موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٩٣٢] مسألة ١٠ : لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهواً ثمّ عاد إليه للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع فالظاهر بطلان الصلاة ، لزيادة الركن من غير أن يكون للمتابعة ، واغتفار مثله غير معلوم (١) وأمّا في السجدة الواحدة إذا عاد إليها ورفع الإمام رأسه قبله فلا بطلان لعدم كونه زيادة ركن ولا عمديّة. لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام (٢).

______________________________________________________

السجدتين بقرينة الحديث المتقدّم ، فيدرج المقام في عقد المستثنى منه. ولأجله يحكم بالصحّة.

(١) والوجه فيه ظاهر ، فانّ مورد النصوص الحاكمة بالاغتفار (١) ما إذا تابع الإمام في الركوع بحيث رفع رأسه معه ، وأمّا إذا لم يدركه فيه فركع بتخيّل المتابعة ولم تتحقّق خارجاً فمثله غير مشمول للنصّ ، فيقع الركوع على صفة الزيادة ، لا سيما وقد أتى به بعنوان الجزئية ، فإنّ الركوع للمتابعة جزء من الصلاة جماعة كما سنوضّحه في المسألة الآتية ، فيشمله عموم ما دلّ على قدح زيادة الركن الموجب لبطلان الصلاة ، هذا كلّه في الركوع.

وأمّا إذا كان ذلك في السجدة الواحدة فلا بطلان بعد أن لم تكن ركناً ، كما أنّ الزيادة لم تكن عمدية ، فيشملها قوله عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة من سجدة واحدة.

(٢) كأنّ الوجه فيه دعوى قصور ما دلّ على عدم قدح الزيادة السهوية في السجدة الواحدة عن الشمول للمقام ، لاختصاصه بما إذا لم يكن ملتفتاً إلى الزيادة حينما يأتي بالسجدة ، كما لو سجد باعتقاد أنّها الثانية فانكشف أنّها الثالثة. وأمّا في المقام فهو ملتفت إلى الزيادة ، غايته أنّه يعتقد اغتفارها لتخيّل اتّصافها بالمتابعة. فلا دليل على عدم القدح في مثله.

لكنّه يندفع بإطلاق دليل عدم القدح مثل حديث لا تعاد ونحوه من

__________________

(١) تقدّم ذكر بعضها في ص ٢٣٤ ٢٣٥.

٢٤١

[١٩٣٣] مسألة ١١ : لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة فتخيّل أنّها الاولى فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية حسبت ثانية (١) وإن تخيّل أنّها الثانية فسجد اخرى بقصد الثانية فبان أنّها الاولى حسبت متابعة ، والأحوط إعادة الصلاة في الصورتين بعد الإتمام.

______________________________________________________

هذه الجهة ، إذ لم يتقيّد بعدم الالتفات إلى الزيادة حين العمل.

نعم ، الممنوع ما إذا كانت الزيادة عمديّة ، وأمّا إذا كانت سهوية أو كان معذوراً في الإتيان لتخيّل الأمر وإن كان ملتفتاً إلى الزيادة فحديث لا تعاد القاضي بعدم الإعادة من ناحية الخلل الناشئ من قبل السجدة غير قاصر الشمول للمقام كما لا يخفى. فهذا الاحتياط استحبابي كما في المتن ، ولا تجب رعايته.

(١) لكونه من قبيل الاشتباه في التطبيق ، غير القادح في الامتثال ، وكذا الحال في عكسه ، أعني ما لو تخيّل أنّها الثانية فسجد اخرى بقصد الثانية فبان أنّها الاولى ، فإنّها تحسب متابعة ، لما ذكر ، ويأتي بالثانية مع الإمام. لكنّه (قدس سره) احتاط بإعادة الصلاة في كلتا الصورتين بعد الإتمام.

والوجه في ذلك : أنّ السجود بقصد المتابعة وكذا الركوع زيادة مغتفرة في الصلاة وليس من أجزائها ، فهو بحسب الطبيعة يغاير السجود الصلاتي ويباينه ، ولا ينطبق أحدهما على الآخر ، فانّ هذا جزء وتلك زيادة وإن كانت مغتفرة ، فاحتساب أحدهما عن الآخر يحتاج إلى الدليل ، ومقتضى القاعدة عدم الاحتساب.

ولكنّه يندفع بالمنع عن عدم جزئيّة المأتي به للمتابعة. فإنّك قد عرفت سابقاً (١) أنّ المأمور به إنّما هو الجامع بين الصلاة جماعة وفرادى ، وكلّ منهما عدل للواجب التخييري ، ولكلّ منهما مزايا وخصوصيات وأحكام خاصّة.

__________________

(١) في ص ١٤٨.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فكما أنّ من أحكام الجماعة سقوط القراءة ، ورجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر لدى الشكّ في الركعات ، ونحو ذلك ، فكذا من مختصّاتها اشتمال الركعة على ركوعين أو ثلاث جسدات بالإضافة إلى المأموم في خصوص ما لو رفع رأسه قبل الإمام سهواً.

فأحد الركوعين جزء من طبيعي الصلاة الجامع بين العدلين ، وكذا السجدتان ، والركوع الآخر أو السجدة الأُخرى جزء لخصوص أحد العدلين وهي الجماعة في حالة خاصّة. فهو وإن كان زيادة بالإضافة إلى الطبيعي الجامع لكنّه جزء من الجماعة ، فهي تمتاز وتختصّ بهذا الحكم ، وهو أنّ في ركعتها ركوعين كلّ منهما جزء منها ، أحدهما باعتبار الجزئية لأصل الطبيعة والآخر باعتبار الجزئية لنفس هذا العدل ، وكلّ منهما يؤتى بعنوان الجزئية بالاعتبارين.

وعليه فيكون الاحتساب المزبور لدى الاشتباه والخطأ في التطبيق على طبق القاعدة ، إذ لا يعتبر في صحّة العبادة أكثر من الإتيان بذات المأمور به مع قصد القربة ، ولا يضرّ التخلّف في سائر الأوصاف التي هي من قبيل الدواعي. فلو أتى بالسجدة باعتقاد أنّها الثانية فبان أنّها الاولى ، أو بالعكس ، أو بالركعة بتخيّل أنّها الثالثة فانكشف أنّها الرابعة وبالعكس صح كلّ ذلك بلا ريب ، إذ لا مدخل للاعتقاد المزبور نفياً أو إثباتاً في صحّة العبادة بعد الإتيان بها على وجهها.

والمقام من هذا القبيل ، إذ بعد ما عرفت من جزئية السجود المقصود به المتابعة كالأصلي ، والإتيان بكلّ منهما بعنوان الجزئية. فتخيّل اتّصاف المأتي به بصفة المتابعة مع كونه بحسب الواقع سجوداً أصلياً أو بالعكس غير قادح في اجتزائه عن المأمور به واحتسابه عنه ، لكونه من قبيل التخلّف في الداعي والاشتباه في التطبيق ، غير القادح في الصحّة بلا إشكال. فالاحتياط المذكور في المتن استحبابي كما ذكره ، ولا تجب مراعاته.

٢٤٣

[١٩٣٤] مسألة ١٢ : إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة لاستلزامه الزيادة العمدية ، وأمّا إذا كانت سهواً وجبت المتابعة (*) بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود معه ، والأحوط الإتيان بالذكر في كلّ من الركوعين أو السجودين ، بأن يأتي بالذكر ثمّ يتابع وبعد المتابعة أيضاً يأتي به ، ولا بأس بتركه. ولو ترك المتابعة ع مداً أو سهواً لا تبطل صلاته وإن أثم (**) في صورة العمد.

نعم لو كان ركوعه قبل الإمام في حال قراءته فالأحوط البطلان مع ترك المتابعة ، كما أنّه الأقوى إذا كان ركوعه قبل الإمام عمداً في حال قراءته ، لكن البطلان حينئذ إنّما هو من جهة ترك القراءة وترك بدلها وهو قراءة الإمام ، كما أنّه لو رفع رأسه عامداً قبل الإمام وقبل الذكر الواجب بطلت صلاته من جهة ترك الذكر (١).

______________________________________________________

(١) بعد ما فرغ (قدس سره) عن حكم رفع الرأس عن الركوع أو السجود قبل الإمام تعرّض لبيان حكم عكس المسألة ، وهو ما لو ركع أو سجد قبل الإمام. ويقع الكلام تارة فيما لو فعل ذلك عامداً واخرى ساهياً.

أمّا في فرض العمد : فلا إشكال في عدم جواز العود والمتابعة ، لاستلزامه الزيادة العمدية المبطلة من غير دليل على اغتفارها كما هو واضح.

وهل تبطل صلاته بذلك؟ قد يفرض أنّه أهوى إلى الركوع بعد الفراغ عن القراءة في الأولتين كما في حال القنوت ، أو عن التسبيحة في الأخيرتين واخرى يفرض الهوي حال التشاغل بهما أو قبل الشروع فيهما.

أمّا في الفرض الأوّل : فيبتني البطلان على الخلاف المتقدّم (١) في حكم

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

(**) مرّ أنّه لا إثم ، وإنّما تبطل جماعته.

(١) في ص ٢٢٩.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوب المتابعة من أنّها واجب تعبّدي أو شرطيّ للصلاة أو للجماعة ، فعلى الأوّل صحّت صلاته وجماعته وليس عليه إلّا الإثم ، وعلى الثاني بطلت صلاته ، وعلى الثالث كما هو الحقّ على ما مرّ بطلت الجماعة وانقلبت فرادى ، ولا إثم عليه.

وأمّا في الفرض الثاني : فلا ينبغي الإشكال في بطلان الصلاة نفسها ، لا لأجل الإخلال بالمتابعة ، بل من أجل ترك القراءة أو التسبيحة عامداً ، فلم يأت لا بها ولا ببدلها وهو قراءة الإمام ، فتبطل الصلاة من هذه الجهة لا محالة.

وبعين هذا البيان يظهر البطلان فيما لو أخلّ بالذكر الواجب في الركوع أو السجود في مسألة الرفع المتقدّمة ، فلو رفع رأسه عن الركوع أو السجود قبل الإمام عامداً قبل أن يأتي بالذكر بطلت صلاته من أجل الإخلال بالذكر الواجب عامداً كما هو واضح ، وقد أشار إليه الماتن في آخر هذه المسألة.

وأمّا في فرض السهو : فلا إشكال في مشروعيّة العود وجواز المتابعة وإن استلزمت الزيادة العمديّة ، فإنّها مغتفرة في المقام ، لموثّق ابن فضال قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به فيركع قبل أن يركع الإمام ، وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب عليه‌السلام : تتمّ صلاته ولا تفسد صلاته بما صنع» (١).

ومورده وإن كان هو الركوع لكن يلحق به السجود بالأولوية القطعية ، إذ لو جازت المتابعة المستلزمة للزيادة في الركوع وهو ركن ففي السجود بطريق أولى ، مضافاً إلى ظهور التسالم عليه.

كما أنّ مورده وإن كان هو الظنّ أعني الاعتقاد أو الاطمئنان كما لا يخفى لكن لا ينبغي الشكّ في التحاق السهو به ، إذ لا يحتمل أن تكون للظنّ خصوصية منقدحة في ذهن السائل ، وإنّما ذكره بياناً للعذر في مقابل العمد.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : لو كان التقييد بالظنّ مذكوراً في كلام الإمام عليه‌السلام أمكن اختصاص الحكم به ، إذ من الجائز أن تكون للظنّ خصوصية لا نعرفها فلا يمكن التعدّي حينئذ إلى السهو ، لكنّه مذكور في كلام السائل ، ومن المقطوع به بمقتضى الفهم العرفي عدم تعلّق العناية به بالخصوص ، وإنّما غرضه من السؤال الاستعلام عمّا إذا ركع المأموم قبل الإمام ركوعاً لا يكون عامداً فيه بطبيعة الحال ، بل يكون عادة من جهة العذر. فذكر الظنّ مثالاً للعذر من دون خصوصية فيه ، ومثاله الآخر السهو ، فكأنّ السؤال عن مطلق المعذورية في مقابل العمد ، فيرد الجواب على هذا المطلق.

وبالجملة : فلا ينبغي الإشكال في شمول الحكم للظنّ والسهو ، كشموله للركوع والسجود ، وأنّ الموثّق يدلّ على التعميم من كلتا الجهتين بالتقريب المتقدّم.

ثمّ إنّ الموثّق لا يدلّ إلّا على أصل الجواز ومشروعية العود والمتابعة كما ذكرنا ، لدلالته على إمضاء ما فعله المأموم المذكور في السؤال ، وأنّ صلاته لا تفسد بذلك ، وأمّا أنّه واجب أم لا فلا تعرّض فيه من هذه الناحية ، فيبتني الوجوب على البحث المتقدّم في المتابعة من أنّها واجب تعبّدي أو شرطي للصلاة أو للجماعة ، وكلّ على مبناه.

وحيث إنّ المختار هو الأخير كما مرّ فلا تجب ، بل غايته بطلان الجماعة لو لم يتابع ، فتصح صلاته فرادى ولا إثم عليه ، خلافاً للمتن حيث التزم بالإثم بناءً على مسلكه من الوجوب التعبّدي.

هذا من ناحية المتابعة ، وأمّا من ناحية القراءة فإن كان الركوع السهوي بعد استكمال الإمام للقراءة أو فراغ المأموم عن التسبيحة في الأخيرتين فلا إشكال في الصحّة كما هو واضح ، وأمّا إذا كان في الأثناء أو قبل الشروع فقد احتاط في المتن بالإعادة لو ترك المتابعة ، والوجه في الاحتياط أنّه قد ترك القراءة ولم يأت لا بها ولا ببدلها أعني قراءة الإمام مع إمكانه التدارك بالعود

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فعدم المتابعة يوجب الإخلال بالقراءة عامداً ، فتبطل صلاته بذلك.

ويندفع : بعدم إمكان التدارك ، فإنّ القراءة وإن كانت واجبة لكنّها لا تجب مطلقاً ، بل في ظرفها ومحلّها المقرّر لها شرعاً ، وهو قبل الركوع. ومن هنا ذكرنا سابقاً (١) أنّه لو نسي القراءة في الأولتين لا تتعيّن عليه في الأخيرتين تمسّكاً بقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) ، بل التخيير بينها وبين التسبيح الثابت في الأخيرتين باقٍ على حاله.

فانّ الحديث لا يدلّ على وجوب الفاتحة في أيّ مورد كان ، بل في موطنها الخاص ، فهو كقولنا : لا صلاة إلّا بالتشهّد ، لا يدلّ إلّا على الوجوب في المحلّ المعهود الذي عيّنه الشارع وقرّره.

وبما أنّ الركوع قد تحقّق في المقام ولو سهواً فقد فات محلّ القراءة ، ولا يمكن التدارك بعدئذ حتّى بالعود والإتيان بالركوع الثاني متابعة ، فانّ هذا الركوع وإن كان جزءاً من الصلاة كالركوع الأصلي كما سبق (٣) لكن المحلّ الشرعي المقرّر للقراءة الصلاتية إنّما هو ما قبل الركوع على نحو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات.

وبعبارة اخرى : الركوع متابعة وإن كان جزءاً لكنّه جزء من صلاة الجماعة التي هي عدل للواجب التخييري في حالة خاصّة ، والركوع الأصلي جزء من طبيعي الصلاة الجامع بينها وبين الفرادى على ما بيناه سابقاً ، والمحلّ الشرعي للقراءة هو ما قبل الركوع الذي هو جزء من طبيعي الصلاة المنطبق على الوجود الأوّل ، وقد فات هذا المحلّ بالإتيان بذات الركوع المحكوم بالصحّة في نفسه حسب الفرض ، فلا يمكن التدارك ، لامتناع إعادة المعدوم ، فلو عاد وأتى بالقراءة فليست هي من القراءة الصلاتية لتكون تداركاً لما فات.

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٤٥٤.

(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ ، راجع ص ١٨ ، الهامش (١).

(٣) في المسألة السابقة.

٢٤٧

[١٩٣٥] مسألة ١٣ : لا يجب تأخّر المأموم أو مقارنته مع الإمام في الأقوال فلا تجب فيها المتابعة سواء الواجب منها والمندوب ، والمسموع منها من الإمام وغير المسموع ، وإن كان الأحوط التأخّر خصوصاً مع السماع وخصوصاً في التسليم ، وعلى أيّ حال لو تعمّد فسلّم قبل الإمام لم تبطل صلاته ، ولو كان سهواً لا يجب إعادته بعد تسليم الإمام ، هذا كلّه في غير تكبيرة الإحرام ، وأمّا فيها فلا يجوز التقدّم على الإمام ، بل الأحوط تأخّره عنه بمعنى أن لا يشرع فيها إلّا بعد فراغ الإمام منها ، وإن كان في وجوبه تأمّل (١).

______________________________________________________

وعليه فبما أنّ القراءة المتروكة قد تركت سهواً كما هو المفروض فهي مشمولة لحديث لا تعاد ، فلا تبطل الصلاة من أجلها. فالاحتياط المذكور في المتن بالإعادة ضعيف.

ومن هذا البيان يظهر ضعف الاحتياط الآخر الذي ذكره الماتن من الإتيان بالذكر في كلّ من الركوعين أو السجودين الأصلي والمتابعتي ، فانّ موطن الذكر الواجب ومحلّه الشرعي إنّما هو صرف وجود الركوع أو السجود المنطبق على أوّل الوجودات ، فلا يجب الذكر إلّا في الأصلي منهما المعدود من أجزاء طبيعي الصلاة ، وقد فات ذاك المحلّ برفع الرأس عنهما ، ولا دليل على وجوبه في التبعي منهما ، بل لو أتى بالذكر فيهما لم يكن تداركاً لما فات كما لا يخفى.

(١) يقع الكلام تارة في تكبيرة الإحرام ، وأُخرى في التسليمة ، وثالثة في غيرهما من سائر الأقوال والأذكار.

أمّا في تكبيرة الإحرام : فلا إشكال كما لا خلاف في عدم جواز التقدّم فيها على الإمام ، لمنافاته مع مفهوم القدوة والائتمام ، فانّ الاقتداء يتقوّم بوجود من يقتدى به ويمتنع تحقّقه بدونه ، ومع السبق لا إمام بعدُ كي يؤتمّ به ، إذ لا يعقل الائتمام من غير إمام ، وهذا ظاهر.

وتؤيّده جملة من الأخبار :

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : النبوي المتقدّم : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فاذا كبّر فكبّروا ...» (١) إلخ ، دلّ بمقتضى التفريع على تأخّر التكبير عن تكبير الإمام ، فلا يجوز التقدّم عليه. لكنّه ضعيف السند ، وإن كان مضمونه موافقاً للارتكاز. فلا يصلح إلّا للتأييد.

ومنها : رواية علي بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد : «عن الرجل يصلّي له أن يكبر قبل الإمام؟ قال : لا يكبّر إلّا مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبير» (٢).

وقد تقدّمت هذه الرواية سابقاً (٣) وقلنا : إن صاحب الوسائل ذكرها في أبواب صلاة الجنازة ، وذكر أنّ الحميري أيضاً أوردها في باب صلاة الجنازة وأنّه يظهر (٤) منه أنّه كان كذلك في كتاب علي بن جعفر أيضاً. وعليه فالرواية مربوطة بذاك الباب وأجنبية عن المقام.

مضافاً إلى قصور دلالتها في نفسها على المقام ، إذ لم يصرّح فيها بتكبيرة الإحرام ، فمن الجائز إرادة التكبيرات المستحبّة أو التكبيرات الخمس في صلاة الجنازة ، بل لا يمكن تطبيقه على تكبيرة الإحرام ، لأنّه لو كبّر قبل الإمام فان لم يعدها وائتم بقاءً مع الإمام بعد ما كبّر كان ذلك من الاقتداء في الأثناء ، وهو غير مشروع كما سبق. وإن أعادها بطلت صلاته بذلك كما لا يخفى ، فكيف أمر عليه‌السلام بالإعادة بقوله : «فان كبّر قبله أعاد التكبير»؟

والحاصل : أنّ حملها على التكبيرات في صلاة الأموات لا محذور فيه ، لعدم المانع عن الإعادة التي أُمر بها لو كبّر قبل الإمام ، بخلاف ما نحن فيه ، للزوم المحذور كما عرفت. فهذا يؤيّد ما ذكرناه من كونها أجنبية عن المقام ، هذا. مع

__________________

(١) المستدرك ٦ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٩ ذيل ح ٢ ، ١ وقد تقدّم في ص ٢٢٤.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠١ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٦ ح ١ ، قرب الإسناد : ٢١٨ / ٨٥٤.

(٣) في ص ٢٢٦.

(٤) [سقط قول صاحب الوسائل هذا من الطبعة الجديدة].

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ الرواية ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن كما أشرنا إليه سابقاً.

ومنها : ما استند إليه في الجواهر (١) من خبر أبي سعيد الخدري المروي عن المجالس مسنداً إليه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «قال : إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها ، وسوّوا الفرج ، وإذا قال إمامكم : الله أكبر فقولوا : الله أكبر» (٢).

قال صاحب الوسائل عند ذكر الخبر : بإسناد تقدم في إسباغ الوضوء عن أبي سعيد الخدري. والسند مذكور في أبواب الوضوء (٣) وهو ضعيف جدّاً لاشتماله على جمع من الضعفاء والمجاهيل ، فلا يصلح الخبر إلّا للتأييد ، وإن كانت الدلالة تامّة.

فالعمدة في المنع عن التقدّم ما ذكرناه من المنافاة لمفهوم الائتمام كما عرفت.

وهل يجب التأخّر بمعنى أن لا يشرع فيها إلّا بعد فراغ الإمام منها ، أو يجوز الشروع في الأثناء وقبل أن يفرغ؟ ذكر في المتن أنّ الأحوط الأوّل وإن كان في وجوبه تأمّل.

ويستدلّ للوجوب تارة : بالنبويّ المتقدّم ، فانّ قوله عليه‌السلام : «فاذا كبّر فكبّروا» ظاهر في أنّ الشرط صدور التكبير عن الإمام وتحقّقه خارجاً المتوقّف على فراغه وانتهائه عنه ، وبعدئذ يشرع المأموم في التكبير.

وأُخرى : بخبر أبي سعيد الخدريّ المتقدّم آنفاً ، المتّحد مضمونه مع النبوي.

وفيه : أنّ ضعف سنديهما مانع عن الاستدلال ، فلا يمكن التعويل عليهما وإن كانت الدلالة تامّة.

وثالثة : بما ذكره في الجواهر من عدم صدق الاقتداء بالمصلّي ما لم يفرغ الإمام عن التكبير ، فإنّه بمجرّد الشروع فيه وإن صدق عليه أنّه شرع في

__________________

(١) الجواهر ١٣ : ٢٠٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٢٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٠ ح ٦ ، أمالي الصدوق : ٤٠٠ / ٥١٦.

(٣) الوسائل ١ : ٤٨٨ / أبواب الوضوء ب ٥٤ ح ٣.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة باعتبار أنّ جزء الجزء جزء ، لكن لا يصدق عليه عرفاً عنوان المصلّي قبل استكماله التكبير ، ومعه لا يتحقّق الاقتداء بالمصلّي ، الذي تدور مداره صحّة الجماعة على ما يستفاد من الأدلّة. وعلى تقدير تسليم الصدق فلا أقلّ من عدم انصراف الإطلاق إليه (١).

وفيه : مع تسليم ما ذكر أنّا لم نجد في شي‌ء من الأدلّة ما يدلّ على اعتبار الاقتداء بالمصلّي كي يمنع في المقام عن الصدق أو يدّعى الانصراف ، وإنّما الوارد فيها الاقتداء بالشخص حال الصلاة على ما يستفاد من مثل قوله : صلّ خلف من تثق بدينه (٢) فلا يعتبر في الصحّة إلّا حصول الاقتداء به في الصلاة ، لا صدق اسم المصلّي عليه وتلبّسه بهذا العنوان ، ولا شكّ في صدق الاقتداء به فيها وإن شرع في التكبير قبل فراغ الإمام ، إذ يصحّ حينئذ أن يقال : إنّه صلّى خلف من يثق بدينه.

وعليه فالأقوى جواز ذلك ، فلا يجب تأخّر الشروع عن الفراغ.

وهل تجوز المقارنة الحقيقية ، أو يجب التأخّر في الشروع ولو بمقدار همزة الله أكبر؟ الظاهر هو الأوّل ، لتحقّق المتابعة بمجرّد المقارنة وارتباط صلاته بصلاة الإمام. وقد عرفت عدم اعتبار اتّصافه بعنوان المصلّي قبل الاقتداء ، بل يكفي صدق الاقتداء خلف من يوثق بدينه وأمانته حال الصلاة ، وهو حاصل في المقام ، من غير فرق بين الابتداء والأثناء.

لكنّ هذا البحث قليل الجدوى ، إذ لا يمكن إحراز المقارنة الحقيقية غالباً لو لم يكن دائماً ، بل إمّا أن يتقدّم أو يتأخّر ، فيبطل على الأوّل كما مرّ ، ولا مقارنة على الثاني.

وعلى الجملة : لا مناص من التأخّر شيئاً ما من باب المقدمة العلميّة حذراً

__________________

(١) الجواهر ١٣ : ٢٠٧.

(٢) راجع ص ٥٠ ، الهامش رقم (٣).

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن التقدّم ، ومعه تنتفي المقارنة الحقيقية. فهذا البحث قليل الجدوى كما ذكرنا وإن كان على تقدير الاتّفاق محكوماً بالصحّة.

ثم على تقدير المقارنة الحقيقية أو الشروع بعد شروع الإمام شيئاً ما فهل يجوز الفراغ قبل فراغه أم لا بدّ من التأخّر ، فلا يجوز التقدّم ختاماً كما لا يجوز شروعاً؟

قد يقال بالأول ، نظراً إلى أنّ المدار في صدق المتابعة على الشروع ، فيكفي في التأخّر التأخّر في الشروع أو عدم التقدّم فيه على الخلاف ، فلا يلزم التأخّر في الفراغ.

لكنّ الأقوى هو الثاني ، فإنّ التكبير وإن كان مؤلّفاً من عدة حروف ، إلّا أنّ المجموع يعدّ في نظر الشارع جزءاً واحداً مستقلا به يتحقّق الافتتاح في الصلاة فلو تقدّم المأموم في الفراغ كان افتتاحه قبل افتتاح الإمام لا محالة ، وهو بمثابة الشروع قبل شروع الإمام في ملاك المنع ، أعني الاقتداء من غير من يقتدي به.

وبالجملة : ما لم يفرغ الإمام عن التكبيرة ولم يستتمّها كأنّه لم يدخل بعدُ في الصلاة ولم يفتتحها ، إذ محقّق الافتتاح هو مجموع الأجزاء كما عرفت ، فتقدّم المأموم في الفراغ في حكم الدخول في الصلاة قبل الإمام ، غير الجائز بلا إشكال كما مرّ.

ثمّ إنّك قد عرفت فيما مرّ (١) عدم جواز التأخّر الفاحش في الأفعال ، فهل الحال كذلك في تكبيرة الإحرام أيضاً؟ احتمل بعضهم بل استظهر عدم الجواز بدعوى أنّه المستفاد من النبويّ المتقدّم «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فاذا كبّر فكبّروا ...» إلخ ، باعتبار أنّ الإمامة للإمام تتحقّق من أوّل الأمر وحينما يكبّر ، فما دلّ على وجوب المتابعة في الأفعال وعدم التخلّف الفاحش يجري في التكبير أيضاً ، فكما أنّ الركوع والسجود يجب أن يكون متّصلاً بركوع الإمام

__________________

(١) في ص ٢٢٣.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وسجوده فكذا التكبير ، اللهمّ إلّا أن يقوم إجماع على خلافه وأنّ التكبير يفترق عن غيره ، فان تحقّق إجماع وإلّا فمقتضى القاعدة وجوب المتابعة ، وعدم التأخّر الفاحش في التكبير كغيره.

وفيه أوّلاً : أنّ النبويّ ضعيف السند كما مرّ ، وغير منجبر بعمل المشهور أو فتوى جمع معتنى به أو جماعة ولو قليلين ، إذ لم ينقل عن أحد اعتبار المتابعة في التكبير وعدم التأخّر الفاحش. فلا يمكن الاستدلال بالنبوي حتّى بناءً على القول بالانجبار.

وثانياً : أنّ قوله عليه‌السلام : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به» ليس معناه أنّ وصف الإمامة مجعول للإمام من أوّل الأمر ، كيف وهذا الوصف منتزع من ائتمام المأموم خارجاً ، فانّ هذين العنوانين أعني الإمامة والمأمومية من المتضايفين اللذين هما متكافئان قوة وفعلية ، كالأُبوّة والبنوّة والأُخوّة ، فلا يعقل التفكيك ، ولا يمكن وجود أحدهما من دون الآخر ، فلا يتصوّر اتّصاف أحد بالإمامة قبل الاقتداء والائتمام الخارجي من المأموم. فهما غير قابلين للانفكاك.

بل المراد أنّه بعد ما اتّصف الإمام بالإمامة ، المنتزع من اقتداء المأموم به ففائدته متابعته إيّاه وائتمامه به في الأفعال ، وحينئذ فاذا كبّر المأموم بعد الإمام الموجب لاتّصاف الإمام بالإمامة لزمه المتابعة في الأفعال تعبدياً أو شرطياً على الخلاف المتقدّم ، وأمّا إذا لم يكبّر المأموم ولم يدخل بعدُ في الصلاة فلا موضوع للجماعة ، إذ لا إمام ولا مأموم بعدُ حتّى يقال بوجوب المتابعة في التكبير تعبّدياً أو شرطياً.

ضرورة أنّ التكبير أوّل أفعال الصلاة ، وما لم يتحقّق لا موضوع لوجوب المتابعة. فلا معنى للقول بأنّه هل يجوز التخلّف الفاحش في التكبير أم لا ، بل هو جائز دائماً وإلى الأخير ، لكونه مخيّراً بين اختيار الجماعة والفرادى ، فله الاقتداء عند أيّ جزءٍ شاء ، فلا يقاس التكبير الذي هو أوّل أفعال الصلاة

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بغيره من سائر الأفعال ، لاختلاف المناط بينهما كما هو أظهر من أن يخفى.

وأمّا في التسليم : فقد وردت عدّة أخبار معتبرة دلّت على جواز التسليم قبل الإمام ، ومورد بعض هذه الأخبارِ المعذورُ من أجل البول ونحوه ، والبعض الآخر الناسي ، والثالث منها مطلق لم يتقيّد بشي‌ء منهما (١). ومن المعلوم أنّ المقام ليس من موارد حمل المطلق على المقيّد ، لعدم التنافي ، فيؤخذ بالجميع ويحكم بجواز التسليم والانصراف قبل الإمام مطلقاً. فلا إشكال في المسألة نصاً وفتوى.

إنّما الكلام في أنّه هل ينفرد بتسليمة أو أنّ الجماعة باقية؟ الظاهر هو الانفراد ، وذلك لما عرفت سابقاً من أنّ المتابعة مأخوذة في مفهوم الائتمام ، فكما أنّه لو كبّر قبل الإمام لا يكون مأموماً فكذا لو خرج قبله ، فانّ المأمومية متقوّمة بالمتابعة معه دخولاً وخروجاً ، كما هو الحال في غير الصلاة ، فلو تابع زيداً في دخول المجلس دون خروجه فقد انفصل عنه في الخروج ، ولم يكن تابعاً إلّا في الدخول فحسب.

وعليه ففي المقام تزول الجماعة بقاءً ويحصل الانفراد قهراً. وحينئذ فان قلنا بجواز الانفراد في الأثناء اختياراً كما هو الصحيح كما يجوز مع العذر بلا إشكال فالحكم الوارد في هذه الأخبار مطابق للقاعدة ، وإلّا فغايته الالتزام بالتخصيص.

وأمّا بقيّة الأذكار والأقوال فهي على أقسام :

فتارة : يكون الذكر الصادر من المأموم غير ما يصدر عن الإمام ، فيتخالفان في السنخ كما لو اقتدى في الأخيرتين فقرأ المأموم فاتحة الكتاب والإمام يسبّح فهنا لا موضوع للمتابعة أصلاً ، فإنّها إنّما تتحقّق فيما إذا كان الصادر منهما شيئاً واحداً ، فإذا قرأ زيد قصيدة وعمرو كتاباً من الكتب لا معنى لمتابعته إيّاه فيما يقول ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢ ، ٥ ، ٤ ، وقد تقدّمت في ص ٨٧.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى : يتّحدان في السنخ لكن المأموم لا يسمع صوت الإمام ، وهنا أيضاً لا موضوع للتبعية ، لأنّها لا تتحقّق إلّا مع الإحراز والسماع كما هو واضح.

وثالثة : يتّحدان في السنخ وهو يسمع ، سواء أكان ذلك في ذكر مستحبّ كالقنوت أو واجب كالتشهّد ، وحينئذ فبما أنّ الصلاة مركّبة من مجموع الأفعال والأقوال فالدليل الدالّ على لزوم المتابعة في الأفعال يقتضي بعينه المتابعة في الأقوال أيضاً بمناط واحد ، ولا موجب لدعوى الانصراف إلى الأوّل كما قيل.

فلو كنّا نحن ومقتضى القاعدة الأوّلية ولم يكن ثمّة دليل آخر كان اللازم هو الحكم بوجوب المتابعة في مثل هذه الأقوال أيضاً ، لكنّ الدليل الخارجي قام على عدم الوجوب ، وهي السيرة القطعية العملية المتّصلة بزمن المعصومين عليهم‌السلام ، فإنّ المتابعة لو كانت واجبة في مثل صلاة الجماعة التي هي محلّ الابتلاء في كلّ يوم عدّة مرّات وتنعقد في أغلب بلاد المسلمين ، لظهر وشاع وذاع وعرفه أغلب المكلّفين ، ولزمهم الالتفات إلى قراءة الإمام كي لا يتقدّموا عليه ، كيف ولم يعهد ذاك منهم ، ولم يذهب أحد إلى الوجوب ما عدا الشهيد (١) وبعض من تبعه. فلو كان واجباً لكان من الواضحات ، فكيف خفي على هؤلاء الأعلام.

ويؤيّد عدم الوجوب ما ورد في بعض الأخبار من أنّ المأموم إذا فرغ من القراءة قبل الإمام يمجّد الله ويسبّح ويثني عليه ، وفي بعضها أنّه يبقي آية فاذا فرغ الإمام قرأ الآية وركع (٢).

وقد ذكر صاحب الوسائل هذه الأخبار في خصوص الإمام الذي لا يقتدى به. وفيه : أنّ مورد بعضها وإن كان هو الصلاة خلف من لا يقتدى به إلّا أنّ بعضها الآخر مطلق كما لا يخفى على من لاحظها.

__________________

(١) البيان : ٢٣٨ ، الدروس ١ : ٢٢١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥.

٢٥٥

[١٩٣٦] مسألة ١٤ : لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم أنّه كبّر كان منفرداً فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة وأتمّها أو قطعها (*) (١).

______________________________________________________

وكيف ما كان ، فيستفاد من هذه الأخبار المفروغية عن عدم وجوب المتابعة في الأقوال ، وإلّا فكيف جاز التقدّم على الإمام. فلا ينبغي الإشكال في المسألة.

(١) تقدّم الكلام حول ما إذا ركع أو سجد قبل الإمام سهواً ، وقد مرّ حكمه (١) ، وأمّا لو كبّر قبله سهواً أو باعتقاد أنه كبّر فلا إشكال في عدم انعقاد الجماعة حينئذ ، إذ لا إمام قبل التكبير ، فلا موضوع للائتمام ، فلا محالة تنقلب الصلاة فرادى.

إذ لا موجب لاحتمال البطلان ، لما عرفت سابقاً (٢) من أنّ المأمور به إنّما هو الطبيعي الجامع ، وخصوصية الجماعة أو الفرادى من العوارض اللاحقة لكلّ من الصنفين ، الموجبة لاختلافهما بحسب الأحكام مع اتّحادهما بحسب الطبيعة والذات ، فقد قصد المكلّف الجامع المأمور به مع نيّة القربة ، فلا قصور في ناحية الامتثال ، غايته أنّه تخيّل اتّصافه بعنوان الجماعة فبان أنّه فرادى ، فلا إشكال في الصحّة.

وحينئذ فإن أراد أن يتمّها فرادى فلا كلام ، وأمّا إذا أراد أن يأتي بها جماعة فقد ذكر في المتن أنّه عدل بها إلى النافلة ، ثمّ أتمّها أو قطعها.

أمّا العدول إلى النافلة والإتمام فلا إشكال في جوازه مع بقاء محلّ العدول كما سيأتي التعرّض له في المسألة السابعة والعشرين إن شاء الله تعالى.

وأمّا العدول مع القطع فان لم يكن بانياً عليه من الأوّل ، بل بدا له في القطع

__________________

(*) في جواز العدول مع البناء على القطع إشكال.

(١) في ص ٢٤٥.

(٢) في ص ٢٤٢.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد ما عدل فلا إشكال فيه أيضاً ، فإنّ الممنوع إنّما هو قطع الفريضة على كلام فيه ، وأمّا النافلة فلا إشكال في جواز قطعها اختياراً ، لعدم الدليل على حرمته أصلاً كما لا يخفى.

وأمّا لو كان بانياً على القطع من الأوّل فمشروعيّة مثل هذا العدول مشكل في حدّ نفسه ، لعدم تحقّق مفهوم العدول مع هذا البناء ، إذ هو ليس من العدول إلى النافلة في شي‌ء كما لا يخفى.

وقد يقال : بجواز القطع من غير عدول ، استناداً إلى رواية قرب الإسناد المتقدّمة : «عن الرجل يصلّي له أن يكبّر قبل الإمام؟ قال : لا يكبّر إلّا مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبير» (١) ، فإنّ الإعادة مساوقة للقطع.

وفيه : ما عرفت من أنّ الرواية أوردها صاحب الوسائل في باب صلاة الجنازة قائلاً : إنّ الحميري أوردها كذلك ، وأنّه يظهر (٢) أنّها كانت كذلك في كتاب علي بن جعفر. فهي مربوطة بذاك الباب وأجنبية عن المقام.

وعلى تقدير شمولها للمقام أو اختصاصها به لظهور الصلاة في كونها صلاة حقيقية ذات ركوع وسجود ، فقد ذكرنا أنّها ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن فلا تصلح للاستدلال ، هذا أولاً.

وثانياً : على تقدير الإغماض فالدلالة قاصرة ، لأنّ المذكور فيها : «عن الرجل يصلّي» وظاهر كلمة «يصلّي» أنّه متشاغل ومتلبّس بالصلاة فعلاً. وحمله على من يريد الصلاة ليراد من التكبير تكبيرة الإحرام خلاف الظاهر جدّاً ، لا يصار إليه من غير قرينة. فلا بدّ وأن يكون المراد التكبيرات المستحبّة كتكبير الركوع أو السجود ونحوهما ، فتكون أجنبية عن المقام أيضاً ، هذا.

ومع ذلك فالظاهر جواز القطع من غير عدول ، لما ذكرنا في محلّه من أنّه ليس هناك دليل لفظي على حرمة قطع الفريضة ليتمسّك بإطلاقه ، وإنّما الدليل

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠١ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٦ ح ١ ، قرب الإسناد : ٢١٨ / ٨٥٤.

(٢) راجع ص ٢٤٩ ، هامش رقم (٤).

٢٥٧

[١٩٣٧] مسألة ١٥ : يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع والسجود أزيد من الإمام (١) وكذا إذا ترك بعض الأذكار المستحبّة يجوز له الإتيان بها مثل تكبيرة الركوع والسجود ، وبحول الله وقوته ، ونحو ذلك.

[١٩٣٨] مسألة ١٦ : إذا ترك الإمام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة عنده لا يجوز للمأموم الذي يقلّد من يوجبها أو يقول بالاحتياط الوجوبي أن يتركها. وكذا إذا اقتصر في التسبيحات على مرّة مع كون المأموم مقلّداً لمن يوجب الثلاث ، وهكذا (٢).

______________________________________________________

عليه هو الإجماع لو تمّ (١) ، وهو إمّا غير ثابت أصلاً ، أو على تقدير الثبوت فالمتيقّن منه غير المقام.

إذ من الجائز مصير الإعلام إلى جواز القطع هنا لإدراك الأفضل وهو الجماعة ، كما وقع نظيره في من كبّر وتذكّر نسيان الأذان والإقامة ، فإنّه يجوز له القطع ما لم يركع ، لتداركهما وتحصيل الأفضل ، فليكن المقام من هذا القبيل ومعه لا وثوق بقيام الإجماع ليمنع عن القطع.

(١) لما عرفت (٢) من عدم لزوم المتابعة في الأقوال ، وأنّ ذلك غير دخيل في الائتمام. فكما تجوز له المخالفة في الكيفية كأن يأتي بالتسبيحة الصغرى والإمام بالكبرى كذلك يجوز له المخالفة في الكمية ، لإطلاق دليل المشروعية في كلّ منهما ، لكنّه مشروط بعدم الإخلال بالمتابعة في الأفعال كما لا يخفى.

ومنه يظهر ما لو ترك الإمام بعض الأذكار المستحبّة كالحوقلة والسمعلة وتكبيرة الركوع ونحوها ، فيجوز للمأموم الإتيان بها ، لعين ما ذكر من عدم المتابعة في الأقوال ، وإطلاق دليل الاستحباب الشامل للمأموم.

(٢) إذا ترك الإمام ما لا يراه واجباً اجتهاداً أو تقليداً كجلسة الاستراحة

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٥٢٣.

(٢) في ص ٢٥٤.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أو التسبيحات الأربع ثلاثاً في الأخيرتين فلا إشكال في وجوب الإتيان به على المأموم الذي يرى وجوبه اجتهاداً أو تقليداً أو احتياطاً وجوبياً ، لعدم الدليل على المتابعة في مثل المقام ممّا يراه المأموم واجباً دون الإمام ، فلا يسقط عنه بمجرّد ترك الإمام ، بل إطلاق دليل الوجوب القائم عند المأموم شرعياً كان أم عقلياً هو المحكّم. وهذا ظاهر لا غبار عليه.

إنّما الكلام في أنّه هل يجوز للمأموم الاقتداء من الأوّل بمثل هذا الإمام؟ قد يقال بعدم الجواز ، نظراً إلى أنّ المدار في جواز الاقتداء على الصحّة الواقعية وهذه الصلاة باطلة واقعاً بنظر المأموم فكيف يقتدي بها.

ولكن الظاهر هو الجواز في أمثال المقام. وتوضيحه : أنّه تارة يفرض أنّ الخلل الذي يراه المأموم متعلّق بالأركان ، الموجب للبطلان الواقعي بنظره ، وإن كان الإمام معذوراً فيه لجهله ، كما لو توضّأ الإمام جبيرة والمأموم يرى أنّه من موارد التيمم ، فانّ هذه الصلاة باطلة واقعاً في نظر المأموم ، للإخلال بالطهارة التي هي من الأركان ، ففي مثل ذلك لا يجوز الاقتداء بمثل هذا الإمام.

وأُخرى : يفرض تعلّق الخلل بما ليس من الأركان المقوّمة للصلاة كجلسة الاستراحة في المقام ، فإنّ الصلاة الفاقدة لها وإن كانت باطلة بالنسبة إلى المأموم الذي يرى الوجوب فليس له تركها عامداً ، لكنّها صحيحة واقعاً من الإمام الذي لا يرى الوجوب حتّى بنظر المأموم ، لقاعدة لا تعاد ، الجارية في حقّ الإمام الحاكمة على أدلّة الأحكام بعد أن لم يكن المفقود من الأركان ، بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث لمطلق المعذور وعدم اختصاصه بالناسي. فهذه الصلاة الصادرة من الإمام محكومة بالصحّة الواقعية حتّى في نظر المأموم ، لأجل الحديث المزبور ، فلا مانع من الاقتداء به.

ونظير ذلك ما لو نسي الإمام السورة أو التشهّد أو السجدة الواحدة ، أو رأى المأموم نجاسة في لباس الإمام وهو لا يدري ، ففي جميع هذه الفروض

٢٥٩

[١٩٣٩] مسألة ١٧ : إذا ركع المأموم ثمّ رأى الإمام يقنت في ركعة لا قنوت فيها (١) يجب عليه العود إلى القيام ، لكن يترك القنوت ، وكذا لو رآه جالساً يتشهّد في غير محلّه وجب عليه الجلوس معه ، لكن لا يتشهد معه ، وكذا في نظائر ذلك.

______________________________________________________

يصحّ الاقتداء ، لصحّة الصلاة الصادرة عن الإمام بقاعدة لا تعاد ، وإن بطلت لو صدرت عن المأموم عند علمه بذلك الخلل.

ومن هذا القبيل ما لو اقتصر الإمام على التسبيحات الأربع مرّة واحدة لكفايتها في نظره والمأموم يرى اعتبار الثلاث ، فإنّه يجوز الاقتداء به ، لحديث لا تعاد الجاري في حقّه ، والموجب لصحّة صلاته حتّى واقعاً في نظر المأموم أيضاً ، لكن بشرط أن لا يستوجب الإخلال بالمتابعة في الأفعال. وهكذا الحال في سائر المقامات ممّا يكون من هذا القبيل.

(١) لا ريب حينئذ في وجوب العود إلى القيام كما ذكره لتدارك الركوع والإتيان به مع الإمام متابعة وجوباً شرطياً أو تعبدياً على الخلاف المتقدّم فيتابعه في القيام المتّصل بالركوع الذي هو مقوّم له ، ثمّ يركع معه لأجل المتابعة ، لكن ليس له أن يتابعه في القنوت ، فإنّ التبعية إنّما تجب من أجل دخلها في مفهوم الائتمام. ومن الواضح أنّ الائتمام إنّما يعتبر فيما هو أجزاء الصلاة ، وأمّا المأتي به اشتباهاً وبعنوان الزيادة الذي هو خارج عن الصلاة فلا موضوع للائتمام بالإضافة إليه.

وكذا الحال فيما لو رآه جالساً يتشهّد في غير محلّه كما في الركعة الأُولى أو الثالثة من الصلوات الرباعية ، فإنّه وإن وجب الجلوس للتبعية فلا يجوز له التقدّم عليه في القيام ولكن ليس له أن يتشهّد بعد اتّصافه بعنوان الزيادة. وهكذا الحال في السجدة الثالثة المأتي بها سهواً.

وعلى الجملة : لا تجب عليه التبعية إلّا في الأجزاء الأصليّة ، فلا يتقدّم فيها

٢٦٠