موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٩٢٦] مسألة ٤ : إذا قرأ بتخيّل أنّ المسموع غير صوت الإمام ثمّ تبيّن أنّه صوته لا تبطل صلاته (١) ، وكذا إذا قرأ سهواً في الجهرية.

[١٩٢٧] مسألة ٥ : إذا شكّ في السماع وعدمه (٢) أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره فالأحوط الترك ، وإن كان الأقوى الجواز.

______________________________________________________

الهمهمة في بعض القراءة فلا يقرأ. فيكشف عن أنّ الموضوع في سماع القراءة أيضاً هو سماع البعض دون الكلّ كما لا يخفى.

فالأقوى حينئذ هو السقوط ، ولم يجزم الماتن بذلك ، فذكر أنّ الأحوط الترك ، ولا شكّ أنه مقتضى الاحتياط ، سيما على القول بكون السقوط بنحو العزيمة كما اختاره وقوّيناه. لكن ذلك فيما إذا قرأ بقصد الجزئية وأتى بها بعنوان القراءة الصلاتية ، وأمّا القراءة بقصد القرآن أو الدعاء أو الذكر لاشتمال الفاتحة عليهما فلا ينبغي الاستشكال في جوازها كما نبّهنا عليه في أوّل الفصل (١).

(١) فإنّ القراءة حينئذ وإن كانت عمدية لكن العمد إليها مبنيّ على الاشتباه وتخيّل أنّ المسموع غير صوت الإمام ، فلم تكن الحرمة منجّزة في حقّه ، فهي في حكم الزيادة السهوية غير القادحة بمقتضى حديث لا تعاد (٢).

ونحوه ما إذا قرأ سهواً في الجهريّة مع السماع الذي ذكره (قدس سره) أخيراً لعين ما ذكر. والفرق بينهما أنّ القراءة هنا بنفسها سهويّة وهناك بمقدّمتها كما عرفت ، وعلى التقديرين فزيادتهما غير قادحة ، لاندراجها تحت الحديث كما مرّ.

(٢) كما لو كان مبتلى بخشخشة في اذنه فسمع صوتاً شكّ في أنّه من الداخل أم من الخارج ، فبالنتيجة يشكّ في أصل السماع ، أو علم به فسمع صوتاً من الخارج وشكّ في أنّه صوت الإمام أو غيره.

__________________

(١) في ص ١٩٧.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٢٢١

[١٩٢٨] مسألة ٦ : لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام (١) وإن كان الأحوط ذلك ،

______________________________________________________

وقد ذكر في المتن أنّ الأقوى جواز القراءة ، وهو الصحيح ، لا لأصالة عدم التعلّق بصوت الإمام فيما إذا علم بالسماع وشكّ في المسموع ليبتني ذلك على جريان الأصل في العدم الأزلي ، فانّ التعلّق بصوت الإمام ليس موضوعاً للأثر.

وإنّما الموضوع في النصّ هو سماع صوت الإمام ، ولا شكّ أنّ هذا عنوان حادث مسبوق بالعدم النعتي ، فيقال : إنّه قبل هذا الآن لم يكن سامعاً لصوت الإمام ، والآن كما كان.

ولا يعارض بأصالة عدم سماعه لصوت غير الإمام ، إذ لا أثر لهذا الاستصحاب إلّا إذا ثبت به أنّ المسموع هو صوت الإمام من أجل العلم الإجمالي بأحدهما ، ومن المعلوم أنّا لا نقول بالأصل المثبت.

(١) فانّ مدرك اعتبار الطمأنينة إن كان هو الإجماع فمن الواضح أنّه دليل لبي يقتصر على المقدار المتيقّن منه ، وهو اعتباره في قراءة نفسه ، لا حال قراءة الإمام.

وإن كان هو الدليل اللفظي كما استفدناه ممّا ورد في الإقامة من قوله عليه‌السلام : «وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة» (١) وما ورد في المشي حال الصلاة من قوله عليه‌السلام : يكفّ عن القراءة حال المشي (٢) ، على ما تقدّم في محلّه (٣) ، فمن الواضح أنّ هذه الأدلّة إنّما تدلّ على اعتبارها في القارئ ولدي تصدّيه للقراءة ، لا مع سقوطها عنه وضمان الإمام لها كما في المقام.

ومعلوم أنّه لا دليل على تنزيل قراءة الإمام منزلة قراءة نفسه من هذه

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٤ ح ١.

(٣) شرح العروة ١٤ : ١١٣ ، ٢٥٦.

٢٢٢

وكذا لا تجب المبادرة إلى القيام حال قراءته (١) ، فيجوز أن يطيل (١) سجوده ويقوم بعد أن يقرأ الإمام في الركعة الثانية بعض الحمد.

[١٩٢٩] مسألة ٧ : لا يجوز أن يتقدّم المأموم على الإمام في الأفعال (٢)

______________________________________________________

الجهة كما هو ظاهر ، وحيث لا دليل فالمرجع أصالة البراءة.

(١) فإنّ القيام إمّا واجب حال القراءة أو شرط في صحّتها ، وعلى التقديرين فإنّما يجب لدى التصدّي للقراءة مباشرة ، فلا موضوع للوجوب مع السقوط وضمان الإمام. وعليه فلا مانع من إطالة السجود والقيام بعد قراءة الإمام بعض الحمد كما ذكره في المتن.

لكن ينبغي تقييده بقرينة ما سيجي‌ء منه (قدس سره) من لزوم المتابعة في الأفعال بما إذا لم يكن التأخير بمثابة يخلّ بصدق المتابعة في القيام عرفاً كما لو أطال السجود ولحق بالإمام حينما أشرف على الركوع ، وإلّا بطلت جماعته أو كان آثماً على الخلاف الآتي من أنّ المتابعة واجب نفسي أو شرطي.

وبعبارة أُخرى : هنا جهتان من البحث :

إحداهما : وجوب القيام حال قراءة الإمام ، وهذا لا دليل عليه كما عرفت لاختصاصه بالقيام حال قراءة المصلّي نفسه ، لا حال سقوطها وضمان الغير له. فله التأخير في السجود والالتحاق بالإمام وإن شرع في الفاتحة وقرأ آية منها مثلاً.

ثانيتهما : وجوب متابعة الإمام في أفعاله ، فالتأخير في الالتحاق بمقدار يخلّ بمتابعة الإمام في القيام ممنوع لأجل ذلك ، لا لعدم القيام حال قراءة الإمام.

(٢) بلا خلاف ولا إشكال ، وقد ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من الأصحاب. وإنّما الكلام في مستنده بعد وضوح عدم كون الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

__________________

(١) بمقدار لا يضرّ بالمتابعة العرفية.

٢٢٣

بل يجب متابعته ، بمعنى مقارنته أو تأخّره عنه (١) تأخّراً غير فاحش.

______________________________________________________

وربما يستدلّ له بالنبوي : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فاذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا» (١) بعد انجبار ضعفه بعمل المشهور. لكن الانجبار ممنوع كبرى كما مرّ مراراً ، وكذا صغرى ، إذ لم يعلم استنادهم إليه كما لا يخفى.

فالأولى الاستدلال له بأنّ ذلك هو مقتضى مفهوم الائتمام ، ولازم جعل الإمامة للإمام ، من غير حاجة إلى ورود نصّ في المقام ، فإنّ المأمومية والاقتداء تتقوّم عرفاً بالتبعيّة لمن يأتمّ به في كلّ ما يفعل. فالتقدّم عليه في الأفعال منافٍ لصدق هذا العنوان بالضرورة. فالنبوي المزبور وإن كان ضعيف السند لكن مضمونه مطابق للقاعدة.

ويشهد له بعض النصوص الواردة في الموارد المتفرّقة مثل ما ورد في من ركع أو سجد قبل الإمام سهواً (٢) ، أو رفع رأسه عنهما كذلك (٣) من أنّه يرجع إلى ما كان. فلولا عدم جواز التقدّم عليه في الأفعال لم يكن وجه للعود.

وما ورد من الأمر بالتجافي في التشهّد في المأموم المسبوق (٤) ، ومن الأمر بالانتظار والاشتغال بالتسبيح فيما لو فرغ المأموم عن القراءة عند ما يقرأ قبل أن يفرغ الإمام عنها (٥). فلو كان التقدّم جائزاً لم يكن وجه للتجافي فيقوم عن تشهّد الإمام ، ولا للانتظار فيركع قبل ركوعه. فالأمر بهما يكشف عن عدم الجواز لا محالة.

(١) المشهور جواز مقارنة المأموم مع الإمام في الأفعال ، فتتحقّق المتابعة

__________________

(١) المستدرك ٦ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٩ ذيل ح ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٩١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٩٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١ ، ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٨٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢ ، ٤١٨ / ب ٦٧ ح ٢.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٧٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بمجرّد عدم التقدّم عليه ، ولا يلزم التأخّر عنه ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه.

وذهب جمع منهم صاحب المدارك (١) وصاحب الذخيرة (٢) إلى لزوم التأخّر وعدم كفاية المقارنة (٣). ويستدلّ لهم بوجهين :

أحدهما : أنّ لزوم التأخّر هو ظاهر النبوي المتقدّم ، فانّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كبّر فكبّروا ...» إلخ ظاهر بمقتضى التفريع وتعليق الجزاء على الشرط في أنّ وجوب التكبير على المأموم متفرّع على تكبير الإمام وتحقّقه خارجاً ، وهكذا الحال في الركوع والسجود إلى نهاية الأفعال. فهي متأخّرة عنه زماناً لا محالة ، رعاية للترتيب الزماني المستفاد من التعليق المزبور بمقتضى الفهم العرفي.

وحمله على التأخّر الرتبي والترتّب بالعلّية المجامع مع التقارن الزماني بأن تكون إرادة المأموم معلولاً لإرادة الإمام وإن اقترن الفعلان زماناً خلاف الظاهر جدّاً ، بعيد عن سياق الرواية عرفاً كما لا يخفى.

ثانيهما : أنّ ذلك هو مقتضى قاعدة الاشتغال ، فإنّ الجماعة محكومة بأحكام خاصّة من ضمان الإمام للقراءة ، ورجوعه إلى المأموم وكذا العكس لدى الشكّ ، واغتفار الزيادة لأجل التبعية. ولا يمكن ترتيبها إلّا مع الجزم بالصحّة ولا جزم إلّا في فرض التأخّر ، لاحتمال دخله فيها وعدم كفاية المقارنة في صحّة الجماعة. فمجرّد الاحتمال كافٍ في الاعتبار ، قضاء لقاعدة الاشتغال.

أقول : في كلا الوجهين ما لا يخفى.

أمّا الأوّل : فلما عرفت من ضعف سند النبويّ ، فلا يمكن التعويل عليه في

__________________

(١) لاحظ المدارك ٤ : ٣٢٦.

(٢) لاحظ الذخيرة : ٣٩٨ السطر ٢٠.

(٣) يظهر من الحدائق أنّ صاحب المدارك والذخيرة إنّما منعا عن المقارنة في خصوص التكبير لا في الأفعال التي هي محلّ الكلام ، ولا في غيره من الأقوال. لاحظ الحدائق ١١ : ١٣٩.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

شي‌ء من الأحكام. والانجبار على تقدير تسليمه كبرى لا صغرى له في المقام قطعاً ، كيف وقد ذهب المشهور إلى جواز المقارنة ، بل ادّعي الإجماع عليه كما مرّ.

وأمّا الثاني : فلأنّه إن أُريد من احتمال دخل التأخّر في الصحّة دخله في مفهوم الائتمام وصدق عنوان الجماعة عرفاً فهو مقطوع العدم ، لتحقّق المتابعة بمجرّد المقارنة لدى العرف ، فإنّهم لا يرون في صدقها أكثر من جعل التابع فعله قرين فعل المتبوع والتحرّك طبق إرادته. وهذا العرف ببابك ، فانّ الاجتماع للصلاة كالاجتماع لغاية أُخرى كالاستماع والترنّم لقصيدة مثلاً ، فاذا كان هناك من يلقي قصيدة ويتبعه الباقون في قراءتها لا يعتبر في صدق المتابعة تأخّر الباقين في القراءة ، بل يتحقّق وإن اجتمعا في زمان واحد.

وإن أُريد منه احتمال دخله في الصحّة شرعاً فيدفعه أوّلاً : إطلاقات أدلّة الجماعة بعد صدق المفهوم عرفاً لدى المقارنة كما عرفت.

وثانياً : أصالة البراءة كما مرّ مراراً من أنّها المرجع لدى الشكّ في أمثال المقام ، فإنّ الجماعة ليست مسقطة للوجوب ، وإنّما هي عدل للواجب التخييري ، فيشكّ في أنّ الملحوظ في هذا العدل هل هو خصوص المتضمّن للتأخّر أم الأعم منه ومن التقارن. وحيث إنّ الخصوصية مشكوكة فتدفع بأصالة البراءة التي نتيجتها جواز المقارنة. فلا مجال للرجوع إلى قاعدة الاشتغال ، هذا.

وربما يستدلّ للجواز بما رواه في الحدائق (١) عن الحميري في كتاب قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلّي ، إله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال : لا يكبّر إلّا مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبير» (٢) ، فانّ ظاهرها جواز المقارنة. وقد استدلّ بها المجلسي في

__________________

(١) الحدائق ١١ : ١٣٩.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠١ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٦ ح ١.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

البحار (١) على جوازها في التكبير ، وبضميمة عدم الفصل بينه وبين سائر الأفعال يتمّ المطلوب.

وفيه أوّلاً : أنّ مورد هذه الرواية على ما استظهره في الوسائل هو صلاة الجنازة ، ومن ثمّ أوردها في ذاك الباب ولم يوردها في روايات المقام. كما أنّ الحميري أيضاً أوردها في باب صلاة الجنازة (٢) ، قال في الوسائل (٣) : ويظهر منه أنّه كان كذلك في كتاب علي بن جعفر (٤) أيضاً (٥).

وكأنّ معلّق الحدائق (دام علاه) اقتصر في فحصة على روايات المقام حيث قال : ولم نجده في قرب الإسناد ولا في الوسائل ولا في المستدرك.

وكيف ما كان ، فلا مساس لهذه الرواية بروايات المقام إمّا جزماً أو احتمالاً فلا جزم بصحّة الاستدلال بها.

وثانياً : أنّها ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن ، هذا.

وقد ناقش صاحب الحدائق (قدس سره) في دلالتها بما ملخّصه : أنّ العبارة لو كانت هكذا : لا يكبّر إلا مع تكبير الإمام. لدلّت على المقارنة ، لكون المعيّة حينئذ ملحوظة بين التكبيرتين ، لكن المذكور في الرواية هكذا : «لا يكبّر إلّا مع الإمام» والمفهوم من هذه العبارة لزوم التأخّر ، إذ المعيّة ملحوظة بين تكبير

__________________

(١) البحار ٨٥ : ٧٤ / ٣٠.

(٢) قرب الإسناد : ٢١٨ / ٨٥٤.

(٣) [سقط قول صاحب الوسائل هذا من الطبعة الجديدة].

(٤) مسائل علي بن جعفر : ٢١١ / ٤٥٥.

(٥) لا يخفى أنّ كتاب علي بن جعفر على ما يظهر من النجاشي [في رجاله : ٢٥١ / ٦٦٢] يروى مبوّباً تارة وغير مبوّب اخرى ، والذي وصل إلى عبد الله بن جعفر الحميري إنّما هو غير المبوّب. لاحظ معجم الأُستاذ ١٢ : ٣١٤ / ٧٩٧٩.

وعليه فالتبويب الذي يشاهد في الجزء الثاني من قرب الإسناد عند إيراده لمسائل علي بن جعفر كأنّه اجتهاد من الحميري نفسه ، ولا عبرة به ، كاجتهادات الكليني وأضرابه في إيراد الأحاديث في بعض الأبواب حسب أنظارهم المقدّسة وما يفهمونه من الروايات.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المأموم ونفس الإمام ، أي اتّصافه بالإمامة.

ومن الواضح أنّ هذا الاتّصاف لا يتحقّق إلّا بعد دخول الإمام في الصلاة وصدور التكبير منه ، وبعدئذ يصير إماماً ، فتكبير المأموم مقارن لهذا الاتّصاف المساوق لتأخيره عن تكبير الإمام لا محالة ، في قبال ما لو سبقَ الإمامَ بالتكبير ، الذي أشار إليه بقوله عليه‌السلام : «فان كبّر قبله أعاد». فالرواية ناظرة إلى صورتي التقدّم والتأخّر اللذين هما الشائع ، دون التقارن الذي هو فرد نادر.

لكنّ الإنصاف أنّ المناقشة في غير محلّها ، فانّ قوله عليه‌السلام : «لا يكبّر إلّا مع الإمام» كقولنا : لا تأكل إلّا مع زيد ، ولا تمش إلّا مع عمرو. الظاهر في المقارنة بين نفس الفعلين ، وإلّا فاتّصاف الإمام بالإمامة لا يتحقّق بمجرّد التكبير ، بل يتوقّف على تكبير المأموم أيضاً وائتمامه به ، رعاية للمضايفة المعتبرة بين الإمامة والمأمومية ، المتكافئة في القوة والفعلية ، فلو لوحظ التقارن مع الاتّصاف المزبور يرجع المعنى إلى أنّ المأموم لا يكبّر إلّا عند تكبير نفسه ولا محصّل له كما لا يخفى.

ثمّ إنّه مع الغضّ عن جميع ما مرّ ، وتسليم جواز المقارنة في التكبير بمقتضى هذه الرواية مع أنّ المشهور خلافه ، فأيّ ملازمة بينه وبين سائر الأفعال؟ وعدم القول بالفصل غير ثابت ، فيمكن التفكيك ، لا سيما مع ثبوت الفرق ، فانّ التكبير افتتاح الصلاة ، فهو شرط في تحقّقها وفي انعقاد الجماعة ، فلا ضير في المقارنة ، بخلاف بقيّة الأجزاء الواقعة بعد الانعقاد ، التي هي المدار في مراعاة المتابعة ، فيمكن دعوى لزوم التأخّر فيها. على أنّ التكبير من الأقوال فلا يقاس عليه الأفعال.

وعلى الجملة : فهذه الرواية غير صالحة للاستدلال ، بل الأولى أن يستدلّ للجواز بما عرفت من التمسّك بالإطلاق والأصل.

٢٢٨

ولا يجوز التأخير الفاحش (١).

[١٩٣٠] مسألة ٨ : وجوب المتابعة تعبّدي (*) وليس شرطاً في الصحّة (٢) ، فلو تقدّم أو تأخّر فاحشاً عمداً أثم ولكن صلاته صحيحة ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة ، خصوصاً إذا كان التخلّف في ركنين ، بل في ركن ، نعم لو تقدّم أو تأخّر على وجه تذهب به هيئة الجماعة بطلت جماعته.

______________________________________________________

(١) لعين ما عرفت في المنع عن التقدّم من المنافاة لمفهوم الائتمام والمتابعة فلاحظ.

(٢) كما نسب إلى المشهور فلا يترتّب على الإخلال بها من التقدّم أو التأخّر الفاحش إلّا الإثم.

وقيل بكونها شرطاً في صحّة الصلاة ، فلو أخلّ بالمتابعة بطلت صلاته. نسب ذلك (١) إلى الشيخ (٢) والصدوق (٣) بل ابن إدريس (٤) أيضاً.

وقيل بكونها شرطاً في صحّة الجماعة فقط دون الصلاة ، فمع الإخلال تبطل الجماعة وتنقلب فرادى ، من غير إثم.

وهناك قول رابع اختاره المحقّق الهمداني (قدس سره) بعد إنكاره نسبة الوجوب التعبّدي إلى المشهور ، وهو الالتزام بصحّة الصلاة والجماعة ، غير أنّ الائتمام يبطل في خصوص هذا الجزء الذي أخلّ فيه بالمتابعة ، ولأجل ذلك كان بقاؤه على قصد الائتمام في هذا الجزء مع بطلان القدوة فيه تشريعاً محرّماً. فالعقاب إنّما هو على التشريع ، لا على ترك المتابعة كما نسب إلى المشهور كي يكون وجوبها تعبّدياً.

__________________

(*) بل الظاهر أنّها شرط الجماعة ، فيجري فيها حكم سائر الشروط.

(١) كما في الرياض ٤ : ٣١٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٣) [يستفاد ذلك مما حكاه الشهيد عنه في الذكرى ٤ : ٤٧٥].

(٤) لاحظ السرائر ١ : ٢٨٨.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر (قدس سره) أنّ المشهور لم يصرحوا بالوجوب التعبّدي ، وإنّما ذكروا صحّة الجماعة مع الإثم ، فتخيّل أنّ الإثم إنّما هو على ترك المتابعة ، ومن ثمّ نسب إليهم القول بالوجوب التعبّدي ، مع أنّه لا تلازم بين الأمرين ، إذ من الجائز أن يكون الإثم المذكور في كلامهم من أجل التشريع ، لا من أجل ترك المتابعة. فهذه النسبة غير ثابتة (١).

وكيف ما كان ، فهذه هي حال الأقوال في المسألة.

أمّا القول بالوجوب الشرطي لنفس الصلاة ، وأنّها تبطل لدى الإخلال بالمتابعة فلا مدرك له أصلاً ، إلّا أن يقال : إنّ ترك المتابعة يستوجب بطلان الجماعة وانقلابها فرادى ، ولا تشرع نيّة الانفراد أثناء الصلاة فتبطل ، ويكون محرّماً أيضاً ، لحرمة إبطال الصلاة ، فلا يمكن تصحيحها لا جماعة ولا فرادى أمّا الأوّل فلفرض الانقلاب ، وأمّا الثاني فلعدم جواز نيّة الانفراد في الأثناء. وعليه فيتّجه الحكم بالبطلان.

لكن المبنى فاسد ، لما عرفت سابقاً (٢) من جواز قصد الانفراد في الأثناء وعلى تقدير الشكّ فتكفينا أصالة البراءة. فلا مقتضي لبطلان الصلاة بوجه.

وأمّا الوجوب التعبّدي المنسوب إلى المشهور سواء صحّت النسبة أم لا فلم نعرف له وجهاً أيضاً ، فانّا إذا بنينا على أنّ ترك المتابعة والتقدّم على الإمام في بعض الأفعال لا يضر بالائتمام ، أو يضرّ ولكن غايته الانقلاب إلى الفرادى ولا مانع من نيّة الانفراد في الأثناء وأنّ المكلف مخيّر بين الجماعة والفرادى بقاء كما كان مخيّراً بينهما حدوثاً ، فما هو المقتضي بعدئذ للوجوب التعبّدي؟

وأمّا ما قيل في وجه ذلك من أنّ الإمامة من الاعتبارات المجعولة للإمام من قبل المأموم بلحاظ الأفعال الصلاتية ، كسائر الأُمور الاعتبارية مثل القضاوة والوكالة والولاية ونحوها ، ومقتضى إمامته المجعولة متابعته في الأفعال والجري

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٤٨ السطر ١٣.

(٢) في ص ٨٧ وما بعدها.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارجي على طبق هذا الجعل ، وهي المعبّر عنها بالائتمام ، وقد أمضى الشارع ما أنشأه المأموم في نيّته من الجعل المزبور ، وحكم بصحّته ونفوذه ، ولا معنى للإمضاء والصحّة إلّا وجوب المضيّ على طبق الإنشاء ، فتجب المتابعة لا محالة إذ معنى الإمضاء هو وجوبها ولزوم ترتيب الآثار.

فممّا لا محصّل له ، فانّ دليل الإمضاء لا يقتضي إلّا جواز المضيّ ، لا وجوبه كيف والجماعة مستحبّة لا واجبة ، فصحّة الجعل المزبور ونفوذه في نظر الشارع لا تستدعي أكثر من جواز المشي على طبقه دون الوجوب ، ولهذا كان الانفراد في الأثناء جائزاً حسب الفرض.

فاذا بنينا على جواز نيّة الانفراد وأنّه مخيّر بين البقاء على الجماعة أو العدول إلى الفرادى أثناء الصلاة كما كان مخيّراً بينهما من الأوّل ، أو قلنا بأنّ التخلّف وترك المتابعة في بعض الأفعال لا يضرّ بالجماعة ، فأيّ موجب بعد هذا للالتزام بالوجوب التعبّدي الشرعي. فهذا القول يتلو سابقه في الضعف.

إذن يدور الأمر بين القولين الآخرين : أعني الوجوب الشرطي للجماعة وما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) من نفي الوجوب رأساً لا تعبّداً ولا شرطاً للجماعة ولا للصلاة مع الالتزام بالإثم من ناحية التشريع.

لكن مقالة المحقّق الهمداني (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليها بوجه ، فانّا إذا بنينا على أنّ المستفاد من أدلّة الجماعة كفاية الائتمام في معظم الأجزاء كما يدعيه هو (قدس سره) وأنّه لا دليل على لزوم المتابعة في كلّ فعل بحيث تكون شرطاً فيما قبله وما بعده ، وليس الائتمام في كلّ جزء دخيلاً في صحّة الأجزاء السابقة واللاحقة ، ولا يضر التخلّف في البعض في صدق القدوة وصحّة الجماعة ما دام كونه مؤتمّاً في المعظم ، لشمول إطلاقات الجماعة مثل ذلك ، فما هو الموجب بعد هذا للإثم ، إذ قد أتى بوظيفته الشرعية من الائتمام في معظم الأجزاء ، وإن لم يأتمّ في خصوص هذا الجزء. فلو شملت أدلّة الجماعة مثل ذلك كيف يتحقّق التشريع حتى يترتّب عليه الإثم؟

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا بنينا على عدم الكفاية ، وقلنا كما هو الصحيح أنّ المستفاد من الأدلّة إنّما هو مشروعية الجماعة في الصلاة التي هي اسم لتمام الأجزاء بالأسر فيلزمه المتابعة في مجموع الأجزاء ، لأنّها مأخوذة في مفهوم الائتمام ، وليس على اعتبارها دليل آخر كما سبق. فالأمر المتعلّق بالجماعة معناه لزوم المتابعة في المجموع لا خصوص المعظم ، فلو خالف في جزء لم يتابع في المجموع ، فليس مصداقاً للمأمور به ، ولا تشمله أدلّة الجماعة.

فبناءً على ذلك تبطل الجماعة بالتخلّف في البعض ، وتنقلب صلاته فرادى بطبيعة الحال. ونتيجة ذلك هو الوجوب الشرطي لصحّة الجماعة الذي أنكره (قدس سره).

وعلى الجملة : فالأمر دائر بين أحد هذين المسلكين ، فامّا أن يلتزم بشمول الإطلاقات للمتابعة في المعظم فتصحّ الجماعة وإن خالف في البعض ، لكن لا تشريع حينئذ ولا إثم حتّى لو كان باقياً على عزمه من نيّة الائتمام ، إذ لم يكن متعدّيا عمّا هي وظيفته من المتابعة في المعظم حسب الفرض كي يكون عاصياً.

وإمّا أن نلتزم بعدم الشمول كما هو الصحيح فتبطل الجماعة بترك المتابعة في البعض ومن هنا ذكرنا سابقاً (١) أنّه لو قصد من الأوّل الائتمام في البعض بطلت جماعته ، لقصور الدليل عن الشمول لذلك فيدور الأمر بين صحّة الجماعة من غير إثم وبين بطلانها. فالجمع بين دعوى الصحّة وبين الإثم لأجل التشريع كما صنعه (قدس سره) باطل.

وقد اتّضح من جميع ما سردناه أنّ الأقوى هو القول بالوجوب الشرطي لصحّة الجماعة كما ظهر وجهه ممّا مرّ ، فإنّ المتابعة مأخوذة في مفهوم الائتمام فلو خالف وتقدّم في جزء فمعناه أنّه لم يتابع في هذا الفعل ، فلم يتابع في مجموع الصلاة ، ومقتضاه بطلان الجماعة لفقدان شرطها ، فطبعاً تنقلب الصلاة فرادى.

__________________

(١) في ص ٨٦.

٢٣٢

[١٩٣١] مسألة ٩ : إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً أو لزعم رفع الإمام رأسه وجب عليه العود والمتابعة (١) ، ولا يضرّ زيادة الركن حينئذ ، لأنّها مغتفرة في الجماعة في نحو ذلك ، وإن لم يعد أثم (*) وصحّت صلاته.

______________________________________________________

وقد عرفت أنّ نيّة الانفراد في الأثناء غير ضائرة ، كما عرفت أنّ ترك المتابعة غير قادح في صحّة الصلاة نفسها. وعلى تقدير الشكّ فيدفع بأصالة البراءة كما سبق. فهذا القول هو المتعيّن.

(١) هذا متفرّع على ما تقدّم منه (قدس سره) في المسألة السابقة من كون المتابعة واجباً نفسياً تعبدياً لا يترتّب عليه إلّا الإثم ، ولأجله حكم في المقام بأنّ ترك العود لا يقتضي إلّا المخالفة الموجبة للإثم ، ولم تبطل صلاته ولا جماعته.

وأمّا بناءً على ما ذكرناه من كونها واجباً شرطياً لصحّة الجماعة كما عرفت فعند عدم العود تبطل جماعته وتنقلب فرادى من غير إثم. والمقصود أنّ الحكم في هذه المسألة من هذه الجهة أعني الإثم والصحّة لدى ترك المتابعة ، أو عدم الإثم وبطلان الجماعة متفرّع على المسألة السابقة.

وكيف ما كان ، فلا إشكال كما لا خلاف بينهم في ثبوت العود والمتابعة في المقام في الجملة ، للنصوص الخاصّة الآمرة بذلك كما ستعرف ، ولأجلها يلتزم باغتفار زيادة الركن هنا ، لكونها مخصّصة لعموم ما دلّ على مبطلية الزيادة.

إنّما الكلام في أنّ ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب ، وأنّه هل يختصّ بالسهو وما يلحق به من الزعم واعتقاد رفع الإمام رأسه أم يعمّ العمد أيضاً ، فيعود وإن رفع رأسه قبل الإمام عامداً؟

المشهور وجوب العود مع الاختصاص بغير العمد ، فلا يعود العامد بل

__________________

(*) الأظهر فيه عدم الإثم ، وإنّما تختلّ به جماعته.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يستمر ، وهو الذي اختاره في المتن. وعن جماعة استحبابه وأنّه أفضل ، ونسب إلى المفيد في المقنعة وجوب العود حتّى في فرض العمد (١).

ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في المقام ، فقد ورد الأمر بالعود في جملة من النصوص :

منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن فضيل بن يسار «أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ، ثمّ رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : فليسجد». ورواها الشيخ أيضاً بإسناده عن ربعي بن عبد الله وفضيل بن يسار (٢). لكن الطريق الثاني ضعيف بمحمد بن سنان ، فما في بعض الكلمات من التعبير عنها بصحيحة ربعي والفضيل في غير محلّه.

والعمدة إنّما هو الطريق الأوّل ، إذ ليس في السند من يغمز فيه عدا علي بن الحسين السعدآبادي الواقع في طريق الصدوق إلى الفضيل (٣) حيث لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال ، لكنّه لا ضير فيه بعد أن كان من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه ، فانّ التوثيق الذي ذكره في أوّل كتاب كامل الزيارات لمن وقع في أسانيده على تقدير التشكيك في عمومه لجميع الرواة الواقع في الكتاب فلا ريب في أنّ المتيقّن منه مشايخه ومن يروي عنه بلا واسطة.

والرجل المزبور كما أنّه من مشايخ الصدوق من مشايخ ابن قولويه أيضاً كما عرفت ، ولا ريب أنّ توثيقه لا يقلّ عن توثيق الرجاليين. فالرواية بهذا الطريق موصوفة بالصحّة ، وقد تضمّنت الأمر بالسجود لمتابعة الإمام ، ومقتضى

__________________

(١) [لم نعثر عليه في المصدر ، بل قال في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٦١ السطر ٢٦ : وليس فيما عندنا من نسخ المقنعة لذلك عين ولا أثر ، ولعلّهم توهموا ذلك مما أصّله الشيخ في التهذيب ٣ : ٤٧ ذيل ح ١٦٢ ، فظنّوا أنّه كذلك من كلام المفيد ، وليس ذلك قطعاً ...].

(٢) الوسائل ٨ : ٣٩٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٣ التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥.

(٣) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٣٢.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الإطلاق عدم الفرق بين السهو والعمد كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به بالبناء على المعلوم أو المجهول ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام ، قال : يعيد بركوعه معه» (١) وهي مثل السابقة في الإطلاق المزبور وفي الاشتمال على الأمر الظاهر في الوجوب ، ونحوهما غيرهما.

لكن بإزائها موثّقة غياث بن إبراهيم قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟ قال : لا» (٢) فانّ ظاهرها النهي ، وهي أيضاً مطلقة من حيث العمد والسهو كالطائفة السابقة ، فتقع المعارضة بينهما.

وربما يناقش في سندها بأنّ غياثاً فاسد المذهب ، لكونه بترياً ، فالرواية ضعيفة غير منجبرة بعمل المشهور ، فلا تنهض لمعارضة النصوص السابقة.

وفيه : أنّ الرجل وثّقه النجاشي (٣) صريحاً ، وفساد المذهب غير مانع عن العمل وحجّية الخبر عندنا بعد أن كان الراوي ثقة كما تقرّر في محلّه. فالمعارضة مستقرّة ولا بدّ من العلاج.

فعن جماعة حمل الأمر في الطائفة الأُولى على الاستحباب ، ومن هنا التزموا بأن العود أفضل ، فجعلوا هذه الموثّقة قرينة على صرف الأمر عن ظاهره إلى الندب.

وعن الشيخ الجمع بينهما بحمل الموثّقة على صورة العمد ، وتلك النصوص على غير العمد من السهو أو اعتقاد الرفع (٤). واعترضه غير واحد (٥) بأنّه جمع

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٩١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٦.

(٣) رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٧ ذيل ح ١٦٤.

(٥) منهم المحدّث البحراني في الحدائق ١١ : ١٤٢ ، والسيد العاملي في مداركه ٤ : ٣٢٩.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تبرّعي لا شاهد عليه ، فلا يمكن المصير إليه ، وأنّ مقتضى الجمع العرفي هو الأوّل.

لكن الصحيح هو الجمع الذي ذكره الشيخ ، وليس الأوّل من الجمع العرفي في شي‌ء ، فانّ الحمل على الاستحباب إنّما يتّجه فيما إذا كان الدليل الآخر المقابل للوجوب صالحاً للقرينية ، بحيث لو جمعا في كلام واحد وأُلقيا على العرف لم يرَ العرف تنافياً بين الصدر والذيل ، ولم يبق متحيّراً ، بل يجعل أحدهما قرينة على التصرّف في الآخر وكاشفاً عن المراد منه ، كما في مثل قوله : افعل ، وقوله : لا بأس بتركه ، إذ يرى العرف أنّ الترخيص في الترك قرينة على إرادة الاستحباب من الأمر.

وليس المقام من هذا القبيل بالضرورة ، فإنّ أحد الدليلين متضمّن للأمر والآخر للنهي ، وبينهما كمال المنافاة ، فلو جمعا في كلام واحد وقيل : «يعيد بركوعه» كما في صحيحة ابن يقطين و «لا يعود» كما في الموثّقة بقي أهل العرف متحيّرين ، ورأوا تناقضاً في الكلام.

فالجمع الدلالي بهذا النحو متعذّر ، والمعارضة مستقرّة ، إذ قد تعلّق النهي بعين ما تعلّق به الأمر ، والمتعيّن إنّما هو الجمع الثاني الذي ذكره الشيخ ، وليس هو من الجمع التبرّعي في شي‌ء.

وتوضيحه : أنّ النسبة بين الدليلين وإن كان هو التباين ، حيث إنّ كلا منهما مطلق من حيث العمد والسهو ، وقد تعلّق النهي بعين ما تعلّق به الأمر كما عرفت ، لكن فرض السهو وما يلحق به من اعتقاد الرفع خارج عن إطلاق موثّقة غياث جزماً ، للقطع الخارجي بجواز العود حينئذ ، وقد تسالم عليه الفقهاء ، ومن هنا اختلفوا في وجوبه أو استحبابه ، الكاشف عن المفروغية عن الجواز والمشروعية من غير نكير.

ويؤيّد القطع المزبور موثّقة ابن فضال قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه‌السلام : في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به فيركع قبل أن يركع الإمام وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ، ثمّ أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب عليه‌السلام : تتمّ صلاته ولا تفسد صلاته بما صنع» (١) إذ قد تضمّنت صريحاً جواز العود في مورد الظنّ والاعتقاد بالخصوص.

وموردها وإن كان ركوع المأموم قبل ركوع الإمام ، على عكس ما هو المذكور في تلك النصوص من رفع رأسه عن الركوع قبل الإمام ، إلّا أنّ الظاهر بل لا ينبغي الشكّ في عدم الفرق في حكم المسألة بين الصورتين كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فالقطع الخارجي المؤيّد بهذه الموثّقة يوجب التخصيص في عموم موثّقة غياث ، فيختص موردها بصورة العمد لا محالة (٢).

وعليه فتنقلب النسبة بين الموثّقة وبين الروايات المتقدّمة الآمرة بالعود من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فتخصّص موثّقة غياث تلك النصوص وتوجب حملها على ما عدا صورة العمد. وقد ذكرنا في محلّه أنّ انقلاب النسبة أمر لا مناص من الالتزام به ، فانّ المدار في ملاحظة النسبة ليس على مجرّد الظهورات ، بل بما يكون حجّة منها ، والعام بعد ورود التخصيص عليه

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٢) هذا مع أنّه من تنزيل المطلق على الفرد النادر كما لا يخفى ، مبنيّ على أن يكون السؤال عن الجواز ، ليكون الجواب ظاهراً في النهي دون الوجوب ، وهو قابل للمنع ، كيف والجواز في صورة السهو وما يلحقه من اعتقاد الرفع مقطوع به كما أفاده (دام ظله) فلا موقع للسؤال ، ومعه لا موضوع للقطع المزبور.

وإن شئت فقل : المحافظة على أصالة الإطلاق وعلى ظهور النهي في الإلزام متعذّر ، فنعلم إجمالاً بلزوم رفع اليد عن أحد الظهورين ، ولا مرجح في البين.

إلّا أن يقال : إنّ بناءهم في أمثال هذه الموارد على ترجيح الثاني. ألا ترى أنّه إذا ورد لا تكرم العلماء ، وعلمنا من الخارج جواز إكرام عدولهم ، فإنّه لا يحمل النهي حينئذ على نفي الوجوب ، بل يخصّص العموم ، فتدبّر جيّداً.

٢٣٧

لكن الأحوط إعادتها بعد الإتمام (١) ، بل لا يترك الاحتياط إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب ولم يتابع مع الفرصة لها ، ولو ترك المتابعة حينئذ سهواً أو لزعم عدم الفرصة لا يجب الإعادة وإن كان الرفع قبل الذكر ، هذا.

______________________________________________________

لا يكون حجّة إلا في الخاصّ ، فلا تلاحظ النسبة إلّا معه ، دون العموم وإن كان ظاهراً فيه (١).

ونتيجة ذلك اختصاص الموثّقة بصورة العمد ، وتلك النصوص بغير العمد من السهو أو الاعتقاد كما ذكره الشيخ (قدس سره) ، وبذلك يرتفع التنافي بين الطائفتين ويختصّ الوجوب بغير العمد كما عليه المشهور ، فلو لم يعد كان آثماً أو بطلت جماعته وانقلبت فرادى على الخلاف المتقدّم (٢) من أنّ المتابعة واجب تعبّدي أو شرطي لصحّة الجماعة.

(١) الوجه في هذا الاحتياط إمّا دعوى احتمال كون المتابعة شرطاً في صحّة الصلاة نفسها ، فتبطل لدى عدم العود وترك المتابعة ، وقد عرفت ضعفها ، وأنّه لا دليل على هذا الاشتراط أصلاً. ومع الشكّ فهو مدفوع بأصالة البراءة.

أو دعوى أنّ عدم العود موجب للانفراد ، ولا تجوز نيّة الانفراد أثناء الصلاة. وقد عرفت ضعفها أيضاً ، وأنّ المكلّف مخيّر بين الجماعة والفرادى حدوثاً وبقاء. فكما له الخيار من الأوّل فكذا في الأثناء ، وليست الجماعة واجبة في شي‌ء من الحالتين.

أو دعوى أنّ المستفاد من الأمر بالعود في خصوص المقام جزئية الركوع أو السجود المعادين ، فالركوع المعاد لأجل التبعية واجب بالوجوب الضمني لكون الأمر إرشاداً إلى الجزئية ، فكأنّ هذه الركعة تمتاز عن بقيّة الركعات في كونها ذات ركوعين أو ذات ثلاث سجدات ، وعليه فلو لم يعد فقد ترك جزءاً

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٨٦ ، ٤٠١.

(٢) في المسألة السابقة.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

من الركعة ، ولم يأت بها على وجهها ، فتجب إعادة الصلاة.

وفيه : أنّ الأمر بالعود غير ظاهر فيما ذكر ، بل ظاهره الوجوب الشرطي كما سبق ، وأنّ الشرط في صحّة الجماعة هو العود رعاية للمتابعة ، فلو لم يعد فقد أخلّ بشرط الجماعة لا أنّه ترك جزءاً ، فغايته انقلاب الصلاة فرادى. فلا موجب للإعادة.

وبالجملة : فالوجه في الاحتياط المزبور أحد هذه الوجوه الثلاثة. وفي الكلّ ما لا يخفى.

نعم ، يتأكّد الاحتياط بالإعادة فيما إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب ولم يتابع مع الفرصة لها ، ولذا ذكر في المتن قوله : بل لا يترك الاحتياط إذا رفع ... إلخ. والوجه فيه ظاهر ، إذ قد أخلّ بالذكر الواجب مع إمكان التدارك بالعود إلى الركوع تبعاً وإتيانه فيه ، فلو لم يعد فقد ترك جزءاً من أجزاء الصلاة عامداً ، فتلزمه الإعادة.

ولكنّه يندفع بعدم إمكان التدارك ، إذ ليس الذكر واجباً في كلّ ركوع أو سجود ليمكن التدارك ، بل في خصوص ما يكون جزءاً من الصلاة ، وهو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات. فالركوع الصلاتي المعدود من أجزائها إنّما هو الركوع الأوّل ، ولا يجب الذكر إلّا فيه ، وقد ترك حسب الفرض ، ولا يمكن التدارك ، لامتناع إعادة المعدوم. والركوع الثاني واجب شرطي لصحّة الجماعة ، وليس من الركوع الصلاتي في شي‌ء ، فلا يجب فيه الذكر ، بل ليس له أن يأتي به فيه بعنوان الوظيفة المقرّرة وتداركاً لما فات كما لا يخفى.

ومنه يظهر أنّه لو ترك المتابعة حينئذ سهواً أو لزعم عدم الفرصة لا تجب الإعادة ، وإن كان الرفع قبل الذكر كما أشار إليه في المتن ، إذ هو في حكم نسيان الذكر ، المحكوم بالصحّة لحديث لا تعاد (١).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٢٣٩

ولو رفع رأسه عامداً لم يجز له المتابعة (١) وإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية ، ولو تابع سهواً فكذلك إذا كان ركوعاً أو في كلّ من السجدتين ، وأمّا في السجدة الواحدة فلا.

______________________________________________________

(١) أمّا بناءً على ما اخترناه من كون المتابعة واجباً شرطياً معتبراً في مجموع الصلاة فظاهر ، للإخلال بالشرط عند رفع الرأس عامداً ، فتبطل الجماعة وتنقلب الصلاة فرادى. ولا دليل على مشروعية العود في الأثناء بعد الانفراد ، فلا تجوز له المتابعة.

وأمّا على المسلك الآخر أعني القول بالوجوب التعبّدي فالوجه في عدم الجواز أمران :

أحدهما : أنّ العود يستلزم الركوع أو السجود عمداً ، فيشمله عموم دليل قادحية الزيادة. ولم يثبت الاغتفار هنا ، لما عرفت من اختصاص النصوص الآمرة بالعود بالرفع السهوي وما يلحق به من الاعتقاد ، دون الرفع متعمداً كما هو محلّ الكلام.

ثانيهما : أنّ موثّقة غياث قد تضمّنت النهي ، المحمول على صورة العمد كما مرّ (١) ، فلأجلها يمنع عن العود.

وبالجملة : فالعود ممنوع على كلا المسلكين ، فلو عاد وتابع حينئذ فإن كان عمداً بطلت صلاته ، للزوم الزيادة العمدية كما أشار إليه في المتن. وإن كان سهواً فان كان في ركن كالركوع أو السجدتين بطلت أيضاً ، لعموم ما دلّ على قدح زيادة الركن مثل قوله عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة من سجدة واحدة وإنّما تعاد من ركعة (٢) المفسّرة بالركوع ، وغيره ممّا دلّ على القدح ، وإن كان في سجدة واحدة فلا تبطل ، لما دلّ على العفو عن زيادتها السهوية كالحديث المتقدّم ، وكذا حديث لا تعاد بعد كون المراد من السجود في عقد الاستثناء

__________________

(١) في ص ٢٣٥ ٢٣٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣.

٢٤٠