تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

جزرتــم عتبـة بعـد الوليـد بها

جزر كجزركم كومـاً مـن البدنِ

فمـذ تحـقق أن القـوم طبعهــم

غدرٍ وجمعهـم بالله لــم يهـنِ

رأى جهادهـــم فرضـاً فناجزهم

على سواء فلم ينكـل ولم يهـنِ

وباع نفسـاً علت فوق السهـا شرفاً

من ذي المعارج بالغالي من الثمن

بجنـة طـاب مثواهــا فساكنهـا

قد فازمنها بعيش في الخلود هني

وناجــز القوم فـي أبرار عترتـه

فما استكانوا إلى الأعداء من وهن

حتى إذا استلبـوا أرواحهـم وغدوا

طعم المناصـل والخطيـة اللدنِ

أضحى فتى المصطفى فرداً فوا أسفي

على الفريد ويا وجدي ويـا شجنِ

ضرام وجدي إذا أجريت مصـرعه

بفكري شبّ فـي قلبـي فيحرقني

فيرســل الطرف مدراراً فيطفي نا

ر الحزن لكن بفيض الدمع يغرقني

٨١

لهفـي علـى نسوةٍ ضلّت مهتّكة

يسترن تلــك الوجوه الغرّ بالردنِ

تسـاق عنفاً على الأقتاب ليس ترى

إلّا زنيماً مـن الأرجـاس ذا ظغن

كنسوة من اسـارى الشرك طيف بها

وبرّزت جهــرة فـي سائر المدن

يا اشرف الخلق جدّاً في الورى واباً

وأسمـح النــاس بالآلاء والمنـنِ

ومن به عذب من ريب الزمان ومـن

حططت رحلي به عند انتهاء زمني

حزني لما نالكم لا ينقضي ولو أن ال‍ـ

‍ـلحد أصبـح بعـد الموت يسترني

لو كنـت حاضركـم في كربلا لرأي‍ـ

‍ـت القتل فرضاً به الجبّار ألزمني

وكنت أجعـل وجهـي جنّة لك من

سهام قـوم بغاة فيــك تقصـدني

حتـى أضــل وأوصالـي مقطّعـة

أذبّ عنــك وعيـن الله تلحضني

وصرت فـي عصبـة جادت بأنفسها

فذكر ما صنعت في الفخر غير دنيّ

٨٢

بــاعت مـن الله أرواحـاً مطهّرة

ما في الّذي بذلت في الله من غبن

مولاي إذ لم أنل فضل الشهادة بال‍ـ

‍ـجهاد فيك ولا التوفيـق أسعدني

فقد وقفت لساني في جهاد اولي ال‍ـ

‍ـضلال من فيكم بغيـاً يـؤنّبني

عتيــق يغـلي أراه قيمة لعتي‍ـ

‍ـقهم وانظره أدنـى مـن الثمنِ

وهكــذا الظـالم الثـاني وثالثهم

ذو الغيّ أخبـث مغرور ومـفتتنِ

وعصبة صرعت حول البعير على

أكــفار رتــبهم الله أطـلعني

وتابعوا الرِّجس فـي صفّين لعنهم

فرض علـيَّ لـه الرحمن وفّقني

وهكذا أنـا نحـو المارقين بغا

ة النهـر في كلّ آن مرسل لعني

هذا اعتقادي به أرجـو النجاة إذا

أُوقفت بيـن يـدي ربّي ليسألني

ثمّ الصلاة عليكـم كلمـا سجعت

حمائـم الأيك في دوحٍ على فنن

٨٣
٨٤

المجلس الخامس

في خصائص الامام السبط التابع لمرضاة الله أبي عبدالله

الحسين عليه‌السلام ، وما تمّ عليه من أعدائه ، وذكر شيء

من فضائله ، وما قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه ،

وما جرى عليه من الامور الّتي امتحنه الله بها واختصه

بفضائلها حتّى صار سيّد الشهداء وسيلة لأهل البلاء ،

وتعزية لأهل العزاء ، صلوات الله عليه وعلى جدّه وأبيه ،

واُمّه وأخيه ، والأئمّة من بنيه ، ولعن الله من ظلمهم ،

واغتصبهم حقهم ، آمين ربّ العالمين.

الحمد لله الّذي طهر بزلال الاخلاص قلوب أوليائه ، وألزم نفوس الخواص بحمده وثنائه ، وأطلع أحباءه على جلال عظمته وكبريائه ، ورفع خلصاءه من حضيض النقصان إلى أوج الكمال باحتضانه ، وسرّح عقولهم في دوح معرفته فرتعوا في تلك الرياض المونقة ، وشرح صدورهم بافاضة أنوار عنايته على قوابل أنفسهم المشرقة ، فاقتطفوا بأنامل إخلاصهم ثمار العرفان من تلك الحدائق المغدقة ، واستنشقوا بمشامّ هممهم عاطر أنوارها وأزهارها المحدقة ، واساموا ابصار بصائرهم في خمائل جمالها ، فشاهدوا ما تكلّ عن

٨٥

وصفه الألسن ، واجتنوا من ثمرات شجرات دوحها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين.

ولمّا عاينوا أنهار العناية قد فجّرت خلالها تفجيراً. وأدارت ولدان المحبّة على خالص المودّة كأساً كان مزاجها كافوراً ، ارتاحت أرواحهم إلى أسير ... (١) زلال تلك الكؤوس المترعة ، وسارت منهم النفوس إلى موارد مشارع معرفة الملك القدوس مسرعة ، حتّى إذا شربوا بالكأس الروية من شراب إخلاص المحبّة ، انبسطت أرواحهم من لذة حلاوة الشربة ، وكشف لهم الغطاء عن السرّ المحجوب ، واطلعوا من أحوال البرزخ على خفيّات الغيوب.

ولمّا اطلّع سبحانه على حقيقة إخلاصهم تفرد بإحبائهم واختصاصهم ، وثبّت في مداحض الأقدام اقدامهم ، وأثبت في دفاتر الاعظام مقامهم ، وصيرهم الوسائط بينه وبين عباده ، والرسائل لأنامه في بلاده ، واصطفاهم بالعصمة التامة ، واجتباهم بالرئاسة العامّة ، فأنقذوا الجهال بإفاضة علومهم ، ووازنوا الجبال برزانة حلومهم ، ونفعوا العليل بفصيح وعظهم ، وشفوا الغليل بمبين لفظهم ، وساقوا الناس بسوط حكمهم إلى شريعة ربّهم ، ونادوا الخلق بصوت عزمهم إلى منازل قربهم ، وعادوا في الله أعداءه ، ووالوا في الحق اولياءه ، حتّى أشرقت بنور هداهم الأقطار ، وازّيّنت بذكر علاهم الأمصار ، ورفل الحق في سرابيل العزّة والافتخار ، وخطر الصدق في ميادين القوّة والاشتهار ، ويسرت معالم الايمان بمعالم علمهم ، وظهرت أحكام القرآن بواضح حكمهم ، ورسخت اصول الدين في صعيد القوّة بجدّهم ، وبسقت فروع الشرع في سماء العزّة بجهدهم ، فعلوم التوحيد منهم ينابيعها تفجرت ، وأسرار التنزيل بقوانين معارفهم ظهرت ، والعدل والحكمة صحّة استنباطهم طرائقها قرّرت.

__________________

١ ـ غير مقروءة في الأصل.

٨٦

لم يخلق الله خلقاً أكرم عليه منهم ، ولم يصدر عنه من العلوم ما صدر عنهم.

ولمّا تمت كلمتهم ، وكملت صفتهم ، وشملت رئاستهم ، وعمت خلافتهم ، وعمر برّهم ، وعلا أمرهم ، وخلصت قلوبهم ، وصعبت نفوسهم ، وأفاض الجليل سبحانه على أفئدتهم أنوار جلال عظمته ، ورقّى أرواحهم إلى سماء العرفان فاطلعوا على أسرار إلهيته ، أراد سبحانه أن لا يترك خصلة من خصال المجد ، ولا مزيّة من مزايا الفخر إلا ويجعلهم عيبتها ومجمعها ومنبعها ومشرعها وموئلها ومرجعها ومربعها ، ففازوا من خلال الكرم بالعلى من سهامها ، والأعلى من مقامها ، حتّى وصفهم سبحانه بأشرف خصال الكرامة ، وأنزل قرآناً تتلى آيات مدحتهم فيه إلى يوم القيامة ، وحازوا من المعارف الربّانيّة والأحكام الشرعية ما ينفع العليل ، ويبلّ الغليل.

عنهم اصول العلوم اخذت ، وبنهم اولوا المعارف احتذت ، وعلى قواعدهم بنوا ، وعن أعلامهم رووا ، وجعلهم الله لسانه الناطق بحقّه ، ومناره الساطع في خلقه.

ولمّا انتهت في الكمال رتبتهم ، وعلت في الجلال غايتهم ، وعرفوا المبدع حقّ معرفته ، ونزهوه عمّا لا يليق بصفته ، صفّوا في مقام الخدمة أقدامهم ، ونصبوا في حضرة العزّة أبدانهم ، ولحظوا بعين التعظيم جلال مبدعهم ، وشاهدوا بعين اليقين كمال مخترعهم ، اشتاقت أنفسهم إلى المقام الأسنى ، وتاقت أرواحهم إلى الجناب الأعلى ، من جهاد أعداء ربّهم ، والمموّهين بزورهم وكذبهم ، الّذين باض الشرك في رؤوسهم ، وفرّخ وثبت الكفر في نفوسهم ، ورسخ ونعق ناعق النفاق في قلوبهم فاتّبعوه ، ودعاهم داع الشقاق في صدورهم فأطاعوه ،

٨٧

فأجلبوا على حرب الفتى ، وثنّوا بقتال الوصيّ ، وتلبثوا بسم الزكي ، وكفروا بأنعم ربّهم العلي.

وكان أفضل من جاهدهم في الله حقّ جهاده ، وبذل نفسه لله بجده واجتهاده ، وتلقى حر الحديد بذاته وولده ، وقاتل بجد مجيد بعد أبيه وجده.

ثاني السبطين ، وثالث أئمة الثقلين ، وخامس الخمسة ، أشرف من بذل في الله نفسه ، منبع الأئمّة ، ومعدن العصمة ، السيد الممجد ، والمظلوم المضطهد ، سيّد شباب أهل الجنّة ، ومن جعل الله حبه فرضاً لا سنّة ، وولاءه من النّار أعظم جُنّة ، سبط الاسباط ، وطالب الثأر يوم الصراط ، أشرف من مشى على وجه الأرض ، وأقوم من قام بالسنّة والفرض ، وأفضل من بكت السماء لقتله ، وأمجد من اجتمعت أمّة السوء على خذله.

الإمام الشهيد ، والوليّ الرشيد ، قرة عين سيّدة النساء ، وثمرة قلب سيّد الأوصياء ، ومن شرفت بمصرعه كربلاء ، وصارت مختلف أملاك السماء ، السيد الماجد ، والوليّ المجاهد ، قتيل العبرة ، وسليل العترة ، وفرع السادة البررة ، الإمام المظلوم ، والسيد المحروم ، الّذي مصيبته لا تنسى ، وحرها لا يطفى ، المنهتك الحرمة ، والمخفور الذمة ، الّذي لا يحق الجزع إلا على مصيبته ، ولا يليق الهلع إلا من واقعته ، الصبور عند البلاء ، والشكور عند الرخاء.

كان للسائل كنزاً ، وللعائذ عزّاً ، وللمجدب غيثاً ، وللمستصرخ مغيثاً ، عبرة كلّ مؤمن ، واسوة كلّ ممتحن ، صفوة المصطفين ، وأحد السيّدين ، وابن صاحب بدر واحد وحنين ، سيّدنا ومولانا أبا عبد الله الحسين ، الّذي هضمت مصيبته الاسلام هضماً ، وهدمت محنته الايمان هدماً ، وألبست قلوب المؤمنين كرباً وغماً.

٨٨

يا لها مصيبة شقّ لها المؤمنون قلوبهم لا جيوبهم ، وتجافت لعظمها عن المضاجع جنوبهم ، وأمطرت السماء دماً وتراباً ، وخبرت من أخي العرفان أكفاراً وألباباً ، واضطربت لهولها السبع العلى ، واهتز لها عرش المليك الأعلى.

النبي والوصيّ فيها أهل العزاء ، وسيدة النساء تود لو تكون له النداء ، أنسى كلّ مصيبة مصابها ، وأمر كلّ طعم صابها ، وأدارت كؤوس الأحزان على قلوب المؤمنين ، وجدّدت معاهد الأشجان في نفوس المخلصين ، كسيت السماء بحمرة نجيع شهدائها سقفاً ، وأذكت في قلوب المؤمنين بفادح زنادها حرقاً ، وأنفذت بتراكم أحزانها ماء الشؤون ، وأذابت بتفاقم أشجانها القلوب فاسالتها دماً من العيون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. أيّ مصيبة طمت وعمت وأشجت قلوب المؤمنين وأعمت.

فيا إخواني عزّوا نبيّكم المصطفى في هذا اليوم بسبطه ، اسعدوا وليكم المرتضى في مصابه برهطه ، فإن البكاء في هذا العشر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات ، وإظهار الجزع لما نال ولد الطاهرة البتول من أكمل القربات ولمّا كانت هذه المصيبة لم تقع منذ خلق الله السماوات والأرض كواقعتها ، ولا انهتكت حرمة نبيّ ولا وليّ كانتهاك حرمتها ، ولا غضب الله غضبها على من شبّ ضرامها ، ونصب أعلامها ، وقاد جنودها ، وعقد بنودها ، أردت أن أنفت حزازة (١) صدري ، وأبوح بما في سري ، واخاطب المؤمنين من إخواني بما خطر في جناني ، ونطق به لساني ، فقلت من شدّة اسفي ، وفرط لهفي ، ودمعي

__________________

١ ـ نفتت القدر تنفت نفتا ... إذا كانت ترمي بمثل السهام من الغلي « لسان العرب : ٢/١٠٠ ـ نفت ـ ».

والحزازة : وجع في القلب من غيظ ونحوه. « لسان العرب : ٥/٣٣٥ ـ حزز ـ ».

٨٩

يملي ولا يمل ، ووجدي يقلي ولا يقل :

يا إخواني ، تفكّروا في هذا الخطب الجسيم ، والرزء العظيم ، أيقتل ابن رسول الله في مفازة من الأرض من غير ذنب ارتكبه ، ولا وزر احتقبه ، ولا فريضة بدلها ، ولا سنّة أبطلها؟ فتجتمع عصابة تزعم أنّها من اُمّه جدّه ، وسالكة منهاجه من بعده ، فتحرم عليه الماء المباح ، وتجعل ورده من دم الجراح ، لا تأخذها به رافة ، ولا تخشى أن ينزل بها من غضب الله آفة ، وهو يستغيث بأوغادها فلم يغيثوه ، ويستعين بهم ولم يعينه ، بل قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، ونقضوا عهدهم كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة ، لم يوقروا شيبته ، ولم يذكروا قربته ، ولا رحموا صبيته ، ولا احترموا نسوته ، ولا راعوا غربته ، ولا استهابوا حرمة جدّه ، ولا تألموا من خلف وعده ، بل ذبحوا أطفاله ، وهتكوا عياله ، وقتلوا ذرّيّته ، واستأصلوا اسرته ، وانتهبوا ثقله ، واستباحوا قتله ، وأضرموا النّار في مضاربه ، وسدّوا عليه أبواب مطالبه ، وأظهروا ما كان كامناً من نفاقهم ، وأبدوا ما أخفوا من سقامهم.

فأي مسلم يعتقد إسلامهم؟ وأي عاقل يؤول مرامهم؟ فلا يشكّ في كفرهم إلا من بلغ في الغيّ غايتهم ، وسلك في البغي جادتهم ، فأحوال الملاحدة منكري الصانع أحسن من أحوالهم ، وأفعال جاحدي الشرائع أضرب من فعالهم واقوالهم ، إذ هم يعتقدون ما حسّن العقل حسناً صريحاً ، وما قبح العقل شنيعاً قبيحاً ، وأهل الملل المنسوخة والشرائع المفسوخة من أهل الكتاب وغيرهم يعمظمون ذراري أنبيائهم ، ويثابرون على محبة أبنائهم ، ويتبرّكون بآثارهم ومزاراتهم ، ويسجدون لصورهم المصورة في بيعهم ودياراتهم ، وهذه الطائفة المارقة ، والعصابة المنافقة ، من بقايا الأحزاب ، وسفهاء الأعراب ، كانوا أهل

٩٠

ضرّ ومتربة ، وعسر ومسغبة ، يخافون أن يتخطّفوا من دارهم ، وينفوا عن قرارهم ، قد ضربت عليهم الذلّة ، وشملتهم البليّة ، وألجأتهم الأعداء إلى المفاوز المقفرة والبوادي المنقطعة ، وأجلتهم خصماؤهم عن القرى المحتفة بالجنان الملتفة ، والعيشة الرضيّة ، والأقوات الشهية ، كما قال سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : واعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهم‌السلام ، فما أشدّ اعتدال الأحوال ، وأقرب اشتباه (١) الأمثال!

تأمّلوا امورهم (٢) في حال تشتتهم وتفرقهم ، ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أرباباً لهم يحتازونهم (٣) عن ريف الآفاق ، وبحر العراق ، وخضرة الدنيا ، إلى منابت الشيع ، ومهافي الريح ، ونكد (٤) المعاش ، فتركوهم عالة مساكين إخوان دَبرٍ ووَبرٍ (٥) ، أذل الاُمم داراً ، وأجدبهم قاراراً لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها (٦) ، ولا إلى ظلّ اُلفةً (٧) يعتمدون على عزها ، فالأحوال مضطربة ، والأيدي مختلفة ، والكثرة متفرقة ، في بلاء أزل (٨) ، وأطباق جهل! من بنات موؤودة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، وغارات مشنونة.

فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولاً ، فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع على دعوته اُلفتهم ، كيف نشرت عليهم النعمة جناح كرامتها ،

__________________

١ ـ أيّ تشابه.

٢ ـ في النهج : أمرهم.

٣ ـ أيّ يقبضونهم عن الأراضي الخصبة.

٤ ـ المهافي : المواضع الّتي تهفو فيها الرياح أيّ تهب. والنكد : الشدة والعسر.

٥ ـ الدبر : القرحة في ظهر الدابّة. والوبر : شعر الجمال. والمراد أنهم رعاة

٦ ـ أيّ لم يكن فيهم داع إلى الحق فيأووا إليه ويعتصموا بمناصرة دعوته.

٧ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : ولا إلى لغة.

٨ ـ الأزل : الشدة.

٩١

وأسالت لهم جداول نعمتها (١) ، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها ، فأصبحوا في نعيمها (٢) عرقين ، وفي (٣) خضرة عيشها فكهين ، قد تراحت لهم الاُمور (٤) ، في ظلّ سلطان قاهر ، وآوتهم الحال إلى كنف عزّ غالب ، وتعطف الامور عليهم في ذُرى ملك ثابت ، فهم حكام على العالمين ، وملوك في أطراف الأرضين ، يملكون الامور على من كان يملكها عليهم ، ويمضون الأحكام فيمن (٥) كان يمضيها فيهم! لا تغمز لهم قناة ، ولا تقرع لهم صفاة (٦) (٧) إنتهى كلامه.

قلت : فما كان جزاء من أسدى هذه المنّة إليهم ، وأسدل النعمة عليهم ، إلا أن تركوه ميّتاً لم يكفّن ، ومحبوراً لم يدفن ، وأظهروا ما كان من حقدهم مخفياً ، ونشروا من غيّهم ما كان منطوياً ، وأنكروا وصيته ، وأهانوا ذرّيّته ، وجحدوا نصّه وعهده ، وأخلفوا وعده وعقده ، وجعلوا زمام امورهم بأيدي أدناهم نسباً وألأمهم حسباً ، وأقلهم علماً ، وأسفههم حلماً ، لا في السراة القصوى من قصّتهم ، ولا في المرتبة العليا من لومهم ، ثمّ لم يقنعوا بما فعلوا ، فلم يعترفوا إذ جهلوا ، ولم يتحولوا إذ غيروا وبدلوا ، ولم يستجيبوا إذ ضلّوا ، وضلّوا حتّى دبروا في قطع دابرهم ، وإخفاء مآثرهم ، يجرعونهم الغصص ، ويوردونهم الربق (٨) ، ويأكلون

__________________

١ ـ في النهج : نعيمها.

٢ ـ في النهج : نعمتها.

٣ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : وعن.

٤ ـ في النهج : قد تربعت الامور بهم. وتربّعت : أقامت.

٥ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : على من.

٦ ـ القناة : الرمح. وغمزها : جسّها باليد لينظر هل هي محتاجة للتقويم والتعديل فيفعل بها ذلك.

والصفاة : الحجر الصلد. وقرعها : صدمها لتكسر.

٧ ـ نهج البلاغة : ٢٩٧ ضمن خطبة رقم ١٩٢.

٨ ـ الربق : الكرب.

٩٢

تراثهم ، ويحوزون ميراثهم.

ثمّ لم تزل الأوغاد تنسخ على منوالهم ، وتقتدي بأفعالهم وأقوالهم ، إلى أن شنوا عليهم الغارات ، وعقدوا لحربهم الرايات ، واصطفوا لقتالهم بصفينهم وبصرتهم ، وابتدروا لبوارهم وبوار شيعتهم ، ثمّ اغتالوا وصيه في محرابه ساجداً راكعاً ، وخذلوه متهجداً خاشعاً ، وجرعوا سبط نبيّهم ذعاف سمومهم ، وصرعوا رهطه في كربلاء بشدة عزمهم وتصميمهم.

ثمّ جعلوا سب ذرّيّته على منابرهم في جوامعهم ، وهمز عترته في محاضرهم ومجامعهم ، شرطاً من شروط صلواتهم ، وشطراً من أوراد عباداتهم ، وجعلوا شيعتهم إلى يوم الناس هذا أذلّاء مقهورين ، وضعفاء مستورين ، قد كعمتهم (١) التقيّة ، وشملتهم البليّة ، يقصدونهم في أنفسهم وأموالهم ، ويغرّون السفهاء من جهّالهم ، ويعيرونهم بزيارة قبور أوليائهم وساداتهم ، ويبدعونهم في قصد مشاهد أئمتهم ، بغض آل الرسول مركوز في جبلّتهم ، وهظم الطاهرة البتول مرموز في خطابهم ومحاورتهم.

ولقد شاهدت في القرية الظالم أهلها ، النائي عن الحقّ محلّها ، المغضوب عليها ، المنصوب علم الكفر لديها ، أعني بلدة دمشق الشام محل الفجرة الطغاة ، شرقي مسجدها الأعظم ، وبيت أصنامها الأقدام ، الّذي لا طهر ولا قدس ، بل على شفا جرف هار اُسِّس ، معدن العقوق ، ومركز الفسوق ، وبيت النّار ، ومجمع الفجار ، ومنبع الأشرار ، وشر من مسجد ضرار ، خربة ـ كانت فيما تقدّم مسجداً ـ مكتوب على صخرة عتبة بابها أسماء النبيّ وآله والأئمّة الاثني عشر عليهم

____________

١ ـ الكعام : شيء يجعل على فم البعير ... وقد يجعل على فم الكلب لئلا ينبح.

« لسان العرب : ١٢/٥٢٢ ـ كعم ـ ».

٩٣

السلام ، وبعدهم : هذا قبر السيّدة ملكة بنت الحسين عليه‌السلام بن أمير المؤمنين ولفرط بغضهم لأهل بيت نبيّهم ، تركوا القيام بعمارة ذلك المقام إلى أن استهدم ، ثمّ جعلوه مطرحاً لقماماتهم ، ومرمي لنجاساتهم وقاذوراتهم ، فهزت أريحية الايمان رجلاً ممّن تمسك بولائهم أن يميط الأذى والقاذورات عن تلك الخربة ، لأنّها وإن لم تكن مدفناً لأحد من ذريتهم فقد شرفت بنسبتها إليهم ، فجدد بناءه واتّخذه مسجداً مهيّئاً للصلاة.

فلمّا أتمه وأماط الأرجاس عنه وألقى القمامة علم بذلك شيخ إسلامهم وبلغام (١) زمانهم وأحد أعلامهم وأكثر أصنامهم ، عدوّ الله ورسوله ، الكافر بفعله وقوله ، المانع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، التام في النفاق حدّه ورسمه ، فأقبل الشقيّ في جمع من المنافقين ، والعصب المارقين وأمر بهدم ذلك المسجد ، وأن يعاد مطرحاً للقمامات والقاذورات كما كان أولاً ، وأحضر معه رجلاً نصرانياً ممّن يعالج قطع الأحجار وأمره أن يمحو أسماء النبيّ والأئمّة الطاهرين عن تلك الصخرة قائلاً : ترك هذه الأسماء على هذه الصخرة من أعظم بدعة في الاسلام ، أفمن كان هذا دينهم ومعتقدهم هل يشكّ عاقل في كفرهم وارتدادهم ، أو يرتاب في إلحادهم؟ وليس ذلك ببدع من نفاقهم ، فهم فرع الشجرة الملعونة في القرآن ، وأتباع جند الشيطان ، وأعداء الرحمن ، شرّ من قوم لوط وثمود ، وأخبث من عاد قوم هود ، فهم الكافرون الجاحدون المنافقون المارقون ، ( يُريدُونَ لِيُطفئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ ) (٢). اللّهمّ العنهم وأشياعهم وأتباعهم لعناً وبيلاً ، وعذبهم عذاباً أليماً.

__________________

١ ـ كذا في الأصل.

٢ ـ سورة الصف : ٨.

٩٤

فصل

في مناقب مولانا إمام الثقلين ، وثاني السبطين ، وأحد

السيّدين ، أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه

فمنها ما اختص به في حياته ، ومنها ما ظهر بعد وفاته ، فلنبدأ بما حصل في حياته وقبل مولده.

في كتاب الأنوار : إنّ الله سبحانه هنّأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بحمل الحسين عليه‌السلام وولادته ، وعزاه بقتله ، فعرفت فاطمة ذلك فكرهته ، فنزل قوله تعالى : ( حَمَلَتهُ اُمُّهُ كُرهاً وَوَضَعَتهُ كُرهاً وَحَملُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهراً ) (١) فحمل النساء تسعة أشهر ، ولم يولد مولود لستّة أشهر فعاش غير الحسين وعيسى عليهما‌السلام.

غرر أبي الفضل بن خيرانة (٢) أن فاطمة عليها‌السلام اعتلت لمّا ولدت الحسين عليه‌السلام وجف لبنها ، فطلب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرضعاً فلم يجد ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، فيجعل الله له في إبهام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رزقاً يغذوه.

____________

١ ـ سورة الأحقاف : ١٥.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : عن أبي الفضل بن جبير.

٩٥

وقيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدخل لسانه في فيه فيغرّه (١) كما يغر الطير فرخه ، فيجعل الله له في ذلك رزقاً يغذوه ، ففعل ذلك أربعين يوماً وليلة ، فنبت اللحم واشتدّ العظم منه من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (٢).

عن برّة أبنة أميّة الخزاعي قالت : لما حملت فاطمة بالحسن عليه‌السلام خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض حوائجه (٣) فقال لها : إنّك ستلدين غلاماً قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتّى أصير إليك.

قالت : فدخلت على فاطمة حين وضعت (٤) الحسن عليه‌السلام ولها (٥) ثلاث ما أرضعته ، فقلت لها : أعطينيه حتّى ارضعه.

قالت : كلا ، ثمّ أدركتها رقة الاُمّهات فأرضعته ، فلمّا جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : ماذا صنعت؟

قالت : أدركتني عليه رقة الاُمّهات فأرضعته.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبى الله سبحانه إلا ما أراد ، فلمّا حملت بالحسين عليه‌السلام قال لها : يا فاطمة ، إنّك ستلدين غلاماً قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتّى أجيء إليك ولو أقمت شهراً.

قالت : أفعل ، وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض حوائجه (٦) ،

__________________

١ ـ أيّ يزقّه.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٠ ، عنه البحار : ٤٣/٢٥٣ ح ٣١ ، ومدينة المعاجز : ٣/٤٩٢ ح ١٠٠٤ وص٤٩٣ ح ١٠٠٥ ، وعوالم العلوم : ١٧/٢١ ح ١٤ و١.

٣ ـ في المناقب : وجوهه.

٤ ـ في المناقب : ولدت.

٥ ـ في المناقب : وله.

٦ ـ في المناقب : وجوهه.

٩٦

فولدت فاطمة الحسين عليهما‌السلام ، فما أرضعته حتّى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها : ماذا صنعت؟

قالت : ما أرضعته ، فأخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضع (١) لسانه في فمه ، فجعل الحسين عليه‌السلام يمص حتّى قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إيهاً حسين ، إيهاً حسين ، ثمّ قال : أبى الله إلا ما يريد هي فيك وفي ولدك ـ يعني الامامة ـ. (٢)

ولمّا منع الحسين عليه‌السلام من الماء أخذ سهماً وعدّ فوق خيام النساء تسع خطوات ، فحفر الموضع ، فنبع ماء طيّب فشربوا وملأوا قربهم. (٣)

وروى الكلبي : أنّ مروان قال للحسين عليه‌السلام : لولا فخركم بفاطمة بما كنتم تفخرون علينا؟

فوثب الحسين عليه‌السلام فقبض على حلقه وعصره ، ولوى عمامته في عنقه حتّى غشي عليه ، ثمّ تركه ، ثمّ تكلّم وقال آخر كلامه : والله ما بين جابلقا (٤) وجابرسا رجل ممّن ينتحل الاسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة ذلك أنّك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك.

قال : فوالله ما قام مروان [ من مجلسه ] (٥) حتّى غضب فانتفض فسقط

____________

١ ـ في المناقب : وجوهه.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٠ ، عنه البحار : ٤٣/٢٥٤ ح ٣٢ ، ومدينة المعاجز : ٣/٤٩٣ ح ١٠٠٦ ، وعوالم العلوم : ١٧/٢٢ ح ٢.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٠ ، عنه مدينة المعاجز : ٣/٤٩٤ ح ١٠٠٧.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : جابرقا.

٥ ـ من المناقب.

٩٧

رداؤه عن عاتقه. (١)

زرارة بن أعين : قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يحدث عن آبائه عليهم‌السلام أنّ مريضاً شديد الحمّى عادة الحسين عليه‌السلام ، فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّى عن الرجل ، فقال الرجل : رضيت بما اُوتيتم [ به ] (٢) حقّاً ، والحمّى تهرب منكم.

فقال الحسين عليه‌السلام : والله ما خلق الله شيئاً إلا وقد أمره بالطاعة لنا.

قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقوم : لبيك.

قال : أليس أمير المؤمنين أمرك ألا تقربي إلا عدوّاً لنا أو مذنباً لكي تكوني كفّارة لذنوبه ، فما بال هذا (٣) وكان المريض عبد الله بن شداد الليثي. (٤)

تهذيب الأحكام (٥) : [ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ] (٦) إنّ امرأة كانت

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥١ ، عنه البحار : ٤٤/٢٠٦ ح ٢ ، وعوالم العلوم : ١٧/٨٦ ح ١ وعن الاحتجاج : ٢٩٩.

وأخرجه في مدينة المعاجز : ٣/٤٩٧ ح ١٠١١ عن الاحتجاج. وفي ص ٤٩٨ ح ١٠١٢ عن المناقب.

٢ و ٣ ـ من المناقب.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥١ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٣ ح ٨ ، ومدينة المعاجز : ٣/٤٩٩ ح ١٠١٣ ، وعوالم العلوم : ١٧/٤٨ ح ١.

وروى مثله في رجال الكشي : ٨٧ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٣ ح ٩ ، وعوالم العلوم : ١٧/٤٨ ح ٢.

٥ ـ تهذيب الأحكام : ٥/٤٧٠ ح ٢٩٣ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٣ ح ١٠ ، ومدينة المعاجز : ٣/٥٠٦ ح ١٠٢٣ ، وعوالم العلوم : ١٧/٤٧ ح ٣.

٦ ـ من المناقب.

٩٨

تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها ، فمال بيده حتّى وضعها على ذراعها فبقيت (١) يده في ذراعها حتّى قطع الطواف ، فأرسل إلى الأمير واجتمع الناس ، وارسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الّذي جنى الجناية.

فقال : ها هنا أحد (٢) من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقالوا : نعم ، الحسين بن عليّ عليه‌السلام قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي هذان ، فاستقبل الكعبة ورفع يديه ومكث طويلاً يدعو ، ثمّ جاء إليهما حتّى تخلّصت يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟

قال : لا. (٣)

صفوان بن مهران : قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : رجلان اختصما في زمن الحسين عليه‌السلام في إمرأة وولدها ، فقال واحد : هذا لي ، وقال الآخر : هو لي ، فمرّ بهما الحسين عليه‌السلام فقال لهما : فيما تمرجان؟

قال أحدهما : إنّ هذه الامرأة لي.

وقال الآخر : بل الولد والامرأة لي.

فقال للمدّعي الأوّل : اقعد ، فقعد وكان الغلام رضيعاً ، فقال الحسين عليه‌السلام : يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك.

فقالت : هذا زوجي ، والولد له ، ولا أعرف هذا.

فقال عليه‌السلام للغلام : انطق بإذن الله.

____________

١ ـ في المناقب : فأثبت الله.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : فقيل : هنا رجل.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥١.

٩٩

فقال الغلام : ما أنا لهذا ، ولا لهذا وما أبي الا راعي لآل فلان. فأمر عليه‌السلام برجمها.

قال جعفر عليه‌السلام (١) : فلم يسمع أحد انّ غلاماً نطق بعدها (٢).

الأصبغ بن نباتة : قال : سألت الحسين عليه‌السلام ، فقلت : يا سيّدي ، أسألك عن شيء أنا به موقن ، وإنّه من سر الله وأنت المسرور إليه ذلك السرّ.

فقال : يا اصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي دون (٣) يوم مسجد قبا؟

قلت : هوالذي أردت. قال : قم ، فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا أنا بالمسجد من قبل ان يرتد إليّ بصري ، فتبسم في وجهي ، ثمّ قال : يا أصبغ ، إن سليمان عليه‌السلام اُعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر ، وأنا قد اُعطيت أكثر ممّا اُعطي.

فقلت : صدقت والله يا ابن رسول الله.

فقال : نحن الّذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا لأننا أهل سر الله ، ثمّ تبسم في وجهي ، ثمّ قال : نحن آل الله ، وورثة رسول الله عليه وآله.

فقلت : الحمد لله على ذلك ، ثمّ قال : اُدخل ، فدخلت فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مختبىء في المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأميرالمؤمنين

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أبوجعفر ـ وهو تصحيف ـ.

٢ ـ في المناقب : فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها.

٣ ـ في المناقب : لأبي دون.

والدون : الخسيس ، عبر به عن الأوّل والثاني تقيّة.

١٠٠