معناه العرفي من المتابعة في الأفعال ، وهي كما تتحقّق لدى المقارنة تتحقّق مع التأخير اليسير غير الفاحش.

فالمصلّي يتابع في سلامه للإمام وإن تخلّف عنه يسيراً ، فهو مؤتمّ به حقيقة عرفاً وشرعاً ، إذ مفهوم الائتمام لا يستدعي إلّا التبعية ، وهي متحقّقة في المقام لصدق أنّه تابع للإمام في السلام كما هو ظاهر.

(٢) لما مرّ سابقاً (١) من جواز الانفراد في الأثناء حتّى اختياراً ، وإن لم يجز ذلك لو كان بانياً عليه من الأوّل. نعم يستحبّ له المتابعة في الجلوس وفي التشهّد وأن يكون متجافياً ، لقيام الدليل على كلّ من الأحكام الثلاثة.

أمّا الأوّل : فتدلّ عليه صحيحة زرارة قال عليه‌السلام في المسبوق بركعتين : «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين» وفي من أدرك ركعة : «فإذا سلّم الإمام قام فقرأ» (٢). دلّت على متابعة الإمام في الجلوس وعدم القيام ما لم يسلّم ، المحمولة على الاستحباب ، لوضوح أنّها ناظرة إلى بيان حكم الجماعة وأنّ المصلّي ما دام كونه مؤتمّاً يفعل كذلك. وأمّا إذا انفرد فهو موضوع آخر ولا تعرّض للصحيحة بالإضافة إليه كما لا يخفى.

__________________

(١) في ص ٨٥ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

٤١٠

[١٩٩٠] مسألة ١٠ : لا يجب على المأموم الإصغاء إلى قراءة الإمام (١) في الركعتين الأُوليين من الجهرية إذا سمع صوته ، لكنّه أحوط.

[١٩٩١] مسألة ١١ : إذا عرف الإمام بالعدالة ثمّ شكّ في حدوث فسقه جاز له الاقتداء به عملاً بالاستصحاب (٢) ، وكذا لو رأى منه شيئاً وشكّ في أنّه موجب للفسق أم لا.

______________________________________________________

وأمّا المتابعة في التشهّد فقد دلّت عليه روايات ، عمدتها صحيحة الحسين ابن المختار وداود بن الحصين : «عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام فأدرك الثنتين ، فهي الاولى له والثانية للقوم ، يتشهّد فيها؟ قال : نعم قلت : والثانية أيضاً؟ قال : نعم ، قلت : كلّهنّ ، قال : نعم ، وإنّما هي بركة» (١).

وأمّا التجافي : فيدلّ عليه في التشهّد الأوّل صحيحة ابن الحجاج : «عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الاولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال : يتجافى ولا يتمكّن من القعود ...» إلخ (٢). وفي مطلق التشهّد صحيحة الحلبي : «من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه يتجافى واقعي إقعاء ، ولم يجلس متمكّناً» (٣) ، هذا. وقد تقدّم في المسألة التاسعة عشرة (٤) من أحكام الجماعة أنّ هذه النصوص محمولة على الاستحباب.

(١) كما تقدّم سابقاً وقلنا : إنّ مقتضى الآية والرواية وإن كان هو الوجوب ولكن بإزائهما السيرة العملية القائمة على العدم ، الموجبة لحمل الأمر على الاستحباب (٥) ، وإن نسب الوجوب إلى بعضهم ، ولأجله كان مقتضى الاحتياط مراعاة الإصغاء ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب.

(٢) من غير فرق بين الشبهة الموضوعية كما هو الغالب ، بأن شكّ في أصل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ٨ : ٤١٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٧ ح ١ ، ٢.

(٤) في ص ٢٧٠.

(٥) لاحظ ص ٢٠٩.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

صدور الفسق منه مثل ما لو رأيناه يشرب مائعاً وشككنا في أنّه نجس وهو عالم بالنجاسة فيشربها عاصياً ، أم أنّه جاهل. وبين الشبهة الحكمية بأن صدر منه فعل ولم يعلم حرمته في الشريعة المقدّسة كما لو رأيناه يشرب النبيذ عالماً بكونه نبيذاً ، ولم ندر أنّه يرى حلّيته اجتهاداً أو تقليداً فلا يضرّ بعدالته ، أم أنّه يرى حرمته فيشربه على جهة المعصية.

ففي جميع ذلك بما أنّ الحرام الواقعي بنفسه لا يوجب العصيان ولا يترتّب عليه الإثم ما لم يتنجّز على المكلّف بعلم أو علمي ، ولم يعلم صدور الفعل منه على جهة المعصية ، فلا مانع من استصحاب العدالة.

وليس ذلك من جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية أو الشبهة المفهومية ، لوضوح أنّ مجرى الاستصحاب هي العدالة ، التي هي موضوع خارجي ، والشبهة في الحكم أو المفهوم أو الموضوع من مناشئ الشكّ في العدالة وأسبابه ، وليست هي مجرى للأصل ، فلا ينافي ذلك ما هو الصحيح من عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية ولا المفهومية ، التي لا يقول بجريان الاستصحاب فيها غيرنا أيضاً.

نعم ، يمكن فرض الشبهة المفهومية في نفس العدالة بناءً على التشكيك في حقيقتها ، وأنّها عبارة عن الاجتناب عن الكبائر ، أو هي مع الصغائر (١) كما عليه المشهور ، فرأينا صدور الصغيرة منه كالنظر إلى الأجنبيّة وبذلك شككنا في بقاء عدالته ، فإنّه لا مجال لاستصحابها حينئذ ، لما هو المحقّق في محلّه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية (٢).

وأمّا بناءً على ما هو التحقيق من إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة ، وأنّ المعاصي كلّها من الكبائر على ما مرّ الكلام عليه عند البحث عن حقيقة

__________________

(١) [الموجود في الأصل : أو هي مع الإصرار على الصغائر. ولعلّ الصحيح ما أثبتناه].

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٢٣٤.

٤١٢

[١٩٩٢] مسألة ١٢ : يجوز للمأموم مع ضيق الصفّ أن يتقدّم إلى الصفّ السابق أو يتأخّر إلى اللاحق (١) إذا رأى خللاً فيهما ، لكن على وجه لا ينحرف عن القبلة ، فيمشي القهقرى.

______________________________________________________

العدالة (١) فالشبهة المفهومية في نفس العدالة لا تصوير لها في المقام ، بل الشكّ فيها بنفسها دائماً من قبيل الشبهة الموضوعية كما عرفت.

(١) كما هو مقتضى القاعدة ، لعدم الدليل على مانعية المشي قليلاً إلى الأمام أو الخلف أثناء الصلاة ما لم يضرّ بالهيئة الصلاتية ، ومع الشكّ فمقتضى الأصل البراءة ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطي ، هذا.

مضافاً إلى ورود النصّ بذلك في خصوص المقام ، وهي صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته في الصفّ هل يصلح له أن يتقدّم إلى الثاني أو الثالث أو يتأخّر وراءه في جانب الصفّ الآخر؟ قال : إذا رأى خللاً فلا بأس» (٢) ، وموثّق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال «قال : لا يضرّك أن تتأخّر وراءك ، إذا وجدت ضيقاً في الصفّ فتأخّر إلى الصفّ الذي خلفك ، وإذا كنت في صفّ وأردت أن تتقدّم قدّامك فلا بأس أن تمشي إليه» (٣) ، ونحوهما غيرهما.

فيجوز المشي للأصل والنصّ ، لكن بشرط عدم الانحراف عن القبلة فيمشي القهقرى كما ذكره في المتن ، لعموم دليل اعتبار الاستقبال في جميع حالات الصلاة ، ووضوح عدم النظر في هذه النصوص إلى الإخلال من هذه الجهة كي تصلح لمعارضته.

__________________

(١) شرح العروة ١ : ٢٢٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٢٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ١١ ، مسائل علي بن جعفر : ١٧٤ / ٣٠٨.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ٣.

٤١٣

[١٩٩٣] مسألة ١٣ : يستحبّ انتظار الجماعة إماماً أو مأموماً ، وهو أفضل من الصلاة في أوّل الوقت (*) منفرداً (١)

______________________________________________________

(١) للروايات الكثيرة المتضمّنة للحثّ الأكيد على إقامة الجماعة ، وأنّها تعادل بأربع وعشرين درجة ، التي تقدّمت الإشارة إليها سابقاً (١) ، مضافاً إلى رواية جميل بن صالح : «أنّه سأل الصادق عليه‌السلام أيّهما أفضل ، أيصلّي الرجل لنفسه في أوّل الوقت أو يؤخّر قليلاً ويصلّي بأهل مسجده إذا كان إمامهم؟ قال : يؤخّر ويصلّي بأهل مسجده إذا كان هو الإمام» (٢).

لكن الرواية ضعيفة ، لجهالة طريق الصدوق إلى جميل (٣). على أنّ الدلالة خاصّة من جهتين : إحداهما الاختصاص بالإمام فلا تعمّ المأموم ، والأُخرى الاختصاص بالتأخّر عن أوّل الوقت قليلاً ، فلا تشمل التأخّر الكثير كساعة مثلاً. فهي أخصّ من المدّعى ، فنبقى نحن وسائر الروايات والتكلّم على ما تقتضيه الصناعة ، فنقول :

لا ريب في أنّ المقام من باب التزاحم دون التعارض ، لوقوع المزاحمة بين إدراك فضيلة الوقت وبين إدراك فضيلة الجماعة لدى عدم التمكّن من الجمع بين الفضيلتين.

وعليه فان أُريد من الانتظار الذي حكم (قدس سره) بأفضليته ما إذا استوجب ذلك خروج وقت الفضيلة بالكلّية ، وإيقاع الصلاة جماعة في وقت

__________________

(*) إذا كان الانتظار يوجب فوات وقت الفضيلة فالأفضل تقديم الصلاة منفرداً على الصلاة جماعة على الأظهر.

(١) في متن العروة من أوّل الكتاب.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٢٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٤ ح ١.

(٣) يمكن تصحيحه على ضوء ما أفاده (دام ظلّه) في نظائر المقام ، بأنّ في طريق الشيخ إلى جميل بن صالح [في الفهرست : ٤٤ / ١٤٤] ابن الوليد ، وللصدوق طريق صحيح إلى جميع مرويّاته على ما يظهر من الشيخ في الفهرست [١٥٦ / ٦٩٤].

٤١٤

وكذا يستحب اختيار الجماعة مع التخفيف على الصلاة فرادى مع الإطالة (١).

______________________________________________________

الإجزاء ، بحيث دار الأمر بين إدراك فضيلة الوقت بالإتيان بالصلاة فرادى في الوقت الأوّل ، وبين إدراك فضيلة الجماعة بإيقاعها في الوقت الثاني ، فهو في حيّز المنع.

فانّ اهتمام الشارع وحثّه الأكيد على إدراك فضيلة الوقت ليس بأقلّ من حثّه على فضيلة الجماعة ، بل لا ينبغي التأمّل في أنّ الأوّل أهمّ في نظر الشرع كيف وقد عبّر عن التأخير عن هذا الوقت بالتضييع (١). وقد ورد في لسان الأخبار (٢) من ضروب التأكيد والعناية البليغة بشأنه ما لا يقاومه الحثّ المتعلّق بصلاة الجماعة كما لا يخفى. فتقديم الفرادى على الجماعة في هذه الصورة التي هي ظاهر عبارة الماتن (قدس سره) هو الأظهر.

وان أُريد من ذلك ما إذا كانت كلتا الصلاتين في وقت الفضيلة ، أو كلتاهما في وقت الإجزاء ، غير أنّ الجماعة متأخّرة ، أو أنّه لو تصدّى لإدراك الفضيلة فرادى يقع مقدار من الصلاة في الوقت الثاني ، فالمتعيّن حينئذ ما ذكره (قدس سره) من استحباب الانتظار ، لوضوح عدم المزاحمة وقتئذ بين الأمرين.

فتقديم الجماعة في هذه الصورة هو المطابق للقاعدة ، لسلامة ما دلّت عليه الأخبار من الحثّ وأنّها تعادل أربعاً وعشرين درجة عن المزاحم ، بل الظاهر أنّ سيرة المسلمين قائمة على ذلك ، لعدم انعقاد الجماعات في أوّل الوقت الحقيقي غالباً ، فتتأخّر عن أوّل وقت الفضيلة مقداراً يمكن إيقاع الصلاة فيه فرادى ومع ذلك قامت سيرتهم على التأخير والانتظار وعدم البدار إلى إيقاعها فرادى وإن كانت أقرب إلى أوّل الوقت.

(١) كما دلّت عليه رواية جميل : «وسأله رجل فقال : إنّ لي مسجداً على

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٥٣ / أبواب المواقيت ب ٩ ح ٧ ، ١٢٣ / ب ٣ ح ١٧.

(٢) الوسائل ٤ : ١١٩ / أبواب المواقيت ب ٣ وغيره.

٤١٥

[١٩٩٤] مسألة ١٤ : يستحبّ الجماعة في السفينة الواحدة وفي السفن المتعدّدة (١) للرجال والنساء ، ولكن تكره الجماعة في بطون الأودية.

[١٩٩٥] مسألة ١٥ : يستحبّ اختيار الإمامة على الاقتداء ، فللإمام إذا أحسن بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده مثل أجر من صلّى مقتدياً به ، ولا ينقص من أجرهم شي‌ء.

[١٩٩٦] مسألة ١٦ : لا بأس بالاقتداء بالعبد إذا كان عارفاً بالصلاة وأحكامها.

[١٩٩٧] مسألة ١٧ : الأحوط ترك القراءة في الأُوليين من الإخفاتية (*) وإن كان الأقوى الجواز مع الكراهة كما مرّ.

[١٩٩٨] مسألة ١٨ : يكره تمكين الصبيان من الصفّ الأوّل على ما ذكره المشهور وإن كانوا مميّزين.

______________________________________________________

باب داري ، فأيّهما أفضل أُصلّي في منزلي فأطيل الصلاة ، أو أُصلّي بهم وأُخفّف؟ فكتب : صلّ بهم وأحسن الصلاة ولا تثقل» (١).

لكنّها ضعيفة السند كما مرّ (٢). فالعمدة هي الروايات العامّة المتضمّنة للاهتمام بشأن الجماعة (٣) ، وقد ورد في بعضها استحباب التخفيف رعاية لأضعف المأمومين ، وفي بعضها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفعل كذلك (٤). فالحكم المذكور مطابق للقاعدة.

(١) كما دلّت عليه في السفينة الواحدة النصوص الكثيرة وفيها المعتبرة ، وفي

__________________

(*) بل هو الأظهر كما مرّ.

(١) الوسائل ٨ : ٤٣٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٤ ح ٢.

(٢) [فانّ سندها عين سند روايته المتقدّمة في ص ٤١٤].

(٣) الوسائل ٨ : ٢٨٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ١ ، ٢ وغيرهما.

(٥) الوسائل ٨ : ٤١٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٩.

٤١٦

[١٩٩٩] مسألة ١٩ : إذا صلّى منفرداً أو جماعة واحتمل فيها خللاً في الواقع وإن كانت صحيحة في ظاهر الشرع يجوز بل يستحبّ أن يعيدها منفرداً أو جماعة ، وأمّا إذا لم يحتمل فيها خللاً فان صلّى منفرداً ثمّ وجد من يصلّي تلك الصلاة جماعة يستحبّ له أن يعيدها جماعة إماماً كان أو مأموماً ، بل لا يبعد جواز إعادتها جماعة إذا وجد من يصلّي غير تلك الصلاة كما إذا صلّى الظهر فوجد من يصلّي العصر جماعة ، لكن القدر المتيقّن الصورة الأُولى. وأمّا إذا صلى جماعة إماماً أو مأموماً فيشكل استحباب إعادتها (*) (١).

______________________________________________________

بعضها «أما ترضى بصلاة نوح» (١) كما لا يخفى على من لاحظها.

وأمّا في السفينتين فلم يرد نصّ بالخصوص ، ومع ذلك فالجواز فيهما أيضاً هو المطابق للقاعدة ، بلا فرق بين حالتي الوقوف والحركة ، مع استجماع الشرائط التي منها عدم البعد بين الإمام والمأموم ، أو الصفّ السابق والصفّ اللاحق كما لو كانت السفينتان مشدودتين أو تمشي إحداهما محاذية للأُخرى.

(١) لا إشكال في جواز الإعادة فيما إذا احتمل المصلّي خللاً في صلاته بحسب الواقع وإن كانت صحيحة في ظاهر الشرع ، بل هي مستحبّة من باب الاحتياط ، الذي هو مندوب وحسن على كلّ حال ، من غير فرق بين ما إذا كانت الاولى فرادى أو جماعة ، إماماً أو مأموماً.

وكذا الثانية في غير ما إذا كان إماماً ، وإلّا فيشكل الاقتداء به ، لعدم إحراز كونه مصلّياً بعد احتمال سقوط الأمر بالصلاة الأُولى ، إلّا إذا كان المأموم مشاركاً مع الإمام في الجهة المقتضية للاحتياط ، كما لو توضّأ من ماء معيّن وبعد الفراغ من الصلاة شكّا في طهارته ونجاسته ، فإنّه لا مانع حينئذ من ائتمام

__________________

(*) الظاهر استحباب إعادتها إماماً إذا كان في المأمومين من لم يصلّ بعدُ.

(١) الوسائل ٤ : ٣٢٠ / أبواب القبلة ب ١٣.

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما بالآخر ، لأنّ الصلاة الاولى إن كانت صحيحة فالثانية لغو من كليهما وإلّا فكلتا الصلاتين مأمور بها.

ولا يحتمل التفكيك بين صلاتي الإمام والمأموم في الصحّة والفساد بعد انبعاث الاحتياط من جهة مشتركة كما هو واضح. وقد مرّ الكلام حول ذلك في أوائل فصل الجماعة فلاحظ (١).

وأمّا إذا لم يحتمل خللاً في صلاته أصلاً فلا تشرع إعادتها منفرداً ، سواءً كانت الأُولى جماعة أم فرادى ، لعدم المقتضي لها بعد سقوط الأمر وعدم احتمال الخلل.

وأمّا إعادتها جماعة مأموماً أو إماماً فلا إشكال في جوازها ، بل استحبابها فيما إذا صلّى الاولى منفرداً ، لقيام الدليل المعتبر على كلّ منهما.

أمّا في المأموم فدلّت عليه صحيحة هشام بن سالم : «في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمّ يجد جماعة ، قال : يصلّي معهم ، ويجعلها الفريضة إن شاء» (٢). والمراد بالفريضةِ القضاءُ ، لا تلك الصلاة الأدائية ، والقرينة على ذلك أمران :

أحدهما : موثّقة إسحاق بن عمّار قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تقام الصلاة وقد صلّيت ، فقال : صلّ واجعلها لما فات» (٣).

ثانيهما : القرينة العقلية ، لحكومة العقل بامتناع تبديل الامتثال بالامتثال وأنّ الفريضة لا تناط بالمشيئة ولا يمكن تعليقها عليها كما تعرّضنا لذلك في مبحث الإجزاء (٤) ، لسقوط الأمر بمجرّد الامتثال ، إذ الانطباق قهري وجداني والإجزاء عقلي ، فلا يبقى معه أمر كي يبدل بامتثال آخر ، ومن الضروري تقوّم الامتثال بوجود الأمر.

فمن المستحيل اختيار المكلّف في التبديل كي يعلّق على مشيئته في قوله

__________________

(١) في ص ٤٣ ٤٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٠١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٠٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٥ ح ١.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٢٥.

٤١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه‌السلام : «ويجعلها الفريضة إن شاء». فليس المراد أنّه يجعلها تلك الفريضة الأدائية قاصداً بها أمرها الساقط ، بل المراد أنّه مخيّر بين أن ينوي بها الفريضة القضائية ، أو الصلاة المعادة بقصد الأمر الاستحبابي المتعلّق بها بهذا العنوان ، لا الأمر الوجوبي الأوّل ، وإلّا كان من التشريع المحرّم.

وأمّا في الإمام فدلّت عليه صحيحة إسماعيل بن بزيع قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : إنّي أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن أتاهم ، وربما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل ، فأكره أن أتقدّم وقد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت ذلك ، فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل إن شاء الله ، فكتب عليه‌السلام : صلّ بهم» (١). والدلالة ظاهرة. وقوله : «من يقتدي بصلاتي» أي من الشيعة. هذا كلّه إذا كان قد صلّى منفرداً.

وأمّا إذا صلّى جماعة فالظاهر جواز إعادتها إماماً وإن استشكل فيه الماتن لإطلاق صحيحة ابن بزيع المتقدّمة ، ولو من أجل ترك الاستفصال ، إذ من الجائز أنّ السائل كان قد صلّى في داره بأهله قبل أن يأتي المسجد ، كما كان هذا متعارفاً ، ولم يستفصله الإمام عليه‌السلام عند حكمه بالجواز عن أنّ صلاته كانت فرادى أم جماعة ، فيكشف ذلك عن إطلاق الحكم كما لا يخفى.

ومنه تعرف حكم ما لو كان مأموماً فأعادها إماماً ، إذ لو جازت الإعادة فيما إذا صلّاها إماماً ففي المأموم بطريق أولى. مضافاً إلى الإطلاق وترك الاستفصال في صحيحة ابن بزيع كما عرفت ، إذ من الجائز أنّ ابن بزيع صلّى في داره مأموماً ، وكان مقتدياً بأحد من الأصحاب الحاضرين في بيته كصفوان ونحوه ، فانّ هذا أيضاً فرد متعارف وإن لم يكن بتلك الكثرة. فترك استفصاله عليه‌السلام عن أنّ صلاته السابقة كانت فرادى أم جماعة إماماً أو مأموماً كاشف عن إطلاق الحكم.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٥.

٤١٩

وكذا يشكل إذا صلّى اثنان منفرداً ثمّ أرادا الجماعة (١) فاقتدى أحدهما بالآخر من غير أن يكون هناك من لم يصلّ.

______________________________________________________

وأمّا إذا صلّى جماعة وأراد أن يعيدها مأموماً فهذا لا دليل عليه ، فانّ مورد النصوص ما إذا صلّى فرادى وأعادها جماعة ، غايته أنّا استفدنا من صحيحة ابن بزيع ما لو صلّاها جماعة أيضاً بمقتضى الإطلاق ، لكنّ موردها ما إذا أعادها إماماً كما عرفت ، وأمّا مأموماً فلم يقم على مشروعيّته أيّ دليل والعبادة توقيفية يقتصر فيها على مورد النصّ.

وقد يتوهّم استفادته من موثّقة عمّار : «عن الرجل يصلّي الفريضة ثمّ يجد قوماً يصلّون جماعة ، أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال : نعم ، وهو أفضل قلت : فان لم يفعل ، قال : ليس به بأس» (١) بدعوى أنّ إطلاقها يشمل ما إذا صلّى الأُولى جماعة.

لكنّه كما ترى بعيد جدّاً عن سياقها ، بقرينة قوله : «وهو أفضل» الكاشف عن المقابلة بين المعادة جماعة وبين الاولى ، وأنّ هذه من أجل كونها جماعة أفضل ، فلا بدّ وأن تكون الاولى فرادى بمقتضى التقابل المستفاد من التفضيل.

على أنّ ظاهر قوله : «ثمّ يجد ...» إلخ وجدان الجماعة بعد فقدانها كما لا يخفى فلا ينبغي الريب في ظهور الموثّق في كون الاولى فرادى ، وعدم إطلاقه لما إذا كانت جماعة.

وكيف ما كان ، فمحلّ الإشكال ما إذا صلّى الأُولى جماعة إماماً أو مأموماً وأعادها مأموماً ، وقد عرفت أنّ هذا لا دليل عليه ، وأمّا إعادتها إماماً فلا بأس بها كما عرفت.

(١) لخروج ذلك عن مورد النصوص ، فإنّها ناظرة إلى ما إذا كانت هناك جماعة أُخرى صحيحة في نفسها مع قطع النظر عن إعادة هذا المصلّي ، بأن كان

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٩.

٤٢٠