موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

أو تقليداً لا يجزي في حقّ غيره ممّن يرى اعتبار التعدّد ، ولا يجوز له ترتيب آثار الطهارة. وهكذا لو اختلفا في سائر ما يعتبر في التطهير أو غيره.

وقد ذكرنا في محلّه (١) أيضاً أنّ معنى الحجّية بناءً على الطريقية هو إلغاء احتمال الخلاف ، وفرض من قامت عنده الأمارة عالماً في اعتبار الشارع ، وكأنّه يرى الواقع رؤية علمية ، غايته أنّ العلم تعبّدي لا وجداني ، ولا ضير فيه بعد أن ألحقه الشارع به بدليل الاعتبار ، الراجع إلى تتميم الكشف وكونه بمثابة العلم الوجداني في جميع الآثار.

إذن لا فرق بين العلم والعلمي من هذه الجهة أصلاً ، ومعه كيف يسوغ الاقتداء بمن يعلم المأموم بطلان صلاته ولو بعلم تعبّدي هو في حكم العلم الوجداني في نظر الشارع ، نعم هو معذور فيها من أجل قيام الحجّة عنده على الصحّة ، إلّا أنّ معذوريّته لا تجدي بالقياس إلى المأموم الذي لم تتمّ عنده تلك الحجّة ، إذ قد عرفت آنفاً أنّ نظر المجتهد لا يكون نافذاً في حقّ غير مقلّديه.

فالصحّة عند الإمام لا تجدي بالإضافة إلى المأموم الذي يخالفه في الرأي فإنّ صلاة الإمام في المقام نظير التطهير في الكرّ الذي مثّلنا به آنفاً ، فكما لا يجوز ترتيب آثار الطهارة لمن يخالفه في الرأي فكذا لا يجوز الائتمام في المقام.

وحاصل الكلام : أنّا لا نجد فرقاً بين العلم والعلمي من هذه الجهة أبداً فإمّا أن يبنى على البطلان في كليهما من جهة العلم ولو تعبّداً بفساد صلاة الإمام ، المانع عن الائتمام ، أو على الصحّة في كليهما أيضاً ، بدعوى أنّ الموضوع لجواز الائتمام هي الصحّة في نظر الإمام ، وإن كانت الدعوى غير ثابتة.

والتحقيق : هو التفصيل بوجه آخر ، وهو أنّ ما يختلف فيه المأموم مع الإمام على نوعين :

فتارة : يرجع الاختلاف إلى ما يتعلّق بالأركان ، بحيث يرى المأموم بطلان صلاة الإمام واقعاً وإن كان معذوراً فيه ، على نحو لو علم به الإمام وانكشف له

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ١٠٤ ١٠٧.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الحال أثناء الصلاة أو بعدها وجبت عليه الإعادة ، بل القضاء خارج الوقت لإخلاله بشرط أو جزء ركني.

مثال الشرط : ما لو اختلفا في مصداق الطهور ، كما لو كانت في بعض محالّ الوضوء من أعضاء الإمام نجاسة عينيّة لا يمكن إزالتها ، فيتيمّم الإمام لبنائه على أنّ المورد من موارد التيمّم ، والمأموم يرى أنّه من موارد الوضوء جبيرة.

ومثال الجزء : ما لو اختلفا في مصداق الركوع ، كما لو كان الإمام مبتلى بوجع في ظهره يمنعه عن الركوع قائماً ، فأومأ إليه بانياً على أنّ الوظيفة حينئذ هي الإيماء ، والمأموم يرى أنّ الوظيفة هي الركوع جالساً.

ففي أمثال المقام لا يصحّ الائتمام ، إذ المأموم يرى بعلم أو علمي فساد صلاة الإمام حتّى واقعاً ، وأنّها مجرّد صورة الصلاة ، وليست من حقيقتها في شي‌ء للإخلال بركن مقوّم للحقيقة ، بحيث لو التفت إليه الإمام وتبدّل رأيه وجبت عليه أيضاً الإعادة أو القضاء ، ومعه كيف يسوغ الاقتداء به.

وأُخرى : يرجع الاختلاف إلى ما عدا الأركان ، بحيث لا يوجب البطلان إلّا في ظرف العلم والعمد ، دون الجهل أو السهو ، كما لو اعتقد الإمام عدم وجوب جلسة الاستراحة ، أو عدم وجوب التسبيحات الأربع في الأخيرتين ثلاثاً وكفاية الواحدة ، أو عدم وجوب الذكر الخاصّ في الركوع والسجود والاكتفاء بمطلق الذكر ، هذا في الأجزاء.

وكذا في الشرائط ، كما لو كان بانياً على عدم اعتبار الطمأنينة في التشهّد فتركها ، والمأموم يرى بعلم أو علمي وجوب هذه الأُمور.

ففي أمثال هذه الموارد يصحّ الاقتداء ، لصحّة صلاة الإمام حينئذ لدى كلّ من الإمام والمأموم حتّى واقعاً ، بحيث لو انكشف الحال وتبدّل رأي الإمام لم تجب عليه الإعادة ، لحديث «لا تعاد ...» (١) الحاكم على الأدلّة الأوّليّة والموجب لاختصاص الجزئية والشرطية فيما عدا الأركان أعني الخمسة

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المستثناة بحال الذكر والعلم ، وسقوطها في ظرف السهو أو الجهل القصوري أي مطلق العذر ، بناءً على التحقيق من شموله للجاهل كالناسي.

فالصلاة الصادرة عن الإمام وإن كانت باطلة بحسب الجعل الأوّلي في نظر المأموم لفقدانها الجزء أو الشرط ، لكنّها محكومة بالصحّة الواقعية بحسب الجعل الثانوي المستفاد من حديث «لا تعاد ...» ، إذ كما أنّ الأمر بالإعادة يكشف عن البطلان الواقعي في نحو قوله عليه‌السلام : «من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة» (١) فكذا نفي الإعادة الذي تضمّنه الحديث يكشف عن الصحّة الواقعية بمقتضى المقابلة كما لا يخفى.

وبالجملة : دلّ الحديث على أنّ الجزئية أو الشرطية غير الركنيةِ ذكريةٌ لا واقعية. فهذه الصلاة وإن كانت باطلة لو صدرت عن المأموم العالم بالحال لكنّها صحيحة حتّى واقعاً من الإمام المعذور والجاهل بذلك ، لاختلاف الموضوع.

فالمقام بعينه نظير ما سيذكره الماتن (قدس سره) في بعض المسائل الآتية من صحّة الاقتداء فيما لو رأى المأموم نجاسة غير معفوّ عنها في لباس الإمام وهو لا يدري ، فكما أنّ اشتمال اللباس على النجس غير مانع عن الاقتداء لجهله به ، الموجب لصحّة صلاته واقعاً في هذه الحال ، بحيث لا إعادة عليه لدى انكشاف الخلاف وإن لم تجز الصلاة فيه من المأموم العالم به ، فكذا في المقام حرفاً بحرف ، غايته أنّ الشبهة هنا حكمية وهناك موضوعية. وهذا لا يستوجب فرقاً جوهرياً في مناط البحث بالضرورة.

بل يكاد المقام يكون نظيراً لائتمام المرأة بالرجل ، حيث إنّ الواجب عليها ستر تمام بدنها في الصلاة دون الإمام. فكما أنّ اقتصار الإمام على ستر

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢ [ولا يخفى كونها مرسلة ، ولعلّ المقصود الاستدلال بما هو في مضمونها وهو ح ١ وغيره من أحاديث الباب].

٣٠٣

وأمّا فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم وضمانه له فمشكل (*) لأنّ الضامن حينئذ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه ، مثلاً إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة والمفروض أنّه تركها فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به ، وكذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده وباطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترك إدغام لازم أو مدّ لازم أو نحو ذلك (١).

______________________________________________________

العورتين غير مانع من اقتدائها به ، لصحّة صلاته حينئذ حتّى واقعاً وإن لم يصحّ مثل ذلك عنها ، لأجل تعدّد الموضوع الموجب لتغاير الحكم الواقعي ، فكذا في المقام بمناط واحد.

فهذا التفصيل هو الحري بالقبول. وملخّصه : أنّ الاختلاف إن كان عائداً إلى الأركان التي هي أجزاء أو شرائط واقعية ومعتبرة في الصحّة في حالتي العلم والجهل لم يصحّ الاقتداء ، سواء أكان نظر المأموم أو مقلّده متحصّلاً من علم أو علمي. وإن كان راجعاً إلى ما عداها ممّا هي أجزاء أو شرائط ذكرية ومعتبرة في حالة العلم والالتفات خاصّة دون الجهل صحّ الاقتداء حينئذ ، من غير فرق بين العلم والعلمي أيضاً كما عرفت بما لا مزيد عليه. هذا كلّه في المقام الثاني.

(١) وأمّا المقام الأوّل أعني ما يتعلّق بالقراءة ، كما لو اعتقد الإمام عدم وجوب سورة فتركها والمأموم يرى الوجوب ، أو كانت قراءته باطلة عنده من أجل تركه إدغاماً أو مدّاً لازماً ونحو ذلك ممّا يرى المأموم وجوبه دون الإمام فهل يصحّ به الائتمام؟

لا بدّ من فرض الكلام في القراءة التي يتحمّلها الإمام كما أشار إليه في المتن.

__________________

(*) بل الظاهر عدم جوازه إذا كان الاقتداء به حال القراءة ، وأمّا إذا كان حال الركوع فلا إشكال فيه.

٣٠٤

نعم يمكن أن يقال (*) بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه كأن قرأ السورة في الفرض الأوّل ، أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً ، بل يحتمل أن يقال إنّ القراءة في عهدة الإمام ويكفي خروجه عنها باعتقاده ، لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء.

______________________________________________________

أمّا ما لا يتحمّل كما في الأخيرتين مع عدم استعماله مورد الخلاف في الأولتين بأن راعى الإدغام أو المدّ مثلاً الذي يعتبره المأموم في الأولتين وأهملهما في الأخيرتين ، فهو خارج عن محلّ الكلام ، ومندرج في المقام الثاني الذي مرّ البحث عنه ، ويجري فيه التفصيل المتقدّم عن الماتن من الفرق بين العلم والعلمي ، وعلى ضوء ما ذكرناه يحكم بصحّة الاقتداء حينئذ مطلقاً كما لا يخفى.

فمحلّ الكلام هنا ما يتحمّله الإمام ويضمن عن المأموم كما في الأولتين.

وقد استشكل في المتن في صحّة الائتمام حينئذ ، من أجل أنّ القراءة واجبة على المأموم وغير ساقطة عنه رأساً ، غايته أنّه يجتزي بقراءة الإمام ، وهو ضامن عنه بمقتضى النصوص المتكفّلة للضمان ، فيجب عليه الإتيان بها إمّا بنفسه أو ببدله الصحيح وهو قراءة الإمام ، والمفروض أنّ الضامن حينئذ لم يخرج عن عهدة الضمان حسب اعتقاد المضمون عنه ، فلم يؤت لا بها ولا ببدلها الصحيح.

ثمّ احتمل الصحة فيما إذا تصدّى المأموم لتدارك النقص بنفسه ، كأن قرأ السورة أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً ، إذ لا قصور في القراءة إلّا من هذه الناحية المفروض تداركها ، فقد تحقّقت القراءة الصحيحة بمجموع فعله وفعل الإمام.

واحتمل أخيراً الصحّة من غير تدارك ، بدعوى أنّ القراءة إنّما هي في عهدة الإمام ، وساقطة عن المأموم ، ويكفي خروجه عنها حسب اعتقاده.

__________________

(*) هذا وما ذكر بعده من الاحتمال ضعيفان جدّاً.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : أمّا أوّل الاحتمالين فهو وإن كان ممكناً ثبوتاً ، ولا مانع عنه في حدّ نفسه ، إلّا أنّه لا دليل عليه في مرحلة الإثبات ، فإنّ مشروعيّة القراءة التلفيقية التي هي على خلاف الأصل تحتاج إلى دليل مفقود. وظاهر قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (١) لزوم الإتيان بتمام القراءة إمّا بنفسه أو بمن يقوم مقامه ، وهو الإمام بمقتضى أدلّة الضمان ، وأمّا المركّب منهما فهو مخالف لظاهر الأمر ، ومناف لمقتضى الأصل كما عرفت.

وأمّا ثاني الاحتمالين الذي ذكره أخيراً فهو أيضاً ساقط ، إذ المستفاد من أدلّة الضمان على اختلاف ألسنتها من أنّه يكِلها إلى الإمام ، أو يجزيك قراءته ، أو أنّه ضامن ، ونحو ذلك ، أنّ الساقط إنّما هو قيد المباشرة لا أصل القراءة ، فهي باقية على وجوبها ما لم يؤدّها بنفسها أو ببدلها الصحيح ، والمفروض انتفاء كلا الأمرين. فهذان الاحتمالان ساقطان لضعفهما جدّاً.

فيبقى الإشكال الذي ذكره أوّلاً ، وهو في محلّه ، لما عرفت في تقريره من أنّ المأموم لا يشذّ عن غيره في مشموليّته للخطاب المتعلّق بالقراءة بمقتضى عموم «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» إذ لا تخصيص في هذا العام.

غاية الأمر ثبت اجتزاؤه في مرحلة الامتثال بقراءة الإمام على ما تقتضيه أدلّة الضمان ، وأنّه يكِلها إليه ، وقراءته قراءته ، ويكون الواجب إمّا التصدّي للقراءة أو إيكالها إلى الإمام باختيار الجماعة ، فالساقط ليس إلّا خصوص التصدّي لها بنفسه أعني قيد المباشرة دون أصل الوجوب ، فيكتفي ببدلها عوضاً عن نفسها.

ولا ريب أنّ هذا الإيكال والتضمين خاصّ بما إذا خرج الإمام عن عهدة الضمان حسب اعتقاد المضمون عنه ، كي يتحقّق البدل الصحيح الذي كلّف به المأموم عوضاً عن القراءة التي أُمر بها ، إذ لو كانت فاسدة عنده فوجودها

__________________

(١) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ ، راجع ص ١٨ ، الهامش (١).

٣٠٦

[١٩٥٤] مسألة ٣٢ : إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات ككونه على غير وضوء أو تاركاً لركن أو نحو ذلك ، لا يجوز له الاقتداء به وإن كان الإمام معتقداً صحّتها من جهة الجهل أو السهو أو نحو ذلك (١).

______________________________________________________

كالعدم ، وكأنّه صلّى خلف من لا يقرأ ، فلم تتحقّق القراءة لا بنفسها ولا ببدلها ومعه كيف يسوغ له الائتمام مع أنّه يرى أنّ هذا ركوع لا عن قراءة ، وصلاة لا عن فاتحة.

نعم ، يختص الإشكال بما إذا كانت القراءة واجبة على المأموم ، دون ما لم تجب كما لو اقتدى والإمام في الركوع من الركعة الثانية ، أو من الاولى ولم يستعمل مورد الخلاف في الثانية ، فإنّ القراءة حينئذ ساقطة عن المأموم بنفسها وببدلها ، بمقتضى الروايات المتضمّنة لإدراك الجماعة بإدراك الإمام راكعاً (١) التي لا قصور في شمولها للمقام بعد أن كانت صلاة الإمام محكومة بالصحّة حتّى واقعاً ، بحيث لو انكشف له الخلاف وتبدّل رأيه وهو في الركوع وطابق نظر المأموم لو كان نظره هو الصحيح بحسب الواقع لم يجب عليه التدارك لا أثناء الصلاة لفوات المحلّ بالدخول في الركوع ، ولا بعدها لحديث لا تعاد. فلا مانع من الاقتداء به.

نظير ما لو أدرك الإمام راكعاً مع العلم بنسيانه للقراءة ، فإنّه لا إشكال في جواز الائتمام حينئذ والدخول معه في الركوع ، لصحّة صلاته حتّى واقعاً المنكشفة من عدم لزوم التدارك ولا الإعادة لو تذكّر.

فالأظهر هو التفصيل بين ما إذا كانت القراءة واجبة على المأموم كما لو كان الاقتداء حال قراءة الإمام ، وبين ما إذا لم تجب كما لو ائتمّ به حال ركوعه فيصح الاقتداء في الثاني دون الأوّل كما ظهر وجهه مما مرّ.

(١) ممّا قدّمناه في المسألة السابقة يعلم حكم هذه المسألة ، لعدم الفرق إلّا

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٠٠.

٣٠٧

[١٩٥٥] مسألة ٣٣ : إذا رأى المأموم في ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها لا يعلم بها الإمام لا يجب عليه إعلامه ، وحينئذ فإن علم أنّه كان سابقاً عالماً بها ثمّ نسيها لا يجوز له الاقتداء به ، لأنّ صلاته حينئذ باطلة واقعاً ، ولذا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا تذكّر بعد ذلك. وإن علم كونه جاهلاً بها يجوز الاقتداء ، لأنّها حينئذ صحيحة ، ولذا لا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا علم بعد الفراغ. بل لا يبعد جوازه إذا لم يعلم المأموم أنّ الإمام جاهل أو ناسٍ ، وإن كان الأحوط الترك في هذه الصورة ، هذا ولو رأى شيئاً هو نجس في اعتقاد المأموم بالظنّ الاجتهادي وليس بنجس عند الإمام ، أو شكّ في أنّه نجس عند الإمام أم لا ، بأن كان من المسائل الخلافية ، فالظاهر جواز الاقتداء مطلقاً ، سواء كان الإمام جاهلاً أو ناسياً أو عالماً (١).

______________________________________________________

من حيث كون الشبهة هنا موضوعية وهناك حكمية ، فإذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام واقعاً ، لإخلاله بما يوجب الفساد عمداً وسهواً ككونه على غير طهر ، أو تاركاً لركن وهو لا يدري ، لم يصحّ منه الاقتداء بمثل هذه الصلاة التي هي مجرّد صورة الصلاة ، وليست من حقيقتها في شي‌ء ، ولذا وجب عليه التدارك لو انكشف له الحال في الوقت أو في خارجه.

ومجرّد اعتقاده الصحّة من أجل جهل أو سهو موجبين للخطإ في الموضوع لا يترتّب عليه إلّا العذر ما لم ينكشف الخلاف ، دون الإجزاء كما هو ظاهر وحيث إنّ الخلاف منكشف للمأموم فلا يسوغ له الائتمام بصلاة يعلم بطلانها حتّى واقعاً.

(١) إذا كان الإمام جاهلاً بوجود النجاسة غير المعفوّ عنها في ثوبه أو بدنه فبما أنّ صلاته حينئذ محكومة بالصحّة الواقعية ، لأنّ مانعية النجاسة ذكرية لا واقعية ، ولذا لا تجب عليه الإعادة ولا القضاء لو علم بها بعد الفراغ ، بمقتضى حديث «لا تعاد ...» ، فلا مانع من الاقتداء به.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لا يجب إعلامه المستلزم لانقلاب الموضوع الواقعي من غير ضرورة تقتضيه ، فإنّ المانعية ساقطة في موضع الجهل واقعاً ، وثابتة في ظرف العلم. فهما حكمان لموضوعين ، كالمسافر والحاضر ، فلا موجب لإخراجه عن موضوع وإدراجه في موضوع آخر ، المترتّب على الإعلام.

وإذا كان الإمام ناسياً لها فحيث إنّ الصلاة حينئذ باطلة واقعاً ، ولذا تجب عليه الإعادة والقضاء لو تذكّر بعد ذلك كما دلّت عليه النصوص الخاصّة على ما سبق في أحكام النجاسات (١) فلا يصح الائتمام من المأموم العالم بذلك ، بل يلزم عليه إمّا ترك الاقتداء أو إعلامه لو أراد الاقتداء. هذا كلّه مع علم المأموم بجهل الإمام أو نسيانه.

وأمّا إذا لم يعلم أنّ الإمام جاهل أو ناسٍ فالأقوى جواز الائتمام حينئذ كما ذكره في المتن ، لاستصحاب عدم سبق علم الإمام بالنجاسة ، فيترتّب عليه صحّة صلاته التي هي الموضوع لجواز الاقتداء به. هذا كلّه في الشبهة الموضوعية.

ولو اختلفا في نجاسة شي‌ء اجتهاداً أو تقليداً كما لو كان الإمام ممّن يرى طهارة الكتابي ، أو العصير العنبي ، أو عرق الجنب من الحرام ، أو عرق الجلّال ونحو ذلك ، وقد لاقى بدنه أو ثوبه شيئاً من هذه الأُمور ، والمأموم يرى نجاستها ، فالظاهر جواز الاقتداء به وإن كان الإمام أيضاً عالماً بالملاقاة ، فضلاً عمّا إذا كان جاهلاً أو ناسياً.

فإنّ النجاسة الواقعية لو كانت هذه الأُمور نجسة في الواقع كما يراه المأموم غير منجّزة ما لم يعلم بها ، والمفروض جهل الإمام بها لعذر في اجتهاده أو اجتهاد من يقلّده وإن كان عالماً بذات النجس ، فإنّ العبرة في العلم والجهل المحكومين بالتنجيز والتعذير تعلّقهما بالنجس بوصف كونه نجساً ، لا بذات ما

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ٣٤٢ ٣٤٣.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

هو نجس ، ولذا لا تجب عليه الإعادة ولا القضاء لو انكشف له الخلاف وتبدّل رأيه.

فحيث إنّ النجاسة حينئذ غير منجّزة ، ولا مانعية في هذه الحالة ، ولأجله كانت الصلاة محكومة بالصحّة الواقعية ، فلا مانع من جواز الاقتداء به ، وإذا كانت الحال كذلك في فرض العلم بالملاقاة فمع النسيان بطريق أولى كما لا يخفى. وأمّا مع الجهل فلا إشكال أصلاً ، إذ مع العلم بالنجاسة لا يضر الجهل بالموضوع ، فما ظنّك بالجهل بها كما هو المفروض.

هذا كلّه مع العلم بالاختلاف ، وكذا الحال مع الجهل برأيه والشكّ في أنّه نجس عند الإمام فصلّى فيه جاهلاً أو ناسياً وأمّا عالماً فلا يكاد يفرض لمنافاته العدالة كما لا يخفى أم لا ، لأصالة عدم علمه بالنجاسة ، مضافاً إلى أصالة الصحّة الجارية في صلاته. ففي جميع هذه الفروض يحكم بصحّة الاقتداء كما ذكره الماتن (قدس سره).

ثمّ لا يخفى أنّ البحث عن هذه المسألة يختلف عمّا تقدّمها سابقاً من اختلاف المأموم والإمام في المسائل الاجتهادية المتعلّقة بالصلاة ، التي فصّل الماتن فيها بين العلم والعلمي ، وفصّلنا نحن بوجه آخر على ما مرّ (١) فانّ موضوع البحث هناك ما لو اختلفا فيما يعتبر في الصحّة واقعاً ، من غير فرق بين حالتي العلم والجهل بحسب الجعل الأوّلي وإن كان مختصّاً بالأوّل بمقتضى الجعل الثانوي المستفاد من حديث «لا تعاد ...» كما ذكرناه.

وأمّا النجاسة المبحوث عنها في المقام فلا مانعية لها إلّا في حالة العلم خاصّة ، دون الجهل ، لقصور المقتضي للمنع في حدّ نفسه إلّا بالإضافة إلى النجاسة المنجّزة كما عرفت ، ولأجله يحكم بصحة الائتمام هنا حتّى ولو بنينا هناك على العدم. فلا تقاس هذه المسألة بسابقتها ، ولا ارتباط بينهما ، هذا.

وربما يفصّل في جهل الإمام بالنجاسة بين ما إذا كان قاصراً أو مقصّراً في

__________________

(١) في ص ٣٠١.

٣١٠

[١٩٥٦] مسألة ٣٤ : إذا تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقاً (١) أو كافراً ، أو غير متطهّر ، أو تاركاً لركن مع عدم ترك المأموم له ، أو ناسياً لنجاسة غير معفو عنها في بدنه أو ثوبه انكشف بطلان الجماعة ، لكن صلاة المأموم صحيحة إذا لم يزد ركناً أو نحوه ممّا يخلّ بصلاة المنفرد للمتابعة.

______________________________________________________

اجتهاده ، فيصحّ الائتمام في الأوّل دون الثاني.

وهذا التفصيل متين في حدّ نفسه ، إذ النجاسة الواقعية منجّزة في حقّه لدى التقصير ، ومعه تفسد صلاته ، فلا يصحّ الائتمام به. لكنّه غير منطبق على المقام إذ فرض تقصير الإمام مناف لعدالته كما لا يخفى ، ومحلّ الكلام ما إذا كان الإمام جامعاً لشرائط الإمامة. فلا بدّ من فرض كونه جاهلاً بالحكم عن قصور.

(١) أمّا إذا كان التبيّن قبل الدخول في الصلاة معه فلا إشكال في عدم جواز الائتمام كما مرّ (١) ، وأمّا لو كان بعد الفراغ عنها فلا إشكال في بطلان الجماعة لاختلالها باختلال شرطها ممّا يعود إلى الإمام لظهور فسقه أو نحوه ، أو إلى الصلاة نفسها كوقوعها من غير طهارة ، أو فاقدة لركن ، أو مع النجاسة غير المعفوّ عنها ، ونحو ذلك.

كما لا ريب في وجوب الإعادة على الإمام حينئذ لو تبيّن له بطلان صلاته.

إنّما الكلام في المأموم ، فالمشهور صحّة صلاته وعدم وجوب الإعادة عليه. وعن الإسكافي (٢) وعلم الهدى (٣) وجوب الإعادة ، وعن الصدوق على ما حكاه الشيخ عنه التفصيل بين الجهريّة فلا يعيد ، والإخفاتيّة

__________________

(١) في المسائل الثلاث السابقة.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤٩٧ المسألة ٣٥٧ [وقول ابن الجنيد مختص بالكفر والفسق فقط. نعم حكى عنه في ص ٥١٣ المسألة ٣٧٣ الإعادة لو تبيّن حدث الإمام ما دام الوقت باقياً].

(٣) [ذكر في الناصريات : ٢٤٢ وجوب الإعادة لو تبيّن حدث الإمام. وحكى الحلّي في السرائر ١ : ٢٨٢ عنه الوجوب أيضاً لو تبيّن كفر الإمام أو فسقه].

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

فيعيد (١). ومستند المشهور روايات كثيرة ، جملة منها معتبرة ، تضمّنت نفي الإعادة صريحاً (٢).

ولكن بإزائها روايات اخرى ربما يستدلّ بها لوجوب الإعادة ، ولعلّها هي مستند الإسكافي.

منها : ما عن دعائم الإسلام عن علي عليه‌السلام «قال : صلّى عمر بالناس صلاة الفجر ، فلمّا قضى الصلاة أقبل عليهم فقال : أيّها الناس إنّ عمر صلّى بكم الغداة وهو جنب ، فقال له الناس : فماذا ترى؟ فقال : علَيّ الإعادة ولا إعادة عليكم ، فقال له علي عليه‌السلام : بل عليك الإعادة وعليهم ، إنّ القوم بإمامهم يركعون ويسجدون ، فاذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين» (٣).

وفيه : أنّها ضعيفة السند بالإرسال (٤) مضافاً إلى ما قيل من جواز أن يكون الأمر بالإعادة لخصوصية المورد ، وهو كون الإمام من كان ، لا لاطّراد الحكم في كلّ مورد.

ومنها : ما عن البحار عن نوادر الراوندي بسنده عن موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جدّه موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام : «من صلّى بالناس وهو جنب أعاد وأعاد الناس» (٥).

وهي أيضاً ضعيفة ، فإنّ موسى بن إسماعيل الذي يروي الأشعثيّات وإن كان موثوقاً ، لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات (٦) إلّا أنّ طريق الراوندي إلى

__________________

(١) المقنع : ١١٨ [لكن خصّه بما إذا تبيّن كفر الإمام المذكور في المقنع لفظ (يهودي) وفي الفقيه ١ : ٢٦٣ ذيل ح ١٢٠٠ حكى التفصيل المذكور عن جماعة من مشايخه].

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨.

(٣) المستدرك ٦ : ٤٨٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٢ ، دعائم الإسلام ١ : ١٥٢.

(٤) مضافاً إلى جهالة مؤلّف الدعائم كما أُشير إليه في المعجم ٢٠ : ١٨٤ / ١٣١٠٢.

(٥) البحار ٨٥ : ٦٧ / ١٩.

(٦) عدل (دام ظلّه) عنه أخيراً ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الرجل غير معلوم لدينا ، فتكون في حكم المرسل.

على أنّ هذه الرواية كسابقتها مع الغضّ عن سندهما قابلتان للحمل على الاستحباب ، جمعاً بينهما وبين الروايات المتقدّمة (١) ، فانّ غايتهما الظهور في وجوب الإعادة ، وتلك صريحة في نفي الإعادة كما عرفت ، فيرفع اليد عن الظهور بالنصّ ، ويحمل على الندب ، فتأمّل.

ومنها : رواية العرزمي عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صلّى علي عليه‌السلام بالناس على غير طهر ، وكانت الظهر ، ثمّ دخل فخرج مناديه أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صلّى على غير طهر فأعيدوا ، وليبلّغ الشاهد الغائب» (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها ، لعدم ثبوت وثاقة والد العرزمي ، أنّ مضمونها غير قابل للتصديق ، لمنافاته العصمة ، وعدم انطباقه على أُصول المذهب. ولا يكاد ينقضي تعجّبي من الشيخ والكليني لدى الظفر بهذه الرواية وأمثالها ممّا يخالف أُصول المذهب أنّهما كيف ينقلانها في كتب الحديث (٣) المستوجب لطعن المخالفين على أُصولنا.

على أنّ مضمون هذه الرواية مقطوع البطلان ، كيف ولو كانت لهذه القصة أيّ شائبة من الحقيقة لنقلها أعداؤه ومناوئوه في كتبهم ، واشتهرت بينهم لتضمّنها أكبر طعن وتشنيع عليه عليه‌السلام مع حرصهم على تنقيصه بكلّ ما تيسّر لهم ولو كذباً وافتراءً (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٤) مع أنّها ليست مشهورة عندهم

__________________

(١) [تقدمت مصادرها في الصفحة السابقة ، من دون أن تذكر الروايات ، نعم تقدّم البعض في ص ٧٦ وما بعدها].

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ / ١٦٧١.

(٤) التوبة ٩ : ٣٢.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا منقولة في كتبهم إلّا نادراً. وكيف كان ، فهذه الرواية من الضعف والسقوط بمكان.

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيضمن الإمام صلاة الفريضة ، فإنّ هؤلاء يزعمون أنّه يضمن؟ فقال : لا يضمن ، أيّ شي‌ء يضمن؟ إلّا أن يصلّي بهم جنباً أو على غير طهر» (١) دلّت على أنّ الإمام الذي صلّى فاسداً ضامن لصلاة المأمومين ، لبطلان صلاتهم ، أي فتجب عليهم الإعادة بعد إعلانه لهم ، هذا.

وصاحب الوسائل (قدس سره) استدلّ بها على عكس ذلك ، وأنّ الحكم بضمان الإمام حينئذ يدلّ على وجوب الإعادة عليه وعدم وجوب الإعادة على المأمومين ، وكأنّه (قدس سره) حمل الضمان هنا على معنى الضمان في باب الأموال على مسلك الخاصّة ، من تفسيره سقوط ذمّة المضمون عنه ، وانتقال ما في ذمّته إلى ذمّة الضامن ، في قبال مسلك الجمهور حيث فسّروه بضمّ ذمّة إلى ذمّة ، إذ عليه لا تكون الإعادة إلّا في ذمّة الإمام دون المأمومين ، لانتقال ما في ذمّتهم إلى ذمّته بعد كونه ضامناً عنهم.

ولكنّه كما ترى ، فانّ حمل الضمان في باب العبادات على معناه في باب المعاملات بعيد جدّاً.

والإنصاف : أنّ الرواية لا دلالة فيها لا على وجوب الإعادة على المأمومين ولا على عدم الوجوب ، فانّ مفادها أنّ صلاة المأمومين إنّما هي في عهدتهم ، وهم المكلّفون بإتيانها على وجهها من الأجزاء والشرائط ، وليست في عهدة الإمام كما يزعمه هؤلاء من إيكال الصلاة إلى الإمام وعدم إتيانهم بشي‌ء عدا مجرّد المتابعة في الأفعال ، وكأنّ المصلّي حقيقة ليس إلّا الإمام فحسب.

فلا يتحمّل الصلاة عنهم ، ولا يتعهّد لهم بشي‌ء عدا أن يصلّي بهم صلاة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٦.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة ، حيث إنّه لازم التصدّي لمنصب الإمامة ، فلا يتعهّد ولا يضمن إلّا الإمامة بالإتيان بصلاة صحيحة جامعة للأجزاء والشرائط ، فلو خالف وصلّى بهم صلاة فاسدة كأن كان جنباً أو على غير طهر كان آثماً ومعاقباً ، لخروجه عن مقتضى تعهّده وإخلاله بوظيفته إن كان عامداً ، وإلّا فلا شي‌ء عليه.

فذكر الجنب وعلى غير طهر من باب المثال لفساد الصلاة. وضمان الإمام حينئذ معناه الإثم الناشئ عن تخلّفه عن تعهّده ، ولا تعرّض في الصحيحة لحكم الإعادة على المأمومين نفياً ولا إثباتاً.

وكيف ما كان ، فهذه الروايات كلّها ساقطة وغير صالحة للاستدلال بها لوجوب الإعادة ، قبال هاتيك الروايات الكثيرة المعتبرة المتضمّنة لنفي الإعادة صريحاً ، التي هي مستند المشهور كما عرفت.

ثمّ إنّ تلك الروايات قد تضمّنت نفي الإعادة في مواضع أربعة :

الأوّل : ما إذا كان الإمام جنباً أو على غير طهر ، كصحيحة الحلبي : «من صلّى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة ، وليس عليهم أن يعيدوا ...» إلخ ، ونحوها صحاح محمّد بن مسلم وزرارة وابن أبي يعفور وغيرها (١) وقد عرفت أنّ بإزاء هذه روايات اخرى تضمّنت وجوب الإعادة في نفس المورد ، كلّها ساقطة كما مرّ آنفاً.

الثاني : ما لو تبيّن كفر الإمام ، دلّت عليه مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي ، قال : لا يعيدون» (٢).

وما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن أبي عمير في نوادره ، وبإسناده عن زياد بن مروان القندي في كتابه : «أنّ الصادق عليه‌السلام قال في رجل صلّى

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ١ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧ ح ١.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بقوم من حين خرجوا من خراسان حتّى قدموا مكّة فإذا هو يهودي أو نصراني ، قال : ليس عليهم إعادة» (١).

لكن المرسلة ضعيفة عندنا وإن كانت صحيحة لدى المشهور بناءً منهم على معاملة المسانيد مع مراسيل ابن أبي عمير ، لما ذكره الشيخ من أنّه لا يروي إلّا عن الثقة (٢). فانّا قد ظفرنا على روايته عن الضعاف في غير مورد ممّن ضعّفه النجاشي وغيره. فهذه الدعوى غير مسموعة كما أشرنا إليه مراراً.

على أنّ الشيخ بنفسه لم يعمل بمرسلة ابن أبي عمير في موضعين من التهذيبين ، مصرحاً بضعف الرواية من جهة الإرسال (٣).

وأمّا الرواية الأُخرى فإن كان المراد بمحمد بن أبي عمير هو ابن أبي عمير المعروف المتقدّم ذكره آنفاً فالرواية مرسلة ، لأنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام فلا يمكن روايته عن الصادق عليه‌السلام بلا واسطة ، فيعود الكلام السابق من ضعفها للإرسال. وإن كان المراد به شخصاً آخر غير المعروف فهو لم يوثّق.

وأمّا القندي الذي يروي عنه الصدوق بسند آخر فهو واقفي ، بل من أحد أركان الوقف ، ولم يوثّق في كتب الرجال (٤).

وعليه فلم يثبت نصّ صحيح يمكن التعويل عليه في نفي الإعادة في هذا الموضع ، أعني ما لو تبيّن كون الإمام كافراً ، لضعف الروايتين ، ولا مستند غيرهما.

الثالث : ما إذا لم يكن الإمام ناوياً للصلاة ، دلّت عليه صحيحة زرارة قال «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦٣ / ١٢٠٠.

(٢) العدة ١ : ٥٨ السطر ٨.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٧ / ٩٣٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٧ / ٨٧.

(٤) ولكنّه موثّق عنده (دام ظلّه) كما سيأتي في ذيل هذه المسألة.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا ينويها صلاة ، وأحدث إمامهم ، فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم أتجزيهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال : لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي له أن ينويها صلاة وإن كان قد صلّى ، فانّ له صلاة أُخرى أي وهي الصلاة المعادة التي تستحبّ حينئذ وإلّا فلا يدخل معهم ، وقد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها» (١) وهي صحيحة السند صريحة الدلالة كما هو ظاهر.

الرابع : ما لو تبيّن كون الإمام على غير جهة القبلة لظلمة أو عمى ونحو ذلك ، دلت عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه قال في رجل يصلّي بالقوم ، ثمّ إنّه يعلم أنّه قد صلّى بهم إلى غير القبلة ، قال : ليس عليهم إعادة شي‌ء» (٢) ، فانّ ظاهرها اختصاص الإمام بالانحراف عن القبلة كما لا يخفى. كما أنّ مرجع الضمير في «عليهم» هو القوم كما يكشف عنه الضمير المجرور السابق بمقتضى اتّحاد السياق.

وعلى الجملة : فالنصّ المتضمّن لنفي الإعادة عن المأمومين يختصّ مورده بمواضع ثلاثة ، لضعفه في الموضع الآخر ، أعني ما لو تبيّن كفر الإمام كما عرفت.

وهل يتعدّى عن الموارد المنصوصة إلى الموارد الأُخر ممّا تبيّن الخلل في صحّة الجماعة ، إمّا لعدم أهليّة الإمام للإمامة كظهور كفره أو فسقه ، بناءً على أنّ الشرط هو نفس العدالة الواقعية كما هو الصحيح على ما نطقت به النصوص لا مجرّد الوثوق وإن كان ربما يوهمه ظاهر قوله عليه‌السلام : «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه وأمانته» (٣) لوضوح أنّ الوثوق ملحوظ طريقاً لا موضوعاً كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٧٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٢.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكظهور كونه امرأة أو صبيّاً مميّزاً ، بناءً على اشتراط البلوغ في الإمام كما مرّ (١).

أو لبطلان صلاة الإمام في نفسها ، لكونه تاركاً لركن دون المأموم ، كما لو سجد في سجدتيه على ما لا يصحّ السجود عليه ، أو ناسياً لنجاسة غير معفوّ عنها في ثوبه أو بدنه ، ونحو ذلك ممّا ينكشف معه بطلان الجماعة.

فهل يتعدّى عن مورد النصّ إلى هذه الموارد ، بدعوى استفادة الكلّية من مجموع الموارد المنصوصة وإن لم يستفد من آحادها ، وأنّه يعلم منها أنّ المناط في نفي الإعادة صدور الصلاة صحيحة عن المأموم ولو في اعتقاده؟

الظاهر عدم التعدّي ، لعدم وضوح مناط الحكم بعد احتمال أن يكون لتلك الموارد خصوصية لا نعرفها. فاستفادة الكلّية بإلغاء الخصوصية بحيث يكون نفي الإعادة في هذه الموارد مستفاداً من النصّ الوارد في تلك الموارد عهدتها على مدّعيها.

وعلى تقدير التسليم فإنّما يتعدّى إلى ما كانت صورة الجماعة محفوظة ولو ظاهراً كالأمثلة المتقدّمة ، وأمّا فيما لم تكن الصورة محفوظة حتّى ظاهراً ، بل كانت خيالاً صرفاً ووهماً محضاً ، كما لو رأى شبحاً يتحرّك بحركات الصلاة فتخيّل أنّه إنسان يصلّي فائتمّ به ثمّ تبيّن أنّه شاة أو حيوان آخر ، فلا مجال للتعدّي إلى مثل ذلك جزماً.

وعليه فلا بدّ من العمل في هذه الموارد بما تقتضيه القاعدة بعد قصور النصّ عن الشمول لها ، وعدم الدليل على التعدّي. والظاهر أنّ مقتضى القاعدة عدم وجوب الإعادة في جميع هذه الموارد حتّى في مثال الشاة ممّا لم تكن الصورة محفوظة ولو ظاهراً ، إذ لا خلل في صلاة المأموم من غير ناحية القراءة ، وهي مشمولة لحديث لا تعاد ، الذي لا قصور في شموله للمقام.

فإنّه وإن كان متعمّداً في الترك لكنّه معذور فيه ، لتخيّل الائتمام ، بناءً على ما

__________________

(١) في ص ٥١.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

هو الصحيح من شمول الحديث لمطلق المعذور ، كما مرّ نظير ذلك (١) في اختلاف المصلّيين ودعوى كلّ منهما أنّه المأموم ، حيث حكمنا هناك بالصحّة لعين ما ذكر. فالجماعة وإن كانت باطلة في هذه الموارد لفقد شرطها إلّا أنّ أصل الصلاة محكومة بالصحة بمقتضى حديث لا تعاد ، فتنقلب فرادى.

وقد ذكرنا غير مرّة (٢) أنّ الجماعة والفرادى ليستا حقيقتين ونوعين متباينين ، بل صلاة الظهر مثلاً طبيعة واحدة ذات فردين مختلفين في الأحكام والخصوصيات ، فهما صنفان من حقيقة واحدة ، لكلّ منهما حكم يخصّه والمصلّي قاصد لتلك الحقيقة في مرحلة الامتثال دائماً بتطبيقها على هذا الفرد مرّة وذاك اخرى ، غايته أنّه ربما يخطئ في التطبيق فيتخيّل وقوع الطبيعة في ضمن هذا الفرد فيقصد امتثالها به ، مع أنّها واقعة في ضمن الفرد الآخر.

ولا ريب أنّ هذا الخيال والاعتقاد المنكشف خلافه غير قادح في الصحّة كما لو تخيّل أنّ هذه الأرض مسجد وقد فرغت الجماعة المنعقدة فيه فصلّى من غير أذان وإقامة قبل تفرّق الصفوف كما هو من أحكام الجماعة المنعقدة في المسجد ، ثمّ تبيّن أنّه لم يكن مسجداً ، فانّ الاعتقاد المزبور غير قادح وإن رتّب الأثر ، وكذا في المقام.

فخصوصية كون الصلاة جماعة أو فرادى كخصوصية كونها واقعة في المسجد أو في الدار ، كلّ ذلك من خصوصيات الفرد ، لا يضرّ تخلّفها في مرحلة الامتثال بعد الإتيان بطبيعي الصلاة جامعة لما يعتبر فيها.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الصلاة محكومة بالصحّة في جميع الموارد المذكورة من المنصوص وغيرها ، فلا تجب الإعادة على المأمومين للنصوص المتقدّمة ، ولحديث لا تعاد في غير الموارد المنصوصة وإن كانت الجماعة باطلة لاختلال شرطها كما عرفت.

__________________

(١) في ص ٦٦.

(٢) منها ما تقدّم في ص ٥٩ ٦٠.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّه لا إشكال في اختصاص الصحّة في غير مورد النصّ بما إذا لم يزد ركناً للمتابعة ، إذ لا دليل على الاغتفار بعد فرض بطلان الجماعة ، فيكون مشمولاً لأدلّة الزيادة القادحة.

وأمّا في الموارد المنصوصة فربما يقال بصحّة الجماعة من هذه الجهة أي من ناحية الزيادة للمتابعة ، أو رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر لدى الشكّ وإن كانت الجماعة باطلة في حدّ نفسها ، لاختلال شرطها كما عرفت. فلا تجب الإعادة على المأموم حتّى ولو زاد ركناً للمتابعة ، أو رجع إلى الامام لدى الشكّ وإن كان مبطلاً كما بين الواحد والثنتين ، استناداً إلى إطلاق النصوص النافية للإعادة في مواردها ، فإنّها تشمل حتّى لو ارتكب الأمرين المزبورين بمقتضى الإطلاق فيها ، ولا سيما في الروايتين المتقدّمتين (١) الواردتين فيما لو تبيّن كفر الإمام ، مع الغض عمّا ناقشنا في سندهما.

فإنّ المسافة بين خراسان والكوفة تناهز ثلاثمائة فرسخ تقريباً ، التي تستوعب حوالي شهرين في ذاك الزمان ، ومن المستبعد جدّاً عدم عروض الشكّ للمأموم ، ولا زيادته للركن للمتابعة طيلة هذه المدّة المديدة. فحكمه عليه‌السلام بنفي الإعادة من دون استفصال عن ذلك يكشف عن الصحّة مطلقاً كما لا يخفى.

ويندفع بعدم التعرّض في تلك النصوص إلّا للصحّة من حيث انكشاف الخلل في صلاة الإمام ككونه على غير طهارة ونحو ذلك ، وليست في مقام البيان إلّا من هذه الناحية. ولا نظر فيها إلى سائر النواحي والعوارض الطارئة على صلاة المأموم من زيادة ركن لأجل المتابعة أو الرجوع إلى الإمام في الشكوك الباطلة ، ولذا لا يمكن التمسّك بإطلاق هذه النصوص لو كانت صلاة المأموم واقعة مع النجاسة في ثوبه أو بدنه نسياناً بلا إشكال ، وليس ذلك إلّا لما ذكرناه من عدم كونها ناظرة إلى البطلان من سائر الجهات. فلا إطلاق لها

__________________

(١) في ص ٣١٥.

٣٢٠