موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

وقد تجب بالنذر والعهد واليمين ، ولكن لو خالف صحّت الصلاة وإن كان متعمّداً (١).

______________________________________________________

فجواز الاقتصار على الصلاة فرادى وصحّتها هو مقتضى التحفّظ على دليلين والجمع بينهما ، أحدهما : ما دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال ، والثاني : إطلاق صحيحة فضيل النافية لوجوب الجماعة عن كافّة الصلوات. ونتيجتهما بعد ضمّ أحدهما إلى الآخر هي صحّة الصلاة فرادى ، سواء تمكّن من الائتمام أم لا.

(١) أمّا أصل انعقاد النذر فلا شبهة فيه بعد رجحان متعلّقه الناشئ من أفضلية الجماعة عن غيرها ، فيشمله عموم أدلّة الوفاء به.

وكذا الحال في العهد واليمين والشرط في ضمن العقد ونحوها ممّا يقتضي الوجوب بالعنوان الثانوي ، لعموم أدلّتها ، ولو خالف النذر ونحوه عامداً فعليه الكفّارة كما ستعرف (١).

وإنّما الكلام في أنّ هذا الوجوب هل هو تكليفيّ محض فلا يترتّب على مخالفته إلّا الإثم والكفّارة ، أو أنّه وضعيّ والائتمام شرط في الصحّة ، فلو خالف وصلّى فرادى بطلت صلاته؟

تقدّم الكلام في نظائر المقام في غير مورد من المباحث السابقة كنذر إيقاع الفرائض في المسجد (٢) ونحو ذلك وقلنا : إنّ الأظهر عدم البطلان لو خالف لعدم الدليل عليه ، بل لا مقتضي له إلّا بناءً على اقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عمّا لا يجتمع معه في الوجود ، والمحقّق في محلّه خلافه (٣).

ومن الواضح : أنّ الأمر المتعلّق بالجماعة الناشئ من قبل النذر لا يستوجب

__________________

(١) في ص ٢٣.

(٢) [لم نعثر عليه].

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٨ وما بعدها.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

تقييد الإطلاق في الأمر الأوّل المتعلّق بطبيعي الصلاة الجامع بينها وبين الفرادى كي ينحصر امتثاله في الجماعة وتكون شرطاً في الصحّة ، إذ لا تنافي بينهما ليلتزم بالتقييد بعد اختلاف المتعلّقين.

فإنّ الأمر الأوّل قد تعلّق بطبيعي الصلاة المرخّص في تطبيقها على أيّ فرد شاء بمقتضى الإطلاق ، والثاني تعلّق بإيقاعها في ضمن هذا الفرد بملاك الوفاء بالنذر. فهناك مطلوبان قائمان بعملين مستتبعان لأمرين لا مضادّة بينهما ليرتكب التقييد بعد أن كان المقام من قبيل تعدّد المطلوب لا وحدته ، وإنّما يجب ارتكابه لو كان مفاد الأمر الثاني المنع عن تطبيق الطبيعة على الفرد الآخر ، وقد عرفت أنّ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضدّه.

ومع الغضّ وتسليم التنافي الموجب لسقوط الإطلاق فغايته الالتزام بثبوته على سبيل الترتّب ، بأن يؤمر أوّلاً بالصلاة جماعة ، وعلى تقدير العصيان فهو مرخّص في تطبيق الطبيعة على أيّ فرد شاء ، بل قد ذكرنا في محلّه جريان الترتّب في الأمرين (١) فما ظنّك في الأمر مع الترخيص.

فالمقام نظير المثال المعروف من الصلاة في سعة الوقت المقترنة بالإزالة فكما التزمنا هناك بعدم التنافي بين الأمر بها وبين إطلاق الأمر بالصلاة ، وعلى تقدير التنافي يثبت الإطلاق بالخطاب الترتّبي ، فكذا في المقام حرفاً بحرف.

نعم ، إنّما يجب التقييد في المقام لو كان النذر متعلّقاً بترك الصلاة فرادى لتحقّق المنافاة حينئذ ، لأجل امتناع الجمع بين التحفّظ على الإطلاق في الأمر المتعلّق بطبيعي الصلاة وبين المنع عن تطبيقه على هذا الفرد الناشئ من قبل النذر ، فلا مناص من الالتزام بالتضييق في دائرة المأمور به وتخصيصها بغير هذا الفرد ، ومن هنا قلنا بأنّ النهي عن العبادة يقتضي الفساد.

لكن الشأن في صحّة مثل هذا النذر وانعقاده ، بل الأقوى فساده ، لاعتبار الرجحان في متعلّقه ، ولا رجحان في ترك الصلاة فرادى. ومجرّد وجود

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٩٤ ، ١٠٢ وما بعدها.

٢٢

ووجبت حينئذ عليه الكفارة (١).

______________________________________________________

الأرجح وهي الصلاة جماعة لا يستوجب الرجحان في الترك.

فهو نظير ما لو نذر ترك زيارة مسلم عليه‌السلام ليلة عرفة ، حيث لا ينبغي الإشكال في عدم انعقاده ، لعدم الرجحان في هذا الترك ، وإن كانت زيارة الحسين عليه‌السلام في تلك الليلة أفضل.

وعلى الجملة : فالصلاة فرادى كالجماعة عبادة راجحة في حدّ ذاتها ، وكذا زيارة مسلم عليه‌السلام ، فلا رجحان في تركها لينعقد النذر وإن كان غيرها أفضل.

فتحصّل : أنّ نذر الجماعة لا يستدعي بطلان الصلاة فرادى ، وإن كان آثماً في مخالفة النذر. فالوجوب تكليفيّ محض ، ولا يوجب التقييد في متعلّق الأمر كي يقتضي الاشتراط ويستتبع الفساد ، بل قد ذكرنا في بحث المكاسب (١) : أنّ مثل هذا النذر لا يستتبع الحقّ ولا يستوجب المنع عن سائر التصرفات.

فلو نذر التصدّق بالشاة المعيّنة فخالف وباعها صحّ البيع وإن أثم ، لعدم خروجها بالنذر عن ملكه ، إذ مفاد قوله : لله عليّ كذا ... ، جعل إلزام وحكم تكليفي من قبل الله تعالى على ذمّته ، على حدّ قوله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٢) من غير فرق بينهما إلّا في أنّ الثاني مجعول من قبله تعالى ابتداء والأوّل بتسبيب منه وبتوسيط النذر ، وليس مفاده سلب سلطنته عن المال ، فقد باع ما يملكه ، فيشمله عموم حلّ البيع.

(١) ثبوت الكفّارة حينئذ وعدمه يبتني على القول بصحّة الصلاة فرادى وفسادها ، فبناء على الصحّة كما هو الأقوى على ما مرّ تجب ، لعدم التمكّن من الوفاء بالنذر بعدئذ ، فقد تحقّق الحنث بهذا العمل المؤدّي إلى مخالفة النذر

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٤ : ١٨٢.

(٢) آل عمران ٣ : ٩٧.

٢٣

والظاهر وجوبها أيضاً إذا كان ترك الوسواس موقوفاً عليها (*) (١).

______________________________________________________

عامداً فتتبعه الكفارة.

وأمّا على القول بالبطلان من أجل اقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضدّه كما سبق فلا تجب ، لا لبطلان الفرادى وأنّ الكفارة لا تترتّب على الصلاة الفاسدة ، بل لعدم المقتضي لها رأساً ، لعدم تحقّق موضوعها وهو الحنث ، لتمكّنه بعدُ من الوفاء بالنذر والإتيان بصلاة الجماعة ، فإنّ الصلاة الباطلة في حكم العدم وكأنّها لم تكن ، ففي وسعه أن يفي بنذره ، ولا زال المحلّ قابلاً له. فإن وفى بعدئذ وصلّى جماعة قبل خروج الوقت فلا كلام ، وإلّا تحقّق الحنث لاحقاً من أجل ترك الجماعة المنذورة ، لا سابقاً من أجل الإتيان بالصلاة فرادى.

(١) هذا إنّما يتمّ بناء على حرمة الوسواس ، فيجب الائتمام حذراً عن الحرام لكنّها لم تثبت.

فإنّ عمدة ما يستدلّ به لذلك صحيحة عبد الله بن سنان قال : «ذكرت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت : هو رجل عاقل فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي‌ء هو ، فإنّه يقول لك : من عمل الشيطان» (١).

وهي كما ترى لا دلالة لها على الحرمة بوجه ، إذ ليس كلّ ما يتأتّى من قبل الشيطان ويكون من عمله حراماً ، فإنّ أصل السهو من الشيطان على ما صرّح به في بعض النصوص (٢) ، ولا حرمة فيه قطعاً ، فليست متابعته محرّمة في كلّ شي‌ء.

__________________

(*) وكان الوسواس موجباً لبطلان الصلاة.

(١) الوسائل ١ : ٦٣ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١.

٢٤

وكذا إذا ضاق الوقت عن إدراك الركعة بأن كان هناك إمام في حال الركوع (١) بل وكذا إذا كان بطيئاً في القراءة في ضيق الوقت (٢) ،

______________________________________________________

والتعبير الذي تضمّنته الصحيحة للرجل الوسواسي ليس لأجل إطاعته الشيطان فيما يحرم ، بل فيما يؤذيه ، فإنّه لا يزال في قلق واضطراب وتشويش وانقلاب ، وكلّ فكره معطوف نحو امتثال العمل ، ويتحمّل أنواع المتاعب في سبيل إحراز الإتيان بالأجزاء والشرائط على وجهها ، فيوجب ذلك بطبيعة الحال تشتّت البال وعدم حضور القلب الذي هو روح العبادة.

ومن ابتلي بهذا المرض الخبيث يدرك مدى تأذّي الوسواسي من حالته السيئة ، وكلّ ذلك ينشأ من متابعته للشيطان في إيذائه وتسويلاته وتشكيكاته الكاشفة عن خفّة عقله ، لا عن ضعف دينه كي يحرم ، ولذا وصفه الإمام عليه‌السلام بأنّه لا عقل له لا أنّه لا دين له. ولو سألت الوسواسي المعترف بأنّ وسوسته من عمل الشيطان كما في الصحيح أنّه هل يرتكب الحرام لأنكره أشدّ الإنكار ، وإلّا كان فاسقاً متجاهراً.

وعلى الجملة : فلم يظهر من الصحيحة تحريم الوسواس بما هو وفي حدّ نفسه كي يستوجب بطلان العمل.

نعم ، ربما يبلغ حدّا يستلزم البطلان من ناحية أُخرى ، كما لو كرّر الكلمة أو الآية مرّات كثيرة جدّاً ، بحيث خرجت عن هيئتها ، مثل ما لو كرّر الألف واللام في (الحمد لله) عشرين مرّة ، فإنّه من كلام الآدمي ، وليس من القرآن في شي‌ء ، فيوجب البطلان من حيث الزيادة أو النقصان ، فيجب عليه الائتمام حينئذ لو لم يتمكّن من تركه ، لتوقّف امتثال الواجب عليه.

(١) لتوقّف الخروج عن عهدة فريضة الوقت على الائتمام ، وانحصار الامتثال فيه ، فيتعيّن بطبيعة الحال.

(٢) لعين ما ذكر. ولا مجال هنا لتصحيحها بقاعدة من أدرك ... لاختصاصها بمن لم يدرك بحسب طبعه لا بتعجيز نفسه اختياراً ، وبما أنّه

٢٥

بل لا يبعد وجوبها بأمر أحد الوالدين (*) (١).

[١٨٦٩] مسألة ٢ : لا تشرع الجماعة في شي‌ء من النوافل الأصليّة (٢)

______________________________________________________

متمكّن من إدراك تمام الوقت بالاقتداء فتركه تعجيز اختياري يمنع عن شمول الحديث له ، فينحصر امتثال الأمر بالصلاة فيه ، ولأجله يتعيّن.

(١) بناء على وجوب إطاعتهما مطلقاً ، على حدّ إطاعة العبد لسيّده. ولكنّه لم يثبت ، لعدم الدليل عليه ، وإنّما الثابت بمقتضى الآية المباركة (١) وغيرها وجوب حسن المعاشرة وأن يصاحبهما بالمعروف ، فلا يؤذيهما ولا يكون عاقّاً لهما. وأمّا فيما لا يرجع إلى ذلك فوجوب الإطاعة بعنوانها بحيث لو أمراه بطلاق الزوجة أو الخروج عن المال وجب الامتثال فلم يقم عليه أيّ دليل.

نعم ، ورد في بعض الأخبار ، أنّه «إن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فانّ ذلك من الإيمان» (٢).

لكنّه حكم أخلاقي استحبابي قطعاً كما يومئ إليه ذيل الخبر ، كيف وقد كان يتّفق النزاع بين الوالد والولد في الأموال فكان يقضي بينهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما تضمّنه بعض النصوص (٣).

(٢) على المشهور ، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه. ونسب الجواز إلى بعض.

ومال إليه في المدارك (٤) قائلاً : إنّ ما يمكن أن يستدلّ به على المنع روايتان :

الأُولى : رواية محمد بن سليمان حاكياً عن عبد الله بن سنان وسماعة عن الصادق عليه‌السلام ، وعن إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام ، وهو

__________________

(*) وجوب إطاعتهما فيما لا يرجع الى حسن المعاشرة محلّ إشكال.

(١) لقمان : ٣١ : ١٥.

(٢) الوسائل ٢١ : ٤٨٩ / أبواب أحكام الأولاد ب ٩٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٩١ / أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٣٦ ح ١.

(٤) المدارك ٤ : ٣١٤.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بنفسه عن الرضا عليه‌السلام «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في نافلة شهر رمضان : أيّها الناس إنّ هذه الصلاة نافلة ، ولن يجتمع للنافلة ، فليصلّ كلّ رجل منكم وحده ، وليقل ما علّمه الله من كتابه ، واعلموا أن لا جماعة في نافلة» (١).

الثانية : صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل : «أنّهم سألوا أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق عليهما‌السلام عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة ، فقالا : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلّى ... إلى أن قال قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ...» (٢).

وقد ناقش (قدس سره) في كلتا الروايتين :

أمّا الاولى : فبقصورها سنداً بمحمّد بن سليمان الديلمي وغيره ، وإن كانت الدلالة تامّة ، لتضمّنها المنع عن الجماعة في مطلق النوافل ، وكان ذكر نوافل شهر رمضان من باب التطبيق على الصغرى كما هو ظاهر.

وأمّا الثانية : فبقصورها دلالة ، لاختصاص المنع فيها بنوافل شهر رمضان دون مطلق النوافل ، فهي إذن أخصّ من المدعي.

أقول : لا يبعد دعوى الإطلاق في الثانية أيضاً ، وأن يكون ذكر نوافل شهر رمضان فيها من باب تطبيق الكبرى على الصغرى كما هو الحال في الأُولى وإن لم يكن الأمر في هذه بذلك الظهور. فلا قصور في دلالتها.

ومع الغضّ عن ذلك ، فيكفينا لإثبات الإطلاق حسنة سليم بن قيس الهلالي قال : «خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ، إلى أن قال : والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ...» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٢ / أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٥ / أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٦ / أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ٤.

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فانّ سليم بن قيس وإن لم يوثّق صريحاً ، لكنّه من جملة خواصّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد ورد في حقّه الكثير من المدح. فالرواية معتبرة سنداً (١) وتامّة أيضاً دلالة.

على أنّها مؤيّدة بروايات أُخر لا تخلو أسانيدها من الخدش والإشكال (٢) هذا.

مضافاً إلى قيام سيرة المتشرّعة المتّصلة بزمن المعصومين عليهم‌السلام على المنع مطلقاً ، حيث لم يعهد من أحد منهم إقامة الجماعة في شي‌ء من النوافل على الإطلاق ، عدا ما استثني كما ستعرف.

ثمّ إنّه (قدس سره) بعد مناقشته في الروايات المانعة بما مرّ استدلّ للجواز بجملة من الأخبار :

منها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : صلّ بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة ، فإنّي أفعله» (٣). بدعوى أنّ ظاهرها الصلاة مع الأهل جماعة ، فقد دلّت على الجواز في مطلق النوافل كالفرائض.

ويتوجّه عليه : أنّ ظاهر الرواية مطروح جزماً ، لأنّ موردها نوافل شهر رمضان ، ولا شكّ في عدم مشروعية الجماعة فيها حتّى باعترافه (قدس سره) للنصوص المتقدّمة وغيرها المانعة عن ذلك. فلا مناص من ارتكاب التأويل بحمل الباء في قوله عليه‌السلام : «بأهلك» على معنى (عند) وصرفها عن

__________________

(١) الراوي عن سليم في هذه الرواية هو إبراهيم بن عثمان ، أي أبو أيّوب الخزاز ، الذي هو من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام وفي روايته عن سليم الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وإن أدرك الباقر عليه‌السلام إشكال كما صرّح (دام ظلّه) به في معجم رجال الحديث ١ : ٢٣٣ / ٢٠٨.

(٢) منها ما في الوسائل ٨ : ٣٣٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٥ ، ٦.

(٣) [سقطت هذه الصحيحة الواردة في الوسائل / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٣ من الطبعة الجديدة للوسائل].

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهرها وهو كونها بمعنى (مع) الظاهر في الجماعة ، فيكون المراد بها : صلّ عند أهلك وفي دارك لا في المسجد. لكونهم صائمين في شهر رمضان وبانتظار حلول وقت الإفطار ، فكان الأولى حينئذ الصلاة عندهم نافلة وفريضة ، دفعاً للانتظار وحذراً من التأخير.

وإن أبيت عن ذلك فلا محيص من طرحها وردّ علمها إلى أهله ، لمنافاة ظاهرها مع النصوص الكثيرة المتقدّمة ، مع عدم التكافؤ بينهما ، لكثرة تلك وعدم العمل بمضمون هذه الرواية أيضاً كما عرفت.

ومنها : ثلاث صحاح وردت في خصوص النساء ، وهي :

صحيحة هشام بن سالم «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال : تؤمّهن في النافلة ، فأمّا في المكتوبة فلا ، ولا تتقدمهنّ ، ولكن تقوم وسطهنّ» (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : تؤمّ المرأة النساء في الصلاة ، وتقوم وسطاً بينهنّ ، ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمّهنّ في النافلة ولا تؤمّهنّ في المكتوبة» (٢).

وصحيحة سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤمّ النساء ، فقال : إذا كنّ جميعاً أمّتهن في النافلة ، فأمّا المكتوبة فلا ولا تتقدّمهنّ ولكن تقوم وسطاً منهنّ» (٣).

وتتميم الاستدلال بالنصوص يتوقّف على دعوى المستدلّ القطع بعدم الفرق في الحكم المذكور بين المرأة والرجل ، لعدم القول بالفصل بينهما من أحد ، كما هو كذلك جزماً ، إذ لا قائل بالتفكيك بينهما جوازاً ومنعاً ، فهما متلازمان في هذا الحكم قطعاً.

والجواب : أنّ هذه النصوص وإن دلّت على الجواز في النساء بالدلالة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٣٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ٨ : ٣٣٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٩ ، ١٢.

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المطابقية ، لكنّها تدلّ عليه في الرجال أيضاً بالدلالة الالتزامية ، للقطع بعدم القول بالفصل كما عرفت ، كما أنّ النصوص السابقة المانعة كانت على العكس من ذلك ، فإنّها دلّت على المنع في الرجال بالمطابقة يعني كان القدر المتيقّن به من موردها الرجال وفي النساء بالالتزام ، لما عرفت من عدم القول بالفصل بينهما في ذلك.

وعليه فتقع المعارضة بين الطائفتين ، لتعارض المدلول المطابقي لكلّ منهما مع المدلول الالتزامي للآخر ، وبما أنّ الترجيح مع الطائفة المانعة ، لشهرتها بين الأصحاب (قدس سرهم) ولمخالفتها مع العامّة ، فلذلك تحمل المجوّزة على التقيّة ، فلا يعتمد عليها.

وقد أجاب المحقّق الهمداني (قدس سره) (١) عن الاستدلال بالنصوص المجوّزة بوجه آخر ، وهو أنّها لا تدلّ إلا على مشروعية الجماعة في النافلة في الجملة ، لعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة حتّى ينعقد لها الإطلاق وإنّما وردت لبيان حكم آخر ، وهو جواز إمامة النساء ، فيكفي في الصحّة مشروعيتها ولو في بعض النوافل على سبيل الموجبة الجزئية كما في صلاة الاستسقاء ويوم الغدير.

ثم قال (قدس سره) : وإرادة هذا البعض منها بالخصوص الذي يندر الابتلاء به وإن كان بعيداً في حدّ ذاته في الغاية ، لكن ممّا يقرّب احتماله كون المقام مورد التقيّة ، حيث يناسب ذلك التورية ، فلا بأس به في مقام الجمع حذراً من الطرح.

أقول : ما أفاده (قدس سره) من الورود لبيان حكم آخر المانع من انعقاد الإطلاق للرواية وإن كان وجيهاً في بعض تلكم النصوص ، إلّا أنّه ممّا لا يتمّ في الكلّ ، ولا سيما في صحيحة الحلبي غير المسبوقة بالسؤال ، فإنّ الإمام عليه‌السلام قد حكم فيها ابتداءً بمشروعية إمامتها لهنّ في النافلة ، فتكون مسوقة

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٢٥ السطر ٣٥.

٣٠

وإن وجبت بالعارض بنذر ونحوه (١).

______________________________________________________

لبيان هذا الحكم ، وهو مشروعية الجماعة في النافلة. فلا قصور في إطلاقها كما لا يخفى. والصحيح في الجواب عنها هو ما عرفت.

فقد تحصّل : عدم مشروعية الجماعة في شي‌ء من النوافل الأصلية عدا ما استثني ممّا ستعرف ، للروايات المانعة السليمة عن المعارض ، مضافاً إلى قيام السيرة على المنع كما عرفت.

(١) قد يفرض تعلّق النذر ونحوه بإتيان النافلة جماعة ، وقد يفرض تعلّقه بذات النافلة لكنّه في مقام الوفاء به يأتي بالمنذور جماعة ، وهذا هو مفروض كلام الماتن (قدس سره) دون الأوّل كما هو ظاهر.

أمّا الفرض الأوّل : فلا إشكال في عدم انعقاد النذر ، لعدم كون متعلّقه مشروعاً ، ولا نذر إلّا في أمر سائغ.

وقد يتخيّل المنافاة بينه وبين ما سبق في محلّه (١) وقد تسالم عليه الأصحاب أيضاً من صحّة نذر التطوّع في وقت الفريضة ، فإنّ التطوّع حينئذ كالجماعة في النافلة لم يكن مشروعاً في نفسه ، فكيف صحّ تعلّق النذر بالأوّل دون الثاني مع اتّحاد ملاك المنع فيهما.

ولكنّه تخيّل فاسد ، للفرق الظاهر بين المقامين ، فانّ الممنوع منه هناك عنوان التطوّع ، أي الإتيان بالصلاة طوعاً ورغبة من غير إلزام شرعي به. ومن الواضح أنّ النذر غير متعلّق بهذا العنوان ، بل يستحيل تعلّقه بذلك ، لامتناع الوفاء به خارجاً ، فإنّه بعد النذر يكون الإتيان به عن ملزم شرعي لا محالة وليس هو من التطوّع في شي‌ء.

وإنّما تعلّق بذات النافلة ، وهي عبادة راجحة ، فإنّ الصلاة خير موضوع ومن الضروري أنّه بعد انعقاد النذر تخرج النافلة عن عنوان التطوّع تكويناً

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٣٤٧.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث يلزم الإتيان بها حينئذ شرعاً وفاءً بالنذر كما عرفت ، فلا يشمله دليل المنع عن التطوّع في وقت الفريضة ، لانتفاء الموضوع.

وهذا بخلاف المقام ، لكون متعلّق النذر فيه هو النافلة جماعة حسب الفرض ، وهو بنفسه ممنوع منه شرعاً ، فلا ينعقد نذره ، إذ لا نذر إلّا في أمر مشروع سائغ.

وأمّا الفرض الثاني : فهل الأمر فيه كالأوّل ، فلا يجوز الإتيان بالنافلة المنذورة جماعة ، أو يجوز قياساً على نذر التطوّع في وقت الفريضة؟ الظاهر هو الأوّل ، بل لا ينبغي الإشكال فيه ، ضرورة أن تقسيم الصلاة إلى الفرض والنفل ناظر إلى تقسيم ذات الصلاة ، ولا يتغيّر هذا العنوان باختلاف الوجوب والاستحباب.

فانّ معنى الفريضة ما فرضه الله في حدّ ذاته ، ومعنى النافلة ما زاد على ما افترضه الله تعالى بالجعل الأوّلي ، وليس الوجوب أو الاستحباب معتبراً في التعنون بالعنوان المذكور.

فلو فرض طروء عنوان ثانوي على النافلة أوجب اتّصافها بالوجوب كالنذر أو الشرط ضمن العقد اللازم ونحو ذلك لم يوجب ذلك تغيّر النافلة عمّا كان لها من العنوان من قبل ، ولم تنقلب به حقيقتها ، غايته أنّها في الحال نافلة واجبة ، فتكون بعد النذر باقية بحالها الأول قبله ، ومتّصفة بذلك العنوان السابق ، ومحكوماً عليها أيضاً بالحكم السابق ، ومنه عدم مشروعية الجماعة فيها.

ومن الظاهر تعلّق النذر بخصوص الحصّة المشروعة من الطبيعة ، فلا يتمّ الوفاء به بالإتيان بالحصّة غير المشروعة منه وهي النافلة جماعة ، فلذلك لم تشرع الجماعة في النافلة مطلقاً حتّى المنذورة منها.

وهذا بخلاف التطوع ، فانّ حقيقته متقوّمة بعدم الإلزام الشرعي وكون العمل ممّا يؤتى به طوعاً ورغبة كما عرفت ، وواضح عدم بقاء هذه الحقيقة بعد

٣٢

حتّى صلاة الغدير على الأقوى (١)

______________________________________________________

تعلّق النذر تكويناً ، فلا موضوع للتطوّع بعد النذر كي يشمله دليل المنع ، وقد عرفت آنفاً أنّ موضوع النذر إنّما هي ذات النافلة لا بعنوان التطوّع. فالفرق بين المقامين كاد يبلغ بعد المشرقين.

(١) كما عن غير واحد. وحكي عن جملة من الأصحاب (قدس سرهم) القول بالجواز ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، وإن ناقش صاحب الجواهر (قدس سره) (١) في صدق النسبة ، فإنّ أكثر من تعرّض لهذه الصلاة وأحكامها لم يتعرّض للحكم المذكور. وكيف كان ، فلا بد من النظر في الدليل.

وقد يستدلّ للجواز بوجوه :

أحدها : ما عن المدارك من أنّ الجواز مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى ورود نصّ بالخصوص عليه (٢) ، بناء على ما سلكه (قدس سره) من مشروعيّة الجماعة في مطلق النوافل ، فإنّه بعد بنائه على ذلك قال ما لفظه : ومن هذا يظهر أنّ ما ذهب إليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيّد وإن لم يرد فيها نصّ على الخصوص.

ويتوجّه عليه ما عرفت من فساد المبنى ، ومعه لا مجال للتفريع.

ثانيها : أنّ يوم الغدير يوم عيد ، بل هو من أعظم الأعياد ، فيكفي في مشروعية الجماعة في صلاته ما دلّ على مشروعيتها في صلاة العيدين.

ويتوجّه عليه أنّ الصغرى وإن كانت مسلّمة ، لكنّه لا دليل على مشروعية الجماعة في كلّ عيد ، وإنّما الثابت ذلك في خصوص عيدي الفطر والأضحى. فلا وجه للتعدّي عنهما.

ثالثها : ما حكي عن أبي الصلاح من نسبته إلى الرواية مرسلاً (٣) ، وكذا ما

__________________

(١) الجواهر ١٣ : ١٤٤.

(٢) المدارك ٤ : ٣١٦.

(٣) الكافي في الفقه : ١٦٠.

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عن المفيد في المقنعة (١) من حكاية فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير ومن جملته : «أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بأن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا وصلّوا ركعتين ، ثمّ رقى صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر ...».

ويتوجّه عليه : أنّ كلتا الروايتين مرسلة ، ولا نعتمد المراسيل ، ولم يثبت عمل الأصحاب (قدس سرهم) بهما لتصحّ دعوى الانجبار لو سلّمت الدعوى كبروياً. مع أنّ أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنداء للصلاة جامعة أعم من إقامتها جماعة ، فلعلّهم صلّوا جميعاً لكن بانفراد ، وإن كان هذا خلاف الظاهر. وكيف كان ، فهذه الوجوه كلّها ساقط.

رابعها : ـ وهو العمدة ـ التمسّك بقاعدة التسامح في أدلّة السنن المستفادة من أخبار من بلغ ، فإنّها تجبر ضعف سند المرسلتين ، فيتمّ الاستدلال بهما للمدّعى.

قلت : إذا بنينا كما هو الصحيح تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره) (٢) على أنّ الظاهر من الأخبار المذكورة أو منصرفها هو بلوغ الثواب فقط ، دون ما إذا انضمّ إليه بلوغ عدم الثواب أيضاً ، ولا سيما إذا كان دليل العدم معتبراً كانصرافها قطعاً عمّا إذا كان قد بلغ كلّ من الثواب والعقاب معاً ، فعلى هذا لا مجال للاستناد إلى القاعدة في المقام ، فإنّه كما بلغ الثواب على ذلك بمقتضى المرسلتين فقد بلغ عدمه أيضاً بموجب النصوص المعتبرة النافية لمشروعية الجماعة في النافلة مطلقاً كما سبق.

وأمّا إذا بنينا على التعميم كما اختاره المحقّق الهمداني (قدس سره) مدّعياً اختصاص مورد الانصراف بما إذا بلغ العقاب ذاتاً ، لا بعنوان التشريع والبدعة كما في المقام (٣).

فان قلنا بأنّ المستفاد من الأخبار المذكورة حجّية الخبر الضعيف

__________________

(١) المقنعة : ٢٠٣.

(٢) الجواهر ١٣ : ١٤٤.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٢٦ السطر ٤.

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وتخصيص الشرائط المعتبرة في حجّيته بما تضمّن الحكم الإلزامي فقط ، استناداً إلى أنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام فيها : «فعمل به كان له أجر ذلك ...» (١) ترتّب الأجر على نفس العمل بعنوان كونه عملاً ، الكاشف ذلك عن استحبابه ذاتاً ، الملازم لحجيّة الخبر الضعيف حينئذ على حدّ حجّية الصحيح منه فلا مناص إذن من ارتكاب التقييد في أدلّة النفي بما دلّ من المرسل على مشروعيتها في خصوص صلاة الغدير ، بعد فرضها بحكم الصحيح لما عرفت.

وإن قلنا : إنّ مفادها إنّما هو استحباب العمل بالعنوان الثانوي الطاري ، أي بعنوان بلوغ الثواب عليه ، لظهورها في ترتّب الأجر على العمل بالعنوان المذكور ، دون عنوانه الأوّلي أعني ذات العمل لتدلّ على إسقاط شرائط الحجّية في باب المستحبّات ، فلا يجري حينئذ تخصيص بالعنوان الذاتي في إطلاق أدلّة النفي كما في الفرض السابق.

وإنّما يجري فيها التخصيص بالعنوان الثانوي ، حيث إنّه بعد ورود المرسلة يثبت استحباب الجماعة في صلاة الغدير بعنوان كونها ممّا بلغ الثواب عليه ، فلا محالة يكون التخصيص الوارد على الإطلاقات النافية للمشروعية بالعنوان الثانوي ، لا بالعنوان الأولي. فتكون النتيجة هو جواز الجماعة في صلاة الغدير.

وأمّا إذا رفضنا كلا الرأيين وبنينا كما هو الصحيح على أنّ مفادها هو الإرشاد إلى ما حكم به العقل من حسن الانقياد ، وأنّها تنبئ عن تفضّله سبحانه وتعالى بإعطاء الثواب الذي بلغ وإن لم يكن الأمر كما بلغ ، من دون إشعار فيها باستحباب العمل بالعنوان الثانوي ، ولا بإلغاء شرائط الحجّية في الخبر حتّى يدلّ على الاستحباب الذاتي ، فليس هناك أمر في البين متعلّق بالعمل بعنوانه الأوّلي ولا بعنوانه الثانوي ، وحينئذ فلا موجب للتخصيص بعد عدم ثبوت استحباب الجماعة في صلاة الغدير ، ولذلك لا يجوز الإتيان بها

__________________

(١) الوسائل ١ : ٨٠ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٨ ح ١.

٣٥

إلّا في صلاة الاستسقاء (١) نعم لا بأس بها فيما صار نفلاً بالعارض كصلاة العيدين (٢) مع عدم اجتماع شرائط الوجوب ،

______________________________________________________

كذلك إلّا رجاء ، فإنّ الحرمة حينئذ تشريعية ، لا ذاتية كما لا يخفى.

(١) بلا إشكال ولا خلاف ، للنصوص المعتبرة (١) ، مضافاً إلى السيرة المستمرّة ، وبذلك تقيّد إطلاقات المنع لا محالة.

(٢) بلا إشكال فيه ، وهل هو من باب الاستثناء من عموم المنع كما في صلاة الاستسقاء كما قد يظهر من بعض العبائر كالمحقّق في الشرائع (٢) وغيره؟ الظاهر العدم ، فإنّها فريضة في أصل التشريع كسائر ما فرضه الله تعالى ، وليست من النفل في شي‌ء ، وقد أُطلق عليها الفريضة في غير واحد من النصوص (٣).

نعم ، قد تجب عند استجماع الشرائط ومنها حضور الإمام عليه‌السلام وتستحب عند فقدها ، ولكن قد مرّ (٤) أنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن حقيقة الاتّصاف بالفرض والنفل ، والمستفاد من النصوص أنّ هذه الصلاة بطبعها تقتضي أن يؤتى بها جماعة ، سواء اتّصفت بالوجوب أم بالاستحباب ، كما يومئ إلى ذلك قوله عليه‌السلام في غير واحد من النصوص : «لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلّا مع إمام عادل» (٥).

نعم ، ورد في بعضها : «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين إلى أن قال : وليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة» (٦). ويستكشف من ذلك كلّه أنّ الجماعة معتبرة في المرتبة الفاضلة من هذه الصلاة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥ / أبواب صلاة الاستسقاء ب ١.

(٢) الشرائع ١ : ١٤٥.

(٣) الوسائل ٧ : ٤١٩ / أبواب صلاة العيد ب ١ ح ١ ، ٤.

(٤) في ص ٣٢.

(٥) الوسائل ٧ : ٤٢١ / أبواب صلاة العيد ب ٢ ح ١ وغيره.

(٦) الوسائل ٧ : ٤٢٤ / أبواب صلاة العيد ب ٣ ح ١.

٣٦

والصلاة المعادة جماعة (١) ، والفريضة المتبرّع بها عن الغير ، والمأتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي (*).

______________________________________________________

وعلى الجملة : فهذه الصلاة ممّا لا تخرج عن عنوان كونها فريضة ، وإن اتّصفت بالاستحباب عند فقد شرائط الوجوب ، فهي فريضة يستحبّ الإتيان بها ، كما هو الحال في الحجّ فإنّه فريضة لكنّه يتّصف بالوجوب عند تحقّق شرائطه ، مستحبّ لدى فقدها.

وعليه فيشملها قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة والفضيل المتقدّمة (١) : «ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنّها سنّة» ، إذ بعد كونها من مصاديق الفريضة كما عرفت تندرج في عموم الصحيحة الدالّة على استحباب الجماعة في الفرائض ، وليست هي من النوافل ليكون خروجها استثناء أو تخصيصاً في أدلّة المنع ، وإنّما هو خروج بالتخصّص ، فانّ المراد بالفريضة هي ما كانت كذلك في الجملة وفي أصل التشريع ، لا مطلقا.

(١) ممّا ذكرناه في صلاة العيدين يظهر الحال فيها وفي التي تليها ، فانّ الجواز في شي‌ء منهما لا يكون استثناءً من أدلّة المنع ، ضرورة أنّ المعادة فريضة ، وإنّما المستحبّ نفس الإعادة جماعة ، للأخبار الدالّة على ذلك (٢). كما أنّ المتبرّع بها فريضة أيضاً ، والمستحبّ إنّما هو التبرّع والتصدّي لتفريغ ذمّة الغير ، كما هو الحال أيضاً في المأتي بها احتياطاً استحبابياً ، فانّ الاستحباب إنّما هو في الإعادة الاحتياطية ، دون المعادة نفسها.

والخلاصة : أنّ الكلّ داخل تحت عنوان الفريضة ، التي عرفت استحباب الجماعة فيها. فلا استثناء في شي‌ء من ذلك عدا صلاة الاستسقاء كما عرفت.

__________________

(*) على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.

(١) في ص ٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٠١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤.

٣٧

[١٨٧٠] مسألة ٣ : يجوز الاقتداء في كلّ من الصلوات اليومية بمن يصلّي الأُخرى أيّاً منها كانت (١) وإن اختلفا في الجهر والإخفات ،

______________________________________________________

نعم ، في صحّة الجماعة في المأتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي تفصيل يأتي التعرّض له إن شاء الله في المسألة الآتية.

الاتحاد بين الإمام والمأموم في الخصوصيات :

(١) كما هو المتسالم عليه ظاهراً ، ونسب إلى الصدوق (قدس سره) عدم صحّة الاقتداء في صلاة العصر بمن يصلّي الظهر إلّا إذا تخيّل أنّ الإمام يصلّي العصر فبان له الخلاف (١). وقد تنظّر غير واحد في صدق هذه النسبة ، وفي نسبة ما يأتي عن والده (قدس سره) أيضاً ، بل قال بعضهم : إنّه على تقدير صدق كلتا النسبتين فهما شاذان وعلى خلاف الإجماع.

وكيف كان ، فالمتّبع هو الدليل ، فما هو الذي يمكن أن يستند إليه الصدوق (قدس سره) على تقدير صدق النسبة؟

احتمل الشهيد (قدس سره) في الذكرى (٢) أن يكون مستنده اعتبار الترتيب بين الظهر والعصر ، فإنّه لو اقتدى في عصره بظهر الإمام فكأنّهما وقعا معاً ، مع أنّ العصر بعد الظهر ، فيختلّ بذلك الترتيب بينهما.

لكنّه احتمال ضعيف كما صرح به (قدس سره) أيضاً ، فإنّ الترتيب بين الصلاتين معتبر بالإضافة إلى كلّ شخص ، لا كلّ شخص وغيره. فعصر المأموم مترتّبة على ظهره ، لا على ظهر الإمام كما هو واضح جدّاً ، بل لا يحتمل عادة استناد الصدوق إلى هذا الوجه الاعتباري الضعيف غايته.

وربما يتخيّل أنّ نظره (قدس سره) في ذلك إلى صحيحة علي بن جعفر : «أنّه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٣ ذيل ح ١٠٣٠.

(٢) الذكرى ٤ : ٣٨٤.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي معه وهي تحسب أنّها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟ قال : لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها» (١).

ولكنّها كما ترى ، فانّ مفادها عكس ما هو المنسوب إليه ، لدلالتها على البطلان في المورد الذي حكم فيه بالصحة استثناءً.

وعلى الجملة : فلم يظهر المستند لما ذهب إليه الصدوق (قدس سره). والصحيحة لا بدّ من حملها إمّا على التقيّة لموافقتها لما هو الأشهر من مذاهب العامّة كما أفاده صاحب الوسائل (قدس سره) ، أو على أنّ الإعادة كانت لأجل وقوف المرأة بحيال الرجل. وكيف ما كان ، فهذا القول لا اعتبار به بوجه.

ثمّ لا يخفى أنّ مقتضى القاعدة في كلّ مورد شكّ في الصحّة من جهة احتمال اعتبار الاتّحاد في جهة من الجهات هو الحكم بالفساد ، لإطلاق دليل اعتبار القراءة كقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) وإطلاق أدلّة الشكوك ، فانّ الخارج عنها هي الجماعة الصحيحة ، فمع الشك في صحّتها ومشروعيّتها كان المحكّم هو الإطلاق المذكور.

إلّا أنّ الظاهر هو عدم وصول النوبة إلى الشكّ ولا في مورد واحد ، لوفاء النصوص بالحكم بالصحّة في الجميع.

أمّا في صورة الاختلاف بينهما سفراً وحضراً فتأتي الإشارة إلى دليله قريباً.

وأمّا الاختلاف بينهما ظهراً وعصراً ففي الاقتداء ظهراً بمن يصلّي العصر تدلّ عليه صحيحة حمّاد بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل إمام قوم فصلّى العصر وهي لهم الظهر ، قال : أجزأت عنه ، وأجزأت

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.

(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ ، راجع ص ١٨ ، الهامش (١).

٣٩

والأداء والقضاء (١)

______________________________________________________

عنهم» ، ونحوه موثّقة أبي بصير (١).

وفي الاقتداء عصراً بالظهر يدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر والأخيرتين العصر» (٢).

وصدرها يدلّ على جواز اقتداء المسافر بالحاضر ، الذي تأتي الإشارة إليه قريباً. ونحوها صحيحة الحلبي (٣).

ويطّرد الحكم في العشاءين في الأصل والعكس ، بالقطع بعدم الفصل.

(١) ويدلّ على صحّة الائتمام في القضاء بمثله الصحاح الكثيرة الحاكية لقصة رقود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه عن صلاة الفجر ، ثمّ قضائها بهم جماعة بعد التحوّل من مكانه ، وقد تقدّم ذكرها (٤).

وقد عرفت (٥) أنّ الاستشكال في أصل القصّة لا ينافي تصديق الروايات المذكورة في هذا الحكم ، فلا موجب لطرحها من هذه الجهة.

وفي الاقتداء في القضاء بالأداء صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أُخرى إلى أن قال : وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ، ثمّ صلّى المغرب ، ثمّ صلّى العتمة بعدها» (٦).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ١ ، ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٩٢ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٣.

(٤) تقدّمت الإشارة إليها في ص ٨ ، راجع شرح العروة ١٦ : ١٦٠.

(٥) في ص ٨.

(٦) الوسائل ٤ : ٢٩١ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

٤٠