تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

١

٢

٣

٤

٥

٦

المجلس الرابع

في خصائص الامام الثاني سبط المصطفى ، ورابع

أصحاب الكساء ذي المآثر والمنن ، مولانا وسيّدنا

أبي محمد الحسن ، وذكر شيء من فضائله المختصّة

به والمشتركة مع جدّه وأبيه وأمّه وأخيه

صلوات الله عليهم أجمعين.

الخطبة : الحمد لله الّذي جعل حمده سبيلاً موصلاً إلى نعيم جنّته ، وسبباً متّصلاً بعميم رحمته ، وشكره وسيلة لشاكره إلى المزيد من نعمته ، وذكره شرفاً لذاكره في سرّه وعلانيته ، وبنى قواعد دينه على توحيده ومعرفته ، وأخذ عباده بتقديسه وتنزيهه عمّا لا يليق بربوبيته ، ونصب لهم أعلاماً يهتدي بها المتردّد في تيه حيرته ، وأطلع في سماء العرفان أنجماً ينجو بزواهرها ضالهم في ظلمة شبهته ، وجعل تلك الأعلام الواضحة ، والأنجم اللائحة ، عباداً مكرمين من خواصه ، وأولياء معصومين قد صفاهم واصطفاهم بإخلاصه.

أولهم نبيّ تمّمت به الرسالة والنبوّة ، وإمام انتهت إليه الرئاسة والفتوة ، لما جعله سبحانه أشدّ خلقه بسطة في العلم والجسم والقوّة ، واختصه الرسول بالوصية والخلافة والاخوة ، ثبت في العقل والنقل عموم رئاسته ، وقبح في

٧

الحقيقة والطريقة تقديم من قصر عن رتبته.

نحمد ربّنا على ما أطلعنا عليه من سرة المكنون ، وعلمه المخزون ، ونزهنا عن اتباع كلّ ناعق بالباطل ، وزاهق بغير الحق قائل ، وبنى على حب آله قواعد عقائدنا ، وركز في جبلّتنا معرفة سادتنا وأئمّتنا ، وانهم أولوا الأمر الّذين ألزم عباده بطاعتهم ، وحث أنامه على متابعتهم ، فمن سلك غير سبيلهم ، واهتدى بغير دليلهم ، قاده سوء اختياره إلى الشقاوة السرمدية ، وأوقعه ضلال سعيه في الهلكة الأبدية.

لا نشك في كفر من تقدّمهم غاصباً وتسمى بغير اسمه كاذباً ، واستوجب اللعنة بإلحاده في دين الله ، واستحق العقوبة بجحده ولاية الله ، وتوالى في الله أوليائهم ، وتعادى في الله أعداءهم ، ويلعن الحانث صدّيقهم ، والناكث فاروقهم ، والثالث زهوقهم ، والرابع زنديقهم ، الّذي كان إسلامه نفاقاً ، ودينه شقاقاً ، وطبعه غدراً ، ومعتقده كفراً ، الباغي بحربه والكافر بربه ، والخارج على إمام الحق بجنده ، والباغي على وليّ الخلق بحسده ، والمدبر في قتل السيد الزكي قرة عين النبيّ وثمرة قلب الوصيّ ، والمديف له قواتل سمومه بغدره ، والمفسد رؤساء جنوده بمكره.

اللّهمّ العنه والعن كلّ منقاد طوعاً لأمره ، وكل شاك في ضلاله وكفره.

٨

فصل

فيما ورد في فضل السيد الشكور ، والامام الصبور ،

سبط خير المرسلين ، ورهط إمام المتقين ، ونجل سيد

الوصيين ، ونتيجة سيّدة نسة العالمين ، العالمين ، رابع الخمسة

الميامين ، وثالث الأولياء المنتجبين ، الّذي جعله الله

وأخاه أشرف خلقه أجمعين.

الجد النبيّ ، والأب الوصيّ ، والاُم الزهراء ، والدار البطحاء ، فضله معروف ، وكرمه موصوف ، يخل الغيث بفيض كفه ، ويخجل البحر بسبب عرفه ، اصوله كريمة ، وأياديه عميقة ، وحبّه فرض واجب ، ووده حكم لازب ، وطاعته تمام الايمان ، ومعصيته سبيل الخسران ، الناطق بالحكمة ، والمؤيد بالعصمة ، إمام الاُمّة ، وثاني الأئمّة ، مَن حبّه من النيران جُنّة ، واتباعه سبيل موصل إلى نعيم الجنّة ، وولاؤه على أهل الأرض فرض لا سنّة ، ذو النسب الطاهر ، والحسب الفاخر والمجد الأعبل ، والشرف الأطول ، والعلم المأثور ، والحلم المشهور ، الّذي تردى بالمجد واتزر ، وتصدى للبذل واشتهر ، وظهر عنه العلم وانتشر ، وبخدمته الأمين جبرئيل افتخر.

آل عمران تشهد للرسول بنبوّته يوم المباهلة ، وسورة الانسان تنبىء عن كمال فضيلته حين المفاضلة ، وأحزاب المجد بحجّة آية تطهيرها لعصمته

٩

ناصرة ، وأبصار الفخر إلى نضرة بهجته يوم الكساء ناظرة ، شاطر الله ماله مراراً ، وآثر المسكين واليتيم والأسير بقوّته إيثاراً ، وكان للمسلمين نوراً ومناراً ، وللعارفين غيثاً مدراراً ، تشمخ المنابر فخراً إن علاها بقدمه ، وتشرق المحاضر سروراً إذا غمرها بكرمه ، موات الآمال يحيى بوابل جوده ، وأموات الافضال تنشر بها طل جوده ، والرئاسة العامّة تتجلّى على رفعة إمامته ، والمناقب التامة تخطر بين يدي زعامته.

من اتخذه بضاعة ربحت تجارته في الدنيا والآخرة ، ومن تولّى عن أمره إلى غيره ومعاندة أضحت كرته خاسرة ، رضيت به وبأهل بيته سادة عمن سواهم ، ووسمت جبهتي بميسم العبودية لجلال علاهم ، فإن رقموني في دفاتر عبيدهم ، وأثبتوني في جرائد عديدهم ، فذلك غاية مرادي وأقصى مناي ، وإن طردوني عن أبواب كرمهم ، ومحوني من جرائد خدمهم ، فيا شقوتي وخيبة مسعاي.

اللّهمّ نور قلبي بحبهم ، واشرح صدري بقربهم ، ولا تخلني من حياطتهم ، ولا تصرف وجهي عن وجههم ، والحظني بعين عنايتهم ، ولا تنزع منّي بركة رأفتهم ، إنّك على كلّ شيء قدير.

محمد بن إسحاق ، بالاسناد : جاء أبوسفيان إلى عليّ عليه‌السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، جئتك في حاجة.

قال : وفيما جئتني؟

قال : تمشي معي إلى ابن عمّك محمد فتسأله أن يعقد لنا عقداً ، ويكتب لنا كتاباً. فقال أمير المؤمنين : لقد عقد لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عقداً لا يرجع عنه أبداً ، وكانت فاطمة من وراء الستر ، والحسن يدرج بين يديها وهو

١٠

طفل من أبناء أربعة عشر شهراً (١) ، فقال : يا بنت محمد ، قولي لهذا الطفل يكلّم لي جدّه فيسود بكلامه العرب والعجم.

فأقبل الحسن عليه‌السلام على أبي سفيان وضرب بإحدى يديه على أنفه والاخرى على لحيته ، ثمّ أنطقه الله سبحانه بأن قال : يا ابا سفيان ، قل : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، حتّى أكون لك شفيعاً.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحمد لله الّذي جعل من ذرّيّة محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا ، آتاه (٢) الحكم صبياً.

واستغاث الناس إليه عليه‌السلام من زياد بن أبيه ، فرفع يده وقال : اللّهمّ خُذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه ، وأرنا فيه نكالاً عاجلاً ، إنّك على كلّ شيء قدير.

قال : فخرج خراج في إبهام يمينه ، ويقال : السلعة (٣) ، وورم إلى عنقه فمات لا رحمه‌الله (٤).

قال محمد بن إسحاق : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بلغ الحسن بن عليّ ، كان يبسط له بساط على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق ، فما يراه أحد من خلق الله إلاّ قام إجلالاً له ، فإذا علم قام

__________________

١ ـ وردت هذه القصة في كتب السير عند ذكر فتح مكّة سنة ثم‏ّان للهجرة حين جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليبرم عهد المشركين ويزيد في مدته.

وقد قيل كان عمر الحسن عليه‌السلام خمس سنين ، وفي الكامل في التاريخ : ٢/٢٤١ انّه غلام.

٢ ـ في المناقب : ( وَآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِيّاً ) سورة مريم : ١٢.

٣ ـ في المناقب ، خراج في إبهام يمينه يقال لها : السلعة.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٦ ـ ٧ ، عنه البحار : ٤٣/٣٢٦ ح ٦.

١١

فدخل داره فيمر الناس ، ولقد رأيته في طريق مكّة ماشياً فما أحد من خلق الله رآه إلا نزل ومشى.

أبو السعادات في الفضائل : إن الشيخ أبو الفتوح أملى في المدرسة الناجية أنّ الحسن بن عليّ عليه‌السلام كان يحضر مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه ، فيأتي إلى اُمّه فيلقي إليها ما حفظه ، فلمّا دخل عليها أمير المؤمنين عليه‌السلام وجد عندها علماً بالتنزيل ، فسألها عن ذلك ، فقالت : من ولدك الحسن ، فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن فأراد أن يلقيه إليها فأرتج (١) عليه ، فعجبت (٢) ، فخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام وضمه إليه وقبّله.

وفي رواية : يا اماه ، قلَّ بياني ، وكل لساني ، لعل سيداً يرعاني. (٣)

الحسين بن أبي العلاء ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام : قال الحسن بن عليّ عليه‌السلام لأهل بيته : يا قوم ، إنّي أموت بالسم كما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال له أهل بيته : ومن الّذي يسمك؟

قال : جاريتي أو امرأتي.

فقالوا له : أخرجها من ملكك عليها لعنة الله.

____________

١ ـ أُرتِجَ على القارىء ... إذا لم يقدر على القراءة كأنه اُطبِقَ عليه ، كما يُرتَجُ الباب ، وكذلك ارْتُتِجَ عليه. ولا تقل : ارتُجَّ عليه بالتشديد. « الصحاح : ١/٣١٧ ـ رتج ـ ».

٢ ـ في المناقب : فعجبت اُمّه من ذلك ، فقال : لا تعجبين يا اُماه ، فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني ، فخرج ...

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٧ ـ ٨ ، عنه البحار : ٤٣/٣٣٨ ح ١١.

١٢

فقال : هيهات من إخراجها ومنيتي على يدها ، مالي منها محيص ، ولو أخرجتها لم يقتلني غيرها ، كان قضاء مقضياً وأمراً واجباً من الله ؛ فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى زوجته بالسمّ.

فقال الحسن لها : هل عندك شربة لبن؟

فقالت : نعم ، فأتت باللبن وفيه السمّ الّذي بعث به معاوية ، فلمّا شربه وجد مسّ [ السمّ ] (١) في بدنه ، فقال : يا عدوة الله ، قتلتيني قاتلك الله ، أمّا والله لا تصيرين منّي خلفاً ، ولا تصيبين (٢) من الفاسق اللعين عدوّ الله خيراً أبداً. (٣).

محمد الفتال النيشابوري في كتاب مونس الحزين : بالاسناد عن عيسى ابن الحسن ، عن الصادق عليه‌السلام : قال بعضهم للحسن بن علي في احتمال الشدائد من معاوية ، فقال صلوات الله عليه كلاماً معناه : لو دعوت الله سبحانه لجعل العراق شاماً والشام عراقاً ، ولجعل الرجل امرأةً والمرأة رجلاً.

فقال السائل (٤) : ومن يقدر على ذلك؟

فقال عليه‌السلام : انهضي ، ألا تخجلين وتستحين أن تقعدي بين الرجال؟ فوجد الرجل نفسه امرأة بيّنة كالنساء ، ثمّ قال : قد صارت عيالك رجلاً ويقاربك وتحملين منها وتلدين (٥) ولداً خنثى ، فكان كما قال عليه‌السلام ، ثمّ إنهما تابا وجاءا إليه ، فدعا لهما ، فأعادهما الله تعالى إلى الحالة الاُولى. (٦)

__________________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ في المناقب : لا تصيبين منّي خلفاً ، ولا تنالين.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٨ ، عنه البحار : ٤٣/٣٢٧ ذ ح ٦.

٤ ـ في المناقب : الشاميّ.

٥ ـ في المناقب : وتقاربك وتحمل عنها وتلد.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٨ ـ ٩ ، عنه البحار : ٤٣/٣٢٧ ضمن ح ٦.

١٣

قال أحدهما عليهما‌السلام في قوله : ( هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ ) : (١) نحن الّذين نعلم ، وعدونا لا يعلم ، وشيعتنا اُولوا الألباب (٢).

وقيل للحسن عليه‌السلام : إن فيك عظمة.

قال : لا ، العظمة لله ، بل فيَّ عزّة ، قال الله تعالى : ( وَلِلّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ ) (٣).

وقال واصل بن عطاء: كان الحسن عليه‌السلام عليه سيماء الأنبياء، وبهاء الملوك.(٤)

محمد بن أبي عمير (٥) : عن رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن الحسن بن عليّ عليه‌السلام قال : إنّ لله سبحانه مدينتين : إحداهما في المشرق والاخرى في المغرب ، عليهما سور من حديد ، وعلى كلّ مدينة ألف [ ألف ] (٦) باب ، لكلّ باب مصراعان (٧) من ذهب ، وفيهما سبعون ألف لغة ، يتكلم كلّ واحد بخلاف لغة صاحبه ، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجّة لله غيري وغير أخي الحسين عليه‌السلام. (٨)

____________

١ ـ سورة الزمر : ٩.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٩.

٣ ـ سورة المنافقون : ٨.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٩ ، عنه البحار : ٤٣/٣٣٨ ح ١٢.

٥ ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل والمناقب : محمد بن عمير.

٦ ـ من المناقب.

٧ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : مصراع.

٨ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٩ ـ ١٠ ، عنه البحار : ٤٣/٣٣٧ ح ٧ ، وعوالم العلوم : ١٦/١٠٩ ح ٦ وعن بصائر الدرجات : ٣٣٩ وص ٤٩٣ ح ١١.

١٤

الكليني في كتابه الكافي (١) : انّه جاء في حديث عمرو بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل الحسن عن امرأة جامعها زوجها ، فقامت بحرارة جماعه فساحقت جارية بكراً ، وألقت النطفة إليها ، فحملت.

فقال عليه‌السلام : أمّا في العاجل فتؤخذ المرأة بصداق هذه البكر ، لأن الولد لا يخرج منها حتّى تذهب عذرتها ، ثمّ ينتظر بها حتّى تلد فيقام عليها الحدّ ويؤخذ الولد فيرد إلى صاحب النطفة ، وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم.

قال : فاطلع أمير المؤمنين عليه‌السلام فرآهم يضحكون ، فقصوا عليه القصة ، فقال : ما أحكم إلا بما حكم به الحسن.

وفي رواية : لو أن أبا الحسن لقيهم ما كان عنده إلا ما قال الحسن. (٢)

محمد بن سيرين : أن عليّاً عليه‌السلام قال لابنه الحسن : أجمع الناس ، فلمّا اجتمعوا قام صلوات الله عليه فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ الله اختارنا [ لنفسه ] (٣) ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابة ووحيه ، وأيم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئاً إلا انتقصه الله من حقّه ، في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة ( وَلَتَعلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ ) (٤) ، ثمّ نزل وجمع بالناس ، وبلغ أباه ، فقبل بين عينيه ، وقال : بأبي أنت وأمي ( ذُرِّيَّةً بَعضُهَا مِن

____________

واخرجه في البحار : ٢٧/٤١ ح ٢ ، وج ٥٧/٣٢٦ ح ٦ عن البصائر بطريقيه.

١ ـ الكافي : ٧/٢٠٢ ح ١ ، عنه البحار : ٤٣/٣٥٢ ح ٣٠ ، وعوالم العلوم : ١٦/١٠٩ ح ٥.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٠ ـ ١١.

٣ ـ من المناقب.

٤ ـ سورة ص : ٨٨.

١٥

بَعضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١).

في كتاب العقد لابن عبد ربّه الأندلسي وكتاب المدائني أيضاً : قال عمروبن العاص لمعاوية : لو أمرت الحسن بن عليّ أن يخطب على المنبر ، فلعله يحصر فيكون ذلك وضعاً من قدره عند الناس ، فأمر الحسن بذلك.

فلمّا صعد المنبر تكلّم فأحسن ، ثمّ قال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، أنا ابن أوّل المسلمين إسلاماً ، وأمي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين.

وعن ابن عبد ربّه أيضاً : أنّه قال : لو طلبتم ابناً لنبيّكم ما بين لابتيها (٢) لم تجدوا غيري وغير أخي.

فناداه معاوية : يا أبا محمد ، حدثنا بنعت الرطب ـ وأراد بذلك أن يخجله ويقطع عليه كلامه ـ ، فقال : نعم تلقحه الشمال ، وتخرجه الجنوب ، وتنضجه الشمس ، ويطيبه (٣) القمر.

وفي رواية المدائني : الريح تنضجه (٤) ، والليل يبرّده ويطيّبه.

وفي رواية المدائني قال : فقال عمرو : انعت لنا الخرأة.

قال : نعم ، تبعد الممشى في الأرض الصحصح (٥) حتّى تتوارى من القوم ،

____________

١ ـ سورة آل عمران : ٣٤.

٢ ـ أيّ ما أحاطت به الحرتان من المدينة.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ويصنعه.

٤ ـ في المناقب : تنفخه.

٥ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : الصحيح. والصحصح : ما استوى من الأرض وكان

١٦

ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تمسح باللقمة والرمة ـ يريد العظم والروث ـ ولا تبل في الماء الراكد. (١)

وفي روضة الواعظين : ان الحسن عليه‌السلام كان إذا توضّأ ارتعدت مفاصله ، واصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك. فقال : حقّ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفر لونه ، وترتعد مفاصله.

وكان صلوات الله عليه إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول : اللّهمّ ضيفك (٢) ببابك ، يا محسن ، قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم.

وعن الصادق عليه‌السلام : أنّ الحسن عليه‌السلام حج خمساً وعشرين حجّة على قدميه.

وبالاسناد (٣) عن القاسم بن عبد الرحمان ، عن محمد بن عليّ عليه‌السلام : قال الحسن عليه‌السلام : إنّي لأستحيي من ربّي أن القاه ولم أمش إلى بيته ، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه.

وفي كتابه (٤) بالاسناد : أنّ الحسن عليه‌السلام قاسم ربّه ماله نصفين.

وعن شهاب بن عامر أنّ الحسن قاسم ربّه ماله مرّتين حتّى تصدّق بفرد نعله.

____________

أجرد.

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١ ـ ١٢ ، عنه البحار : ٤٣/ ٣٥٥ ح ٣٣.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : صفيك.

٣ ـ حلية الأولياء : ٢/٣٧.

٤ ـ أيّ حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني.

١٧

وفي رواية : أنّه تصدّق ثلاث مرات يقاسم ربّه ماله حتّى إنّه كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً ، ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً.

وكان يمشي في طريق مكّة ، وإن النجائب لتقاد معه. (١)

روي أنّه دخلت على الحسن عليه‌السلام امرأة جميلة وهو في صلاته فأوجز في صلاته ، ثمّ قال لها : ألك حاجة؟

قالت : نعم.

قال : وما هي؟

قالت : قم فأصب منّي فإنّي وفدت ولا بعل لي.

قال : إليك عنّي لا تحرقيني بالنار ونفسك ، فجعلت تراوده عن نفسه وهو يبكي ويقول : ويحك إليك عنّي ، واشتدّ بكاؤه ، فلمّا رأت ذلك بكت لبكائه ، فدخل الحسين عليه‌السلام ورآهما يبكيان ، فجلس يبكي ، وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتّى كثر البكاء وعلت الأصوات ، فخرجت الأعرابية ، وقام القوم ، ولبث الحسين عليه‌السلام بعد ذلك وهو لا يسأل الحسن عن ذلك إجلالاً له ، فبينا الحسن عليه‌السلام ذات يوم (٢) نائماً إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال الحسين عليه‌السلام : ما شأنك ، يا أخي؟

قال : رؤيا رأيتها.

قال : وما هي؟

قال : لا تخبر أحداً ما دمت حياً.

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٤ ، عنه البحار : ٤٣/٣٣٩ ح ١٣.

٢ ـ في المناقب : ليلة.

١٨

قال : نعم.

قال : رأيت يوسف عليه‌السلام في المنام فجئت أنظر إليه فيمن نظر ، فلمّا رأيت حسنه بكيت ، فنظر إليّ في الناس ، فقال : ما يبكيك ، يا أخي ، بأبي واُمّي؟

فقلت : ذكرتك وامرأة العزيز ، وما ابتليت به من أمرها ، وما لقيت في السجن ، وحرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وكنت أتعجب منه.

فقال عليه‌السلام : فهلا تعجبت ممّا كان من المرأة البدوية بالأبواء؟

وللحسن عليه‌السلام :

ذري كدر الأيّام إن صفـاءها

تولّى بأيام الـسرور الـذواهب

وكيف يغر الدهر من كان بينه

وبين الليالي محكمات التجارب

وله عليه‌السلام :

قل للمقيم بغير (١) دار إقامة

حان الرحيـل فودع الأحبابـا

إن الّذين لقـيتهم وصحبتهم

صاروا جميعاً في القبور ترابا

ومن سخائه عليه‌السلام أنّه سأله رجل فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وقال : ائت بحمال يحمل لك ، فأعطى الحمال طيلسانه ، وقال : هذا الكرى للحمال.

وجاء بعض الأعراب فقال : أعطوه ما في الخزانة ، فوجدوا فيها عشرون ألف درهم ، فدفعها إلى الأعرابي.

فقال الأعرابي : هلا تركتني أبوح بحاجتي واُظهر مدحتي؟

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : تغيرّ.

١٩

فأنشأ صلوات الله عليه :

نحن انـاس عطاؤنا خـضل (١)

يرتع فيـه الرجـاء والأمل

تجود قبـل السـؤال أنفـسنا

خوفاً على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل (٢) نائلنا

لغاض من بعد فيضه خجل (٣)

أبو جعفر المدائني ـ في حديث طويل ـ : قال : خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجاً ففاتهم أثقالهم ، فجاعوا وعطشوا ، فرأوا في بعض الشعاب خباءً رثاً وعجوزاً فاستسقوها.

فقالت : اطلبوا هذه الشويهة ، ففعلوا واستطعموها فقالت : ليس إلا هي فليقم أحدكم فليذبحها حتّى أصنع لكم طعاماً ، فذبحها أحدهم ، ثمّ شوت لهم من لحمها ، وأكلوا وقيّلوا عندها ، فلمّا نهضوا قالوا لها : نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه ، فإذا نحن انصرفنا وعدنا فالممي بنا فإنّا صانعون بك خيراً ، ثمّ رجلوا.

فلمّا جاء زوجها وعرف الحال أوجعها ضرباً ، ثمّ مضت الأيّام وأضرت بها الحال فرحلت حتّى اجتازت بالمدينة ، فبصر بها الحسن عليه‌السلام فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دينار ، وبعث معها رسولاً إلى الحسين عليه‌السلام فأعطاها مثل ذلك ، ثمّ بعثها إلى عبد الله بن جعفر فأعطاها مثل ذلك.

ودخل عليه رجل (٤) فقال : يا ابن رسول الله ، إنّي عصيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

١ ـ الخضل : كلُّ شيء نَدٍ يُترشّف نداه.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : علم.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٤ ـ ١٦ ، عنه البحار : ٤٣/٣٤٠ ح ١٤.

٤ ـ في المناقب : ودخل الغاضري عليه‌السلام.

٢٠