موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

والعقل (١)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، بل إجماعاً حكاه غير واحد ، كما تدلّ عليه صحيحة أبي بصير يعني ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال ، وعدّ منهم المجنون وولد الزنا (١).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصلّينّ أحدكم خلف المجنون وولد الزنا» (٢). فالحكم في الجملة مسلّم لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في المجنون الأدواري ، الذي ظاهر المشهور جواز إمامته حال إفاقته ، لعدم صدق عنوان المجنون عليه حينئذ ، وفعلية الحكم تتبع فعلية الموضوع ، فهو خارج عن مورد النصّ في هذه الحالة ، فتشمله إطلاقات أدلّة الجماعة ، ولا وجه لدعوى انصرافها عن مثله كما لا يخفى.

وما ذكره المشهور هو الأقوى ، لكن في خصوص ما إذا لم يصدق عليه عنوان المجنون ولو مسامحة حال إفاقته ، لبعد دور الجنون عن دور الإفاقة أو قلّة اتّفاقه ، كما لو كان يجنّ في الصيف ويفيق في الشتاء أو بالعكس الذي يتّفق نادراً ، فإنّه لا مانع من إمامته حينئذ حال الإفاقة ، لعدم صدق العنوان عليه بوجه حسب الفرض ، ومجرّد جنونه في زمان أو آناً ما لا يمنع عن الاقتداء به إلى الأبد. فهو حينئذ عاقل عادل ، فلا قصور في شمول مثل قوله عليه‌السلام : صلّ خلف من تثق بدينه (٣) لمثله.

وأمّا إذا صدق عليه العنوان ولو بضرب من المسامحة العرفية ، وأُطلق عليه لفظ المجنون حال الإفاقة ولو بالعناية ، لكثرة أدوار جنونه ، فالظاهر عدم جواز

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٢١ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢١ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٢.

(٣) راجع ص ٥٠ ، الهامش رقم (٣).

٣٤١

والإيمان (١)

______________________________________________________

إمامته ، لاندراجه تحت النصوص المتقدّمة حسب الصدق العرفي ، بل الظاهر أنّ تلك النصوص ليست ناظرة إلّا إلى هذا الفرد.

ضرورة أنّ الإطباقي أو الأدواري حال جنونه غير مكلّف بشي‌ء ، بل هو ملحق بالحيوانات ، إذ ليس المائز بينها وبين الإنسان عدا العقل المفروض سلبه عنه ، فالصلاة خلفه بمثابة الصلاة خلف البهائم في أنّ عدم جواز الاقتداء به من الواضحات التي يعرفها كلّ أحد ، بل لم يعهد الإقدام عليه من أحد ، ولعلّه لم يتّفق خارجاً ولا مرّة واحدة ، من غير حاجة إلى التنبيه عليه من الصادق أو من أمير المؤمنين عليهما‌السلام في الصحيحتين المتقدّمتين.

فلا ينبغي الشكّ في أنّ الصحيحتين ناظرتان إلى حال الإفاقة ، لكن في مورد يطلق عليه المجنون ولو بالعناية والمسامحة ، دون ما لا يطلق ، حسب التفصيل الذي عرفت.

(١) أي الاعتقاد بالأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام بلا خلاف ولا إشكال وقد دلّت عليه جملة من النصوص : كصحيح زرارة : «عن الصلاة خلف المخالفين ، فقال : ما هم عندي إلّا بمنزلة الجدر» (١).

وصحيح البرقي قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : أتجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدّك؟ فأجاب : لا تصلّ وراءه» (٢).

وصحيح إسماعيل الجعفي قال «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل يحبّ أمير المؤمنين ، ولا يتبرّأ من عدوّه ويقول : هو أحبّ إليّ ممّن خالفه ، فقال : هذا مخلط ، وهو عدوّ ، فلا تصلّ خلفه ولا كرامة إلّا أن تتّقيه» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣١٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٣.

٣٤٢

والعدالة (١)

______________________________________________________

وصحيح ابن مهزيار قال : «كتبت إلى محمد بن علي الرضا عليه‌السلام : أُصلّي خلف من يقول بالجسم ومن يقول بقول يونس؟ فكتب عليه‌السلام : لا تصلّوا خلفهم ، ولا تعطوهم من الزكاة ، وابرءوا منهم برئ الله منهم» (١) ونحوها غيرها.

(١) أي الاستقامة في جادّة الشرع وعدم الانحراف يميناً وشمالاً. واعتبارها لدى الخاصّة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، بل من الواضحات الغنيّة عن الاستدلال ، بل عدّها المحقّق الهمداني من ضروريات الفقه (٢). فلا حاجة إلى إقامة البرهان عليه بعد إرساله الأصحاب إرسال المسلّمات ، ومع ذلك قد استدلّ له بجملة من الأخبار.

منها : ما رواه الكليني بإسناده عن أبي علي بن راشد قال «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ مواليك قد اختلفوا ، فأُصلّي خلفهم جميعاً؟ فقال : لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» (٣) ، ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد مثله إلّا أنّه زاد : أمانته (٤).

أقول : أمّا رواية الشيخ فلا بأس بدلالتها ، فانّ الوثوق بأمانة الرجل بقول مطلق مرجعه إلى كونه مأموناً في كلّ ما يقول ويفعل ، المساوق لعدم التخطّي عن جادّة الشرع ، وهو معنى العدالة كما عرفت. لكن الرواية المشتملة على هذه الزيادة غير ثابتة ، بعد معارضتها برواية الكليني العارية عنها ، سيما وأنّ الكافي أضبط ، المقدّم على التهذيب لدى التعارض.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣١٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ١٠.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٦٧ السطر ١٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣٧٤ / ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٦ / ٧٥٥.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا رواية الكليني فدلالتها على اعتبار العدالة قاصرة ، فانّ الوثوق بالدين في حدّ نفسه وإن كان ظاهراً فيها ، إذ الدّين مركّب من الأُصول والفروع فالوثوق به معناه الاطمئنان بعقيدته وبالتزامه وتديّنه بما دان بعدم التعدّي عن الحدود الشرعية ، الذي هو معنى العدالة.

لكنّه في خصوص المقام لا ظهور له إلّا في الوثوق بعقيدته وأُصول دينه دون الفروع ، لقول الراوي في صدر الحديث : «إنّ مواليك قد اختلفوا ...» إلخ فإنّه ناظر إلى اختلافهم بحسب العقائد والمسالك ، حيث كان دارجاً وشائعاً يومئذ بين مواليه ، فكان منهم الواقفي والفطحي والزيدي والقدري وبعضهم من المجسمة وغير ذلك من سائر فرق العامّة ، فسأل عن جواز الصلاة خلفهم جميعاً ، فأجاب عليه‌السلام إنّه «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» أي صحّة عقيدته ، فلا نظر فيها إلى الفروع بوجه كي تدلّ على اعتبار العدالة كما لا يخفى.

وبعين هذا البيان يظهر الجواب عن رواية يزيد بن حمّاد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال «قلت له : أُصلّي خلف من لا أعرف؟ فقال : لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» (١) ، فانّ من لا يعرفه مجهولةٌ عقيدتُه لا محالة ، هذا.

مع أنّ الروايتين كلتاهما ضعيفتان ، أمّا الأخيرة فبآدم بن محمد وعلي بن محمد ، وأمّا الاولى فبسهل بن زياد. مع أنّ في طريق الكليني شيخه علي بن محمد ، وفي طريق الشيخ إلى سهل بنُ أبي جيد (٢).

ومنها : رواية البصري عن جعفر بن محمد عليه‌السلام : «أنّه سأل عن القراءة خلف الإمام ، فقال : إذا كنت خلف الإمام تولّاه وتثق به فإنّه يجزيك قراءته ...» إلخ (٣).

وفيه : بعد تسليم الدلالة وعدم الخدش فيها بإرادة كون الإمام من أهل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣١٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٢ ح ١.

(٢) الفهرست : ٨٠ / ٣٢٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٥٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٥.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الولاية ، والوثوق بكونه كذلك لا من المخالفين ، فلا تدلّ على اعتبار العدالة. أنّ السند ضعيف ، لاشتماله على جمع من المجاهيل ، فلا يعتمد عليها.

ومنها : رواية سعد بن إسماعيل عن أبيه قال «قلت للرضا عليه‌السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أُصلّي خلفه؟ قال : لا» (١).

وفيه : أنّ الدلالة وإن كانت تامّة ، لظهورها في أنّ الذنب مانع عن الإمامة وإن كان الرجل عارفاً بهذا الأمر أي شيعياً صحيح الاعتقاد لكن السند ضعيف ، فانّ سعداً وأباه إسماعيل كلاهما من المهملين.

فهذه الروايات غير صالحة للاستدلال ، لضعفها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو ، نعم هناك روايات اخرى لا بأس بالاستدلال بها.

منها : موثّقة سماعة : «عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة ، قال : إن كان إماماً عدلاً فليصلّ اخرى وينصرف ويجعلهما تطوّعاً ، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ...» إلخ (٢).

فانّ المراد بالإمام العدل ليس هو المعصوم عليه‌السلام جزماً ، وإلّا لقال الراوي : فخرجتَ ، بدل قوله : «فخرج الإمام» ، إذ ليس في عصره معصوم آخر غير المخاطب ، ولأجاب الإمام عليه‌السلام بقوله : إن كنت أنا. بدل قوله : «إن كان إماماً عدلاً». فالمراد به الإمام العادل في مقابل الفاسق لا محالة ، فدلّت على اعتبار العدالة في إمام الجماعة.

ومنها : صحيحة عمر بن يزيد : «عن إمام لا بأس به في جميع أُموره عارف غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال : لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّاً قاطعاً» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣١٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٠٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٣١٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١.

٣٤٥

وأن لا يكون ابن زنا (١)

______________________________________________________

دلّت على أنّ مجرّد الغلظة في الكلام لا يمنع عن الائتمام ما لم يبلغ الحرام وهو صيرورته عاقّاً قاطعاً ، لوضوح أنّ الكلام الغليظ مع الأبوين غير ملازم لاقتراف الذنب في حدّ نفسه ، بل هو أعمّ من ذلك ، فقد يكون سائغاً أو مستحبّاً ، بل واجباً ولو من أجل الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، وربما يكون حراماً كما في مورد العقوق ، فخصّ عليه‌السلام المنع عن الائتمام بالصورة الأخيرة ، لتضمّنها الفسق (١) المنافي للعدالة المعتبرة في إمام الجماعة.

ومنها : موثّقة عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : «الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها ...» إلخ (٢).

أمّا الرواة فكلّهم ثقاة وإن كان أكثرهم من الزيدية ، فالسند موثّق. كما أنّ الدلالة ظاهرة ، من جهة تعليل المنع عن إمامة الأغلف بتضييع السنّة ، وهي الختان ، الموجب لارتكاب الفسق والعصيان لدى التمكّن منه ، فيستفاد من التعليل المزبور بوضوحٍ المنعُ عن إمامة كلّ من شارك الأغلف في الإعراض عن السنّة وترك واجباً من الواجبات الإلهية ، المنافي للعدالة.

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، كما دلّت عليه صريحاً صحيحتا أبي بصير وزرارة المتقدّمتان (٣) اللتان عدّ فيهما ولد الزنا ممّن لا يؤمّ الناس ولا يصلّى خلفه ، المؤيّدتان بغيرهما من النصوص.

وربما يستدلّ بما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر

__________________

(١) لمّا كان العقوق من أعظم الكبائر فمن الجائز ثبوت خصوصية فيه تمنع عن الاقتداء فيحتاج التعدّي إلى مطلق المحرّمات إلى القطع بعدم الفرق ، وعهدته على مدّعيه. ومنه يظهر النظر في الموثّقة الآتية المتضمّنة لتضييع أعظم السنّة.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٢١ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ١ ، ٢ ، وقد تقدمتا في ص ٣٤١.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه‌السلام أنّه قال : خمسة لا يؤمّون الناس ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة. وعدّ منهم ولد الزنا (١).

وقد عبّر عنها بالصحيحة في كلمات غير واحد منهم المحقّق الهمداني (٢) بل وصاحب الحدائق في مثل هذا السند (٣) اغتراراً بظاهره من كون الراوي هو الصدوق ، الذي هو من أجلّاء الأصحاب ، والذي يروي عنه محمد بن مسلم الذي هو من أعاظم الرواة ، غفلة عمّا في طريق الصدوق إليه من الضعف لاشتماله على علي بن أحمد وأحمد بن عبد الله ، ولم يوثّقا.

فالرواية ضعيفة ، وتوصيفها بالصحّة ناشئ عن عدم إمعان النظر في الطريق المزبور كما أشرنا إليه سابقاً (٤) والعصمة لأهلها. نعم دلالتها ظاهرة ، فهي لا تصلح إلّا للتأييد.

وهل تصحّ الإمامة ممّن يشكّ في طهارة مولده؟

أمّا مع وجود الفراش فلا إشكال ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٥) فيحكم بتولّده من صاحب الفراش ، ويرتّب عليه آثار طهارة المولد التي منها جواز الاقتداء به ، لالتحاقه به شرعاً وإن كان مشكوكاً وجداناً.

وأمّا مع عدم وجوده فقد يقال بترتيب آثار الطهارة ، استناداً إلى السيرة العملية من المتشرّعة القائمة على ذلك.

وفيه ما لا يخفى ، لعدم ثبوت السيرة ، إذ الفرض المزبور أعني الشكّ مع فقد الفراش نادر التحقّق ، ومعه كيف يمكن إحراز السيرة العملية كي يكون الحكم ثابتاً من باب التعبّد.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٥.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٧٦ السطر ٥.

(٣) الحدائق ١١ : ٩١.

(٤) وتقدّم [في ص ١٦٥ ، الهامش (٦)] ما يمكن أن يكون وجهاً لذلك.

(٥) الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ / أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ١.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والأقوى التحاقه بطاهر المولد ، استناداً إلى أصالة عدم تولّده من الزنا ، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة ، فإنّ الخارج عمّن يصلح الاقتداء به عنوان وجودي ، وهو المتولّد من الزنا كما نطقت به النصوص ، فالباقي تحت العام بعد التخصيص عنوان عدمي ، وهو من لم يكن متولّداً من الزنا.

فهذا القيد العدمي هو المعتبر في إمام الجماعة ، ولم يعتبر فيه طهارة المولد التي هي عنوان وجودي ، وإن وقع التعبير بها في كلمات غير واحد من الفقهاء ، فإنّه غير منطبق على لسان الأخبار كما عرفت.

وعليه فيمكن إحراز عدم تولّده من الزنا باستصحاب العدم الأزلي ولا يلزم إحراز طهارة المولد كي يكون الأصل المزبور مثبتاً بالنسبة إليه ، لعدم كونه موضوعاً للحكم في لسان الدليل. فيرتّب عليه آثار من لم يتولّد من الزنا من التوارث وجواز الاقتداء به ونحو ذلك.

وعلى الجملة : ليست الطهارة شرطاً للإمامة ، بل المانع كونه ولد الزنا. فالقيد المعتبر عدمي لا وجودي ، ولأجله عبّر في المتن بقوله : وأن لا يكون ابن زنا. ولم يعبّر بطهارة المولد كما عبّر بها كثير من الفقهاء. فيمكن إحراز عدم المانع بالاستصحاب كما عرفت.

ثمّ إنّه لو انكشف الخلاف بعد الصلاة ، وتبيّن كون الإمام ولد الزنا ، فلا ينبغي الإشكال في بطلان الجماعة ، إذ اعتبار المانعية كما في بقية الموانع والشرائط واقعي على ما يقتضيه ظاهر الدليل ، لا علمي.

ولكن أصل الصلاة محكومة بالصحّة ، وموصوفة بالفرادى ، وإن تخيّل المأموم انعقادها جماعة. وقد ذكرنا غير مرّة (١) أنّ الجماعة والفرادى من خصوصيات الأفراد ، وليستا حقيقتين متباينتين ، فهما طبيعة واحدة لها شكلان ، قد تخيّل المصلّي وقوعها بهذا الشكل فانكشف وقوعها

__________________

(١) منها ما تقدّم في ص ٦٠.

٣٤٨

والذكورة إذا كان المأمومون أو بعضهم رجالاً (١)

______________________________________________________

بالشكل الآخر.

فلا خلل فيها من ناحية القصد إلى الطبيعة المأمور بها مع نيّة التقرّب غايته الإخلال بالقراءة ، ولا ضير فيه بعد أن كان معذوراً في تركها لزعم الائتمام ، ومثله مشمول لحديث لا تعاد ، كما هو الحال في تخلّف غيره ممّا يعتبر في الإمام من العدالة ونحوها كما مرّ سابقاً (١).

نعم ، لو زاد ركناً لأجل المتابعة ، أو رجع إليه في الشكوك الباطلة ، بطلت صلاته ، لأنّ هذه من أحكام الجماعة ، المفروض عدم انعقادها ، فتبطل الصلاة من أجلها كما مرّ الكلام حول ذلك مستقصى.

(١) لا إشكال في عدم جواز إمامة المرأة في الصلاة المطلوبِ فيها الاجتماع المشتملة على الخطبة كالجمعة والعيدين ، للقطع بعدم رضا الشارع بتصدّيها لمثل إلقاء الخطبة ونحوه.

كما لا إشكال في عدم الجواز فيما لو كان المأمومون كلّاً أو بعضاً رجالاً ويكفي في ذلك أصالة عدم المشروعيّة ، إذ لم يرد نصّ معتبر في المقام. وقد ذكرنا غير مرّة أنّه لا إطلاق في أدلّة الجماعة يتمسّك به لدى الشكّ في المشروعيّة ، فترتيب أحكام الجماعة مع الشكّ في انعقادها يحتاج إلى الدليل ومقتضى الأصل العدم.

مضافاً إلى الاستئناس لذلك بأنّ المطلوب من الإمام إسماع القراءة للمأمومين في الصلوات الجهريّة ، ولا يرضى الشارع بإسماع المرأة صوتها للأجنبي ، إمّا تحريماً أو تنزيهاً ، على الخلاف في ذلك.

إنّما الكلام في إمامتها لمثلها من النساء ، ولا إشكال في الجواز في مثل صلاة الميت التي هي ليست من حقيقة الصلاة في شي‌ء ، وإنّما هي تسبيح وتهليل وذكر وتكبير ، فلا تشملها الأحكام المترتّبة على الصلاة الحقيقية ذات الركوع

__________________

(١) في ص ٣١١ وما بعدها.

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والسجود. مضافاً إلى ورود النصّ الصحيح الدالّ على الجواز صريحاً (١).

فمحلّ الكلام ما عداها من سائر الصلوات ، فريضة كانت أم نافلة تشرع فيها الجماعة كصلاة الاستسقاء ونحوها. فالمشهور جواز ذلك على كراهة في الفريضة. وعن السيد (٢) والجعفي (٣) وابن الجنيد (٤) المنع في الفريضة والجواز في النافلة ، ومال إليه غير واحد من المتأخّرين ، وربما ينسب هذا القول إلى الصدوق والكليني ، حيث اقتصرا على ذكر الروايات المشتملة على التفصيل المزبور ، بعد ملاحظة ما نبّها عليه في ديباجة الفقيه والكافي من عدم نقلهما إلّا الرواية التي يعتمدان عليها ، وتكون حجّة بينهما وبين الله.

وكيف ما كان ، فيظهر منهم الاتّفاق على جواز إمامتها لمثلها في النافلة المشروع فيها الجماعة ، ومحلّ الخلاف إنّما هي الفريضة ، فالمشهور على الجواز وغيرهم على المنع.

ويستدلّ للمشهور بطائفة من الأخبار :

منها : موثّقة سماعة «عن المرأة تؤمّ النساء ، فقال : لا بأس به» (٥) المؤيّدة بمرسلة ابن بكير : «في المرأة تؤمّ النساء ، قال : نعم ، تقوم وسطاً بينهنّ ولا تتقدّمهنّ» (٦) ، وبخبر الصيقل : «... ففي صلاة مكتوبة أيؤمّ بعضهنّ بعضاً؟ قال : نعم» (٧) ، فانّ طريق الصدوق إلى الصيقل وإن كان صحيحاً (٨) لكن الرجل نفسه لم يوثّق.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر : «عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٣٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٣.

(٢) حكاه عنه في السرائر ١ : ٢٨١.

(٣) حكاه عنه في الذكرى ٤ : ٣٧٦ ٣٧٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤٨٦.

(٥) ، (٦) الوسائل ٨ : ٣٣٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١١ ، ١٠.

(٧) الوسائل ٨ : ٣٣٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٢.

(٨) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٢٤.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقراءة والتكبير؟ فقال : قدر ما تسمع» (١) المؤيّدة بروايته الأُخرى المشاركة لها في المضمون وإن كانت ضعيفة بعبد الله بن الحسن (٢) ، وصحيحة علي بن يقطين التي هي بعين المضمون المتقدّم (٣).

فانّ هذه الروايات وإن كانت مسوقة لبيان رفع الصوت ومقدار الجهر ولا نظر فيها إلى جواز الإمامة ابتداءً ، لكن يظهر منها المفروغية من الجواز كما لا يخفى. ومقتضى الإطلاق (٤) في هذه النصوص عدم الفرق بين الفريضة والنافلة.

ولكن بإزائها ما دلّ على عدم الجواز مطلقاً ، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال «قلت له : المرأة تؤمّ النساء؟ قال : لا ، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهنّ معهنّ في الصفّ ، تكبّر ويكبّرن» (٥).

وهناك طائفة ثالثة تضمّنت التفصيل بين المكتوبة والنافلة ، بالمنع في الأوّل والجواز في الثاني ، وهي :

صحيحة هشام بن سالم : «عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال : تؤمهنّ في النافلة ، فأمّا المكتوبة فلا ، ولا تتقدّمهنّ ولكن تقوم وسطهنّ» (٦).

وصحيحة الحلبي (٧) : «تؤمّ المرأة النساء في الصلاة ، وتقوم وسطاً بينهنّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٣٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٧.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٩٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ١.

(٤) يشكل انعقاد الإطلاق في الروايات الأخيرة بعد الاعتراف بعدم كونها مسوقة إلّا لبيان مقدار رفع الصوت ، فإنّ غاية ما يترتّب عليه هو المفروغية عن الجواز في الجملة لا بالجملة ، لعدم كونها بصدد البيان من هذه الجهة على الفرض.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٣٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٣.

(٦) الوسائل ٨ : ٣٣٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١.

(٧) توصيف الرواية بالصحيحة مع أنّ في السند محمد بن عبد الحميد ، ولا توثيق له من غير

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمّهنّ في النافلة ، ولا تؤمّهنّ في المكتوبة» (١).

وصحيحة ابن سنان أو ابن مسكان ولو كان الأوّل فهو عبد الله (٢) عن سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤمّ النساء فقال : إذا كنّ جميعاً أمّتهنّ في النافلة ، فأمّا المكتوبة فلا ، ولا تتقدّمهنّ ولكن تقوم وسطاً بينهنّ» (٣).

فهذه طوائف ثلاث من الأخبار ، دلّت الاولى على الجواز مطلقاً ، والثانية على المنع مطلقاً ، والثالثة على التفصيل بين المكتوبة فلا تجوز والنافلة فتجوز.

والجمع بين هذه الأخبار يمكن من وجوه :

الأوّل : جعل الطائفة الثالثة مقيّدة للإطلاق في كلّ من الأُوليين ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد ، فيحمل الجواز في الطائفة الأُولى على النافلة ، والمنع في الثانية على المكتوبة ، وتكون الطائفة الثالثة المفصّلة بينهما شاهدة لهذا الجمع. وغير خفيّ أنّ هذا الجمع هو المتعيّن كما في سائر المقامات لو لم يمنع عنه مانع خارجي في خصوص المقام.

__________________

ناحية وقوعه في أسناد كامل الزيارات (المعجم ١٧ : ٢٢٠ / ١١٠٥٥) مبني على ما كان يرتئيه (دام ظلّه) سابقاً من عموم التوثيق ، وأمّا بناءً على ما عدل إليه أخيراً من الاختصاص بالمشايخ بلا واسطة ووضوح عدم كونه منهم ، فهي غير متّصفة بالصحّة.

(١) الوسائل ٨ : ٣٣٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٩.

(٢) ولكنّه لا يروي عن سليمان بن خالد بلا واسطة ، وكذا محمد بن سنان.

والصحيح في السند هكذا : ابن سنان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد كما أثبته في الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٦ ، ومن المعلوم أنّ ابن سنان الذي يروي عن ابن مسكان هو محمد ، لروايته عنه كثيراً ، ولا رواية لعبد الله عنه في الكتب الأربعة. إذن فالرواية ضعيفة بمحمد بن سنان.

وأمّا ما في الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٢ ، والتهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٦٨ من حذف (ابن مسكان) فهو سقط من القلم أو النساخ ، لما عرفت من أنّ محمد بن سنان لا يروي عن سليمان بلا واسطة ، وإنّما يروي عنه بواسطة ابن مسكان غالباً كما يعلم بمراجعة الطبقات.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٣٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٢.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : حمل النهي عن المكتوبة في الأخيرة على الكراهة ، وكذا في الثانية بقرينة الترخيص الذي تضمّنته الطائفة الأُولى ، تحكيماً للنصّ على الظاهر لصراحة الاولى في الجواز ، فيرفع اليد عن ظهور النهي في المنع ويحمل على الكراهة. ولا تصل النوبة إلى هذا الجمع إلّا بعد تعذّر الجمع الأوّل ، وإلّا فهو المتعيّن كما لا يخفى.

الثالث : ما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) (١) وأصرّ عليه من أنّ المكتوبة والنافلة الواردتين في الطائفة الأخيرة وصفان للجماعة ، لا للصلاة نفسها. فالممنوع إمامتها لمثلها في الجماعة الواجبة كما في صلاة الجمعة والعيدين ، دون ما كانت الجماعة مستحبّة وإن كانت ذات الصلاة فريضة كما في الصلوات اليومية.

فمفاد هذه الروايات المفصّلة بين النافلة والمكتوبة جواز إمامتها في الصلاة التي تستحبّ فيها الجماعة كالصلاة اليوميّة ، وعدم جوازها في الصلاة التي تجب فيها الجماعة كالجمعة ، ولا نظر فيها إلى التفصيل في ذات الصلاة بين الفريضة والنافلة. وبهذا جمع بين الطائفتين الأُوليين ، فحمل المجوّزة على الجماعة المستحبّة ، والمانعة على الجماعة الواجبة.

أقول : أمّا الجمع الأخير فهو أبعد الوجوه ، بل في غاية السقوط ، فانّ حمل المكتوبة والنافلة على الجماعة الواجبة والمستحبّة خلاف الظاهر جدّاً ، ولم يعهد إطلاق اللفظين في لسان الأخبار على كثرتها إلّا وصفاً لذات الصلاة ، وأمّا توصيف الجماعة بهما فلم يوجد ولا في مورد واحد.

وكيف يمكن حمل قوله عليه‌السلام في هذه الصحاح «تؤمّهنّ في النافلة ...» إلخ على ما ذكره ، فانّ ظاهر الظرفية بل صريحها ملاحظة الإمامة في صلاة متّصفة بالنفل تارة وبالفرض اخرى ، لا في جماعة كذلك ، إذ لا معنى لقولنا تؤمّهنّ في الجماعة ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الحدائق ١١ : ١٨٩.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فالمراد بالنافلة هي صلاة النافلة ، وبالمكتوبة هي صلاة الفريضة بلا ارتياب. والوجوه التي سردها لتعيين ما استظهره غير خالية من المناقشة ، كما لا يخفى على من لاحظها.

وأمّا الجمع الأوّل : فهو في حدّ نفسه نعم الجمع ، بل هو المتعيّن كما عرفت لولا المحذور اللازم منه في خصوص المقام ، وهو حمل المطلق على الفرد النادر فانّ المراد بالنافلة التي تجوز إمامتها فيها بعد وضوح أنّه لا جماعة في النافلة عدا ما استثني أمّا صلاة الاستسقاء أو الصلاة المعادة.

أمّا الأُولى : فلم يعهد تصدّي النساء لها ، ولعلّها لم تتّفق في الخارج ولا مرّة واحدة ، وعلى تقدير الوقوع فهو في غاية الندرة والشذوذ ، فكيف يمكن حمل المطلق عليها.

وأمّا الثانية : فهي ليست من النافلة في شي‌ء ، بل هي فريضة يستحبّ إعادتها جماعة ، فالاستحباب والنفل وصف للإعادة ، لا للمعادة ولذات الصلاة ، ولذا لا تجري عليها أحكام النافلة. فلو زاد فيها ركناً سهواً بطلت ، ولو عرضها الشكّ في الركعات لحقه أحكام الشكّ في الفريضة من البناء على الأربع ونحوه. فهي عين الفريضة في ماهيّتها ، غير أنّه يستحبّ إعادتها جماعة ، فكيف يمكن إرادتها من النافلة المذكورة في هذه الأخبار.

ومع الغضّ عن ذلك فلا شكّ أنّ الفريضة المعادة جماعة نادرة جدّاً من الرجال فضلاً عن النساء.

وعلى الجملة : حمل المطلقات الواردة في الطائفة الأُولى مثل موثّقة سماعة وما يحذو حذوها ، المتضمّنة لجواز إمامة المرأة لمثلها مطلقاً على النافلة التي لا مصداق لها غير صلاة الاستسقاء أو بضميمة المعادة ، اللتين قلّما تتّفقان خارجاً ، حمل للمطلق على الفرد النادر. فلا يمكن المصير إليه.

ومنه تعرف أنّ المتعيّن في المقام إنّما هو الجمع الثاني ، ونتيجة ذلك الالتزام بجواز إمامتها في الفريضة كالنافلة على كراهة بمعنى أقلية الثواب كما عليه المشهور.

٣٥٤

وأن لا يكون قاعداً للقائمين ، ولا مضطجعاً للقاعدين ، ولا من لا يحسن القراءة بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر أو حذفه أو نحو ذلك حتّى اللحن في الإعراب ، وإن كان لعدم استطاعته غير ذلك (١).

[١٩٦١] مسألة ١ : لا بأس بإمامة القاعد للقاعدين ، والمضطجع لمثله (*) والجالس للمضطجع.

[١٩٦٢] مسألة ٢ : لا بأس بإمامة المتيمّم للمتوضئ ، وذي الجبيرة لغيره ومستصحب النجاسة من جهة العذر لغيره ، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس والمبطون لغيرهما فضلاً عن مثلهما ، وكذا إمامة المستحاضة للطاهرة.

[١٩٦٣] مسألة ٣ : لا بأس بالاقتداء بمن لا يحسن القراءة في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم كالركعتين الأخيرتين على الأقوى ، وكذا لا بأس بالائتمام بمن لا يحسن ما عدا القراءة من الأذكار الواجبة والمستحبّة التي لا يتحمّلها الإمام عن المأموم إذا كان ذلك لعدم استطاعته غير ذلك.

______________________________________________________

(١) تعرّض (قدس سره) لإمامة الناقص للكامل في ضمن فروع يجمعها أنّ الاختلاف بينهما قد يكون في الشرائط كما لو كان الإمام متيمّماً والمأموم متوضّئاً أو مغتسلاً ، أو كانت صلاة الإمام في الثوب النجس لعذر من انحصار أو اضطرار ، والمأموم يصلّي في الثوب الطاهر.

وقد يكون في الأفعال ، وهذا قد يكون في الهيئات كإمامة القاعد للقائم أو المضطجع للقاعد ، وقد يكون في الأذكار ، وهذا أيضاً تارة يفرض في القراءة ، وأُخرى فيما عداها من سائر الأذكار كالتشهّد أو ذكر الركوع والسجود ونحوهما.

وهذا الضابط ينطبق على جميع الفروع التي ذكرها الماتن (قدس سره). ونتعرّض لكلّ واحد منها بخصوصه.

__________________

(*) ائتمام المضطجع بمثله أو بالقاعد محلّ إشكال ، بل منع.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا إذا كان الاختلاف في الشرائط فلا ينبغي الإشكال في جواز الائتمام لصحّة صلاة الإمام حتّى واقعاً ، التي هي المناط في صحّة الاقتداء به والمفروض حصول المتابعة في جميع أفعال الصلاة ، وعدم الاختلاف بينها في هيئتها ، فلا قصور في شمول إطلاقات الجماعة لمثله. فجواز الائتمام حينئذ مطابق للقاعدة.

مضافاً إلى صحيحة جميل الصريحة في جواز إمامة المتيمّم لغيره ، قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر ، وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم؟ قال : لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ، فانّ الله جعل التراب طهوراً» (١) ، فانّ المستفاد من التعليل المذكور في ذيلها الاكتفاء في صحّة الاقتداء بصحّة صلاة الإمام واقعاً ، فيتعدّى إلى كلّ مورد كان كذلك ، بمقتضى عموم العلّة كما لا يخفى.

ولا معارض للصحيحة وما بمضمونها من الروايات الدالّة على جواز إمامة المتيمّم لغيره عدا موثّقة السكوني الآتية ، التي يجمع بينهما بالحمل على الكراهة كما ستعرف. والظاهر أنّ المسألة متسالم عليها بينهم من غير خلاف يعرف.

وأمّا إذا كان في الأفعال وراجعاً إلى الهيئات فقد ادّعي الإجماع على عدم جواز إمامة الناقص للكامل.

لكنّ الإجماع منقول لا يعتمد عليه ، وعلى تقدير كونه محصّلاً وتحقّق الاتّفاق من الكلّ فمن الجائز أن لا يكون تعبّدياً ، لاحتمال استناد المجمعين إلى الوجوه الآتية من الروايات أو غيرها. فلا يمكن التعويل عليه ، هذا.

وقد استدلّ لعدم الجواز بجملة من الأخبار :

منها : موثّقة السكوني «لا يؤمّ المقيّد المطلقين ، ولا صاحب الفالج الأصحّاء ولا صاحب التيمّم المتوضّئين ...» إلخ (٢) ، بدعوى ظهورها في أنّ علّة المنع هي

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٤٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٢ ح ١.

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نقصان صلاة الإمام ، فيستفاد منها كبرى كلّية ، وهي عدم جواز إمامة الناقص للكامل. والموارد المذكورة فيها من باب المثال لهذه الكلّية ، نعم المنع عن إمامة المتيمّم للمتوضئ محمول على الكراهة ، جمعاً بينها وبين صحيحة جميل المتقدّمة الصريحة في الجواز.

ونوقش فيها تارة بضعف السند كما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) (١) وغيره.

وفيه : أنّ السكوني عامّي موثّق ، والنوفلي الراوي عنه وإن لم يوثّق صريحاً لكنّه من رجال كامل الزيارات (٢). فالرواية موثّقة عندنا كما وصفناها بها.

وأُخرى : بقصور الدلالة ، وهو في محلّه ، فإنّ العلّة المذكورة مستنبطة ، وإلّا فالرواية في نفسها غير مشتملة على التعليل كي يستفاد منه الكلّية. فلا دليل على التعدّي ، ومن الجائز اختصاص الحكم بالموارد المذكورة فيها ، فمقتضى الجمود على النصّ الاقتصار على مورده كما لا يخفى.

ومنها : رواية الشعبي (٣) الموافق مضمونها مع الرواية المتقدّمة.

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها أنّها قاصرة الدلالة ، لعين ما مرّ.

ومنها : مرسلة الصدوق قال «قال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بأصحابه جالساً فلمّا فرغ قال : لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً» (٤) ، فإنّ إطلاقها وإن اقتضى المنع عن إمامة الجالس لمثله لكن ثبت جوازه بالنصّ ، فيتقيد به الإطلاق ويحمل على إمامة الجالس للقائم.

ولكنّها مع جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال. مضافاً إلى أنّ أقصاها المنع عن إمامة الجالس للقائم ، وأمّا عدم جواز إمامة الناقص للكامل بقول

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٧٦ السطر ٣٠.

(٢) مرّ أنّ التوثيق من أجل كونه من رجال تفسير القمّي دون الكامل ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٤٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٢ ح ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٤٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٩.

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلق مثل إمامة المضطجع للقائم أو القاعد فلا تكاد تدلّ عليه ، بل لم يرد ذلك في شي‌ء من النصوص.

وقد يقال : إنّ هذه النصوص وإن كانت ضعيفة السند لكنّها منجبرة بعمل الأصحاب.

وفيه : أنّ الانجبار ممنوع كبرى كما مرّ غير مرّة ، وكذا صغرى ، لعدم وضوح استناد الأصحاب إلى هذه الروايات ، ومن الجائز استنادهم إلى شي‌ء آخر ممّا سنذكره.

ولعلّه من أجل ما ذكرناه أعني ضعف هذه الروايات وعدم تحقّق الإجماع التعبّدي أفتى صاحب الوسائل (قدس سره) بالكراهة ، حيث قال : باب كراهة إمامة الجالس القيّام وجواز العكس (١) وإن كان منفرداً في هذا القول ، إذ لم ينسب ذلك إلى أحد من الأصحاب ، ومن هنا طعن عليه صاحب الحدائق بقوله : ومن غفلات صاحب الوسائل أنّه تفرّد بالقول بالكراهة (٢).

وكيف ما كان ، فالأقوى عدم جواز ائتمام الكامل بالناقص مطلقاً ، لأصالة عدم المشروعية بعد أن لم يكن إطلاق في أدلّة الجماعة من هذه الجهة ، فإنّ الصلاة جماعة تتضمّن أحكاماً خاصّة من سقوط القراءة ، واغتفار زيادة الركن لأجل المتابعة ، ورجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر لدى الشكّ. ولا بدّ في ترتيب هذه الأحكام من الجزم بالمشروعية ، فمع الشكّ كان المرجع الأدلّة الأوّلية النافية لها ، التي مرجعها إلى أصالة عدم المشروعية.

والوجه في ذلك : ما ذكرناه سابقاً (٣) من أنّ الائتمام يتقوّم بالمتابعة ، ولا ريب أنّ مفهوم التبعية يستدعي مشاركة التابع مع المتبوع في كلّ فعل يصدر عنه من قيام وقعود وركوع وسجود ، بأن يكون الفعلان من سنخ واحد وبهيئة واحدة. ومجرّد الاشتراك في إطلاق عنوان الركوع مثلاً عليه مع الاختلاف

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٤٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥.

(٢) الحدائق ١١ : ١٩٣.

(٣) في موارد منها ما في ص ٢٥٤.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في السنخ والتغاير في الهيئة غير كافٍ في صدق المتابعة عرفاً كما لا يخفى.

وعليه فلو صلّى الإمام جالساً ، فإن تابعه المأموم في ذلك وصلّى بتلك الكيفية فقد أخلّ بوظيفته من الصلاة قائماً حسب الفرض ، وإلّا فقد أخلّ بالمتابعة في قيامه وركوعه. فمثلاً عند ما يركع الإمام أو يرفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأُولى ويبقى جالساً لعجزه عن القيام فان تبعه المأموم فقد صنع خلاف وظيفته ، وإلّا فقد تخلّف عنه في الأفعال.

ومن المعلوم أنّ التخلّف عنه فيها قادح في صدق المتابعة إلّا فيما دلّ الدليل على جوازه كما في المأموم المسبوق بركعة ، حيث إنّه يتخلّف في الركعة الثانية له الثالثة للإمام بمقدار التشهّد ، ثمّ يلتحق به في القيام ، ولم يرد مثل هذا الدليل في المقام كما هو ظاهر.

فان قلت : مقتضى هذا البيان عدم جواز ائتمام الناقص بالكامل أيضاً عكس الصورة المتقدّمة ، فلا يجوز ائتمام القاعد بالقائم ، بعين التقريب المتقدّم من لزوم الإخلال بالمتابعة لو صلّى قاعداً ، وعدم الإتيان بالوظيفة على التقدير الآخر مع أنّه جائز بلا إشكال.

قلت : الفارق بعد الإجماع هو النصّ الدالّ على الجواز في هذه الصورة المقتضي للتخصيص في دليل المتابعة ، وهو قوله عليه‌السلام في صحيح علي ابن جعفر : «... فان لم يقدروا على القيام صلّوا جلوساً ، ويقوم الإمام أمامهم» (١) فليتأمّل ، المؤيّد بخبر أبي البختري : «المريض القاعد عن يمين المصلّي جماعة» (٢) ، وهو مفقود في المقام.

ومعه يرجع إلى أصالة عدم المشروعية بعد الإخلال بمفهوم المتابعة كما عرفت ، وإلّا فلولا النصّ كان مقتضى القاعدة عدم الجواز في كلتا الصورتين لاتّحاد المناط.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٢٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٤٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ٣.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّه يمكن الفرق بينهما ثبوتاً أيضاً ، بصدق المتابعة في هذه الصورة دون ما نحن فيه ، فانّ مفهوم المتابعة لا يستدعي عرفاً إلّا التبعية بالمقدار الممكن وعلى حسب قدرة التابع وطاقته ، فلا يلزمه الإتيان إلّا بالمقدار الميسور ممّا يفعله المتبوع.

وعليه فحيث إنّ المأموم عاجز عن الصلاة قائماً فيكفي في صدق المتابعة عرفاً الإتيان بما يحسنه من الأفعال على حسب طاقته ، وهذا بخلاف العكس أعني ائتمام القائم بالقاعد فإنّه متمكّن من متابعة الإمام في القعود والصلاة جالساً ، فان فعل كذلك فقد ارتكب ما هو خلاف وظيفته ، وإلّا فقد أخلّ بالمتابعة كما عرفت.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في ائتمام القاعد بالمضطجع أو القائم به ، وأنّه لا يجوز لعين ما مرّ حرفاً بحرف ، فلا نعيد.

وكذا الحال في عكسه أعني ائتمام المضطجع بمن يصلّي جالساً أو قائماً للإخلال بالمتابعة بعد الاختلاف في الهيئة الصلاتية. وما ذكرناه آنفاً من الفرق الثبوتي غير مجدٍ هنا بعد عدم مساعدة الدليل في مقام الإثبات ، إذ لم يرد هنا نصّ بالخصوص كما ثبت هناك أعني في ائتمام الجالس بالقائم وقد عرفت أنّ مقتضى الأصل عدم مشروعية الجماعة لدى الشكّ فيها.

ومنه تعرف عدم جواز ائتمام المضطجع بمثله ، فإنّهما وإن كانا متوافقين في الهيئة الصلاتية لكن الدليل قاصر عن إثبات المشروعية في مثل ذلك ، إذ لم يرد فيه نصّ خاصّ ، ولا إطلاقَ في أدلّة الجماعة بالإضافة إلى حالات المصلّي من الصلاة قائماً أو جالساً أو مضطجعاً ، بل هي منصرفة إلى ما هو المتعارف من الصلاة الاختيارية لكلّ من الإمام والمأموم ، مثل ما ورد فيها من أنّ المأموم الواحد يقف على يمين الإمام إن كان رجلاً ، وخلفه إن كان امرأة ، ونحو ذلك من موارد تلك الإطلاقات ، فإنّها منصرفة إلى المتعارف كما ذكرنا ، وأمّا الصلاة الاضطرارية العذريّة لأحدهما أو كليهما فهي خارجة عن منصرف تلك النصوص.

٣٦٠