تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

كم سيّد لي بكربلاء

عسكره بالعراء نهيب؟

كم سيّد لي بكربلاء

ليس لما يشتكي طبيب؟

كم سيّد لي بكربلاء

خاتمه والرداء سليب؟

كم سيّد لي بكربلاء

يسمع صوتي ولا يجيب؟

كم سيّد لي بكربلاء

ينكت (١) في ثغرة القضيب؟ (٢)

عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : رؤي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام بعد واقعة الحسين عليه‌السلام وهو مغبّر الوجه ، حافي القدمين ، وقد ضمّ ذيل (٣) قميصه إلى نفسه وهو يتلو هذه الآية : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهُ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (٤) ) ، ويقول : إنّي مضيت إلى كربلاء فالتقطت دم الحسين من الأرض ، وها هو في حجري ، وأنا غداً (٥) أُخاصمهم بين يدي ربي. (٦)

يا قمراً غاب حين لاحا

أكسبني فَقْدُكَ النياحا

يا نوب الدهر لم تدع لي

صرفك من حادث صلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى

أسْتَعْذِبُ اللهو والمزاحا

بآبائي سادة ظماة

ماتوا ولم يشربوا المباحا

بآبائي سادة كراماً

غادرهم حتفهم صباحاً ن

يا سادتي يا بني عليّ

بكى الهدى فقدكم وناحا

____________

١ ـ في المناقب : ينقر.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٢٦.

٣ ـ في المناقب : حجز.

٤ ـ سورة إبراهيم : ٤٢.

٥ ـ في المناقب : ماض.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٨٤.

٤٤١

يا سادتي يا بني إمامي

أقولها عنوة صراحا

أو حشتم الحجر والمساعي

أنستم القفر والبطاحا

أو حشتم الذكر والمثاني

والسور النزل الفصاحا (١)

عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، قال : دخل الحسين على أخيه الحسن عليهما‌السلام ، فلمّا بصربه بكى ، فقال : ما يبكيك ، يا أبا عبد الله؟

قال أبكي لما يفعل بك.

قال : وما يفعل بي هل هو إلّا سمّ يلقى إليّ فاُقتل؟ ولكن لا يوم كيومك ، يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألفاً ، ينتحلون دين الإسلام ، ويزعمون أنّهم من اُمّة جدّك فيجتمعون على قتلك ، وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، فعندها تحلّ اللعنة ببني اُميّة ، وتمطر السماء دماً وتراباً أحمر ، ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء. (٢)

كربلاء كم فيك من شيب خضيب

بدم النحر وكم هام نقيف؟

وسعيد بصعيد الطفّ ثاوٍ

رأسه يعلَى على رمح ثقيف

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١٩ ، مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/١٥٥ ، عوالم العلوم : ١٧/٥٥٠ ، زفرات الثقلين : ٢/٣٧. والأبيات للعوني.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٨٦.

وانظر : أمالي الصدوق : ١٠١ ح ٣ ، مثير الأحزان : ٢٣ ، الملهوف : ٩٩ ، إثبات الهداة : ٢/٥٥٦ ح ٧ ، البحار : ٤٥/٢١٨ ح ٤٤.

٤٤٢

لبني الزهراء أرباب المساعي

والمعالي والعوالي والسيوف

زلف نحوهم عصبة سوءٍ

ليس فيهم غير زنديق وكوفي

لعن الله بني الكوفة لم

يكُ فيهم مَنْ بعهد الله يوفي

سل يزيداً قائماً بالقسط

من حاز المعالي من تليد وطريف

صلبوا من بعد خذل ثمّ قتل

آه ممّا حلّ بالبدن الشريف (١)

[ حديث يوم عاشوراء ]

عن سيّدنا ومولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : إنّ شهر المحرّم كان أهل الجاهليّة (٢) يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حُرَمنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت النيران في مضاربنا ، ولم يترك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حرمة فينا ، إنّ يوم عاشوراء (٣) أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، أرض كربلاء أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء فيه محطّ الذنوب.

ثمّ قال صلوات الله صلّى الله عليه : إنّ أبي عليه‌السلام كان إذا هلّ المحرّم لم ير

____________

١ ـ تقدّمت هذه الأبيات ضمن قصيدة طويلة للمؤلّف في ص ٢٠٨.

٢ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : كانت الجاهليّة.

٣ ـ في الأمالي : الحسين.

٤٤٣

ضاحكاً ، وكـانت الكـآبة والحزن غالبين عليه ، فإذا كـان يوم عاشوراء كان يوم جزعه وبكائه ، ويقول : في هذا اليوم قتل جدّي الحسين عليه‌السلام. (١)

وعن ابن فضّال ، عن أبيه ، عن الرضا عليّ بن موسى عليه‌السلام ، قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، [ ومن كان يوم عاشوراء يو مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّوجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرّت بنـا في الجنـان عينه ] (٢) ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة أو ادّخر بمنزلة فيه شيئاً لم يبارك فيه ، وحشره الله يوم القيامة في زمرة يزيد وعبيدالله وعمر بن سعد في أسفل درك من النار. (٣)

وعن جبّلة المكّيّة قالت : سمعت ميثم التمّار رضي الله عنه يقول : لتقتلنّ هذه الاُمّة ابن نبيّها في اليوم العاشر من المحرّم ، ويتّخذون أعداء الله ذلك اليوم يوم سرور وبركة ، أعلم ذلك بعهدٍ عهده إليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وأعلمني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء ، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والعرش والكرسيّ وحملة العرش.

قالت جبلة : فقلت : يا ميثم ، كيف يتّخذ الناس اليوم الّذي يقتل فيه ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم سرور وعيد وبركة؟

قال : بحديث يضعونه ، ويزعمون أنّه اليوم الّذي تاب الله فيه على آدم

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ١١١ ح ، مناقب ابن شهراشوب : ٤/٨٦.

وأخرجه في البحار : ٤٤/٢٨٣ ح ١٧ عن الأمالي.

٢ ـ من الأمالي.

٣ ـ أمالي الصدوق : ١١٢ ح ٤ ، مناقب ابن شهراشوب : ٤/٨٦.

وأخرجه في البحار : ٤٤/٢٨٤ ح ١٨ عن الأمالي.

٤٤٤

عليه‌السلام ، وإنّما كان ذلك في ذي الحجّة.

ويزعمون أنّه اليوم الّذي قبل الله فيه توبة داود ، وإنّما كان ذلك في ذي الحجّة أيضاً.

ويزعمون أنّه اليوم الّذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، وإنّما كان ذلك في ذي القعدة.

ويزعمون أنّه اليوم الّذي استقرّت فيه سفينة نوح على الجوديّ ، وإنّما كان ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجّة.

ويزعمون أنّه اليوم الّذي فرق الله فيه البحر لموسى (١) ، وإنّما كان ذلك في ربيع الأوّل.

ثمّ قال : يا جبلة ، إنّ الحسين سيّد الشهداء عند الله ولأصحابه درجة عند الله.

يا جبلة ، إذا رأيتِ الشمس قد طلعت حمراء كالدم العبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتل.

قالت جبلة : فلمّا مضى صلوات الله عليه إلى العراق خرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة ، فصحت وبكيت ، وقلت : قُتل والله سيّدي ومولاي أبو عبد الله (٢).

وعن الريّان بن شبيب قال : قال لي مولاي الرضا عليه‌السلام : يا ابن شبيب ، اعلم أنّ الجاهليّة فيما مضى كانت تعظّم هذا الشهر وتحرّم الظلم

__________________

١ ـ في الأمالي : فلق فيه البحر لبني إسرائيل.

٢ ـ أمالي الصدوق : ١١٠ ح ١ ، علل الشرائع : ١/٢٢٧ ـ ٢٢٨ ح ٣ ، عنهما البحار : ٤٥/٢٠٢ ح ٤.

٤٤٥

والقتال فيه ، فما عرفت هذه الاُمّة حرمة شهرها ولا حرمة نبيّها صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد قتَلوا والله في هذا الشهر ذرّيّته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم.

يا ابن شبيب ، إن كنت باكياً من شيء فابك للحسين عليه‌السلام ، فإنّه ذبح في هذا الشهر كما يذبح الكبش ، وقُتِل معه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته ليس لهم شبيه في الخلق.

ولقد حدّثني أبي ، عن جدّي أنّه لمّا قُتِل جدّي الحسين عليه‌السلام أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر ، وهبط إلى الأرض أربعة آلاف ملك لينصروه فوجدوه قد قُتِل ، فهم عند قبره مقيمون يبكونه شعثاً غبراً إلى أن يقوم القائم من آل محمد فيكونون معه ، وشعارهم : « يا لثارات الحسين ».

يا ابن شبيب ، إن بكيت على الحسين عليه‌السلام حتّى تسيل دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته ، صغيراً كان أو كبيراً ، دقيقاً أو جليلاً.

يا ابن شبيب ، إن يسرّك أن تلقى الله عزّوجلّ ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه‌السلام.

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تكون معنا في الغرف المبنيّة فالعن قَتَلة الحسين.

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن يكون لك من الأجر مثل ما لمن قُتِل مع الحسين عليه‌السلام فقل متى ما ذكرتهم : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.

يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تكون معنا في الرفيق الأعلى فافرح لفرحنا ،

٤٤٦

واحزن لحزننا ، وعليك بولايتنا ، فلو أنّ أحداً أحبّ حجراً لحشر معه يوم القيامة. (١)

فيا إخواني ، أفي غفلةٍ أنتم من هذا اليوم المعكوس الّذي ابتلى به العالم المركوس بذرّيّة نبيّهم الأطهار ، وعترته الأبرار ، الَّذين أوجبت الله مودّتهم ، وألزم محبّتهم؟ كيف اقتطفوا ببيض الظبا رؤوسهم ، واختطفوا بسمر القنا نفوسهم ، وتركوا تلك الوجوه الّتي طال ما قبّلها الرسول ، وأكرمتها البتول ، وناغاها جبريل ، وأوجب حقّها الجليل ، يسار بها على أطراف الرماح ، مخضّباً شيبها بدم الجراح ، والنسوة اللاتي يعدّون الوصيّ والزهراء أبا ً واُمّاً ، والنبيّ والطيّار جدّاً وعمّاً ، على أقتاب الجمال اُسارى ، وبين الأعداء حيارى ، لا شفيق يجيب دعوتهنّ ، ولا رفيق يسكنّ روعتهنّ.

فهذا كان جزاء فضل نبيهّم عليهم ، ورأفته لديهم أن يبدّلوا نعمة الله كفراً ، وأن يحلّوا بنبيّه حسداً وغدراً.

فاستشعروا وتنبّهوا رحمكم الله في هذا اليوم شعار الأحزان ، وأفيضوا الدموع المقرحة للأجفان ، فإنّه يوم المصيبة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعزّوا نبيّكم المصطفى ، وإمامكم المرتضى ، وسيّدتكم الزهراء ، بهذا الرزء الّذي أبكى ملائكة السماء ، واهتزّ له عرش المليك الأعلى ، قائلين : يا سيّد الأنبياء ، ويا خاتم الأصفياء ، هذا سبطك منبوذ بالعراء ، هذا سبطك محزوز الرأس من القفا ، هؤلاء بناتك اُسارى يساربها إلى الأعداء.

يا خير من لبس النبو

وة من جميع الأنبياء

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ١١٢ ح ٥ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١/٢٩٩ ، عنهما البحار : ٤٤/٢٨٥ ح ٢٣.

٤٤٧

وجدي على سبطيك وج‍ـ

ـ‍دٍ ليس يوذن بانقضاء

هذا قتيل الأدعيا

ء وذا قتيل الأشقياء

يوم الحسين ارقت دم‍ـ

ـ‍ع الأرض بل دمع السماء

يوم الحسين تركت با

ب الصبر مهجور الفناء

يا كربلاء خلقت من

كرب علا ومن بلاء

كم فيك من وجه تشر

رب ماؤه ماء البهاء

كم فيك من وجه تشر

نار الوغا أيّ اصطلاء

حيث الأسنّة في الجوا

شن كالكواكب في السماء

فاختار درع الصبر ان

ن الصبر من لبس الثناء (١)

وأبى إباء الاُسد إن

ن الاُسد صادقة الإباء

منعوه طعم الماء لا

ذاقوا لماءٍ طعم ماء

وقضى كريماً إذ قضى

ظمآن في نفر ظماء

من ذا لمعفور الجوا

دممال أعواد الخباء

من للطريح الشلو عر

ياناً مخلّى بالعراء؟

من للمحنّط بالترا

ب وللمغسّل بالدماء؟

من لابن فاطمة المغي‍ـ

ـ‍يب عن عيون الأولياء؟ (٢)

إخواني لولا أنّ الجزع عند تجدّد المصائب العظام دفعه غير مقدور ، والأسف على من سلف من السادة الكرام صرفه غير منشور ، وإنّا مندوبون إلى تجديد هذه العزيّة في كلّ عامٍ ، وإظهار الجزع لهذه الرزيّة على ممرّ الأيّام ، وإنّ

____________

١ ـ في المناقب : السناء.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٢٤. والأبيات للصنوبري.

٤٤٨

لنا في ذلك قرّة العين ، فكأنّا لعظيم مصابها ممّن استشهد بين يدي الحسين ، لكان اللائق إظهار شعار السرور ، وإبداء تمام الحبور ، إذ سادتنا حضوا من السعادة الأبديّة بأعظم السعادات ، وحضوا من الشهادة العليّة بأرفع الدرجات ، إذ لم يسمع بأحدٍ جاهد في الله جهادهم ، ولم يجتهد لإقامة دين الحقّ اجتهادهم ، باعوا أنفسهم من الله بالثمن الأوفر ، فربحوا أحسن الثناء في الدنيا والفوز في الاُخرى لعظيم هذا المتجر ، أحلّهم الله بذلك على منازل رضوانه ، ومنحهم حياة باقية ببقائه في جنانه ، وغرفاً صاروا إليها في كتابة المكنون بقوله سبحانه : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أمْوَاتاً بَل أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١).

[ في فضيلة الشهادة وثوابها وأجرها ]

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ برّ فوقه برّ حتى يخرج الرجل شاهراً سيفه في سبيل الله فيقتل فليس فوقه برّ. (٢)

وروي عن إمام الهدى عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، قال : بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام يخطب الناس ويحضّهم على الجهاد إذ قام إليه شابّ فقال : يا أمير المؤمنين ، اخبرني عن فضل الجهاد والغزو في سبيل الله.

فقال صلوات الله عليه : كنت رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقته العضباء ونحن منقلبون (٣) من غزاة ذات السلاسل ، فسألته عمّا سألتني

____________

١ ـ سورة آل عمران : ١٦٩.

٢ ـ الخصال : ٩ ح ٣١ ، الكافي : ٥/٥٣ ح ٢ ، التهذيب : ٦/١٢٢ ح ٢٠٩.

٣ ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : منتقلون.

٤٤٩

عنه ، فقال : إنّ الغزاة إذا همّوا بالغزو باهى الله بهم الملائكة ، فإذا ودّعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت ، ويخرجون من الذنوب كما تخرج الحيّة من سلخها ، ويوكّل الله بكلّ واحدٍ أربعين ملكاً يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ولا يعمل حسنة إلّا ضوعفت له ، ويكتب له بكلّ يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله ألف سنة ، كلّ سنة ثلاثمائة وستّون يوماً ، اليوم مثل عمر الدنيا ، فإذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم الخلائق عن ثواب الله إيّاهم ، وإذا برزوا لعدوّهم وأشرعت الأسنّة وفوّقت السهام وتقدّم الرجل إلى الرجل حفّتهم الملائكة بأجنحتها يدعون الله تعالى بالنصر والتثبّت ، وينادي مناد : الجنّة تحت ضلال السيوف ، فتكون الضربة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف.

وإذا زال الشهيد عن فرسه بضربة أو طعنة لم يصل إلى الأرض حتّى يبعث الله إليه زوجة من الحور العين ، فتبشّره بما أعدّ الله له من الكرامة ، وتقول له الأرض : مرحباً بالروح الطيّبة الّتي اُخرجت من البدن الطيّب ، أبشر فإنّ لك ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ويقول الله سبحانه ؛ أنا خليفته في أهله ، من أرضاهم فقد أرضاني ، ومن أسخطهم فقد أسخطني ، ويجعل الله روحه في حواصل طيور خضر تسرح في الجنّة حيث تشاء ، تأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش ، ويعطي الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس ، سلوك كلّ غرفة ما بين صنعاء والشام ، علا نورها ما بين الخافقين ، في كلّ غرفة سبعون باباً ، على كلّ باب سبعون مصراعاً من ذهب ، على كلّ باب ستور مثله ، في كلّ غرفة سبعون خيمة ، في كلّ خيمة

٤٥٠

سبعون سريراً من ذهب ، قوائمها الدرّ والزبرجد ، موصولة (١) بقضبان الزمرّد ، على كلّ سرير أربعون فراشاً غلّظ ، كلّ فراش أربعون ذراعاً ، على كلّ فراش زوجة من الحور العين عرباً أتراباً.

فقال الرجل : أخبرني يا أمير المؤمنين ، عن العروبة؟

قال : هي (٢) الغنجة الوضيّة الشهيّة لها سبعون ألف وصيفة وسبعون ألف وصيف ، صفر الحليّ ، بيض الوجوه ، عليهنّ تيجان اللؤلؤ ، على رقابهنّ المناديل ، بأيديهم الأكوبة والأباريق.

فإذا كان يوم القيامة فو الّذي نفسه بيده لو كان الأنبياء على طريقهم لترجّلوا لهم لما يرون من بهائهم حتّى يأتوا إلى موائد من الجواهر فيقعدون عليها ، ويشفّع الرجل منهم في سبعين ألفاً من أهل بيته وجيرانه ، حتّى انّ الجارين يتخاصمان أيّهما أقرب جوار فيقعدون معي ومع إبراهيم عليه‌السلام على مائدة الخلد ، فينظرون إلى الله عزّوجلّ في كلّ يوم بكرة وعشيّاً (٣) وهذا الحديث رواه شيخنا الشيخ أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن (٤) عند تفسيره ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيِل اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٥).

لهفي على السبط وما ناله

قد مات عطشاناً بكرب الظما

__________________

١ ـ في المجتمع : مرمولة.

٢ ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : هنّ.

٣ ـ صحيفة الامام الرضا عليه‌السلام : ٢٦٧ ح ١ « المستدركات » ، البحار : ١٠٠/١٢ ح ٢٧.

وأورده أبوالفتوح الرازي في تفسيره : ٣/٢٥١ عن الطائي.

٤ ـ مجمع البيان : ١/٥٣٨.

٥ ـ سورة آل عمران : ١٦٩.

٤٥١

لهفي لمن نكس عن سرجه

ليس من الناس له من حما

لهفي على ذاك القوام الّذي

حبته بالطفّ سرو العدا

لهفي على ذاك العذر الّذي

عراه بالطفّ تراب العرا

لهفي على بدر العلى إذ على

في رمحه يخجل بدر الدجا

لهفي على النسوة إذ برّزت

تساق سوقاً بالعنا والجفا

لهفي على تلك الوجوه الّتي

أبرزن بعد الصون بين الملا (١)

وممّا نسب إلى زينب بنت عليّ عليهما‌السلام :

يا حرّ صدري يا لهيب الحشا

انهدَّ ركني يا أخي والقوى

كنت أخي ركني فلم يبق لي

ركن ولا ذخر ولا ملتجا

وكنت أرجوك فقد فاتني (٢)

ما كنت أرجوه فخاب الرجا

يا ابن اُمّي لو تأمّلتني

رأيت منّي ما يسرّ العدا

حلَّ بأعدائك ما حلَّ بي

من ألم السير وذلّ السبا

وددت لو بالروح أفديك من

يومك هذا وأكون الفدا (٣)

* * *

يا ابن خير الناس اُمّاً وأباً

وأجلّ الخلق طراً نسبا

نار حزني بك يا ابن المصطفى

حرّها منذ وجودي ما خبا

وإذا ما مرّ ذكر الطفّ في

مهجتي أذكى بقلبي لهبا

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١٧ ، مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/١٥٣.

٢ ـ في المناقب : خانني.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٢٧.

٤٥٢

الندبة

يا من طمست أنوار الاسلام بمصيبته ، ودرست آثار الايمان بواقعته ، وخفرت ذمّة الرسول لخفر ذمّته ، ونتهكت حرمة البتول لانتهاك حرمته ، ها نحن عبيدك وأبناء عبيدك ، العارفون من مقامات الشرف بطارفك وتليدك ، المستمسكون من دلائل بعروة عصمة لا انفصام لحبلها ، المخلصون في ودادك بصدق نيّة لا مزيد على فرعها وأصلها.

قد اجتمعنا في حضرتك الشريفة ، وبقعتك المنيفة ، لنوفي التعزية بمصابك حقّها ، ونفضي إليك بقلوب قد أخلصت لولائك صدقها ، وتذرف عبرات من عيون قريحة ، وتصاعد زفرات من قلوب جريحة ، جزعاً لواقعتك الّتي هدّت أركان الدين هدّاً ، وأحلّت في قلوب المؤمنين كرباً ووجداً ، ونبدي أسفاً إذ لم نكن من المبارزين أعداءك في عرصة القتال ، ونتأوه لها خيبة أنّا لم نكن من المناجزين أضدادك عند مقارعة الأبطال ، ويرانا الله قد اُريقت في نصرتك دماؤنا ، وقطعت أوصالنا ، نتلقّى عنك حدود الصفاح بوجوهنا ، ونقابل رؤوس الرماح بصدورنا ، مخلصين في طاعتك ، مناصحين في متابعتك ، نرى طعم الموت في جهاد أعدائك ، أحلى من العسل المشار ، وارتكاب الأخطار في إظهار أمرك أولى من ركوب العار.

قد امتزجت دماؤنا بدمك ، وحصلنا في عداد جندك وخدمك ، قد سبقتنا أطرافنا إلى جنّة المأوى ، وعرجت أرواحنا إلى الرفيق الأعلى ، وسمينا بشهداء كربلاء ، ووسمنا بسادة الشهداء ، تبارك علينا الملائكة الكرام في صلواتها ، وتهدي إلينا سلامها وتحيّاتها.

فيا لها غصّة في نفوسنا ، وحسرة في قلوبنا ، لا تنقضي إلّا بنصرة القائم

٤٥٣

من ذرّيّتك ، والخلف الصالح من عترتك ، ولعمري لئن غابت أبداننا عن نصرتك ، وتباعدت أشخاصنا عن مشاهدتك فلقد أدركنا واقعتك ونحن في الأصلاب نطف ، واُمرنا بتجديد التعزية لمصابك بنقلها منّا خلف عن سلف ، وأن نجدّد البيعة في حضرتك بوفاء عهدك ، وعهد أبيك وجدّك والأئمّة الطاهرين من ولدك ، وأن نعرض عليك قواعد عقائدنا ، ونفضي إليك بأسرارنا في مصادرنا ومواردنا ، ونتّخذ يوم رزئك يوم مصيبة لا ترقى عبرته ، ولا تخبو حرقته ، بديت تصاعد زفراتنا فيه زبر الحديد ، ونشيت قطرات عبراتنا ضرب الغمام بل نزيد ، ويربو حزننا على حزن نبيّ الله يعقوب ، وتعلو رنّتنا على رنّة الثكلى الرقوب (١).

لما اتّخذته العصابة الناصبة المشركة ، يوم سرور وعيد وبركة ، وأظهروا فيه تمام زينتهم ، ووسموه برأس سنتهم ، وليس ذلك ببدع من نفاقهم المكنون ، وشقاقهم المصون ، فهي فرع الشجرة الملعونة في القرآن ، والطائفة المارقة عن الايمان ، الّذين أعلنوا بالسبّ على منابرهم ، ودلّ خبث ظاهرهم على قبح سرائرهم ، وحيث إنّا لم نحض بالشهادة الكبرى بين يديك ، ولم يقض لنا بالحسنى حين توجّه الفجرة إليك ، وفاتنا نصرك بمناصلنا وعواملنا ، ولم نتلقّ عنك السيوف بجباهنا وسواعدنا.

فها نحن نجاهد أعداءك بقولنا وفعلنا ، ونقمع هاماتهم بمقامع نظمنا ونثرنا ، ونعلن بسبّ أئمّة ضلالهم على أعواد منابرنا ، ونشرح قبح خصالهم في شوامخ منائرنا ، ونعتقد ذلك من أعظم الوسائل إلى ربّنا ، وأكمل الفضائل يوم حشرنا ونشرنا.

__________________

١ ـ الرقوب : المرأة الّتي لا يعيش لها ولد ، أو الّتي مات ولدها.

٤٥٤

أحسين والمبعوث جدّك بالهدى

قسماً يكون الحقّ عنه مسائلي

لو كنت حاضر كربلاء لبذلت في

إعلاء أمرك جهد بذل الباذل

وسقيت حدّ السيف من أعدائكم

سقياً وحدّ السُمْهَري الذابل

لكنني اُخّرت عنه لشقوتي

قتلا يلى تا بين الغريّ وما يلي (١)

إذ لم أفز بالنصر من أعدائكم

فأقلّ من حزن ودمع سائل

التعزية للمؤمنين

جعلنا الله وإيّاكم في هذا اليوم ممّن جلّت مصيبته ، وعظمت رزيّته ، وتصاعدت زفرته ، وتقاطرت عبرته ، جزعاً لواقعة سيّده وابن سيّده ، ومعتقده وابن معتقده ، وممّن اطلّع الله على حقيقة أمره ، وباطنه وسرّه ، فوجده لا مزيد على إخلاصه ، فألحقه بدرجة أوليائه وخواصّه ، الّذين نوّه بذكرهم في كتابه المكنون ، بقوله : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٢).

اللّهمّ أحسن في هذا اليوم عزاءنا ، وضاعف جزاء خلتنا ، وارحم استكانتنا ، فإنّا عائذون بقبر أمينك وابن أمينك ، أفضل من اُريق دمه في نصرة دينك ، مستمسكين بالهدى الّذي جاءنا به من عندك ، مقرّين بالحقّ الّذي خبّرنا به عنك.

اللّهمّ وإذ حرمنا لشقوتنا ، ولم تختم لنا بالسعادة العظمى في دنيانا وآخرتنا ، إذ لم نكن ممّن اُريق دمه في نصرته ، محامين عنه وعن عترته ،

__________________

١ ـ كذا ورد العجز في الأصل.

٢ ـ سورة آل عمران : ١٦٩.

٤٥٥

نباهي به الكرام من ملائكتك ، وأرواح أنبيائك وخاصّتك ، تعجب ملائكتك من تصميم عزيمته في حربه ، وتضرب الأمثال بشدّة طعنه وضربه ، فصلّ على محمد وآل محمد واختم لنا بذلك بين يدي الخلف الصالح من ولده ، الداعي إلى دينك بجدّه وجهده ، أمينك في بلادك ، وعينك على عبادك ، صاحب الرجعة البيضاء ، والدولة الزهراء.

اللّهمّ اجعلنا من خاصّته وبطانته ، ومن الداعين إلى نصره وملته.

اللّهمّ وإن أحللت بنا قضاءك قبل مشاهدة بهجته ، ولم تكحل عيوننا بمعاينة طلعته ، فصلّ على محمد وآل محمد ، وأمتنا على ولايته وولاية آبائه ، واجعلنا في عداد جنده وأوليائه ، إنّك على كلّ شيء قدير.

٤٥٦

فصل

ولمّا أخزى الله تعالى يزيد الفاجر بما فعل ، وطالت عليه الألسن لمّا حصل ما حصل ، ولامه من حضر من أماثل الصحابة وأرباب الملك ، وشاع في الآفاق فضيع ظلمه وفتكه ، وخشي الفتنة على نفسه وملكه ، ركن إلى الاعتذار ، ولجأ إلى الانكار ، وأنّى له ذلك وقد زلّت القدم ، وحلم الادم ، وجلّت الرزية ، وعظمت البليّة ، وثلم في الإسلام ثلمة لا تسدّ ، ووقعت فتنة لا تردّ ، أشير إليه بتعظيم آل محمد وردّهم ، وإشخاصهم إلى مدينة جدّهم ، فأظهر لسيّد العابدين تكرمة وتبجيلاً ، وسرّحه سراحاً جميلاً.

روي أنّ اللعين لما خشي شقّ العصا ، وحصول الفتنة ، أخذ في الاعتذار ، والانكار لفعل ابن زياد ، وإبداء التعظيم والتكريم لعليّ بن الحسين عليه‌السلام ، ونقل نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى داره الخاصّة ، وكان لا يتغدّى ولا يتعشّى إلّا مع سيّدنا سيّد العابدين عليه‌السلام ، وكل من كان حاضراً من الصحابة والتابعين والأجلّة وبني اُميّة أشاروا عليه لعنه الله بردّ (١) حرم رسول الله والاحسان إليهم ، والقيام بما يصلحهم ، فأحضر سيّدنا عليّ بن الحسين ، وقال : إنّي كنت قد وعدتك بقضاء ثلاث حاجات فاذكرها لي لأقضيها.

__________________

١ ـ بردّهم ـ خ ل ـ.

٤٥٧

فقال : الاُولى : أن تريني وجه أبي عبد الله عليه‌السلام فأتزوّد منه ، وأنظر إليه ، واُودّعه.

والثانية : أن تردّ علينا ما اُخذ منّا.

والثالثة : إن كنتَ عزمتَ على قتلي أن توجّه مع هذه النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهنّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال : أمّا وجه أبيك فلن تراه أبداً ، وأمّا قتلك فقد عفوت عنك ، وأمّا النساء فما يردّهنّ إلى المدينة غيرك ، وأمّا ما اُخذ منكم فأنا اُعوّضكم عليه (١) أضعاف قيمته.

فقال عليه‌السلام : أمّا ما لك فلا نريده ، هو موفّر عليك ، وإنّما طلبت ما اُخذ منّا ، لأنّه فيه مغزل فاطمة بنت محمد مقنعتها وقلادتها وقميصها.

فأمر بذلك ، فردّ ، وزيد عليه مائتي دينار ، فأخذها عليّ بن الحسين عليه‌السلام وفرّقها في الفقراء والمساكين.

ثمّ أمر بردّ الاُسارى والسبايا ـ كما أشرنا أوّلاً ـ إلى مدينة الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (٢)

فسألوا أن يسار بهم على العراق ليجدّدوا عهداً بزيارة أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلمّا بلغوا كربلاء ونزلوا موضع مصرعه عليه‌السلام وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام لما كانوا يعلمون من فضل زيارته ، فوافوا في

____________

١ ـ في الملهوف : عنه.

٢ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ٢١٩ و ٢٢٤.

٤٥٨

وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرّحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء أهل السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً.

وروى سيّدنا فخر العترة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس : روي عن أبي جناب الكلبي ، قال : حدّثنا الجصّاصون قالوا : كنّا نخرج في الليل إلى الجبّانة عند مقتل الحسين عليه‌السلام فنسمع الجنّ ينوحون عليه ويقولون :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عَلُيا قريش

وجدّه خير الجدود

قتلوه ظلماً ويلهم

سكنوا به نار الخلود (١)

وأمّا رأس الحسين عليه‌السلام فروي أنّه اعيد إلى كربلاء ودفن مع جسده الشريف ، وكان العمل من الطائفة على هذا. (٢)

قال : ثمّ فصلوا عن كربلاء يريدون المدينة.

قال : ولمّا وصلوا بالقرب من المدينة عجّت نساء بني هاشم ، وصاحت المدينة صيحة واحدة ، فضحك عمرو بن سعيد بن العاص لعنة الله عليه ، وكان أمير المؤمنين من قبل يزيد لعنه الله ، وتمثّل بقول عمرو بن معدي كرب :

عجّت نساء بني زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب (٣)

ثمّ صعد لعنه الله المنبر ، وقال : إنّها لدمة بلدمة ، وصدمة بصدمة ، كم

____________

١ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

ورواه في مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/٩٥ ـ ٩٦ ، وليس فيهما البيت الأخير.

٢ ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ٢٢٥.

٣ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/٧٦.

٤٥٩

خطبة بعد خطبة ، وموعظة بعد موعظة ( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرِ ) (١) وددت أنّ رأسه في بدنه ، وروحه في جسده ، أحياناً كان يسبّنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولم يكن من أمره ما كان ، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه يريد قتلنا إلّا أن ندفعه عن أنفسنا؟!

فقام عبد الله بن السائب ، فقال : لو كانت فاطمة حيّة ورأت الحسين لبكت عليه ، فجبهه عمرو بن سعيد لعنه الله ، وقال : نحن أحقّ بفاطمة منك ؛ أبوها عمّنا ، وزوجها أخونا ، وابنتها ابنتنا (٢) ، لو كانت فاطمة حيّة لبكت عينها ، وحزن كبدها ، وما لامت من قتله ومنعه عن نفسه. (٣)

فلعنة الله عليه وعلى من والاه ، ما أجرأه على الله وعلى رسوله؟!

وروى سيّدنا السيّد عليّ بن موسى بن طاوس في كتابه ، قال : لمّا قرب عليّ بن الحسين عليه‌السلام من المدينة حطّ رحله ، وضرب فسطاطه خارج البلد ، وأنزل نساءه ، وقال لبشير (٤) بن حذلم : يا بشير ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء؟

قلت : بلى ، يا ابن رسول الله ، إنّي لشاعر.

قال : فدخل المدينة وانع أبا عبد الله عليه‌السلام.

قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشأت أقول :

____________

١ ـ سورة القمر : ٥.

٢ ـ في المقتل : وابنها ابننا.

٣ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/٧٦ ـ ٧٧.

٤ ـ في الملهوف : بشر ، وكذا في الموارد التالية.

٤٦٠