تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

فقال عليه‌السلام : بئس ما فعلت ، كيف فعلت؟

فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يفلح قوم ملكت عليهم امرأة ، وقد ملكت عليّ امرأتي فأمرتني أن اشتري غلاماً (١) ، فاشتريته وقد أبق منّي.

فقال صلوات الله عليه : اختر أحد ثلاثة : إن شئت قيمة عبد. فقال : ها هنا لا تتجاوز! قد اخترت ، فأعطاه ذلك.

وقال أنس : حيّت (٢) جارية للحسن عليه‌السلام بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرة لوجه الله ، فقلت له في ذلك ، فقال : أدبنا الله سبحانه وقال : ( وَإذَا حُيِِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ مِنهَا ) (٣) وكان أحسن منها إعتاقها. (٤)

وروى المبرد قال : رآه شاميّ راكباً فجعل يلعنه والحسن عليه‌السلام لا يرد ، فلمّا فرغ أقبل عليه الحسن وضحك وقال : أيّها الشيخ ، أظنّك غريباً ولعلك شبهتني ، فلو استعنتنا أعناك (٥) ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كنت ذا حاجة قضيناها لك ، فلو كنت حرّكت رحلك إلينا ، وكنت ضيفاً لنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأن لنا موضعاً رحباً ، وجاهاً عريضاً ، ومالاً كثيراً.

____________

١ ـ في المناقب : عبداً.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : جاءت.

٣ ـ سورة النساء : ٨٦.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٦ ـ ١٨ ، عنه البحار : ٤٣/٣٤١ ح ١٥.

٥ ـ في المناقب : فلو استعتبتنا أعتبناك. أيّ لو استرضيتنا فرضّيناك.

٢١

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى ، ثمّ قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ ، فالآن أنت أحبّ الخلق إليّ ، وحوّل رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقداً محبّتهم. (١)

وروى البخاري والموصلي : قال إسماعيل بن خالد لأبي جحيفة : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال : نعم ، وكان الحسن عليه‌السلام يشبهه.

أبو هريرة [ قال ] (٢) : دخل الحسن يوماً وهو معتمّ فظننت أنّ (٣) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث.

وروى الغزالي: أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للحسن: أشبهت خَلقي وخُلقي.(٤)

دعا أمير المؤمنين عليه‌السلام محمد بن الحنفيّة يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل ، فذهب فمنعوه بنو ضبّة ، فلمّا رجع إنتزع الحسن الرمح من يده ، وقصد قصد الجمل ، وطعنه برمحه ، ورجع إلى والده ، وعلى الرمح أثر الدم ، فتمغر وجه محمد من ذلك ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تأنف فإنّه ابن النبيّ وأنت ابن علي. (٥)

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٩ ، عنه البحار : ٤٣/٣٤٤ ذ ح ١٦.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أن.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٠ ـ ٢١ ، عنه البحار : ٤٣/٢٩٣ ـ ٢٩٤.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢١ ، عنه البحار : ٣٢/١٨٧ ح ١٣٧ ، وج ٤٣/٣٤٥ ذ ح ١٧.

٢٢

وطاف الحسن عليه‌السلام بالبيت يوماً فسمع رجلاً يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء ، فالتفت إليه فقال : قل هذا ابن عليّ بن أبي طالب ، فأبي خير من أمي. (١)

وتفاخرت قريش والحسن عليه‌السلام ساكت لا ينطق ، فقال له معاوية : [ يا ] (٢) أبا محمد ما لك لا تنطق؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب ، ولا بكليل اللسان.

فقال الحسن عليه‌السلام : ما ذكروا فضيلة إلا وليّ محضها ولبابها. (٣)

أخبار أبي حاتم (٤) : إنّ معاوية فخر يوماً ، فقال : أنا ابن بطحاء مكّة ، أنا ابن أغزرها (٥) جوداً ، وأكرمها جدوداً ، وأنا ابن من ساد قريشاً فضلاً ناشئاً وكهلاً.

فقال الحسن عليه‌السلام : يا معاوية ، أعليّ تفتخر؟! أنا ابن عروق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد اهل الدنيا ، بالفضل السابق ، والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة الله ، ومعصية معصية الله ، فهل لك أب كأبي تباهيني به ، وقديم كقديمي تساميني به؟ قل : نعم ، أو لا.

فقال معاوية : بل أقول : لا ، وهي لك تصديق. (٦)

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢١ ، عنه البحار : ٤٣/٣٤٥ صدر ح ١٨.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢١ ، عنه البحار : ٤٤/١٠٣ ح ١٠.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أمثال أبي حازم.

٥ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أعرفها.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢١ ـ ٢٢ ، عنه البحار : ٤٤/١٠٣ ح ١١ وعن كشف الغمة : ١/٥٧٥.

٢٣

وقال معاوية يوماً للحسن عليه‌السلام : أنا خير منك.

قال : كيف ذاك : يا ابن هند؟

قال : لأن الناس قد اجتمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك.

قال الحسن : هيهات هيهات لشرّ ما علوت ، يا ابن آكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص لله ، والمكره معذور بكتاب الله ، وحاشى لله أن أقول أنا خير منك فلا خير فيك ، ولكن الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل.

كتاب الشيرازي : روى سفيان الثوري ، عن واصل ، عن الحسن ، عن ابن عبّاس في قوله سبحانه : ( وَشَارِكهُم فِي الأَموَالِ وَالأَولاَدِ ) (١) أنّه جلس الحسن بن عليّ عليه‌السلام ويزيد بن معاوية يأكلان الرطب ، فقال يزيد : يا حسن ، إنّي مذ كنت أبغضك.

فقال الحسن : يا يزيد ، اعلم أن إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماء ان فأورثك ذلك عداوتي ، لأنّ الله سبحانه يقول : ( وَشَارِكهُم فِي الأَموَالِ وَالأَولاَدِ ) وشارك الشيطان حرباً عند جماعه فولد له صخر ، فلذلك كان يبغض جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

هرب سعيد بن سرح (٢) من زياد إلى الحسن عليه‌السلام ، فكتب الحسن إليه يشفع فيه.

فكتب زياد إلى الحسن :

__________________

١ ـ سورة الإسراء : ٦٤.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : سعد بن أبي شرح.

٢٤

من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة.

أمّا بعد :

فقد أتاني كتابك تبدأ فيه باسمك قبل اسمي وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة (١) ، وذكر نحواً من ذلك.

فلمّا قرأ الحسن الكتاب تبسم وأنفذ بالكتاب إلى معاوية ، فكتب معاوية إلى زياد لعنه الله يؤنّبه ويأمره أن يخلّي عن أخي سعيد وولده وامرأته وردّ ماله وبناء ما قد هدمه من داره ، ثمّ قال :

وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم اُمّه لا تنسبه إلى أبيه ، واُمّه بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أفخر له إن كنت تعقل. (٢)

كتاب الفنون (٣) عن أحمد المؤدّب ونزهة الأبصار : أنّه مرّ الحسن عليه‌السلام بقوم فقراء وقد وضعوا كسيرات لهم على الأرض وهم يلتقطونها ويأكلونها ، فقالوا له : هلمّ يا ابن رسول الله إلى الغذاء ، فنزل وقال : إنّ الله لا يحبّ المستكبرين (٤) ، وجعل يأكل معهم حتّى اكتفوا والزاد على حاله ببركته، ثمّ دعاهم إلى منزله (٥) وأطعمهم وكساهم.(٦)

وفي العقد : أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن عليّ عليه‌السلام بين

____________

١ ـ السُوقَة : الرعية.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٢ ـ ٢٣ ، عنه البحار : ٤٤/١٠٤ ح ١٢ وعن كشف الغمة : ١/٥٧٣.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : العيون.

٤ ـ إقتباس من قوله تعالى في سورة النحل : ٢٣.

٥ ـ في المناقب : ضيافته.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٣ ، عنه البحار : ٤٣/٣٥١ ح ٢٨.

٢٥

يدي معاوية : أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن. ويقال : إن ذلك من الخرق.

فقال عليه‌السلام : ليس كما بلغك ولكنّا معشر بني هاشم أفواهنا عذبة وشفاهنا طيبة (١) ، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن ، وأنتم معشر بني اُميّة فيكم بخر شديد ، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى أصداغكم ، فإنّما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك.

فقال مروان : أمّا إنّ يا بني هاشم فيكم خصلة سوء.

قال : وما هي؟

قال : الغلمة (٢).

قال : أجل ، نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا ، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم ، فما قام لاُموية إلا هاشمي ، ثمّ خرج ، وأنشد صلوات الله عليه :

وما رست هذا الدهر خمسين حجة

وخمساً اُرجّي قابـلاً بعد قابلِ

فما أنا في الـدنيا بلـغت جسيمها

ولا في الّذي أهوى كدحت بطائلِ

وقد أشرعتني فـي المـنايا أكفها (٣)

وأيقنت أنّي رهـن موت معاجل (٤)

____________

١ ـ في المناقب : طيبة أفواهنا ، عذبة شفاهنا.

٢ ـ الغلمة : شهوة الجماع.

٣ ـ استظهر في هامش البحار : فقد أشرعت في المنايا أكفها.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٣ ـ ٢٤ ، عنه البحار : ٤٤/١٠٥ ح ١٣.

٢٦

قيل لمجنون : الحسن كان أفضل أم الحسين؟

قال : الحسن ، لقوله سبحانه : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ) (١) ولم يقل : حسينة. (٢)

وروى أبو يعلى الموصلي في المسند : عن ثابت البناني ، عن أنس وعبد الله ابن شيبة (٣) ، عن أبيه أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قام إلى صلاة والحسن متعلق به ، فوضعه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جانبه وصلّى ، فلمّا سجد أطال السجود فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سلم قال له القوم : يا رسول الله ، لقد سجدت في صلاتك سجدة ما كنت تسجدها ، كأنما يوحى إليك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم يوح إليّ ، ولكن ابني كان على كتفي فكرهت أن اعجله حتّى نزل.

وفي رواية اخرى أنّه قال : إن ابني ارتحلني فكرهت أن اعجله حتّى يقضي حاجته.

وفي رواية اخرى : قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي بنا وهو ساجد فيجيء الحسن وهو صبي صغير حتّى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعاً رفيقاً ، فلمّا صلّى صلاته قالوا : يا رسول الله ، إنّك لتصنع بهذا الصبي شيئاً لم تصنعه بأحد!

فقال : هذا ريحانتي.

____________

١ ـ سورة البقرة : ٢٠١.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٤.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : شبيب.

٢٧

وعن أبي هريرة : قال : ما رأيت الحسن قطّ إلا فاضت عيناي بدموعها ، وذلك أنّه أتى يوماً يشتد حتّى قعد في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يقول في لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا وهكذا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفتح فمه ، ثمّ يدخل فمه في فمه ، ويقول : اللّهمّ انّي اُحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، يقولها ثلاث مرات.

عبد الرحمان بن أبي ليلى : كنّا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء الحسن وأقبل يتمرّغ عليه فرفع قميصه وقبل زُبيبته. (١)

الخدري : إن الحسن عليه‌السلام جاء والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي فأخذ بعنقه وهو جالس ، فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن الحسن ليمسك بيديه حتّى ركع.

وعن أبي هريرة : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّل الحسن ، فقال الأقرع بن حابس : إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لا يرحم لا يُرحم. (٢)

وروي من طرق العامّة ، ورواه أصحابنا رضي الله عنهم في كتبهم : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعن عليّ بن الحسين ، وعن أسماء بنت عميس ، قالت : لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهما‌السلام جاءني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها ، وقال : يا

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٤ ـ ٢٥ ، عنه البحار : ٤٣/٢٩٤ ح ٥٥.

وانظر ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام من القسم غير المطبوع من طبقات ابن سعد : ٤٠ ح ٤٠ ، ففيه مصادر كثيرة للحديث.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٥ ، عنه البحار : ٤٣/٢٩٥ ح ٥٦.

٢٨

أسماء ألم أعهد إليكم ألا تلفوا المولود في خرقة صفراء؟ فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه ، فأذن في اذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وقال لعليّ : أيّ شيء سميت ابني هذا؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما كنت لأسبقك باسمه ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنا لا اُحبّ أن أسبق ربّي باسمه ، ثمّ هبط جبرئيل ، فقال : السلام عليك يا محمد ، العلي الأعلى يقرؤك السلام ، ويقول : علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبيّ بعدك ، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون.

قال : وما اسم ابن هارون ، يا جبرئيل؟

قال : شبّر.

قال : لساني عربيّ.

قال : سمّه الحسن.

قال : فلمّا كان يوم سابعه عق عنه بكبشين أملحين ، وأعطى القابلة فخذاً وحلق رأسه ، وتصدق بوزن الشعر ورقاً ، وطلى رأسه بالخلوق (١) ، ثمّ قال : يا أسماء ، الدم فعل الجاهلية.

قالت : فلمّا ولد الحسين فعل مثل ذلك. (٢)

__________________

١ ـ الخلوق : طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٥ ـ ٢٦ ، عنه البحار : ٤٣/٢٣٨ ح ٤ وعن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢/٢٥ ح ٥ ، وصحيفة الرضا عليه‌السلام : ٢٤٠ ح ١٤٦.

٢٩

قال الباقر عليه‌السلام ـ في خبر ـ : فوزنوا الشعر فكان وزنه درهماً ونصفاً. (١)

الصادق عليه‌السلام وابن عبّاس وأبوهريرة أيضاً : إن فاطمة عادت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الّذي عوفي منه ومعها الحسن عليه‌السلام والحسين عليه‌السلام ، فأقبلا يغمزان ممّا يليهما من يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى اضطجعا على عضديه وناما ، فلمّا انتبها خرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق وقد أرخت السماء عزاليها ، فسطع لهما نور ، فلم يزالا يمشيان في ذلك النور ويتحدثان حتّى أتيا حديقة بني النجار فاضطجعا وناما ، إلى تمام الحديث (٢) ، وهذا الحديث أوردته مستوفى من أمالي الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن عليّ بن بابوية القمي رضي الله عنه عند ذكر مأتم للأعمش مع أبي جعفر المنصور الدوانيقي قبل هذا المجلس ، فلا حاجة لإعادته.

وكان مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام اُحد سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : سنة اثنتين ، وجاءت به فاطمة عليها‌السلام يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة ، وكان جبرئيل أتى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسماه حسناً ، وعق عنه كبشاً ، فعاش مع جدّه سبع سنين وأشهراً ، وقيل : ثمان ، ومع أبيه صلوات الله عليه ثلاثين سنة ، وبعده تسع سنين ، وفي رواية : عشر سنين.

وكان صلوات الله عليه ربع القامة ، وله محاسن كثّة (٣).

__________________

١ و ٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٦.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : كثير.

ويقال : كثّ اللحية : إذا اجتمع شعرها وكثر نبته وجعد من غير طول.

٣٠

وأصحابه (١) أصحاب أبيه.

وبابه : قيس بن ورقاء (٢) المعروف بسفينة ورشيد الهجري ، ويقال : وميثم التمار.

وبويع بعد أبيه يوم الجمعة الحادي العشرين [ من ] (٣) شهر رمضان في سنة أربعين.

وكان أمير جيشه عبيد الله بن العبّاس ، ثمّ قيس بن سعد بن عبادة.

وكان عمره لما بويع سبعاً وثلاثين سنة ، فبقي في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية لعنه الله في سنة إحدى وأربعين ، ثمّ خرج عليه‌السلام إلى المدينة فأقام بها عشر سنين.

وسمّاه الله تعالى الحسن ، وسمّاه في التوراة شبراً.

وكنيته : أبو محمد وأبوالقاسم.

وألقابه : السيد ، والسبط ، والأمين ، والحجّة ، والبرّ ، والتقيّ ، والزكيّ ، والمجتبى ، والسبط الأوّل ، والزاهد.

واُمّه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وظلّ مظلوماً ، ومات مسموماً.

وقبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية ، فكان في سني إمامته أوّل ملك معاوية ، ومرض صلوات الله عليه أربعين يوماً ومضى لليلتين

____________

١ ـ البحار : ٤٤/١١٢ ح ٦ عن المناقب.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : بن أبي ورقاء.

٣ ـ من المناقب.

٣١

بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة ، وقيل : سنة تسع وأربعين وعمره سبعة وأربعون سنة وأشهر ، وقيل : ثمان وأربعون ، وقيل : في تمام سنة خمسين من الهجرة.

وكان معاوية بذل لجعده بنت محمد بن الأشعث الكندي وهي ابنة اُمّ فروة اخت (١) أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار ، وإقطاع عشرة ضياع من سقي سُورا (٢) وسواد الكوفة على أن تسم الحسن عليه‌السلام وتولّى الحسين عليه‌السلام غسله وتكفينه ودفنه ، وقبره بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد. (٣)

وأولاده خمسة (٤) عشر ذكراً وبنت واحدة ، عبد الله وعمر والقاسم اُمهم اُمّ ولد ، والحسين الأثرم والحسن اُمّهما خولة بنت منظور بن رباب الفزارية ، وعقيل والحسن اُمّهما اُمّ بشير بنت منظور بنت أبي مسعود الخزرجية ، وزيد وعمر من الثقفية ، وعبد الرحمان من أم ولد ، وطلحة وابوبكر اُمّهما اُمّ إسحاق بنت طلحة التيمي ، وأحمد وإسماعيل والحسن الأصغر ، ابنته اُمّ الحسن فقط ، ويقال : واُم الحسين وكانتا من اُمّ بشير الخزاعية ، وفاطمة من اُمّ إسحاق بنت طلحة ، واُم عبد الله واُم سلمة ورقية لاُمهات أولاد.

وقتل مع الحسين عليه‌السلام من أولاده : عبد الله والقاسم وأبوبكر.

والمعقبون من أولاده اثنان : زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن.

في كتاب قوت القلوب : ان الحسن عليه‌السلام تزوج مائتين وخمسين

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : بنت

٢ ـ موضع بالعراق ، وهو من بلد السريانيين.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٨ ـ ٢٩ ، عنه البحار : ٤٤/١٣٤ ح ٣.

٤ ـ في المناقب : ثلاثة.

٣٢

امرأة ، وقيل : ثلاثمائة (١) وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام ينضجر من ذلك. (٢)

أبو عبد الله المحدث في رامش أفزاي : إنّ هذه النساء كلهن خرجن في جنازته حافيات. (٣)

__________________

١ ـ لقد تعددت القصص عن زوجات الحسن عليه‌السلام وطلاقه والذي يبدو أنّها حيكت بعده بفترة ، وإلا فطيلة حياته عليه‌السلام لم نر معاوية ولا واحداً من زبانيته عاب الحسن عليه‌السلام بذلك ، وهو الّذي كان يتسقّط عثرات الحسن عليه‌السلام ، فلم يجد فيه ما يشينه ، فهو ممّن أذهب الله عنهم الرِّجس وطهرهم تطهيراً.

ولو كان هناك بعض الشيء لزمّر له معاوية وطبّل ، أضف إلى ذلك كلّه أن المراجع التاريخية وكتب الانساب والرجال لا تعدّ له من النساء والأولاد أكثر من المعتاد في ذلك العصر ، فلو كان أحصن سبعين امرأة أو تسعين لكان أولاده يعدون بالمئات.

فانظر لطبقات ابن سعد فلا تجده يسمّي للحسن عليه‌السلام أكثر من ستّ نساء وأربع امهات أولاد. والمدائني كذلك لم يعد للحسن عليه‌السلام أكثر من عشر نساء كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦/٢١.

٢ ـ إشارة واحدة من أمير المؤمنين عليه‌السلام كانت تكفي في أن يمتنع الحسن عليه‌السلام عمّا لا يرتضيه له أبوه ووليّ أمره وأميرالمسلمين جميعاً ، وأميرالمؤمنين عليه‌السلام وأعرف الناس بطواعية ابنه البارّ له ، وانّه المعصوم المطهر بنص الكتاب والسنّة الثابتة الصحيحة ، وقد نص هو أيضاً على عصمته فيما أخرجه الحافظ أبو سعيد بن الأعرابي في معجمه الورقة ١٥٧/أ : أخبرنا داوود بن يحيى الدهقان ، أخبرنا بكار بن أحمد ، أخبرنا إسحاق ـ يعني بن يزيد ـ عن عمرو بن أبي المقدام ، عن العلاء بن صالح عن طارق بن شهاب ، قال : سمعت عليّاً يقول : المعصوم منّا أهل البيت خمسة ، رسول الله وأنا وفاطمة والحسن والحسين.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٢٩ ـ ٣٠ ، عنه البحار : ٤٤/ ١٦٨ ح ٤.

٣٣

فصل

في أمره عليه‌السلام مع معاوية عليه لعنة الله

لمّا مات أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب الحسن عليه‌السلام بالكوفة ، فقال : أيّها الناس ، إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة ، وكل ما فيها فإلى زوال واضمحلال ـ إلى أن قال ـ : وإنّي ابايعكم على أن تحاربوا من حاربت ، وتسالموا من سالمت.

فقال الناس : سمعنا وأطعنا فمرنا بأمرك يا إمام المؤمنين ، فأقام بالكوفة شهرين. (١)

وروى صاحب مقاتل الطالبيّين : ان الحسن خطب صبيحة الليلة الّتي قتل فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : لقد قبض الله في هذه الليلة رجلاً لم يسبقه الأوّلون ، ولا يدركه الآخرون [ بعمل ] (٢) ، ولقد كان يجاهد بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقيه بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتّى يفتح الله عليه ، ولقد توفّي في الليلة الّتي عرج فيها بعيسى بن مريم ، والّتي توفّي فيها يوشع بن نون ، ولا خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٣١ ، عنه البحار : ٤٤/٥٤ ح ٦.

٢ ـ من المقاتل.

٣٤

لأهله ، ثمّ خنقته العبرة ، فبكا [ وبكى ] (١) الناس معه.

ثمّ قال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله عزّوجلّ بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم ، فقال : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) (٢) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.

قال : فقام ابن عبّاس رضي الله عنه فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة ، فبايعوه ، ثمّ نزل عن المنبر.

قال : ودسّ معاوية رجلاً من [ بني ] (٣) حمير الى الكوفة ، ورجلاً من بني القين إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار ، فدلّ على الحمـيري عند لحـام جرير (٤) ، ودلّ على القيني بالبصرة في بني سليم فأخذا وقتلا.

وكتب الحسن عليه‌السلام إلى المعاوية :

أمّا بعد : فإنّك دسست إليّ الرجال كأنّك تحب اللقاء ، وما أشكّ في ذلك فتوقّعه إن شاء الله ، وقد بلغني أنّك شمت بما لا يشمت (٥) به أهل الحجى ، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأوّل :

____________

١ و ٣ ـ من المقاتل.

٢ ـ سورة الشورى : ٢٣.

٤ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : لجام بن حريز.

٥ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : انّك تسميت بما يسمّى.

٣٥

وقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضى

تـأخّر (١) لاخرى مثلها فكأن قد

وإنّا ومـن قد مـات منّا فكالذي

يروح فيمسي في المبيت ويغتدي

فأجابه معاوية :

أمّا بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وقد علمت بما حدث فلم أفرح قطّ ولم أشمت ولم آس ، وإنّ عليّ بن أبي طالب لكما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة (٢) :

فأنت الـجواد وأنت الـذي

إذا مـا القلوب مـلأن الصـدورا ء

جــدير بطعنة يـوم اللقا

تضـرب فيـه النسـاء النحورا

وما مزيد من خليج البـحا

ر يعلـو الآكـام ويعلو الـجسورا (٣)

بأجـود منـه بمـا عنـده

فيعطي الاُلوف (٤) ويعطي البدورا

قال : وكتب عبد الله بن عبّاس من البصرة إلى معاوية :

فأمّا بعد : فإنّك ودسك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات (٥) قريش مثل الّذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال اُميّة بن الصلت (٦) :

لعمرك إنّي والخزاعي طاويا (٧)

كنعـجة عـاد حتفها تتـحفر

أثارت عليها شفرة بكراعها

فضلت بها من آخر الليل تنحر

____________

١ ـ في المقاتل : تجهّز.

٢ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : أعشى بني تغلبة.

٣ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : خليج البحور ... النحورا.

٤ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : غير مقروءة.

٥ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : غيلان.

٦ ـ في المقاتل : قال بن الأسكر.

٧ ـ في المقاتل : طارقا.

٣٦

شمت بقوم من صديقك أهلكوا

أصابهم يوماً من الموت أصفر (١)

فكتب إليه معاوية :

أمّا بعد : فإن الحسن كتب إليّ بنحو ممّا كتبت ، وأنبأني بما لم أحسن ظناً وسوء رأي ، وإنّك لم تصب مثلك ومثلي ولكن مثلياً كما قال طارق الخزاعي :

فوالله ما أدري وإنّي لصادق

إلى أيّ مـن يظنّني أتعذّر (٢)

اعنف إن كانت زبينة أهلكت

ونال بني لحيان شرّ فأنفروا

وكتب الحسن عليه‌السلام إلى معاوية :

من عبد الله الحسن بن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان.

سلام عليك ، فإنّي أحمد الله الّذي لا إله إلا هو.

أمّا بعد :

فإنّ الله تعالى بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة للعالمين ، ومنّة على المؤمنين ، وكافّة إلى الناس اجمعين ، لينذر من كان حيّاً ، ويحق القول على الكافرين ، فبلّغ رسالات الله وأقام على أمر الله حتّى توفّاه الله وهو غير مقصّر ولا وان حتّى (٣) اظهر الله به الحق ، ومحق به الشرك ، ونصر به المؤمنين ، وأعزّ به العرب ، وشرف به قريشاً خاصة ، فقال سبحانه : ( وَاِنَّهُ لذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ ) (٤) فلمّا توفّي صلى‌الله‌عليه‌وآله تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش : نحن قبيلته واسرته وأولياؤه فلا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس

____________

١ ـ في المقاتل : من الدهر أعسر.

٢ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : إلى من تظنّيني له أتعذّروا.

٣ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : حين.

٤ ـ سورة الزخرف : ٤٤.

٣٧

وحقّه ، فرأت العرب أن القول ما قالت قريش وانّ الحجّة لهم في ذلك على من ينازعهم أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأذعنت (١) لهم العرب وسلّمت ذلك ، ثمّ حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاجّت به العرب ، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج ، فلمّا صرنا اهل بيت محمد وأوّلناه (٢) إلى محاجتهم وطلب النصف بينهم (٣) باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا ظالمين عند الله وهو الولي والنصير.

وقد تعجبنا لتوثب المتوثّبين علينا في حقنا وسلطان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الاسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به ، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا من فساده ، واليوم فليعجب المتعجب من توثبك ـ يا معاوية ـ على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف ، ولا أثر في الاسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن اعدى قريش لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن الله خيّبك ، وسترد فتعلم لمن عقبى الدار ، تالله لتلقين عن قليل ربّك ، ثمّ ليجزينّك (٤) بما قدمت يداك وما الله بظلّام للعبيد.

إنّ عليّاً لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض ويوم يبعث حيّاً وّلاني المسلمون الأمر من بعده ، فأسأل الله ألا يزيدنا في الدنيا الفانية شيئاً ينقصنا به غداً في الآخرة ممّا عنده من كرامته ، وإنّما حملني على الكتاب إليك الاعذار

__________________

١ ـ في المقاتل : فأنعمت.

٢ ـ في المقاتل : وأوليائه.

٣ ـ في المقاتل : منهم.

٤ ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : ولكتابه والله حسبك ليجزينّك.

٣٨

فيما بيني وبين الله سبحانه في أمرك ، ولك في ذلك إن فعلت الحظّ الجسيم ، وللمسلمين فيه صلاح ، فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله وعند كلّ أوّاب حفيظ ومن له قلب منيب ، واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين فوالله مالك من خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه ، وادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الأمر ممّن هو أحقّ به منك ليطفىء الله (١) النائرة بذلك ، وتجتمع الكلمة ، ويصلح ذات البين ، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتّى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

وأجابه (٢) معاوية على يدي جندب الأزدي موصل كتاب الحسن عليه‌السلام :

فهمت ما ذكرت به محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أحقّ الأوّلين والآخرين بالفضل كلّه ، وذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده فصرحت بنميمة فلان وفلان وأبي عبيده وغيره ، فكرهت ذلك لك لأنّ الاُمّة قد علمت أن قريشاً أحقّ بها ، وقد علمت ما جرى من أمر الحكمين ، فكيف تدعوني إلى أمر إنّما تطلبه بحقّ أبيك وقد خرج أبوك منه؟

ثمّ كتب :

أمّا بعد :

فإنّ الله يفعل في عباده ما يشاء (٣) ، لا معقب لحكمه وهو سريع

____________

١ ـ لفظ الجلالة اثبتناه من المقاتل.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٣١.

٣ ـ إقتباس من سورة الحج : ١٨.

٣٩

الحساب (١) ، فاحذر أن تكون منيّتك على يدي رعاع الناس وآيس أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عمّا أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، وأنجزت لك ما شرطت ، وأكون في ذلك كما قال أعشى قيس (٢) :

وإن أحـد أسدى إليـك كـرامة

فأوف بما يدعى إذا مت وافيا

فلا تحسد المولى إذا كان ذا غنىً

ولا تجفه إن كـان للمال نائيا

ثمّ الخلافة لك من بعدي وأنت أولى الناس بها.

وفي رواية : لو كنت أعلم أنّك أقوى للأمر ، وأضبط للناس ، وأكبت للعدوّ ، وأقوى على جمع الأموال منّي لبايعتك لأنّني أراك لكلّ خير أهلاً. ثمّ قال : إن أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر [ وأبيك ] (٣) بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ كتب :

فادخل في طاعتي [ ولك الأمر من بعدي ] (٤) ولك ما في بيت مال العراق بالغاً ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت ، ولك خراج كور العراق يثبته معاوية لك إعانة على نفقتك (٥) يجيبها أمينك ويحملها إليك كلّ سنة ، ولك ألا يستولى عليك

__________________

١ ـ إقتباس من سورة الرعد : ٤١.

٢ ـ في المناقب : أعشى بني قيس.

وهو ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي أبو بصير ، يقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير ، توفّي سنة ( ٧ ) ه‍. ( أعلام الزركلي : ٨/٣٠٠ ).

٣ ـ من المناقب.

٤ ـ من المقاتل.

٥ ـ في المقاتل : ولك خراج أيّ كور العراق شئت معونة لك على نفقتك.

٤٠