تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرّج

والرأس منه على القناة يدارُ

قال : ثمّ قلت : هذا عليّ بن الحسين في عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ، ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم ، اُعرّفكم مكانه.

فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا مخبية (١) إلّا برزن من خدورهنّ ، يدعون بالويل والثبور ، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ، ولا [ يوماً ] (٢) أمرّ على المسلمين منه.

وسمعت جارية تنوح على الحسين عليه‌السلام وتقول :

نعى سيّدي ناعٍ نعاه فأوجعا

وأمرضني ناعٍ نعاه فأفجعا

فعيناي جودا بالدموع فأبكيا (٣)

وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دهى عرش الجليل فزعزعا

وأصبح هذا (٤) الدين والمجد أجدعا

على ابن نبيّ الله وابن وصيّه

وإن كان عنّا شاحط الدار أشسعا (٥)

ثمّ قالت : أيّها الناعي ، جدّدتَ حزننا بأبي عبد الله عليه‌السلام ،

____________

١ ـ في الملهوف : محجّبة.

٢ ـ من الملهوف.

٣ ـ فاسكبا ـ خ ل ـ. وفي الملهوف : أعينيّ جوداً بالمدامع فاسكبا.

٤ ـ في الملهوف : أنف.

٥ ـ في « ح » : أيّ أبعدا.

٤٦١

وخدشتَ منّا قروحاً لم تندمل ، فمن أنت رحمك الله؟

فقلت : أنا بشير بن حذلم ، وجّهني مولاي عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، وهو نازل بمكان كذا مع عيال أبي عبد الله عليه‌السلام وبناته (١).

قال : فتركوني بمكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتّى رجعت إليه عليه‌السلام ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس ، حتّى قربت من باب الفسطاط ، وكان عليّ بن الحسين عليه‌السلام داخل الفسطاط ، فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسيّ ، فوضعه له فجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة والبكاء ، وارتفعت الأصوات بالنحيب ، وحنين الجواري والنساء ، والناس يعزّونه من كلّ ناحية ، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.

وأومأ بيده إلى الناس أن اسكتوا ، فسكتوا فقال عليه‌السلام : الحمد لله ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، بارىء الخلائق أجمعين ، الّذي بَعْدَ فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الاُمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع (٢) ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب ، الفاظعة ، الكاظّة ، الفادحة الحامّة. (٣)

أيّها الناس ، [ إن ] (٤) الله وليّ الحمد ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الاسلام عظيمة ، قُتِِل أبو عبد الله عليه‌السلام وعترته ، وسُبيت نساؤه وصبيته ،

____________

١ ـ في الملهوف : ونسائه.

٢ ـ في « ح » : يقال : لذعه بلسانه أيّ أوجعه ، في الدعاء ، نعوذ بك من لواذعه ، كأنّها الّتي تلذع الانسان وتوجعه.

٣ ـ في الملهوف : الجائحة.

٤ ـ من الملهوف. وفيه : وله الحمد.

٤٦٢

وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل (١) السنان ، وهذه الرزيّة الّتي لا مثلها رزيّة.

أيّها الناس ، فأيّ رجالات منكم تسرون بعد قتله؟ أم ايّة عين منكم تحتبس دمعها ، وتضنّ بانهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقرّبون ، وأهل السماوات أجمعون.

أيّها الناس ، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع بهذه الثلمة الّتي ثلمت في الاسلام [ ولا يصم ] (٢)؟

أيّها الناس ، أصبحنا مطرودين مذودين شاسعين (٣) عن الأمصار ، كأنّنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين ، ( إن هذَا إلَّا اخْتِلاقٌ ) (٤) ، والله لو أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم بالوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها ، وأوجعها ، وأفجعها ، وأكظّها ، وأمضّها ، وأفظعها ، وأمرّها ، وأفدحها ، فعندالله نحتسب فيما أصابنا وبلغ بنا ، إنّه عزيز ذو انتقام.

فقام صوحان (٥) بن صعصعة بن صوحان ـ وكان زمناً ـ فاعتذر إليه عليه‌السلام بما عنده من زمانه رجليه ، فأجابه عليه‌السلام بقبول معذرته ، وحسن

__________________

١ ـ في « ح » : العامل : ما يلي السنان.

٢ ـ من الملهوف.

٣ ـ أيّ بعيدين.

٤ ـ سورة ص : ٧.

٥ ـ كذا في الملهوف ، وفي الأصل : صفوان.

٤٦٣

الطويّة (١) ، وشكر له وترحّم على أبيه.

قال (٢) : ثمّ إنّه صلوات الله عليه رحل إلى المدينة بأهله وعياله. (٣)

قلت : ولمّا شاهد عليه‌السلام منازل أحبّائه الّتي كانت مشارق أنوار الايمان ، ومظاهر أسرار القرآن ، ومواطن مصابيح العرفان ، ومعادن مجاويع الاحسان ، تندب بلسان حالها ، وتنحب لفقد رجالها ، وتذرف عبراتها من مئاقيها ، وتصاعد زفراتها من تراقيها ، وتنادي بصوت ينبىء عن شدّة لوعتها ، ويخبر بحدّة كربتها ، ويستخبر كلّ راكب وراجل ، وينشد كلّ ظاعن ونازل :

أين من كانوا شموسي وبدوري؟

أين من كانوا جمالي وسروري؟

أين من كانوا حماتي ورعاتي

وهداتي حين تعييني اُموري؟

والّذي كنت بهم أسمو

على كلّ جليل ونبيل وخطير

والّذي كانوا إذا ما جنّ خطب

فجنّتي من فادح الخطب العسير

كم أفاضوا من أيادٍ بفنائي

لست اُحصيها وأغنوا من فقير

____________

١ ـ في الملهوف : وحسن الظنّ به.

٢ ـ أيّ ابن طاوس.

٣ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ٢٢٦ ـ ٢٣٠.

٤٦٤

ذو حلوم وعلوم راسخات

كجبال شامخات وبحور

كم كبادٍ قطعوها نعراي

بحنين وأنين وزفير؟

وقلوب خالصات ورقاب

خاضعات لعلا الرب الغفور

مهبط الرحمة منهم كان ربعي

كلّ أن في مساءٍ وبكور

مذ نأوا بالبعد عن إنسان عيني

كثر الشامت إذ قلّ نصيري

يا عيوني إن تكن عَزَّت دموعي

فاذرفي بالدم من قلب كسير

فنادى مجالس كراماتهم ، ومدارس تلاواتهم ، ومقامات عباداتهم ، ومحاريب صلواتهم : أين من كتب رياض الكرم بجودهم ، وحماة الامم بوجودهم؟ أين عمّارك بركوعهم وسجودهم ، وقوّامك في طاعة معبودهم؟ أين من كانت حدائق أنعمهم في فنائك مغدقة ، وجداول كرمهم في خلالك متدفّقة ، وأعلام علومهم منصوبة ، وأروقة شرفهم مضروبة؟ كم أضاءوا بمصابيح نفقاتهم ظلمتك؟ وكم آنسوا بنغمات تلاوتهم وحشتك؟ وكم أحيوا بصلاتهم ليلك ونهارك؟ وكم أناروا بنور تهجّدهم حنادس أسحارك؟

فأجابه صداها بلسان حالها ، وأخبره فناؤها بتنكّر أحوالها : رحلوا عن تقنّعي فسكنوا في بيت الأحزان قلبي ، ونأوا عن ربوعي فأطالوا لطول نواهم

٤٦٥

كربي ، فآه فيا شوقاه لمواطىء أقدامهم على صعيدي ، آه وا أسفاه لانتقال أقمار وجوههم عن منازل سعودي ، خابني زماني بإبعادهم عنّي فأصبح باب سروري مرتجى ، وعاندني دهري إذ أسلبهم منّي فليس لي بعدهم في الخلق مرتجى ، فياكلم قلبي ذب أسفاً فمالك مأوى في رميم عظامي ، ويا سقيم جسمي مت كمداً قبل تقضّي مدّتي وأيّامي.

فيا شقوتي ، إذ لم أكن شخصاً حرباً ، وبشراً سويّاً ، أتلقّى عنهم حرّ الصفاح بحرّ وجهي ، وأمنع صدور الرماح بعرض صدري ، وأبذل النفس في طاعتهم ، وأستعذب القتل في متابعتهم ، قد جعلتني الأعداء غرضاً لمعابلها ، وحرضاً بمناصلها.

فيا لها حسرة لا تنقضي ، وحرقة لا تنطفي ، وكبتّ إذا لم يثبّتني سعدي في جرائد أنصارهم ، ولم يرقمني جدّي في دفاتر أبرارهم ، كنت محطّاً لرحالهم ، ومحبّاً لرجالهم ، ومخطاً لقبورهم ، ومغرباً لبدورهم ، أفخر بمشاهدهم على البيت الحرام ، وأسموا بمراقدهم على الركن والمقام ، قد أشرق صعيدي بدمائهم ، وشرفت تربتي بأبدانهم ، تتنزّل الملائكة والروح بالسلام عليَّ ، وتهدي تحيّاتها في صلواتها إليّ ، وينظر الجليل سبحانه بعواطف رحمته إلى زوّاري ، وينشر لطائف نعمته على عمّاري.

فآه واحزناه لفوت هذه النعمة منّي ، آه واحزناه لبعد أحبّتي عنّي ، آه وا ثكلاه لخفاء شموسي وأقماري ، آه واكرباه لانطفاء ضيائي وأنواري.

كنت لهم والبين عنّي غافلٌ

في خفض عيش آمناً ريب الزمن

٤٦٦

أرفل في برود عزّي شامخاً

أسموا بمجدهم على كلّ وطن

اُصافح العرش بعرشي وأرى

لأرتقي فضلاً على كلّ سكن

كم غرسوا من نعم في طللي؟

وكم أفادوا منناً بعد منن؟

وكم هدوا في الخلق من غاوٍ عن

الحقّ وساقوه إلى أهدى سنن؟

كانوا بحاراً للعلوم يجتنى

منها جواهر الفروض والسنن

فأصبحت غوراً وقاعاً صفصفاً

كأنّها ممّا عراها لم تكن

فحرّكت ساكنه بندبتها ، وأجرت عبرته بأنّتها ، وشاهد صلوات الله عليه منازل أحبّائه مظلمة لوحشتها ، مقفرة لخلوتها ، فكأنّي بلسان حاله قد ناجاها ، وببيان مقاله ناداها :

يا أيّها المنازل الّتي غابت عنها حماتها ، وغيّرت صفاتها ، وحلّت مرابعها ، وأقوت مجامعها ، حزني لفقد عمّارك سرمد ، ووجدي لبعد سمائك لا ينفد ، وأنباء مصيبتهم تُرسِل عبراتي ، وأحاديث محنتهم تهيّج حسراتي ، وديارهم الخالية تحرق قلبي ، وربوعهم الخاوية تُذْهِل لبّي ، وكيف لا يقدح زند الفراق نار الاشتياق في جوانحي وأحشائي ، ويفرغ فرط الغرام ثوب السقام على جوارحي وأعضائي؟

٤٦٧

والّذي بُعدهم أورث جفني أرقاً ، وصدّهم أضرم قلبي حرقاً ، كانوا سروري إن غمّة فرعت ، وحبوري إن أزمة وقعت ، وُجنّتي إن عراني خطب ، وسلوتي إن شجاني كرب ، كشفت أنوارهم حنادس ظلمي ، وشيّدت مكارمهم قواعد بنيّتي ، كم أجروا من جودهم بربوعي بحوراً؟ وكم أغنوا عائلاً فانقلب إلى أهله مسروراً؟ وكم أسمت مطايا شكري في رياض كرمهم؟ وكم أجريت جواد شعري في ميادين نعيمهم؟ وكم سيّرت سفينة ذكري في نثار فضائلهم؟ وكم نثرت جواهر نثري على هامات فواضلهم؟

فأضحى ربعي بجودهم أهلاً ، ونوري بوجودهم كاملاً ، وجنابي بجلالهم محروساً ، ومقامي بكمالهم مأنوساً ، حتّى إذا انخسفت بدور سروري لبعدهم ، وانكسفت شموس حوري لفقدهم ، وأظلم ضيائي ، وخلت أرجائي ، وحارت مقاصدي ، وشَمَتَ حاسدي ، وعزّ لقائي ، وجلّ عزائي ، صرت غرضاً لسهام المصائب ، وغرضاً في سوق النوائب ، يطويني ثكلي وينشرني ، ويبلغني وجدي ويحرقني.

فها أنذا قد شققتُ جَيْبَ صدري بكفّ وحشتي ، وحرمت لذيذ رقادي على إنسان مقلتي ، ولبست أثواب الأحزان مدّة حياتي ، وخلعت جلباب السلوان إلى حين وفاتي ، ونثرت من طرفٍ قريحٍ ، ونظمت من قلبٍ جريحٍ :

ربعكم أحباب قلبي مذ خلا

ونأيتم عنه عيشي ما حلا

ومديد الشوق بي وافره

ببسيط السقم جسمي أنحلا

كنتم شمسي فلمّا أفلت

من سماء السعد بدري أفلا

وأقام الوجد في قلبي مذ

حسنكم عنّي غدا مرتحلا

مذ بعدتم صيّر الحزن لكم

في صميم القلب عندي منزلا

٤٦٨

والحشا منّي أنا لهب به

ثالث السورة يتلو من تلا

قَتَلَ الله غراباً منذراً

بالنوى صيّر طرفي مرسلا

مذ أتيت الأرْبُعَ اللاتي خلت

منكم أقبل ينعى مقبلا

فأهاج الوجد علمي أنّه

لا يرى إلّا بربع قد خلا

لو على جمر سليتم كبدي

وفؤادي عن هواكم ماسلا

سادتي كنتم لقلبي فرحة

ولعينيَّ ضياء وجلا

فغدت فرحة قلبي قرحة

ونهاري صار ليلاً أليلا

وإذا ما مرَّ معناكم على

فكرتي هاج الحشا واشتعلا

قاتل الله المطايا إذ سرت

بكم تقطع أجواز الفلا

حين غبتم وخلا مغناكم

معكم طيب رقادي رحلا

إن تكن عيني بنومي بخلت

فبدمعي بعدكم لن تبخلا

سادتي هل عودة لوفي الكرى

علّها تنعش صبّاً مبتلا

ليراكم وإليكم يشتكي

قرحة في القلب لن تندملا

عن المفضّل بن عمر الجعفي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول : حدّثني أبي محمد بن عليّ ، قال : حدّثني أبي عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، قال : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام جاء غراب فوقع في دمه ، ثمّ تمرّغ ، ثمّ طار فوقع في المدينة على جدار (١) فاطمة بنت الحسين بن عليّ ـ وكانت في المدينة ـ ، فرفعت رأسها فنظرت إليه ملطّخ بالدم ، فبكت بكاء شديداً ، وأنشأت تقول :

نعب الغراب فقلت من

تنعاه ويحك يا غراب؟

__________________

١ ـ في المقتل : جدار دار.

٤٦٩

قال الامام فقلت مَن؟

قال الموفّق للصواب

إنّ الحسين بكربلا

بين الأسنّة والضراب (١)

فابك الحسين بعبرة

ترضي الإله من (٢) الثواب

قلت الحسين فقال لي

حقّاً لقد سكن التراب (٣)

ثمّ استقلّ به الجنا

ح فلم يطق ردّ الجواب

فبكت ممّا حلّ بي

بعد الرضا بالمستراب

قال : فأخبرت به أهل المدينة ، فما كان بأسرع ممّا جاء الخبر بقتل الحسين عليه‌السلام. (٤)

بحذف الاسناد : عن عبد الله بن عمر الخزاعي ، عن هند بنت الجون ، قالت : نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيمة خالتي اُمّ سعيد ومعه أصحابه ، فكان من أمره في الشاة ما عرفه الناس ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخيمة هو وأصحابه حتّى أبردوا وكان يوماً قائضاً شديد الحرّ ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من رقدته فدعا بماء ، فغسل يديه وأنقاهما ، ثمّ تمضمض ، ثمّ مجّ الماء من فيه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتي ثلاث مرّات ، واستنشق ثلاثاً ، وقال : سيكون لهذه العوسجة شأن ، ثمّ فعل من كان معه من أصحابه كذلك ، ثمّ قام فصلّى ركعتين ، فعجب أهل الحيّ من ذلك ، وما كان عهدنا بالصلاة وما رأينا مصلّياً قبل ذلك.

____________

١ ـ في المقتل : بين المواضي والحراب.

٢ ـ في المقتل : مع.

٣ ـ في المقتل : ملقى على وجه التراب.

٤ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/٩٢ ـ ٩٣ ، عنه البحار : ٤٥/١٧١ ح ١٩ ، وعوالم العلوم : ١٧/٤٩٠ ح ٢.

٤٧٠

فلمّا كان من الغد أصبحنا فرأينا العوسجة قد عظمت ، حتّى كانت كأعظم ما يكون ، وأبهى ، وخضد الله شوكها ، وساخت عروقها ، وكثرت أغصانها ، واخضرّ ساقها وورقها ، وأثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكماة في لون الورس المسحوق ، ورائحته كرائحة العنبر في طعم الشهد ، والله ما أكل منه جائع إلّا شبع ، ولا ظمآن إلّا روى ، ولا سقيم إلّا برىء ، ولا ذو حاجة ولا فاقة إلّا استغنى ، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلّا سمنت ودرّ لبنها ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل صلى‌الله‌عليه‌وآله بنا ، وأخصبت بلادنا وأمرعت وكنّا نسميّها المباركة ، وكان ينتابها مَن حولنا من أهل البوادي يستظلّون بها ، ويتزوّدون ، من ورقها في الأسفار ، ويحملونه معهم في الأرض القفر ، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب.

فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم وقد تساقطت ثمارها ، واصفرّ ورقها ، فأحزننا ذلك وأفزعنا ، فما كان إلّا قليل حتّى جاء نعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قد قبض ، وكانت بعد ذلك تثمر ثمراً دون الأوّل في العظم والطعم والرائحة ، وأتت على ذلك ثلاثون سنة.

فلمّا كان ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد شاكت من أوّلها إلى آخرها ، وذهبت نضارة عيدانها ، وتساقط جميع ثمرها ، فما كان إلّا يسيراً حتّى أتى الخبر بقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فما أثمرت بعد ذلك قليلاً ولا كثيراً ، وانقطع ثمرها ، ولم نزل ومَن حولنا نأخذ من ورقها ، ونداوي [ به ] (١) مرضانا ، ونستشفي به من أسقامنا ، فأقامت على ذلك برهة طويلة.

__________________

١ ـ من المقتل.

٤٧١

ثمّ أصبحنا ذات يوم وإذا بها قد انبعث من ساقها دم عبيط ، وورقها ذابل يقطر دماء كماء اللحم ، فقلنا : قد حدث أمر عظيم ، فبينا نحن كذلك فزعين مهمومين نتوقّع الداهية ، فلمّا أظلم الليل سمعنا بكاء وعويلاء من تحتها ، وغلبة شديدة ورجّة ، وسمعنا صوت باكية تقول :

يا ابن النبيّ ويا ابن الوصيّ

بقيّة ساداتنا الأكرمينا

ثمّ كثرت الرنّات والأصوات ، فلم يفهم كثيراً ممّا كانوا يقولون ، فأتانا بعد ذلك نعي الحسين عليه‌السلام ، ويبست الشجرة وجفّت ، وكسرتها الريح والأمطار بعد ذلك ، فذهب واندرس أثرها.

قال عبد الله بن محمد الأنصاري : لقيت دعبل بن عليّ الخزاعي بمدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثته بهذا الحديث فلم ينكره ، وقال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن اُمّه سعدى (١) بنت مالك الخزاعيّة أنّها أدركت تلك الشجرة ، وأكلت من ثمرها على عهد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأنّها سمعت تلك الليلة الجنّ فحفظت من جنّيّة منهنّ :

يا ابن الشهيد ويا شهيد عمّه

خير العمومة جعفر الطيّار

عجباً لمصقول أصابك حدّة

في الوجه منك وقد علاه غبار (٢)

قال دعبل : فقلت في قصيدتي :

زُر خير قبر بالعراق يزار

واعص الحمار فمن نهاك حمارُ

لِمَ لا أزورك يا حسين لك الفدا

قومي ومن عطف عليه نزار؟

ولك المودّة في قلوب اُولي النهى

وعلى عدوّك مَقْتَةٌ ودثار (٣)


____________

١ ـ في البحار : سعيدة.

٢ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/٩٨ ـ ١٠٠ ، عنه البحار : ٤٥/٢٣٣ ح ١.

٣ ـ في البحار : ٤٥/٢٣٥ : ودمار.

٤٧٢

فصل

فأمّا قبر الحسين عليه‌السلام فإنّه لم يزل مشهوراً معلماً يقصده الخلائق من الآفاق ، وكبار الصحابة قصدوا زيارته والاستشفاء بتربته لما سمعوا في فضله من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأميرالمؤمنين عليه‌السلام وآلهما ، كجابر بن عبد الله ، وغيره ، ولقد جهدت بنو اُميّة على إخفائه ، وصدّ الناس عنه ، وأقاموا مسالح على الطرقات يقتلوا كلّ من ظفروا به من زوّاره عليه‌السلام ، كما رواه الشيخ جعفر بن قولويه ، والشيخ الطوسي رضي الله عنه ، وسأذكر فيما بعد منه نبذة ، وظهر من الكرامات له ما لا مزيد عليه من شفاء المرضى ، والاستشفاء بتربته ، وإجابة الدعاء لديه صلوات الله عليه.

ولم يتيسّر لبني اُميّة ما أرادوا وكان قد بني عليه مسجد ، ولم يزل كذلك بعد بني اُميّة ، وفي زمن بني العبّاس ، إلّا على زمن الرشيد لعنه الله فإنّه خربه وقطع السدرة الّتي كانت نابتة عنده ، وكرب موضع القبر ، ثمّ اُعيد على زمن المأمون وغيره إلى أن حكم اللعين المتوكّل من بني العبّاس ، وكان سيّء الاعتقاد في آل أبي طالب ، شديد الوطأة عليهم ، قبيح المعاملة معهم ، ووافقه على ذلك وزيرة عبد الله بن يحيى لعنه الله ، فبلغ من سوء معاملتهم ما لم يبلغه أحد ممّن تقدّم من بني اُميّة وبني العبّاس ، فأمر بتخريب قبر الحسين عليه‌السلام وقبور أصحابه ، وكرب مواضعها ، وأجرى الماء عليها ، ومنع الزوّار عن زيارتها ، وأقام الرصد ، وشدّد في ذلك حتّى كان يقتل من يوجد زائراً ، وولّى

٤٧٣

ذلك رجلاً كان أصله يهوديّاً ، ثمّ أسلم يقال له : الديزج ، وسلّط اللعين قوماً من اليهود على ذلك حتّى تولّوه ، وسأذكر نبذة من فعله عليه اللعنة إلى أن قتل المتوكّل.

وقام بالأمر بعده ابنه المنتصر ، فعطف على آل أبي طالب ، وأحسن إليهم ، وفرّق فيهم الأموال ، وأعاد القبور في أيّامه إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد بن الحسن ، فأمر محمد بعمارة المشهدين ؛ مشهد أمير المؤمنين ، ومشهد أبي عبد الله عليهما‌السلام ، وأمر بالبناء عليهما ، وبعد ذلك زيد فيهما ، وبلغ عضد الدولة بن بويه رحمه‌الله الغاية في تعظيمهما وعمارتهما ، والأوقاف عليهما ، وكان رضي الله عنه يزورهما كلّ سنة.

وروى شيخنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن الحسن بن عليّ الطوسي رضي الله عنه في أماليه ، قال : أخبرنا ابن خشيش ، عن محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عليّ بن هاشم الاُبليّ (١) ، قال : حدّثنا الحسن بن أحمد بن النعمان الوجيهي الجوزجاني نزيل قومس وكان قاضيها ، قال : حدّثني يحيى بن المغيرة الرازي ، قال : كنت عند جرير بن عبدالحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق ، فسأله جرير عن خبر الناس ، قال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه‌السلام ، وأمر أن تقطع السدرة الّتي فيه ، فرفع جرير يده ، وقال : الله أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : لعن الله قاطع السدرة ـ ثلاثاً ـ فلم نقف على معناه حتّى الآن ، وكان قصده بقطعها تغيير مصرعه عليه‌السلام حتّى لا يقف الناس على قبره. (٢)

____________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : عليّ بن هاشم الآملي.

٢ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٥ ح ٩٨ ـ طبعة مؤسّسة البعثة ـ ، عنه البحار : ٤٥/٣٩٨ ح ٧.

٤٧٤

وعنه : قال : أخبرنا ابن خشيش ، [ قال : حدّثنا محمد بن عبد الله ، ] (١) قال : حدّثني محمد بن محمد بن الفرج الرخّجي ، قال : حدّثني أبي ، عن عمّه [ عمر ] (٢) بن فرج ، قال : أنفذني المتوكّل في تخريب قبر الحسين عليه‌السلام ، فصرت إلى الناحية فأمرنا بالبقر بمن بها على القبور فمرّت عليها كلّها ، فلمّا بلغت قبر الحسين عليه‌السلام لم تمرّ عليه.

قال عمّي عمر بن فرج : فأخذت العصا بيدي ، فما زلت أضربها حتّى انكسرت العصا بيدي ، والله ما جازت على قبره ، وكان هذا الرجل شديد الانحراف عن آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله . (٣)

وعنه رضي الله عنه ، قال : أخبرنا ابن خشيش بإسناد متّصل إلى [ أبي علي الحسين بن ] (٤) محمد بن مسلمة بن أبي عبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر ، قال : حدّثني ابراهيم الديزج ، قال : بعثني المتوكّل الى كربلاء لنبش قبر الحسين عليه‌السلام ، وكتب كتابة معي الى جعفر بن محمد بن عمّار القاضي : اعلمك أنّي بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لنبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتّى تعرف فعل أو لم يفعل.

قال الديزج : فعرّفني جعفر بن محمد بن عمّار ما كتب به إليه ، وفعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمّار ، ثمّ أتيته ، فقال لي : ما صنعت؟

فقلت : قد فعلت ما امرت [ به ] (٥) ، فلم أر شيئاً ، فقال : فهلّا عمّقته؟

قلت : قد فعلت فما رأيت شيئاً ، فكتب إلى السلطان : إنّ إبراهيم الديزج قد نبش فلم ير شيئاً ، فأمرته فمخره بالماء وكربه بالبقر.

__________________

١ و ٢ و ٤ و ٥ ـ من الأمالي.

٣ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٥ ح ٩٩.

٤٧٥

قال أبو علي العماري : فحدّثني إبراهيم الديزج ، وقد سألته عن صورة الأمر ، فقال لي : أتيت في خاصة غلماني فقط ، وإنّي نبشت ، فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين عليه‌السلام ، ووجدت منه رائحة المسك ، فتركت البارية على حالها وبدن الحسين على حاله على البارية ، وأمرت بطرح التراب عليه ، وأطلقت عليه الماء ، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه ، فلم تطأه ، وكانت إذ جاءت إلى الموضع رَجَعْتَ عنه ، فحلفت لغلماني بالله وبالإيمان المغلّظة لئن ذكر أحد هذا الحديث لأقتلنّه (١). (٢)

وعنه رضي الله عنه ، قال : أخبرنا ابن خشيش ، عن محمد بن عبد الله ، قال : حدّثني محمد بن إبراهيم بن أبي السلاسل الأنباري الكاتب ، قال : حدّثني أبو عبد الله الباقطاني قال : ضمّني عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعرّي ، وكان قائداً من قوّاد السلطان أكتب له ، وكان بدنه أبيض شديد البياض حتّى يديه ورجليه ، وكان وجهه أسود شديد السواد كأنّه القير ، وكان يتفقأ مع ذلك مِدّة (٣) منتنة.

فلمّا آنس بي سألته عن سواد وجهه ، فأبى أن يخبرني ، ثمّ إنّه مرض مرضه الّذي مات فيه ، فعدته ، وسألته عن ذلك ، فرأيته يحبّ أن يكتم عليه ، فضمنت له الكتمان ، فحدثني ، قال : وجّهني المتوكّل أنا والديزج لنبش قبر الحسين عليه‌السلام ، وإجراء الماء عليه ، فلمّا عزمت على الخروج والمسير إليه رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام ، فقال : لا تخرج مع الديزج ،

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : لأقتلنّهم.

٢ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٦ ح ١٠٠.

٣ ـ أيّ القيح.

٤٧٦

ولا تفعل ما اُمرتم به في قبر الحسين.

فلمّا أصبحنا جاءوا يستحثّوني في المسير ، فسرت معهم حتّى وافينا كربلاء ، وفعلنا ما أمرنا به المتوكّل ، فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام ، فقال : ألم آمرك ألّا تخرج ، ولا تفعل فعلهم فلم تقبل حتّى فعلت ما فعلوا؟! ثمّ لطمني ، وتفل في وجهي ، فصار وجهي مسودّاً ، وجسمي كما ترى على حالته الاُولى. (١)

وعنه رضي الله عنه ، قال : أخبرنا ابن خشيش ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الله ، قال : حدّثني سعيد بن أحمد العرّاد أبوالقاسم الفقيه ، قال : حدّثني أبوبرزة الفضل بن محمد بن عبدالحميد ، قال : دخلت على إبراهيم الديزج ـ وكنت جاره ـ أعوده في مرضه الّذي مات فيه ، فوجدته بحال سوء ، وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب ، فسألته عن حاله ، وكانت بيني وبينه خلطة واُنس يوجب الثقة بي ، والانبساط إليَّ ، فكاتمني حاله ، وأشار إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته ولم يعرف عن حاله ما يصف له من الدواء ، وما يستعمله ، فقام وخرج ، وخلا الموضع ، فسألته عن حاله. فقال : اُخبرك والله ، واستغفر الله ، إنّ المتوكّل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين عليه‌السلام ، وأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء ومعنا الفعلة والروزكاريّون معهم المساحي والمرور (٢) ، فتقدّمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر ، وخراب (٣) أرضه ، وطرحت نفسي لما نالني من أمر السفر

__________________

١ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ح ١٠١.

٢ ـ المُرور : جمع مرّ ، وهو المسحاة أو ما كان نحوها.

٣ ـ في الامالي : وحرث.

٤٧٧

ونمت ، وذهب فيّ النوم فإذا ضوضاء شديدة ، وأصوات عالية ، وجعل الغلمان ينبّهوني ، فقمت وأنا ذعر ، وقلت للغلمان : ما شأنكم؟

قالوا : عجيب شأن.

قلت : وما ذاك؟

قالوا : إنّ بموضع القبر قوماً قد حالو بيننا وبين القبر ، وهم يرموننا مع ذلك بالنّشاب ، فقمت معهم لأتبيّن الأمر ، فوجدته كما وصفوا ، وكان ذلك في أوّل الليل من الليالي البيض ، فقلت : ارموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا ، فما سقط منها سهم إلّا في صاحبه الّذي رمى ، فقتله ، فاستوحشت لذلك ، وجزعت وأخذتني الحمّى والقشعريرة ، ورحلت عن (١) القبر لوقتي ، ووطّنت نفسي على أن يقتلني [ المتوكّل ] (٢) لما لم أبلغ في القبر [ جميع ] (٣) ما تقدّم إليّ به.

فقيل : كفيت ما تحذر من المتوكّل قد قتل البارحة ، وأعان في قتله ابنه المنتصر ، فقال : قد سمعت بذلك ، وقد نالني في جمسي ما لا أرجو معه البقاء.

قال أبو برزة : كان هذا أوّل النهار ، فما أمسى الديزج حتّى مات.

قال ابن خشيش : قال أبوالفضل : إنّ المنتصر سمع أباه المتوكّل يسبّ فاطمة عليها‌السلام ، فسأل رجلاً من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، إلّا أنّه من قتل أباه لم يطل له عمر.

قال : ما اُبالي إذا أطعت الله بقتله ألّا يطول عمري ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر. (٤)

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : فدخلت من.

٢ و ٣ ـ من الأمالي.

٤ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ح ١٠٢ ، عنه البحار : ٤٥/٣٩٥ ح ٤.

٤٧٨

وعنه ، قال : أخبرنا ابن خشيش ، عن محمد بن عبد الله ، قال : حدّثني عليّ بن عبدالمنعم بن هارون الخديجي الكبير من شاطى النيل ، قال : حدّثني (١) القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي ـ وكان له علم بالسير وأيّام الناس ـ ، قال : بلغ المتوكّل أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، فيصير إلى قبره منهم جماعة كثيرة وخلق عظيم فأنفذ قائداً من قواّده ، وضمّ إليه كنفاً (٢) من الجند كثيراً ليشعّث (٣) من قبره عليه‌السلام ، ويمنع الناس من زيارته والاجتماع عنده.

فخرج القائد إلى الطفّ ، وعمل ما اُمر به ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فثار أهل السواد ، واجتمعوا عليه ، وقالوا : لو قُتلنا عن آخرنا لما أمسك ما بقي منّا عن زيارته ، والاجتماع عنده ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة ، فورد كتاب المتوكّل إلى القائد بالكفّ عنهم ، والسير إلى الكوفة مظهراً أنّ مسيرة إليها في مصالح أهلها ، والانكفاء إلى المصر.

فمضى الأمر على ذلك حتّى كانت سنة سبع وأربعين ، فبلغ المتوكّل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، وأنّه قد كثر جمعهم لذلك ، وصار لهم سوق عظيم ، فأنفذ قائداً في جمع عظيم من الجند ، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمّة ممّن زار قبره عليه‌السلام ، ونبش القبر وحرثه ، وانقطع الناس عن الزيارة ، وعمل على تتبّع آل أبي طالب

__________________

١ ـ في الأمالي : حدّثني جدّي.

٢ ـ أيّ جانباً ، كناية عن الجماعة منهم.

٣ ـ يقال : شعّث منه تشعيثاً نضح عنه وذبَّ ودفع.

٤٧٩

والشيعة ، فَقُتِلَ لعنه الله ، ولم يتمّ ما قدّر (١). (٢)

وعنه رضي الله عنه ، قال : أخبرنا ابن خشيش ، قال : حدّثني أبوالفضل (٣) ، قال : حدّثني عبدالرزّاق بن سليمان بن غالب الأزدي ، قال : حدّثني عبد الله بن دانية الطوري ، قال : حججت سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلمّا صدرت عن الحجّ صرت إلى العراق ، فزرت أمير المؤمنين عليه‌السلام على حال خيفة من السلطان وتقيّة ، ثمّ توجّهت إلى زيارة الحسين عليه‌السلام ، فإذا هو قد حرثت أرضه ومخر فيها الماء ، واُرسلت الثيران والعوامل في الأرض ، فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تأتي في الأرض فتنساق لهم فيها حتّى إذا حاذت مكان القبر حادت يميناً وشمالاً ، فتضرب بالعصيّ الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها ولا تطأ القبر بوجه من الوجوه ولا سبب ، فما أمكنني الزيارة ، فتوجّهت إلى بغداد وأنا أقول :

تالله إن كانت اُميّة قد أتت

قتل ابن بنت نبيّها مظلوما

فلقد أتاك بنو أبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا كن

في قتله فتتبّعوه رميما

فلمّا قدمت بغداد سمعت الهائعة (٤) ، فقلت : ما الخبر؟

قالوا : وقع الطير بقتل جعفر المتوكلّ ، فعجبت لذلك وقلت : إلهي ليلة بليلة. (٥)

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : ما قال.

٢ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ح ١٠٣ ، عنه البحار : ٤٥/٣٩٧ ح ٥.

٣ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : حدّثني محمد بن عبد الله.

٤ ـ الهائعة : الصوت المفزع.

٥ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٩ ح ١٠٤ ، عنه البحار : ٤٥/٣٩٧ ح ٦.

٤٨٠