موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٧

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه‌السلام قال : إنّ أوّل صلاة أحدكم الركوع» (١).

وبإزاء هذه الروايات طائفة أُخرى من الروايات وينتهي سند كلّها إلى محمّد بن مسلم دلّت بظاهرها على عدم الكفاية ما لم يدرك تكبيرة الركوع وهي :

صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة» (٢) ، حيث دلّت بمفهومها على عدم إدراك الصلاة ما لم يدرك التكبيرة.

وصحيحته الأُخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام قال «قال لي : إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (٣).

وصحيحته الثالثة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» (٤).

وصحيحته الرابعة قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (٥).

وهذه الطائفة كما تراها لا تقاوم الطائفة المتقدّمة دلالة ، فإنّ تلك صريحة في الجواز ، وهذه أقصاها الظهور ، لتضمّنها النهي الظاهر في التحريم القابل للحمل على الكراهة.

وعليه فمقتضى الجمع العرفي رفع اليد عن ظاهر الثانية بصريح الاولى ، بحمل النهي في الثانية على الكراهة والحكم بأولوية التأخير إلى الركعة اللاحقة. وإذا فرض أنّها الركعة الأخيرة فالأولى الالتحاق به في التشهّد من دون احتسابها ركعة ، وبذلك يدرك فضيلة الجماعة.

ومع الغضّ عن ذلك فالطائفة الثانية لا تقاوم الاولى سنداً أيضاً ، وذلك لانتهائها كما عرفت إلى محمّد بن مسلم ، فهي بحكم رواية واحدة مرويّة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٨٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٦.

(٢) ، (٣) ، (٤) ، (٥) الوسائل ٨ : ٣٨١ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

بطرق متعدّدة ، فلا تقاوم تلكم الروايات الكثيرة المستفيضة البالغة حدّ التواتر ولو إجمالاً ، فتندرج الثانية في الرواية الشاذّة في مقابل الرواية المشهورة وهي الطائفة الأُولى ، وقد أُمرنا بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب المجمع عليه بينهم وطرح الشاذّ النادر.

فعلى تقدير المعارضة والغضّ عن الجمع العرفي المتقدّم يكون الترجيح للأخبار المجوّزة ، وتطرح المانعة بردّ علمها إلى أهله.

نعم ، إنّ هناك رواية أُخرى ربما يظهر منها المنع وعدم الاكتفاء بإدراك الإمام في الركوع ، وهي صحيحة الحلبي ، وقد رواها المشايخ الثلاثة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، وإن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر» (١).

قال في الوسائل : يمكن أن يكون المراد : إذا أدركته بعد فراغه من الركوع ورفع رأسه ... ، ووافقه المحقّق الهمداني (قدس سره) ، وعلى ذلك فقد حمل الركوع في الصدر على الفراغ أيضاً (٢). فيكون حاصل المعنى : أنّه إذا أدركت الإمام قبل أن يفرغ من ركوع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، وإن أدركته بعد فراغه ورفع رأسه عنه فقد فاتت الصلاة ، وعليه أن تصلّي الظهر أربع ركعات.

ولكنّه كما ترى خلاف الظاهر جدّاً ، فإنّ صيغة الفعل الماضي ظاهرة في التحقّق ، فقوله : «بعد ما ركع» ظاهر في تحقّق الركوع منه خارجاً ، الحاصل بالدخول ، فحمله على الفراغ منه وانقضائه برفع الرأس منه خلاف الظاهر.

كما أنّ صيغة المضارع ظاهرة في الشروع والتلبس ، فقوله : «قبل أن يركع» بمعنى : قبل أن يشرع في الركوع ويتلبّس به. فحمله على ما قبل الفراغ منه بعد

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٣٤٥ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٦ ح ١ ، ٣ ، الكافي ٣ : ٤٢٧ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٠ / ١٢٣٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٦.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٢٧ السطر ٨.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الشروع والتلبس به خلاف الظاهر أيضاً.

والتحقيق : أنّ الصحيحة أجنبية عن محلّ البحث كلّية ، فإنّها ناظرة إلى تحديد ما به تدرك الجمعة ، لا إلى تحديد ما به تدرك الجماعة كما هو محلّ البحث ، فانّ مفادها أنّ منتهى ما به تدرك صلاة الجمعة هو إدراك الإمام قائماً قبل الدخول في ركوع الركعة الثانية ، فإذا دخل فيه فقد فاتته الجمعة ، وأمّا إدراك الجماعة فمحلّه باق.

وحيث إنّ الوظيفة حينئذ تنقلب من الجمعة إلى الظهر فيأتمّ به ظهراً ويدخل في الركوع ويحتسبها أوّل ركعة من الظهر ، ثمّ بعد تسليم الإمام يقوم فيضيف إليها ثلاث ركعات ويتمّها ظهراً. ولا شكّ في جواز الاقتداء ظهراً بصلاة الجمعة.

وهذا المعنى لو لم يكن على خلاف الإجماع هو الظاهر من الصحيحة فلا ربط لها بمحلّ الكلام لتنافي ما عليه المشهور من جواز إدراك الإمام راكعاً كما عرفت.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ منتهى حدّ إدراك الجماعة هو إدراك الإمام راكعاً.

وهل يجوز التأخير عمداً واختياراً إلى أن يدخل الإمام في الركوع كما هو ظاهر المتن أو أنّ ذلك خاصّ بما إذا لم يدركه قبل ذلك ، فلو أدركه حال تكبيرة الإحرام أو القراءة وتسامح وماطل إلى أن ركع الإمام لم يكن له الدخول في الجماعة حينئذ؟

مقتضى الجمود على ظواهر النصوص هو الثاني ، لتضمّنها بأسرها التعبير بإدراك الإمام وهو راكع ، وهو لا يصدق مع التأخير العمدي إلى أن يركع الإمام ، وإنّما ينطبق على ما إذا انتهى إلى الجماعة فرأى الإمام في الركوع فلا يعمّ التأخير العمدي ، لمنافاته لمفهوم الإدراك كما لا يخفى. ومع قصور النصوص يكون المحكّم هو إطلاق أدلّة القراءة وغيرها من أدلّة أحكام المنفرد

١٠٣

بشرط أن يصل إلى حدّ الركوع قبل رفع الإمام رأسه ، وإن كان بعد فراغه من الذكر على الأقوى (١) ، فلا يدركها إذا أدركه بعد رفع رأسه ، بل وكذا لو وصل المأموم إلى الركوع بعد شروع الإمام في رفع الرأس وإن لم يخرج بعد عن حدّه على الأحوط (٢).

______________________________________________________

بعد فقد الدليل على احتساب هذه الركعة.

ولكنّه يمكن القول بصدق الإدراك مع التأخير العمدي مع تعدّد المكان كما إذا كان خارج المسجد وعلم بأنّ الجماعة أُقيمت فيه ، فتسامح وأخّر لشغل أو لغيره حتّى دخل الإمام في الركوع فدخل المسجد ، فإنّه يصدق عليه بالضرورة في هذه الحالة أنّه أدركه راكعاً ، ولا قصور للنصوص عن الشمول لمثله.

فاذا ثبت الحكم مع اختلاف المكان وتعدّده ثبت مع وحدته أيضاً بعدم القول بالفصل ، حيث لا يحتمل التفكيك بين الصورتين ، وبذلك يحكم بالجواز مطلقاً حتّى مع التأخير اختياراً.

(١) كما هو المشهور ، لإطلاق النصوص ، حيث جعل المدار فيها على إدراك الإمام راكعاً.

وعن العلّامة (قدس سره) اعتبار إدراكه ذاكراً (١). ولعلّه للتوقيع المروي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) : «أنّه كتب إليه إلى أن قال : فأجاب : إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع» (٢) ولكنّه ضعيف السند بالإرسال ، فلا ينهض لتقييد المطلقات.

(٢) قد يفرض رفع الرأس بقصد الانتقال في الركوع من مرتبة إلى مرتبة

__________________

(١) التذكرة ٤ : ٤٥ ، ٣٢٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٥ ، الاحتجاج ٢ : ٥٧٩ / ٣٥٧.

١٠٤

وبالجملة : إدراك الركعة في ابتداء الجماعة يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه.

______________________________________________________

أُخرى مع عدم خروجه عن حدّ الركوع ، ومع فرض مكثه ذاكراً في المرتبة الثانية ، إذ من المعلوم كون الركوع شرعاً ذا مراتب ، فانّ أدناها وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين ، وأقصاها الانحناء بحدّ لا يخرج معه عن صدق الركوع عرفاً.

فاذا فرضنا أنّ الإمام كان في المرتبة القصوى من الركوع ، ودخل المأموم في الصلاة حال انتقال الإمام من تلك المرتبة إلى المرتبة النازلة ، مع فرض بقائه بحال الذكر في المرتبة الثانية ، فحينئذ لا ينبغي الإشكال في الصحّة ، لصدق أنّه أدرك الإمام راكعاً ، إذ لا يحتمل إرادة شخص المرتبة من الركوع. فالإطلاق غير قاصر عن الشمول لمثل ذلك كما هو واضح.

وقد يفرض كون رفع الرأس بقصد الانتهاء من الركوع والشروع في الانتصاب ، فأدركه المأموم في هذا الفرض ولكن قبل خروجه عن حدّ الركوع شرعاً. والظاهر حينئذ هو البطلان وعدم احتساب ذلك ركعة ، وذلك لصدق أنّ الإمام قد رفع رأسه قبل أن يركع المأموم ، المأخوذ في صحيحة الحلبي المتقدّمة (١) موضوعاً لفوات الركعة.

كما أنّ الإدراك في هذه الصحيحة وفي صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة أيضاً (٢) وغيرهما من أخبار الباب منوط بركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه ، ومن الواضح عدم صدق هذا العنوان في المقام ، حيث يصدق عليه أنّه ركع بعد ما رفع الإمام رأسه.

وعلى الجملة : مقتضى إطلاق النصوص هو البطلان فيما إذا ركع بعد ما رفع الإمام رأسه ، سواء أكان قد تجاوز حدّ الركوع شرعاً أم لم يكن.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٨ : ٣٨٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٢ ، ١ ، وقد تقدّمتا في ص ١٠٠.

١٠٥

وأمّا في الركعات الأُخر فلا يضرّ عدم إدراك الركوع مع الإمام (*) بأن ركع بعد رفع رأسه ، بل بعد دخوله في السجود أيضاً (١) ، هذا إذا دخل في الجماعة بعد ركوع الإمام ،

______________________________________________________

(١) ملخّص ما أفاده (قدس سره) في المقام أنّ إدراك الركعة في ابتداء الجماعة وفي الركعة الأُولى يتوقّف على أحد أمرين : إمّا إدراك الإمام راكعاً ، أو إدراكه قائماً من أوّل الركعة أو أثناءها. فما هو المشهور من لزوم إدراك ركوع الإمام في الركعة الأُولى للمأموم في ابتداء الجماعة وإلّا لم تحسب له ركعة مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام ، لا ما إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو أثناءها.

هذا هو حكم الإدراك في الركعة الأُولى ، وأمّا في بقيّة الركعات فلا يقدح فيها التخلّف عن الإمام في الركوع ، فلو ركع بعد رفع رأسه منه بل وبعد دخوله في السجود لم يقدح ذلك في صحّة الجماعة.

أقول : لا بدّ وأن يكون مراده (قدس سره) من عدم قدح التخلّف في بقيّة الركعات عدمه مطلقاً ، حتّى ولو قارن التخلّف عن القيام أيضاً ، كما لو اقتدى به من ابتداء الصلاة وبعد السجدة الأخيرة من الركعة الأُولى لم يمكنه القيام مع الإمام لمانع من زحام ونحوه إلى أن فرغ الإمام من ركوع الركعة الثانية وهوى إلى السجود فتمكّن آن ذاك من القيام ، فإنّ الجماعة حينئذ بمقتضى ما أفاده (قدس سره) صحيحة. وإلّا فلو كان عدم القدح المذكور منوطاً بإدراكه القيام بأن يكون اللازم في سائر الركعات هو إدراك أحد الأمرين : القيام أو الركوع كما هو الحال في الركعة الأُولى على ما عرفت لم يبق عندئذ فرق بين الفرضين ، وهو مخالف لظاهر المقابلة الواقعة في كلامه (قدس سره) بين الركعة

__________________

(*) هذا إذا أدرك الإمام قبل ركوعه ، وأمّا إذا منعه الزحام ونحوه من اللحوق إلى أن رفع الإمام رأسه من الركوع ففيه إشكال ، والأحوط أن يقصد الانفراد حينئذٍ.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى في ابتداء الجماعة وبين سائر الركعات.

وكيف ما كان ، ففيما عدا الركعة الاولى إن كان التخلّف في الركوع فقط فلا ينبغي الإشكال في صحّة الجماعة واحتساب ذلك ركعة ، كما هو الحال في الركعة الأُولى ، لإطلاق صحيحة عبد الرحمن المتقدمة (١) الدالّة على اغتفار التخلّف عن الإمام في الركوع إذا كان لعذر من زحام وسهو ونحوهما.

وأمّا إذا كان التخلّف فيه وفي القيام معاً كما في الفرض المتقدّم الذي استظهرنا من عبارة الماتن حكمه بصحة الجماعة فيه.

فان أراد (قدس سره) صحّتها مع الالتزام بضمان الإمام للقراءة ، بأن يقوم ويركع ويلتحق به في السجود فهذا مضافاً إلى عدم القائل به لا دليل عليه ، فانّ الضمان من شؤون الائتمام ، المتقوّم مفهومه بالمتابعة والاقتداء ، وقد ورد في الخبر كما مرّ : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به» (٢) ، فانّ سنده وإن لم يخل عن الإشكال ولكن مضمونه موافق للارتكاز ويساعده الاعتبار ، فلا ائتمام بدون المتابعة.

ومن الواضح انتفاء المتابعة في مفروض الكلام بعد التخلّف عنه في كلّ من الركوع والقيام ، حيث لا يقال له عرفاً إنّه تابع ومؤتمّ بعد هذا التخلف الفاحش بالضرورة ، ومع انتفاء الائتمام كيف يحكم بالضمان الذي هو من آثاره وأحكامه.

وإن أراد (قدس سره) صحّتها من دون ضمان ، بأن يقوم ويقرأ ويركع ويلتحق به في السجود فهو أيضاً عارٍ عن الدليل ، لما عرفت من تقوّم الجماعة بالاقتداء والتبعية ، وأنّه لا يكاد يتحقّق الائتمام إلّا مع المتابعة في القيام والمفروض انتفاؤها بعد مثل هذا التخلّف الفاحش ، فالاقتداء مفقود وجداناً ومعه كيف يمكن أن تشمله أدلّة الجماعة ليحكم بصحّتها.

__________________

(١) [بل الآتية].

(٢) المستدرك ٦ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٩ ذيل ح ٢ ، ١.

١٠٧

وأمّا إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو أثناءها واتّفق أنّه تأخّر (١) عن الإمام في الركوع فالظاهر صحّة صلاته وجماعته (٢). فما هو المشهور من أنّه لا بدّ من إدراك ركوع الإمام في الركعة الأُولى للمأموم في ابتداء الجماعة وإلّا لم تحسب له ركعة مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة ، لا فيما إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو أثناءها ، وإن صرّح بعضهم بالتعميم ، ولكن الأحوط الإتمام حينئذ والإعادة.

______________________________________________________

(١) ومراده (قدس سره) ما إذا كان التأخّر لعذر من وجع في الظهر أو نسيان أو نحو ذلك ، لا ما إذا كان عن عمد ، وإلّا فلا يجوز ذلك كما سيجي‌ء بيانه في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى (١).

(٢) والوجه في الصحّة : أنّ الروايات المانعة عن الاحتساب عند عدم إدراك الركوع خاصّةٌ بما إذا كان الالتحاق بالجماعة حال ركوع الإمام كما لا يخفى على من لاحظها ، دون ما إذا كان الدخول فيها قبل ذلك في ابتداء الركعة أو أثناءها. فالمانع عن الاحتساب في هذه الصورة مفقود. ومقتضى إطلاقات الجماعة بضميمة ما دلّ على ضمان الإمام القراءة صحّة الجماعة وانعقادها حينئذ.

إنّما الكلام في المقتضي للاحتساب مع عدم إدراك الركوع ، لا سيما وقد تقدّم في صحيحة محمد بن قيس «أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إنّ أوّل صلاة أحدكم الركوع» (٢).

ويمكن أن يستدلّ له بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن عليه‌السلام : «في رجل صلّى في جماعة يوم الجمعة فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ، ثمّ يقوم في الصفّ ولا يسجد

__________________

(١) [يستفاد من عدّة موارد منها ما في ص ٢٢٣ ، ٢٧٦].

(٢) تقدّم مصدرها في ص ١٠١.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حتّى رفع القوم رؤوسهم ، أيركع ثمّ يسجد ويلحق بالصفّ وقد قام القوم ، أم كيف يصنع؟ قال : يركع ويسجد ولا بأس بذلك» (١).

فقد دلّت على عدم قدح التخلّف عن الإمام في الركوع إذا كان لعذر كالزحام. وموردها وإن كان صلاة الجمعة لكنّه يقطع بعدم الفرق بينها وبين غيرها ، بل لو ثبت الحكم فيها مع وجوب الجماعة ثبت في غيرها ممّا لا تجب بطريق أولى ، فيتعدّى عن مورد الرواية بالأولوية القطعية.

على أنّه قد صرّح بالتعميم وعدم الفرق بين صلاة الجمعة وغيرها في رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم الجمعة وإمّا في غير ذلك من الأيّام ، فزحمه الناس إمّا إلى حائط وإمّا أسطوانة ، فلا يقدر على أن يركع ولا يسجد حتّى رفع الناس رؤوسهم ، فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ثمّ يستوي مع الناس في الصفّ؟ فقال : نعم ، لا بأس بذلك» (٢).

لكنّها ضعيفة السند بمحمد بن سليمان الديلمي ، ومن هنا كان التعويل على الصحيحة بالتقريب المتقدّم.

ويدلّ على الحكم في صورة السهو صحيحة أُخرى لعبد الرحمن عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلّي مع إمام يقتدي به ، فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتّى رفع الإمام رأسه وانحطّ للسجود أيركع ثمّ يلحق بالإمام والقوم في سجودهم ، أم كيف يصنع؟ قال : يركع ، ثم ينحطّ ويتمّ صلاته معهم ، ولا شي‌ء عليه» (٣).

وموردها كما ترى مطلق ، لا يختص بصلاة الجمعة لنحتاج في التعدّي عنه إلى ما تقدّم ونحوه.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٣٣٥ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٣٣٦ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٣٧ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٧ ح ٤.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والمتحصّل من هذه النصوص : أنّ التخلّف عن الإمام في الركوع لعذر من زحام أو سهو أو نحو ذلك غير قادح بعد إدراكه إيّاه في ابتداء الركعة قبل القراءة أو أثناءها ، ولا يضرّ باحتساب الركعة.

وهل يكفي في الحكم المذكور مجرّد إدراك الإمام قائماً ولو في حال تكبيرة الركوع ، أو لا بدّ من إدراك القراءة ولو جزءاً منها ، وإلّا فلا ضمان ولا تحسب له ركعة إذا تخلّف عنه في الركوع؟

ظاهر المصنّف (قدس سره) الثاني ، لقوله : فما هو المشهور إلى قوله : مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة ... ، وقوله : وأمّا إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو أثناءها واتّفق أنّه تأخّر عن الإمام في الركوع فالظاهر صحة صلاته ....

ولكنّ الأقوى هو الأوّل وأنّ إدراك تكبيرة الركوع ملحق بإدراك القراءة دون الركوع ، وذلك لإطلاق صحاح محمّد بن مسلم المتقدّمة (١) ، لعدم قصورها عن شمول المقام.

فانّ قوله عليه‌السلام : «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة» وفي صحيحته الأُخرى : «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة» دلّ على أنّ إدراك تكبيرة الركوع كافٍ في إدراك الصلاة جماعة ، وفي احتساب ذلك ركعة ، وبعد الضمّ إلى صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة الدالّة على اغتفار التخلّف في الركوع لعذر ينتج ما ذكرناه من الإلحاق كما لا يخفى.

والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّ إدراك الركعة واحتسابها جماعة يتوقف على أحد أمرين : إمّا إدراك الإمام راكعاً كما تضمّنته صحيحة سليمان بن خالد والحلبي المتقدّمتان (٢) وغيرهما ، أو إدراكه قائماً حال القراءة أو ولو بعد

__________________

(١) في ص ١٠١.

(٢) في ص ١٠٠.

١١٠

[١٨٩٢] مسألة ٢٥ : لو ركع بتخيّل إدراك الإمام راكعاً ولم يدرك بطلت صلاته (*) (١).

______________________________________________________

الفراغ عنها على الخلاف بيننا وبين المصنّف (قدس سره) وإن لم يدرك ركوعه ، لصحيحة عبد الرحمن المتقدّمة.

(١) محتملات المسألة ثلاثة : بطلان الصلاة ، وصحّتها فرادى فيتمّ الصلاة كذلك وإن أخلّ بالقراءة ، استناداً إلى حديث «لا تعاد الصلاة ...» (١) ، وصحّتها جماعة مع عدم احتساب الركعة ، فيقوم منتصباً وينتظر الإمام فيلتحق به في الركعة التالية ، وتعدّ هذه أوّل ركعة في حقّ المأموم ، وبعد ما يفرغ الإمام يقوم فيضيف إليها ما بقي من صلاته.

أمّا الاحتمال الثاني : فهو وإن كان على طبق القاعدة ، حيث لا نقص في هذه الصلاة عدا الإخلال بالقراءة عامداً ، وقد مرّ غير مرّة عدم قصور حديث «لا تعاد ...» عن شمول مثله ممّا كان الترك العمدي عن عذر ، فإنّ المأموم لأجل اعتقاده الالتحاق المستلزم لضمان الإمام قد ترك القراءة ، فكان معذوراً في الترك لا محالة.

إلّا أنّه تنافيه الأخبار المتقدّمة الحاكمة بفوات الركعة وعدم إدراكها لو لم يدرك الركوع ، المساوق لعدم الاعتداد بها وفرضها بحكم العدم حينئذ ، قال عليه‌السلام في صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة : «إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبّر الرجل وهو مقيم صُلبه ، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» (٢) ، دلّت بمفهومها على عدم إدراك الركعة أي عدم احتسابها من الصلاة وعدم الاعتداد بها لو ركع بعد رفع الإمام رأسه.

__________________

(*) والأحوط الأولى العدول بها إلى النافلة ثمّ إتمامها والرجوع إلى الائتمام.

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ١.

١١١

بل وكذا لو شكّ في إدراكه وعدمه (١).

______________________________________________________

وأصرح منها صحيحة الحلبي المتقدّمة (١) : «وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» فإنّها صريحة في فوات الركعة حينئذ وأنّها ملحقة بالعدم فكيف يمكن الاعتداد بها واحتسابها من الصلاة ولو فرادى كما هو مقتضى هذا الاحتمال؟

وأمّا الاحتمال الثالث : فهو أيضاً منافٍ لظواهر تلكم النصوص ، لتضمّنها إسناد الفوت وعدم الإدراك إلى نفس الركعة ، الظاهر كما عرفت في كونها بحكم العدم وعدم دخوله في الصلاة بعد ، ولم يسند ذلك إلى الجماعة. فلم يقل عليه‌السلام : فقد فاتته الجماعة في هذه الركعة ، كي يمكن الالتزام بصحّة الجماعة في أصل الصلاة مع عدم احتساب هذه الركعة منها ، هذا.

مضافاً إلى أنّ لازم هذا الاحتمال زيادة ركوع في الصلاة ، ولا دليل على الاغتفار والعفو عنها حينئذ كما لا يخفى. فإطلاق ما دلّ على بطلان الصلاة بزيادة الركن محكّم ، لعدم قصوره عن المقام.

فظهر من جميع ما تقدّم أنّ الاحتمال الأوّل أعني البطلان هو المتعيّن ، لعدم إمكان تصحيح هذه الصلاة لا جماعة ولا فرادى.

نعم ، الأحوط الأولى العدول بها إلى النافلة وإتمامها والرجوع إلى الائتمام كما نبّه عليه سيدنا الأُستاذ (دام ظله) في تعليقته الشريفة رعاية لاحتمال صحّتها فرادى ، ويجوز العدول عنها إلى النافلة لإدراك الجماعة كما دلّت عليه النصوص (٢).

(١) تحتمل الصحّة في هذا الفرض جماعة ، كما يحتمل البطلان. وقد يستدلّ للأوّل بالاستصحاب ، بناءً على أنّ موضوع الحكم بالصحّة ركوع المأموم حال

__________________

(١) في ص ١٠٠.

(٢) الآتية في ص ٢٩٠.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كون الإمام راكعاً ، فإذا أحرزنا ركوع الإمام بالأصل وضممناه إلى الجزء الآخر المحرز بالوجدان وهو ركوع المأموم فقد أُحرز موضوع الصحّة وهذا لا مانع منه في جميع الموضوعات المركّبة.

وقد يفصّل بين صورة العلم بتاريخ ركوع المأموم فيجري ما ذكر ، وبين العلم بتاريخ ركوع الإمام أو الجهل بالتاريخين فيحكم بالبطلان حينئذ ، لكونه مقتضى الأصل في مجهول التاريخ ، وللمعارضة كما في الجهل بالتاريخين ومعها لا يحرز الموضوع.

ولا يخفى عدم تمامية شي‌ء ممّا ذكر ، فانّ كلّ ذلك موقوف على أن يكون موضوع الحكم في لسان الدليل على النحو التالي : إذا ركع المأموم والإمام راكع. أو ما يقرب من ذلك ، فحينئذ قد يتّجه البحث عن استظهار تركّب الموضوع من جزأين ، أو كونه عنواناً بسيطاً منتزعاً كعنوان المقارنة ، ليبحث بعده عمّا يقتضيه الأصل على كلّ من التقديرين.

إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، فانّ الوارد في الدليل هكذا : «ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» كما في صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة (١) ونحوها صحيحة الحلبي المتقدّمة (٢). فيكون موضوع الحكم هو عنوان القبلية الذي ليس له حالة وجودية سابقة بالضرورة.

وواضح : أنّ أصالة بقاء الإمام على ركوعه وعدم رفع رأسه حال ركوع المأموم لا يكاد يثبت عنوان القبلية ، لكونه من أظهر أنحاء الأصل المثبت وعليه فالمرجع هو استصحاب عدم تحقّق العنوان المأخوذ في الموضوع المشكوك حدوثه ، المسبوق بالعدم. ونتيجة ذلك الحكم بالبطلان.

نعم ، ربما يوهم خلاف ما ذكرناه ظاهر صحيحة زيد الشحّام «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل انتهى إلى الإمام وهو راكع ، قال : إذا كبّر وأقام

__________________

(١) ، (٢) في ص ١٠٠.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

صُلبه ثمّ ركع فقد أدرك» (١). فقد يتوهّم أنّ للبحث عن تركّب الموضوع وبساطته مجالاً على ضوء ظاهر هذه الصحيحة.

ولكنّ الحقّ : أنّ الصحيحة مطلقة من حيث إدراك الإمام راكعاً وعدمه فانّ مفادها إدراك الركعة إذا ما كبّر وأقام صُلبه وركع ، سواء أدرك الإمام راكعاً أم لم يدركه ، فتقيّد لا محالة بصحيحتي سليمان بن خالد والحلبي المتقدّمتين الصريحتين في لزوم إدراك الإمام راكعاً وقبل أن يرفع رأسه ، فيكون الموضوع بعد تحكيم قانون الإطلاق والتقييد هو ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه فالموضوع عنوان بسيط وهو عنوان القبلية.

ومن الواضح عدم إمكان إحرازه بالأصل ، لعدم الحالة السابقة. ولا يمكن إثباته باستصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى زمان ركوع المأموم ، لكونه مثبتاً ، ولا نقول بحجّيته. فيجري استصحاب عدم ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه ، وبذلك ينتفي الحكم بالصحّة.

وممّا يؤكّد ما ذكرناه من عدم جريان الأصل : أنّه على تقدير جريانه يستلزم الحكم بالصحّة حتّى مع الشكّ في الإدراك حال الدخول في الصلاة أي في حال تكبيرة الإحرام كما في العمى أو الظلمة ونحو ذلك ممّا يوجب شكّه في بقاء الإمام راكعاً ، بأن يدخل في الصلاة ويكبّر للإحرام مع شكّه في بقاء الإمام في حالة الركوع ، استصحاباً له ، مع أنّ الظاهر عدم الإشكال في عدم جواز الدخول حينئذ ، للزوم إحراز ركوع الإمام ، وإنّما الخلاف في الصحّة والبطلان فيما لو طرأ الشكّ بعد الدخول في الصلاة ، كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فهذا المورد ملحق بالمورد الأوّل وهو فرض القطع بعدم إدراك الإمام راكعاً ، غايته أنّ الإحراز هناك واقعي مستند إلى القطع وهنا ظاهري مستند إلى الأصل ، فيجري فيه ما تقدّم هناك من الاحتمالات الثلاثة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٨٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٣.

١١٤

والأحوط في صورة الشكّ الإتمام والإعادة (*) (١) ، أو العدول (٢) إلى النافلة والإتمام ثمّ اللحوق في الركعة الأُخرى.

______________________________________________________

وقد عرفت : أنّ الأقوى هو البطلان ، لعدم إمكان الحكم بالصحّة لا جماعة ولا فرادى.

والمتحصّل : أنّ الأظهر الحكم بالبطلان مطلقاً في كلتا صورتي القطع والشكّ ، فلاحظ.

(١) بلا إشكال ، لكونه أخذاً بكلا طرفي الاحتمال : الإدراك وعدمه.

(٢) إن كان الوجه فيه احتمال صحّة الصلاة فرادى وإن لم يدركه راكعاً وذلك لجواز العدول حينئذ إلى النافلة لإدراك الجماعة كما سبق ، فهو صحيح غير أنّه لا يختصّ بصورة الشكّ ، بل يجري مع القطع بعدم الإدراك أيضاً ، لعين ما ذكر ، فما هو الموجب للتخصيص بالشكّ؟

وإن كان ذلك لاحتمال صحّتها جماعة لاحتمال إدراك الإمام راكعاً ، بأن يكون الدوران بينها وبين البطلان من دون احتمال الصحّة فرادى ، فلا وجه له أصلاً ، لعدم جواز العدول على التقديرين ، فانّ الموضوع لجواز العدول هي الصلاة الصحيحة فرادى ، دون الباطلة أو الصحيحة جماعة كما لا يخفى.

وعلى الجملة : إمّا أن يعتدّ باحتمال الصحّة فرادى أو لا ، وعلى الأوّل لا يختصّ الاحتياط بالعدول بمورد الشكّ في الإدراك ، وعلى الثاني لا احتياط بالعدول ، لعدم مشروعيته كما هو ظاهر.

والصحيح هو الأوّل ، ومن هنا حكمنا بجريان الاحتياط المذكور حتّى مع القطع بعدم الإدراك كما مرّ.

__________________

(*) إن كان الاحتياط لأجل احتمال صحّة الصلاة مع عدم إدراك الإمام راكعاً فلا يختصّ ذلك بصورة الشكّ ، بل يعمّ صورة القطع بعدم الإدراك أيضاً ، وإن كان لأجل احتمال صحّة الجماعة لاحتمال إدراك الإمام راكعاً فلا احتياط في العدول إلى النافلة كما هو ظاهر.

١١٥

[١٨٩٣] مسألة ٢٦ : الأحوط عدم الدخول إلّا مع الاطمئنان بإدراك ركوع الإمام (١) وإن كان الأقوى جوازه مع الاحتمال (٢) ، وحينئذ فإن أدرك صحّت وإلّا بطلت.

[١٨٩٤] مسألة ٢٧ : لو نوى وكبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع أو قبل أن يصل إلى حدّ الركوع لزمه الانفراد (٣) أو انتظار الإمام (*) قائماً إلى الركعة الأُخرى (٤) فيجعلها الاولى له إلّا إذا أبطأ الإمام بحيث يلزم الخروج عن صدق الاقتداء.

______________________________________________________

(١) لاحتمال اعتبار الجزم بالنيّة مع التمكّن منه في صحّة العبادة.

(٢) لعدم الدليل عليه ، وجواز الإتيان بالعمل بعنوان الرجاء كما في سائر موارد الاحتياط على ما بيّناه في مبحث الاجتهاد والتقليد (١). وعليه فالاحتياط غير واجب ، بل الأقوى كما عليه المصنّف (قدس سره) هو جواز الدخول في الجماعة بقصد الرجاء حتّى مع احتمال الإدراك ، فإن أدرك صحّت وإلّا بطلت.

(٣) لا غبار عليه ، ولا سيما بعد البناء على جوازه في الأثناء اختياراً.

(٤) هذا مشكل جدّاً بعد كونه على خلاف القاعدة ، لعدم تحقّق الائتمام منه خارجاً ، ومجرّد قصده ذلك لا يحقّق الائتمام ، كيف وهو متقوّم بالتبعية؟ ولا متابعة حسب الفرض ، ولا دليل على اغتفار الفصل بهذا المقدار ، هذا. ولم يرد في خصوص المقام نصّ معتبر أو غير معتبر كي يعتمد عليه في الحكم بجواز الانتظار وتحقّق الائتمام.

نعم ، هناك روايات وردت في من أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع أو

__________________

(*) الأحوط الاقتصار على قصد الانفراد أو متابعة الإمام في السجود وإعادة التكبير بعد القيام بقصد القربة المطلقة.

(١) شرح العروة ١ : ٤٩ وما بعدها.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في حال السجود دلّت على جواز الدخول معه في السجدة من دون أن يعتدّ بها ، فقد قيل بالتعدّي عن موردها إلى المقام ، فإنّه إذا جاز الدخول مع زيادة السجدتين وهما ركن فالجواز هنا بالانتظار العاري عن مثل هذه الزيادة بطريق أولى ، فيستفاد منها عدم تعيّن الانفراد في المقام بالأولوية القطعية ، هذا.

ولكن الحكم المذكور غير ثابت في مورده فيما عدا السجدة في الركعة الأخيرة والتشهّد الأخير ممّا سيأتي الكلام فيه (١) ، لضعف النصوص سنداً وبعضها دلالة أيضاً ، مع عدم الدليل على اغتفار مثل هذه الزيادة في الركن ومقتضى الأدلّة هو البطلان. كما أنّ ما دلّ على العفو عنها إذا كانت لمتابعة الإمام غير شامل للمقام كما لا يخفى ، وإليك النصوص :

١ ـ رواية المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ، ولا تعتدّ بها» (٢). وهي ضعيفة السند بمعلّى بن خنيس ، وأمّا الدلالة فظاهرة.

٢ ـ رواية عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه ، وإن كان قاعداً قعدت وإن كان قائماً قمت» (٣).

وفي سندها عبد الله بن محمد ، والظاهر أنّه عبد الله بن محمد بن عيسى أخو أحمد (٤) بن محمّد ، الملقّب بـ (بنان) ، وهو وإن لم يوثّق في كتب الرجال لا باسمه ولا بلقبه لكنّه وارد في أسانيد كامل الزيارات (٥). فلا مجال للمناقشة فيها سنداً.

__________________

(١) في المسألتين الآتيتين.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٩٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٥.

(٤) [المذكور في الأصل : محمد ، بدل : أحمد. والصحيح ما أثبتناه].

(٥) ولكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، وقد بنى (دام ظله) أخيراً على اختصاص التوثيق بهم.

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إلا أنّ دلالتها قاصرة ، فانّ قوله عليه‌السلام : «فاثبت مكانك» أعمّ من الدخول في الصلاة. ولعلّ المراد به الثبوت والاستقرار وانتظار الإمام للالتحاق به في الركعة التالية ، بأن يقف في مكانه إذا كان الإمام ساجداً ، ويقعد إذا كان قاعداً ، ويقوم إذا كان قائماً ، ثمّ يأتمّ به ويدخل معه في الصلاة. فلا تدلّ على الائتمام به من أوّل الأمر.

٣ ـ ما رواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا جاء الرجل ... إلى أن قال : ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبّر وسجد معه ، ولم يعتدّ بها ...» (١).

ودلالتها وإن كانت ظاهرة لكنّ السند ضعيف ، لعدم توثيق معاوية بن شريح ، وإن كان طريق الصدوق (قدس سره) إليه صحيحاً (٢).

٤ ـ ما رواه في المجالس عن أبي هريرة قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جئتم إلى الصلاة ونحن في السجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئاً ...» (٣) وفي السند عدّة من المجاهيل والضعاف فلا يعتدّ بها.

وعلى الجملة : الاستدلال بالأخبار المذكورة لجواز الدخول في الصلاة ومتابعة الإمام في السجود ساقط ، فلا مجال للاستدلال بها على جواز الانتظار في المقام.

بل قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز ، فانّ السجود زيادة عمدية ولا دليل على العفو عنها في المقام ، كما لا دليل على العفو عن الفصل المخلّ بصدق الائتمام.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ الأحوط بل الأظهر الاقتصار على قصد الانفراد في محلّ الكلام ، نعم لا بأس بمتابعة الإمام في السجود وإعادة التكبير بعد القيام

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٥ / ١٢١٤.

(٢) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٦٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٩٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٧ ، أمالي الطوسي : ٣٨٨ / ٨٥٢.

١١٨

ولو علم قبل أن يكبّر للإحرام عدم إدراك ركوع الإمام لا يبعد جواز دخوله وانتظاره (*) إلى قيام الإمام للركعة الثانية مع عدم فصل يوجب فوات صدق القدوة (١) وإن كان الأحوط عدمه.

______________________________________________________

بقصد القربة المطلقة الأعمّ من تكبيرة الإحرام ومن الذكر ، بعد احتمال صدور تلكم الأخبار واقعاً مع شمولها للمقام. فلا بأس بالعمل بها مع رعاية الاحتياط في التكبيرة ، لعدم قدح المتابعة على كلّ تقدير.

(١) عدم الجواز هنا أولى منه في الصورة السابقة كما لا يخفى ، نعم لا بأس بالدخول مع المتابعة ومراعاة الاحتياط على النحو المتقدّم آنفاً.

فرع : إذا شكّ المأموم في الإدراك بعد رفع رأسه من الركوع بدون أن يشكّ فيه حال الركوع لغفلته أو اعتقاده الإدراك حينذاك ، فقد حكم المحقّق الهمداني (قدس سره) بالصحّة استناداً إلى قاعدة التجاوز ، لكونه شكّاً في الصحّة بعد تجاوز المحلّ (١) ، بل قد حكم بعضهم بالصحّة حتّى لو كان الشكّ حال الركوع بعد الفراغ من الذكر ، استناداً إلى القاعدة بدعوى عدم اعتبار الدخول في الغير في جريانها إذا كان الشكّ في صحّة الشي‌ء كما في المقام لا في أصل وجوده.

أقول : أمّا القول الأخير فساقط جدّاً ، فإنّه مضافاً إلى ما سنذكره من عدم جريان قاعدة التجاوز في أمثال المقام إنّما يتمّ لو كان الشكّ في صحّة الذكر لا في صحة الركوع كما هو المفروض ، وإلّا فالشكّ في صحّة الركوع شكّ في المحلّ ، حيث لم يفرغ منه بعد ، فمقتضى مفهوم قاعدة التجاوز هو الاعتناء بالشكّ.

__________________

(*) بل هو بعيد ، نعم يجوز له الائتمام ومتابعة الإمام على النحو المتقدّم.

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٢٧ السطر ٢٣ ، ٤٣٥ السطر ٢٧.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) فلا يمكن الموافقة عليه ، لابتنائه على حجّية القاعدة تعبّداً ، وليس كذلك ، فانّ الظاهر بمقتضى التعليل بالأذكرية والأقربية إلى الحقّ في نصوص القاعدة (١) أنّ حجّيتها من باب تتميم ما لَها من الكاشفية النوعية ، فإنّ المكلّف الذي هو بصدد الامتثال لا يقصّر في وظيفته عامداً بطبيعة الحال ، فلم يبق إلّا احتمال الغفلة أو النسيان وبما أنّه حين العمل أذكر فلا يعتني بالاحتمال المذكور.

ومقتضى ذلك اختصاص القاعدة بما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة ، كي يتمّ التعليل بالأذكرية ، فكلّ خلل احتمل المكلّف صدوره منه من ترك جزء أو شرط ، أو الإتيان بالمانع لشكّه في كيفية ما فعله لا يعتني بهذا الاحتمال لكونه حين العمل أذكر.

وأمّا مع انحفاظ صورة العمل وعدم احتمال الخلل اختياراً ، وتمحّض احتمال الصحّة في الصدفة الخارجة عن الاختيار كما لو صلّى إلى جهة معيّنة وشكّ بعد الفراغ في أنّها هي القبلة أو لا ، أو توضّأ بمائع معيّن ثمّ شكّ في إطلاقه فلا تجري القاعدة حينئذ ، لمساواة ما بعد الفراغ مع حال العمل من حيث الذكر وعدمه ، لعدم كون الشكّ في فعل اختياري ، بل في أمر واقعي لا يعود إليه بوجه ، وهو اتّصاف الجهة بكونها القبلة صدفة واتّفاقاً ، كاتّصاف الماء بالإطلاق ، ولا تتكفّل القاعدة بإثبات الصحّة المشكوك فيها اعتماداً على المصادفات الاتّفاقية.

والمقام من هذا القبيل ، إذ لا شكّ فيما يرجع إلى الركوع من ناحيته ، لانحفاظ صورة العمل ، وإنّما الشكّ في أمر خارج عن اختياره ، وهو رفع (٢) الإمام رأسه

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧ ، ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.

(٢) [لعلّ الأنسب للمقام هو : عدم رفع الإمام ... ، لأنّ غرض المستدلّ هو تصحيح الجماعة وهو يتوقّف على عدم رفع ...].

١٢٠