موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

أصلاً كي يعارض بإطلاق أدلّة الزيادة القادحة أو الشكوك الباطلة بالعموم من وجه ، ويرجع في مادة الاجتماع بعد التساقط إلى أصالة البراءة ، فلا تصل النوبة إلى هذه المعارضة بعد عدم انعقاد الإطلاق من أصله كما عرفت. فإطلاق تلك الأدلّة القاضي بالبطلان في المقام هو المحكّم بعد سلامته عن المعارض ، فليتأمّل.

وأمّا الروايتان المتقدّمتان (١) الواردتان في الكفر فالأُولى منهما وهي مرسلة ابن أبي عمير ضعيفة السند كما مرّ ، وكذا الثانية في أحد طريقيها ، وهو ما يرويه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير في نوادره ، فانّ المراد به هو ابن أبي عمير المعروف الثقة الذي له نوادر ، دون الآخر غير المعروف الذي احتملناه سابقاً ، إذ لا نوادر له. لكنّه يروي عن الصادق عليه‌السلام مع الواسطة ، لكونه من أصحاب الرضا عليه‌السلام وغالب رواياته عن أصحاب الصادق عليه‌السلام ، ولا يمكن روايته عنه عليه‌السلام بنفسه. فالرواية مرسلة لا محالة.

وأمّا الطريق الآخر ، أعني ما يرويه الصدوق بإسناده عن زياد بن مروان القندي عن الصادق عليه‌السلام فهو صحيح وإن ناقشنا فيه سابقاً ، لصحّة طريق الصدوق إلى القندي (٢) كما صرح به العلامة (٣) ، إذ ليس فيه من يغمز فيه إلّا محمّد بن عيسى العبيدي الذي مرّ الكلام حوله سابقاً.

وملخّصه : أنّ محمد بن الحسن بن الوليد شيخ الصدوق استثنى من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن جماعة ، منها ما تفرّد به محمّد بن عيسى العبيدي عن يونس ، وقال : لا أعمل بروايته. وتبعه على ذلك الصدوق. وقال الشيخ في الفهرست : ضعيف ، استثناه أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة ، وقال : لا أروي ما يختصّ بروايته (٤).

__________________

(١) في ص ٣١٥.

(٢) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٦٤.

(٣) [لم نعثر عليه في مظانه].

(٤) الفهرست : ١٤٠ / ٦٠١.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن تضعيف الشيخ متّخذ من الصدوق على ما تشهد به عبارته ، كما أنّ الصدوق تبع شيخه ابن الوليد ، بل ليس له رأي مستقلّ إلّا ما يذكره شيخه كما نصّ عليه في كتابه (١) من تبعيّته إيّاه في عدم التصحيح ، فبالأخرة ينتهي الأمر إلى ابن الوليد.

ولكن لا يعبأ بكلامه بعد أن أنكر الأصحاب منه هذا القول كما صرّح به النجاشي حيث قال : ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى. وقد وثّقه النجاشي صريحاً وأثنى عليه (٢).

ونقل عن أبي العباس بن نوح قوله : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه ، وتبعه أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله) على ذلك إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه ، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة (٣) ، بل قال القتيبي : كان الفضل بن شاذان يحبّ العبيدي ويثني عليه ، ويمدحه ويميل إليه ، ويقول : ليس في أقرانه مثله (٤).

ومع هذه التوثيقات وإنكار الأصحاب عليه لا يمكن التعويل على مقالته (٥) وعليه فطريق الصدوق إلى القندي صحيح. وأمّا زياد بن مروان القندي نفسه فهو وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال ، لكنّه موجود في أسانيد كامل الزيارات (٦).

وعلى هذا فالرواية موصوفة بالصحّة ، ويكون هذا استدراكاً عمّا ذكرناه

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٥ ذيل ح ٢٤١.

(٢) رجال النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦.

(٣) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩.

(٤) رجال النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦.

(٥) بل إنّ مقالته لا تدلّ على قدح في الرجل نفسه بوجه كما أشار إليه سيدنا (دام ظلّه) في معجمة ١٨ : ١١٩ / ١١٥٣٦.

(٦) ولكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، وقد بنى (دام ظلّه) أخيراً على اختصاص التوثيق بهم ، نعم ذكر في المعجم وجهاً آخر للتوثيق ، وهو شهادة الشيخ المفيد بوثاقته. لاحظ معجم الرجال ٨ : ٣٢٦ / ٤٨١١ ، وفيه تأمّل.

٣٢٢

وإذا تبيّن ذلك في الأثناء نوى الانفراد ووجب عليه القراءة مع بقاء محلّها (١) وكذا لو تبيّن كونه امرأة ونحوها ممّن لا يجوز إمامته للرجال خاصّة.

______________________________________________________

سابقاً (١) من عدم ورود النصّ الصحيح في ظهور كفر الإمام. إلّا أنّه لا إطلاق لها في نفي الإعادة بالنسبة إلى سائر الجهات والعوارض اللاحقة المقتضية للبطلان من زيادة الركن لأجل المتابعة ، أو عروض الشكوك المبطلة ، بل النظر مقصور على عدم القدح من ناحية ظهور كفر الإمام ، كما ذكرناه في بقيّة النصوص.

ودعوى استبعاد عدم اتّفاق مثل ذلك طيلة هذه المدّة المديدة واضحة الفساد كما يظهر لمن كان معتاداً بصلاة الجماعة ، فإنّ هذه الاتّفاقات من الفروض النادرة جدّاً ، وقد كنّا نصلّي خلف المرحوم الشيخ علي القمّي (قدس سره) سنين متمادية ، ولم يتّفق لنا شكّ ولا زيادة ركن للمتابعة. هذا كلّه فيما إذا كان التبيّن بعد الفراغ عن الصلاة ، وأمّا لو كان أثناءها فسيأتي حكمه في التعليق الآتي.

(١) وإلّا فلا شي‌ء عليه وصحّت صلاته ، لحديث لا تعاد ، الجاري بالإضافة إلى القراءة المتروكة عن عذر وإن كان متعمّداً كما عرفت في الصورة السابقة بناءً على ما هو الصحيح من جريان الحديث في الأثناء كما بعد الفراغ ، إذ لا موجب لتخصيصه بالثاني بعد أن كان مفاده عامّاً ودالّاً على نفي الإعادة عن كلّ خلل يستوجبها ما عدا الخمس. ولا ريب أنّ الخلل كما يستوجب الإعادة لو انكشف بعد الفراغ كذلك يستوجبها لو كان الانكشاف في الأثناء ، هذا.

مضافاً إلى ورود النصّ الصحيح المتضمّن لصحّة الصلاة فيما لو انكشف في الأثناء أنّ الإمام على غير وضوء ، وهي صحيحة جميل بن درّاج عن الصادق عليه‌السلام : «في رجل أمّ قوماً على غير وضوء فانصرف وقدّم رجلاً ، ولم

__________________

(١) في ص ٣١٦.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله ، قال : يذكّره مَن خلفه» (١) وصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء ، قال : يتمّ القوم صلاتهم ، فإنّه ليس على الإمام ضمان» (٢).

نعم ، روى الشهيد في الذكرى أنّ في رواية حمّاد عن الحلبي : «يستقبلون صلاتهم» (٣) لو أخبرهم الإمام في الأثناء أنّه لم يكن على طهارة. لكن الرواية ضعيفة السند ، لعدم وضوح طريق الذكرى إلى حمّاد. مضافاً إلى عدم العثور عليها في شي‌ء من كتب الأخبار ولا سيما ما جمع الكتب الأربعة وغيرها من الوسائل والبحار كما اعترف به صاحب الحدائق (قدس سره) (٤) فلا تصلح لمعارضة الصحيحتين ، هذا.

وربما يجمع بينهما بالحمل على الاستحباب.

وفيه : ما أشرنا إليه مراراً من أنّ الجمع المزبور إنّما يتّجه فيما إذا كان أحد الدليلين متضمّناً للأمر النفسي الظاهر في الوجوب ، فيحمل على الاستحباب بقرينة الدليل الآخر المتضمّن للترخيص في الترك ، مثل قوله : افعل ، ولا بأس بتركه.

فانّ الجمع العرفي حينئذ يقتضي ذلك ، لا سيما بناءً على مسلكنا من أنّ الوجوب ليس مدلولاً للفظ ، وإنّما يحكم به العقل مع عدم الاقتران بالترخيص في الترك ، حيث لا موضوع له حينئذ بعد فرض الاقتران المزبور.

ويمكن أن يكون من هذا القبيل ما لو تضمّن الدليلان الإعادة ونفيها فيجمع بينهما باستحباب الإعادة ، على إشكالٍ فيه كما ناقشنا سابقاً (٥) ولكنّه ليس بذاك البعد.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٢.

(٣) الذكرى ٤ : ٣٩٠.

(٤) الحدائق ١١ : ٢٣٤.

(٥) في موارد كثيرة منها ما في شرح العروة ١٤ : ٩١ ، ١٥ : ٤٢٠.

٣٢٤

أو مطلقاً كالمجنون وغير البالغ إن قلنا بعدم صحّة إمامته ، لكن الأحوط إعادة الصلاة في هذا الفرض (١) بل في الفرض الأوّل ، وهو كونه فاسقاً أو كافراً إلخ.

______________________________________________________

وأمّا لو تضمّن أحدهما ما فيه إرشاد إلى الفساد والبطلان صريحاً كما في المقام ، حيث تضمّنت رواية الحلبي التعبير بـ «يستقبلون صلاتهم» الكاشف عن الفساد واستئناف العمل ، وكأنّه لم يفعل ، المعبّر عنه بالفارسية بـ (از سر گرفتن) فهو غير قابل للحمل على الاستحباب ، إذ لا معنى لاستحباب الفساد ، ويعدّ الدليلان حينئذ من المتعارضين في نظر العرف. وليس الحمل على الاستحباب في مثل ذلك من الجمع العرفي في شي‌ء.

والفرق بين هذا التعبير وبين التعبير السابق أنّ الأمر بالإعادة وإن كان ظاهراً في الإرشاد إلى الفساد إلّا أنّه غير صريح فيه ، إذ ليس مؤدّاه المطابقي إلّا الإتيان بفرد ثانٍ من الطبيعة ، من غير تعرّض لحال الفرد الأوّل لولا الظهور المزبور ، ومن الجائز أن يكون مستحبّاً نفسياً كما في الصلاة المعادة ، وأمّا الاستقبال فهو كالاستئناف ناظر إلى الفرد الأوّل ، ودالّ على فساده صريحاً.

وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّ الرواية ضعيفة في نفسها ، فلا تقاوم الصحيحتين الصريحتين في الصحّة إمّا مع استخلاف من يتمّ الصلاة بالقوم كما في أُولاهما ، أو من دون استخلاف كما في الثانية.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ صلاة المأموم محكومة بالصحّة بعد انقلابها فرادى ، فلا تجب عليه الإعادة ، سواء أكان الانكشاف بعد الفراغ أم أثناء الصلاة ، لحديث لا تعاد ، مضافاً إلى ورود النصّ في بعض الموارد كما عرفت.

(١) وجهه أنّه بعد أن لم يكن مورداً للنصّ وانتهى الأمر إلى الجري على مقتضى القواعد فمن الجائز عدم جريان قاعدة لا تعاد في المقام ، لاحتمال اختصاصها بالناسي كما ادّعاه بعضهم ، فخروجاً عن شبهة الخلاف كان

٣٢٥

[١٩٥٧] مسألة ٣٥ : إذا نسي الإمام شيئاً من واجبات الصلاة ولم يعلم به المأموم صحّت صلاته حتّى لو كان المنسي ركناً إذا لم يشاركه في نسيان ما تبطل به الصلاة ، وأمّا إذا علم به المأموم نبّهه عليه ليتدارك إن بقي محلّه ، وإن لم يمكن أو لم يتنبّه أو ترك تنبيهه حيث إنّه غير واجب عليه وجب عليه نيّة الانفراد إن كان المنسي ركناً ، أو قراءة في مورد تحمّل الإمام مع بقاء محلّها بأن كان قبل الركوع ، وإن لم يكن ركناً ولا قراءة أو كانت قراءة وكان التفات المأموم بعد فوت محلّ تداركها كما بعد الدخول في الركوع ، فالأقوى جواز بقائه على الائتمام ، وإن كان الأحوط الانفراد أو الإعادة بعد الإتمام (١).

______________________________________________________

الأحوط الإعادة التي هي مقتضى قاعدة الاشتغال.

ونحوه الكلام في الفرض الأوّل ، لكنّه بالنسبة إلى بعض أمثلته ممّا كان عارياً عن النصّ كظهور فسقه أو كونه تاركاً لركن ونحو ذلك ، لعين ما ذكر ولا يتمّ في تمام الأمثلة المشار إليها بقوله : إلخ. إذ من جملتها ما لو تبيّن عدم كون الإمام متطهّراً ، حيث وردت فيه النصوص الكثيرة الصحيحة الصريحة في نفي الإعادة كما عرفت. ومجرّد خلاف الإسكافي وعلم الهدى القائلين بوجوب الإعادة مطلقاً وكذا الصدوق في خصوص الإخفاتية لا يصلح وجهاً للاحتياط بعد وضوح ضعف مستندهما ، فليتأمّل.

(١) ما نسيه الإمام تارة يكون ركناً وأُخرى غير ركن ، وعلى الثاني فتارة يكون قراءة وأُخرى غيرها ، وفي القراءة قد يكون محلّ تداركها باقياً وقد يكون فائتاً كما لو كان التفات المأموم إلى نسيان الإمام بعد دخوله في الركوع. هذه هي صور المسألة.

أمّا لو كان المنسي ركناً فلا إشكال في بطلان صلاة الإمام مع فوات المحلّ المستلزم لبطلان الجماعة ، كبطلان صلاة المأموم إذا شاركه في النسيان ، وإذا لم يشاركه فيه صحّت وانقلبت فرادى.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا لو كان المنسي واجباً غير ركني ما عدا القراءة كالتشهّد أو جلسة الاستراحة أو ذكر الركوع والسجود ونحوها ، نبّهه المأموم إذا علم به ، ليتدارك مع بقاء المحلّ كما هو الحال في الصورة السابقة. وأمّا لو فات المحلّ ، أو لم يمكن التنبيه لبعده عنه ، أو لم يتنبّه الإمام لكونه أصمّ مثلاً ، أو ترك التنبيه اختياراً صحّت صلاته جماعة ، وبقي على نيّة الائتمام ، فيأتي بنفسه ما نسيه الإمام ويلتحق به ، إذ لا موجب للبطلان بعد أن كانت صلاة الإمام صحيحة واقعاً.

وهل يجب عليه التنبيه؟ الظاهر لا ، كما صرّح به في المتن ، إذ لا مقتضي لإيقاع الإمام في كلفة زائدة بعد أن كانت صلاته صحيحة حتّى واقعاً ، لكون المنسي جزءاً غير ركني ، وهو مشمول لحديث لا تعاد ، الحاكم على الأدلّة الأوّلية والموجب لتخصيصها بحال الالتفات وسقوطها لدى النسيان الذي هو القدر المتيقّن من القاعدة. فلا موجب لإعلامه ليستلزم انقلاب الموضوع وصيرورته معرضاً لتكليف جديد.

وكذا الحال لو كان المنسي ركناً وإن كان المحلّ باقياً ، إذ غايته بطلان الجماعة التي هي ليست بواجبة ، فيتمّ المأموم صلاته فرادى ويدع الإمام وشأنه ، فان التفت وتدارك فهو ، وإلّا فصلاة الإمام ليست في عهدة المأموم ليجب عليه التنبيه ، هذا.

وربما يستظهر الوجوب من رواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «ليكن الذين يلون الإمام منكم أُولوا الأحلام منكم والنهى ، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه» (١) وصحيح محمد بن مسلم : «عن الرجل يؤمّ القوم فيغلط قال : يفتح عليه مَن خلفه» (٢) وموثّق سماعة : «عن الإمام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول ، قال : يفتح عليه بعض مَن خلفه» (٣).

أقول : أمّا الرواية فهي ضعيفة السند بمفضّل بن صالح المكنى بأبي جميلة

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٨ : ٣٠٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٠٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧ ح ٣.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الراوي عن جابر ، فإنّه ضعيف كذّاب يضع الحديث كما في الخلاصة (١). وقال ابن الغضائري (٢) وكذا النجاشي (٣) : إنّ جابر الجعفي ثقة في نفسه ، ولكن روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا وعدّ منهم المفضل بن صالح ، هذا أوّلاً.

وثانياً : أنّها محمولة على الاستحباب ، إذ لا يحتمل الوجوب بعد أن لم تكن الجماعة واجبة وكان العدول إلى الانفراد سائغاً للمأموم حتّى اختياراً كما مرّ (٤). فالأمر بالتقويم محمول على الاستحباب قطعاً. فهي ضعيفة سنداً ودلالة.

وأمّا الصحيح والموثّق فهما أجنبيان عن محلّ الكلام ، إذ موردهما غلط الإمام وخطؤه في القراءة ، فهو يجهل أو يغلط ولا يدري ما يقول ، دون النسيان المبحوث عنه في المقام. مضافاً إلى المناقشة الأخيرة التي ذكرناها في رواية جابر ، فإنّها جارية هنا أيضاً كما لا يخفى. فالأقوى ما ذكره الماتن (قدس سره) من عدم وجوب التنبيه ، بل هو المتسالم عليه بينهم.

وأمّا إذا كان المنسي هي القراءة فلا ينبغي الإشكال في الصحّة مع فوات المحلّ كما لو كان التفات المأموم إلى نسيان الإمام لها بعد الدخول معه في الركوع ، لقاعدة لا تعاد القاضية بصحّة صلاة الإمام الناسي لها بلا إشكال لكونه القدر المتيقّن منها ، وكذا المأموم بناءً على ما هو الصحيح من شمولها لمطلق المعذور ، فهو نظير ما لو نسي كلّ من الإمام والمأموم لها وتذكّرا بعد الدخول في الركوع ، حيث لا شكّ في صحّة الجماعة حينئذ بمقتضى القاعدة المزبورة.

وأمّا مع بقاء المحلّ كما لو كان التفاته قبل الدخول معه في الركوع فلا ريب في عدم سقوط القراءة عنه ، لوضوح اختصاص أدلّة الضمان بما لو أتى بها

__________________

(١) الخلاصة : ٤٠٧ / ١٦٤٨.

(٢) حكاه عنه في الخلاصة : ٩٤ / ٢١٣.

(٣) لاحظ رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢.

(٤) في ص ٨٥ وما بعدها.

٣٢٨

[١٩٥٨] مسألة ٣٦ : إذا تبيّن للإمام بطلان صلاته من جهة كونه محدثاً أو تاركاً لشرط أو جزء ركن أو غير ذلك (١) فإن كان بعد الفراغ لا يجب عليه إعلام المأمومين ، وإن كان في الأثناء فالظاهر وجوبه (*).

______________________________________________________

الإمام والمفروض نسيانه لها. وحينئذ فإن أمكنه التدارك والالتحاق به في الركوع مع مراعاة المتابعة العرفية لم يبعد بقاؤه على نية الائتمام ، بل هو الظاهر نظير ما لو وجب عليه التشهّد دون الإمام ، حيث مرّ (١) أنّه يأتي به ويلتحق به في القيام.

وأمّا لو لم يتمكّن لعدم إمهاله في الركوع فحيث إنّ القراءة غير ساقطة عنه لما عرفت (٢) من عدم شمول أدلّة الضمان لمثل المقام ، ودليل المتابعة لا يقتضي سقوط الجزء بعد الإطلاق في كلّ من الدليلين من غير ترجيح في البين وعدم تمكّنه من الجمع بينهما حسب الفرض ، فلا محالة تبطل الجماعة وتنقلب الصلاة فرادى قهراً وبطبيعة الحال من غير حاجة إلى نيّة الانفراد ، لعدم تمكّنه من إتمامها جماعة ، كما مرّ نظيره (٣) فيما لو أدرك الإمام في الركعة الثالثة أو الرابعة حال القيام ولم يمهله للقراءة ، حيث ذكرنا الانقلاب القهري هناك أيضاً ، لعين ما ذكر ، فانّ مناط البحث مشترك بين المسألتين كما لا يخفى.

والظاهر أنّ ما ذكره الماتن (قدس سره) في المقام من نيّة الانفراد وبطلان الائتمام منزّل على ما هو الغالب من عدم إمهال الإمام في الركوع ، وليس ناظراً إلى صورة الإمهال التي هي فرض نادر وحكمنا فيها بصحّة الجماعة.

(١) أمّا إذا كان التبيّن بعد الفراغ من الصلاة فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الإعلام ، إذ مضافاً إلى التصريح به في بعض النصوص المتقدّمة في

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، نعم هو أحوط.

(١) في ص ٢٨١.

(٢) في ص ٢٦٢.

(٣) في ص ٢٦٤ ٢٦٥.

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المسألة الرابعة والثلاثين (١) لا مقتضي له بعد ما عرفت في تلك المسألة من صحّة صلاة المأموم حتى واقعاً ، لعدم إخلاله إلّا بالقراءة التي هي مشمولة لحديث لا تعاد.

ولو فرض بطلانها واقعاً من أجل زيادة الركن من جهة المتابعة أو الرجوع إليه في الشكوك الباطلة لم يكن ذلك مستنداً إلى الإمام كي يجب عليه الإعلام وإنّما استند إلى اعتقاد المأموم صحّة صلاة الإمام ، والمفروض مشاركة الإمام معه في هذا الاعتقاد آن ذاك ، فلم يكن تسبيب إلى البطلان من ناحيته.

ومجرّد انكشاف الخلاف بعدئذ للإمام لا يستدعي الإعلام وإيقاعه في كلفة الإعادة بعد أن كان معذوراً في تركها للاعتقاد المزبور ، فهو نظير ما لو صلّى زيد اعتماداً على استصحاب الطهارة وعمرو يعلم بكونه محدثاً ، فإنّه لا يجب عليه الإعلام بلا كلام ، فكذا في المقام ، لاتّحاد المناط كما لا يخفى.

وأمّا إذا كان التبيّن في الأثناء فبالنسبة إلى ما مضى من الأجزاء الكلام هو الكلام المتقدّم بعينه ، فإنّه ملحق بما بعد الفراغ بنفس التقريب المزبور.

وأمّا بالإضافة إلى بقيّة الأجزاء فهل يجوز له إتمام الصلاة صورة لا حقيقة فإنّه تشريع محرّم أم يجب عليه الإعلام والانصراف؟ الظاهر هو التفصيل.

فإنّه إن لم يترتّب على إمامته الصورية خلل في صلاة المأموم ولم يستوجب بطلانها جاز له ذلك ، ولم يجب الإعلام ، لعين ما مرّ.

وأمّا إذا ترتّب واستوجب البطلان كما لو علم الإمام أنّ المأموم يزيد بعدئذ ركناً للمتابعة ، أو يرجع إليه في الشكّ وإن كان هذا الفرض نادر التحقّق ، بل لا يكاد يتحقّق وجب الإعلام حينئذ ، لكونه السبب في بطلان صلاته والموقع إيّاه في مخالفة الواقع ، فكان هو الباعث لتغرير المأموم في معاملة الصحّة مع صلاته ، فعليه إثمه ، هذا.

وربما يستدلّ لوجوب الإعلام مطلقاً الذي ذكره الماتن (قدس سره) ـ

__________________

(١) [وهو صحيحتا الحلبي وزرارة ، وقد تقدّم مصدرهما في ص ٣١٥].

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تارة بالإجماع. وفيه : ما لا يخفى ، لعدم كونه إجماعاً تعبّدياً يعتمد عليه. على أنّ تحصيله صعب جدّاً ، لعدم تعرّض الأصحاب لهذه المسألة ، ولم تكن معنونة في كلماتهم إلّا نادراً.

وأُخرى : بمرسلة الصدوق قال «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما كان من إمام تقدّم في الصلاة وهو جنب ناسياً ، أو أحدث حدثاً ، أو رعف رعافاً ، أو أذى في بطنه ، فليجعل ثوبه على أنفه ثمّ لينصرف ، وليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه ، ثمّ ليتوضّأ وليتمّ ما سبقه من الصلاة ، وإن كان جنباً فليغتسل فليصلّ الصلاة كلّها» (١).

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة بالإرسال ، فلا يعتمد عليها.

وثانياً : أنّ متنها غير قابل للتصديق ، لتضمّنه التفصيل بين الجنب والمحدث بالأصغر ، واختصاص الاستئناف بالأوّل بعد ما اغتسل ، وأمّا الثاني فيتوضّأ ويتمّ ما سبق. مع أنّ الحدث الأصغر أيضاً قاطع كالجنابة ، ولا مناص من الاستئناف في كلتا الصورتين.

على أنّ الرعاف ليس من موجبات الوضوء ، فكيف عدّه في سياق الحدث وأمر بالتوضّي بعده.

مع أنّ الاستخلاف غير واجب قطعاً لا على الإمام ولا على المأمومين لعدم كون الجماعة واجبة في نفسها ، ولهم أن يتمّوا فرادى. فالأمر بالاستخلاف كالانصراف محمول على الاستحباب.

وثالثاً : مع الغضّ عن جميع ما ذكر فهي مسوقة لبيان حكم آخر ، وهو التعرّض لكيفية صلاة الإمام لو أرادها صحيحة من الانصراف مقدّمة للتوضّي والإتمام ، أو الاغتسال والاستئناف ، وأنّه يستخلف حينئذ من يتمّ صلاة القوم دركاً لفضيلة الجماعة. وأمّا أنّ الإتمام الصوري هل هو جائز أم لا والإعلام هل هو واجب أم لا ، فلا نظر في المرسلة إلى شي‌ء من ذلك نفياً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٢٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٢.

٣٣١

[١٩٥٩] مسألة ٣٧ : لا يجوز الاقتداء بإمام يرى نفسه مجتهداً وليس بمجتهد (١) مع كونه عاملاً برأيه ، وكذا لا يجوز الاقتداء بمقلّد لمن ليس أهلاً للتقليد إذا كانا مقصّرين في ذلك ، بل مطلقاً على الأحوط ، إلّا إذا علم أنّ صلاته موافقة للواقع من حيث إنّه يأتي بكلّ ما هو محتمل الوجوب من الأجزاء والشرائط ويترك كلّ ما هو محتمل المانعية ، لكنّه فرض بعيد ، لكثرة ما يتعلّق بالصلاة من المقدّمات والشرائط والكيفيات وإن كان آتياً بجميع أفعالها وأجزائها. ويشكل حمل فعله على الصحّة مع ما علم منه من بطلان اجتهاده أو تقليده.

______________________________________________________

ولا إثباتاً. فهي ضعيفة سنداً ومتناً ودلالة.

فالأقوى عدم وجوب الإعلام لا بعد الفراغ ولا في الأثناء ، فيما عدا الصورة التي ذكرناها التي هي فرض نادر التحقّق كما أشرنا إليه ، نعم هو أحوط في الأثناء ، رعاية للإجماع المدّعى عليه.

(١) أمّا إذا كان مقصّراً في اعتقاد الاجتهاد ، أو في تقليده لمن ليس أهلاً للتقليد ، فلا إشكال في عدم جواز الاقتداء به وإن طابق عمله للواقع وأتى بكلّ ما يراه المأموم معتبراً ، لفقده شرط العدالة المعتبر في الإمامة كما هو واضح.

وأمّا إذا كان قاصراً في أحد الأمرين فللمسألة صور :

الاولى : أن يعلم بمطابقة عمله للواقع ، لإتيانه بكلّ ما هو محتمل الوجوب من الأجزاء أو الشرائط ، وتركه لكلّ ما هو محتمل المانعية ، أو يعلم بموافقة رأيه أو رأي من يقلّده لرأي المأموم أو من يقلّده. ولا ينبغي الإشكال في جواز الائتمام به حينئذ ، فإنّ صلاته صحيحة عند المأموم حسب الفرض ، وهو عادل بعد أن كان قاصراً معذوراً في زعم الاجتهاد أو التقليد الباطل ، وهذا ظاهر.

الثانية : أن يعلم بمخالفة رأيه أو رأي مقلّده لرأي المأموم أو من يقلده. وهذا على نحوين : إذ تارة يتعلّق الاختلاف بالأركان ، وأُخرى بما عداها.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا في غير الأركان كما لو كان رأي الإمام جواز الاقتصار على الواحدة في التسبيحات الأربع ، أو عدم وجوب جلسة الاستراحة ، والمأموم يرى الوجوب أو التثليث ، فالظاهر جواز الائتمام أيضاً ، لصحّة صلاة الإمام حينئذ حتّى واقعاً ، بمقتضى حديث لا تعاد ، الشامل لمطلق المعذور وإن لم يتعلّق به حكم ظاهري من أجل فساد زعمه الموجب لكون ما اعتقده من الصحّة أمراً خيالياً لا شرعياً ظاهرياً ولا واقعياً ، إذ لا يدور شمول الحديث مدار تعلّق الأمر الظاهري ، بل هو عامّ لكافّة المعذورين ومنهم المقام.

فلا فرق بين ما نحن فيه وبين ائتمام أحد المجتهدين المختلفين في الفتوى بالآخر ، الذي عرفت صحّته سابقاً (١) إذا كان الاختلاف فيما عدا الأركان ، في أنّ كلا منهما مشمول لحديث لا تعاد ، وإن اختصّ أحدهما بالحكم الظاهري لصحّته في دعوى الاجتهاد دون الآخر.

وأمّا إذا تعلق الاختلاف بالأركان كما لو اختلفا في موارد التيمّم والجبيرة أو الركوع والإيماء إليه ، أو في خصوصيات الغسل ونحو ذلك ممّا هو داخل في عقد الاستثناء من حديث لا تعاد ، فحيث إنّ المأموم يرى بطلان صلاة الإمام حينئذ بحسب الواقع وإن كان هو معذوراً فيه لقصوره لا يسوغ له الائتمام به ، كما كان هو الحال في المجتهدين أو المقلّدين لمجتهدين مختلفين في الفتوى على ما ذكرناه سابقاً.

وعلى الجملة : لا فرق بين المجتهد أو المقلّد بالميزان الصحيح وبين من يزعم الاجتهاد أو من يقلّد من لا أهليّة له في جريان التفصيل الذي ذكرناه سابقاً بين الأركان وغيرها ، من صحّة الائتمام في الثاني لحديث لا تعاد دون الأوّل وأنّ الحديث إن جرى ففي كليهما ، وإلّا فلا يجري في شي‌ء منهما. ومجرّد اختصاص أحدهما بالحكم الظاهري دون الآخر لا يصلح فارقاً فيما نحن فيه بعد شمول الحديث لمطلق المعذور كما عرفت.

__________________

(١) في ص ٣٠١ ٣٠٢.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالثة : أن لا يعلم المأموم بموافقة رأي الإمام أو من يقلّده مع رأيه أو رأي من يقلّده ، واحتمل الاختلاف بين الرأيين. والظاهر عدم جواز الائتمام حينئذ بعد احتمال البطلان في صلاة الإمام ، وعدم طريق إلى إحراز صحّتها.

وربما يقال بالجواز ، استناداً إلى أصالة الصحّة الجارية في صلاة الإمام.

وفيه : ما لا يخفى ، لما ذكرناه في الأُصول (١) من عدم جريان الأصل المزبور في موارد احتمال الصحّة من أجل المصادفات الاتّفاقية ، من غير فرق بين الشبهات الحكمية والموضوعية.

فانّ المستند في هذا الأصل إنّما هي السيرة العملية أو بناء العقلاء ، وكلاهما دليل لبّي لا بدّ من الاقتصار فيه على المقدار المتيقّن ، وهو ما إذا كان الشكّ في الصحّة ناشئاً من احتمال الإخلال في امتثال الوظيفة المعلومة لديه لغفلة ونحوها.

وأمّا مع العلم بجهله بها واحتمال الصحّة لمجرّد المصادفة الواقعية فالسيرة وبناء العقلاء غير شاملين لمثل ذلك قطعاً ، ولا أقلّ من الشكّ ، وهو كافٍ في المنع بعد أن لم يكن المستند دليلاً لفظياً كي يتمسّك بإطلاقه ، من غير فرق بين الشبهة الحكمية كما لو رأينا أحداً يصلّي على الميّت مع علمنا بعدم معرفته لكيفية الصلاة لكن احتملنا إتيانه للتكبيرات الخمس صحيحة من باب الاتّفاق ، أو الموضوعية كما لو رأينا زيداً يصلّي إلى جهة غافلاً عن القبلة ومن غير تحقيق عنها ، واحتملنا المطابقة معها صدفة واتّفاقاً ، فإنّه لا ريب في عدم جريان أصالة الصحّة في أمثال هذه الموارد.

والمقام من هذا القبيل ، إذ بعد علمنا بخطإ الإمام في اعتقاد الاجتهاد أو التقليد فهو لدينا جاهل بالحكم ، وغير عالم بالوظيفة ، فاحتمال الصحّة في صلاته حينئذ لا منشأ له عدا احتمال المصادفة للواقع من باب الاتّفاق ، ومثله

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٢٥.

٣٣٤

[١٩٦٠] مسألة ٣٨ : إذا دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت والمأموم معتقد عدمه أو شاكّ فيه لا يجوز له الائتمام في الصلاة ، نعم إذا علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام جاز له الائتمام (*) به ، نعم لو دخل الإمام نسياناً من غير مراعاة للوقت أو عمل بظنّ غير معتبر لا يجوز الائتمام به وإن علم المأموم بالدخول في الأثناء ، لبطلان صلاة الإمام حينئذ واقعاً. ولا ينفعه دخول الوقت في الأثناء في هذه الصورة ، لأنّه مختصّ بما إذا كان عالماً أو ظانّاً بالظنّ المعتبر (١).

______________________________________________________

غير مشمول لأصالة الصحّة.

والمتلخّص ممّا ذكرناه : أنّ الائتمام غير جائز في صورتين ، وهما ما إذا احتمل المأموم اختلافه مع الإمام في الرأي ، وما إذا علم بالاختلاف المتعلّق بالأركان. وجائز في صورتين أُخريين ، أعني ما إذا كان الاختلاف فيما عدا الأركان ، أو علم بموافقته معه في الرأي ، أو مع الواقع لإتيانه بكلّ ما هو محتمل الوجوب من الأجزاء والشرائط وتركه كلّ ما هو محتمل المانعية ، وإن كان هذا الفرض بعيداً ونادر التحقّق كما ذكره في المتن ، لكثرة ما يتعلّق بالصلاة من المقدّمات والشرائط والكيفيات ، ولا سيما ما يتعلّق بالطهارات من الوضوء أو الغسل أو التيمّم ، لكثرة الاختلاف في خصوصياتها كما لا يخفى ، فتدبّر جيّداً.

(١) ذكرنا في بحث المواقيت (١) أنّ المشهور فصّلوا في من صلّى وقد دخل الوقت أثناء الصلاة بين ما إذا كان معتقداً دخول الوقت أو معتمداً في ذلك على حجّة شرعية ، وبين ما إذا كان غافلاً أو مستنداً إلى ظنّ غير معتبر ، فتصحّ صلاته في الأوّل دون الثاني ، مستندين في ذلك إلى ما رواه ابن أبي عمير عن إسماعيل بن رياح (أو رباح) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا صلّيت

__________________

(*) على إشكال قد تقدّم.

(١) شرح العروة ١١ : ٣٨١.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت ، فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (١).

فإنَّ الرؤية بمعنى الثبوت الذي قد يكون وجدانياً كما في مورد الاعتقاد ، أو تعبّدياً كما في موارد الاعتماد على الحجّة الشرعية ، وأمّا الغافل الناسي عن مراعاة الوقت فلا يرى شيئاً ، لفقد الالتفات. كما أنّ المعتمد على ظنّ غير معتبر لم يكن الوقت ثابتاً عنده لا وجداناً ولا تعبّداً ، فتجب عليه الإعادة لا محالة.

وعلى ضوء هذا التفصيل ذكر الماتن (قدس سره) في المقام جواز الائتمام في الصورة الأُولى بعد ما دخل الوقت ، فإنّ صلاة الإمام وإن لم تكن صحيحة حدوثاً ، لكنّها صحيحة بقاءً حتّى واقعاً. فلا مانع من الائتمام به.

بخلاف الصورة الثانية ، لبطلان صلاة الإمام حينئذ بحسب الواقع فيما لو كان المأموم معتقداً عدم دخول الوقت ، وكذا لو كان شاكّاً ، لاستصحاب العدم فهو أي المأموم يرى عدم تعلّق الأمر بالصلاة وقتئذ إمّا جزماً أو استصحاباً ، فلا يسوغ له الائتمام.

لكنّا ذكرنا هناك أنّه لا يمكن المساعدة مع المشهور في هذا التفصيل ، لضعف الرواية المتقدّمة ، فإنّ إسماعيل بن رياح لم يوثّق. ومجرّد رواية ابن أبي عمير عنه لا يكشف عن توثيقه كما مرّ غير مرّة ، والانجبار بعمل المشهور لا نقول به كما هو المعلوم من مسلكنا ، ومقتضى القاعدة لزوم إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت.

وعليه فالبطلان ووجوب الإعادة حتّى في الصورة الاولى أعني ما لو كان معتقداً أو معتمداً على حجّة شرعية لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط. ومنه يظهر حكم الائتمام في المقام ، وأنّ الأحوط لو لم يكن أقوى تركه مطلقاً. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٠٦ / أبواب مواقيت الصلاة ب ٢٥ ح ١.

٣٣٦

فصل

في شرائط إمام الجماعة

يشترط فيه أُمور : البلوغ (١)

______________________________________________________

(١) فلا يجوز الاقتداء بالصبيّ غير المميّز بلا إشكال ، وكذا المميّز على المشهور ، بل بلا خلاف كما عن المنتهي (١) ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه. ولم ينسب الخلاف إلّا إلى الشيخ وبعض ، حيث حكم بجواز إمامة المراهق مدعياً عليه الإجماع (٢). لكن الإجماع غير ثابت ، بل ثابت العدم كما صرّح به غير واحد ممّن تأخّر عنه ، لعدم وجود القائل به صريحاً ممّن عدا الشيخ ، فضلاً عن تحقّق الإجماع ، ولم يرد ذلك في شي‌ء من الأخبار.

نعم ، هناك روايات دلّت على جواز الائتمام بالغلام من غير تقييد بالمراهق بل في بعضها جوازه إذا بلغ عشراً ، منها :

موثّقة غياث بن إبراهيم : «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم وأن يؤذّن» (٣). وقد عبّر عنها بالخبر المشعر بالضعف في كلمات غير واحد. لكنّه في غير محلّه ، فانّ غياثاً وإن كان بترياً لكنّ النجاشي وثّقه صريحاً (٤).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣٢٤ السطر ٦.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٣ المسألة ٢٩٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٢١ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٣.

(٤) رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٣.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد عبّر العلّامة عن السند بالحسنة (١) ، ولعلّه من أجل إبراهيم بن هاشم. وكيف ما كان ، فالرواية معتبرة.

وموثّقة سماعة : «يجوز صدقة الغلام وعتقه ، ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين» (٢).

وموثّقة طلحة بن زيد : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤمّ» (٣).

وقد حملها صاحب الوسائل وغيره على إمامة الغلام لمثله ، من جهة اعتبار العدالة في الإمام ، المنوطة بالبلوغ. ولكنّه كما ترى ، لإباء لفظ القوم والناس الوارد في الأُوليين عن الحمل على غير البالغ كما لا يخفى. فمقتضاها جواز إمامة الغلام حتّى للبالغين.

ولكن بإزاء هذه الأخبار ما رواه الشيخ بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن جعفر عليه‌السلام عن أبيه : «أنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ حتّى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه» (٤).

والمشهور ذكروا أنّ ضعف الرواية منجبر بالعمل ، فلا تعارض بالروايات المتقدّمة الساقطة عن الحجّية بإعراض الأصحاب عنها وإن صحّت أسانيدها بعضاً أو كلّاً ، ولأجله حكموا باعتبار البلوغ في إمام الجماعة.

لكنّا لا نقول بالانجبار ، كما لا نلتزم بالإعراض على ما هو المعلوم من مسلكنا في البابين ، ومن ثمّ يشكل الحكم بالاعتبار بعد ورود النصّ الصحيح الصريح في العدم ، السليم عن المعارض على المختار ، هذا.

__________________

(١) [لم نعثر عليه في مظانه].

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٢٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٨.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٣.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الذي يهوّن الخطب أنّ الرواية معتبرة وإن حكم المشهور عليها بالضعف ، إذ ليس في السند من يغمز فيه عدا غياث بن كلوب ، وهو وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال ولكن يظهر من مطاوي كلمات الشيخ في العدّة توثيقه.

حيث ذكر (قدس سره) أنّه لا يعتبر في الراوي أن يكون إمامياً ، بل يكفي كونه ثقة متحرّزاً عن الكذب وإن كان عامّياً. ثمّ استشهد لهذه الدعوى بأنّ الطائفة عملت بروايات الفطحية والواقفية وبعض العامّة ، ثمّ ذكر جماعة وعدّ منهم غياث بن كلوب (١).

فيظهر منه أنّ الرجل عاميّ موثّق ، لا بمعنى توثيق رواياته من أجل عمل الطائفة بها ، بل بمعنى توثيقه بنفسه وكونه متحرّزاً عن الكذب كما ادّعاه أوّلاً مستشهداً بعملهم بروايات هؤلاء الموثّقين المتحرّزين عن الكذب ، وإن لم يكونوا من الإمامية.

نعم ، هو (قدس سره) نفسه لم يعمل بهذه الدعوى ، ولذا يقدّم خبر الإمامي لدى المعارضة ، ولم يعامل معهما معاملة المتعارضين ، ولعلّه من أجل بنائه (قدس سره) على الترجيح بصفات الراوي. وكيف ما كان ، فيستفاد من كلامه (قدس سره) توثيق الرجل صريحاً.

وعليه فالرواية تعدّ من الموثّق ، فتقع المعارضة حينئذ بينها وبين الروايات المتقدّمة ، فامّا أن تقدّم هذه عليها ، لكونها صريحة الدلالة في فساد صلاة القوم ، وتحمل تلك الروايات على إمامة الغلام لمثله وإن كان بعيداً في نفسه كما تقدّم ، أو أنّهما يتعارضان فيتساقطان (٢) فيبقى جواز إمامته عارياً عن الدليل

__________________

(١) العدة ١ : ٥٦ السطر ١٠.

(٢) يظهر من كتابي المغني [٢ : ٥٤ ٥٥] والرحمة [١ : ٦٩] أنّ المشهور عند العامّة ما عدا الشافعي وبعضٍ هو المنع. إذن فمقتضى الصناعة حمل ما دلّ عليه على التقيّة [لاحظ المغني حيث لم يستثن الشافعي].

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فيرجع إلى أصالة عدم المشروعية بعد عدم وجود إطلاق في أدلّة الجماعة من هذه الناحية كي يرجع إليه كما لا يخفى.

هذا كلّه بناءً على شرعية عباداته. وأمّا بناءً على التمرينية فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز ، فانّ عبادته حينئذ صورة الصلاة ، وليست من حقيقتها في شي‌ء. فكيف يسوغ الائتمام بها.

فتحصّل : أنّ الأقوى اعتبار البلوغ في إمام الجماعة كما عليه المشهور ، هذا.

وقد يتوهّم أنّ مقتضى الجمع بين النصوص حمل المانعة على ما إذا لم يبلغ الصبيّ عشر سنين ، والمجوّزة على ما إذا بلغها أو كان مراهقاً ، ويجعل الشاهد على هذا الجمع موثّقة سماعة المفصّلة بين العشر وما دونه. ومع وجود هذا الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى المعارضة.

وهذا الكلام أعني الجمع بين الطائفتين لوجود شاهد في البين في حدّ نفسه لا بأس به ، لكنّه غير منطبق على المقام ، لاستلزامه حمل المطلق وهي الرواية المانعة على الفرد النادر ، فانّ الاقتداء بالصبيّ الذي لم يبلغ العشر فرض نادر جدّاً ، بل لعلّه لم يتّفق خارجاً ، فكيف يمكن حمل المطلق عليه.

نعم ، حمل الروايات المجوّزة على العشر فما زاد سيما المراهق خال عن هذا المحذور ، وأمّا حمل المانعة على ما دون العشر كسبع وثمان مثلاً فهو بعيد جدّاً كما عرفت.

وبالجملة : هذا التوهّم من وضوح الفساد بمكان ، إذ يرد عليه مضافاً إلى ما ذكر أنّ الرواية المانعة غير قابلة للحمل على ما دون العشر في نفسها لقوله عليه‌السلام فيها : «ولا يؤمّ حتّى يحتلم» ، إذ قد جعل فيها الاحتلام غاية للمنع ، فهي كالصريح في عدم جواز إمامته قبل بلوغه وإن زاد على العشر ، فضلاً عمّا إذا نقص عنها ، فكيف يمكن حملها على ما دونها ، فانّ لسانها آبٍ عن هذا الحمل قطعاً كما هو واضح جدّاً.

٣٤٠