موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٩٠٩] مسألة ١٢ : لا بأس بالحائل غير المستقر كمرور شخص من إنسان أو حيوان أو غير ذلك ، نعم إذا اتّصلت المارّة لا يجوز وإن كانوا غير مستقرّين لاستقرار المنع حينئذ (١).

______________________________________________________

فالصحيح : أن يقال : إن كان محلّ التدارك باقياً كما لو التفت قبل الركوع أو حال القنوت وقد ترك القراءة رجع وتداركها وصحّت صلاته.

وإن لم يكن باقياً كما لو كان الالتفات بعد الدخول في الركوع فان كان ما أخلّ به من غير الأركان كالقراءة مضى ولا شي‌ء عليه ، لحديث لا تعاد. وإن كان من الأركان كما لو زاد ركوعاً لأجل التبعية بطلت صلاته ، لارتكاب ما يوجب البطلان عمداً وسهواً. فينبغي التفصيل على هذا النحو. ولا ينظر إليه المتن. فإطلاقه في غير محلّه.

(١) قد عرفت (١) أنّ لفظ الحائل غير مذكور في النصّ ، وإنّما المذكور لفظ السترة ، وعطف عليه الجدار من باب المثال ، وأنّ المدار على مطلق ما صدق عليه لفظ الستار من خشبة أو حائط أو سترة ونحوها.

إلّا أنّ المنصرف منه بمقتضى الفهم العرفي أنّ الستار مهما كان فهو شي‌ء ثابت مستقر ، فغير المستقرّ ينصرف النصّ عنه. وعليه فلا بأس بمرور شخص من إنسان أو حيوان أو غير ذلك أمام المأموم وإن حال بينه وبين الإمام أو الصفّ المتقدّم ولم يكن متّصلاً من أحد جانبيه.

نعم ، فيما إذا كان المرور مستمرّاً كما لو اتّصلت المارّة بأن كانت المانعية مستقرّة وإن تجدّد ذات المانع فلا يبعد شمول النصّ له كما ذكره في المتن ، إذ عدم الاستقرار حينئذ إنّما هو في ذات الساتر لا في وصف السترة ، والنصّ غير قاصر الشمول لمثله كما لا يخفى.

__________________

(١) في ص ١٤٦ ، ١٧٣.

١٨١

[١٩١٠] مسألة ١٣ : لو شكّ في حدوث الحائل في الأثناء (١) بنى على عدمه وكذا لو شكّ قبل الدخول في الصلاة في حدوثه بعد سبق عدمه ، وأمّا لو شكّ في وجوده وعدمه مع عدم سبق العدم فالظاهر عدم جواز الدخول (١* إلّا مع الاطمئنان بعدمه.

______________________________________________________

(١) أمّا مع العلم بالحالة السابقة من وجود الحائل أو عدمه فلا إشكال في الأخذ بمقتضاها ، عملاً بالاستصحاب في كلّ منهما. وأمّا مع الشكّ وعدم العلم بالحالة السابقة إمّا لأجل توارد الحالتين والشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر ، أو للجهل بها رأساً فقد ذكر في المتن أنّ الظاهر عدم جواز الدخول ، للزوم إحراز عدم المانع ولو بالأصل ، ولا أصل يقتضيه ، وأصالة عدم المانع ليس أصلاً برأسه ما لم يرجع إلى الاستصحاب ، والمفروض عدم جريانه لأجل الجهل بالحالة السابقة ، نعم لا بأس بالدخول مع الاطمئنان بالعدم ، فإنّه حجّة عقلائية.

أقول : الظاهر جواز الدخول ، لأصالة البراءة عن المانعية وإن لم يجر الاستصحاب ، وتقريرها يتوقّف على أمرين :

أحدهما : ما أشرنا إليه مراراً من أنّ الجماعة ليست مسقطة لوجوب الصلاة ليرجع إلى الاشتغال لدى الشكّ في السقوط ، وإنّما هي عدل للواجب التخييري ، ومتعلّق الوجوب إنّما هو الجامع بينها وبين الفرادى. وعليه فمرجع الشكّ في اعتبار قيد في الجماعة إلى الشكّ في أنّ الجامع الملحوظ بينهما هل لوحظ بين الفرادى ومطلق الجماعة ، أم بينها وبين الجماعة المتقيّدة بذاك القيد المشكوك فيه.

وبما أنّ اللحاظ على النحو الثاني يتضمّن كلفة زائدة يشكّ في تحقّقها زائداً على المقدار المعلوم فلا مانع من الرجوع في نفيها إلى أصالة البراءة ، بناءً على ما

__________________

(*) لا يبعد الجواز فيه.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، فانّ المقام من صغريات هذا الباب كما هو ظاهر.

الثاني : أنّ من المحرّر في الأُصول على ما حقّقناه عدم الفرق في الرجوع إلى البراءة عند الدوران بين الأقلّ والأكثر الارتباطي بين موارد الشبهات الحكمية والموضوعية (١) ، فإنّ الأحكام مجعولة على سبيل القضايا الحقيقية المنحلّة إلى أحكام عديدة حسب تعدّد الموضوعات.

فاذا شكّ في لباس أنّه من الحرير أم من غيره بشبهة موضوعية فكما تجري أصالة البراءة عن الحرمة النفسية فيجوز لبسه ، كذلك تجري البراءة عن تقيّد الصلاة بعدم الوقوع في هذا المشكوك ، إذ بعد ما عرفت من الانحلال فتقيّد الصلاة بعدم الاقتران مع الأفراد المتيقّنة من الحرير معلوم ، وأمّا التقييد بالعدم الذي تنتزع عنه المانعية بالإضافة إلى هذا الفرد المشكوك زائداً على الأفراد المعلومة فهو مشكوك من أوّل الأمر ، فتجري البراءة عن هذا التقيّد على حدّ جريانها عن التكليف النفسي ، فتجوز الصلاة فيه كما يجوز لبسه.

وعلى ضوء هذا البيان تجري البراءة في المقام وإن كانت الشبهة موضوعية فإنّ عدل الواجب التخييري أعني الجماعة مقيّد بعدم الاشتمال على الحائل. وحيث إنّ هذا الحكم كغيره من سائر الأحكام انحلالي فينحلّ إلى تقيّدات عديدة حسب أفراد الحائل ، فكلّ فرد علم بحيلولته نعلم بثبوت التقيّد بالإضافة إليه ، وأمّا الفرد المشكوك فيشكّ في أصل التقيّد بالنسبة إليه ومقتضى الأصل البراءة عنه.

فالأقوى جواز الدخول في الجماعة لدى الشكّ في تحقّق الحائل وإن لم يطمئن بعدمه ، استناداً إلى البراءة ، وإن لم يجر الاستصحاب ، على خلاف ما أفاده الماتن (قدس سره).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٢٥.

١٨٣

[١٩١١] مسألة ١٤ : إذا كان الحائل ممّا لا يمنع عن المشاهدة حال القيام ولكن يمنع عنها حال الركوع أو حال الجلوس ، والمفروض زواله حال الركوع أو الجلوس ، هل يجوز معه الدخول في الصلاة؟ فيه وجهان (*) ، والأحوط كونه مانعاً من الأوّل ، وكذا العكس ، لصدق وجود الحائل بينه وبين الإمام (١).

______________________________________________________

(١) لو كان هناك حائل مانع عن المشاهدة حال الركوع أو الجلوس غير مانع في حال القيام ، ولكنّه يعلم بزوال الحائل عند تحقّق الركوع أو الجلوس أو كان الأمر بالعكس بأن يمنع حال القيام ولا يمنع حال الركوع أو الجلوس مع العلم بزواله عند تحقّق القيام ، فهل يجوز الدخول في الصلاة والحال هذه؟

وبعبارة اخرى : هل الاعتبار بفعلية المنع عن المشاهدة ، أو يكفي المنع الشأني التقديري ، بأن يكون بحيث لو ركع مثلاً لمنع عنها وإن لم يمنع فعلاً لدى تحقّق الركوع خارجاً لفرض زوال الحائل؟ ذكر في المتن أنّ فيه وجهين وأنّ الأحوط المنع.

أقول : بل لعلّه الأقوى ، لصدق أنّ بينهما سترة أو جداراً ، وقد تقدّم (١) أنّ المدار على الصدق ولو في بعض الأحوال ، بمقتضى إطلاق النصّ ، ولا يلزم أن يكون كذلك في تمام الحالات. وعليه فيصدق حال القيام أنّ بينهما سترة ولو بلحاظ حال الركوع ، وهذا الصدق فعليّ حقيقيّ سواء أبقي ذات الساتر حال الركوع الخارجي أم لا ، فإنّ العبرة بفعلية الصدق لا بفعلية الستر ، ولكن ذلك مشروط بما إذا كان الستر بفاصل لا يتخطّى ، دون غيره كما تقدّم (٢).

__________________

(*) قد عرفت أنّ المعتبر إنّما هو عدم الفصل بما لا يتخطّى ولو كان ذلك في بعض أحوال الصلاة ، وعليه فان كان بينهما فاصل كذلك كان مانعاً وإن أمكنت المشاهدة في بعض الأحوال ، وأمّا إذا كان أصل وجود الفاصل بلحاظ الركوع أو السجود والمفروض أنّه يرتفع في تلك الحال فلا بأس به.

(١) في ص ١٤٤ ، ١٧٣.

(٢) في ص ١٤٤ ١٤٥.

١٨٤

[١٩١٢] مسألة ١٥ : إذا تمّت صلاة الصفّ المتقدّم وكانوا جالسين في مكانهم أشكل بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر ، لكونهم حينئذ حائلين غير مصلّين ، نعم إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل ودخلوا مع الإمام في صلاة أُخرى لا يبعد بقاء قدوة المتأخّرين (١).

______________________________________________________

(١) الكلام في هذه المسألة يقع تارة من حيث حيلولة الصفّ المتقدّم وأُخرى من ناحية البعد المتجدّد بين المأموم والإمام أو من هو واسطة الاتّصال. وقد تعرض الماتن (قدس سره) لكلتا الناحيتين في ضمن مسألتين. فتعرّض هنا من الناحية الاولى ، وفي المسألة التاسعة عشرة الآتية من الناحية الثانية. ونحن نبحث هنا عن كلتا الناحيتين لما بينهما من المناسبة فنقول :

أمّا من الناحية الاولى : فلا ريب أن الصفّ المتقدّم بعد انتهائهم من الصلاة كما لو كانوا مقصّرين ، أو عدولهم إلى الانفراد فهم يعدّون من الحائل بين الصفّ المتأخّر وبين الإمام أو من هو واسطة الاتّصال ، لصدق عنوان السترة المذكور في النصّ عليهم.

وقد عرفت دلالة النصّ على أنّ المانع هو مطلق الستار ، سواء أكان جداراً أم غيره من إنسان أو حيوان ونحوهما ، فيشمل الصفّ المتقدّم إلّا إذا كانوا مصلّين مؤتمّين فإنهم ليسوا بحائلين حينئذ كما مرّ (١). وأمّا إذا لم يكونوا مصلّين أو لم يكونوا مؤتمّين فلا إشكال في صدق الحائل عليهم ، الموجب لبطلان جماعة الصفّ المتأخّر.

نعم ، إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل ودخلوا مع الإمام في صلاة أُخرى قضائية أو أدائية كما لو كانوا مسافرين فقاموا إلى صلاة العصر مراعين في ذلك الفورية العرفية ، فقد ذكر في المتن أنّه لا يبعد حينئذ بقاء قدوة المتأخّرين.

والأمر كما ذكره (قدس سره) ، إذ بعد الالتحاق المزبور يعدّون من قبيل

__________________

(١) في ص ١٧٥.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الحائل غير المستقرّ كمرور شخص بين الإمام والمأموم الذي عرفت (١) انصراف النصّ عن الشمول لمثله ، لكون المنسبق منه إلى الذهن ما إذا كان الحائل شيئاً ثابتاً مستقرّاً. فالمقتضي قاصر في نفسه عن الشمول لغير المستقر.

فإنّا إنما نتعدّى من النصّ المتضمّن للسترة والجدار إلى كلّ ما له الاستقرار من مطلق الستار ، دون ما لا استقرار له كما فيما نحن فيه. فالمتّجه هو الحكم ببقاء قدوة المتأخّرين ، من غير حاجة إلى الاستصحاب.

وأمّا من الناحية الثانية : فتارة يفرض أنّ المقدار الذي يشغله الصفّ المتقدّم من البعد ليس ممّا لا يتخطّى ، بل كان بمقدار مسقط جسد الإنسان إذا سجد الذي هو قابل للتخطّي كما سبق (٢) فلا أثر لهذا البحث من هذه الجهة لصحّة جماعة المتأخّرين وإن لم يكن الصفّ المتقدّم موجوداً من أوّل الأمر فضلاً عن فراغهم أو انفرادهم ، لما عرفت (٣) من أنّ المدار في هذا البعد على ملاحظته بين مسجد الصفّ المتأخّر وموقف الإمام أو الصفّ المتقدّم ، لا بين الموقفين.

وأُخرى يفرض أنّ البعد أكثر من ذلك أي كان بين الصفّ المتأخّر والإمام ما لا يتخطّى ، وحينئذ فمقتضى إطلاق صحيح زرارة (٤) المتضمّن لقدح البعد بهذا المقدار الشامل لصورتي الحدوث والبقاء بطلان قدوة الصفّ المتأخّر ، على ما تقدّم في الحائل (٥) من عدم الفرق في المانعية بين تمام الصلاة وأبعاضها بمقتضى الإطلاق.

نعم ، استثنى الماتن من ذلك ما إذا عاد المتقدّم إلى الجماعة بلا فصل ، على

__________________

(١) في ص ١٨١.

(٢) في ص ١٥٩ ١٦٠.

(٣) في ص ١٦٠.

(٤) المتقدّم في ص ١٣٧.

(٥) في ص ١٤٤.

١٨٦

[١٩١٣] مسألة ١٦ : الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لا يجوز معه الاقتداء (١).

______________________________________________________

حدّ استثنائه في المسألة من الناحية الأُولى كما سبق. فكأنّه (قدس سره) يرى اتّحاد الملاك في الاستثناء ، وأنّ المسألتين من هذه الجهة ترتضعان من ثدي واحد.

ولكنّه كما ترى لا يمكن المساعدة عليه ، لاختلاف الملاك ، فإنّا إنّما التزمنا بالاستثناء من الناحية الاولى من أجل قصور المقتضي ، واختصاص دليل المنع بالحائل المستقر ، وعدم الدليل على التعدّي عنه إلى غير المستقر الذي ينصرف النصّ عنه.

وأمّا في المقام فلا قصور في الإطلاق ، وليس هنا مثل ذلك الانصراف ، ولا فرق في البعد المانع بين ما كان كذلك من أوّل الصلاة أو تجدد في الأثناء كما صرح هو (قدس سره) به في المسألة الثامنة عشرة الآتية. كما لا فرق في ذلك بين قصر الزمان وطوله ، كلّ ذلك لإطلاق النصّ بعد عدم الدليل على التخصيص بصورة دون اخرى كما لا يخفى.

فمجرّد حدوث البعد المزبور وإن قصرت مدّته يشمله النصّ ، فتبطل القدوة ويصير المتأخّر منفرداً. ولا دليل على صحّة الاقتداء ثانياً. فقياس المسألة من هذه الناحية عليها من تلك الناحية قياس مع الفارق الواضح.

فالمتّجه بطلان اقتداء الصفّ المتأخّر من حيث حدوث البعد القادح بعد انفراد الصفّ المتقدّم أو انتهائهم ، سواء أعادوا إلى الجماعة أم لا ، وإن لم يبطل من حيث الحيلولة في هذه الصورة كما عرفت.

(١) لإطلاق النصّ بعد صدق السترة على الثوب وإن كان رقيقاً. ومجرّد رؤية الشبح غير مانع عن صدق السترة على الثوب بعد أن كان مانعاً عن مشاهدة العين.

١٨٧

[١٩١٤] مسألة ١٧ : إذا كان أهل الصفوف اللاحقة غير الصفّ الأوّل متفرّقين بأن كان بين بعضهم مع البعض فصل أزيد من الخطوة التي تملأ الفرج ، فإن لم يكن قدّامهم من ليس بينهم وبينه البعد المانع ولم يكن إلى جانبهم أيضاً متّصلاً بهم من ليس بينه وبين من تقدّمه البعد المانع لم يصحّ اقتداؤهم وإلّا صحّ ، وأمّا الصفّ الأوّل فلا بدّ فيه من عدم الفصل بين أهله ، فمعه لا يصحّ اقتداء من بَعُد عن الإمام أو عن المأموم من طرف الإمام بالبعد المانع (١).

[١٩١٥] مسألة ١٨ : لو تجدّد البعد في أثناء الصلاة بطلت الجماعة (٢) وصار منفرداً ، وإن لم يلتفت وبقي على نيّة الاقتداء فان أتى بما ينافي صلاة المنفرد من زيادة ركوع مثلاً للمتابعة أو نحو ذلك بطلت صلاته ، وإلّا صحّت.

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت من اعتبار عدم البعد بين المأموم والإمام أو من هو واسطة الاتّصال بأكثر ممّا يتخطّى ، فهذا البعد إنّما يقدح فيما إذا تحقّق من جميع النواحي ، وإلّا فالفصل من ناحية مع الوصل من ناحية أُخرى غير قادح اتّفاقاً ، ولا يشمله النصّ قطعاً ، فيكفي القرب والاتّصال ولو من إحدى الجهات.

وعليه فيفرّق بين الصفّ الأوّل وبين الصفوف اللاحقة كما ذكره في المتن. ففي الصفّ الأوّل حيث لا يكون الاتّصال إلى الإمام إلّا من جانب واحد فيعتبر عدم الفصل بينهم بأكثر ممّا يتخطّى.

وأمّا في سائر الصفوف فكما يمكن الاتّصال من الأمام يمكن من أحد الجانبين من اليمين أو اليسار ، ولأجله لم يقدح التفرّق بين أهله بأكثر من ذلك لو تحقّق الاتّصال من طرف الأمام ، كما لا يقدح البعد من هذا الطرف لو تحقّق القرب من أحد الجانبين. وإنّما يقدح فيما إذا انفصل عن الإمام من جميع الأطراف أعني القدّام واليمين واليسار لما عرفت من كفاية الاتّصال من إحدى الجهات.

(٢) لإطلاق دليل المانعية ، المقتضي لعدم الفرق بين الحدوث والبقاء

١٨٨

[١٩١٦] مسألة ١٩ : إذا انتهت صلاة الصف المتقدّم من جهة كونهم مقصّرين أو عدلوا إلى الانفراد فالأقوى بطلان اقتداء المتأخر للبعد ، إلّا إذا عاد المتقدم إلى الجماعة بلا فصل (١) ، كما أنّ الأمر كذلك من جهة الحيلولة أيضاً على ما مرّ.

[١٩١٧] مسألة ٢٠ : الفصل لعدم دخول الصفّ المتقدّم في الصلاة لا يضر (٢) بعد كونهم متهيئين للجماعة ، فيجوز لأهل الصفّ المتأخّر الإحرام قبل إحرام المتقدّم ، وإن كان الأحوط خلافه ، كما أنّ الأمر كذلك من حيث الحيلولة على ما سبق.

[١٩١٨] مسألة ٢١ : إذا علم بطلان صلاة الصفّ المتقدّم تبطل جماعة المتأخّر من جهة الفصل أو الحيلولة وإن كانوا غير ملتفتين للبطلان (٣).

______________________________________________________

وحيث إنّ المانعية واقعية بظاهر الدليل لم يفرّق في ذلك بين صورتي الالتفات وعدمه.

وعليه فلو بقي على نيّة الاقتداء جهلاً منه بتجدّد البعد فان أتى بما ينافي صلاة المنفرد ولو سهواً كزيادة الركوع لأجل المتابعة بطلت صلاته أيضاً ، وإلّا بأن لم يأت بالمنافي أصلاً أو أتى بما لا ينافي إلّا عمداً كترك القراءة صحّت صلاته حينئذ ، لحديث لا تعاد كما مرّت الإشارة إليه في المسألة الحادية عشرة فلاحظ.

(١) قدّمنا البحث حول هذه المسألة في ذيل المسألة الخامسة عشرة فلاحظ.

(٢) فيكفي مجرّد التهيؤ ، ولا يقدح عدم دخول الصفّ المتقدّم أو من هو واسطة الاتّصال في الصفّ الأوّل أو الثاني إذا كان أطول ، لا من حيث الفصل ولا من حيث الحيلولة كما سبق وجهه في المسألة السادسة فلاحظ.

(٣) لا إشكال في البطلان مع العلم بالفساد ، إذ الصلاة الفاسدة في حكم

١٨٩

نعم مع الجهل بحالهم تحمل على الصحّة ولا يضرّ ، كما لا يضرّ فصلهم إذا كانت صلاتهم صحيحة بحسب تقليدهم وإن كانت باطلة بحسب تقليد الصفّ المتأخّر.

______________________________________________________

العدم ، فيكون الصفّ المتقدّم أو واسطة الاتّصال بمنزلة من لا يصلّي ، فهو فاصل ، كما أنّه حائل ، فيوجب بطلان جماعة المتأخّر من كلتا الناحيتين. وما تقدّم (١) من عدم قدح حيلولة الصفّ المتقدّم ولا الفصل بهم مختصّ بما إذا كانوا مصلّين ، لا من يأتي بصورة الصلاة التي ليست هي من حقيقتها في شي‌ء كما هو ظاهر.

كما لا إشكال في الصحّة مع الجهل بالفساد ، حملاً لفعلهم على الصحيح وللسيرة القائمة على عدم التحقيق ، فترتّب عليه آثار الصحّة التي منها عدم كونه فاصلاً ولا حائلاً.

إنّما الكلام فيما إذا اختلفا في الصحّة والفساد اجتهاداً أو تقليداً ، فكانت صلاتهم صحيحة بنظرهم فاسدة بنظر الصفّ المتأخّر ، سيما فيما يعود إلى الأركان كما لو توضّأ المتقدّم جبيرة والمتأخّر يرى اجتهاداً أو تقليداً أنّه من موارد التيمم ، أو بالعكس ، فهل العبرة حينئذ بنظرهم أو بنظر الصفّ المتأخّر؟

الأقوى هو الأوّل كما اختاره في المتن ، فلا يضرّ فصلهم ولا حيلولتهم.

أمّا أوّلاً : فلقصور المقتضي في دليل المنع وانصرافه عن مثل المقام ، فلا بعدَ مع صحّة الصلاة بنظر المصلّي وكون المجموع جماعة واحدة متّصلة بعضها ببعض ، فليس ذلك من الفصل بغير المصلّي. كما أنّه لا يعدّ من الحائل بعد كونها صلاة صحيحة ولو بنظره كما لا يخفى. فاطلاقات الجماعة غير قاصرة الشمول للمقام ، ومع التنزل فتكفينا أصالة البراءة عن التقيّد بالعدم ، التي مرّ تقريرها غير مرّة في نظائر المقام (٢).

__________________

(١) في ص ١٧٥.

(٢) منها ما تقدّم في ص ١٨٢.

١٩٠

[١٩١٩] مسألة ٢٢ : لا يضرّ الفصل بالصبيّ المميّز ما لم يعلم بطلان صلاته (١).

______________________________________________________

وأمّا ثانياً : فللسيرة القطعية القائمة على الجواز بمجرّد احتمال الصحّة الواقعية ، المتّصلة بزمن المعصومين عليهم‌السلام ، بل قد كانت الجماعات تنعقد خلف مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام مع القطع ببطلان صلاة الكثير منهم لفقدهم شرط الولاية الدخيل في الصحّة قطعاً ، بل هي من أعظم الشرائط. مضافاً إلى عدم رعايتهم للأجزاء والشرائط والموانع المقرّرة عند الخاصّة ، لتلقّيهم الأحكام عن أسلافهم من خلفاء الجور ومتابعتهم لهم ، ومع ذلك كان تابعوه عليه‌السلام من الخاصّة يصلّون بصلاتهم ، ولم يعهد عن أحدهم تقيّده باشغال الصفوف المتقدّمة كما لا يخفى. فيعلم من ذلك أنّ مجرّد صحّة الصلاة بنظر الصفّ المتقدّم كافٍ في صحّة قدوة المتأخّرين وإن كانت باطلة بنظرهم.

نعم ، لو كانت باطلة حتّى في نظر المتقدّم كما لو صلّى تاركاً لجزء أو شرط يوجب البطلان مطلقاً وكان غافلاً أو ناسياً بحيث لو التفت لاعترف بالبطلان لم تصحّ قدوة المتأخّر ، لعدم كونه حينئذ مصلّياً حتّى في اعتقاده ، بل هي صورة الصلاة. فيفرّق بين ما إذا اعتقد الصحّة وما إذا لم يعتقد ، ولا يقاس أحدهما بالآخر.

(١) هذا بناء على شرعية عباداته كما هو الصحيح ، فلا يضرّ فصله لا من حيث البعد ولا الحائل. وأمّا بناء على التمرينية فيشكل ، لأنّها حينئذ صورة صلاة وليست من حقيقتها في شي‌ء ، ففصله يخلّ من كلتا الناحيتين (١).

وربما يستدلّ لعدم القدح حتّى بناء على التمرينية بخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه «أنّ علياً عليه‌السلام قال : الصبيّ عن يمين الرجل في الصلاة

__________________

(١) الإخلال من ناحية البعد غير واضح ، لعدم إشغال الصبيّ الواحد مقدار ما لا يتخطّى كما لا يخفى.

١٩١

[١٩٢٠] مسألة ٢٣ : إذا شكّ في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه (١) وإن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه (*) إلّا أن يكون مسبوقاً بالقرب ، كما إذا كان قريباً من الإمام الذي يريد أن يأتمّ به فشكّ في أنّه تقدّم عن مكانه أم لا.

______________________________________________________

إذا ضبط الصفّ جماعة ...» إلخ (١). لكن السند ضعيف جدّاً وإن تمّت الدلالة فإنّ أبا البختري في غاية الضعف ، بل قيل : إنّه أكذب البرية. فالمتّجه هو التفصيل بين الشرعية والتمرينية كما ذكرنا.

(١) أمّا إذا كانت الحالة السابقة هي البعد أو عدم البعد فلا إشكال في الاستصحاب في كلّ منهما فيعمل بمقتضاه. وأمّا إذا لم تعلم الحالة السابقة ، وشكّ في تحقّقه من الأوّل فقد ذكر في المتن أنّه يجب إحراز عدمه.

أقول : لزوم الإحراز وعدمه في المقام يبتني على أنّ اعتبار عدم البعد هل هو ملحوظ على نحو الشرطية ، أم على سبيل المانعية؟ فعلى الأوّل كما ربما يستظهر من صدر الصحيحة «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة ...» إلخ (٢) حيث تضمّن اعتبار التواصل ، يتّجه حينئذ ما ذكره (قدس سره) من لزوم إحراز الاتّصال ، فانّ الشرط ممّا يجب إحرازه في مقام الامتثال عملاً بقاعدة الاشتغال.

لكن الاستظهار في غير محلّه ، لما عرفت فيما سبق (٣) من أنّ الحكم المذكور في الصدر استحبابي ، وهو حكم آخر مغاير للحكم الإلزامي المستفاد من الذيل الذي هو مدرك المسألة.

والعمدة قوله عليه‌السلام بعد ذلك : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الوسائل ٨ : ٣٤١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٤١٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٢ ح ١.

(٣) في ص ١٥٩ ١٦٠.

١٩٢

[١٩٢١] مسألة ٢٤ : إذا تقدّم المأموم على الإمام في أثناء الصلاة سهواً أو جهلاً أو اضطراراً صار منفرداً (١) ، ولا يجوز له تجديد الاقتداء ، نعم لو عاد بلا فصلٍ لا يبعد بقاء قدوته (*).

______________________________________________________

ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام» (١) ، وهو ظاهر في اعتبار المانعية للبعد كما لا يخفى.

وعليه فمع الشكّ يرجع إلى أصالة البراءة عن المانعية وإن لم يجر الاستصحاب ، بناءً على ما مرّ غير مرّة من أنّ المرجع في أمثال المقام هي البراءة وإن كانت الشبهة موضوعية ، لكون المانعية انحلالية ، فتقيّد الجماعة بعدم وقوعها مع هذه المسافة التي يشكّ في بلوغها ما لا يتخطّى زائداً على المقدار المتيقّن بلوغه ذاك الحدّ مشكوك من أوّل الأمر ، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. وعليه فما في المتن من اعتبار الإحراز مبنيّ على الاحتياط.

(١) لأنّ شرطية التأخّر أو التساوي واقعية بظاهر النصّ ، فتثبت في جميع الحالات من السهو أو الجهل أو الاضطرار ونحوها ، فتبطل الجماعة بالإخلال بها لا محالة. ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين فقد الشرط من الأوّل أم الأثناء ، فلو تقدّم في الأثناء سهواً أو لعذر آخر بطل الاقتداء.

وهل يتدارك الشرط حينئذ بالعود بلا فصل؟ لم يستبعده في المتن قياساً على ما سبق منه في الحائل وفي البعد.

لكنّه كما ترى بعيد جدّاً ، والقياس مع الفارق كما أشرنا إليه في البعد (٢) ، فإنّا إنّما التزمنا بمثله في الحائل من أجل أنّ العود بلا فصل يعدّ من الحائل غير المستقر الذي ينصرف عنه النصّ ، فالمقتضي للمنع قاصر الشمول لمثله في حدّ نفسه.

__________________

(*) بل هو بعيد.

(١) الوسائل ٨ : ٤١٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٢ ح ٢.

(٢) في ص ١٨٦ ١٨٧.

١٩٣

[١٩٢٢] مسألة ٢٥ : يجوز على الأقوى الجماعة بالاستدارة (*) حول الكعبة (١) والأحوط عدم تقدّم المأموم على الإمام بحسب الدائرة ، وأحوط منه عدم أقربيته مع ذلك إلى الكعبة ، وأحوط من ذلك تقدّم الإمام بحسب الدائرة وأقربيّته من ذلك إلى الكعبة.

______________________________________________________

وأمّا في المقام وكذا في البعد كما سبق فلا قصور في إطلاق دليل اشتراط التأخّر أو التساوي عن الشمول لجميع آنات الصلاة ، وليس هنا مثل ذاك الانصراف بالضرورة. فالتقدّم ولو آناً ما إخلال بالشرط موجب لبطلان الجماعة ، لفقد المشروط بفقد شرطه ، فينفرد لا محالة. ولا دليل على العود بعد الانفراد وإن كان بلا فصل ، إذ لا فرق بين قصر الزمان وطوله في هذا الحكم بمقتضى الإطلاق. فليس الملاك في التقدّم ولا البعد متّحداً معه في الحائل كما هو ظاهر.

(١) كما ذهب إليه جماعة ، بل حكي عليه الإجماع. وذهب جمع آخرون إلى المنع ، ولعلّه المشهور ، وهو الأقوى ، فإنّ النصوص خالية عن التعرّض لذلك بالخصوص نفياً وإثباتاً ، فنبقى نحن ومقتضى الإطلاقات الدالّة على لزوم تأخّر المأموم عن الإمام ولا أقلّ من التساوي ، التي لا قصور في شمولها للمقام.

ومن الواضح أنّ الجماعة استدارة تستوجب تقدّم المأموم على الإمام ، بل وقوفه قباله وقدّامه عند استكمال الدائرة ، فلم يقف خلفه ولا بحذائه الذي هو الشرط في الصحّة ، ولأجله يحكم بالبطلان ، لسلامة المطلقات عمّا يصلح للتقييد عدا توهّم قيام السيرة العملية الممضاة عندهم عليهم‌السلام بعدم الردع ، التي هي مستند القول بالجواز.

وفيه : أنّ مثل هذه السيرة لا أثر لها ، ولا تكاد تغني شيئاً ، فإنّ المباشر لها هم أبناء العامّة فقط ، إذ لم نجد ولم نسمع تصدّي الخاصّة لذلك في دور من

__________________

(*) في القوّة إشكال ، بل منع.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأدوار لا قديماً ولا حديثاً حتّى في عهد المعصومين عليهم‌السلام ، ولم ينقل عنهم ولا عن شيعتهم إقامة الجماعة حول الكعبة مستديرة فضلاً عن استقرار سيرتهم عليها. فهي مختصة بأهل الخلاف فحسب.

والردع عن هذه السيرة وإن لم يثبت عنهم عليهم‌السلام إلّا أنّ عدم الردع بمجرّده لا ينفع ما لم يكشف عن الرضا ، فإنّ العبرة بالإمضاء المستكشف من عدم الردع لا به نفسه بالضرورة. ومن الجائز أن يكون عدمه مبنياً على التقيّة كما هو المعلوم من حالهم في تلك الأعصار اتّجاه حكام الجور ، فلا يكشف عن الرضا.

نعم ، ثبت الردع عن بعض فعالهم ممّا قامت عليه سيرتهم كما في التكتّف ونحوه ، لكنّه خاصّ بما هو محلّ للابتلاء كالمثال ، إذ لو لم يردع لتوهّم الإمضاء فصلّى الشيعي في داره مثلاً متكتّفاً ، وهذا بخلاف المقام ، لما عرفت من أنّ إقامة الجماعة حول الكعبة تختصّ بهم ، وليست مورداً لابتلاء الخاصّة.

وأمّا اقتداؤهم بهم أحياناً في المسجد الحرام فهو أيضاً مبني على التقيّة وليس من حقيقة الجماعة في شي‌ء ، ولذا قلنا في محلّه أنّ المقتدي بهم يقرأ في نفسه ، فهو منفرد حقيقة وإن كان على صورة الجماعة (١).

وعلى الجملة : فلم تثبت في المقام سيرة يعتمد عليها بحيث تصلح لرفع اليد عمّا تقتضيه المطلقات من لزوم تقدّم الإمام على المأموم أو تساويه ، ولأجله كان الأقوى هو البطلان كما عرفت.

ثمّ إنّه على تقدير القول بالجواز فهل يعتبر عدم تقدّم المأموم على الإمام بحسب الدائرة أم بلحاظ البنية الشريفة؟

وتوضيحه : أنّ الكعبة الشريفة بما أنّها مربّعة مستطيلة ، فإذا فرضنا نقطة في وسطها حاصلة من تقاطع خطّين موهومين من كلّ زاوية إلى ما يقابلها وجعلنا هذه النقطة مركزاً لدائرة موهمة حول الكعبة المشرّفة ، فخطوط هذه

__________________

(١) شرح العروة ١ : ٢٧١.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الدائرة بالإضافة إلى الكعبة ليست متساوية ، بل ما يحاذي منها الزوايا أقرب ممّا يحاذي الأضلاع بطبيعة الحال ، لفرض كون الكعبة على شكل المربّع. فالخط المقابل للضلع أبعد من الكعبة بالنسبة إلى الخط المقابل للزاوية بالضرورة.

وحينئذ فاذا فرضنا وقوف الإمام على رأس الخط المقابل لوسط الضلع أو في داخل الدائرة قريباً من الخط ، ووقوف المأموم حذاء الزاوية خارجاً عن الخطّ بمقدار نصف متر مثلاً ، فهو متأخّر عن الإمام بالقياس إلى خطوط الدائرة الوهميّة متقدّم عليه بالنسبة إلى الكعبة الشريفة ، لكونه أقرب من الإمام بالقياس إليها حسبما عرفت. ولو انعكس الموقف انعكس الحكم كما هو ظاهر.

وعليه فهل المدار في مراعاة التقدّم والتأخّر ملاحظتهما بالنسبة إلى الدائرة أم بالقياس إلى نفس الكعبة. فعلى الأوّل تصحّ جماعة المأموم في الفرض المزبور ، لكونه متأخّراً عن الإمام بلحاظ الدائرة. وعلى الثاني تبطل ، لكونه متقدّماً عليه بالنسبة إلى الكعبة الشريفة.

ذكر الماتن (قدس سره) أنّ الأحوط مراعاة كلا الأمرين ، فيقف المأموم موقفاً لا يتقدّم على الإمام بحسب الدائرة ، ولا يكون أقرب منه إلى الكعبة.

وما أفاده (قدس سره) هو الصحيح ، لما عرفت من أنّ الجواز على القول به لم يكن مستفاداً من دليل لفظي ليتمسّك بإطلاقه ، وإنّما استفيد من السيرة العملية التي هي دليل لبّي ، فلا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن منها في الخروج عن مقتضى الإطلاقات المانعة عن التقدّم على الإمام ، والمتيقّن منها ما إذا لم يتقدّم بلحاظ كلا الأمرين وإن كان متقدّماً حسب الخطوط العرضية فيقيّد الإطلاق بهذا المقدار ، ويتمسّك به فيما عداه لسلامته حينئذ عن التقييد كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما ذكره في المتن من الاحتياط الأخير أعني تقدّم الإمام بحسب الأمرين لا مجرّد عدم تقدّم المأموم مبنيّ على الاحتياط في عدم مساواتهما في الموقف وتقدّم الإمام عليه كما لعلّه ظاهر. والله سبحانه أعلم.

١٩٦

فصل

في أحكام الجماعة

[١٩٢٣] مسألة ١ : الأحوط ترك المأموم القراءة في الركعتين الأُوليين من الإخفاتية إذا كان فيهما مع الإمام ، وإن كان الأقوى الجواز مع الكراهة (*) (١).

______________________________________________________

(١) اختلف الأصحاب في جواز القراءة خلف الإمام في الركعتين الأُوليين من الإخفاتية بعد الاتّفاق منهم على سقوط وجوبها وضمان الإمام ، فذهب جماعة كثيرون إلى الحرمة ، واختار جمع آخرون الجواز على كراهة.

وليعلم أنّ محلّ الكلام الإتيان بالقراءة بقصد الجزئيّة على حدّ إتيانها في بقيّة الصلوات ، وأمّا الإتيان لا بعنوان القراءة الصلاتية بل بقصد القرآن والذكر لمكان اشتمالها على التحميد والدعاء والذكر والثناء فلا ينبغي الإشكال في جوازه ، لانصراف نحو قوله عليه‌السلام : «يكله إلى الإمام» الوارد في النصوص (١) عن مثل ذلك ، بل هو ناظر إلى القراءة الصلاتية كما هو ظاهر.

وكيف ما كان ، فمنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في المقام ، فمقتضى جملة منها المنع ، وهي على طوائف :

منها : ما تضمّن المنع عن القراءة خلف الإمام مطلقاً كصحيحة زرارة ومحمّد

__________________

(*) فيه إشكال بل منع. ومحلّ الكلام هو الإتيان بها بقصد الجزئيّة.

(١) [كما في صحيحة سليمان بن خالد الآتية في ص ٢٠٠].

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن مسلم ، قالا «قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» (١).

دلّت على بطلان الصلاة وأنّ وجودها كالعدم ، فلو اكتفى بها ولم يتداركها بعث على غير الفطرة ، لكونه في حكم تارك الصلاة فيما لو اقتصر عليها. كما يكشف عمّا ذكرناه من التقييد بالاقتصار قوله عليه‌السلام : «فمات» ، إذ لا يحتمل أن تكون القراءة خلفه بمجرّدها من المحرّمات الذاتية. فالحرمة تشريعية محضة ، وهي مساوقة للبطلان.

وكيف ما كان ، فقد دلّت بالإطلاق على المنع عن القراءة خلف الإمام خرجنا عن ذلك في الأوّلتين من الجهرية إذا لم يسمع قراءة الإمام ولا همهمته بمقتضى النصوص الدالّة على الجواز (٢) فتبقى الإخفاتية تحت إطلاق المنع.

ونحوها صحيحة يونس بن يعقوب قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف من أرتضي به أقرأ خلفه؟ قال : من رضيت به فلا تقرأ خلفه» (٣).

ومنها : ما تضمّن المنع إلّا في الجهرية بنحو القرينة المتّصلة دون المنفصلة كما في السابقة كصحيحة الحلبي : «إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ» (٤). وهذه أظهر من الطائفة السابقة في المنع ، لمكان اتّصال القرينة الموجب لاختصاص الظهور بالإخفاتية كالحجّية.

ومنها : ما تضمّن المنع في خصوص محلّ الكلام صريحاً أعني الأوّلتين من الإخفاتية كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «عن الصلاة خلف الإمام أقرأ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٥٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٤.

(٢) الآتية في ص ٢٠٥ وما بعدها.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٥٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٤.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٥٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

خلفه؟ فقال : أمّا الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه ، فلا تقرأ خلفه» (١). دلّت على اختصاص الجعل بالإمام ، فلم تكن القراءة مجعولة على المأموم ، فالإتيان بها بعنوان الجزئية كما هو محلّ الكلام تشريع محرّم.

وربما يستدلّ أيضاً بما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن سنان يعني عبد الله الحسن بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين» (٢).

وقد عبّر عنها في الحدائق (٣) وغيره بالصحيحة. لكن السند بهذا النحو المذكور في الوسائل الطبعة الجديدة غير خال عن الخدش ، فانّ عبد الله الحسن لا وجود له في كتب الرجال ، بل الموجود إمّا عبد الله بن سنان بن طريف الثقة ، أو محمد بن الحسن بن سنان الضعيف ، الذي هو محمد بن سنان المعروف ، ينسب إلى جدّه ، حيث توفي أبوه الحسن وهو طفل ، وكفله جدّه سنان فنسب إليه. فابن سنان بعنوان عبد الله الحسن لا واقع له. على أنّ إسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام غير معلوم فيلحق بالمرسل ، هذا.

ولكن السند المزبور خطأ ، والنسخة مغلوطة. والصواب كما في الطبعة القديمة من الوسائل هكذا : يعني عبد الله ، بدون زيادة كلمة (الحسن) ولا كلمة (بإسناده) ، فتصبح الرواية صحيحة السند ، لكونها عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وقد أوردها في التهذيب وكذا في موضع آخر من الوسائل (٤) هكذا : عن صفوان عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وقد دلّت هذه الروايات بطوائفها الثلاث على المنع عموماً أو خصوصاً كما

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٥٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٥٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٤.

(٣) الحدائق ١١ : ١٢٩.

(٤) الوسائل ٦ : ١٢٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١٢.

١٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عرفت ، ومع ذلك فقد ذهب جمع منهم الماتن إلى الجواز مع الكراهة ، نظراً إلى معارضتها بروايات اخرى دلّت على الجواز ، الموجبة لحمل النهي في الروايات المتقدّمة على الكراهة جمعاً ، وهي روايات ثلاث :

الأُولى : صحيحة سليمان بن خالد التي قيل بظهورها في نفسها في الكراهة قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيقرأ الرجل في الأُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال : لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام» (١).

فانّ موردها الإخفاتية ، بقرينة ذكر الاولى والعصر وكذا قوله : «وهو لا يعلم» ، إذ ليس المراد عدم العلم بأصل قراءة الإمام ، كيف وهو لا يجامع الوثوق بدينه المعتبر في صحّة الائتمام ، مع منافاته لقوله عليه‌السلام : «يكله إلى الإمام» ، لظهوره في المفروغية عن قراءته ولذا أوكله إليه ، وإلّا فلا معنى للإيكال مع الشكّ في الامتثال كما هو ظاهر. فالقراءة مفروضة لا محالة ولو من أجل الحمل على الصحّة.

بل المراد عدم العلم الفعلي من طريق السماع لأجل كون الصلاة إخفاتية فإنّ البعيد عن الإمام حينئذ بمقدار مترين مثلاً لا يسمع قراءته غالباً ، فقوله : «لا يعلم» بمعنى لا يسمع.

وكيف ما كان ، فقد حكم عليه‌السلام بأنّه لا ينبغي له أن يقرأ ، وهذا التعبير ظاهر في الجواز مع الكراهة.

أقول : مبنى الاستدلال على ظهور كلمة «لا ينبغي» في الكراهة ، وهو في حيّز المنع ، فانّ لفظ «ينبغي» وإن كان ظاهراً في الرجحان والاستحباب لكن كلمة «لا ينبغي» غير ظاهرة في الكراهة ، فإنّها وإن كانت كذلك في الاصطلاح الحادث بين المتأخّرين لكنّها في لسان الأخبار ظاهرة فيما هي عليه من المعنى

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٥٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٨.

٢٠٠