تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

أسداً بثعلب رمحه؟ وكم فلِّ عدداً بمبين فتحه؟ وكم أغنى عائلاً بعد سوء حاله؟ وكم آثر سائلا بقوته وقوت عياله؟

كالبدر المنير وجهه عند السؤال ، وكالبحر الغزير كفّه عند النوال ، وكالشمس الطالعة عند حلّ المشكلات ، وكالهضبة المانعة عند حلول المعضلات ، وحلّة إمامته ( إنَّما وَلِيُّكُم ) (١) ، وحلية زعامته ( قُلْ لَا أسأَلُكُمْ ) (٢) ، وجبريل في وقائعة مكتب كتائبه ، وميكائيل في حروبه يعجب من ضرائبه.

فهو علم الإسلام ، وعالم الأنام ، وحبر الزمان ، وحبوة المنّان ، من تسمّى بإمرة المؤمنين سواه فالتراب بل الكثكث بفيه ، ومن انتمى في الشرف إلى غير علاه فالوبال والنكال له وفيه ، فما عسى أن أقول في وصف سيّدٍ نفسه نفس سيّد الأنبياء ، وعرسه سيّدة النساء ، وغرسه أئمّة الهدى ، وشجرته من دوحة الأصفياء ، راهب الليل ، ومجاري السيل ، ومدوّخ كلّ عنيد ، ومشدخ كلّ صنديد ، صاحب بدر واُحد وقاتل عمرو بن ودّ ، ضربته يوم الأحزاب تعادل عمل الاُمّة إلى يوم الحساب.

هو الامام الّذي ما شانه نجل

ولا نبيّ قلبه عن قرنه فشل

من وجهه قمر في لحظه قدر

في سخه أجل من عفوه أمل

إذا مشى الحين والسيف في يده

حسبت بدر الدجى في كفّه زحل

__________________

١ ـ سورة المائدة : ٥٥.

٢ ـ سورة الشورى : ٢٣.

٤٢١

ما زال في الأرض أبطال فمنذ نشأ ال‍ـ

ـ‍وصيّ أبطلها يوم الوغى بطل

ينبي ببدر فقال المبصرون له

جلاله ملك ذا الشخص أو رجل

سل سلّة البيض من سلّ النفو

س بها من تخطّت به الخطّية الذبل

تراه يقطع آجال الكماة إذا

ما واصل السيف ضربٌ منه متّصل

حسامه ينثني من عند هزّته

كأنّه من طلى أعداءه ثملُ

للسيف في يده ضحك وليس فم

وللرؤوس بكاء منه ولا مقل

سائل به في الوغى والموت يقذفه

والرعب مقتبل والضرب مختبل

والبيض إن واصلت بيض الرؤوس ترى

لها الرؤوس عن الأجساد تنتقل

والمشرفية عند الضرب مشرفة

والسمهريّة عند الطعن تشتعل

والخيل راكعة في النفع ساجدة

لها من الدم ثوب مسبل خظل

والليل نقع وهاتيك الأسنّة قد

يلمعن فيه نجوم ثمّ او شعل

٤٢٢

هناك تلقى به سيفاً بمضربه

جهل على معشر للحقّ قد جهلوا

خطبة مشتملة على السور القرآنية :

ذاك صدّيق النبيّ الأكبر ، ووصيّه الأطهر ، أبي شبير وشبّر ، المسمّى بحيدر ، وما أدراك ما حيدر؟ هو الكوكب الأزهر ، بل القمر الأنور ، الّذي فضائله في فاتحة الذكر مذكورة ، ومناقبه في اُمّ الكتاب مسطورة.

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابِتْغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ ) (١) في سورة البقرة بفضله قاطعة ، وفي آل عمران رجالاً ونساء لشرف رجاله ونسائه خاضعة ، ووجوه المحامد مصروفة إلى مائدة إنعامه ، وأعراف أنفاله ، والبراءة من النّار لا تكتب إلّا للمخلص بولائه وولاء آله ، ويونس في الظلمات دعى ربّه بجاهه وحقّه ، وهود يوم الطاغية توسّل بإخلاصه وصدقه ، ونجىّ به يوسف من كيد إخوته لمّا أرعدوا وأبرقوا ، ( وألْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبّ ) (٢) وبينه وبين أبيه فرقوا ، وصارت النّار برداً وسلاماً على إبراهيم لكونه في صلبه ، ولا جلس من حجر إلّا من حرّها ، ( وأتَى أمْرُ اللهِ ) (٣) إليه بوجوب حبّه.

وكشف الجليل سبحانه ليلة الاسراء لنبيّه الحجب من الملكوت الأعلى حتّى شاهد من وراء الحجب جلال بهجته ، وأنزل عليه الكتاب ( وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً ) (٤) بفرض إمامته ، وضربه مثلاً كابن مريم فأذعن من أذعن ، وصدّ

__________________

١ ـ سورة البقرة : ٢٠٧.

٢ ـ سورة يوسف : ١٠.

٣ ـ سورة النحل : ١.

٤ ـ سورة الكهف : ١.

٤٢٣

من صدّ ، وفضّله نبيّنا طه على سائر الأنبياء ، فقبل من قبل ، وردّ من ردّ ، وائتمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله على تأدية براءة يوم الحجّ الأكبر وأن يفيد إلى المشركين عهدهم ، فأقرّ الله عيون المؤمنين في ذلك اليوم بنور فرقانه ، وأعلى مجده وأثنى عليه في محكم تنزيله.

فما عسى أن يقول البلغاء والشعراء في وصفه ، وآتاه ملكاً يفوق ملك صاحب النمل وأيّده بلطفه ، قصص الذكر في بدر واُحد بذكر شجاعته ناطقة ، وأحاديث مصير دين الشرك كالعنكبوت يوم كسرة الأصنام صادقة ، وللذكر موافقة ، بطلت أبطال فارس والروم عند ذكر شدّته وقوّته ، وغدت حكمة لقمان كالقطرة في اليمّ في جنب حكمته ، وامرت أحكام البلاغة بالسجدة لكعبة بلاغته.

كم سبا بفاطر حسامه في حروبه من المشركين ذرّيّة ونساء؟ وكم أباح الله للفقراء والمساكين من فيض أكفّه ثراء وغناء ، ( وَكُلَّ شَيءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ ) (١) راية مجده ، ( وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ) (٢) في سورة الصافّات آية عهده.

كم صاد بثعلب رمحه في حروبه أسداً ، وفرّق زمراً؟ وكم أغنى بطوله عائلاً ، وآثر فيه من صنائعه أثراً؟ في الذكر الحكيم آيات مناقبه فصلّت ، وفي سورة الشورى تفاصيل مراتبه اُجملت ، زخرف حجّ أعدائه كالدخان يعلو ثمّ يذهب جفاء ، وأعلام شريعته تسمو إذ غيرها تصير هباء.

لمّا جعله سبحانه صاحب أحقاف الأعراف في الاُخرى ، وأيّده في قتاله

__________________

١ ـ سورة : يس : ١٢.

٢ ـ سورة الصافات : ٢٤.

٤٢٤

بالفتح ، وأسكنه حجرات الرئاسة الكبرى ، صار ملكه شاملاً بسيط بساط الأرض من قاف إلى قاف ، وسلطان أعدائه كرماد اشتدّت به الذاريات بشدّة الاعصاف ، فضلَّ صاحب طور سيناء في جنب فضله كفضل النجم بالنسبة إلى القمر ، وواقعة سيفه إلى الايمان بالرحمن أشهر من أن تشهر ، كالحديد قلبه في مجادلة عُصب الضلال ، وكالبحر كفّه لكن فيضه بالعذب الزلال.

شفيعنا إلى ربّنا في حشرنا ، ومعاذنا يوم معادنا ونشرنا ، قلوبنا ممتحنة بحبّه إذ اُوقفنا كصفّ الجمعة بين يدي إلهنا ، وصار المنافقون في تغابن إذ نرى مقام إخلاصنا ، لما التزم صلوات الله عليه بطلاق الدنيا وتجرّعها على نفسه آتاه الله ملكاً عظيماً وأيّده بروح قدسه ، وأجرى قلم القدرة على لوح المشيّة بدواُمّه إلى حين حلول الحاقّة الكبرى ، وزاده ذوالمعارج بسطة في العلم والجسم فما أحقّه بالمجد وأحرى ، سأل نوح ربّه بحقّه فنجى من الطوفان والغرق ، وإليه يفزع الجنّ والإنس إذا حسرت الأنام واُلجم الخلق العرق ، جعل المزّمّل المدّثّر بأمر الله الرئاسة العامّة فيه وفي نجله إلى حين حلول القيامة الطامّة ، يوم ينظر الانسان ما قدّمت يداه (١) من ولائه وحبّه ، وترى مرسلات العذاب آخذة أعداءه إلى النّار بإذن ربّه ، فهو النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون (٢) ، والعهد المأخوذ في عالم الذرّ فهم عنه مسؤولون.

فيا حاسد صيّرت مدائحي له روحه في النازعات وقلبه أعمى ، وكوّرت إنسان بصره عن ضوء شمس الحقّ أعشى ، بلت كبدك إذا السماء انفطرت من رائق شعري ، وعيناك إذا النجوم انكدرت من فائق نثري ، رمتَ تطفيف

__________________

١ ـ إشارة إلى الآية : ٤٠ من سورة النبأ.

٢ ـ إشارة إلى الآية : ٢ و ٣ من سورة النبأ.

٤٢٥

مكيال فصلي فانشقّت هامة فؤادك ، وتبرّجتَ في بروج تيهك فهوى طارق مرادك ، رمتَ أن تكون الأعلى على جواد فصاحتي فصرت حامل الغاشية ، وأردت إخفاء فجر بلاغتي فصارت حمقتك في البلد فاشية.

لمّا أشرقت شمس فضلي كاشفة ليل الضلال بضحاها ، انشرحت صدور المؤمنين فما أحلاها في قلوبهم وأجلاها ، وما عسى أن أقول في وصف من التين والزيتون بفضله نطقت ، والدنيا والآخرة لذرّيّته خلقت؟ ناداني ربّي في سرائري : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) (١) ، وانطق بمدح وليّك فما أعلى قدر من يمدحه نطق ، بيّنه دعواك جنّة لذي معدلة ، وأقدام أعدائك عن طريق الحقّ مزلزلة ، لا تخف عاديات قارعتهم فهم الّذين ألهاهم التكاثر وحبّ الرئاسة ، وفتنتهم عصر الدنيا وطلب النفاسة ، حتّى صار كلّ منهم همزة لمزة قد جمع مالاً وعدّده ، يحسب أنّ ماله أخلده (٢) ، ( أَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) (٣).

لمّا على ربّهم تكبّروا؟ أمّا سمعوا ما حلّ بقريش لمّا على نبيّهم تجبّروا؟ صار ماعون شركهم مكفو في بدر بكفّ صاحب الكوثر ، وناداهم الحقّ سبحانه ، سحقاً لمن أصرّ على الجحد بصاحب الفتح في الأحزاب وخيبر ، وتبّاً لمن نازع من فضله مَن أهل التوحيد وفضله من فلق الصبح أشهر ، وأضحى مقدّماً عليه في الناس من لا يعادل شسع نعل عبده قنبر.

هذه الّذي أوردت ذرّة من طود دلائله ، وصببت قطرة من بحر فضائله ،

__________________

١ ـ سورة العلق : ١.

٢ ـ إشارة إلى الآيات : ١ ـ ٣ من سورة الهمزة.

٣ ـ سورة الفيل : ١.

٤٢٦

وذكرت قليلاً من كثير من حلائل مناقبه ، وأسمعت نزراً من غزير من فواضل مراتبه ، هو الّذي أجلبت المدعوّة باُمّكم على حربه ، وكشفت عن ساق عداوته وثلبه ، ونكثت بيعته ، وقتلت شيعته ، وخالفت أمر ربّها وبعلها ، وأجلبت على هدم الإسلام بخيلها ورجلها ، فلعنة الله على فرعها وأصلها وقومها وأهلها ، أجلبت على حرب أشرف العالمين قبيلاً وأقومهم قيلاً ، الّذي من استمسك بحبل ولائه فقد ابتغى إلى ذي العرش سبيلاً (١) ، الّذي أنزل الله فيه وفي أهل بيته ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (٢).

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ، ما ينتظر أشقى هذه الاُمّة فيضربك على هامتك ضربة يخضب منها لحيتك؟

وروي أيضاً عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ، كأنّي بك وأنت قائم تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين وأشقى الآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك على هامتك ضربة خضب منها لحيتك.

قال أمير المؤمنين : فقلت : يا رسول الله ، أفي سلامةٍ من ديني؟

قال : نعم ، في سلامةٍ من دينك.

يا عليّ ، من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني ، لأنّك منّي وأنا منك ، طينتك طينتي ، أنت أبو ولدي ، وخليفتي على اُمّتي في حياتي وبعد موتي ، اُقسم بالله إنّك أمير المؤمنين وحجّة الله على

____________

١ ـ إشارة إلى الآية : ٤٢ من سورة الاسراء.

٢ ـ سورة الأحزاب : ٢٣.

٤٢٧

الخلق أجمعين (١).

روي أنّ أمير المؤمنين قال لابنته اُمّ كلثوم ليلة ضرب : يا بنيّة ، إنّي أراني قلّ ما أصحبكم.

قالت : وكيف يا أبتاه؟

قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول : يا عليّ ، لا عليك لا عليك ، قضيت ما عليك.

قالت : فما مكثنا حتّى ضرب تلك الليلة.

وفي رواية أنّه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إلى بكفه : يا علي إلينا إلينا ، فما عندنا خير لك (٢).

ولمّا فاز صلوات الله عليه بدرجة الشهادة ، وحاز دوحة السعادة ، قال مولانا وسيّدنا السبط التابع لمرضاة الله :

أين من كان لعلم ال‍ـ

ـ‍مصطفى في الناس بابا؟

أين من كان إذا ما

أقحط الناس سحابا؟

أين من كان إذا نو

دي في الحرب أجابا؟

أين من كان دعاه

مستجاباً ومجابا (٣)

غيره :

قام في المحراب لله يناجي

فانبرى أشقى الورى نجل الزيوف

____________

١ ـ انظر : الأحاديث الغيبيّة : ١/٥٣ ح ٢٣. وقد تقدّم مثل هذا الحديث في المجلّد الأوّل.

٢ ـ انظر : الأحاديث الغيبيّة : ٢/١٣٧ ح ٤٣١.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣/٣١٣.

٤٢٨

فلق الهامة من خير وصيّ

فاز بالزلفة في الشهر الشريف

وأذاقوا الفتى السمّ عمداً

لعنة الله على الرِّجس المديف

* * *

يا آل أحمد ماذا كان جرمكم

فكلّ أرواحكم بالسيف تنتزع

تلقى جموعكم صرعى مشتّتة

دون الأنام (١) وشمل الناس مجتمع

وتستباحون أقماراً منكّسة

تهوى وأنفسها (٢) بالسمر تنتزع

ما للحوادث لا تعنو بظالمكم؟

ما للمصائب عنكم ليس ترتدع؟

منكم طريد ومقتول على ظمأ

ومنكم دنف بالسمّ منصرع

ومن محرّق جسم لا يزار له

قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع (٣)

* * *

يا آل بيت محمد وجدي بكم

قد قل عنه تصبّري وتجلّدي

ما للمصائب أنشبت أظفارها

فيكم فبين مطرّد ومشرّد؟

من كلّ ناحية عليكم نائح

ينعاكم في مأتم متجدّد

من ذا أنوح له ومن أبكي ترى

تبعاً لكم يا آل بيت محمد

____________

١ ـ في المناقب : بين العباد.

٢ ـ في المناقب : وأرؤسها.

٣ ـ الأبيات للزاهي ، المتوفّى سنة ٣٥٢ ه‍ ، أخرجها المحمودي في زفرات الثقلين : ٢/٤٢ عن مناقب ابن شهراشوب : ٢/٢١٤.

٤٢٩

أعلى قتيل الملجمي وقد ثوى

متخصّباً بدمائه في المسجد

أم للّذي للسمّ اسقي عامداً

أم للغريب النازح المتفرّد؟

أم للعطاش مجندلين على الثرى

من كلّ كهل سيّد ومسود؟

أم للرؤوس السائرات على القنا

مثل البدور إذا سرت في الأسعد؟

أم للسبايا من بنات محمد

تسبى مهتّكة كسبي الأعبد (١)

وثنّ بابنة آكلة الأكباد الزنيم الطاغي ، وابن هند الأثيم الباغي ، رأس العصابة الأمويّة ، وابن الفاجرة البغيّة ، كيف أجلب على حرب أمير المؤمنين ، وقتل أعلام المهاجرين الأوّلين ، ووسم غير إبله ، وخالف الله ورسوله بقوله وعمله ، ثمّ دبّر في قتل سبط المصطفى ، وقرّة عين سيّدة النسا ، وأداف له قواتل سمومه ، ولم يحسن الله في حديثه وقديمه ، بعد أن فرّق جموعه بتدبيره ومكره ، وأفسد جنوده بذهابه وغدره؟

وأعانه على ذلك قوم ظاهرهم الوفاق ، وباطنهم النفاق ، غرّتهم الدنيا بزينتها ، واستهوتهم بزهرتها ، فباعوا الآجلة بالعاجلة ، والعالية بالسافلة ، ونكثوا عهده ، وأخلفوا وعده ، ولم يحفظوا النبيّ في عترته ، ولم يراعوا الوصيّ في اُسرته ، وانتهبوا ثقله ، وراموا قتله ، وأظهروا ما كان من غدرهم مصوناً ،

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢/٢١٦. والأبيات لابن حمّاد العبدي.

٤٣٠

ومن حقدهم مكنوناً ، وأطلع الله وليّه على ما دبّروا ، وحاق بهم سيّئات ما مكروا ، فمال صلوات الله عليه إلى إظهار الهدنة ، وإطفاء الفتنة ، لعدم الناصح ، وقلّة المناصح ، وحقناً لدماء ذرّيّته وذويه ، وظنّاً بالمخلصين من شيعته وشيعة أبيه ، وعاد إلى حرم جدّه وقد حصّل ما حصّل ، وعاد بدار الهجرة وهو أعلم بما فعل ، كلّ ذلك وابن هند يدبّر في إهلاكه ، وينصب له أشراك كفره وإشراكه ، حتّى قضى صلوات الله عليه شهيداً سعيداً ، مظلوماً مسموماً ، قد انتهكت حرمة الرسول بانتهاك حرمته ، وعظمت مصيبة البتول لعظم مصيبته.

يا خير مبعوث وأكرم مرسل

أضحى لدين الحقّ فينا شارعا

لو أنّ عينك عاينت بعض الّذي

ببنيك حلّ لقد رأيت فظائعا

أمّا ابنك الحسن الزكيّ فإنّه

لمّا مضيت سقوه سمّاً ناقعا

ففروا به كبداً لديك كريمة

منه وأحشاءً له وأضالعا

وسقوا حسيناً في الطفوف على الظما

كأس المنيّة فاحتساها جارعا

قتلوه عطشاناً بعرصة كربلا

وسبوا حلائله وخلف ضائعا

٤٣١

جسداً بلا رأس تمدّ على الثرى

رجلاً به وتكف اُخرى نازعا (١)

قيل : لمّا بلغ معاوية موت الحسن عليه‌السلام سجد وسجد من حوله ، وكبّر وكبّروا معه ، فدخل عليه ابن عبّاس بعدها ، فقال معاوية : يا ابن عبّاس ، أمات الحسن أبو محمد؟

قال : نعم ، رحمة الله وبركاته عليه وعلى روحه وبدنه ، وبلغني تكبيرك وسجودك ، أمّا والله لا يسدّ جثمانه حفرتك ، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك.

قال : أحسبه ترك صبية صغاراً ولم يترك عليهم كثير معاش.

فقال : إنّ الّذي وكّلهم إليه غيرك ، وكلّنا كنّا صغاراً فكبرنا.

قال معاوية : فأنت تكون سيّد القوم بعده؟

فقال : أمّا وأبو عبد الله الحسين حيّ ، فلا. (٢)

يا ابن بنت المصطفى

وابن الوصيّ المرتضى

بك حزني ماله

حتى مماتي انقضا

كان وديّ لو أكن

منك بروحي عوضا

فيمنّ الله على

رمسك برد ورضا

وإذا ما مرّ ذكر الواقعة العظمى ، والمصيبة الكبرى ، وما مرّ بعرصة كربلاء بذرّيّة المصطفى ، ففرّغ نفسك ـ أيّها المؤمن ـ لقيام المآتم ، واستفرغ غرب

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٤٣ ، زفرات الثقلين : ٢/٧ ، وليس فيهما البيت الأوّل. والأبيات للصقر البصري.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٤٣

٤٣٢

عيونك بالدموع السواجم ، وطلّق النوم إلّا غراراً (١) ، واذرف الدموع من العيون مدراراً ، بمصيبة من هدمت مصيبته الايمان هدماً ، وتهظّمت واقعته الإسلام هظماً ، وأكسبت قلوب المؤمنين حزناً وغمّاً ، وألبست ألباب العارفين حيرة وهمّاً.

يا لها مصيبة شقّت لها من المؤمنين قلوبهم لا جيوبهم ، وتجافت لعظيمها عن المضاجع جنوبهم ، وأبكت السماء دماً وتراباً ، وحيّرت من اُولي العرفان أفكاراً وألباباً ، واضطربت لهولها السبع العلى ، واهتزّ لها عرش المليك الأعلى ، النبيّ والوصيّ فيها أهل العزاء ، وسيّدة النساء تودّ لو تكون له الفداء! أنسى كلّ مصيبة مصابها ، وأمر كلّ طعم صابها ، وأدارت بكؤوس الأحزان على قلوب المؤمنين ، وجدّدت معاهد الأشجان في نفوس المخلصين ، سعرها لا ينسى وإن تقادمت الأيّام ، وذكرها لا يستقصى وإن تعاقب الأعوام ، كست السماء بحمرة نجيع شهدائها شفقاً ، وأذكت في قلوب المؤمنين بقادح زنادها حرقاً ، وأنفدت بتراكم أحزانها ماء الشؤوب ، وأذابت بتفاقم أشجانها القلوب ، فأسالتها دماً من العيون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، أيّ مصيبة طمت وعمت ، وأشجت قلوب المؤمنين وأغمت؟

فيا إخواني الّذين نوّر الله قلوبهم بأنوار الايمان ، وأظهر نفوسهم على أسرار العرفان ، وسلك بهم سبيل نبيّه وعترته ، وألزمهم التمسّك بحبل وليّه وذرّيّته ، وجعل حبّ آل محمد شعارهم ودثارهم ، وقرّبهم زلفى من رضوانه باتباعهم آثارهم ، جدّدوا في هذا اليوم معاهد الأحزان ، وأفيضوا الدموع المقرحة للأجفان ، واستشعروا شعار الأسف فهذا زمانه ، وأظهروا شعار الجزع

__________________

١ ـ أيّ قليلاً.

٤٣٣

فهذا أوانه ، وعزّوا نبيّكم المصطفى في هذا اليوم بسبطه ، وأسعدوا وليّكم المرتضى على مصابه برهطه ، فإنّ البكاء في هذا اليوم لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات ، وإظهار الجزع لما نال ولد الطاهرة البتول من أكمل القربات.

روى مسمع بن عبد الملك كردين البصري (١) ، عن سيّدنا أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : يا مسمع ، إنّ السماوات والأرض لم تزل تبكي مذ قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ومن يبكي لمصابنا من الملائكة أكثر من ذلك ، وما من عبد بكى رحمة لنا إلّا رحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه ، فإذا سالت على خده فلو أن قطرة منها سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرارة.

وما من ذي قلب يتوجّع لمصيبتنا إلّا أعطاه الله فرحة عند موته لا تزال معه حتّى يرد علينا الحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بالمؤمن يقدم عليه فيسقى منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً ، ولا سقي بعدها أبداً ، وإنّه لفي طعم الزنجبيل ، ورائحة المسك ، أحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الدمع ، وأذكى من العنبر ، يخرج من معين تسنيم ، فيمرّ في أنهار الجنّة على رضراض (٢) الدرّ والياقوت ، وإنّ رائحته لتشمّ من مسيرة ألف عام وعليه قدحان من الدرّ والياقوت أكثر عدداً من نجوم السماء ، وعلى حافّته أمير المؤمنين عليه‌السلام قائم وبيده عصا من عوسج يذود بها أعداءنا ، وإنّ الرجل منهم ليأتي فيقول : يا أمير المؤمنين ، اسقني شربة فإنّي كنت في دار الدنيا مقرّاً بالشهادتين.

فيقول له أمير المؤمنين : ارجع إلى إمامك الّذي كنت تتولّاه في دار الدنيا

__________________

١ ـ كذا في الكامل ، وفي الأصل : مسمع بن عبدالكريم البصري.

٢ ـ كذا في الكامل ، وفي الأصل : رضاض. والرضراض : الحصا أو صغارها.

٤٣٤

وتقدّمه على إمام الحق فاسأله ليشفع لك.

فيقول : يا مولاي ، إنّ إمامي الّذي ذكرت شرّ منّي. فيقول له أمير المؤمنين : ارجع وراءك لا سقاك الله أبداً. (١)

رزء سبط النبيّ خير شهيد

بفؤادي أحلّ نار الوقود

وأذاب الفؤاد منّي فأجراه د

ماً في محاجري في خدودي

حزن قلبي وإن تقادم عهدي

بي جديد في كلّ يوم جديد

ليس لي مونس إذا جنّ ليلي

غير وجدي وحرقتي وسهودي

سقم جسمي على عظيم مصابي

واصفراري أدلّتي وشهودي

وإذا رمت أن اُكفكف دمعي

قال حزني في القلب هل من مزيد؟

ما تذكّرت ما جرى يوم عاشورا

ء على سبط أحمد المحمود

من بني العاهرات آل زياد

وأعقّ الورى وشرّ العبيد

____________

١ ـ كامل الزيارات : ١٠١ ح ٦ ، عنه البحار : ٤٤/٢٩٠ ح ٣١.

٤٣٥

وابن سعد إلّا ونضد وجدي

من دموعي قلائد في جيدي

ويزيد الغرام في مهجتي إن

مرّ تذكار ما جرى من يزيد

إذ بنو المصطفى تساق إلي‍ـ

ـ‍ه في وثاق وذلّة وقيود

وكريم على سِنانِ سَنانٍ

يخجل البدر في ليالي السعود

لهف قلبي وحرّ صدري على

أشرف مولى نمته خير جدود

في صعيد الطفوف ثاوٍ به ش‍ـ

ـ‍رف أكرم بتربة من صعيد

منعوهن شرب المباح ولكن

جعلوا ورده نجيع الوريد

يا بني المصطفى وحقّ الّذي أن‍ـ

ـ‍زل فيكم من المليك المجيد

وبما في جوانحي وفؤادي

من وفاءٍ لكم وصدق عهود

إنّ في مهجتي لعظم مصابي

بكم ما يذيب صلد الحديد

يا إخواني الّذين ارتضاهم الله لدينه ، وسقاهم من زلال الاخلاص أصفى

٤٣٦

معينه ، وألزمهم كلمة التقوى ، وأمرهم بالتمسّك بالسبب الأقوى ، اعلموا أنّ هذا اليوم يوم كسف فيه بدر الايمان بل شمسه ، وذوي غصن الايمان بل غرسه ، وفتحت أبواب الجنان لأرواحٍ بذلت وسعها في طاعة ربّها ووليّها ، وسجّرت دركات النيران لأنفسٍ قادها الشقاء إلى متابعة شيطانها وغويّها.

هذه تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى بالنعيم المقيم ، وهذه يتولّاها الزبانية الغلاظ الشداد بالعذاب الأليم ، هيّء لهذه نزلٌ من غفور رحيم ، ولهذه نزل من حميم وتصلية جحيم ، هذه تعانق الحور العين ، وهذه تقرن مع الشياطين في سجّين ، هذه ربحت تجارتها ، وهذه خسرت صفقتها ، كم بين من تجاوز النبيّ والوصيّ في درجته ، وبين من يقرن مع الشيطان الغويّ في جامعته؟ كم بين من اُريق دمه في نصرة وليّه وابن رسوله ، وبين من باع دينه بدنيا شيطانه وضليله؟

فيا إخواني أذيبوا القلوب في هذا اليوم بشدّة حزنكم ، وصعّدوها دماً من شؤون جفونكم بنار جزعكم ، وأطفئوا غضب ربّكم بمعين دمعكم ، ووجّهوا إلى قتلة أولاد النبيّين مطايا لعنكم وسبّكم ، واذكروا سيّدكم ، وقرّة عين نبيّكم وإمامكم ، وثمرة قلب وليّكم ، وقد ضاقت به المسالك والمذاهب ، وأحدقت به الأعداء من كلّ جانب ، ومنعوه من شرب المباح ، وجعلوا ورده نجيع الجراح.

ترى الأطهار من ذرّيّته ، والأبرار من شيعته ، قد سقوا كؤوس الحتوف بعد الظما ، وبلغوا من حدود السيوف حدّ الردى ، ذوي أطراف مقطّعة ، وأشلاء مبضّعة ، تسفي عليهم الأعاصير بذيولها ، وتطأهم الأعداء بخيولها.

والنسوة اللاتي يعدون النبيّ والوصيّ جدّاً وأباً ، أصحاب ( قُلْ لَا

٤٣٧

أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، يلذن به صارخات ، ويتوسّلن به ضارعات ، قد قتلت رجالهنّ ، وذبحت أطفالهنّ ، وهو يدافع عنهنّ صابراً ، ويمانع دونهنّ ثائراً ، كالأسد الهاصر ، أو النمر الجاسر ، يبري بسيفه المعاصم ، ويجزّ الغلاصم ، ويقطّ الأصلاب ، ويقصّ الرقاب ، ويندر الأكفّ مع الأعضاد ، ويفرّق بين الرؤوس والأجساد ، إن قصد قصد البطل ألقمه حصيصاً ، وإن صمد صمد مبادر غادره بغصنه حريصاً ، باع من الله روحه وجسده ، وبذل في الله ماله وولده ، لا يزيده قلّة الأنصار إلّا بصيرة من أمره ، ولا يكسبه تظافر الأشرار إلّا إخلاصاً في علانية وسرّه.

وأعانه على امتثال أمر الله عصابة من ذويه واُسرته ، ومتابعيه من شيعته ، باعوا أنفسهم من الله بنعيم جنّته ، فربحوا الزلفى من عظيم رحمته ، فلو تراهم وقد أظلم ليل نقع الحرب ، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، والأعداء محدقة بهم من كلّ جانب ، والأسنّة في الدروع كالنجوم في ظلم الغياهب ، والسيوف لاختلاف المضارب كالبروق في كهول من ثقال السحائب ، والخيل راكعة ساجدة من دفع القنا في صدورها ، والرجال متلقّية جدود الصفاح ورؤوس الرماح بقلوبها ونحورها ، والولدان المخلّدون قد أترعت الأكواب والأباريق للعطاش من ذرّيّة المصطفى ، والحور العين قد هيّأت فرشاً من سندسٍ بطائنها من استبرق لأجسادهم المرمّلة بالدماء ، والملائكة الكرام تعجب من صولة سطوتهم بتصميم عزيمتهم وشدّة جردهم مع قلة عددهم لرأيت وجوهاً كالبدور في ظلم النقع مشرقة ، واُسداً في غاب الرماح مطرقة ، يرون الموت في طاعة ربّهم أحلى من العسل المشار ،

__________________

١ ـ سورة الشورى : ٢٣.

٤٣٨

وارتكاب الأخطار أولى من ركوب العار.

أصبحوا في عرصة كربلاء مصرعين بين الروابي والدكادك ، وأمسوا في جنّة المأوى متّكين على الأرائك ، لقوا الله فوفى لهم بماعاهدهم ، وأنالهم الحسنى وزيادة على ما وعدهم ، أجلسهم على بساط اُنسه في ظلّ جنابه ، وسقاهم من رحيق قدسه أصفى شرابه ، وناداهم في سرائرهم ، وخاطبهم في ضمائرهم : يا من بذلوا أنفسهم في طاعة وليّي وابن أوليائي ، واُريقت دماؤهم ذابيّن عن صفيّي ونجل أصفيائي ، تبوءّوا من النعيم المقيم ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وهذا سيّدكم أبو عبد الله الحسين على الأثر.

ولمّا صارت أشباحهم منبوذة بالعرا ، وأرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى ، ورؤوسهم منتزعة عن أبدانها بحدّ الظبا ، ونفوسهم تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى ، صاروا فرطاً لسبط المصطفى وقرّة عين الزهراء ، ومقدّمة بسيّد الشهداء إلى جنّة المأوى ، ناداهم : على الدنيا بعدكم العفا ، ثمّ ازدلف لقتال الظلمة بقالبه وقلبه ، وبرز لجهاد الأئمّة طاعة لربّه ، كم جدّل جليداً ، وأباد صنديداً ، وأزهق منافقاً ، وأوبق مسابقاً ، وافترس أسداً ، وفلّ عدداً ، وأرغم وأزهق أنفساً؟ قائلاً :

أنا الحسين بن عليّ

آليت ألاّ أنثني

أحمي عيالات أبي

أذبّ عن دين النبيّ

حتى قَتَل صلوات الله عليه مبارزة ومطاردة ألفاً وتسعمائة وخمسين راجلاً وفارساً ، كذا ذكره الشيخ الثقة رشيد الدين بن شهراشوب المازندراني

٤٣٩

في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول. (١)

ولمّا رأى ابن سعد تواصل صولاته ، وتتابع حملاته ، نادى في بقيّة الأحزاب من أحزابه ، وكفرة الكتاب من كتائبه وصحابه : ويلكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فضيّقوا عليه المسالك والمذاهب ، وأحدقوا به من كلّ جانب ، ضرباً بالصفاح ، وشجراً بالرماح.

عن ابي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : وجد بالحسين عليه‌السلام ثلاثمائة وبضعة وعشرون جراحة ما بين ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، وكانت أكثرها في مقدّمته.

وعن ابن جرير الطبري ، قال : وجد بالحسين ألف وتسعمائة جراحة ما بين ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ. (٢)

فيا إخواني ، ما للعيون لهذا الرزء العظيم لا تدمع؟ وما للقلوب لهذا الخطب الجسيم لا تنجع؟ وما للأكباد بسيوف الأحزان لا تتقطّع؟ فعمىً بطرف لا يسحّ دماً لغربتهم ، وسحقاً لقلب لا يتضعضع أسفاً لمحنتهم ، أفلا تبكون على من بكت السماء دماً عليهم؟ أفلا تأسفون على من سجدت جباه الفجر لديهم؟ أفلا تجزعون لمصاب المصطفى والمرتضى والزهراء؟ أفلا تحزنون لأجسادهم مرمّلة بالدماء؟ أفلا تقرحون الأجفان لبدور غيّبت في كربلاء؟ أفلا تجدّدون الأحزان لمصاب أشرف أهل الأرض والسماء؟

كم سيّد لي بكربلاء

خضّب من نحره المشيب؟

__________________

١ و ٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١٠.

٤٤٠