موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٩٤٥] مسألة ٢٣ : المأموم المسبوق بركعة يجب عليه التشهّد في الثانية منه الثالثة للإمام فيتخلّف عن الإمام ويتشهد ثم يلحقه في القيام ، أو في الركوع (*) إذا لم يمهله للتسبيحات ، فيأتي بها ويكتفي بالمرة ويلحقه في الركوع أو السجود ، وكذا يجب عليه التخلف عنه في كل فعل وجب عليه دون الإمام من ركوع أو سجود أو نحوهما فيفعله ثم يلحقه إلّا ما عرفت من القراءة في الأُوليين (١).

______________________________________________________

(١) ذكر (قدس سره) أنّ المأموم المسبوق بركعة يتخلّف في الركعة الثانية له الثالثة للإمام ، ويتشهّد ثمّ يلتحق به في القيام ، وإذا لم يمهله بأن ركع قبل أن يقوم المأموم إلى التسبيحات لحق به في الركوع أو السجود ، بعد الاقتصار على أقلّ الواجب من التسبيح وهي المرّة.

وكذا يتخلّف عنه في كلّ فعل وجب عليه دون الإمام من ركوع أو سجود ونحوهما ، كما لو رفع الإمام رأسه عن الركوع قبل أن يفرغ المأموم عن القنوت ، أو قام الإمام عن السجود إلى الركعة اللاحقة قبل أن يأتي المأموم بالسجدة الثانية أو بالتشهد ، ونحو ذلك من كلّ فعل لم يجب على الإمام لإتيانه به دون المأموم ، فيتخلّف ويفعله ثمّ يلتحق به ، إلّا ما عرفت من القراءة في الأُوليين للمأموم ، التي مرّ حكمها (١) من ترك القراءة أو ترك المتابعة أو العدول إلى الانفراد حسبما تقدّم من الاحتمالات الثلاثة في المسألة.

أقول : أمّا وجوب التشهّد عليه في الثانية له الثالثة للإمام فممّا لا إشكال فيه ، وقد نطقت به جملة من الروايات التي منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة ، قال عليه‌السلام فيها : «فاذا كانت الثالثة للإمام وهي له

__________________

(*) جواز اللحوق به في الركوع أو فيما بعده في غاية الإشكال ، فلا يترك الاحتياط في مثل ذلك بقصد الانفراد ، وبه يظهر حال التخلّف عن الإمام في سائر ما يجب على المأموم.

(١) في ص ٢٦٤ ٢٦٥.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية فليلبث قليلاً إذا قام الإمام بقدر ما يتشهّد ، ثمّ يلحق بالإمام» (١) ونحوها غيرها.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من أنّ في فرض عدم الإمهال بأن ركع الإمام قبل أن يقوم المأموم يلتحق به في الركوع أو السجود ففي غاية الإشكال كيف وقد تخلّف عن الإمام ، وأخلّ بشرط المتابعة عامداً وإن كان معذوراً فيه من أجل التشهّد الواجب عليه ، ومعه كيف يمكن الحكم ببقاء القدوة وصحّة الجماعة بحيث يرتّب عليها أحكامها من رجوع كلّ منهما إلى الآخر لدى الشكّ ، واغتفار الركوع أو السجود الزائد لأجل المتابعة ، وغير ذلك من الآثار.

والذي يكشف عمّا ذكرناه قوله عليه‌السلام في موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله «... وإن سبقك بركعة جلست في الثانية لك والثالثة له حتّى تعتدل الصفوف قياماً» (٢) حيث جعلت الغاية اعتدال الصفوف قياماً ، فلا يجوز الالتحاق في الركوع ، الخارج عن هذه الغاية. نعم ، المراد بالاعتدال أعمّ من الحدوث والبقاء ، فما دام الاعتدال والقيام باقياً ولم يركع بعدُ يجوز له الالتحاق.

وتؤيّد الموثّقة صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة ، حيث ذكر فيها : «فليلبث قليلاً ... بقدر ما يتشهّد» الظاهر في عدم جواز اللبث الكثير والالتحاق في الركوع. وعليه فمقتضى الاحتياط حينئذ لو لم يكن أقوى هو العدول إلى نيّة الانفراد. ومنه يظهر حال التخلّف عنه في سائر ما يجب على المأموم ، وأمّا التخلّف في القراءة في الأُوليين له فقد عرفت أنّ الأظهر بطلان الجماعة حينئذ وانقلابها فرادى قهراً وبطبيعة الحال ، وعرفت أيضاً ضعف الاحتمالين الآخرين ، فلاحظ.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٨ : ٣٨٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢ ، ٣.

٢٨٢

[١٩٤٦] مسألة ٢٤ : إذا أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه وجب عليه قراءة الفاتحة والسورة إذا أمهله لهما ، وإلّا كفته الفاتحة على ما مرّ ، ولو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضاً فالأحوط عدم الإحرام إلّا بعد ركوعه ، فيحرم حينئذ ويركع معه ، وليس عليه الفاتحة حينئذ (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت فيما مرّ (١) أنّ من أدرك الإمام في الأخيرتين فدخل معه في الصلاة قبل ركوعه وجبت عليه قراءة الفاتحة والسورة حينئذ إذا أمهله لهما وإلّا كفته الفاتحة ، ولا يكون الإمام ضامناً لها كما دلّت عليه الروايات التي منها صحيحتا زرارة وابن الحجاج المتقدّمتان (٢). وعليه فان أمهله الإمام للفاتحة فلا كلام ، ولو لم يمهله فقد مرّ حكمه.

وأمّا لو علم من الأوّل بأنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمامها فحيث إنّ المسألة حينئذ مورد للإشكال ، للدوران بين ترك الفاتحة وترك المتابعة ، ولم يثبت تقديم أحدهما على الآخر ، كان مقتضى الاحتياط عدم الإحرام إلّا بعد ركوع الإمام حذراً عن الوقوع في هذا الترديد.

بل بناءً على ما قدّمناه (٣) من بطلان الجماعة حينئذ وانقلابها فرادى يشكل فيه الاقتداء وتمشّي قصد الجماعة منه ، إذ كيف يمكن أن ينوي الائتمام مع علمه بانقلاب الصلاة بعدئذ فرادى وعدم تمكّنه من إتمامها جماعة.

فالأحوط لو لم يكن أقوى أن لا يحرم إلّا بعد ركوع الإمام ، لسقوط القراءة عنه حينئذ بلا كلام كما دلّت عليه الروايات المتقدّمة سابقاً (٤) المتضمّنة أنّ من

__________________

(١) في ص ٢٦١ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤ ، ٢ وقد تقدمتا في ص ٢٦٣.

(٣) في ص ٢٦٥.

(٤) في ص ١٠٠.

٢٨٣

[١٩٤٧] مسألة ٢٥ : إذا حضر المأموم الجماعة ولم يدر أنّ الإمام في الأُوليين أو الأخيرتين (١) قرأ الحمد والسورة بقصد القربة ، فإن تبيّن كونه في الأخيرتين وقعت في محلّها ، وإن تبيّن كونه في الأُوليين لا يضره ذلك.

______________________________________________________

كبّر وأدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة وصحّت جماعته.

(١) حكم (قدس سره) حينئذ بقراءة الحمد والسورة بقصد القربة المطلقة لأنّها إمّا واجبة وقعت في محلّها لو كان الإمام في الأخيرتين ، أو مستحبّة لو كان في الأُوليين فلا يضرّه ذلك.

ولا شكّ أنّ ما أفاده هو مقتضى الاحتياط كما عرفت. هذا لو أراد الاحتياط ، وأمّا لو أراد اختيار أحد الشقّين من القراءة أو تركها فهل تجب عليه أم يجوز الترك؟ وما هي وظيفته بالنظر إلى الأصل العملي؟

لا ريب أنّ مقتضى قاعدة الاشتغال هو الوجوب ، لما عرفت سابقاً (١) من أنّ القراءة غير ساقطة عن المأموم رأساً بحيث يلزم التخصيص في عموم «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) ، بل هي واجبة عليه كغيره ، غاية الأمر أنّه في مرحلة الامتثال يجتزي بقراءة الإمام ، وهو ضامن له ، وقراءته مسقطة لقراءته بعد ما كانت واجبة عليه أوّلاً. وذكرنا سابقاً أنّ هذا ممّا يساعده الاعتبار ، فلو أنّ جماعة وفدوا على ملك أو رئيس يتكلّم واحد منهم عن القوم ، ويكون كلامه كلامهم ، ويعبّر عن لسان الجميع ، فكذا في المقام.

ومن هنا ذكرنا فيما مرّ (٣) أنّ الجماعة عدل للواجب التخييري ، فتجب عليه القراءة إمّا بنفسه لو اختار الانفراد ، أو ببدله لو اختار الجماعة.

وعليه فالشك في المقام راجع إلى مرحلة السقوط والفراغ ومقام الامتثال

__________________

(١) في ص ٩١.

(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ ، راجع ص ١٨ ، الهامش (١).

(٣) في ص ١٤٨.

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي هو مورد لقاعدة الاشتغال ، لا إلى مرحلة الجعل وثبوت التكليف ليرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. فهو يعلم أنّه في هذه الركعة مكلّف بالقراءة ، ويشكّ في سقوطها عنه بفعل الإمام لو كانت من الأُوليين. فمقتضى القاعدة المزبورة وجوب الإتيان بها.

إلّا أنّه مع ذلك يجوز له تركها استناداً إلى الاستصحاب ، ولا شي‌ء عليه حتّى لو انكشف الخلاف وتبيّن كون الإمام في الأخيرتين ، لأنّه بعد تعويله على الحجّة الشرعية كان معذوراً في الترك ، ومثله مشمول لحديث لا تعاد ، بناءً على ما عرفت (١) من عدم اختصاصه بالناسي وشموله لمطلق المعذور.

وتقريب الاستصحاب : أنّ الموضوع لسقوط القراءة عن المأموم اقتداؤه خلف إمام يكون هو في إحدى الأولتين على ما يظهر من الروايات ، وهذا الموضوع محقّق في المقام بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّ الاقتداء خلف الإمام محرز بالوجدان ، وكون الإمام في الأولتين محرز بالأصل ، حيث إنّه كان في زمان في الركعتين الأولتين يقيناً ، ونشكّ في انقلابه عمّا هو عليه بالدخول في الأخيرتين ، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه على ما كان. ونتيجة ذلك سقوط القراءة عن المأموم.

وأوضح رواية تدلّ على أنّ الموضوع للحكم هو ما ذكرناه صحيحة عبد الله ابن سنان المتقدّمة سابقاً (٢) وقلنا إنّ كلمة (الحسن بإسناده) الموجودة في الوسائل الطبعة الجديدة مستدركة ، والصحيح : عن ابن سنان يعني عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين ...» إلخ (٣).

__________________

(١) في ص ٦١.

(٢) في ص ١٩٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٥٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩.

٢٨٥

[١٩٤٨] مسألة ٢٦ : إذا تخيّل أنّ الإمام في الأُوليين فترك القراءة ثمّ تبيّن أنّه في الأخيرتين (١) فإن كان التبيّن قبل الركوع قرأ ولو الحمد فقط ولحقه ، وإن كان بعده صحّت صلاته ، وإذا تخيّل أنّه في إحدى الأخيرتين فقرأ ثم تبيّن كونه في الأُوليين فلا بأس ، ولو تبيّن في أثنائها لا يجب إتمامها.

______________________________________________________

فإنّ قوله : «في الأولتين» بمنزلة الحال للضمير المجرور في «خلفه» العائد إلى الإمام ، أي لا تقرأ خلف الإمام حال كون الإمام في الأولتين. فتدلّ بوضوح على أنّ الموضوع للسقوط كون المأموم خلف إمام هو في الأولتين كما ذكرناه وهذا الموضوع قابل للإحراز ببركة الاستصحاب ، ومعه لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى قاعدة الاشتغال التي ذكرناها أوّلاً ، فيجوز له ترك القراءة استناداً إلى الأصل المزبور ، وإن كان مقتضى الاحتياط هو ما عرفت.

وإن شئت فقل : الموضوع للسقوط في الصحيحة كون المأموم خلف الإمام في أولتيه ، فيستصحب بقاء الأولتين ، ولا حاجة إلى إثبات أنّ ما بيده هي إحدى الأولتين ليكون من المثبت ، لأنّ هذا ليس موضوعاً للحكم ، بل الموضوع مجرّد اقتران الجزأين في الزمان واجتماعهما في الوجود ، كما في استصحاب النهار المرتّب عليه وجوب الإمساك فيه والإتيان بالظهرين على ما بيّناه في محلّه عند التعرّض للموضوعات المركّبة (١).

(١) فصّل (قدس سره) حينئذ بين ما إذا كان انكشاف الخلاف بعد دخول المأموم في الركوع وما إذا كان قبله.

أمّا في الأوّل : فلا إشكال في صحّة الصلاة ، لكونه معذوراً في ترك القراءة بعد الاعتقاد المزبور ، ولا تبطل الصلاة بتركها سهواً وما يلحق به من العذر لحديث لا تعاد ، نعم عليه سجدتا السهو ، بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٢٤.

٢٨٦

[١٩٤٩] مسألة ٢٧ : إذا كان مشتغلاً بالنافلة فأُقيمت الجماعة وخاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة ولو كان بفوت الركعة الأُولى منها جاز له قطعها بل استحبّ ذلك ولو قبل إحرام الإمام للصلاة (١).

______________________________________________________

وأمّا في الثاني : فالقراءة غير ساقطة عنه بعد بقاء المحلّ وإمكان التدارك وحينئذ فان أمهله الإمام لها ولو خصوص الفاتحة قرأها ولحق به في الركوع وإن لم يمهله حتّى لها جرى فيه حينئذ ما مرّ سابقاً (١) من الاحتمالات الثلاثة أعني ترك الفاتحة والالتحاق في الركوع ، أو ترك المتابعة والالتحاق في السجود ، أو العدول إلى الانفراد. وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأخير ، من غير حاجة إلى نيّة العدول ، بل تنقلب إلى الفرادى قهراً وبطبيعة الحال بعد امتناع الإتمام جماعة.

وأمّا عكس المسألة : أعني ما لو تخيّل أنّه في إحدى الأخيرتين فقرأ ثمّ تبيّن كونه في الأُوليين فالصلاة أيضاً محكومة بالصحّة ، لعدم قدح زيادة القراءة بعد أن كان معذوراً فيها ومشمولاً لحديث لا تعاد. هذا إذا كان التبيّن بعد الفراغ عن القراءة.

وأمّا لو التفت في الأثناء فلا يجوز إتمامها بعنوان الوجوب ، لكونها ساقطة عنه في الأُوليين ، فالإتيان بهذا العنوان تشريع محرّم ، نعم لا بأس بالإتمام بعنوان الاستحباب ، الثابت في هذه الحال. والكلام في سجود السهو لأجل الزيادة ما عرفته آنفاً.

(١) المستند فيما ذكره (قدس سره) من جواز قطع النافلة لمن كان مشتغلاً بها فأُقيمت الجماعة ، بل استحبابه لدرك فضيلتها كما عليه المشهور صحيحة عمر بن يزيد التي رواها الصدوق بطريق صحيح (٢) : «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) في ص ٢٦٤ ٢٦٥.

(٢) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٨.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : إذا أخذ المقيم في الإقامة ، فقال له : إنّ الناس يختلفون في الإقامة ، فقال : المقيم الذي تصلّي معه» (١).

ونوقش فيها كما في الجواهر (٢) وغيره بظهورها في الشروع في التطوّع وقتئذ ، ولا تعمّ من كان مشتغلاً به ثمّ أُقيمت الجماعة كي تدلّ على القطع ، فهي خاصّة بالابتداء ، ولا تشمل الاستدامة في التطوّع الذي هو محلّ الكلام.

وفيه : أنّه لا موجب لدعوى الاختصاص ، ولا نعرف وجهاً للاستظهار فإنّ النافلة كما أنّها تطوّع بمجموعها تطوّع بأبعاضها أيضاً ، فكلّ جزء وركعة منها مصداق للتطوّع كالكلّ. فمن كان مشتغلاً بها فأُقيمت الجماعة كان الإتيان بالباقي معنوناً بعنوان التطوّع لا محالة ، فتشمله الصحيحة.

نعم ، بناءً على حرمة قطع النافلة كان لما أُفيد وجه وجيه ، لعدم كونها حينئذ مصداقاً للتطوّع بقاءً ، كيف وهو مجبور على الإتمام ، ولا يجوز له القطع بحكم الشرع ، فلا يأتي به عن طوع ورغبة واختيار الذي هو معنى التطوّع.

وما قيل في ردّه من أنّ الظاهر من التطوّع ما كان كذلك في أصله وذاته لا بالنظر إلى حرمة القطع ، وهو متحقّق في المقام.

مدفوع بمخالفته لظاهر اللفظ جدّاً ، ضرورة أنّ الظاهر من لفظ التطوّع ما كان تطوّعاً فعلاً ، ومتّصفاً بهذا الوصف العنواني بالفعل ، بحيث له أن يفعل وأن لا يفعل ، لا ما كان كذلك شأناً وفي طبعه وذاته ، فانّ الحمل على الاستعداد والشأنية مخالف لظواهر الألفاظ كما في سائر المقامات ، بل المنسبق منها مقام الفعلية.

وعليه فحيث إنّه مجبور في المقام على الإتمام بحكم الشرع حسب الفرض ولو من أجل حرمة القطع فقد خرج عن عنوان التطوّع بقاءً وإن كان كذلك

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٤ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٦.

(٢) الجواهر ١٤ : ٣٤ ٣٥.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حدوثاً ، فلا تشمله الصحيحة.

لكن المبنى المزبور باطل في نفسه ، لما تقدّم في محلّه (١) من أنّ الدليل على حرمة قطع الصلاة ليس إلّا الإجماع ، وهو لو تمّ ولا يتمّ مختصّ بالفريضة ولم يقم إجماع في النافلة. فجواز القطع فيها المطابق للأصل هو المتعيّن. وعليه فالصحيحة غير قاصرة الشمول لكلّ من الابتداء والاستدامة كما ذكرناه.

وتشهد للتعميم صحيحة حماد بن عيسى قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قال أبي : خرج رسول الله عليه‌السلام لصلاة الصبح وبلال يقيم ، وإذا عبد الله بن القشب يصلّي ركعتي الفجر ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ابن القشب أتصلي الصبح أربعاً؟ قال ذلك له مرّتين أو ثلاثة» (٢) حيث وبّخه صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّتين أو ثلاثاً على التنفّل وبلال يقيم للجماعة ، ولم يفرض أنّ ابن القشب شرع في النافلة بعد أن أقام بلال ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل المسجد فرآه يصلّي وبلال يقيم ، من دون وضوح السابق من اللاحق ، ولا استفصاله عن ذلك. فترك استفصاله في مقام التوبيخ يكشف عن إطلاق الحكم كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التشكيك في شمول الصحيحة للاستدامة في التطوّع كالابتداء فيه ، فتدلّ على ما نحن فيه. ويستفاد منها أفضلية القطع واستحبابه طلباً لدرك فضيلة الجماعة.

وإنّما الكلام في وقت القطع ، فهل هو مقيّد بما إذا خاف فوات الجماعة رأساً بحيث لم يدرك حتّى الركعة الأخيرة منها ، أو بخوف فوت الركوع من الركعة الأُولى ، أو القراءة منها ، أو تكبيرة الإحرام كما اختاره في المتن؟

الظاهر عدم التقييد بشي‌ء ممّا ذكر ، لإطلاق النصّ عن كلّ ذلك ، وعدم دليل آخر عليها. ومقتضى الجمود على ظاهر الصحيحة أنّ الظرف المقرّر للقطع هو

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٥٢٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٤ ح ٢.

٢٨٩

ولو كان مشتغلاً بالفريضة منفرداً وخاف من إتمامها فوت الجماعة استحبّ له العدول بها إلى النافلة وإتمامها ركعتين (١) إذا لم يتجاوز محلّ العدول بأن دخل في ركوع الثالثة ، بل الأحوط عدم العدول إذا قام إلى الثالثة وإن لم يدخل في ركوعها.

______________________________________________________

مجرّد أخذ المقيم في الإقامة ، سواء أحصل خوف الفوت من شي‌ء من المذكورات أم لا. وكأنّ هذا من احترام الجماعة وآدابها ، وهذا هو الأقوى كما يكشف عنه إطلاق صحيحة حمّاد المتقدّمة أيضاً.

(١) على المشهور ، بل إجماعاً كما عن غير واحد. وتدلّ عليه :

صحيحة سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن وأقام الصلاة قال : فليصلّ ركعتين ثمّ ليستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتكن الركعتان تطوّعاً» (١).

وموثّقة سماعة قال : «سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة ، قال : إن كان إماماً عدلاً فليصلّ اخرى وينصرف ويجعلهما تطوّعاً ، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو ...» إلخ (٢).

ونوقش في دلالتهما على الاستحباب كما في الجواهر (٣) بأنّ الأمر الوارد فيهما من أجل وقوعه موقع توهّم الحظر لا يدلّ إلّا على الجواز والمشروعية ، دون الاستحباب.

وبعبارة اخرى : ظاهر الأمر في طبعه هو الوجوب ، لكنّه غير محتمل في المقام ، فإنّ الجماعة سنّة ، وليست مفروضة في الصلوات كلّها كما في

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٠٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٣) الجواهر ١٤ : ٣٧.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

النصّ (١) فكيف يحتمل وجوب العدول إلى التطوع مقدمة لدرك الجماعة المستحبّة. فيدور الأمر بين الحمل على الاستحباب ، وبين إرادة الجواز والإباحة ، وحيث إنّه وارد مورد توهّم الحظر لممنوعية العدول من الفريضة إلى النافلة في غير الموارد المستثناة يتعيّن الحمل على الثاني.

وفيه : أنّ المقام ليس من موارد توهّم الحظر المانع من الأخذ بظاهر الأمر إذ لم يرد دليل لفظي يدلّ على المنع عن العدول المزبور ، وإنّما نقول به من أجل عدم قيام الدليل على الجواز ، لا من أجل قيام الدليل على عدم الجواز كي يكون مورداً لتوهّم الحظر.

فانّ العدول على خلاف الأصل ، والعبادة توقيفية تحتاج مشروعيتها إلى الدليل ، وحيث لا دليل يحكم بعدم المشروعية ، حذراً عن التشريع المحرّم لا لقيام الدليل على العدم. وحيث ورد الدليل في المقام بلسان الأمر فلا مانع من الأخذ بظاهره وهو الاستحباب ، بعد امتناع الحمل على الوجوب كما عرفت.

وقد تحصّل ممّا ذكرناه أنّ الروايتين لا قصور في دلالتهما على الاستحباب.

هذا ما يرجع إلى أصل المطلب ، وأمّا خصوصياته فقد ذكر في المتن اختصاص الحكم بما إذا لم يتجاوز محلّ العدول بالدخول في ركوع الثالثة ، بل ذكر أنّ الأحوط عدم العدول فيما إذا قام للثالثة وإن لم يدخل في ركوعها ، وكأنّه لقصور النصّين عن شمول الفرضين ، سيما الموثّقة.

إذ المفروض فيها أنّه صلّى ركعة واحدة ، فلا يشمل ما إذا دخل في الثالثة فضلاً عمّا إذا دخل في ركوعها ، بل لا تشمل حتّى من كان في الثانية كما لا يخفى لأمره عليه‌السلام بالإتيان بالأُخرى ، الكاشف عن عدم الدخول بعدُ فيها. وكذا الحال في الصحيحة ، لظهور الأمر بصلاة ركعتين في عدم بلوغهما ، فضلاً عن الزيادة عليهما ، هذا.

__________________

(١) المتقدّم في ص ٩.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويظهر من المتن الفرق بين ما لو دخل في ركوع الثالثة وما إذا لم يدخل ومن هنا جزم بعدم العدول في الأوّل واحتاط في الثاني.

والأقوى ثبوت الفرق وجواز العدول في الثاني دون الأوّل.

وتوضيحه : أنّ الركوع الصادر ممّن دخل في ركوع الثالثة واقع في محلّه وغير متّصف بالزيادة حال حدوثه ، وإنّما يتّصف بها بعد ذلك من أجل العدول إلى النافلة ، فأدلّة الزيادة القادحة غير شاملة للمقام ، لاختصاصها بما إذا أوجد الزائد ابتداءً ، لا ما إذا أعطى وصف الزيادة لما كان ، كما هو الحال في غير المقام.

ولذا ذكرنا في بحث القراءة (١) أنّه عند التلفّظ بكلمة (مالك) مثلاً ، لو قال (ما) فبدا له في إتمامها ، ثمّ استأنفها وأتى بالكلمة تامّة لم تبطل صلاته بلا إشكال ، فإنّ لفظة (ما) وإن اتّصفت بالزيادة من أجل فوت الموالاة وعدم التحاق الجزء الأخير من الكلمة أعني (لك) بها ، إلّا أنّها حين حدوثها وقعت في محلّها ولم تكن زائدة ، وإنّما طرأ لها وصف الزيادة فيما بعدُ ، وأدلّة الزيادة العمديّة المبطلة منصرفة عن مثل ذلك ، وخاصّة بما إذا أحدث الزائد ابتداءً.

وبالجملة : فالركوع المزبور وإن لم يكن مشمولاً لأدلّة الزيادة القادحة إلّا أنّه موجب لبطلان النافلة المعدول إليها ، لكونه زيادة في الركن ولو بقاءً ، ولم يثبت العفو عنها إلّا في الزيادة السهويّة.

وأمّا العمديّة في الأركان سواءً أكانت باحداث الزائد ابتداءً أو بإعطاء وصف الزيادة لما كان فهي توجب البطلان في النافلة كالفريضة ، لاندراجها في عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث لمطلق الخلل نقصاً أو زيادة ، فإنّ بعض المذكورات فيه وإن لم تتصوّر فيه الزيادة كالوقت والقبلة والطهور ، لكن البعض الآخر كالركوع والسجود

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٤٢٩.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تتصوّر فيه ، وهو كاف في الشمول ، ومن البيّن أنّه لا معنى للعدول إلى نافلة باطلة.

هذا فيما إذا كان العدول بعد الدخول في ركوع الثالثة ، وأمّا قبل الدخول فيه فلا موجب للبطلان ، فإنّ أدلّة الزيادة القادحة قد عرفت قصورها عن الشمول للمقام. وحديث لا تعاد لا يقتضيه أيضاً بعد أن لم يكن الزائد من الأركان. فلم تشتمل النافلة المعدول إليها على خلل يستوجب بطلانها ، فلا مانع من العدول إليها. وبذلك يفرق بين الصورتين في العدول ، هذا في مقام الثبوت.

وأمّا في مقام الإثبات فربما يشكل بعدم وفاء النصّ لإثبات جواز العدول في الفرض المزبور بعد كونه على خلاف الأصل. أمّا الموثّقة فقصورها عن ذلك ظاهر كما مرّ ، وأمّا الصحيحة فلتضمّنها الأمر بصلاة ركعتين ، الظاهر في عدم بلوغ المصلّي الذي أُقيمت لديه الجماعة هذا الحدّ ، فضلاً عن الزيادة عليهما والدخول في الثالثة. فهذا الفرض خارج عن مورد الصحيحة المتكفّلة بجواز العدول.

وفيه : أنّ الظاهر بل المقطوع به اتّفاق الأصحاب على جواز العدول فيما إذا صلّى ركعتين من الفريضة وبعد انتهائه عن التشهّد أُقيمت الجماعة ، فإنّه لم يستشكل أحد فيما نعلم في جواز العدول حينئذ إلى النافلة ، مع خروج الفرض لو تمّ ما أُفيد عن مقتضى الجمود على النصّ.

ولا ينبغي الاستشكال فيه ، إذ ليس المراد من أمره عليه‌السلام بصلاة ركعتين تطوّعاً إحداث الركعتين برفع اليد عن الفريضة وإيجاد نافلة جديدة فانّ هذا غير مقصود بالضرورة كما هو واضح ، بل المراد إتمام الصلاة ركعتين والفراغ عنها كذلك بعد العدول إلى النافلة.

ولا ريب أنّ هذا كما يشمل ما لو كان في الركعة الأُولى وقد أُقيمت الجماعة يشمل ما لو كان في الثانية ، بل في الثالثة ما لم يدخل في ركوعها المانع عن العدول. ففي جميع ذلك يصحّ منه إتمام الصلاة على ركعتين ، فيندرج الكلّ تحت إطلاق النصّ بمناط واحد.

٢٩٣

ولو خاف من إتمامها ركعتين فوت الجماعة ولو الركعة الأُولى منها جاز له القطع بعد العدول (*) إلى النافلة على الأقوى ، وإن كان الأحوط عدم قطعها بل إتمامها ركعتين وإن استلزم ذلك عدم إدراك الجماعة في ركعة أو ركعتين (١).

______________________________________________________

وعلى الجملة : فبعد القيام إلى الثالثة بما أنّه متمكّن من إتمام الصلاة ركعتين تطوّعاً فلا قصور في الصحيحة عن الشمول لمثله. فالدليل في مقام الإثبات وافٍ لجواز العدول حينئذ ، وقد عرفت صحّته ثبوتاً. فلا إشكال.

(١) يقع الكلام تارة في استحباب القطع بعد ما عدل ، وأُخرى في جوازه ومشروعيته.

أمّا الاستحباب : فغير ثابت ، لاختصاص الروايتين أعني الصحيحة والموثّقة بما إذا أتمّ النافلة المعدول إليها كما لا يخفى ، فلا تعمّان صورة قطعها. ومن الواضح أنّ صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة (١) التي تضمّنت استحباب قطع النافلة لإدراك الجماعة قاصرة الشمول للمقام ، لانصرافها إلى ما إذا كان متشاغلاً بالنافلة ابتداءً ، فلا تعمّ النافلة المعدول إليها المتّصفة بالنفل بقاءً.

وأمّا الجواز : فلا ينبغي الاستشكال فيه ، بعد البناء على جواز قطع النافلة وكون المعدول إليها مصداقاً لها فعلاً ، وإن لم تكن كذلك حدوثاً ، لأنّ هذا من أحكام النافلة مهما تحقّقت ، لما أشرنا سابقاً من أنّ عمدة المستند لحرمة قطع الصلاة هو الإجماع ، وهو لو تمّ مختصّ بالفريضة ولا يعمّ النافلة.

والمنع عن الجواز المزبور استناداً إلى استصحاب حرمة القطع الثابتة قبل العدول في غير محلّه ، إذ فيه مضافاً إلى أنّه من الاستصحاب في الشبهة الحكمية ولا نقول به ، أنّ الموضوع متعدّد في المقام ، فإنّ الحرمة الثابتة قبل العدول كان موضوعها الفريضة ، وبعد العدول انقلبت نافلة.

__________________

(*) جوازه مع البناء على قطعها بعده مشكل.

(١) في ص ٢٨٧.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن الواضح أنّ الفرضيّة والنفليّة من العناوين المقوّمة للموضوع ، الموجب لتعدّده حتّى بنظر العرف ، كالظهريّة والعصريّة ، والأداء والقضاء ، وغسل الحيض والجنابة ، ونحو ذلك ممّا يتقوّم بالعناوين القصديّة ، الموجبة لتغايرها في الحقيقة والماهية وإن اتّحدت صورة ، وليست من الحالات المتبادلة الطارئة على الموضوع الواحد حتّى يجري فيه الاستصحاب كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فلا مجال للترديد في جواز القطع بعد العدول ، لكنّه خاصّ بما إذا بدا له في القطع بعد ما عدل ، دون ما إذا كان بانياً عليه من الأوّل ، وإلّا فمشروعيّة العدول حينئذ مشكلة في حدّ نفسه ، لعدم الدليل عليها بعد أن لم يكن المعدول إليه فريضة ولا نافلة. ومن الواضح قصور الصحيحة والموثّقة عن الشمول لمثل ذلك ، لانصرافهما إلى ما إذا عدل إلى تمام الركعتين ، لا إلى البعض منهما كما هو لازم البناء على القطع من الأوّل.

نعم ، لا مانع من قطع الفريضة لإدراك الجماعة من قبل أن يعدل بها إلى النافلة ، لعدم الدليل على حرمة القطع حينئذ ، فإنّ مستندها هو الإجماع كما مرّ ولا إجماع في مثل المقام ، كيف وقد نسب إلى جمع من الأعلام كالشيخ (١) والقاضي (٢) والشهيد في كتبه الثلاثة الدروس (٣) والذكرى (٤) والبيان (٥) وجماعة من المتأخّرين جواز القطع فيما نحن فيه. ومن الواضح أنّ النصّ المتضمّن للعدول إلى النافلة غير ناظر إلى المنع عن القطع كما لا يخفى.

ومنه تعرف أنّ الاستصحاب المتقدّم آنفاً مع الغضّ عمّا أوردناه عليه ساقط في حدّ نفسه ، لعدم اليقين بالحالة السابقة حتّى نستصحب الحرمة لو لم يكن يقين بالعدم كما عرفت.

__________________

(١) النهاية : ١١٨.

(٢) لاحظ المهذب ١ : ٨٣.

(٣) الدروس ١ : ٢٢٢.

(٤) الذكرى ٤ : ٤٦٨.

(٥) البيان : ٢٢٧.

٢٩٥

بل لو علم عدم إدراكها أصلاً إذا عدل إلى النافلة وأتمّها فالأولى والأحوط عدم العدول (*) (١) وإتمام الفريضة ثم إعادتها جماعة إن أراد وأمكن.

[١٩٥٠] مسألة ٢٨ : الظاهر عدم الفرق في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة بين كون الفريضة التي اشتغل بها ثنائية أو غيرها ولكن قيل بالاختصاص بغير الثنائية (٢).

______________________________________________________

(١) بل ينبغي الجزم بعدم العدول حينئذ ، ولا نعرف وجهاً للأولوية والاحتياط الاستحبابي الصادر منه (قدس سره) ، ضرورة ظهور النصّ في أنّ العدول إنّما شرع مقدّمة لإدراك الجماعة وتحصيلاً لهذه الغاية ، فمع العلم بعدم إدراكها أصلاً لو عدل إلى النافلة وأتمّها لا يشمله النصّ قطعاً ، فلا دليل على جواز العدول حينئذ ، ومقتضى الأصل عدمه. نعم ، لا حاجة إلى إتمام الفريضة بل له القطع من غير عدول كما أشرنا إليه آنفاً.

(٢) المعروف عدم الفرق في جواز العدول إلى النافلة لإدراك الجماعة بين كون الفريضة التي اشتغل بها ثنائيّة أو غيرها.

وعن المستند الاختصاص بغير الثنائية ، لخروجها عن مورد الأخبار (١). ومقتضى الأصل عدم جواز العدول ما لم يقم عليه دليل.

ولكن الظاهر هو التعميم.

أمّا أوّلاً : فللقطع الخارجي بعدم الفرق بين الثنائية وغيرها في هذا الحكم فانّ المناط في تشريع العدول في المقام إدراك الجماعة ، المشترك بين الصورتين.

وأمّا ثانياً : فلأنّ دعوى خروج الثنائية عن مورد الأخبار إنّما تتّجه بالإضافة إلى موثّقة سماعة ، لقوله عليه‌السلام في ذيلها : «وإن لم يكن إمام عدل فليبْنِ على صلاته كما هو ، ويصلّي ركعة أُخرى ، ويجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، ثمّ

__________________

(*) بل هو الأظهر.

(١) المستند ٨ : ١٤٢.

٢٩٦

[١٩٥١] مسألة ٢٩ : لو قام المأموم مع الإمام إلى الركعة الثانية أو الثالثة مثلاً فذكر أنّه ترك من الركعة السابقة سجدة أو سجدتين أو تشهّداً أو نحو ذلك وجب عليه العود للتدارك ، وحينئذ فان لم يخرج عن صدق الاقتداء وهيئة الجماعة عرفاً فيبقى على نيّة الاقتداء (*) (١) وإلّا فينوي الانفراد.

______________________________________________________

ليتمّ صلاته معه على ما استطاع ، فإنّ التقية واسعة» (١).

فانّ قوله عليه‌السلام : «ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع ...» إلخ ظاهر في الإتيان ببقيّة أجزاء الصلاة مع الإمام من قيام وركوع وسجود ونحوها المستلزم لفرض كون الصلاة ثلاثية أو رباعية ، إذ لو كانت ثنائية لقال عليه‌السلام : ثم يسلّم وينصرف. لا أنّه يتمّ صلاته معه على ما استطاع. فمورد الموثّقة خاصّ بغير الثنائية كما ذكره (قدس سره).

وأمّا صحيحة سليمان بن خالد فهي مطلقة ، وليس فيها ما يوهم الاختصاص فضلاً عن الدلالة. والتقييد بالركعتين في قوله عليه‌السلام : «فليصلّ ركعتين» إنّما هو من أجل أنّ النافلة المعدول إليها لا تكون إلّا ذات ركعتين ، فهو في مقام التنبيه على هذه النكتة ، وأنّ النافلة لم تشرع إلّا ركعتين وليس ناظراً إلى أنّ الصلاة المشغول بها كانت أكثر من ركعتين فيعدل بها إلى الركعتين تطوّعاً ، لعدم كونه عليه‌السلام في مقام التعرّض إلى هذه الخصوصية بوجه.

فالإطلاق المستفاد من ترك الاستفصال عن كون تلك الصلاة ثنائية أم غيرها هو المحكّم. فعلى تقدير عدم تمامية القطع الخارجي الذي ذكرناه أوّلاً لا مانع من التمسّك بهذا الإطلاق. فالأقوى عدم الفرق بينهما كما هو المشهور.

(١) بل قد عرفت فيما مرّ (٢) أنّ مقتضى الاحتياط نيّة الانفراد فيما إذا كان

__________________

(*) مرّ أنّ الأحوط قصد الانفراد فيما إذا كان التخلّف موجباً لفوات المتابعة.

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٢) في ص ٢٨٢.

٢٩٧

[١٩٥٢] مسألة ٣٠ : يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الست الافتتاحية قبل تحريم الإمام ثمّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه وإن كان الإمام تاركاً لها (١).

[١٩٥٣] مسألة ٣١ : يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر (٢) مع اختلافهما في المسائل الظنّية المتعلّقة بالصلاة إذا لم يستعملا محلّ الخلاف واتّحدا في العمل ، مثلاً إذا كان رأي أحدهما اجتهاداً أو تقليداً وجوب السورة ورأي الآخر عدم وجوبها يجوز اقتداء الأوّل بالثاني إذا قرأها وإن لم يوجبها ،

______________________________________________________

التخلّف موجباً لفوات المتابعة.

(١) ذكرنا في بحث تكبيرة الإحرام (١) عند التعرّض للتكبيرات الافتتاحية أنّ المستفاد من النصوص أنّ تكبيرة الإحرام وما به يتحقّق الافتتاح هي الواحدة منها لا مجموعها ، لقوله عليه‌السلام : يجهر بواحدة (٢). وقلنا : إنّ الأولى والأحوط اختيار الأخير منها ، وعليه فما تقدّمها من التكبيرات الست أُمور مستحبّة خارجة عن الصلاة. فللمأموم الإتيان بها ، سواء أتى بها الإمام أم لا ، لإطلاق دليل الاستحباب ، ووضوح عدم لزوم المتابعة فيما هو خارج عن الصلاة.

ولأجله لا يلزم تأخّره فيها عن الإمام لو أتى الإمام بها أيضاً ، وإنّما اللازم تأخّره عن الإمام في تكبيرة الإحرام التي بها يفتتح الصلاة ويتحقّق الدخول فيها ، وأمّا قبل ذلك فلا جماعة بعدُ ولا متابعة ، فلا مانع من تقدّمه فيها عليه سواء أتى بها الإمام أم لا ، كما هو ظاهر.

(٢) لا ريب في صحّة الاقتداء فيما إذا رأى الإمام وجوب شي‌ء لم يكن

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ١٤٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢.

٢٩٨

وكذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الركوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرّات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها لكن يأتي بها بعنوان الندب ، بل وكذا يجوز مع المخالفة في العمل أيضاً (*) فيما عدا ما يتعلّق بالقراءة في الركعتين الأُوليين التي يتحمّلها الإمام عن المأموم ، فيعمل كلّ على وفق رأيه.

نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شي‌ء بمن لا يعتقد وجوبه مع فرض كونه تاركاً له ، لأنّ المأموم حينئذ عالم ببطلان صلاة الإمام ، فلا يجوز له الاقتداء به ، بخلاف المسائل الظنّية ، حيث إنّ معتقد كلّ منهما حكم شرعي ظاهري في حقّه ، فليس لواحد منهما الحكم ببطلان صلاة الآخر ، بل كلاهما في عرض واحد في كونه حكماً شرعياً.

______________________________________________________

واجباً عند المأموم ممّا يتعلّق بالصلاة ، اجتهاداً أو تقليداً أو بالاختلاف ، لصحّة صلاة الإمام قطعاً وإن اشتملت على ما هو مستحبّ في نظر المأموم كجلسة الاستراحة ، وهذا ظاهر.

وأمّا عكس ذلك أي الاقتداء بإمام لا يرى وجوب شي‌ء وهو واجب عند المأموم فلا ريب في الصحّة أيضاً فيما إذا أتى الإمام بذلك الشي‌ء ، لاشتمال الصلاة حينئذ على كلّ ما يعتبره المأموم فيها. ومجرّد الاختلاف في النظر غير المؤثر في العمل غير قادح في صحّة الائتمام بلا كلام.

إنّما الكلام فيما إذا لم يأت الإمام بذلك الشي‌ء ، وهذا قد يفرض فيما يتعلّق بالقراءة في الركعتين الأُوليين اللتين يتحمّلها الإمام ، كما لو ترك السورة بانياً على عدم وجوبها مع كونها واجبة في نظر المأموم.

__________________

(*) الظاهر عدم جواز الاقتداء فيما يرى المأموم بطلان صلاة الإمام بعلم أو علمي ، نعم إذا كان الإخلال بما لا تبطل الصلاة به في ظرف الجهل صحّ الاقتداء ، بلا فرق بين العلم والعلمي أيضاً.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يفرض فيما يتعلّق بغيرها ، كما لو ترك الإمام جلسة الاستراحة ، أو تكبيرة الركوع ، أو التسبيحات الأربع في الأخيرتين ثلاثاً ، لبنائه على عدم وجوبها مع كونها واجبة عند المأموم ، فاختلفا نظراً وعملاً ، فهل يجوز الاقتداء به؟ فهنا مقامان.

والكلام فعلاً في المقام الثاني ، أعني ما يتعلّق بغير القراءة. وقد فصّل في المتن حينئذ بين ما إذا كان الاختلاف راجعاً إلى الظنون الاجتهادية ، بأن قامت الأدلّة الشرعية والحجّة الفعلية عند كلّ منهما بنفسه أو بمقلّده على خلاف ما أدّى إليه نظر الآخر ، وبين ما إذا كان المأموم عالماً بوجوب ما لا يراه الإمام واجباً علماً وجدانياً ، بحيث كان قاطعاً ببطلان صلاة الإمام.

فيجوز الاقتداء في الأوّل ، إذ الدليل العلمي والظنّي الاجتهادي كما هو قائم عند المأموم قائم عند الإمام أيضاً ، وكلّ منهما مستند إلى حجّة شرعية والحكم الشرعي الظاهري ثابت في حقّ كلّ منهما بمناط واحد ، والحكم الواقعي الذي ربما يصيبه المجتهد وربما لا يصيب غير معلوم لدى كلّ واحد منهما. فليس لأحدهما الحكم ببطلان صلاة الآخر بعد أن كان كلاهما في عرض واحد في كونه حكماً شرعياً ظاهرياً من غير ترجيح لأحدهما على الآخر. فلا مانع من الاقتداء به.

وهذا بخلاف الصورة الثانية ، إذ بعد انكشاف الواقع لدى المأموم بعلم وجداني فهو يرى على سبيل القطع بطلان صلاة الإمام ، وجازم بفسادها في مرحلة الواقع ، ومعه كيف يسوغ له الاقتداء بهذه الصلاة الفاسدة.

أقول : قد ذكرنا في الأُصول في مبحث الإجزاء (١) ، وأشرنا في مسائل التقليد أنّ نظر المجتهد سواء تحصّل من الظنّ الاجتهادي أو من غيره لا يكون حجّة إلّا في حقّه وحقّ مقلّديه ، ولا يكون نافذاً بالإضافة إلى من سواه ممّن يخالفه في الرأي. فلو غسل المتنجّسَ بالبول في الكرّ مرّة مَن يرى الاكتفاء بها اجتهاداً

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٨٥.

٣٠٠