موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٩٤٠] مسألة ١٨ : لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة غير القراءة في الأولتين إذا ائتمّ به فيهما ، وأمّا في الأخيرتين فلا يتحمّل عنه ، بل يجب عليه بنفسه أن يقرأ الحمد (*) أو يأتي بالتسبيحات وإن قرأ الإمام فيهما وسمع قراءته ، وإذا لم يدرك الأولتين مع الإمام وجب عليه القراءة فيهما لأنّهما أوّلتا صلاته (١).

______________________________________________________

على الإمام ، وأمّا الأجزاء الزائدة المأتي بها سهواً الخارجة عن الصلاة فليس له المتابعة فيها ، بل لو تابع وأتى بها بقصد المشروعية كان من التشريع المحرّم الموجب للبطلان ، لأجل الزيادة العمديّة كما لا يخفى.

(١) قد مرّ كثير ممّا ذكره (قدس سره) في هذه المسألة في المسألة الاولى من مسائل هذا الفصل ، وقد عرفت أنّ الإمام ضامن للقراءة في الركعتين الأولتين فهي ساقطة عن المأموم بنحو العزيمة في الصلوات الجهرية فيما إذا سمع قراءة الإمام ولو همهمة ، بل عرفت أنّ الأقوى ذلك في الصلوات الإخفاتية أيضاً. وأمّا إذا لم يسمع حتّى الهمهمة في الجهرية فالسقوط بنحو الرخصة ، فتجوز له القراءة ، بل تستحب.

وأمّا في الأخيرتين فهو مخيّر بين القراءة والتسبيح في غير الصلوات الجهرية ، وأمّا فيها فقد مرّ أنّ الأحوط تعيّن التسبيح. هذا كلّه في المأموم من ابتداء الصلاة.

وأمّا المأموم المسبوق بركعة أو ركعتين فما هي وظيفته في الركعتين الأولتين اللتين هما الأخيرتان للإمام ، أو في الركعة الثانية التي هي ثالثة الإمام فيما إذا كان مسبوقاً بركعة واحدة؟

المعروف والمشهور وجوب القراءة عليه ، وعدم ضمان الإمام لها فيما عدا

__________________

(*) مرّ أنّ الأحوط التسبيح له في الصلاة الجهرية.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأولتين وإن اختار القراءة. وعن العلامة (١) والشهيد (٢) وابن إدريس (٣) سقوط القراءة عنه حينئذ. والأقوى ما عليه المشهور.

ويدلّنا عليه أوّلاً : إطلاقات الأمر بالقراءة مثل قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٤) بعد وضوح أنّ محلّها ما هو المقرّر المعهود من الركعتين الأولتين ، وحيث إنّ الركعتين هما الأولتان بالنسبة إلى المأموم حسب الفرض فتجب عليه القراءة فيهما.

وليس بإزائها عدا روايات الضمان ، وعمدتها روايتان :

إحداهما : ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسين بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام ، فقال : لا ، إنّ الإمام ضامن للقراءة» إلخ (٥).

والأُخرى : موثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام ، فقال : لا ، إنّ الإمام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه ، إنّما يضمن القراءة» (٦). والمعتمد منهما إنّما هي الموثّقة لضعف الأُخرى من جهة ضعف طريق الصدوق إلى الحسين بن كثير (٧) مع أنّ الرجل بنفسه لم يوثّق.

ولكن هذه الروايات غير مجدية في المقام في قبال الإطلاقات ، لأنّ الظاهر منها بعد إمعان النظر اختصاص الضمان بمورد تجب فيه القراءة على الإمام ، ففي

__________________

(١) التذكرة ٤ : ٣٢٣.

(٢) الألفية والنفلية : ١٤١.

(٣) السرائر ١ : ٢٨٦.

(٤) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ ، راجع ص ١٨ ، الهامش (١).

(٥) الوسائل ٨ : ٣٥٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٤ [وفيه : الحسن بن كثير].

(٦) الوسائل ٨ : ٣٥٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ٣.

(٧) [لعدم ذكر طريقه إليه في المشيخة].

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كلّ ركعة كان الإمام مكلّفاً فيها بالقراءة فهو يتحمّل عن المأموم ويكون ضامناً لقراءته في تلك الركعة ، دون ما لم يكن مكلّفاً بها وإن اختارها خارجاً كما في الأخيرتين. فلا ضمان فيهما بعد أن لم يكن مكلّفاً بها ، سواء أكانتا الأخيرتين للمأموم أيضاً أم الأولتين بالإضافة إليه كما هو محلّ الكلام ، هذا أوّلاً.

وثانياً : مع الغض عمّا ذكر فتكفينا الروايات الخاصّة الواردة في المقام المصرّحة بعدم الضمان. فلو سلّمنا الإطلاق في روايات الضمان وبنينا على شمولها للمقام فهي مقيّدة لا محالة بهذه الروايات الخاصّة ، وهي كثيرة :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان ، قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بأُمّ الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامّة أجزأته أُمّ الكتاب» إلخ (١).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام إلى أن قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : اقرأ فيهما ، فإنّهما لك الأولتان ، ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها» (٢) وغيرهما.

قوله : «ولا تجعل» إلخ ، أي لا تجعل الركعتين الأولتين مثل الأخيرتين في ترك القراءة فيشابه أوّل الصلاة آخرها.

وكيف ما كان ، فما ذكره العلامة ومن تبعه من سقوط القراءة حينئذ عن المأموم لا وجه له ، لمنافاته مع هذه النصوص المصرّحة بعدم السقوط.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنّ الإمام لا يتحمّل شيئاً من أفعال الصلاة ما عدا القراءة في الأوّلتين إذا ائتمّ به فيهما ، دون ما لم يأتمّ كما في المسبوق ، ودون

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢.

٢٦٣

وإن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على الحمد وترك السورة (١) وركع معه وأمّا إذا أعجله عن الحمد أيضاً فالأحوط إتمامها واللحوق به في السجود أو قصد الانفراد (*) ويجوز له قطع الحمد والركوع معه ، لكن في هذه لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة.

______________________________________________________

الأخيرتين ، ودون غيرها من سائر أفعال الصلاة كما صرّح بالأخير في موثّقة سماعة المتقدّمة وغيرها فلاحظ.

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، كما صرّح بذلك في صحيحة زرارة المتقدّمة.

إنّما الكلام فيما إذا أعجله عن الحمد أيضاً ، بحيث دار الأمر بين ترك القراءة وبين ترك المتابعة. وقد ذكر في المتن حينئذ احتمالات :

أحدها : إتمام القراءة والالتحاق به في السجود ، تقديماً لإطلاق دليل القراءة ورفعاً لليد عن إطلاق دليل المتابعة بعد عدم إمكان الجمع بينهما.

ثانيهما : الإتيان بالمقدار الممكن من الحمد ثمّ قطعه والركوع معه ، تقديماً لإطلاق دليل المتابعة على دليل القراءة عكس ما سبق.

وهذان الاحتمالان كما ترى لا شاهد على أيّ منهما ، فانّ كلا من الدليلين مطلق يجب الأخذ به ، ولا موجب لتقديم أحدهما على الآخر من غير قرينة تقتضيه ، إلّا أن يقوم دليل من الخارج كما ثبت بالنسبة إلى صلاة الجمعة في من منعه الزحام من الركوع ، وأنّه يصبر حتّى يسجد الإمام ثمّ يركع وحده ويلتحق به في السجود (١) ، فيرفع اليد عن إطلاق دليل وجوب المتابعة في خصوص المقام ، لأجل النصّ الخاص.

وقد يقال : إنّ المقام مندرج في باب التزاحم ، لوقوع المزاحمة بين جزئية القراءة وبين شرطية المتابعة ، فلا بدّ من الرجوع إلى مرجّحات هذا الباب.

__________________

(*) الأحوط اختياره.

(١) الوسائل ٧ : ٣٣٥ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٧ ح ١ ، ٣.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : ما ذكرناه في الأُصول من اختصاص التزاحم بالتكليفين النفسيين الواجبين الاستقلاليين ، وأمّا التكاليف الضمنية في المركّبات الارتباطية فهي أجنبية عن هذا الباب ، وليست من التزاحم المصطلح في شي‌ء ، بل هي مندرجة في باب التعارض ، ونتيجته سقوط الأمر المتعلّق بالمركّب منهما لدى تعذّر الجمع (١).

وعليه ففي المقام حيث لا يمكن رفع اليد عن إطلاق دليل الحمد ، كما لا يمكن رفع اليد عن إطلاق دليل المتابعة ، فلا جرم يسقط الأمر المتعلّق بالصلاة جماعة لتعذّر امتثالها ، كما لو مات الإمام أو حدث له حدث ، فتنقلب الصلاة حينئذ فرادى بطبيعة الحال ، من غير حاجة إلى نيّة العدول إلى الانفراد ، فانّ امتناع الإتمام جماعة موجب للانقلاب المزبور قهراً.

ومنه تعرف أنّ الأحوط ، بل الأظهر هو الاحتمال الثالث الذي ذكره في المتن من قصد الانفراد ، بل عرفت عدم الحاجة إلى القصد وحصول الانفراد القهري.

لكن هذا كلّه فيما إذا عرض ذلك أثناء الصلاة ، بحيث لم يتمكّن من إتمام الجماعة بقاءً.

وأمّا إذا علم بذلك من ابتداء الصلاة وأنّ الإمام يعجله عن الحمد ولا يمهله فصحّة الاقتداء حينئذ مشكلة ، فإنّها مبنيّة على جواز الائتمام لمن يعلم بعدم التمكّن من إتمام الصلاة جماعة ، فان قلنا بالجواز صحّ في المقام ، وإلّا فلا.

بقي في المقام رواية واحدة ربما يستدلّ بها على سقوط القراءة ، وهي صحيحة معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهو أوّل صلاة الرجل ، فلا يمهله حتّى يقرأ ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال : نعم» (٢) والمراد بآخر الصلاة في ذيل الصحيحة هي الركعة الأخيرة.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٢٢٩ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٥.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الصحيحة هي من جملة الروايات المتضمّنة أنّ من ترك القراءة في الأولتين لعذر يتداركها ويقضيها في الأخيرتين وجوباً أو استحباباً ، كي لا تخلو صلاته عن القراءة ، إذ لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، وقد تقدّمت الإشارة إليها في مبحث القراءة (١).

وكيف ما كان ، فسياق الصحيحة سؤالاً وجواباً وإن كان في مقام قضاء ما ترك من القراءة ، والنظر فيها مقصور عليه فحسب ، إلّا أنّه يظهر منها المفروغية عن جواز الترك وسقوط القراءة لدى عدم إمهال الإمام ، لمغروسيّته في ذهن السائل وتقريره عليه‌السلام على ذلك ، وهو المطلوب.

وفيه : أنّ الصحيحة أجنبية عن محلّ الكلام ، فانّ المراد بآخر صلاة الإمام ليس هو الجزء الأخير من الصلاة أعني السلام قطعاً ، إذ ليس هو آخر جزء يدرك من صلاة الإمام بوصف أنّه إمام ، وإن كان هو آخر صلاته بوصف أنّه مصلّ كما هو واضح. فيدور الأمر بين إدراكه في الركعة الأخيرة من صلاته في حال القيام ، وبين إدراكه فيها في حال الركوع ، ولا يخلو المراد من أحد هذين الاحتمالين.

والاستدلال مبنيّ على استظهار الأوّل ، كي يكون المأموم مكلّفاً بالقراءة فلا يمهله الإمام ، كي تدلّ الصحيحة على سقوطها رعاية للتبعية وقضائها أي الإتيان بها لاحقاً وجوباً أو استحباباً فتكون ممّا نحن فيه. لكنّه غير واضح بل الظاهر إنّما هو الاحتمال الثاني ، فإنّ آخر ما يدرك (٢) من صلاة الإمام إنّما هو

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٤٥٤ وما بعدها.

(٢) هذا وجيه لو كان الوارد في النصّ هو هذا العنوان ، أعني آخر ما يدرك من صلاة الإمام. وليس كذلك ، بل الوارد هكذا : آخر صلاة الإمام. ومقتضى المقابلة بينه وبين : أوّل صلاة الرجل المذكور بعد ذلك أنّ هناك حالة واحدة تعدّ آخراً بالإضافة إلى الإمام وأوّلاً بالإضافة إلى المأموم ، وحيث إنّ المراد من الثاني هو الركعة لا الركوع كما لا يخفى فكذلك الأوّل.

٢٦٦

[١٩٤١] مسألة ١٩ : إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها ووجب عليه القراءة في ثالثة الإمام الثانية له (١)

______________________________________________________

الركوع من الركعة الأخيرة كما نطقت به الروايات الكثيرة. ومن الواضح سقوط القراءة حينئذ ، وعدم تكليف المأموم بها. فلا ارتباط لمورد الصحيحة بالمقام.

والذي يكشف عمّا استظهرناه قوله : «فلا يمهله حتّى يقرأ» فإنّ حمل كلمة «يقرأ» على الفراغ من القراءة خلاف الظاهر جدّاً ، بل الظاهر منه هو الشروع فيها ، وهذا إنّما يتحقّق عند إدراك الإمام راكعاً ، فلا يمهله حينئذ حتّى من الشروع في القراءة والإتيان بالمقدار الممكن منها ، الذي تخيّل السائل وجوبه حينئذ.

وأمّا مع إدراكه قائماً فهو متمكّن من الشروع فيها والإتيان بالمقدار الممكن ولو آية أو آيتين ، فلا معنى لعدم الإمهال الذي فرضه السائل كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فالصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه ، ولا مجال للاستدلال بها في المقام.

وقد عرفت أنّ الأظهر بطلان الجماعة وانقلاب الصلاة فرادى قهراً وبطبيعة الحال ، من غير حاجة إلى نيّة العدول ، لامتناع الإتمام جماعة بعد إطلاق كلّ من دليلي الفاتحة والمتابعة ، وعدم الدليل على رفع اليد عن شي‌ء منهما. فيأتي بالفاتحة ويتمّ الصلاة منفرداً ، والاحتمالان الآخران ساقطان لا يمكن المساعدة عليهما.

(١) أمّا التحمّل في تلك الركعة فلأدلّة الضمان في الركعتين الأولتين المتقدّمة (١).

__________________

وأمّا ما جعله (دام ظله) كاشفاً عمّا استظهره فلعلّه على خلاف المطلوب أدلّ ، فليتأمّل. هذا وسيجي‌ء في المسألة العشرين مزيد بحث حول الصحيحة فلاحظ.

(١) في ص ٢٦٢ ، ١٩٧ وما بعدها.

٢٦٧

ويتابعه في القنوت في الأُولى منه (٢)

______________________________________________________

وأمّا وجوب القراءة في ثالثة الإمام الثانية له فلعموم دليل القراءة مثل قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (١) بعد اختصاص أدلّة الضمان بالركعة التي يكون الإمام مكلّفاً فيها بالقراءة وهي الأولتان ، دون الأخيرتين اللتين لم يكلّف بها فيهما وإن اختارها خارجاً كما مرّ (٢). فالعموم المزبور سليم هنا عمّا يصلح للتخصيص.

مضافاً إلى التصريح بوجوب القراءة في المقام في معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال عليه‌السلام : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته ، وهي ثنتان لك ...» إلخ (٣).

(٢) أمّا مشروعيّته فممّا لا إشكال فيه ، للتصريح به في موثّق عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام فقنت الإمام ، أيقنت معه؟ قال : نعم ، ويجزيه من القنوت لنفسه» (٤).

وهل يجب ذلك أم يستحبّ؟ الظاهر عدم الوجوب ، فانّ الدليل عليه إن كان لزوم المتابعة المعتبرة في مفهوم الائتمام فمن الواضح أنّ الائتمام لا يستدعي إلّا التبعية فيما هي وظيفة المأموم وجوباً أو استحباباً ، فلا يأتي بوظيفته إلّا تبعاً للإمام ، والقنوت في المقام ليس من وظائف المأموم بحسب أصل الصلاة لكونه في الركعة الأُولى منها ، وإنّما هو من وظائف الإمام خاصّة.

ومنه يظهر أنّه بناءً على وجوب المتابعة نفساً لا يجب عليه القنوت أيضاً

__________________

(١) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ ، راجع ص ١٨ ، الهامش (١).

(٢) في ص ٢٦٢ ٢٦٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٨٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٨٧ / أبواب القنوت ب ١٧ ح ١.

٢٦٨

وفي التشهّد ، والأحوط التجافي فيه ، كما أنّ الأحوط التسبيح عوض التشهد (*) وإن كان الأقوى جواز التشهّد ، بل استحبابه أيضاً (١).

______________________________________________________

لعين ما ذكر من أنّ مورد المتابعة ما هي من وظائف المأموم. فدليل وجوب المتابعة نفساً أو شرطاً لا يقتضي وجوب القنوت في المقام.

وإن كان هو الموثّق المتقدّم فمن المعلوم أنّ مفاده ليس إلّا الجواز والمشروعية دون الوجوب ، لأنّ السؤال حيث كان وارداً مورد توهّم الحظر إذ لا قنوت في الركعة الاولى فلا يكون إلّا عن الجواز ، والجواب لا يدلّ إلّا عليه. فلا ظهور في الموثّق في الوجوب ، بل غايته الاستحباب كما صرّح به جمع من الأصحاب.

(١) يقع الكلام في جهات :

الاولى : لا ريب في وجوب الجلوس حينئذ ، فلا يجوز له القيام ، لعدم جواز التقدّم على الإمام في الأفعال. فمحافظة على

المتابعة الواجبة شرطاً أو نفساً المقتضية لعدم القيام قبل الإمام يتعيّن عليه الجلوس بلا كلام ، وهذا ظاهر.

الثانية : في كيفيّة الجلوس ، وقد نسب إلى جمع منهم ابن إدريس (١) وجوب التجافي ، للأمر به في صحيح ابن الحجاج «... يتجافى ولا يتمكّن من القعود ...» إلخ (٢) وفي صحيح الحلبي «من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى واقعي إقعاءً ، ولم يجلس متمكّناً» (٣).

لكن بإزائهما بعض الأخبار التي يظهر منها عدم الوجوب ، وهي موثّقة الحسين بن المختار وداود بن الحصين ، قال (٤) : «سئل عن رجل فاتته صلاة

__________________

(*) بل الأحوط التشهّد ، وهو بركة.

(١) السرائر ١ : ٢٨٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٤١٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٧ ح ٢.

(٤) [هكذا ورد أيضاً في التهذيب ٣ : ٢٨١ / ٨٣٢].

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ركعة من المغرب مع الإمام فأدرك الثنتين فهي الاولى له والثانية للقوم يتشهّد فيها؟ قال : نعم ، قلت : والثانية أيضاً؟ قال : نعم ، قلت : كلّهن؟ قال : نعم ، وإنّما هي بركة» (١) حيث تضمّنت الأمر بالتشهّد في جميع الركعات الثلاث من صلاة المغرب بسياق واحد ونهج فأرد.

ومن الواضح أنّ كيفية التشهّد في الأخيرتين اللتين هما ثانية المأموم وثالثته إنّما هي على نحو الجلوس من غير تجاف ، فكذا في الركعة الأُولى التي هي ثانية الإمام ، بمقتضى اتّحاد السياق. فيظهر منها عدم اعتبار التجافي فيها أيضاً ، وأنّ الكلّ بنسق واحد ، فتأمّل.

ويؤيّد الموثّقة خبر إسحاق بن يزيد قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك يسبقني الإمام بالركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان أفأتشهّد كلّما قعدت؟ قال : نعم ، فإنّما التشهّد بركة» (٢).

وخبر علي بن جعفر : «سألته عن الرجل يدرك الركعة من المغرب كيف يصنع حين يقوم يقضي أيقعد في الثانية والثالثة؟ قال : يقعد فيهنّ جميعاً» (٣) وإن كان الأوّل منهما ضعيفاً بسهل بن زياد ، والثاني بعبد الله بن الحسن. ومن هنا ذكرناهما بعنوان التأييد ، فإنّهما ظاهران كالموثّقة في القعود على النحو المتعارف الذي يقعد الإمام وغيره من سائر المأمومين من غير إقعاء وتجاف.

ومن أجل ذلك يحمل الأمر بالتجافي في الصحيحين المتقدّمين على الاستحباب كما هو ظاهر كثير من الأصحاب جمعاً بين النصوص.

وأمّا احتياط الماتن في ذلك فوجهه ذهاب جمع من الأصحاب إلى الوجوب كما أشرنا إليه. والأقوى عدم الوجوب كما ظهر وجهه ، والاحتياط المزبور استحبابي.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٤١٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٤١٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ٤.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الجهة الثالثة : ما هي وظيفته من الذكر عند الجلوس ، سواء أقلنا بالتجافي فيه أم لا؟ ذكر في المتن : أنّ الأحوط هو التسبيح عوض التشهّد ، وإن كان الأقوى جواز التشهّد ، بل استحبابه أيضاً.

أقول : لم يرد التسبيح في شي‌ء من النصوص حتّى في رواية ضعيفة (١) وإن كان هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، وإنّما الوارد فيها الأمر بالتشهّد كما في موثّقة الحسين بن المختار المؤيّدة برواية إسحاق بن يزيد المتقدّمتين ، ومن أجل ذلك كان الأحوط في تعيين الوظيفة المقرّرة في هذه الحال هو التشهّد بدلاً عن التسبيح ، لخلو النصّ عنه كما عرفت ، بل قد ذكر فيهما أنّ التشهّد بركة.

وهل يجب عليه ذلك أم يجوز له الترك فلا يتشهّد ولا يسبّح بل يأتي بذكر آخر أو يسكت ولا يأتي بشي‌ء أصلاً؟

الظاهر عدم الوجوب ، لأنّ الدليل عليه إن كان وجوب المتابعة المعتبرة في الائتمام شرطاً أو نفساً فقد عرفت أنّ مفهوم الائتمام لا يستدعي إلّا التبعية في الوظائف المشتركة ، ففي الوظيفة المقرّرة على المأموم وجوباً أو استحباباً يتابع فيها الإمام ، والتشهّد مع قطع النظر عن النصّ ليس من وظائف المأموم في هذه الركعة ، وإنّما هي وظيفة الإمام خاصّة. فلا موضوع للمتابعة.

والجلوس الذي ذكرنا وجوبه عليه حينئذ ليس من أجل وجوب المتابعة فيه في نفسه ، لما عرفت من عدم كونه من وظائف المأموم ، بل من أجل وجوب المتابعة في القيام الذي هو من الوظائف المشتركة بينهما ، فمحافظة على

__________________

(١) وأمّا موثّقة عمّار التي ورد فيها : «... فإذا قعد الإمام للتشهّد فلا يتشهّد ولكن يسبّح» إلخ الوسائل ٧ : ٣٥٠ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب ٢٩ ح ٢ ، فمضافاً إلى عدم ورودها في المأموم المسبوق بركعة المأمور بالتجافي الذي هو محلّ الكلام بل في المسبوق بركعتين ، لا تخلو عن شوب من الإجمال ، إذ المسبوق المزبور وظيفته التشهّد فكيف ينهى عنه. وحمل التشهّد على ما يشمل التسليم كما صنعه صاحب الوسائل كما ترى.

٢٧١

وإذا أمهله الإمام في الثانية له للفاتحة والسورة والقنوت أتى بها (١) ، وإن لم يمهله ترك القنوت (٢) ، وإن لم يمهله للسورة تركها (٣) ، وإن لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضاً فالحال كالمسألة المتقدّمة (٤) من أنّه يتمّها ويلحق الإمام في السجدة ، أو ينوي الانفراد (*) ، أو يقطعها ويركع مع الإمام ويتمّ الصلاة ويعيدها.

______________________________________________________

عدم التقدّم في القيام ورعاية للمتابعة المعتبرة فيه يتعيّن عليه الجلوس كما أشرنا إليه.

وإن كان الدليل عليه النصّ الوارد في المقام أعني موثّقة ابن المختار المتقدمة المؤيّدة بغيرها فظاهر أنّها لا تدلّ على الوجوب ، بل غايته المشروعية والجواز ، المساوق في المقام للاستحباب ، إذ السؤال بعد أن كان وارداً مورد توهّم الحظر إذ لا تشهّد في الاولى لا يكون ظاهراً إلّا في السؤال عن الجواز والمشروعية كما لا يخفى.

(١) بلا إشكال ، لعموم أدلّة هذه الأُمور.

(٢) إذ هو مستحبّ فلا يزاحم به المتابعة الواجبة.

(٣) للتصريح بذلك في صحيحة زرارة المتقدّمة (١).

(٤) أعني المأموم المسبوق بركعتين ، لوحدة المناط بين المسألتين ، فتتطرّق هنا أيضاً الاحتمالات الثلاثة التي ذكرها الماتن هناك : من إتمام الفاتحة والالتحاق بالإمام في السجود ، أو قطعها والركوع معه ، أو الانفراد. وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأخير ، إذ لا دليل على رفع اليد عن إطلاق دليل الفاتحة ، كما لا دليل على رفع اليد عن إطلاق المتابعة ، فيجب التحفّظ على كلا الإطلاقين وحيث إنّ لازم ذلك امتناع إتمام الصلاة جماعة فلا محالة تنقلب الصلاة

__________________

(*) مرّ أنّه الأحوط.

(١) في ص ٢٦٣.

٢٧٢

[١٩٤٢] [مسألة ٢٠ : المراد بعدم إمهال الإمام المجوّز لترك السورة ركوعه قبل شروع المأموم فيها (١) أو قبل إتمامها وإن أمكنه إتمامها قبل رفع رأسه من الركوع ، فيجوز تركها بمجرّد دخوله في الركوع ولا يجب الصبر إلى أواخره وإن كان الأحوط قراءتها ما لم يخف فوت اللحوق (*) في الركوع ، فمع الاطمئنان بعدم رفع رأسه قبل إتمامها لا يتركها ولا يقطعها.

______________________________________________________

فرادى قهراً وبطبيعة الحال ، من غير حاجة إلى نيّة العدول إليها كما أشرنا إليه هناك (١).

(١) قد يستدلّ لذلك بصحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة : «عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهو أوّل صلاة الرجل فلا يمهله حتّى يقرأ ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال : نعم» (٢) ، فانّ الظاهر من عدم إمهاله حتّى يقرأ ركوعه قبل أن يقرأ كما لا يخفى.

وفيه : ما عرفت (٣) من أنّ الصحيحة أجنبيّة عمّا نحن فيه ، فانّ الاستدلال بها مبني على أن يكون المراد من إدراك آخر صلاة الإمام إدراكه في الركعة الأخيرة قائماً كي يكون المأموم حينئذ مكلّفاً بالقراءة فلا يمهله الإمام عنها بركوعه. ولكنّ الظاهر منها إدراكه في ركوع الركعة الأخيرة الذي هو الجزء الأخير وآخر ما يدرك من صلاة الإمام كما نطقت به الروايات الكثيرة ، وليس إدراكه قائماً هو آخر ما يدرك من صلاته.

وعليه فالصحيحة غير مرتبطة بمحلّ الكلام ، إذ لم يكن المأموم مكلّفاً حينئذ بالقراءة حتّى لا يمهله الإمام عنها بركوعه ، بل يكبّر ويركع معه.

__________________

(*) هذا فيما إذا كان التخلّف بمقدار لا يضرّ بالمتابعة العرفية.

(١) في ص ٢٦٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٥.

(٣) في ص ٢٦٦.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يقال : إنّ قوله «فلا يمهله حتّى يقرأ» قرينة واضحة على أنّ المراد إدراكه قائماً لا راكعاً ، كيف والقراءة ساقطة عنه لدى إدراكه في الركوع فلا موضوع للقراءة حتّى يمهله الإمام أو لا يمهله. فلا مناص من إرادة دركه في حال القيام وتكليفه بالقراءة ، كي يصحّ التعبير بعدم إمهاله حتّى يقرأ.

وفيه : أنّ المتيقّن ممّا قامت عليه الأدلّة أنّ من أدرك الإمام راكعاً لا تجب عليه القراءة (١) وأنّها ساقطة عنه ، بمعنى أنّه يجوز له تركها ، وأمّا أنّها غير مشروعة منه حينئذ فكلّا ، إذ لا يكاد يستفاد ذلك من شي‌ء من الأدلّة كي ينافي إطلاقات مشروعية القراءة ، فيجوز له أن يقرأ ، سيما مع الإسراع أو إطالة الإمام في ركوعه ، بحيث يدركه قبل رفع رأسه عنه.

وعليه فلا شهادة في قوله : «فلا يمهله حتّى يقرأ» على إرادة الإدراك قائماً لمجامعته مع الإدراك راكعاً أيضاً حسبما بيّناه ، وإن كانت القراءة حينئذ جائزة لا واجبة ، نعم الغالب في الخارج ترك القراءة حينئذ ، لعدم وجوبها وعدم إمهال الإمام لها ، لكنّه ربما يتّفق مع تخيّل الإمهال. والسؤال في الصحيحة محمول على غير الغالب ، بقرينة ما عرفت من لزوم حملها على إدراك الإمام راكعاً ، حيث إنّه الجزء الأخير ممّا يدرك من آخر صلاته.

لا يقال : كيف تجوز القراءة منه حينئذ مع منافاتها للمتابعة الواجبة عليه؟

فإنّه يقال : إنّما تجب عليه المتابعة بعد اتّصافه بعنوان الائتمام المتوقّف على إدراك ركوع الإمام ، فقبل أن يركع لم يكن مؤتمّاً بعدُ كي تجب عليه المتابعة وإنّما تتحقّق منه الجماعة ويتّصف بالمأمومية الموضوع لوجوب المتابعة في الآن المستقبل ، أعني بعد ما لحق الإمام في ركوعه وأدركه فيه كما نطقت به الروايات الواردة في من كبّر والإمام راكع.

فان قلت : إذا لم يكن مأموماً حينما يقرأ وقبل أن يركع فهو منفرد لا محالة

__________________

(١) وقد تقدّم بعضها في ص ١٠٠.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فائتمامه فيما بعدُ يكون من الائتمام في الأثناء غير المشروع كما سبق (١).

قلت : كلّا ، بل هو قاصد للجماعة من أوّل الأمر ، وإنّما تتحقّق منه الجماعة والائتمام خارجاً بعد أن أدرك الإمام راكعاً ، فهو قبل ذلك مراعى من حيث الجماعة والفرادى كما لا يخفى.

وإن شئت فقل : هو مؤتمّ حينئذ لكن بنحو الشرط المتأخّر ، الذي قام الدليل عليه في المقام ، وهو نفس هذه الصحيحة.

على أنّ عدم مشروعية الائتمام في الأثناء لم يكن مدلولاً لدليل لفظي ، وإنّما هو من أجل عدم قيام الدليل على المشروعية ، وفي المقام قام الدليل عليها وهو ما دلّ على أنّ من أدرك الإمام حال الركوع وكبّر بقصد الائتمام صحّت جماعته وإن لم يكن مؤتمّاً أو فقل كان منفرداً قبل أن يركع.

وكيف ما كان ، فالاستدلال بهذه الصحيحة للحكم المذكور في المتن في غير محلّه.

نعم ، يدلّ عليه صحيح زرارة قال عليه‌السلام : «إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأُمّ الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامّة أجزأته أُمّ الكتاب ...» إلخ (٢).

فانّ قوله عليه‌السلام : «قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف الإمام ...» إلخ كالصريح في أنّ الائتمام كان حال القيام ، كي يصدق القراءة خلف الإمام. فإنّ هذا العنوان لا يصدق إلّا فيما إذا كان الإمام أيضاً متشاغلاً بالقراءة أو التسبيح كالمأموم ، إذ مع كونه راكعاً لا يصدق القراءة خلفه كما هو ظاهر.

وحينئذ فقوله : «فان لم يدرك السورة تامّة ...» إلخ معناه أنّه لم يدرك السورة خلف الإمام تامّة ، وهذا إنّما يتحقّق بمجرّد ركوع الإمام الموجب لسلب عنوان

__________________

(١) في ص ٨٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

٢٧٥

[١٩٤٣] مسألة ٢١ : إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له في قراءته فقرأها ولم يدرك ركوعه (١) لا تبطل صلاته ، بل الظاهر عدم البطلان إذا تعمّد ذلك (*) بل إذا تعمّد الإتيان بالقنوت مع علمه بعدم درك ركوع الإمام فالظاهر عدم البطلان.

______________________________________________________

القراءة خلفه ، وقد حكم عليه‌السلام حينئذ بجواز ترك السورة ، وأنّه تجزيه أُمّ الكتاب.

فيظهر من ذلك كلّه أنّ المراد من عدم إمهال الإمام المسوّغ لترك السورة هو مجرّد دخوله في الركوع قبل شروع المأموم فيها ، أو قبل إتمامها كما ذكره في المتن وإن تمكّن من إتمامها قبل رفع رأسه من الركوع ، وليس المراد من عدم الإمهال المزبور رفع رأسه من الركوع قبل أن يشرع أو قبل أن يفرغ. فيجوز له الترك بمجرّد الدخول في الركوع ، ولا يجب عليه الصبر إلى أواخره.

ومع ذلك فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط قراءتها ما لم يخف فوت اللحوق في الركوع ، وكأنّ الوجه فيه مراعاة دليل وجوب السورة بقدر الإمكان ، واحتمال أن يكون المراد من عدم الإمهال هو المعنى الآخر وإن لم يساعده النصّ.

ولكنّه كما ترى لا يتمّ على إطلاقه ، وإنّما يتّجه فيما إذا كان التخلّف بمقدار لا يضرّ بصدق المتابعة العرفية كما لو كان أواخر السورة ، أو كان مسرعاً في القراءة ، وإلّا فمع الإضرار بالصدق كان هذا الاحتياط على خلاف الاحتياط لمخالفته مع المتابعة الواجبة عليه نفساً أو شرطاً ، بل على الثاني تنقلب صلاته فرادى كما لا يخفى.

(١) حكم (قدّس سرّه) حينئذ بعدم بطلان الصلاة ، بل وكذا في فرض التعمّد ، بل حتّى ولو تعمّد في إتيان القنوت مع علمه بعدم درك ركوع الإمام.

__________________

(*) لكنّه تنقلب صلاته فرادى ، وكذا الحال في تعمّد القنوت ، بل لا يبعد ذلك في الصورة الأُولى أيضاً.

٢٧٦

[١٩٤٤] [مسألة ٢٢ : يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام وإن كانت الصلاة جهرية ، سواء كان في القراءة الاستحبابية كما في الأوّلتين مع عدم سماع صوت الإمام ، أو الوجوبية كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين (١).

______________________________________________________

أقول : أمّا في فرض الاعتقاد فلا ينبغي الإشكال في صحّة الجماعة فضلاً عن الصلاة وإن استلزم الإخلال بالمتابعة خارجاً ، فإنّها إنّما تجب لاقتضاء مفهوم الائتمام ذلك كما مرّ ، ومن الواضح أنّ الائتمام أنّما يستدعي المتابعة فيما يعتقد المأموم أنّه متابعة ، لا واقعها وإن لم يعلم بها.

والمفروض في المقام اعتقاده إمهال الإمام ، وأنّ التخلّف لا يضرّ بالمتابعة لتخيّله إدراكه في الركوع. فانكشاف الخلاف لا يضرّ بالمتابعة الواجبة عليه بعد أن لم يكن قادحاً في صدق الائتمام العرفي (١).

ومن هنا لو سها وتخلّف عنه في بعض الأفعال نسياناً صحّت جماعته ، ولم يكن قادحاً في العمل بالمتابعة اللازمة عليه بلا إشكال.

وأمّا في فرض العمد : فالظاهر بطلان الجماعة وانقلابها فرادى ، للإخلال عامداً بالمتابعة المشروط صحّة الجماعة بها. ومنه يظهر الحال في تعمّد القنوت نعم بناءً على وجوب المتابعة نفساً لا شرطاً كما عليه الماتن صحّت جماعته وإن كان آثماً ، وعليه يبتني ما هو المذكور في المتن من عدم البطلان في المقام.

(١) لا كلام في وجوب الإخفات في الصلاة الإخفاتية كالمسبوق بركعة أو بركعتين في الظهرين ، كما لا كلام في وجوبه في الجهرية في القراءة الوجوبية كالمأموم المسبوق بركعة أو ركعتين فيها ، للتصريح به في صحيحة زرارة المتقدّمة ، قال عليه‌السلام فيها : «قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بأُمّ الكتاب وسورة» (٢) فانّ قوله : «في نفسه» صريح في الإخفات.

__________________

(١) لا ينطبق هذا على ما في الطبعة الأخيرة من تعليقته الشريفة (دام ظلّه) فلاحظ.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الكلام في القراءة الاستحبابية كما في الأولتين من الجهريّة مع عدم سماع صوت الإمام حتّى الهمهمة ، حيث يستحبّ فيهما القراءة للمأموم كما مرّ (١) فهل يتعيّن عليه الإخفات حينئذ أو الجهر أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه ، بل أقوال.

اختار في المستند الأخير (٢) بدعوى قصور أدلّة الجهر عن الشمول للمقام لانصرافها إلى القراءة الواجبة كما في الإمام والمنفرد. وحيث لا دليل على الإخفات أيضاً فلا محالة يتخيّر بينهما.

وقد يقال بتعيّن الجهر ، نظراً إلى خلوّ نصوص الباب عمّا يدلّ على وجوب الإخفات في المقام ، وعليه فبما أنّ الأمر الاستحبابي المتعلّق بالقراءة ظاهر في اتّحاد المأمور به مع قراءة المنفرد في جميع الخصوصيات حتّى من حيث الجهر والإخفات ، فنفس تلك الماهية على ما هي عليه مورد للاستحباب ، وبما أنّ الجهر معتبر في تلك القراءة لكون الصلاة جهرية فكذا في المقام.

ولكن الظاهر تعيّن الإخفات كما اختاره في المتن ، وتدلّنا عليه مضافاً إلى ما ورد في المأموم المسبوق من أنّه يخفت كما مرّ ، وما ورد في إسماع الإمام وإنصات المأموم له ، وعدم رفع صوته في أذكاره وأقواله ، حيث يستأنس منها أنّ الإخفات للمأموم من أحكام الجماعة وخصوصياتها على الإطلاق ، من غير اختصاص لمورد دون مورد صحيحة قتيبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك ...» إلخ (٣).

فانّ قوله : «لنفسك» بمثابة قوله : في نفسك ، أي في ضميرك ، وهو كناية عن الإخفات ، وإلّا فكلّ أحد يقرأ لنفسه لا لغيره.

__________________

(١) في ص ٢١٥ وما بعدها.

(٢) المستند ٨ : ١٥٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٥٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٧.

٢٧٨

ولو جهر جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته (١).

______________________________________________________

فهذه الصحيحة ظاهرة في وجوب الإخفات في محلّ الكلام ، وكأنّ دعوى خلوّ النصّ عمّا يدلّ على الإخفات في المقام نشأت عن الغفلة من ملاحظة هذه الصحيحة. وكيف ما كان ، فهذه الصحيحة هي عمدة المستند.

وتشهد له أيضاً السيرة القطعية العملية من المتشرّعة المتّصلة إلى زمن المعصومين عليهم‌السلام فإنّها قائمة على مراعاة الإخفات ، ويلتزمون به في مقام العمل (١).

(١) أمّا في فرض النسيان فلا إشكال فيه ، ولا أقلّ من أجل حديث لا تعاد (٢). وأمّا في فرض الجهل فربما يستشكل فيه كما عن غير واحد ، ولعلّه من أجل التشكيك في شمول الحديث لصورة الجهل ، فانّ المتيقّن منه إنّما هو النسيان ، بل قد أصرّ شيخنا الأُستاذ (قدس سره) على الاختصاص به (٣). لكنّا ذكرنا غير مرّة في مطاوي هذا الشرح أنّ الحديث غير قاصر الشمول لصورة الجهل ، ولا وجه لتخصيصه بالناسي ، بل يعمّ مطلق المعذور ، هذا.

ومع الغضّ عن ذلك ففي خصوص المقام يحكم بالصحّة ، لعدم كون الإخفات والجهر من الشرائط الواقعية كي يحكم بالبطلان لدى الإخلال بهما وإنّما هما من الشرائط الذكرية ، ولا يجب مراعاتهما إلّا في حال العلم والالتفات للتصريح في صحيح زرارة بعدم البأس فيما لو أخلّ بهما جاهلاً ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن

__________________

(١) السيرة لا تدلّ إلّا على المشروعية والاستحباب دون الوجوب ، كما هو الحال في القنوت على ما تكرّر منه (دام ظلّه) سابقاً.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٣) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

٢٧٩

نعم لا يبعد استحباب الجهر بالبسلمة (*) كما في سائر موارد وجوب الإخفات (١).

______________________________________________________

فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» (١).

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الجهل بالحكم أو بالموضوع كما لا يخفى فالمقتضي للإخلال في صورة الجهر قاصر في حدّ نفسه. فالأقوى ما ذكره في المتن من عدم البطلان ، لأجل هذه الصحيحة ، مضافاً إلى حديث لا تعاد كما عرفت.

(١) قدّمنا في مبحث القراءة وفاء النصوص باستحباب الجهر بالبسملة في القراءة الإخفاتية بالذات كالظهرين بالنسبة إلى الإمام أو المنفرد (٢) ، وأمّا ما وجب فيه الإخفات لعارض الائتمام كما في المقام ، سواء أكانت القراءة استحبابية أم وجوبية على ما مرّ فلم يرد فيه نصّ يدلّ على استحباب الجهر بالبسملة في قراءتها ، اللهمّ إلّا أن يتمسّك بإطلاق الرواية المشتملة على أنّ علائم المؤمن خمس ، وعدّ منهنّ الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (٣). لكنّها ضعيفة السند ، غير صالحة للاستدلال كما أشرنا إليه هناك.

وعليه فاستحباب الجهر غير ثابت في المقام ، بل يشكل مشروعيّته أيضاً بعد أن ورد الأمر باخفات القراءة في صحيحتي زرارة وقتيبة المتقدّمتين (٤) الظاهر في تمام القراءة بأجزائها التي منها البسملة. فالإخفات فيها لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

__________________

(*) لا يترك الاحتياط بالإخفات فيها.

(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٣٨٨.

(٣) الوسائل ١٤ : ٤٧٨ / أبواب المزار وما يناسبه ب ٥٦ ح ١.

(٤) في ص ٢٧٧ ، ٢٧٨.

٢٨٠