موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

لرفع اليد عنه لأجل كلمة «ينبغي» الواردة في الفقرة الأُخرى الناظرة إلى موضوع آخر أجنبي عن هذا الموضوع.

والذي يكشف عمّا ذكرنا من أنّ النظر في هذه الفقرة معطوف على ملاحظة النسبة بين مسجد اللاحق وموقف السابق لا بين الموقفين أُمور :

أحدها : العلم الخارجي ، فإنّ السيرة القطعية المطّردة بين المتشرّعة في إقامة الجماعات قائمة على الفصل بين موقف الصفّ اللاحق وموقف السابق بأكثر ممّا يتخطّى ، وعدم اتّصال مسجد اللاحق بموقف السابق ، سيما بعد ملاحظة الفاصل الموجود بين فرش المصلّين المقتضي للفصل بين الموقفين بأكثر ممّا يتخطّى.

فنستكشف من ذلك أنّ المدار في الحدّ المزبور على ملاحظته بين المسجد والموقف ، لا بين الموقفين.

الثاني : موثّقة عمّار «عن الرجل يصلّي بالقوم وخلفه دار وفيها نساء ، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال : نعم ، إن كان الإمام أسفل منهنّ ، قلت : فانّ بينهنّ وبينه حائطاً أو طريقاً ، فقال : لا بأس» (١).

فقد دلّت على نفي البأس عن وجود الطريق بين المأموم والإمام ، ومعلوم أنّ الطريق يوجب الفصل بين الموقفين بأكثر ممّا يتخطّى ، نعم لا إطلاق في الموثّق من حيث سعة الطريق كي ينافي هذه الصحيحة المتضمّنة للقدح فيما إذا كان الفصل بين المسجد وموقف السابق بأزيد ممّا يتخطّى ، بل هو ناظر إلى أنّ الطريق في حدّ ذاته ومن حيث هو طريق غير قادح في الصحّة. وعلى تقدير الإطلاق فيقيّد بالصحيحة جمعاً.

وعلى أيّ حال فالمستفاد من الموثّق عدم قدح الفصل بين الموقفين المتخلّل بينهما الطريق بأكثر ممّا يتخطّى.

الثالث : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : أقلّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٠ ح ١.

١٦١

الرابع : أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف ، فلو تقدّم في الابتداء أو الأثناء بطلت صلاته (*) إن بقي على نيّة الائتمام ، والأحوط تأخّره عنه ، وإن كان الأقوى جواز (**) المساواة ، ولا بأس بعد تقدّم الإمام في الموقف أو المساواة معه بزيادة المأموم على الإمام في ركوعه وسجوده لطول قامته ونحوه ،

______________________________________________________

ما يكون بينك وبين القبلة مربض (مربط) عنز ، وأكثر ما يكون مربض فرس» (١) بناء على أنّ المراد بالقبلة هو إمام الجماعة دون الكعبة ، وإلّا فبيننا وبينها مئات من الفراسخ.

فقد تضمّنت تحديد البعد بين المأموم والإمام في وقوفهما وأنّ أقلّه مربض عنز ، وهو المعادل لمسقط جسد الإنسان إذا سجد ، وأكثره مربض فرس. ومعلوم أنّ مربض الفرس غير قابل للتخطّي ، نعم إذا كانت المسافة بين الموقفين بهذا المقدار فما بين مسجد المأموم وموقف الإمام قابل للتخطّي.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الصحيحة ظاهرة الدلالة سيما بملاحظة الشواهد المتقدّمة في لزوم مراعاة التحديد بين مسجد المأموم وموقف الإمام أو بين مسجد الصفّ اللاحق وموقف السابق ، وأنّه يجب أن لا يكون بمقدار لا يتخطّى. فيجب الأخذ به ، ولا موجب للحمل على الاستحباب والفضل.

ثمّ إنّ المراد بما يتخطّى ما يكون قابلاً للتخطّي كما يقتضيه ظاهر اللفظ في المقام وأمثاله ممّا يشبه هذا التعبير دون الخطوة المتعارفة الخارجية ، وهو حسبما جرّبناه يعادل المتر الواحد تقريباً ، فلا مانع من الفصل بين المسجد والموقف بهذا المقدار الذي هو أقصى مراتب القابلية ، دون الزائد عليه.

نعم ، الأحوط رعاية الخطوة المتعارفة ، وقد عرفت أنّ الأفضل الأكمل

__________________

(*) هذا إذا أخلّ بوظيفة المنفرد ، وإلّا بطلت الجماعة فقط.

(**) هذا إذا كان المأموم واحداً كما سيأتي.

(١) الوسائل ٨ : ٤١٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٢ ح ٣.

١٦٢

وإن كان الأحوط مراعاة عدم التقدّم في جميع الأحوال حتّى في الركوع والسجود والجلوس ، والمدار على الصدق العرفي (١).

______________________________________________________

رعاية الاتّصال بين المسجد والموقف من دون أيّ فصل بينهما.

(١) يقع الكلام تارة في جواز التقدّم على الإمام ، وأُخرى في جواز المساواة معه ، فهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف بين المسلمين من الخاصّة والعامّة في عدم جواز التقدّم ، ويقتضيه مضافاً إلى التسالم والسيرة القطعية نفس مفهوم الإمامة ، فإنّ المتبادر من هذا اللفظ أنّ من يؤتم به بارز من بين القوم ، مقدّم عليهم ، ليقتدى به ويتابع في حركاته وسكناته ، وبذلك يصبح إماماً.

ويستفاد ذلك من جملة من الروايات التي منها ما ورد فيما إذا حدث للإمام حدث من أنّه يقدّم أحدهم (١) ، وهذا ظاهر لا سترة عليه.

إنّما الكلام فيما ذكره الماتن تبعاً لغيره من الأصحاب من الحكم ببطلان الصلاة فيما إذا تقدّم على الإمام في الابتداء أو الأثناء مع البقاء على نيّة الائتمام فإنّ هذا على إطلاقه غير ظاهر.

وإنّما يتّجه فيما إذا تقدّم عامداً مع الإخلال بوظيفة المنفرد كما لو ترك القراءة حينئذ عمداً ، أو تقدّم ساهياً مع الإتيان بما يوجب البطلان ولو سهواً كما لو زاد ركناً لأجل التبعيّة ، فإنّ أصل الصلاة كنفس الجماعة باطلة في هاتين الصورتين ، أمّا الثاني فلأجل التقدّم المانع عن انعقاد الجماعة ، وأمّا الأوّل فللإخلال بوظيفة المنفرد بارتكاب ما يوجب البطلان عمداً كالصورة الأُولى أو ولو سهواً كما في الصورة الثانية ، وهذا واضح.

وأمّا إذا تقدّم عامداً ولم يخلّ بشي‌ء من وظيفة المنفرد كما لو كان الاقتداء في

__________________

(١) وقد تقدّم بعضها في ص ٧٦ ٧٧.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعة الثالثة أو الرابعة وقد أتى بالقراءة ، أو تقدّم ساهياً ولم يخلّ إلّا بالقراءة لاعتقاده صحّة الجماعة المقتضية لتركها ، فلا مقتضي لبطلان الصلاة في شي‌ء من هاتين الصورتين.

أمّا الأخيرة فلحديث لا تعاد (١) ، وأمّا ما قبلها فلعدم الموجب للبطلان عدا نيّة الائتمام ، التي هي بمجرّدها غير ضائرة ما لم ترجع إلى التشريع. فغاية ما هناك بطلان الجماعة في الصورتين الأخيرتين ، دون أصل الصلاة كما صرّح الشهيد (قدس سره) بذلك (٢).

فما في المتن وغيره من إطلاق القول بالبطلان لم نعرف له وجهاً ، ولعلّهم يريدون بذلك ما لو أخلّ بوظيفة المنفرد كما في الصورتين الأولتين.

وأمّا المقام الثاني : فالمشهور جواز المساواة كما في المتن ، وخالف فيه صاحب الحدائق (٣) ، وهو الحق.

ويدلّنا على المنع مضافاً إلى اقتضاء مفهوم الإمامة ، وإلى الأمر بالتقدّم في أخبار حدث الإمام كما مرّت الإشارة إليهما ، وإلى ما ورد في كيفية صلاة العراة جماعة من تقدّم الإمام بركبتيه (٤) الكاشف عن أنّ أصل التقدّم أمر مرتكز مفروغ عنه ، روايات خاصّة.

عمدتها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «قال : الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (٥) حيث تضمّنت الأمر بالقيام خلف الإمام فيما إذا كان المأموم أكثر من واحد ، وظاهر الأمر الوجوب ، نعم تضمّن صدرها المساواة في المأموم

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) البيان : ٢٣٤.

(٣) الحدائق ١١ : ١١٦.

(٤) الوسائل ٤ : ٤٥٠ / أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٤١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الواحد ، وهذا لا كلام لنا فيه ، بل ستعرف (١) وجوب المساواة حينئذ فضلاً عن الجواز.

وأمّا روايته الأُخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّه سئل عن الرجل يؤمّ الرجلين ، قال : يتقدّمهما ولا يقوم بينهما ...» إلخ (٢) فهي وإن كانت صريحة الدلالة لكنّها ضعيفة السند وإن عبّر عنها المحقّق الهمداني (قدس سره) بالصحيحة (٣) ، لضعف طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم (٤). وكأنّه (قدس سره) اغترّ بجلالة محمد بن مسلم ، ولم يمعن النظر في طريق الصدوق إليه.

وقد صدر نظير هذا الاشتباه من صاحب الحدائق (قدس سره) (٥) مع كونه من مهرة الفن ، فوصف الرواية التي أسندها الصدوق إلى محمّد بن مسلم بالصحّة غفلة عمّا في طريقه إليه من الضعف (٦). وإنّما العصمة لأهلها.

وكيف ما كان ، ففي صحيحته الاولى غنى وكفاية ، هذا.

وقد حمل المشهور هذه الروايات على الاستحباب ، واستشهدوا له بأُمور :

منها : الصحيحة الواردة في اختلاف المصلّيين في الإمامية والمأمومية التي تقدّمت سابقاً (٧) ، فإنّ فرض الاختلاف والتداعي لا يمكن إلّا بناءً على جواز المساواة.

وفيه أوّلاً : أنّ غاية ما يستفاد من الصحيحة جواز المساواة في المأموم الواحد ، ولا نضايق من الالتزام بذلك كما أشرنا وسيأتي ، ومحلّ الكلام إنّما هو

__________________

(١) في ص ١٦٧ ١٦٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٤٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٧.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٦١ السطر ٣٥.

(٤) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٦.

(٥) الحدائق ١١ : ٩١.

(٦) يمكن أن يكون تصحيحه مع التفاته إلى ضعف الطريق مستنداً إلى بعض الوجوه التي ذكرها في المستدرك ٢٣ : ٢٠٤ / ٢٩٨ للتصحيح ، وإن كانت بأجمعها مخدوشة.

(٧) [لاحظ ص ٦٦ ، فانّ المذكور سابقاً هو موثّقة السكوني].

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في المأموم المتعدّد. فمورد الصحيحة أجنبي عن محلّ الكلام بالكلّية.

وثانياً : أنّ فرض الاختلاف لا يتوقّف على جواز المساواة ، لإمكان تصوير الفرض حتّى مع اشتراط التقدّم ، كما لو لم يشاهد أحدهما الآخر لظلمة أو عمى ونحو ذلك. وكون هذا الفرض نادراً لا يقدح بعد أن كان أصل المسألة أعني الاختلاف والتداعي من الفروض النادرة التي قلّما تتّفق خارجاً كما أشرنا إليه سابقاً (١). فلا يتوجّه عليه أنّ ذلك من حمل المطلق على الفرد النادر.

ومنها : مكاتبة الحميري المرويّة في قرب الإسناد (٢) قال : «كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : وأمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خدّه الأيمن على القبر ، وأمّا الصلاة فإنّها خلفه ويجعله الأمام ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، لأنّ الإمام لا يُتقدّم ويصلّى عن يمينه وشماله» (٣).

دلّت على أنّ الممنوع إنّما هو التقدّم على الإمام ، دون الصلاة عن يمينه أو شماله. فلا بأس بالمساواة معه في الموقف.

نعم ، روى الطبرسي مثله في الاحتجاج ، إلّا أنّه قال : «ولا يجوز أن يصلى بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه ولا يساوى» (٤).

__________________

(١) في ص ٦٨.

(٢) [لم نعثر عليه في المصدر المذكور].

(٣) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلّي ب ٢٦ ح ٢ ، الاحتجاج ٢ : ٥٨٢.

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن رواية الطبرسي مرسلة فلا يعتمد عليها. والعمدة إنّما هي الرواية الأُولى المعتبرة المتضمّنة لجواز التساوي.

وفيه أوّلاً : ما عرفت من أنّ غايتها الدلالة على الجواز في المأموم الواحد دون الأكثر الذي هو محلّ الكلام.

وثانياً : أنّها أجنبية عن إمام الجماعة بالكلّية ، فإنّ الإمام في قوله عليه‌السلام : «ويجعله الأمام» بفتح الهمزة بمعنى القُدّام ، لا بكسرها كي يراد به إمام الجماعة ، إذ لا معنى لفرض القبر المطهّر إمام الجماعة كما لا يخفى.

وأمّا الإمام في قوله : «لأنّ الإمام لا يُتقدّم ...» إلخ فالمراد به المعصوم عليه‌السلام ، والحكم محمول على ضرب من الكراهة دون الحرمة ، وإلّا فتجوز الصلاة قُدّام الإمام عليه‌السلام حال حياته فضلاً عن حال مماته عليه‌السلام كما أشرنا إليه في بحث المكان (١) فلاحظ.

ومنها : رواية علي بن إبراهيم الهاشمي رفعه قال : «رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلّي بقوم وهو إلى زاوية في بيته بقرب الحائط ، وكلّهم عن يمينه وليس على يساره أحد» (٢).

وفيه : أنّها ضعيفة السند لأجل الرفع (٣).

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ مقتضى الصناعة وجوب تأخّر المأموم عن الإمام والقيام خلفه ، عملاً بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة المؤيّدة بالشواهد الأُخر كما مرّ ، السليمة عما يوجب صرفها عن الوجوب.

هذا كلّه فيما إذا كان المأموم متعدّداً ، وأمّا المأموم الواحد فإنّه يجب أن يقف

__________________

(١) شرح العروة ١٣ : ٩٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٤٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٦.

(٣) وأمّا علي بن إبراهيم الهاشمي نفسه فهو مشترك بين من هو من رجال موسى بن جعفر عليه‌السلام ولم يوثّق ، ومن هو في طبقة رجال الكليني ، وهو المراد في المقام ، وقد وثّقه النجاشي صريحاً [في رجاله : ٢٦٢ / ٦٨٧] وقد أشار (دام ظلّه) إلى الأوّل في المعجم ١٢ : ٢٣٣ / ٧٨٣٩ ، وإلى الثاني في ١٢ : ٢١٠ / ٧٨٢٥.

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عن يمين الإمام وبحذائه كما نطقت به الصحيحة المتقدّمة (١) وغيرها. ونتيجة ذلك هو التفصيل بين الواحد والكثير كما اختاره في الحدائق (٢).

نعم ، يستثني من ذلك موارد :

منها : المأموم الواحد الذي يكون معرضاً لالتحاق غيره به.

واستدلّ له تارة : برواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصفّ وحده ، فقال : لا بأس ، إنّما يبدو واحد بعد واحد» (٣). ولكنّها ضعيفة السند ، لأنّ محمّد بن الفضيل مردّد بين ابن غزوان الثقة وبين الأزدي الضعيف ، وكلاهما في طبقة واحدة ، ومن المعاريف ، ولكلّ كتاب. فلا يترجّح أحدهما على الآخر.

نعم ، ذكر الأردبيلي في جامع الرواة أنّ محمّد بن فضيل الأزدي هو محمّد بن القاسم بن فضيل الأزدي (٤) الذي يروي عن الكناني كثيراً ، وهو ثقة ، وكثيراً ما ينسب الرجل إلى جدّه. وعليه فيكون الرجل موثّقاً على كلّ حال ، سواء أكان هو ابن غزوان أم الأزدي.

ولكن ما ذكره (قدس سره) مجرّد احتمال لا دليل عليه ، بل إنّ انتساب الرجل إلى جدّه خلاف الظاهر ، لا يصار إليه ما لم يثبت بدليل قاطع.

وبالجملة : فكلّ من الأمرين محتمل ، ولا قرينة على التعيين ، فدعوى الاتّحاد بلا برهان ، فيبقى الترديد المزبور على حاله ، ولأجله يحكم بضعف الرواية.

وأُخرى : برواية موسى بن بكر «أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصفّ وحده ، قال : لا بأس ، إنّما يبدو الصف واحد

__________________

(١) في ص ١٦٤.

(٢) الحدائق ١١ : ٩٢ ، ١١٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٠٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٢.

(٤) جامع الرواة ٢ : ١٨٣.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد واحد» (١). وهي أيضاً ضعيفة ، لضعف طريق الصدوق (٢) إلى موسى بن بكر (٣).

لكن الذي يهوّن الخطب أن الحكم مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى ورود النصّ ، لأنّ ما دلّ على أن المأموم الواحد يقف على جانب الإمام منصرف عن المقام قطعاً بعد أن كان معرضاً للانضمام وكان الالتحاق تدريجياً بطبيعة الحال. فإطلاق قوله عليه‌السلام : صلّ خلف من تثق بدينه (٤) هو المحكّم.

ومنها : ما إذا لم يجد مكاناً في الصفّ فدار الأمر بين أن يقف في صفّ مستقلا أو على جانب الإمام ، فقد دلّ النصّ على أنّه يقف بحذاء الإمام ، وهو صحيح سعيد الأعرج : «عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصفّ مقاماً ، أيقوم وحده حتّى يفرغ من صلاته؟ قال : نعم لا بأس ، يقوم بحذاء الإمام» (٥).

ومنها : إمامة النساء ، بناءً على جواز إمامتهنّ كما تقدّم (٦) ، فإنّها تقف في وسطهنّ كما دلّت عليه النصوص.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٤.

(٢) [لعدم ذكره في مشيخة الفقيه].

(٣) ولكن يمكن تصحيحه على ضوء بعض فوائده الرجالية (دام ظله) في أمثال المقام بأن يقال : إنّ طريق الشيخ إلى موسى بن بكر صحيح [كما في الفهرست : ١٦٢ / ٧٠٥] وحيث إنّ في الطريق ابن الوليد ، وللشيخ الصدوق طريق صحيح إلى جميع كتبه ورواياته كما يظهر من طريق الشيخ إليه [في الفهرست : ١٥٦ / ٦٩٤] فلا جرم يكون طريق الصدوق إلى موسى بن بكر صحيحاً أيضاً.

فالأولى المناقشة في دلالتها بأنّها مطلقة من حيث الصفّ الأول وبقيّة الصفوف ، فلو كان لدليل أنّ المأموم الواحد يقف على جانب الإمام إطلاق يشمل فرض كونه في معرض الانضمام فلا محالة تقع المعارضة بينهما بالعموم من وجه ، ولكنّه لا إطلاق له كما أُفيد في المتن.

(٤) راجع ص ٥٠ ، الهامش رقم (٣).

(٥) الوسائل ٨ : ٤٠٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٣.

(٦) [تقدّم جواز إمامتها في صلاة الميت في شرح العروة ٩ : ٢١٠ ، وسيأتي جوازها في الفرائض في ص ٣٥٠ وما بعدها].

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صلاة العراة جماعة ، فانّ الإمام لا يتقدّم حينئذ إلّا بركبتيه للنصوص الدالّة عليه (١) الكاشفة عن جواز المساواة بينهم.

وربما يستثني أيضاً إقامة جماعة أُخرى في المسجد بعد فراغ الجماعة الأُولى وقبل أن يتفرّقوا ، استناداً إلى رواية أبي علي ، قال : «كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل فقال : جعلت فداك ، صلّيت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أحسنت ، ادفعه عن ذلك ، امنعه أشدّ المنع ، فقلت : فان دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال : يقومون في ناحية المسجد ، ولا يبدو لهم إمام ...» إلخ (٢).

دلّ صدرها على أنّ سقوط الأذان عزيمة لا رخصة كما تقدّم في محلّه (٣). ومحلّ الاستشهاد هو قوله عليه‌السلام في الذيل : «ولا يبدو لهم إمام» أي لا يبرز ولا يتقدّم.

لكن الرواية ضعيفة السند ، فإنّ أبا علي الحرّاني لم يوثّق. على أنّ الصدوق رواها مع تبديل لفظة «يبدو» بلفظة «يبدر» بذكر الراء بدل الواو (٤) ، أي لا يسرع الإمام بل يمكث قليلاً كي تتفرّق الجماعة الأُولى ، وعليه فتكون أجنبية عمّا نحن فيه. وكيف ما كان ، فلم يثبت هذا الاستثناء ، وليقتصر فيه على الموارد التي ذكرناها.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ ما قوّاه في الحدائق وأصرّ عليه من أنّه لا مخرج عمّا تقتضيه ظواهر النصوص من لزوم وقوف المأموم الواحد بحذاء الإمام ، والزائد عليه خلفه ، هو الصحيح الحقيق بالقبول فيما عدا موارد

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٥٠ / أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٤١٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٢.

(٣) شرح العروة ١٣ : ٣٠٠.

(٤) لاحظ الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٥.

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستثناء التي أشرنا إليها.

وأمّا ما عن المشهور وستأتي الإشارة إليه في المتن من عدّ ذلك من المستحبّات ، وأنّه يستحبّ وقوف المأموم الواحد بجانب الإمام والزائد خلفه فلم يظهر لنا وجهه قبال هاتيك النصوص المتقدّمة الظاهرة في الوجوب عدا الشهرة الفتوائية. وفي التعويل عليها في رفع اليد عن تلك النصوص تأمّل ظاهر. فما ذكرناه لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

بقي التنبيه على أمرين :

أحدهما : بناءً على جواز المساواة في المأموم المتعدّد أو كان المأموم واحداً ووقف إلى جانب الإمام ، فهل تجوز المساواة الحقيقية بينهما بأن يقفا على صعيد واحد بنسبة متساوية ، أم يجب التأخّر على المأموم بشي‌ء ما ولو يسيراً؟

مقتضى إطلاق كلام الماتن وصريح جمع آخرين هو الأوّل ، وذهب بعضهم إلى الثاني ، هذا. وليس في الروايات تعرّض لذلك ليستدلّ به على شي‌ء من الطرفين ، وإنّما الوارد فيها لفظ «حذاء الإمام» كما في صحيحة الأعرج أو «يمينه» كما في صحيحة ابن مسلم المتقدّمتين (١) ، ومقتضى الإطلاق فيهما جواز المساواة الحقيقية ، إذ لم يتقيّد بالتأخّر القليل.

ومع التشكيك في انعقاد الإطلاق من أجل أنّه عليه‌السلام لم يكن في مقام البيان من هذه الجهة ، بل النظر معطوف على أن لا يكون المأموم خلف الإمام فينتهي الأمر حينئذ إلى الأصل العملي من البراءة أو الاشتغال.

وقد عرفت غير مرّة (٢) أنّ المرجع هو الأوّل ، لعدم كون الجماعة مسقطاً لوجوب الصلاة ليرجع إلى الاشتغال بعد الشكّ في السقوط ، وإنّما هي عدل للواجب التخييري. فيشكّ في أنّ الجامع الذي هو متعلّق التكليف هل لوحظ

__________________

(١) في ص ١٦٩ ، ١٦٤.

(٢) منها ما تقدّم في ص ١٤٨.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

بين الفرادى ومطلق الجماعة ، أم بينها وبين الجماعة المتقيّدة بعدم المساواة الحقيقية أو بالتأخّر القليل ، ومقتضى الأصل البراءة عن هذا التقييد.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ مفهوم الإمامة بحسب الارتكاز العرفي يستدعي تقدّم الإمام (١) ولو في الجملة ليتابعه المأموم ويقتدي به كما أشرنا إليه فيما سبق (٢). فان ثبت هذا فهو ، ولأجله يحكم بلزوم التأخّر اليسير ، وإلّا فالمرجع الإطلاق إن تمّ ، وإلّا فالأصل المقتضي لعدم اللزوم كما عرفت.

الأمر الثاني : هل يعتبر التأخّر أو التساوي في جميع حالات الصلاة ، أم يكفي مراعاة ذلك في الموقف فقط وإن زاد المأموم على الإمام في ركوعه أو سجوده لطول قامته أو لقصر قامة الإمام؟

الظاهر هو الثاني ، لكون المدار على الصدق العرفي كما ذكره في المتن والصدق العرفي حاصل بعد التأخّر في الموقف. ولا دليل على لزوم رعايته في جميع حالات الصلاة وأجزائها.

وعلى الجملة : لم يقم دليل على لزوم تأخّر جميع بدن المأموم عن جميع بدن الإمام ، وإنّما الثابت لزوم الصلاة خلفه أو بحذائه ، والعبرة في صدق هذا العنوان عرفاً مراعاته في الموقف فقط لا في جميع الأحوال ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) بعد أن فرغ عن الشرائط الأربعة من عدم الحائل وعدم علوّ موقف الإمام وعدم التباعد وعدم التقدّم ، تعرّض لفروع كثيرة تتعلّق كلّها ما عدا اليسير منها بالشرط الأوّل ، وكان من حقّها التعرّض لها عند انتهائه من ذاك الشرط ، وقد أشرنا إلى بعضها هناك (٣) ، ونشير إلى الجميع حسب تعرّض الماتن وإن تضمّن نوعاً من الإعادة.

__________________

(١) مفهوم الإمامة لا يقتضي إلّا المتابعة في الأفعال ، وهي غير منوطة بالتقدّم في الموقف بالضرورة.

(٢) في ص ١٦٣.

(٣) في ص ١٤٤ وما بعدها.

١٧٢

[١٨٩٨] مسألة ١ : لا بأس بالحائل القصير (*) الذي لا يمنع من المشاهدة في أحوال الصلاة وإن كان مانعاً منها حال السجود كمقدار الشبر بل أزيد أيضاً نعم إذا كان مانعاً حال الجلوس فيه إشكال لا يترك معه الاحتياط (١).

[١٨٩٩] مسألة ٢ : إذا كان الحائل ممّا يتحقّق معه المشاهدة حال الركوع لثقب في وسطه مثلاً ، أو حال القيام لثقب في أعلاه ، أو حال الهويّ إلى السجود لثقب في أسفله فالأحوط والأقوى فيه عدم الجواز ، بل وكذا لو كان في الجميع لصدق الحائل معه أيضاً (٢).

______________________________________________________

(١) قد أشرنا سابقاً (١) إلى أنّ لفظ الحائل غير مذكور في شي‌ء من النصوص ، وإنّما المذكور لفظ السترة والجدار ، الذي هو من عطف الخاصّ على العام. فتمام الموضوع هو الستار ، أي ما يكون ساتراً ومانعاً عن المشاهدة ولا ريب أنّ هذا إنّما يطلق فيما إذا كان المحلّ في طبعه قابلاً للرؤية وصالحاً للمشاهدة كما في حالات القيام أو الركوع أو الجلوس ، دون مثل حال السجود أو الهويّ إليه ، لامتناع المشاهدة حينئذ بطبيعة الحال ، سواء أكان هناك ساتر أم لا. فالقابلية مفقودة حينئذ في نفسها ، ولا يستند عدم الرؤية إلى وجود الساتر.

وعليه فالساتر القصير إذا كان بمقدار شبر أو أكثر غير قادح ما لم يكن ساتراً حال الجلوس فضلاً عن بقيّة الحالات وإن كان ساتراً حال السجود لعدم استناد الستر إليه حينئذ كما عرفت. وقد تقدّم في ذيل الشرط الأوّل التفصيل بين ما يتخطّى وبين غيره فلاحظ (٢).

(٢) ما ذكره (قدس سره) من أنّ الأقوى عدم الجواز فيما إذا كان الحائل

__________________

(*) مرّ آنفاً أنّ اعتبار عدم الحائل المانع عن المشاهدة مبني على الاحتياط ، وأنّ المعتبر هو عدم الفصل بما لا يتخطّى من سترة أو جدار.

(١) في ص ١٤٦.

(٢) ص ١٤٤ ١٤٥.

١٧٣

[١٩٠٠] مسألة ٣ : إذا كان الحائل زجاجاً يحكي مَن وراءه فالأقوى (*) عدم جوازه ، للصدق (١).

______________________________________________________

مانعاً عن المشاهدة في بعض الحالات دون بعض لثقب في وسطه أو أعلاه أو أسفله هو الصحيح ، لصدق الستار بعد إطلاق النصّ وعدم تقييده بجميع الحالات.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من المنع حتّى إذا كان الثقب في الجميع معلّلاً بصدق الحائل معه فلا يمكن المساعدة عليه ، لما عرفت (١) من أنّ موضوع الحكم ليس هو عنوان الحائل ليتمسّك بإطلاقه ، بل عنوان الستار ، وأنّ الجدار المعطوف عليه في النصّ من باب المثال ، وأنّه من قبيل عطف الخاص على العام فلا خصوصية فيه.

ولا ريب أنّ الستار غير صادق بعد فرض وجود الثقب في جميع أطراف الحائل بحيث لا يمنع عن المشاهدة في شي‌ء من حالات الصلاة ، فوجوده غير مانع بعد عدم كونه مشمولاً للنصّ.

ومنه يظهر الحال فيما ذكره في المسألة الآتية من الحائل غير المانع عن المشاهدة وإن منع عن الاستطراق كما لو كان زجاجياً يحكي مَن وراءه ، فانّ عنوان الحائل صادق (٢) بمقتضى الإطلاق ، لكنّه ليس موضوعاً للحكم كما عرفت آنفاً.

ومنه يظهر الحال أيضاً في الشبّاك ، الذي تعرّض إليه في المسألة الخامسة لعدم صدق السترة عليه وإن ضاق الثقب ، فلا ضير في شي‌ء من ذلك.

(١) وقد عرفت منعه آنفاً.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) في ص ١٤٦ ، ١٧٣.

(٢) [الموجود في الأصل : (فإنّ عنوان الساتر غير صادق ...) ، والصحيح ما أثبتناه].

١٧٤

[١٩٠١] مسألة ٤ : لا بأس بالظلمة والغبار ونحوهما (١) ، ولا تعدّ من الحائل وكذا النهر والطريق إذا لم يكن فيهما بعدٌ ممنوع في الجماعة.

[١٩٠٢] مسألة ٥ : الشبّاك لا يعدّ من الحائل ، وإن كان الأحوط الاجتناب معه خصوصاً مع ضيق الثقب ، بل المنع في هذه الصورة لا يخلو عن قوة ، لصدق الحائل معه (٢).

[١٩٠٣] مسألة ٦ : لا يقدح حيلولة المأمومين بعضهم لبعض (٣) وإن كان أهل الصفّ المتقدّم الحائل لم يدخلوا في الصلاة إذا كانوا متهيّئين لها.

______________________________________________________

(١) فانّ المنسبق من النصّ أنّ السترة مهما كانت فهي جسم خارجي فاصل بين الإمام والمأموم أو المأمومين أنفسهم ، مانع عن الاستطراق والمشاهدة مثل الستار والجدار ونحوهما. ومن الواضح أنّ الظلمة ليست منها ، بل ولا الغبار.

وأوضح حالاً العمى ، فانّ عدم المشاهدة حينئذ لقصور في المقتضي لا لوجود المانع. والحكم قطعي لا ارتياب فيه ، بل لعلّه من الضروريات الغنيّة عن الاستدلال.

وأمّا النهر والطريق فعدم كونهما من الحائل أظهر من أن يخفى. فلا مانع من وجودهما ما لم تبلغ سعتهما حدّ البعد القادح.

(٢) قد عرفت أنّ هذا التعليل عليل وأنّ الاعتبار بصدق الستار ، فهو المدار دون الحائل ، ولا ينبغي الشكّ في عدم الصدق في شي‌ء من حالات الصلاة إلّا إذا ضاقت الثقوب بمثابة يشملها الصدق العرفي.

(٣) أمّا عدم القدح بلحاظ أثناء الصلاة فهو من القطعيات ، لضرورة صحّة انعقاد الجماعات المؤلّفة من الصفوف العديدة. وأمّا عدمه بلحاظ افتتاح الصلاة وابتدائها فلأجل السيرة القطعية القائمة من المتشرّعة على دخول الصفّ اللاحق في الصلاة وإن لم يدخل الصف السابق ، أو من هو واسطة الاتّصال بين المأموم والإمام في الصفّ الأوّل بعد أن كانوا متهيّئين لها.

١٧٥

[١٩٠٤] مسألة ٧ : لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأول أو أكثره للإمام إذا كان ذلك من جهة استطالة الصفّ ، ولا أطولية الصفّ الثاني مثلاً من الأوّل (١).

[١٩٠٥] مسألة ٨ : لو كان الإمام في محراب داخل في جدار ونحوه لا يصحّ اقتداء من على اليمين أو اليسار ممّن يحول الحائط بينه وبين الإمام (٢)

______________________________________________________

فمجرد التهيؤ كافٍ في صدق الاتّصال والخروج عن عنوان الحائل والستار ولا يناط ذلك بافتتاح الصفّ السابق أو من هو واسطة الاتّصال ودخولهم في الصلاة ، وإلّا فلو توقّف الدخول على دخولهم ولوحظ الترتيب بين الصفوف في الافتتاح لأشكل الاقتداء في الجماعات الكبيرة جدّاً ، لعدم سعة الوقت ، مع أنّ الجماعات الكبيرة منعقدة خلفاً عن سلف.

وقد حكي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يصلّي بالناس في مسجد الكوفة الذي كان أكبر ممّا هو عليه الآن بكثير ، وكان المسجد مليئاً من المأمومين البالغ عددهم ما يقرب من ثلاثين ألفاً ، وكلّهم بمرأى منه عليه‌السلام.

فلو توقّف افتتاح اللاحق على السابق أو من هو واسطة الاتصال لأشكل اقتداء الأكثر منهم ، إذ لا يسع الزمان مراعاة هذا الشرط بالنسبة إلى الجميع فيعلم من ذلك أنّ مجرّد التهيؤ كافٍ في الصحّة. فلا مجال للترديد أو البناء على عدم الاكتفاء كما عن بعضهم.

(١) فانّ المدار على مشاهدة الإمام أو مشاهدة من هو واسطة الاتّصال بينه وبين الإمام ، لما عرفت من أنّ الواسطة ليست من الحائل ، فالاتّصال به ومشاهدته كافٍ في الصحّة ، فلا تقدح استطالة الصفّ أو أطولية الصفّ الثاني من الأوّل وإن منعت عن مشاهدة الإمام بعد إمكان مشاهدة الواسطة.

(٢) لا ريب في [عدم] صحّة اقتداء من يقف على يمين المحراب أو يساره ممّن

١٧٦

ويصحّ اقتداء من يكون مقابلاً للباب ، لعدم الحائل بالنسبة إليه ، بل وكذا من على جانبيه ممّن لا يرى الإمام لكن مع اتّصال الصفّ على الأقوى ، وإن كان الأحوط العدم ، وكذا الحال إذا زادت الصفوف إلى باب المسجد فاقتدى من في خارج المسجد مقابلاً للباب ووقف الصفّ من جانبيه ، فإنّ الأقوى صحّة صلاة الجميع ، وإن كان الأحوط العدم بالنسبة إلى الجانبين.

______________________________________________________

يحول الحائط بينه وبين الإمام ، كما لا ريب في الصحّة بالإضافة إلى من يقف بحيال الباب ، لتحقّق الاتّصال وعدم الحائل بالنسبة إليه.

إنّما الكلام في من يقف على أحد جانبي الواقف بحيال الباب ممّن لا يرى الإمام لحيلولة الجدار بينه وبينه ، فالمشهور صحّة اقتدائه أيضاً كما في المتن لتحقّق الاتّصال بينه وبين من يرى الإمام ، فتكفي مشاهدة من هو واسطة الاتّصال ، بل ادّعي عليه الإجماع في بعض الكلمات.

وذهب بعضهم إلى البطلان ، استناداً إلى ظاهر الاستثناء في صحيحة زرارة : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة ، إلّا من كان حيال الباب» إلخ (١) بناء على أنّ المستثنى منه هو الضمير المجرور في قوله : «لهم». فيكون حاصل المعنى أنّه مع وجود الستار لا تصحّ صلاة أحد إلّا من يقف بحيال باب المحراب ، فالواقف على أحد جانبي هذا الشخص داخل في عقد المستثنى منه.

والإنصاف : أنّ هذا هو الظاهر من الصحيحة في بادئ الأمر وبحسب الظهور البدوي ، إلّا أنّ التأمّل فيها يقضي بأنّ هذا الظاهر غير مراد قطعاً وأنّ المستثنى منه بمناسبة الحكم والموضوع هي الحالة والكيفية المستفادة من سياق الكلام دون الضمير المجرور ، ويتّضح هذا بعد ملاحظة أمرين :

الأوّل : أنّ مقتضى الاستثناء من الضمير تخصيص صحّة الصلاة بمن يقف

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٩ ح ١.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بحيال الباب فقط ، وأنّ كلّ من عداه ممّن يقف على جانبيه أو خلفه من بقيّة الصفوف إلى الأخير منها فصلاتهم باطلة بأسرهم ، لاندراج الكلّ في عقد المستثنى منه بعد تخصيص الخارج عنه بالواقف بحيال الباب.

وهذا كما ترى لا يمكن الالتزام به ، ولن يلتزم به أحد حتّى هذا القائل ، فإنّ الباقين صلاتهم صحيحة قطعاً بضرورة الفقه ، لاتّصالهم بمن هو متّصل بالإمام.

الثاني : ملاحظة ذيل الصحيحة ، قال عليه‌السلام : «هذه المقاصير إنّما أحدثها الجبّارون ، وليس لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة من فيها صلاة» ، وكأنّ هذه الفقرة بمثابة دفع ما ربما يستغربه السائل من حكمه عليه‌السلام أوّلاً ببطلان الصلاة إلّا من كان بحيال الباب ، من أنّ المقصورة من مستحدثات الجبابرة ومبتدعاتهم حذراً عن الاغتيال كما اغتيل أمير المؤمنين عليه‌السلام في محرابه ، ولم تكن معهودة في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده.

وكيف ما كان ، فقد تضمّنت هذه الفقرة بطلان صلاة كلّ من يصلّي خلف المقصورة حتّى من يكون بحيال الباب بمقتضى الإطلاق ، ولا يستقيم هذا إلّا في فرض انفصال الكلّ عن الإمام لوجود حائل على الباب أو انسداده.

فنستنتج من هذه الفقرة بضميمة العلم الخارجي الذي أشرنا إليه في الأمر الأوّل أنّ الصحيحة تضمّنت تقسيم المصلّين إلى حالتين وتنويعهم إلى كيفيّتين وأنّه في حالة الانفصال عن الإمام لوجود حائل بينه وبين الكلّ بطلت صلاة الجميع ، وفي حالة الاتّصال ولو مع الواسطة صحّت صلاة الجميع أيضاً.

فقوله عليه‌السلام : «إلا من كان ...» إلخ استثناء عن حالة المصلّين من حيث الاتّصال والانفصال ، المستفاد من سياق الكلام بمناسبة الحكم والموضوع ، وأنّه لا صلاة مع وجود السترة في حال من الحالات إلّا في الحالة التي يتّصل معها بعض المأمومين وهو الواقف بحيال الباب مع الإمام ، فتصحّ في هذه الحالة صلاة الجميع. فهي ناظرة إلى صحّة صلاة الكلّ تارة وبطلانها كذلك اخرى ، دون التفكيك بين المصلّين كما هو مبنى الاستدلال.

١٧٨

[١٩٠٦] مسألة ٩ : لا يصحّ اقتداء مَن بين الأسطوانات (١) مع وجود الحائل بينه وبين من تقدّمه إلّا إذا كان متّصلاً بمن لم تحل الأسطوانة بينهم ، كما أنّه يصحّ إذا لم يتّصل بمن لا حائل له لكن لم يكن بينه وبين من تقدّمه حائل مانع.

[١٩٠٧] مسألة ١٠ : لو تجدّد الحائل في الأثناء فالأقوى بطلان الجماعة (٢) ويصير منفردا.

______________________________________________________

وهذا الذي استظهرناه من الصحيحة إن صحّ وتمّ فهو ، وإلّا فغايته إجمال الصحيحة وسقوطها عن الاستدلال ، فينتهي الأمر حينئذ إلى التمسّك بإطلاقات الجماعة القاضية بالصحّة ، وإلّا فالأصل العملي الذي مقتضاه البراءة كما مرّ غير مرّة.

فالأقوى : ما عليه المشهور بل ادّعي عليه الإجماع من صحّة صلاة من على الجانبين ممّن لا يرى الإمام ، لكفاية الاتّصال بمن يراه.

ومنه يظهر الحال فيما إذا زادت الصفوف إلى باب المسجد فاقتدى من في خارج المسجد مقابلاً للباب ووقف الصفّ من جانبيه ، فإنّه يحكم بصحّة صلاة الجميع حينئذ كما أشار إليه في المتن.

(١) لما عرفت من صحيحة زرارة المتضمّنة لبطلان الصلاة خلف المقاصير ولزوم الاتّصال بين المأموم والإمام ، أو بينه وبين من هو واسطة الاتّصال.

وعليه فيبطل اقتداء من بين الأسطوانات إذا كان هناك حائل بينه وبين من تقدّمه ، لفقد الاتّصال حينئذ بينه وبين الإمام من جميع النواحي.

نعم ، لو كان متّصلاً ولو من جانب واحد كما لو لم يكن حائل بينه وبين من تقدّمه ، أو كان متّصلاً بمن لم تحل الأسطوانة بينهم صحّ اقتداؤه حينئذ. ولا خصوصية للاسطوانة في هذا الحكم ، بل المدار على مطلق الستار كما هو ظاهر.

(٢) لإطلاق النصّ الشامل لصورتي الابتداء والأثناء. ودعوى الانصراف

١٧٩

[١٩٠٨] مسألة ١١ : لو دخل في الصلاة مع وجود الحائل جاهلاً به لعمى أو نحوه لم تصحّ جماعة (١) ، فإن التفت قبل أن يعمل ما ينافي صلاة المنفرد أتمّ منفرداً ، وإلّا بطلت (*).

______________________________________________________

إلى الأُولى كما عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) (١) ممنوعة.

(١) لأنّ مانعية الحائل واقعية بمقتضى إطلاق الدليل ، لا علمية. فلا إشكال في بطلان الجماعة ، وأمّا الصلاة فظاهر عبارة الماتن (قدس سره) بطلانها أيضاً إذا التفت وقد أخلّ بوظيفة المنفرد ، سواء أكان الإخلال بارتكاب ما ينافي صلاة المنفرد عمداً كترك القراءة ، أو ولو سهواً كزيادة الركن لأجل التبعية فإنّ إطلاق العبارة شامل لكلتا الصورتين ، كما صرّح به بعضهم. فلو التفت حال الركوع إلى وجود الحائل وقد ترك القراءة بطلت صلاته.

ولم يظهر له وجه عدا إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة : «فليس تلك لهم بصلاة» (٢). لكن حديث لا تعاد (٣) حاكم عليه ، كحكومته على سائر أدلّة الأجزاء والشرائط الأوّلية ، وموجب لتخصيص البطلان بما إذا كان الإخلال بالأركان ، بناء على شمول الحديث لمطلق موارد العذر كما هو الصحيح على ما مرّ غير مرّة.

وبما أنّ ترك القراءة في المقام مستند إلى العذر ، لتخيّل كونه مؤتمّاً ، وليست هي من الخمسة المستثناة فيشملها الحديث. وعليه فيحمل قوله عليه‌السلام : «فليس تلك لهم بصلاة» على نفيها بعنوان الجماعة ، أو على ما لو ارتكب ما ينافي حتّى سهواً.

__________________

(*) هذا إذا أخلّ بما تبطل الصلاة بالإخلال به عمداً وسهواً.

(١) كتاب الصلاة : ٢٨٥ السطر ٢٢.

(٢) المتقدّم في ص ١٧٧.

(٣) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

١٨٠