موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٨٩٥] مسألة ٢٨ : إذا أدرك الإمام وهو في التشهّد الأخير يجوز له الدخول معه (١) بأن ينوي ويكبّر ثمّ يجلس معه ويتشهّد ، فاذا سلّم الإمام يقوم فيصلّي من غير استئناف للنيّة والتكبير ، ويحصل له بذلك فضل الجماعة وإن لم يحصل له ركعة.

______________________________________________________

قبل أن يستكمل المأموم ركوعه من باب الصدفة والاتّفاق ، ومثله غير مشمول للقاعدة ، من دون فرق بين ما إذا كان الشكّ في أصل الوجود كما في قاعدة التجاوز المتقوّمة بتجاوز المحلّ والدخول في الغير ، أو في وصف الصحّة كما في قاعدة الفراغ غير المتقوّمة بذلك ، لرجوع القاعدتين إلى قاعدة واحدة كبروياً كما حقّقناه في الأُصول (١).

وكيف ما كان ، فلا مجال لجريان القاعدة في المقام ، سواء أكان غافلاً حال الركوع أم معتقداً للإدراك ولكنّه شكّ فيه بعد رفع الرأس.

نعم ، في صورة اعتقاد الإدراك وتيقّنه يمكن التمسّك بقاعدة اليقين بناءً على حجّيتها وعدم الاعتناء بالشكّ الساري كغيره الطارئ. لكن المبنى فاسد ، إذ لا أساس للقاعدة كما حرّر في محلّه (٢).

إذن فالمتّجه عدم انعقاد الجماعة وإن صحّت فرادى ، إذ لا خلل إلّا من ناحية القراءة المتروكة ، وهي مشمولة لحديث لا تعاد.

(١) على المعروف المشهور بل حكي عليه الإجماع لموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه ، قال : لا يتقدّم الإمام ولا يتأخّر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته» (٣).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٦٩ ٢٧٨.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٢٤٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٩٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٣.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي ظاهرة الدلالة على الدخول معه في الصلاة والقعود للتشهّد متابعة من دون استئناف للتكبير بعد القيام وتسليم الإمام ، لقوله عليه‌السلام : «فأتمّ صلاته» ، فإنّ الإتمام يلازم صحّة التكبيرة الاولى ، وكونها محقّقة للدخول في الصلاة فيتمّها حينئذ ، وإلّا فلو كان الاستئناف واجباً لعبّر عن ذلك بالشروع دون الإتمام كما لا يخفى. وبذلك تحصل له فضيلة الجماعة وإن لم تحصل له ركعة ، لتقوّمها بالركوع المفروض عدم إدراكه له ، هذا.

وقد تعارض بموثّقته الأُخرى قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين ، قال : يفتتح الصلاة ، ولا يقعد مع الإمام حتّى يقوم» (١) ، فإنّها تضمّنت النهي عن القعود مع الإمام ، في حين أنّ الاولى اشتملت على الأمر به.

وقد جمع بينهما في الوسائل تارة بحمل الأمر على الاستحباب والنهي على الجواز. وهو كما ترى في غاية البعد ، وكيف يحمل النهي الظاهر في المنع على الجواز كي يحمل الأمر في قباله على الاستحباب؟ فإنّه لم يكن من الجمع العرفي في شي‌ء ، بل هما من المتعارضين عرفاً.

نعم ، إذا ورد الأمر بشي‌ء في قبال نفي البأس عن تركه ، أو النهي عن شي‌ء في مقابل نفي البأس عن فعله أمكن الجمع بينهما بالحمل على الاستحباب أو الكراهة ، وأين ذلك من المقام؟

واخرى وهو الصحيح باختلاف مورد الموثّقتين ، لورود الاولى في التشهّد الأخير بقرينة قوله عليه‌السلام : «فاذا سلّم الإمام» ، ولا مناص له حينئذ من القعود ليدرك الإمام ويتابعه فيما تيسّر من الأجزاء حتّى يتحقّق الائتمام المتقوّم بالمتابعة ، ويحصل بذلك على فضل الجماعة.

وأمّا الثانية فموردها التشهّد الأوّل بقرينة قوله عليه‌السلام : «حتّى يقوم» إذ من الواضح أنّه لا مقتضي حينئذ للقعود بعد إمكان الإدراك والمتابعة في

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٤.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعات الآتية ، فالموثّقتان متضمّنتان لحكمين مختلفين في موردين ، من دون تعارض في البين.

وأمّا التشهّد فالموثّقة المتقدّمة كغيرها من النصوص والكثير من كلمات الأصحاب وإن كانت خالية عن التعرّض له ، لتضمّنها الأمر بالقعود فقط لكنّه لا بأس بالإتيان به كما ذكره الماتن (قدس سره) وغيره رجاءً أو بقصد مطلق الذكر.

وكيف ما كان ، فالموثّقتان صريحتان في الاعتداد بالتكبيرة السابقة وعدم الحاجة إلى استئنافها.

وعن صاحب الحدائق (قدس سره) معارضتهما بما رواه الصدوق (قدس سره) في الفقيه عن عبد الله بن المغيرة قال : «كان منصور بن حازم يقول : إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمّ اجلس ، فإذا قمت فكبّر» (١) لتضمّنه الأمر باستئناف التكبير.

وقد تصدّى (قدس سره) لتصحيح السند بأنّ الرواية وإن لم تكن مسندة إلى الإمام ، ولعلّ منصور بن حازم أفتى بذلك حسب نظره ورائه ، إلّا أنّ جلالته وهو من أجلّ ثقات الأصحاب تأبى عن أن يقول ذلك إلّا عن تثبّت وسماع من المعصوم عليه‌السلام ، ثمّ قال (قدس سره) : وحينئذ فتبقى المسألة في قالب الإشكال (٢).

أقول : لا ينبغي الإشكال في المسألة ، فإنّ أصحاب الأئمة عليهم‌السلام لم يكونوا مقتصرين على نقل الرواية عنهم عليهم‌السلام فقط ، بل إنّهم كثيراً ما كانوا يبدون آراءهم ويفتون حسب اجتهادهم واستنباطهم من كلماتهم عليهم‌السلام أيضاً. وجلالة قدرهم لا تنافي ذلك ، بل تؤكّده كما لا يخفى.

وعليه فمن الجائز أن يكون ما قاله منصور بن حازم في هذه الرواية هو

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٤.

(٢) الحدائق ١١ : ٢٥٥.

١٢٣

[١٨٩٦] مسألة ٢٩ : إذا أدرك الإمام في السجدة الأُولى أو الثانية من الركعة الأخيرة وأراد إدراك فضل الجماعة نوى وكبّر وسجد معه السجدة أو السجدتين وتشهّد ، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام ويستأنف الصلاة (١)

______________________________________________________

فتواه كما هو الظاهر ، ولا أقلّ من الشكّ. فلم يعلم منها أنّه رواية أم دراية ونتيجة ذلك عدم ثبوت الرواية عن المعصوم عليه‌السلام كي تنهض لمعارضة الموثّقتين ، وتكون النتيجة التوقّف في المسألة.

(١) لم يتعرّض (قدس سره) لحكم إدراكه في السجود من سائر الركعات. والظاهر كونه ملحقاً بإدراكه في السجدة الاولى من الركعة الأخيرة فيقع الكلام تارة : في إدراكه فيما عدا السجدة الثانية من الركعة الأخيرة ، سواء أكانت هي السجدة الأُولى منها أم الأُولى أو الثانية من سائر الركعات ، وأُخرى : في إدراكه في خصوص السجدة الثانية من الركعة الأخيرة.

المقام الأوّل : في إدراكه فيما عدا السجدة الثانية من الركعة الأخيرة ، ولم يرد فيه نصّ معتبر يدلّ على جوازه وصحّة الائتمام حينئذ.

وعمدة ما يستدلّ به لذلك هما روايتا معلّى بن خنيس ومعاوية بن شريح المتقدّمتان (١).

أمّا الثانية : فضعيفة السند بمعاوية بن شريح ، وإن صحّ إسناد الصدوق (قدس سره) إليه كما مرّ.

وأمّا الأُولى : فإنّ المعلّى بن خنيس نفسه فيه كلام ، فقد ضعّفه النجاشي صريحاً (٢) ، ومع الإغماض عنه فهي ضعيفة بأبي عثمان الأحول ، فقد عنونه النجاشي (رحمه الله) في موضعين :

أحدهما : في باب الأسماء بعنوان : معلّى بن عثمان الأحول وقيل : ابن زيد.

__________________

(١) في ص ١١٧ ، ١١٨.

(٢) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٤.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد وثّقه ، وقال : له كتاب ، يروى عنه محمد بن زياد (١) أي ابن أبي عمير.

والآخر : في باب الكنى ، بدون أن يذكر اسمه ، فقال : أبو عثمان الأحول ، له كتاب ، يروي عنه صفوان (٢). ولم يتعرّض لتوثيقه ، ممّا يشعر باختلافه مع الذي ترجم له في باب الأسماء.

وقد عنونه الشيخ (قدس سره) أيضاً في الفهرست في باب الكنى (٣) بمثل ما ذكره النجاشي (قدس سره) مع تصريحه في أوّل الكتاب (٤) بأنّه إنّما يذكر في الكنى من لم يعثر على اسمه. فيظهر من ذلك اشتراك أبي عثمان الأحول بين شخصين ، أحدهما معلوم الاسم ، ثقة ، يروي كتابه عنه ابن أبي عمير. والآخر مجهوله ، ولم يوثّق ، وراوي كتابه صفوان.

وحيث إنّ الراوي عن أبي عثمان في هذه الرواية هو صفوان يستظهر من ذلك أنّ المراد هو الثاني الذي لم يوثّق.

وقد يقال : إنّ الراوي لكتاب معلّى بن خنيس هو معلّى بن عثمان الثقة ولأجل أنّ الأحول في هذه الرواية يروي عن معلّى بن خنيس فلذلك يظنّ منه كونه معلّى بن عثمان الثقة.

ولكنّه كما ترى ظنّ لا يكاد يغني عن الحقّ شيئاً ، سيما وأنّ الأحول لم ينقل الرواية عن كتاب معلّى بن خنيس ، بل عنه نفسه ، فمن الجائز أن يكون هناك طريقان أحدهما إلى كتابه وفيه : ابن أبي عمير عن معلّى بن عثمان الأحول الثقة ، عنه. والآخر إليه نفسه وفيه : صفوان عن أبي عثمان الأحول الذي لم يوثّق عنه.

وكيف كان ، فلم يعلم أنّ المراد به في المقام هو الثقة ، ولا أقلّ من الترديد

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٥.

(٢) رجال النجاشي : ٤٥٨ / ١٢٤٨.

(٣) الفهرست : ١٨٨ / ٨٤١.

(٤) [بل في ص ١٨٣ من الفهرست].

١٢٥

ولا يكتفي بتلك النيّة والتكبير (١)

______________________________________________________

بين الشخصين ، وذلك يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار. والنتيجة ضعف الروايتين معاً.

وعلى هذا فلا مجال للتعويل عليهما في الخروج عمّا تقتضيه القاعدة من البطلان للزيادة العمدية في السجدة ، ولا سيما السجدتين معاً اللتين هما من الركن. ودليل اغتفار الزيادة العمدية الحاصلة من جهة المتابعة قاصر عن شمول المقام ، لاختصاصه بما إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام فعاد إلى ذلك للمتابعة ، وأين ذلك ممّا نحن فيه؟

وأمّا رواية عبد الرحمن المتقدّمة (١) فهي وإن كانت نقيّة السند كما سبق (٢) لكنّها قاصرة الدلالة ، بل هي أجنبية عمّا نحن فيه ، لعدم تضمّنها الأمر بالسجود ، بل قد عرفت فيما سبق أنّ قوله عليه‌السلام : «فاثبت مكانك ...» لا يدلّ على الدخول في الصلاة ، بل لعل المراد كما هو الظاهر المكث والانتظار حتّى ينكشف الحال ، فان قعد الإمام بعد رفع رأسه من السجدة قعد معه ، وإن قام قام هو ، فيكون الائتمام بعد ذلك أي حال التشهّد أو القيام.

وأمّا رواية أبي هريرة المتقدّمة (٣) فقد تقدّم ضعف سندها من جهات.

وعلى الجملة : فالحكم غير ثابت لضعف نصوص الباب.

(١) لو سلّمنا اعتبار سند النصوص المتقدّمة وبنينا على جواز الائتمام في مفروض الكلام ، فهل يلزمه استئناف التكبير بعد القيام كما اختاره في المتن بل عن المدارك نسبته إلى الأكثر (٤) أم لا كما نسب إلى جماعة ، بل قد أصرّ

__________________

(١) في ص ١١٧.

(٢) وسبق ما فيه.

(٣) في ص ١١٨.

(٤) المدارك ٤ : ٣٨٥.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه في الجواهر (١)؟ فيه خلاف بين الأعلام (قدس سرهم).

ومنشأ الخلاف هو اختلافهم في كيفية الاستظهار من الأخبار وتعيين مرجع الضمير في قوله عليه‌السلام : «ولم يعتد بها» الوارد في روايتي معلّى بن خنيس ومعاوية بن شريح المتقدّمتين (٢) وأنّ ضمير التأنيث هل يعود إلى الصلاة كي يدلّ على إلغائها وعدم الاعتناء بها الملازم لاستئناف التكبير ، أو أنّه يعود إلى السجدة ليكون الملغى هي وحدها دون أصل الصلاة ، فلا حاجة إلى الاستئناف.

وقد يقال : بتعيّن الاحتمال الأوّل وأنّه لا مجال للاحتمال الثاني ، لعدم سبق لفظ السجدة في الكلام ، بل المذكور هو : سجد ، ومصدره السجود دون السجدة التي بمعنى المرّة. فلا يصح رجوع الضمير المؤنّث إليه ، بل اللازم إرجاع الضمير المذكّر إليه.

أقول : بل المتعيّن هو الاحتمال الثاني :

أمّا أوّلاً : فلأنّ عود الضمير إلى الصلاة بعيد غايته ، حيث إنّه لم تصدر منه صلاة خارجاً كي يحكم عليها بالاعتداد أو عدمه ، فإنّ السجدة الواحدة بل السجدتين ليست من حقيقة الصلاة في شي‌ء حتّى على القول بوضع ألفاظ العبادات للأعمّ ، فإنّ الأعميّ أيضاً لا يرتضي ذلك ، ولا يرى صحّة الإطلاق على الجزء أو الجزأين كما لا يخفى.

على أنّ لفظة الصلاة غير مسبوقة بالذكر في رواية المعلّى ، وإنّما المذكور الركعة ، وعود الضمير إليها كما ترى خلاف الظاهر جدّاً ، لتقوّمها بالركوع ، ولم يصدر منه حسب الفرض.

وعلى الجملة : لم يسبق ذكر الركعة ولا الصلاة في رواية معاوية ، ولا صدر

__________________

(١) الجواهر ١٤ : ٥٩ وما بعدها.

(٢) في ص ١١٧ ، ١١٨.

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

منه شي‌ء منهما كي يحكم بعدم الاعتداد بها. والركعة وإن ذكرت في رواية المعلّى لكنّها لم تصدر منه كي يحكم عليها بعدم الاعتداد. وهكذا الحال في رواية أبي هريرة المتقدّمة (١) ، فانّ عود الضمير فيها إلى الصلاة بعيد في الغاية ، لما ذكر.

وثانياً : فلأنّ الأقرب يمنع الأبعد ، ومقتضاه عود الضمير إلى السجدة لكونها أقرب ، فيتعيّن الاحتمال الثاني.

وأمّا حديث تأنيث الضمير فغير قادح ، حيث لا يتعيّن عوده إلى المصدر المستفاد من الكلام دائماً ، بل يختلف ذلك باختلاف المقامات والمناسبات ، فربما يعود الضمير إليه ، وربما يعود إلى اسم المصدر وهو السجدة في المقام بكسر السين.

وقد تعرّضنا في بحث المشتق من أُصول الفقه (٢) للفرق بين المصدر واسمه ، وقلنا : إنّهما متّحدان ذاتاً متغايران اعتباراً ، كالإيجاد والوجود ، فانّ العرض إذا لوحظ فيه المعنى الحدثي أعني قيامه بالمحلّ وانتسابه إليه فهو المصدر ، ويعبر عنه في المقام بالسجود ، وإن لوحظ بحياله واستقلاله وبما هو موجود مستقلّ في مقابل سائر الموجودات مع صرف النظر عن الانتساب فهو اسم المصدر ، المعبر عنه في المقام بالسجدة بكسر السين كما عرفت.

والشائع في اللغة الفارسية هو الانفكاك بينهما في الصيغة ، فالمصدر لحدث الضرب يعبر عنه بـ (زدن) واسم المصدر (كتك) ، وهو قليل في اللغة العربية.

وغير خفي أنّ المناسب في المقام هو عود الضمير إلى اسم المصدر دون المصدر نفسه ، فانّ المحكوم عليه بعدم الاعتداد هو ذات السجود لا بوصف الانتساب إلى الفاعل ، إذ لا معنى لرعاية المعنى الحدثي في هذا الحكم كما لا يخفى.

فظهر أنّ المتعيّن بمقتضى القواعد الأدبية هو عود الضمير إلى السجدة ، وأنّ تأنيث الضمير حينئذ في محلّه ، ولا مجال لإرجاعه إلى الصلاة ولا إلى الركعة.

__________________

(١) في ص ١١٨.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٢٧٧.

١٢٨

ولكن الأحوط (١) إتمام الأُولى بالتكبير الأوّل ثمّ الاستئناف بالإعادة.

______________________________________________________

وعليه فالأقوى الاجتزاء بالتكبيرة الاولى ، وعدم الحاجة إلى الاستئناف.

(١) رعاية للخلاف الموجود في المسألة. ولكن الاحتياط يتأدّى بالإتيان بتكبيرة أُخرى بعد القيام بقصد الجامع بين تكبيرة الإحرام على تقدير لزوم الاستئناف وبين مطلق الذكر على تقدير لزوم الإتمام ، فإنّه بذلك يتحفّظ على الواقع على كلّ تقدير بلا حاجة إلى إعادة الصلاة.

وأمّا الإتيان بالتكبيرة الثانية بقصد الافتتاح خاصّة فهو على خلاف الاحتياط ، بل غير جائز على ما ذكرناه ، لاستلزامه قطع الفريضة بناء على حرمته.

المقام الثاني : في إدراكه في خصوص السجدة الثانية من الركعة الأخيرة والأقوى حينئذ جواز الائتمام ، لدلالة النصّ الصحيح عليه ، وهو صحيح محمّد ابن مسلم قال «قلت له : متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال : إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام» (١).

واحتمال كون المراد به مجرّد الانتهاء إلى الإمام وهو في السجدة الأخيرة بأن يشاهده كذلك من دون الائتمام به ، فيكون ذلك كافياً في إدراك فضل الجماعة كما ترى بعيد في الغاية ، لمنافاته مع الإدراك في قوله عليه‌السلام : «إذا أدرك الإمام ...» ، فإنّ إدراك الإمام بما هو إمام لا يطلق إلّا عند الائتمام به واتّصافه بالمأمومية ، ولا يكون مجرّد مشاهدته إماماً بدون الاقتداء به من الإدراك في شي‌ء.

كما أنّ احتمال الافتقار إلى استئناف التكبير وعدم دلالة الرواية على الاجتزاء بالأُولى في غاية البعد ، ومخالف جدّاً لظهورها العرفي كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ١.

١٢٩

[١٨٩٧] مسألة ٣٠ : إذا حضر المأموم الجماعة فرأى الإمام راكعاً ، وخاف أن يرفع الإمام رأسه إن التحق بالصفّ نوى وكبّر في موضعه (١)

______________________________________________________

نعم ، مقتضى الاحتياط هو الإتيان بتكبيرة مردّدة بين تكبيرة الافتتاح والذكر المطلق كما سبق.

(١) بلا خلاف فيه ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، وتقتضيه جملة من النصوص :

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : «أنّه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة ، فقال : يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتّى يبلغهم» (١).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر واركع ، فاذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف ، فاذا جلس فاجلس مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف» (٢).

وهي كالأُولى في الدلالة ، وإن افترقت عنها في موضع المشي.

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدخل المسجد وقد ركع الإمام فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد ، فاذا رفعت رأسي أيّ شي‌ء أصنع؟ فقال : قم فاذهب إليهم ، وإن كانوا قياماً فقم معهم ، وإن كانوا جلوساً فاجلس معهم» (٣).

وربما يستدلّ له أيضاً بصحيحة معاوية بن وهب قال : «رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يوماً وقد دخل المسجد لصلاة العصر فلمّا كان دون الصفوف

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٨٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٨٦ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٦.

١٣٠

وركع ثمّ مشى في ركوعه (١) أو بعده أو في سجوده أو بعده أو بين السجدتين أو بعدهما أو حال القيام للثانية إلى الصفّ ، سواء كان لطلب المكان الأفضل أو للفرار عن كراهة الوقوف في صف وحده ، أو لغير ذلك.

______________________________________________________

ركعوا فركع وحده ، ثمّ سجد السجدتين ، ثمّ قام فمضى حتّى لحق الصفوف» (١).

وأورد صاحب الحدائق (قدس سره) (٢) على عدّها من أخبار الباب والاستدلال بها كما عن الأصحاب (قدس سرهم) بإيراد متين حاصله : أنّ ائتمامه عليه‌السلام إنّما كان بالمخالف كما تقتضيه طبيعة الحال ، فتكون الصلاة للتقيّة ، وهي بصورة الجماعة ، وواقعها انفرادية ، ولذا تجب القراءة فيها ولو بمثل حديث النفس.

فهو عليه‌السلام كان مؤتمّاً صورة ومنفرداً حقيقة ، وعليه فكما أنّ أصل الصلاة معهم كان للتقية جاز أن يكون ما فعله من المشي حال الصلاة والالتحاق بالصفّ أيضاً للتقيّة ، لموافقته لمذهب العامّة (٣). فلا يمكن الاستدلال بها.

وكيف ما كان ، ففيما تقدّم ذكره من الصحيحتين والموثّقة غنى وكفاية مضافاً إلى تسالم الأصحاب (قدس سرهم) على الحكم كما عرفت.

(١) كما تقتضيه صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة (٤) ، لقوله عليه‌السلام «يمشي وهو راكع» ، وظاهره تعيّن ذلك ، وأنّ اغتفار البعد خاصّ بمرحلة الحدوث ويجب الالتحاق في حال الركوع بقاءً. فلو كنّا نحن والصحيحة لحكمنا بلزوم العمل بمقتضاها.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٨٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٢.

(٢) الحدائق ١١ : ٢٣٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٢.

(٤) في ص ١٣٠.

١٣١

وسواء كان المشي إلى الأمام أو الخلف (١) أو أحد الجانبين

______________________________________________________

غير أنّ صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة (١) تضمّنت توقيت ذلك بحال رفع الإمام رأسه عن سجوده أو قيامه للركعة التالية. وقريب منها الموثّقة المتقدّمة أيضاً (٢).

ومقتضى الجمع بينهما هو التخيير وجواز الالتحاق في كلّ من الموضعين. وبمقتضى الفهم العرفي يستفاد منها جواز الالتحاق بالصفّ فيما بين الحدّين أيضاً ، فإنّ الترخيص في التأخير إلى حال القيام ظاهر عرفاً في جواز الالتحاق في أيّ جزء يتخلّل فيما بين حال الركوع وحال القيام للثانية.

وبكلمة اخرى : من المحتمل قادحية عدم الالتحاق فيما بين الحدّين ، وأمّا قادحية الالتحاق فيه فهي غير محتملة أصلاً كما لا يخفى.

وعليه فيجوز له الالتحاق في جميع المواضع المذكورة في المتن ، فإنّها وإن لم تكن منصوصاً عليها غير أنّ حكمها مستفاد من النصوص المتقدّمة بالتقريب المذكور.

(١) عملاً بإطلاق النصوص. وقد يتخيّل المنع عن المشي إلى الخلف لصحيحة محمّد بن مسلم قال «قلت له : الرجل يتأخّر وهو في الصلاة؟ قال : لا ، قلت : فيتقدّم؟ قال : نعم ، ماشياً إلى القبلة» (٣). وفي بعض النسخ : «ما شاء» بدل «ماشياً».

ويتوجّه عليه : أنّ مفاد الصحيحة المنع عن التأخّر في مطلق الصلوات من دون فرق بين الجماعة والفرادى ، فلم ترد لخصوص حكم المقام وإن أدرجها صاحب الوسائل (قدس سره) في روايات الباب. ولا شكّ في جواز التأخّر للمنفرد ، لعدم كونه من قواطع الصلاة بالضرورة.

وعليه فلا بدّ من حملها ـ ولو بقرينة الذيل الدالّ على جواز المشي إلى القبلة

__________________

(١) ، (٢) في ص ١٣٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٨٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٥.

١٣٢

بشرط أن لا يستلزم الانحراف عن القبلة (١) ، وأن لا يكون هناك مانع آخر من حائل أو علو أو نحو ذلك (٢).

______________________________________________________

ـ على ما إذا كان التأخّر مستلزماً للاستدبار أو الانحراف عن القبلة كما هو المتعارف ، وأمّا المشي بنحو القهقرى المبحوث عنه في المقام فهو غير مشمول للصحيحة ، ومقتضى الإطلاق السالم عن المعارض هو جوازه كما لا يخفى.

(١) لما دلّ على اعتبار الاستقبال ، وعدم ما يدلّ على اغتفاره هنا ، فلا بدّ وأن يكون المشي بنحو لا يستلزم الاستدبار أو الانحراف عن القبلة ، ولو بنحو القهقرى ، تحاشياً من ذلك.

(٢) قد يقال بشمول الحكم لما إذا كان هناك مانع آخر أيضاً ممّا ذكر في المتن ، لإطلاق النصوص. وقد يدّعى اختصاصه بما إذا لم يكن مانع آخر حتّى البعد المانع من الالتحاق اختياراً ، فانّ هذا الحكم بمثابة الاستثناء من كراهة الانفراد بالصفّ في الجماعة إذا كانت فرجة فيها ، وليس استثناءً من التباعد. وربما ينسب هذا القول إلى المشهور ، بل استظهر في الجواهر عن بعض مشايخه دعوى الاتفاق عليه والمبالغة في تشييده والإنكار على من زعم الاستثناء من التباعد (١).

وفصّل شيخنا الأنصاري (قدس سره) بين البعد وبين غيره من الموانع فخصّ الاغتفار بالأوّل (٢). وهو جيد جدّاً ، فانّ النصوص مسوقة لبيان العفو من جهة البعد فقط ، ولا نظر لها إلى صورة الاقتران ببقيّة الموانع كي ينعقد لها إطلاق بالإضافة إليها ، فيكون إطلاق أدلّة الموانع من الحائل ونحوه هو المحكّم بعد فرض سلامته عن التقييد.

وأمّا البعد المفروض قدحه اختياراً فلا ينبغي الإشكال في كونه مشمولاً للنصوص لو لم يكن هو موردها ، فانّ قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن

__________________

(١) الجواهر ١٤ : ١٤.

(٢) كتاب الصلاة : ٣٧٦ السطر ١٨.

١٣٣

نعم لا يضرّ البعد الذي لا يغتفر حال الاختيار على الأقوى إذا صدق معه القدوة (١) وإن كان الأحوط اعتبار عدمه (*) أيضاً.

______________________________________________________

مسلم المتقدّمة : «قبل أن يبلغ القوم» وفي صحيحة عبد الرحمن : «إن مشيت إليه» وفي الموثّقة : «فاذهب إليهم» يعطينا الظهور القويّ في ورود النصوص في من يريد الاقتداء وهو بعيد من القوم ، بحيث يصدق في حقّه أنّه لم يبلغهم لوجود الفاصل بينه وبينهم بمسافة تعدّ بالأمتار ، بحيث يحتاج الوصول إليهم إلى المشي والذهاب دون مجرّد التخطّي والانسحاب من صفّ إلى صفّ ، فانّ المنفرد بالصفّ بالغُهم لا أنّه لم يبلغهم بعد ، خصوصاً على القول باعتبار أن لا يكون الفصل في الجماعة بأكثر ممّا يتخطّى ، فانّ هذه النصوص كالصريحة في إرادة البعد بأكثر من هذا المقدار كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الترديد في قصر النظر في هذه النصوص على الاستثناء من أدلّة مانعية التباعد ، فيكون حملها على الاستثناء من كراهة الانفراد بالصفّ بعيداً عن مساقها جدّاً ، وإن نسب القول به إلى المشهور.

ويزيدك وضوحاً قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : «ويمشي وهو راكع» ، فإنّ الأمر بالمشي الظاهر في الوجوب إنّما يستقيم على ما استظهرناه ، لوضوح عدم وجوب المشي على المنفرد بالصفّ ، لاتصاله بالقوم فلا يجب ذلك إلّا على البعيد تحقيقاً للاتصال بهم. وحمله على الاستحباب خلاف الظاهر من دون قرينة عليه.

وعلى الجملة : تخصيص الحكم بالبعد المغتفر (١) اختياراً كتعميمه لسائر الموانع من الحائل ونحوه ممّا لا وجه له ، والمتعيّن هو التفصيل الذي ذكره الشيخ (قدس سره) كما عرفت.

(١) بأن يكون العرف حاكماً بوحدة الجماعة غير أنّ بعض أفرادها متأخّر

__________________

(*) هذا الاحتياط ضعيف جدّاً.

(١) [الموجود في الأصل : «غير المغتفر» والصحيح ما أثبتناه].

١٣٤

والأقوى عدم وجوب جرّ الرجلين حال المشي (١) ، بل له المشي متخطياً على وجه لا تنمحي صورة الصلاة. والأحوط ترك الاشتغال بالقراءة والذكر الواجب أو غيره مما يعتبر فيه الطمأنينة حاله (٢).

______________________________________________________

عن الصفوف. وأمّا البعد الفاحش كمقدار مائة متر أو أكثر مثلاً المانع عن الصدق المزبور فغير مشمول للنصوص ، لانصرافها إلى البعد المتعارف كما لا يخفى.

(١) كما هو المشهور ، وهو الصحيح ، عملاً بإطلاق النصوص. وذهب جماعة إلى وجوب جرّ الرجلين ، لما رواه الصدوق (قدس سره) مرسلاً : «ورُوي أنّه يمشي في الصلاة ، يجرّ رجليه ولا يتخطّى» (١).

ولكنّها مضافاً إلى عدم ورودها في خصوص المقام لتصلح لتقييد المطلقات بها ضعيفة السند للإرسال ، مع أنّ الصدوق (قدس سره) لم يسندها إلى المعصوم عليه‌السلام ليكشف ذلك عن اعتبارها سنداً بحيث كان في غنى عن التصريح برجال السند ، كما كنّا نعتمد عليه سابقاً في حجّية مراسيله (قدس سره) ، وإنّما اكتفى بالقول : وروى. فهي مرسلة ضعيفة السند ، غير صالحة للاستدلال بها بوجه.

(٢) اختار صاحب الحدائق (قدس سره) الجواز مدّعياً أنّ مقتضى إطلاق النصوص سقوط اعتبار الطمأنينة في المقام ، فلو اختار المشي راكعاً أو ساجداً جاز له الإتيان بذكري الركوع والسجود ، أو قائماً جازت له القراءة ماشياً كما لو كان المأموم مسبوقاً (٢).

والظاهر عدم الجواز ، لما عرفت من اختصاص النصوص بالعفو عن جهة البعد فقط ، بلا نظر فيها إلى بقيّة الموانع والشرائط ، فلا ينعقد لها إطلاق

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٨٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٦ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ ذيل ح ١١٤٨.

(٢) الحدائق ١١ : ٢٣٦.

١٣٥

ولا فرق في ذلك بين المسجد وغيره (١).

______________________________________________________

بالإضافة إلى ذلك لتدلّ على إلغائها في المقام ، فيكون إطلاق دليل اعتبار الطمأنينة كصحيحة بكر بن محمّد الأزدي (١) وغيرها المتقدّمة في محلّه (٢) المقتضي للكفّ عن القراءة والذكر حال المشي محكّماً بعد فرض سلامته عن التقييد.

(١) فانّ النصوص وإن اشتملت على ذكر المسجد إلّا أنّه وقع في كلام السائل دون الإمام عليه‌السلام ليتوهّم اختصاص الحكم به. وواضح أنّ نظر السائل متوجّه إلى استعلام حكم الجماعة عند الخوف من عدم إدراك ركوع الإمام ، بلا خصوصية للمكان. وذكر المسجد من باب أنّ المتعارف هو انعقادها فيه كما هو الغالب. فلا مجال للترديد في الإطلاق.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٨ ح ١٤.

(٢) شرح العروة ١٥ : ٢٣.

١٣٦

فصل

[في شروط الجماعة]

يشترط في الجماعة مضافاً إلى ما مرّ في المسائل المتقدّمة أُمور :

أحدها : أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل (*) يمنع عن مشاهدته ، وكذا بين بعض المأمومين مع الآخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام (١) كمن في صفّه من طرف الإمام أو قدّامه إذا لم يكن في صفّه من يتّصل بالإمام ، فلو كان حائل ولو في بعض أحوال الصلاة من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود بطلت الجماعة ، من غير فرق في الحائل بين كونه جداراً أو غيره ولو شخص إنسان لم يكن مأموما.

______________________________________________________

(١) على المشهور والمعروف ، بل ادّعي عليه الإجماع صريحاً في كلمات غير واحد.

والمستند في ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة بطرقهم الصحيحة عن زرارة ، فقد روى الفقيه بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنّه قال : ينبغي

__________________

(*) اعتبار عدم الحائل بين الإمام والمأموم المانع عن مشاهدته وكذا اعتبار عدمه بين بعض المأمومين والبعض الآخر الواسطة في الاتصال مبنيّ على الاحتياط ، وإنّما المعتبر في الجماعة أن لا يكون بين المأموم والإمام وكذلك بين بعض المأمومين والبعض الآخر منهم الواسطة في الاتصال فصل بما لا يتخطّى من سترة أو جدار ونحوهما ، وكذا الحال بين كلّ صفّ وسابقه.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض ، لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى ، يكون قدر ذلك مسقط جسد إنسان إذا سجد. قال وقال أبو جعفر عليه‌السلام : إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام ، وأيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة الإمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة ، وإن كان ستراً أو جداراً فليس تلك لهم بصلاة إلّا من كان حيال الباب. قال وقال : هذه المقاصير إنما أحدثها الجبّارون ، وليس لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة من فيها صلاة ...» إلخ (١).

والمذكور في الوسائل بدل قوله : «وإن كان ستراً أو جداراً» هكذا : «وإن كان شبراً أو جداراً». لكن الموجود في الفقيه ما أثبتناه.

كما أنّ المذكور في الوسائل (٢) قبل قوله : «قال وقال : هذه المقاصير» هكذا : «قال : إن صلّى قوم بينهم وبين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة ، إلّا من كان حيال الباب» ، وأسندها إلى المشايخ الثلاثة. ولكن هذه الفقرة بهذه الكيفية الظاهرة في اختصاص الحكم بما بين الإمام والمأمومين غير موجودة لا في الفقيه ولا الكافي ولا التهذيب ، والصحيح ما ذكرناه. هذا ما يرجع إلى رواية الفقيه.

ورواها في الكافي (٣) وكذا الشيخ (٤) عنه عن زرارة بمثل ما تقدّم ، غير أنّها تختلف عن رواية الفقيه في موارد :

منها : أنّ الكافي (٥) صدّر الحديث بقوله : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٢ ح ١ ، ٢ ، ٤٠٧ / ب ٥٩ ح ١ الفقيه ١ : ٢٥٣ / ١١٤٣ ، ١١٤٤ جامع الأحاديث ٧ : ٣٥٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١١١٧٩.

(٢) في ص ٤٠٧ / ب ٥٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٥ / ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٢ / ١٨٢.

(٥) [وكذا التهذيب].

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ إلى قوله : ـ بصلاة من فيها صلاة» وعقّبه بجملة «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة إلى قوله : إذا سجد» المذكورة في صدر رواية الفقيه ، مع الاختلاف بينهما أيضاً في الاشتمال على كلمة «إذا سجد» فإنّ الكافي خال عنها.

ومنها : زيادة كلمة «قدر» في رواية الكافي والتهذيب ، فذكر هكذا : «وبين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى» ، وعبارة الفقيه خالية عن هذه الكلمة كما سبق.

ومنها : أنّ الموجود في الكافي والتهذيب بدل قوله : «وإن كان ستراً أو جداراً» هكذا : «فان كان بينهم سترة أو جدار» بتبديل العطف بالواو إلى العطف بالفاء.

وكيف ما كان ، فقد تضمّن صدر الحديث أعني قوله عليه‌السلام : «ينبغي أن تكون الصفوف ...» اعتبار عدم البعد بين الصفّين بما لا يتخطّى الذي قدّره بعد ذلك بمسقط جسد الإنسان إذا سجد. وسيأتي التعرّض لهذا الحكم فيما بعد عند تعرّض الماتن له إن شاء الله تعالى (١).

إنّما الكلام في قوله عليه‌السلام بعد ذلك : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى ...» وأنّه ما المراد بالموصول؟

فقيل : إنّه الجسم أو الشي‌ء المانع عن التخطّي ، فتدلّ على قادحية الحائل الموجود بين المأموم والإمام الذي لا يمكن التخطّي معه وإن أمكن لولاه ، لقلّة المسافة بينهما بما لا تزيد على الخطوة.

وقيل : إنّ المراد به البعد ، ولا نظر هنا إلى الحائل بوجه ، وإنّما المقصود اعتبار أن لا تكون الفاصلة والمسافة بين المأموم والإمام بمقدار لا يتخطّى.

وقيل : إنّ المراد هو الجامع بين الأمرين ، أي لا تكون الحالة بينهما بمثابة لا تتخطّى ، سواء أكان عدم التخطّي ناشئاً من البعد أو من وجود الحائل.

والأظهر هو الثاني ، بقرينة الصدر والذيل ، فانّ هذه الكلمة ما لا يتخطّى ـ

__________________

(١) في ص ١٥٧.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قد ذكرت سابقاً ولاحقاً ، ولا شكّ أنّ المراد بها فيهما هو البعد وكميّة الفاصلة فكذا هنا لاتّحاد السياق.

أمّا الصدر فقوله عليه‌السلام : «لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى ، يكون قدر ذلك مسقط جسد إنسان» ، فإنّ المراد بالموصول هنا البعد والمقدار بلا إشكال ، بقرينة تقديره بعد ذلك بمسقط جسد الإنسان ، الذي هو بمنزلة التفسير لما لا يتخطّى.

وأمّا الذيل فهو قوله عليه‌السلام : «وبينهم وبين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى» بناءً على رواية الكافي وهي أضبط والتهذيب المشتملة على كلمة «قدر» كما مرّ ، فانّ كلمة «قدر ما لا يتخطّى» كالصريح في إرادة البعد والتقدير دون الحائل.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في أنّ هذه الفقرة ناظرة إلى التحديد من حيث البعد فقط ، هذا.

مضافاً إلى ذكر هذه الكلمة في آخر الصحيحة أيضاً ، ولا يراد بها هناك إلّا البعد قطعاً ، قال عليه‌السلام : «أيّما امرأة صلّت خلف إمام وبينها وبينه ما لا يتخطّى فليس تلك بصلاة» ، إذ لا يحتمل أن يراد بها الحائل ، لجوازه بين النساء والرجال في الجماعة بلا إشكال. وهذه قرينة أُخرى على ما استظهرناه.

وأمّا قوله عليه‌السلام بعد ذلك : «وإن كان ستراً أو جداراً ...» فظاهر بمقتضى العطف بالواو في بيان حكم جديد غير مرتبط بسابقه ، وهو اعتبار عدم الحائل بين الصفّ المتقدّم والمتأخّر من ستر أو جدار ونحوهما. فتدلّ الصحيحة بفقرتيها على شرطين مستقلّين أحدهما : عدم البعد بما لا يتخطّى والآخر : عدم وجود الحائل بين الصفّين.

نعم ، بناءً على رواية الكافي والتهذيب المشتملة على العطف بالفاء كما مرّ فقد يقال بعدم اشتمال هذه الفقرة على حكم جديد ، وأنّها من شؤون الفقرة السابقة وتوابعها بمقتضى التفريع ، وبذلك يستظهر أنّ المراد بالموصول في

١٤٠