موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٩٧٢] مسألة ١٢ : العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر (*) وعن الإصرار على الصغائر ، وعن منافيات المروة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين ، ويكفي حسن الظاهر الكاشف ظنا (**) عن تلك الملكة (١).

______________________________________________________

على المقيّد والالتزام باختصاص المنع بالمهاجر ، لا من جهة دلالة القيد على المفهوم الاصطلاحي ، بل من جهة دلالته على نفي الحكم عن الطبيعي المطلق كما بيّناه. فالقول بالاختصاص هو الأظهر.

ويدلّ عليه الحثّ الأكيد الوارد في كثير من الروايات على إقامة الجماعات بل الجمعة لعامّة المسلمين ، الذين منهم الأعرابي وسكنة البوادي ، فهم أيضاً مأمورون بإقامتها فيما بينهم بمقتضى الإطلاقات ، بل السيرة أيضاً قائمة على تشكيل الجماعات بينهم وائتمام بعضهم ببعض.

ولعلّ حكمة المنع عن إمامته للمهاجر أنّ معرفة الحضري بدقائق الأحكام أكثر ، واطّلاعه على المسائل أوفر ، لقصور الأعرابي غالباً عن العثور على المزايا والخصوصيات المتعلّقة بالصلاة ومقدّماتها ، فلا يناسب أن يأتمّ به إلّا مثله.

فتحصّل : أنّ القول بالكراهة ضعيف وإن نسب إلى كثير من المتأخّرين ، بل المشهور بينهم ، كضعف القول بالتعميم. فالأقوى عدم جواز إمامة الأعرابي إلّا لمثله.

(١) تقدّم الكلام حول هذه المسألة وما بعدها المتكفّلتين لتحقيق معنى العدالة وما يكشف عنها ، وبيان المعاصي الكبيرة وما يتعلّق بها ، وسائر المزايا

__________________

(*) بل هي استقامة عملية في جادة الشرع بإتيان الواجبات وترك المحرّمات ، كبيرة كانت أو صغيرة. وأمّا ارتكاب ما ينافي المروءة فلا يضرّ بالعدالة ما لم ينطبق عليه عنوان من العناوين المحرّمة.

(**) الظاهر أنّه طريق إلى العدالة ، ولا يعتبر فيه الظن الشخصي ، نعم هو في نفسه لا بدّ من إحرازه بالوجدان أو بطريق شرعي.

٣٨١

[١٩٧٣] مسألة ١٣ : المعصية الكبيرة هي كلّ معصية ورد النصّ بكونها كبيرة كجملة من المعاصي المذكورة في محلّها ، أو ورد التوعيد بالنار عليه في الكتاب أو السنة صريحاً أو ضمناً ، أو ورد في الكتاب أو السنة كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة أو الموعود عليها بالنار ، أو كان عظيماً في أنفس أهل الشرع.

[١٩٧٤] مسألة ١٤ : إذا شهد عدلان بعدالة شخص كفى في ثبوتها (*) إذا لم يكن معارضاً بشهادة عدلين آخرين ، بل وشهادة عدل واحد بعدمها (١).

______________________________________________________

والخصوصيات المتعلّقة بالمسألتين في مباحث الاجتهاد والتقليد (١) مستقصى بما لا مزيد عليه. فلا حاجة إلى الإعادة.

(١) لا شكّ في ثبوت العدالة بشهادة العدلين التي هي بيّنة شرعية ، كما لا شكّ في عدم الثبوت لدى معارضتها بشهادة عدلين آخرين وتساقطهما وهل تعارض بشهادة العدل الواحد؟ يبتني ذلك على حجّية خبر العادل في الموضوعات كالأحكام.

فعلى القول بالحجّية تعارض ، ولا يلاحظ معه العدد ، كما هو الحال في باب الأحكام. فكما أنّ الرواية الواحدة الدالّة على وجوب شي‌ء مثلاً تعارض الروايات النافية له وإن كانت متعدّدة ، ما لم تبلغ حدّ التواتر أو الشهرة بحيث تعدّ من الواضحات وما بإزائها من الشاذّ النادر ، فكذا في باب الموضوعات. فلا عبرة بالعدد في استقرار المعارضة بعد فرض حجّية المتعارضين في نفسهما (٢).

وأمّا على القول بعدم الحجّية فلا تعارض ، إذ لا معارضة بين الحجّة

__________________

(*) بل يكفي شهادة واحد عدل أو ثقة.

(١) شرح العروة ١ : ٢١٠ وما بعدها.

(٢) ولا ينافي ذلك تقدّم البينة على خبر الثقة في باب القضاء والمرافعة ، لدلالة النصّ الخاصّ على اعتبار العدد في هذا الباب.

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واللاحجّة كما هو ظاهر ، هذا.

وقد ذكرنا في محلّه (١) أنّ الأقوى حجّية خبر العدل الواحد في الموضوعات كالأحكام ، فإنّ عمدة المستند في الحجّية هي السيرة العملية المؤكّدة بالآيات والروايات ، وهي كما قامت على العمل بخبر العادل في الأحكام قامت على العمل به في الموضوعات بلا فرق بينهما ، وهي ممضاة لدى الشرع بعدم الردع إلّا في موارد خاصّة اعتبر فيها العدد كما في الترافع ، بل ربما اعتبر الأربع كما في الشهادة على الزنا.

ودعوى الردع عنها بمثل قوله عليه‌السلام في رواية مسعدة بن صدقة : «والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (٢) الظاهر في المنع عن العمل في الموضوعات بغير البيّنة ، مدفوعة بأنّ الرواية وإن كانت معتبرة ، لوجود مسعدة في أسانيد كامل الزيارات (٣) وإن لم يوثّق صريحاً ، لكن الدلالة قاصرة.

فانّ المراد بالبيّنة هي مطلق الحجّة الشرعية ، في قبال الاستبانة التي هي بمعنى الوضوح بالعلم الوجداني ، لا خصوص شهادة العدلين ، فإنّه اصطلاح محدث تداول في ألسنة الفقهاء ، وأمّا لغة فهي بمعنى الحجّة والبرهان ، وكذا في لسان الآيات والروايات بأجمعها ، حتّى في مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان» (٤).

فانّ مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك عدم استفادته في مقام القضاء وفصل الخصومة من علم النبوّة ، بل يحكم على طبق الموازين الشرعية الظاهرية من مطالبة المدّعى بالدليل والحجّة والمنكر باليمين ، ولا تنحصر الحجّة في شهادة العدلين ، بل قد تفصل الخصومة بغيرها كالإقرار بلا إشكال. نعم ثبت من

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ١٩٦ ، ٢٠٠.

(٢) الوسائل ١٧ : ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤.

(٣) بل لكونه من رجال تفسير القمّي ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٤) الوسائل ٢٧ : ٢٣٢ / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢ ح ١.

٣٨٣

[١٩٧٥] مسألة ١٥ : إذا أخبر جماعة غير معلومين بالعدالة بعدالته وحصل الاطمئنان (١) كفى ، بل يكفي الاطمئنان إذا حصل من شهادة عدل واحد ، وكذا إذا حصل من اقتداء عدلين به ، أو من اقتداء جماعة مجهولين به ، والحاصل : أنّه يكفي الوثوق والاطمئنان للشخص من أيّ وجه حصل بشرط (*) كونه من أهل الفهم والخبرة والبصيرة والمعرفة بالمسائل ، لا من الجهّال ولا ممّن يحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنى شي‌ء كغالب الناس.

______________________________________________________

الخارج حجّية الشهادة ، فيعلم من ذلك أنّها مصداق للبينة ، لا أنّها منحصرة في شهادة العدلين كما لا يخفى.

وعلى الجملة : المستفاد من رواية مسعدة أنّ الأشياء كلّها على الإباحة حتّى يثبت خلافها بعلم وجداني أو حجّة شرعية ، وهي تارة تكون البينة المصطلحة ، وأُخرى خبر الثقة ، وثالثة غيرهما من استصحاب ونحوه. فلا دلالة فيها بوجه على الردع عن السيرة القائمة على العمل بخبر العدل الواحد في الموضوعات كالأحكام.

وعليه فشهادة العدلين بعدالة شخص كما تعارض بشهادة عدلين آخرين تعارض بشهادة العدل الواحد بمناط واحد ، فلا تثبت العدالة كما أفاده في المتن.

(١) لا ريب في كفاية الوثوق والاطمئنان الذي هو حجّة عقلائية ، لكن الماتن قيّده بأمرين :

أحدهما : أن يكون من حصل له الوثوق الشخصي من أهل الفهم والخبرة والبصيرة والمعرفة بالمسائل.

ثانيهما : أن لا يكون ممّن يحصل له الاطمئنان والوثوق بأدنى شي‌ء.

أقول : أمّا القيد الثاني ففي محلّه ، فانّ المستند في حجّية الوثوق الشخصي إنّما

__________________

(*) بل مطلقاً.

٣٨٤

[١٩٧٦] مسألة ١٦ : الأحوط أن لا يتصدّى للإمامة من يعرف نفسه بعدم العدالة ، وإن كان الأقوى جوازه (*) (١).

______________________________________________________

هي السيرة العقلائية ، وهي خاصّة بما إذا تحصّل الوثوق من السبب العادي المتعارف الذي يراه العرف موجباً لذلك ، دون ما لم يكن كذلك ، كما لو حصل له الوثوق بعدالة زيد أو فضله من قلّة أكله أو كبر عمامته ونحو ذلك ممّا لا يراه العقلاء منشأ للوثوق.

بل ربما يلام ويستهزأ من ادّعاه مستنداً إلى هذه الأُمور ، بل قيل إنّ القطع لا يكون حجّة إذا استند إلى سبب غير عادي فضلاً عن الوثوق ، وإن كان هذا ممنوعاً جدّاً ، لحجيّة القطع الطريقي مطلقاً كما تبيّن في الأُصول (١).

وأمّا القيد الأوّل فلم نعرف له وجهاً أبداً ، إذ لا فرق في السيرة القائمة على حجّية الوثوق الناشئ من السبب العادي بين أن يكون صاحبه من أهل الفهم والخبرة ، أم من الجهلة السفلة ، فلو رأى الجاهل جماعة من ذوي الفضل وإن لم يعلم عدالتهم يأتمّون بشخص فحصل له الوثوق بعدالته ، وفرضنا أنّ هذا سبب عادي لدى نوع أهل العرف ، فلا قصور في شمول السيرة للوثوق الحاصل لمثل هذا الشخص وإن لم يكن من أهل الخبرة والفضل.

ودعوى انصراف الوثوق في قوله : «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه وأمانته» إلى الوثوق العقلائي ، المختص بأهل الفهم والبصيرة. يدفعها ضعف الرواية أوّلاً كما مرّ سابقاً (٢) ومنع الانصراف ثانياً. والوثوق الشخصي وإن كان كافياً لكن المستند في حجّيته إنّما هي السيرة كما عرفت آنفاً ، لا هذه الرواية الضعيفة كي يدّعى فيها الانصراف.

(١) ذهب بعضهم إلى عدم جواز التصدّي للإمامة لمن يرى من نفسه أنّه

__________________

(*) لكن لا يترتّب عليه آثار الجماعة على الأقوى.

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٥٣.

(٢) في ص ٣٤٤.

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا أهلية له ، ومن أجله احتاط الماتن وإن قوّى الجواز.

ويستدلّ له تارة : بما رواه ابن إدريس عن كتاب السياري قال «قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة ، فيقدّم بعضهم فيصلّي بهم جماعة ، فقال : إن كان الذي يؤمّ بهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل» (١). دلّ بمقتضى المفهوم على عدم جواز الإمامة لمن يرى أنّ بينه وبين الله طلبة وإثماً.

وفيه : أنّ دلالة الرواية وإن لم يكن بها بأس في حدّ نفسها مع قطع النظر عن القرائن الخارجية المقتضية لفساد هذا الاعتقاد ، وقد كان المرحوم السيد القمّي (قدس سره) يقول : إنّ من يرى من نفسه أنّه غير مأثوم ، وليس بينه وبين الله طلبة وإثم ، فهو غبيّ قاصر ، ولا يكاد يدّعيه العاقل.

إلّا أنّ السند ضعيف جدّاً ، أوّلاً : لجهالة طريق ابن إدريس إلى الكتاب. وثانياً : أنّ السياري بنفسه ضعيف لا يعتمد عليه ولا على كتابه.

وأُخرى : بأنّ الجماعة تتضمّن أحكاماً ، من رجوع المأموم إلى الإمام لدى عروض الشكّ وإن كان مبطلاً ، واغتفار زيادة الركن ، ولا جماعة مع علم الإمام بعدم الأهلية ، لأنّها من الشرائط الواقعية كما مرّ. فصلاة المأموم باطلة عند اتّفاق هذه الأُمور. وحيث إنّ البطلان مستند إلى الإمام ، لكونه السبب في إيجاده بتقمّصه الإمامة عالماً بعدم اللياقة وفساد الجماعة ، فيحرم لحرمة التسبيب إلى الحرام كارتكابه.

ويندفع : بأنّ الكبرى أعني حرمة التسبيب إلى الحرام كمباشرته فيما إذا كان الفعل محرّماً على الكلّ وإن كانت مسلّمة ، فلا يجوز تقديم الطعام النجس إلى الغير ليأكله بلا إشكال ، لكنّ الصغرى ممنوعة ، فإنّ التصدّي للإمامة ليس إلّا مقدّمة إعدادية لبطلان الصلاة ، إذ ليس هو سبباً للائتمام فضلاً عن البطلان.

غاية ما هناك أنّ الإمام يجعل نفسه معرضاً لأن يؤتمّ به ، وهذا لا يستوجب

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣١٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١٢ ، السرائر ٣ : ٥٧٠.

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

استناد فعل المأموم إليه عرفاً من اقتدائه أو بطلان صلاته ، وإنّما هو مسبَّب عن اعتقاده عدالة الإمام. فليست المعرضية إلّا من قبيل المعدّات ، نظير بيع العنب ممّن يحتمل أنّه يصنعه خمراً ، أو الطعام لأحد وهو يحتمل أنّه يأكله في نهار شهر رمضان ، ونحو ذلك من المقدّمات الإعدادية.

نعم ، لا نضايق من صدق التسبيب لدى علم الإمام باتّفاق هذه الأُمور الموجبة للبطلان ، لكنّه فرض نادر ، ولعلّه لا يكاد يتّفق خارجاً بتاتاً.

وعلى الجملة : لا تسبيب إلى الحرام في مثل المقام ، فلا مانع من التصدّي للإمامة. ومقتضى الأصل جوازه بعد عدم الدليل على الحرمة ، هذا.

وربما يستدلّ للجواز بالروايات المتقدّمة في محلّها ، المتضمّنة لعدم وجوب إعلام المأمومين بفساد الصلاة (١) ، بل في بعضها جواز التصدّي للإمامة حتّى مع عدم كونه ناوياً للصلاة (٢) ، فاذا جاز ذلك مع فساد الصلاة جاز مع فساد الإمامة وصحّة الصلاة كما في المقام بطريق أولى.

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ تلك الروايات ناظرة إلى عدم بطلان صلاة المأمومين من ناحية فساد صلاة الإمام ، وأنّ هذه الجهة لا تستوجب فساد صلاتهم فلا مانع من التصدّي من هذه الحيثية.

ولا نظر فيها إلى الفساد من جهة أُخرى ، كما لو رتّب المأموم آثار الجماعة من زيادة ركن للمتابعة ، أو رجوعه إلى الإمام في الشكوك الباطلة ، فإنّه لا تعرّض فيها لجواز التصدّي حتّى لدى عروض هذه الطوارئ أحياناً ، الذي هو محلّ الكلام في المقام. ولا ينبغي الإشكال في جواز التصدّي وعدم البطلان في المقام فيما إذا لم تتّفق تلك الأُمور. فالعمدة في الجواز هو الأصل كما عرفت.

نعم ، ليس للإمام ترتيب أحكام الجماعة كرجوعه إلى المأموم لدى الشكّ إذ بعد علمه بعدم الأهلية فهو يرى بطلان الجماعة ، فكيف يسوغ له ترتيب

__________________

(١) [وهما صحيحتا الحلبي وزرارة المتقدّم مصدرهما في ص ٣١٥].

(٢) تقدّمت في ص ٣١٦.

٣٨٧

[١٩٧٧] مسألة ١٧ : الإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره وإن كان غيره أفضل منه ، لكن الأولى له تقديم الأفضل ، وكذا صاحب المنزل أولى من غيره المأذون في الصلاة ، وإلّا فلا يجوز بدون إذنه ، والأولى أيضاً تقديم الأفضل ، وكذا الهاشمي أولى من غيره المساوي له في الصفات (١).

______________________________________________________

آثارها ، فإنّه منفرد واقعاً وإن كان إمام الجماعة ظاهراً. فما دلّ على أنّه لا شكّ للإمام إذا حفظ عليه مَن خلفه غير شامل للمقام بلا كلام.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى جواز تصدّي من لا أهلية له للإمامة ، ولا شي‌ء عليه وإن رتّب المأمومون آثار الجماعة ، غير أنّه بنفسه لا يرتّب تلك الآثار.

(١) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة وما بعدها إلى نهاية الفصل لعدّة فروع تتضمّن أولوية شخص بالإضافة إلى غيره في التصدّي للإمامة ، كأولويّة الإمام الراتب في المسجد ، أو الأفضل ، أو الهاشمي ، أو صاحب المنزل عن غيره المأذون ، وإلّا فلا يجوز بدون الإذن.

وكذا إذا تشاحّ الأئمة لغرض أُخروي ، بل الدنيوي أيضاً بناءً على ما عرفت سابقاً (١) من أنّ الأمر بالجماعة توصّلي لا تعبدي ، أو تشاحّ المأمومون فمال بعضهم إلى جانب غير الجانب الآخر ولو لأجل الافتخار والمباهاة بأنّ الإمام من أهل بلده مثلاً ، فذكر (قدس سره) مرجّحات في مقام التقديم من الأفقهية (٢) والأورعية (٣) والأجودية قراءة (٤) والأسنيّة (٥) ونحوها.

__________________

(١) في ص ٩٦ ٩٧.

(٢) المستدرك ٦ : ٤٧٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٣ ، دعائم الإسلام ١ : ١٤٧.

(٣) المستدرك ٦ : ٤٧٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٥ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٤٢ / ١٤٠.

(٤) ، (٥) المستدرك ٦ : ٤٧٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ٢ ، دعائم الإسلام ١ : ١٥٢.

٣٨٨

[١٩٧٨] مسألة ١٨ : إذا تشاحّ الأئمّة رغبة في ثواب الإمامة لا لغرض دنيوي رجّح مَن قدّمه المأمومون جميعهم (*) تقديماً ناشئاً عن ترجيح شرعي لا لأغراض دنيوية ، وإن اختلفوا فأراد كلّ منهم تقديم شخص فالأولى ترجيح الفقيه الجامع للشرائط ، خصوصاً إذا انضمّ إليه شدّة التقوى والورع ، فان لم يكن أو تعدّد فالأولى تقديم الأجود قراءة ثمّ الأفقه في أحكام الصلاة ، ومع التساوي فيها فالأفقه في سائر الأحكام غير ما للصلاة ، ثمّ الأسنّ في الإسلام ثمّ من كان أرجح في سائر الجهات الشرعية. والظاهر أن الحال كذلك إذا كان هناك أئمّة متعدّدون ، فالأولى للمأموم اختيار الأرجح بالترتيب المذكور ، لكن إذا تعدّد المرجّح في بعض كان أولى ممّن له ترجيح من جهة واحدة. والمرجّحات الشرعية مضافاً إلى ما ذكر كثيرة لا بدّ من ملاحظتها في تحصيل الأولى ، وربما يوجب ذلك خلاف الترتيب المذكور ، مع أنّه يحتمل اختصاص الترتيب المذكور بصورة التشاحّ بين الأئمّة أو بين المأمومين لا مطلقاً ، فالأولى للمأموم مع تعدّد الجماعة ملاحظة جميع الجهات في تلك الجماعة من حيث الإمام ، ومن حيث أهل الجماعة من حيث تقواهم وفضلهم وكثرتهم وغير ذلك ثمّ اختيار الأرجح فالأرجح.

______________________________________________________

لكنّ شيئاً من هذه الترجيحات لم يثبت ، لضعف مستندها بأجمعها من الفقه الرضوي أو رواية الدعائم أو مجرّد الشهرة أو النبويّ كما في تقديم الهاشمي ، إذ لا مستند له سوى النبويّ : «وقدّموا قريشاً ولا تقدّموها» (١) غير المختصّ بباب الصلاة (٢).

__________________

(*) بعض هذه الترجيحات لم نجد عليه دليلاً ، والأحوط ترك التشاح.

(١) كنز العمال ١٢ : ٢٢ / ٣٣٧٨٩ ، مجمع الزوائد ١٠ : ٢٥.

(٢) روى في المستدرك ٦ : ٤٧٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٦ رواية يظهر منها استحباب الصلاة خلف القرشي ، وإن كانت ضعيفة السند أيضاً.

٣٨٩

[١٩٧٩] مسألة ١٩ : الترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضلية والاستحباب لا على وجه اللزوم والإيجاب حتّى في أولويّة الإمام الراتب (*) (١) الذي هو صاحب المسجد ، فلا يحرم مزاحمة الغير له وإن كان مفضولاً من سائر الجهات أيضاً إذا كان المسجد وقفاً لا ملكاً له ولا لمن لم يأذن لغيره في الإمامة.

[١٩٨٠] مسألة ٢٠ : يكره إمامة الأجذم والأبرص والأغلف المعذور في ترك الختان ، والمحدود بحدّ شرعي بعد توبته (**) ، ومن يكره المأمومون إمامته والمتيمّم للمتطهّر ، والحائك ، والحجّام ، والدبّاغ إلّا لأمثالهم ، بل الأولى عدم إمامة كلّ ناقص للكامل وكلّ كامل للأكمل.

______________________________________________________

نعم ، لا بأس بالعمل بها في الكلّ من باب التسامح ، فانّ الحكم استحبابي لا وجوبي. فلا حاجة للتعرّض إلى هذه الفروع.

(١) فيه إشكال ، إذ قد يكون ذلك مظنّة للهتك ، أو مزاحمة لحقّ السبق ، أو مثاراً للفتنة ، ومن ثمّ كان الأحوط وجوباً التجنّب عنه كما أشار إليه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة.

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط بعدم مزاحمة الإمام الراتب لا يترك.

(**) الاحتياط بعدم الائتمام به لا يترك.

٣٩٠

فصل

في مستحبّات الجماعة ومكروهاتها

أمّا المستحبات فأُمور :

أحدها : أن يقف المأموم عن يمين الإمام (*) إن كان رجلاً واحداً ، وخلفه إن كانوا أكثر. ولو كان المأموم امرأة واحدة وقفت خلف الإمام على الجانب الأيمن (**) بحيث يكون سجودها محاذياً لركبة الإمام أو قدمه ، ولو كنّ أزيد وقفن خلفه ، ولو كان رجلاً واحداً وامرأة واحدة أو أكثر وقف الرجل عن يمين الإمام والامرأة خلفه ، ولو كان رجالاً ونساءً اصطفّوا خلفه واصطفّت النساء خلفهم ، بل الأحوط مراعاة المذكورات (***) هذا إذا كان الإمام رجلاً وأمّا في جماعة النساء فالأولى وقوفهنّ صفاً واحداً أو أزيد من غير أن تبرز إمامهنّ من بينهنّ (١).

______________________________________________________

(١) تعرّض (قدس سره) لبيان موقف المأموم من حيث كونه خلف الإمام أو عن يمينه فيما إذا كان واحداً أو أكثر ، رجلاً أو امرأة أو مختلفين ، وكذا إذا

__________________

(*) وجوب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام ، والمتعدّد خلفه إن لم يكن أظهر فلا ريب في أنّه أحوط.

(**) أو وقفت خلفه بحيث تكون وراءه.

(***) هذا الاحتياط لا يترك.

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

كان الإمام رجلاً أو امرأة ، وذكر (قدس سره) أنّ الحكم في الجميع استحبابي. وهذا لا مستند له عدا الشهرة الفتوائية ، وإلّا فمقتضى الصناعة الالتزام بالوجوب في الكلّ ، وينبغي التعرّض لكلّ واحد من هذه الفروع بخصوصه.

منها : أنّ المأموم إن كان رجلاً وكان واحداً وقف عن يمين الإمام ، وإن كانوا أكثر وقفوا خلفه. فقد ذهب المشهور إلى استحباب هذا الحكم ، بل ادّعي عليه الإجماع. ونسب الخلاف إلى ابن الجنيد وأنّه اختار الوجوب (١) ، وأصرّ عليه صاحب الحدائق فحكم بوجوب الوقوف عن يمينه إن كان واحداً وخلفه إن كانوا أكثر (٢) ، وهذا هو الأقوى ، لظهور الروايات في الوجوب من غير قرينة تقتضي صرفها إلى الاستحباب.

ونحن وإن ناقشنا المشهور في انجبار ضعف السند بالعمل لكن الظاهر عدم الإشكال في عدم انجبار الدلالة بعملهم.

وبعبارة اخرى : النزاع بيننا وبين المشهور في الانجبار وعدمه إنّما هو من حيث السند ، وأمّا من ناحية الدلالة فالظاهر إطباق الكلّ على أنّ مخالفة المشهور مع الظهور لا يستوجب سقوط الظاهر عن الحجّية. فلا موجب لرفع اليد عن ظاهر الأمر في الوجوب ، الوارد في هذه الروايات ، وإن حمله الأصحاب على الاستحباب من غير وجه ظاهر. والروايات كثيرة وفيها الصحيحة :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «قال : الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه ، يقوم عن يمينه ، فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (٣).

وروايته الأُخرى التي رواها الصدوق عنه عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّه سئل عن الرجل يؤمّ الرجلين؟ قال : يتقدّمهما ولا يقوم بينهما. وعن

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥١٤ المسألة ٣٧٥.

(٢) الحدائق ١١ : ٩٢ ، ١١٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٤١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الرجلين يصلّيان جماعة ، قال : نعم ، يجعله عن يمينه» (١) ، وقد عبّر عنها بالصحيحة في كلام غير واحد. وليست كذلك ، لضعف طريق الصدوق إلى ابن مسلم كما مرّ مراراً (٢).

وموثّقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام : «أنّه كان يقول : المرأة خلف الرجل صفّ ، ولا يكون الرجل خلف الرجل صفّاً ، إنّما يكون الرجل إلى جنب الرجل عن يمينه» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار. وقد عرفت أنّ رفع اليد عن ظاهر هذه الأخبار في الوجوب يحتاج إلى الدليل ، فإنّ العبادة توقيفية ، ولم تثبت المشروعية بغير هذه الكيفية بعد الأمر بها في هذه النصوص.

نعم ، قد يقال : إنّ الدليل عليه ما ورد من تحويل الإمام المأموم الواقف عن يساره إلى يمينه ، فيما إذا لم يعلم ثمّ علم به وهو في الصلاة ، حيث إنّ ظاهره صحّة الائتمام مع وقوف المأموم عن يسار الإمام غير أنّه يحوّله إلى اليمين فيكشف ذلك عن استحباب الوقوف إلى اليمين لا وجوبه ، وإلّا كانت الصلاة باطلة ، وهو صحيح الحسين بن سعيد الأهوازي : «أنّه أمر من يسأله عن رجل صلّى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ، ثمّ علم وهو في الصلاة كيف يصنع؟ قال : يحوّله عن يمينه» ، وبمضمونه خبر المدائني (٤). وقد عنون صاحب الوسائل هذا الباب بقوله : باب استحباب تحويل الإمام المأموم عن يساره إلى يمينه ولو في الصلاة.

أقول : يرد عليه أوّلاً : أنّ غاية ما تدلّ عليه الصحيحة جواز وقوف المأموم الواحد عن يسار الإمام كاليمين ، وأنّه مخيّر بين الأمرين وإن كان الثاني أفضل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٤٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٩.

(٢) منها ما في ص ١٦٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٤٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١٢.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٤٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٤ ح ١ ، ٢.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولأجله يحوّله الإمام إليه ، ولا دلالة فيها بوجه على جواز وقوفه خلف الإمام كي تتنافى مع النصوص المتقدّمة الصريحة في اختصاص الخلف بالمأموم المتعدّد ، كي يجمع بينهما بالحمل على الاستحباب.

وثانياً : أنّ الدلالة في نفسها ضعيفة ، والرواية أجنبية عن باب الجماعة بالكلّية ، إذ لم يفرض فيها أنّ الرجل الآخر الذي يصلّي إلى جانبه مصلّ أيضاً وهذا الذي يأتمّ به واقف عن يساره ليتمّ الاستدلال ، فمن الجائز أن يكون ذاك الشخص واقفاً أو جالساً أو نائماً ، كيف وإلّا كان الأحرى أن يجيب الإمام عليه‌السلام بقوله : يحوّله إلى يمينه (١) بدل قوله : «عن يمينه» ، إذ المفروض وقوف المأموم عن يسار الإمام ، فما معنى تحويله عن يمينه (٢).

والذي يتحصّل لنا من مفاد الرواية : أنّها ناظرة إلى بيان حكم آخر ، وهو الاجتناب عن وقوف المصلّي في يسار شخص وإن لم يكن مصلّياً ، ولعلّ ذلك مكروه ، وإلّا فلا حرمة فيه قطعاً ، وبما أنّ مثل هذا الموقف يستدعي أن يكون ذاك الشخص عن يمين المصلّي بطبيعة الحال فمن هنا أجاب الإمام عليه‌السلام بقوله : «يحوله عن يمينه» حذراً عن كراهية هذا الموقف.

فقوله : «وهو لا يعلم» أي المصلّي لا يعلم بوقوفه عن يسار شخص آخر وهو الذي يحوّل ذاك الشخص بعد علمه به ، لا أنّ ذاك الشخص إمام وهو لا يعلم بوقوف المأموم عن يساره والإمام يحوّل المأموم ، إذ لم يفرض شي‌ء من

__________________

(١) قد ذكر كذلك في رواية الفقيه [١ : ٢٥٨ / ١١٧٤] كما نقله عنه في الوسائل.

(٢) يمكن أن يكون (عن) هنا اسماً بمعنى (جانب) لا حرف جر ، وذلك بعد إشراب القيام المستفاد من سياق الكلام ، ولا سيما بقرينة قوله قبل ذلك : «فقام عن يساره» في معنى التحويل ، ويكون المعنى : يحوّله فيقوم عن يمينه ، أي جانب يمينه. ففي المغني لابن هشام [١ : ١٩٩] : قالوا : فاذا قيل : قعدت عن يمينه ، فالمعنى في جانب يمينه.

نعم ، يكثر استعماله بهذا المعنى فيما إذا كان مدخولاً لحرف الجر نحو : جلس من عن يسار الخليفة. وأمّا التخصيص به كما يظهر من المنجد : ٥٣١ فيدفعه ما سمعته من ابن هشام ، بل قد صرّح في أقرب الموارد [٢ : ٨٣٤] تبعاً للمغني بعدم الاختصاص ، فلاحظ.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك في الرواية ، وسياقها شاهد على ما استظهرناه (١). فمن المقطوع به أنّ الرواية لا ارتباط لها بباب الجماعة أصلاً وإن عنون الباب صاحب الوسائل بما عرفت.

وعليه فلا موجب لرفع اليد عن تلك الروايات الظاهرة في الوجوب. وكيف ما كان ، فالجمود على ظاهر هذه النصوص لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

ومنها : أي من الفروع ما أشار إليه الماتن (قدس سره) بقوله : ولو كان المأموم امرأة واحدة وقفت خلف الإمام على الجانب الأيمن ، بحيث يكون سجودها محاذياً لركبة الإمام أو قدمه.

أمّا الوقوف على الأيمن محاذياً سجودها للركبة فتدلّ عليه صحيحة هشام ابن سالم : «الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه ، سجودها مع ركبتيه» (٢).

وأمّا محاذياً للقدم الذي يختلف عن ذلك بمقدار شبر تقريباً فتدلّ عليه موثّقة فضيل بن يسار قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أُصلّي المكتوبة بأُمّ علي؟ قال : نعم ، تكون عن يمينك ، يكون سجودها بحذاء قدميك» (٣) ومقتضى الجمع العرفي حمل الأمر فيهما على الوجوب التخييري ، هذا.

ويجوز لها الوقوف خلفه بحيث تكون وراءه كما تدلّ عليه موثّقة غياث : «المرأة صفّ والمرأتان صفّ والثلاث صفّ» (٤) ، دلّت على أنّ المرأة الواحدة بنفسها تشكّل صفّاً ، ومقتضى ذلك وقوفها وراء الإمام.

__________________

(١) ولكن يبعّده خلوّ المجامع الفقهية عن عدّ ذلك من مكروهات مكان المصلّي ولو احتمالاً مضافاً إلى أنّ تحويل غير المأموم عن مكانه تصرّف في سلطانه من غير مسوّغ ظاهر ، فما صنعه صاحب الوسائل تبعاً للمشايخ الثلاثة من ذكر الرواية في أبواب الجماعة [الكافي ٣ : ٣٨٧ / ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٤ ، التهذيب ٣ : ٢٦ / ٩٠] لعلّه هو الأصحّ.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٥ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٣٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٢.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٤٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٤.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأظهر منها موثّقة الحسين بن علوان : «المرأة خلف الرجل صف» (١) ويؤيّدها رواية أبي العباس البقباق : «عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته؟ فقال : نعم تقوم وراءه» (٢) وإن كانت ضعيفة السند من أجل محمّد بن سنان.

ومقتضى الجمع بين هذه النصوص وما مرّ هو التخيير بين الأُمور الثلاثة : الوراء ، اليمين محاذياً للركبة ، واليمين محاذياً للقدم.

ومنها : ما أشار إليه بقوله : ولو كنّ أزيد وقفن خلفه. ويدلّ عليه مضافاً إلى موثّقة غياث المتقدّمة آنفاً ما دلّ على الحكم في الرجال ممّا مرّ ، فإنّه يقتضي وجوب وقوفهنّ خلفه بطريق أولى ، إذ لا يحتمل وجوب وقوفهم خلفه وجواز وقوفهنّ عن يمينه كما لا يخفى. بل الحكم كذلك في المرأة الواحدة أيضاً لولا الروايتان المتقدّمتان الدالّتان على جواز وقوفها عن يمينه محاذية لركبتيه أو قدمه.

ويظهر ذلك أيضاً من روايات إمامة المرأة لمثلها ، المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : تقوم وسطهنّ ولا تتقدّمهنّ (٣) ، حيث يظهر من ذلك المفروغية في ذهن السائل من أنّه متى كانت الجماعة مشروعة يتقدّم الإمام لا محالة ، ويكون المأمومون خلفه ، ولذا استثنى عليه‌السلام ما إذا كان الإمام امرأة وأنّها حينئذ لا تتقدّم.

ومنها : ما أشار إليه بقوله : ولو كان رجلاً واحداً وامرأة واحدة أو أكثر ... إلخ ، فالرجل الواحد يقف عن يمين الإمام والمرأة خلفهما. ويدلّ عليه إطلاق صحيحة ابن مسلم المتقدّمة : «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ...» إلخ (٤) ، فإنّها تشمل ما إذا كانت معهما امرأة أيضاً بمقتضى الإطلاق.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٤٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٣٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٣٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١ ، ١٠ ، ١٢ وغيرها.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٤١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتؤيّده رواية القاسم بن الوليد : «عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد معهما النساء ، قال : يقوم الرجل إلى جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما» (١) والرواية صحيحة إلى عبد الله بن المغيرة ، غير أنّ ابن الوليد لم يوثّق.

ومنها : ما لو كان المأمومون ملفّقين من الرجال والنساء ، وقد أشار (قدس سره) إليه بقوله : ولو كان رجالاً ونساءً اصطفّوا خلفه واصطفّت النساء خلفهم.

أمّا وجوب اصطفاف الرجال خلفه فقد ظهر ممّا مرّ من دلالة صحيحة ابن مسلم المتقدّمة آنفاً وغيرها ، وأمّا اصطفاف النساء خلفهم وعدم جواز وقوفهنّ بحذاء الرجال أو قدّامهم ، فبناءً على عدم جواز وقوفهنّ بحيال الرجال ما لم يفصل بينهما مقدار عشر أذرع فالحكم ظاهر ، وأمّا بناءً على جواز ذلك وعدم لزوم الفصل أكثر من شبر واحد فيدلّ عليه صحيح الحلبي : «عن الرجل يؤمّ النساء؟ قال : نعم ، وإن كان معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهنّ وإن كانوا عبيداً» (٢).

ويستفاد ذلك من صحيحة حمّاد أيضاً قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قال أبي : قال علي عليه‌السلام : كنّ النساء يصلّين مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنّ يؤمرن أن لا يرفعن رؤوسهنّ قبل الرجال لضيق الأُزر» (٣) ، فإنّ أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدم رفع رؤوسهنّ قبل الرجال مخافة انكشاف العورة يقتضي وقوفهنّ خلف الرجال ، إذ لو كنّ بحيالهم لم يلزم منه هذا المحذور.

وعلى الجملة : فمقتضى الجمود على النصوص المتقدّمة بأجمعها أنّ الحكم المذكور فيها لو لم يكن أظهر فلا ريب أنّه أحوط لزوماً ، إذ ليس بإزائها عدا شهرة القول بالاستحباب بين الأصحاب ، ومثلها لا يصلح لرفع اليد عن ظاهر

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٣٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٣.

(٢) ، (٣) الوسائل ٨ : ٣٤٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٩ ، ١١.

٣٩٧

الثاني : أن يقف الإمام في وسط الصف.

الثالث : أن يكون في الصفّ الأوّل أهل الفضل ممّن له مزيّة في العلم والكمال والعقل والورع والتقوى ، وأن يكون يمينه لأفضلهم في الصفّ الأوّل فإنّه أفضل الصفوف.

الرابع : الوقوف في القرب من الإمام.

الخامس : الوقوف في ميامن الصفوف ، فإنّها أفضل من مياسرها. هذا في غير صلاة الجنازة ، وأمّا فيها فأفضل الصفوف آخرها.

السادس : إقامة الصفوف واعتدالها وسدّ الفرج الواقعة فيها ، والمحاذاة بين المناكب.

السابع : تقارب الصفوف بعضها من بعض ، بأن لا يكون ما بينها أزيد من مقدار مسقط جسد الإنسان إذا سجد.

الثامن : أن يصلّي الإمام بصلاة أضعف مَن خلفه ، بأن لا يطيل في أفعال الصلاة من القنوت والركوع والسجود إلّا إذا علم حبّ التطويل من جميع المأمومين.

______________________________________________________

النصّ. هذا كلّه فيما إذا كان الإمام رجلاً.

وأمّا إمامة النساء لمثلهنّ فقد مرّ (١) جواز ذلك على كراهة في غير صلاة الجنازة ، أمّا فيها فلا كراهة أيضاً ، وقد عرفت أنّ أكثر الروايات الواردة في ذلك مقيّدة بوقوف الإمام وسطهنّ ، وأنّها لا تتقدّمهنّ ، وهذا ممّا تمتاز به جماعة النساء على الرجال ، ومقتضى التحفّظ على ظاهر الأمر أنّه واجب وشرط في الصحّة ، ولا فرق في ذلك بين الواحدة والأكثر ، هذا.

ولا حاجة إلى التعرّض لبقيّة ما ذكره الماتن من المستحبّات والمكروهات وينبغي صرف عنان الكلام إلى المسائل التي ذكرها في المقام.

__________________

(١) في ص ٣٤٩ وما بعدها.

٣٩٨

التاسع : أن يشتغل المأموم المسبوق بتمجيد الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتحميد والثناء إذا أكمل القراءة قبل ركوع الإمام ، ويبقى آية من قراءته ليركع بها.

العاشر : أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم ، بل يبقى على هيئة المصلّي حتّى يتمّ من خلفه صلاته من المسبوقين أو الحاضرين لو كان الإمام مسافراً بل هو الأحوط ، ويستحبّ له أن يستنيب من يتمّ بهم الصلاة عند مفارقته لهم ، ويكره استنابة المسبوق بركعة أو أزيد ، بل الأولى عدم استنابة من لم يشهد الإقامة.

الحادي عشر : أن يسمع الإمام مَن خلفه القراءة الجهرية والأذكار ما لم يبلغ العلوّ المفرط.

الثاني عشر : أن يطيل ركوعه إذا أحسّ بدخول شخص ضعف ما كان يركع انتظاراً للداخلين ثمّ يرفع رأسه وإن أحسّ بداخل.

الثالث عشر : أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من الفاتحة : الحمد لله ربّ العالمين.

الرابع عشر : قيام المأمومين عند قول المؤذّن : «قد قامت الصلاة».

وأمّا المكروهات فأُمور أيضاً :

أحدها : وقوف المأموم وحده في صفّ وحده مع وجود موضع في الصفوف ومع امتلائها فليقف آخر الصفوف أو حذاء الإمام.

الثاني : التنفّل بعد قول المؤذن : قد قامت الصلاة ، بل عند الشروع في الإقامة.

الثالث : أن يخصّ الإمام نفسه بالدعاء إذا اخترع الدعاء من عند نفسه وأمّا إذا قرأ بعض الأدعية المأثورة فلا.

الرابع : التكلّم بعد قول المؤذّن : قد قامت الصلاة ، بل يكره في غير الجماعة

٣٩٩

أيضاً ـ كما مرّ ـ إلّا أنّ الكراهة فيها أشدّ ، إلّا أن يكون المأمومون اجتمعوا من أماكن شتّى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان.

الخامس : إسماع المأموم الإمام ما يقوله بعضاً أو كلّاً.

السادس : ائتمام الحاضر بالمسافر والعكس مع اختلاف صلاتهما قصراً وتماماً ، وأمّا مع عدم الاختلاف كالائتمام في الصبح والمغرب فلا كراهة ، وكذا في غيرهما أيضاً مع عدم الاختلاف كما لو ائتمّ القاضي بالمؤدّي أو العكس وكما في مواطن التخيير إذا اختار المسافر التمام ، ولا يلحق نقصان الفرضين بغير القصر والتمام بهما في الكراهة كما إذا ائتمّ الصبح بالظهر أو المغرب أو هي بالعشاء أو العكس.

[١٩٨١] مسألة ١ : يجوز لكلّ من الإمام والمأموم عند انتهاء صلاته قبل الآخر بأن كان مقصّراً والآخر متمّا ، أو كان المأموم مسبوقاً ، أن لا يسلّم وينتظر الآخر حتّى يتمّ صلاته ويصل إلى التسليم فيسلّم معه ، خصوصاً للمأموم إذا اشتغل بالذكر والحمد ونحوهما إلى أن يصل الإمام ، والأحوط الاقتصار (*) على صورة لا تفوت الموالاة ، وأمّا مع فواتها ففيه إشكال ، من غير فرق بين كون المنتظر هو الإمام أو المأموم (١).

______________________________________________________

(١) أفاد (قدس سره) أنّ كلّاً من الإمام والمأموم لو انتهت صلاته قبل الآخر كما لو كانا مختلفين في العدد كالقصر والتمام والمغرب والعشاء ، أو كان المأموم مسبوقاً ، جاز له انتظار الآخر حتّى يتمّ صلاته ويصل إلى التسليم فيسلّم معه ، لأنّ ذلك بمثابة تطويل الجماعة فيحصل على مزيد من الأجر والثواب ، ويشتغل حينئذ بالذكر من الحمد والتسبيح ونحوهما إلى أن يصل إليه الآخر. لكنّه (قدس سره) قيّد الحكم بصورة عدم فوات الموالاة ، أمّا مع

__________________

(*) بل هو الأظهر إذا كان الانتظار مجرّداً عن الذكر ونحوه ، وأمّا معه فلا تفوت الموالاة ، لأنّ كلّ ما ذكر الله به فهو من الصلاة.

٤٠٠