السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري
المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
أجسادهم بعروض الموت قطعها |
|
من الصوارم في الهيجاء تفاعيلُ |
لها ثرى كربلاء مغنى وللملأ الـ |
|
أعلى لدى تربها حمداً وتهليلُ |
في الله مذ بذلوا الأرواح قيل لهم |
|
في جنّة طاب مثواها لكم قيلُ |
معارج العالم العلويّ منزلهم |
|
له عليه بأمر الله تنزيلُ |
يا من مصابهم أوهى قواي فما |
|
للحزن عن قلبي المكروب تحويلُ |
قضيّة الصبر في أحشائي مهملة |
|
والكرب والغم موضوع ومحمولُ |
لهفي لنسوتكم عنفاً تساق على |
|
كور المطي لها بالسير تعجيلُ |
وفي الرماح بدور من وجوهكم |
|
لها بشمس الضحى بالحسن تمثيلُ |
يا اُمّة قتلت آل الرسول وفي |
|
عفو الإله لها بالظن تأميلُ |
ضلّت مساعيكم خابت ظنونكم |
|
فما لكم غير خزي الله محصولُ |
قد هيّئت لكم في الحشر أربعة |
|
نارٌ وعارٌ وأغلالٌ وتنكيلُ |
يعوذ أهل لظى منكم ويلعنكم |
|
أهل الضلال وفرعون وقابيلُ |
قتلتم عترة خير الأنام لهم |
|
جدُّ وسادسهم في العدِّ جبريلُ |
ومن بفضلهم في الذكر قد شهدت |
|
من غافر الذنب في القرآن تنزيلُ |
ومن لهم بفؤادي منزل رحب |
|
بخالص الودّ معمور ومأهولُ |
يا عاذلي لا تلمني إن بكيت دماً |
|
لما عراهم فما ذو الحزن معذولُ |
من سفح عيني في سفح الطفوف جرى |
|
عقيق دمع بكفّ الوجد معمول |
ويا معاشر لوّامي على جزعي |
|
لما أصابهم ما شئتم قولوا |
اسناد وجدي صحيح لا خلاف به |
|
لكن أحاديث سلواني مراسيلُ |
دعواي صدق ولاءهم لا يدنّسه |
|
شكّ بوسوسة الشيطان مغلولُ |
لمرسل الدمع من عيني معجزة |
|
فيها دليل على صدق ومدلولُ |
صرفت نحوهم من منطقي درراً |
|
بيانها من معاني الحبّ منقولُ |
إذا تلاها وليّ طاب مولده |
|
له فؤاد على الاخلاص مجبولُ |
بهذه طرباً موصول نعمتها |
|
ومن بلاغتها وصل وتذييلُ |
يا سادتي يا بني طه الهداة ومن |
|
بحبّهم عملي في الحشر مقبولُ |
ومن إذا خابت الآمال كان بهم |
|
لي في المعاد إذا حوسبت مأمولُ |
كم شانىء صدّه الله العليّ بكم |
|
عنّي فردّ بغيض وهو مخذولُ |
يصدّ عنّي بوجه كالح وله |
|
طرفٌ بمرود ما يجفيه مكحولُ |
رام انتقاصي برأي قائل فلذا |
|
ك الحدّ منه بعون الله مغلولُ |
إذا تصوّرت ما ابداه من حمق |
|
فيه لقلبي تخويف وتهويلُ |
جعلتكم جُنّتي من ينل فتنته |
|
فتنثني وهو بالتوبيخ مرذولُ |
يا من هم عصمتي في النائبات ومَن |
|
أمري إليهم مدى الأيّام موكولُ |
لا تطردوني عن أبواب جودكم |
|
فأنتم غايتي والقصد والسؤلُ |
حسّاد رائق شعري في مديحكم |
|
إليَّ ترمق منهم أعين حُولُ |
مددت كفّ سؤالي نحو سيبكم |
|
إذ ليس لي غيركم في الناس مسؤولُ |
سجّل دعواي في صدق الولاء له |
|
من حاكم العقل أبيات وتسجيلُ |
ولي شهود على إثبات معتقدي |
|
لها من الله بالتصديق تعذيلُ |
لدر فائق نظمي في محبّتكم |
|
بالدر من ناقد الألفاظ تعديلُ |
منّي عليكم سلام ليس يحصره |
|
من طالب عده جد ولا قيلُ |
ما لاح صبح به للناظرين هدى |
|
أو فاح روض بماء المزن مبلولُ |
المجلس الثامن
في الأحوال الّتي جرت بعد قتل الحسين عليهالسلام
من سبي ذراريه ونسائه ، وحملهم إلى اللعين
ابن مرجانة لعنه الله ، ثمّ منه إلى يزيد بن معاوية عليهما
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
الخطبة :
الحمد لله الّذي أشرقت بنور عناية قلوب العارفين ، وتعلّقت بأذيال رحمته أرواح السالكين ، وغرقت في بحار ربوبيّته عقول العالمين ، واحترقت بشعاع سحاب بهجته أفئدة العالمين ، وأطلعت على أسرار حكمته نفوس المخلصين ، وتاهت في بيداء إلهيّته أفكار الطالبين ، فانقلبت أبصار بصائرهم حيرة عن إدراك كمال عظمته ، ورجعت أنفسهم خاسئة عن تصوّر جلال عزّته ، وقعد بهم جدّهم عن الوصول إلى كعبة عرفانه ، وطال عهدهم في طلب المحجوب من أسرار عظيم شأنه ، فعلموا أنّ جلاله جلّ عن الاحاطة بفكر وضمير ، ومجده عزّ عن الشبيه والنظير ، فعزفت أنفسهم عن مشاركة اُولي الأنفس الناقصة لكمالها وتمامها ، وعرجت إلى الرفيق الأعلى بأقدام عزمها وإقدامها ، وشربت من عين الحياة الباقية الّتي لا انقطاع لمعينها ، وطلبت درجة السعادة العالية الّتي لا انقضاء لنعيمها ، فأطلعها مبدعها على أسرار ملكوته ،
ونفعها صانعها بحلل عرفان صفات جبروته ، فأشرقت أنوار توفيقه على مرايا أفئدتها ، فانطبع مثال العالم العلويّ والسفليّ في ألواح معرفتها.
ولمّا أفرغ سبحانه حلل العناية على أعطافها ، ومنحها من كنوز العصمة ذخائر ألطافها ، أنزلها إلى عالم الفناء لاستنقاذ عباده من ورطة جهالتهم ، وتخليص أنامه من لجّة حيرتهم ، وأن يسلكوا بهم سبيل النجاة إلى نعيم جنّته ، ولورودهم معين الحياة من زلال رحمته ، ويحكوا لهم ما شاهدوا من عجائب حكمته ، ويصفوا ما عاينوا من غرائب صنعته ، وما أطلعهم عليه سبحانه من خواصّ قدرته ، وما أعدّ للمتّقين من نعيم لا تفنى أيّامه ، ولا تنقضي أعواُمّه ، ولا تبلى ثيابه ، ولا يتسنّ طعامه وشرابه.
فهدوهم النجدين ، وأوضحوا لهم السبيلين ، وأروهم ما توعّد به من أرخى لامارته عنان شهوتها ، وأجرى جواد معصيته في ميدان لذّتها ، من نارٍ فضيع عقابها ، وجيع عذابها ، ساطع لهبها ، شديد كلبها ، حامية قدورها ، فضيعة شرورها ، سلاسلها طوال ، ومقامعها ثقال ، وأهلها في بلاء شامل ، وعناء متواصل ، لا ينظر إليهم ، ولا يعطف عليهم ، قد أغلقت أبواب الرحمة عنهم وانقطعت الآمال منهم ، حتّى إذا أوضحوا لهم الدليل ، وهدوهم السَّبيل ، ونقعوا غليلهم من عين صافية ، بكأس وافية ، فلبّى دعوتهم ، واتّبع شرعتهم ، واقتفى أثرهم ، وأطاع أمرهم.
رجال صدقت عهودهم ، ووفت وعودهم ، وخلص يقينهم ، وصفى معينهم ، لم يلبسوا الظلم إيمانهم ، ولم يشوبوا بشكّ إنفاقهم ، بذلوا الأجساد في طاعتهم ، وجادوا بالأرواح في نصرتهم ، فأثبتهم سبحانه في ديوان خواصّه ، وشرّفهم بتشريفه واختصاصه ، وألحقهم بدرجة سادتهم ، ورقى بهم إلى منزل
قادتهم ، لما بذلوا الأرواح والأجساد في جهاد الأعداء طاعة لربّهم ، وتلقّوا الصفاح والصعاد (١) من أكفّ الأشقياء في حربهم ، وقويت بامتثال عزائم الله منهم العزائم ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، جعلهم أشرف أهل الجنّة بعد الأنبياء والمرسلين ، وسادة الشهداء من الأوّلين والآخرين.
وكان أعظم من اختصّ بهذه الصفات السنّية ، والمقامات العليّة ، وجعل نفسهُ جُنّة لوليّ أمره ، ووقاية لإمام عصره ، لمّا كفر من كفر ، وأنكر من أنكر ، أصحاب كربلاء الّذين أشرقت أنوار العناية على سرائرهم ، وبرقت بوارق الكرامة من ضمائرهم ، فشاهدوا ما اُلقي إليهم من غيوب البرزخ بأبصار بصائرهم ، ولا حظوا قيام الخلق شتاتاً حين مصادرهم ، ورأوا سبط نبيّهم ، ورهط وليّهم ، قد حفّت بساحته كتائب الطغيان ، وأحدقت بعرصته مواكب البهتان ، قد خلعوا أربقة الايمان من أعناقهم ، وقادهم الشيطان بزمام نفاقهم ، فاعتقدوه ربّاً وخالقاًُ ومدبّراً ورازقاً فآثروا طاعته على طاعة ربّهم ، وامتثلوا أوامره بقالبهم وقلبهم ، وارتدوا على أدبارهم خاسرين ، وأصبحوا بأنعم ربّهم كافرين ، قد حقّت عليهم كلمة العذاب ، واستوجبوا سوء العقاب ، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويهدموا منار الاسلام باعتامهم وسفهائهم ، وخذلوا الأطهار من ذرّيّة رسولهم ، ونصروا الأشرار بفعلهم وقولهم ، فاستحبّوا العمى على الهدى ، وباعوا الآخرة بالاُولى ، وكحلوا بمرود الوقاحة أحداقهم ، ولووا عن سماع الموعظة أعناقهم ، وكفروا بعد إسلامهم ، وجعلوا سيّد شباب أهل الجنّة غرضاً لسهامهم ، وأشركوا وألحدوا ، وأخلفوا ما أوعدوا ، وصبّوا شآبيب نبالهم
__________________
١ ـ الصَّعْدَة : ... قيل : هي نحو من الألّة ، والألّة أصغر من الحَرْبَة.
« لسان العرب : ٣/٢٥٥ ـ صعد ـ »
على شريف خدّه ، وأوردوا معابل انتقامهم من وريد ولده ، وجعلوا عياله يندبن صارخات ، ويتوسّلن متصرّخات.
فعندها بعث روح القدس في عقولهم ، وهزّتهم أريحية الايمان لما شاهدوا من بنات رسولهم ، وجعلوا نحورهم موارد الصفاح ، وصدورهم مصادر الرماح ، ووجوههم وقاية لوليّ أمرهم ، وجباههم جنة لوسيلتهم إلى ربّهم في حشرهم.
ولمّا صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وأصبحو صرعى بين يديه ، قد تحمّلوا الأذى واللأواء ، وسبقتهم أعضاؤهم إلى جنّة المأوى ، واطلّع سبحانه على أسرارهم وإعلانهم ، فوجدهم لا يزيد على إخلاصهم وإيمانهم ، نقلهم إلى جوار حضرته ، ونعيم جنّته ، في قصور عالية ، وقطوف دانية ، وأنهار جارية ، ورياض زاهية ، قد تفجّرت عيونها ، وراق معينها ، وابتسمت أزهارها ، وأينعت ثمارها ، نعيمها لا يبرح ، وساكنها لا ينزح ، وظلّها مديد ، وعيشها رغيد ، وأزواجها أطهار ، وحورها أبكار ، لا يذوقون الموت ، ولا يخشون الفوت ، سقفها عرش الرحمن ، وصعيدها رضا المنّان.
ولمّا فارقت الأرواح منهم الأشباح ، وتكاملت بالسعادة الأبديّة لهم الأفراح ، وسيقوا إلى الجنّة زمراً ، واستنشقوا رياح الرحمة نشراً ، اُقيموا على أعتابها ، واُوقفوا بأبوابها ، منتظرين قائدهم ، وورود رائدهم ، حتّى إذا شرب صلوات الله عليه من كأس المنيّة ما شربوا ، ورغب من جوار الله بما فيه رغبوا ، أقبلت صفوف الملائكة بين يدي حضرته قائمين ، بشرائط خدمته قائلين : أبشر بلقاء جدّك وأبيك ، وجوار اُمّك وأخيك ، فهم إلى رؤيتك مشوّقون ، ولمقدمك متشوّفون.
ولمّا شاهد صلوات الله عليه شهداء قد سبقوا ، وبفناء الجنّة أحدقوا ، قد حمدوا مشاربهم ، وبلغوا مناهم ، وشكروا مسعاهم ، قد أزلفهم مولاهم ، وأتحفهم وحيّاهم ، وقرّبهم وأدناهم ، واطمأنّت بهم الدار ، وطاب لهم القرار ، وزالت المتاعب ، وأمنت المصائب ، وجمع شملهم بحبيب قلوبهم ، واُنيلوا من النعيم المقيم زيادة على مطلوبهم ، وفتحت لهم أبواب الجنّة بأمر ربّ العالمين ، وقيل لهم : ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنينَ ) (١). فاستوطنوا من غرفها أعلاها ، واستشعروا من حللها أضفاها ، وسقوا من كؤوسها أصفاها ، وعانقوا من حورها أسناها ، تجري من تحت أبنيتهم الأنهار ، والملائكة يدخلون عليهم من كلَّ باب ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) (٢).
ولمّا أحلّهم سبحانه دار المقامة ، وأنزلهم منازل الكرامة ، وأزارهم ملائكته المقرّبين ، ورافق بهم أنبياءه المرسلين ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أجْرُ الْعَامِلِينَ ) (٣) فأقاَموا في نعمة لا حصر لعدّها ، وداموا في سعادة لا انتهاء لحدّها ، ( يَطُوفُ عََيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدوُنَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُوَنَ وحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٤).
فيا حسرتي إذ لم أكن من السابقين في حلبتهم ، أو المصلّين في سبقتهم ، المحسوبين في زمرتهم ، المعدودين من جملتهم ، أتمتّع برؤية أوليائي كما
__________________
١ ـ سورة الحجر : ٤٦.
٢ ـ سورة الرعد : ٢٤.
٣ ـ سورة الزمر : ٧٤.
٤ ـ سورة الواقعة : ١٧ ـ ٢٤.
تمتّعوا ، وأنْقَع غليلة أشواقي بمشاهدة ساداتي كما نقعوا ، إذا بارك الجليل عليهم من فوق عرشه عمّتني بركته ، وإذا أرسل جوده إليهم غمرتني رحمته ، وإذا علم سبحانه ذلك من خالص نيّتي ، وصادق طويّتي ، فالمرجوّ من فيضه العميم ، وفضله الجسيم ، أن يلحقني بدرجتهم ، ويرقى بي إلى منزلتهم ، وأن يبلغ فؤادي بهذه النيّة الخالصة غاية أمله ، فإنّ نيّة المرء خير من عمله.
المناجاة
يا حليماً لا يعجل في حكمه ، ويا عليماً لا يخرج شيء عن علمه ، ويا قاهراً لا يعجزه شيء من مخلوقاته ، ويا قادراً على كلّ من عداه من مصنوعاته ، ويا مبدع كلّ صورة لا من مادّة وصورة ، ويا من كلّ نفس في قبضة قهره مأسورة ، ويا من أحيى قلوب أوليائه بزلال محبّته ، ويا من فطر نفوس أحبّائه على مراقبته وطاعته ، واستخلصهم لنفسه واصطفاهم ، وأيّدهم بروح قدسه واجتباهم ، وتجلّى لهم في ذكره الصادر عن حضرة عزّته ، فظهر لبصائرهم في بدائع ما اخترع من لطيف صنعته ، فشاهدوا كلّ ما سواه حقيراً في جنب عظمته أسيراً في قبضة مننه ، معدوماً بالنسبة إلى وجوب وجوده ، موسوماً بسمة الافتقار الى فيضان جوده.
ولمّا ارتوت أنفسهم القدسيّة من معين عرفانه ، واطّلعت أرواحهم العلويّة على جلال عظيم سلطانه ، بذلوا تلك النفوس الطاهرة في حبّه ، وطلبوا بهممهم العالية منازل قربه ، ووالوا أولياءه بقلوب لا يشوبها شكّ ، وجاهدوا أعداءه بأبدان لا يشيبها شرك ، يرون القتل في حبّه عزّ الآخرة والاُولى ، والموت في طاعته وسيلة إلى السعادة الكبرى ، كشف لهم الحجاب فشاهدوا ما ستر عن
غيرهم ، وحثّوا الركاب فنالوا المنى بسيرهم.
ولمّا علموا أنّهم لا يمنعهم من حصول المطلوب بوصال المحبوب ، ولا يحجبهم عن السرّ المحجوب في سترات الغيوب ، إلّا خلع ملابس الحياة الفانية ، والتجرّد عن خيالات النفس الواهية ، والاتّصال بالمبدع الأكمل ، والترقّي إلى المقام الأفضل.
بذلوا الأجساد والأموال لتخليص أنفسهم من كدورات ظلمات أبدانها ، وبالغوا في إخراجها عن محلّ متاعها وحوادث أزمانها ، وباعوها من ربّها بالثمن الأوفى ، وبذلواها لمالكها بالعوض الأعلى ، وجاهدوا أعداءه إعلاءً لكلمته ، ونصروا أولياءه إخلاصاً بطاعته حتّى خلصت أنفسهم من سجون أحسادها ، وبلغت أرواحهم من السعادة الأبديّة أقصى مرادها ، فأصبحوا في عرصة كربلاء بين مخذول قد فقدت منه الأنصار ، ومقتول تسفي عليه عواصف الأعصار ، وظمآن سقى نهلته بكؤوس الحتوف ، ولهفان لم تنقع غلّته إلاّ غروب السيوف.
أسألك بحقّ تلك الأرواح المبذولة في محبّتك ، والأشباح المنبوذة في نصرتك ، والأوداج المقطّعة في إعلاء كلمتك ، والأشباح المبضّعة لتأييد حجّتك ، وبحقّ تلك النفوس الّتي قواعد إيمانها على التقوى مؤسّسة ، وبحقّ تلك الأبدان الّتي اُصول مجاريها بطهور العصمة مقدّسة ، وبحقّ تلك الضرائح الّتي هي مهابط متقرّبي ملائكتك ، وبحقّ تلك المشاهد الّتي شرفت ثراها بأجساد اوليائك وخاصّتك أن تصلّي على محمد وآل محمد ، وأن تجعلنا ممّن جلّ مصابه لمصيبتهم ، وعظم بلاؤه لبليّتهم ، وأضرمت نيران الأحزان شواظها في فؤاده ، وأوردته موارد الأشجان في إصداره وإيراده ، وأغرقت في لجّة العبرات إنسان
مقلته ، وأحرقت بتصاعد الزفرات لهفان مهجته ، وأن يكشف كربنا بقيام قائمهم الداعي إليك ، وأن تدفع غمّنا بظهور عالمهم الدليل عليك ، وأن تجعلهم شفعاءنا إليك في حشرنا ، ووسائلنا لديك يوم نشرنا ، إنّك سميع قريب ، رحيم مجيب.
فصل
ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنة الله عليه ارتحل في اليوم الثاني عشر من مقتل الحسين عليهالسلام وساق حرم رسول الله صلىاللهعليهوآله كما يساق الاُسارى ، حافيات حاسرات مسلّبات باكيات يمشين في أسر الذلّ ، حتّى إذا وصل الكوفة خرج الناس لاستقباله ، فجعلوا يبكون ويتوجّعون ، وعليّ بن الحسين عليهالسلام مريض قد نهكته العلّة ، فجعل يقول : إنّ هؤلاء يبكون ويتوجّعون من أجلنا ، فمن قتلنا؟!
قال بشير بن خزيم (١) الأسدي : نظرت إلى زينب بنت عليّ عليهالسلام فلم أر خفرة قطّ أنطق منها كأنّما تفرغ من (٢) لسان أمير المؤمنين عليهالسلام ، فأومت إلى الناس أن اسكتوا فسكتت الأصوات ، فقالت :
الحمد للهِ ، والصلاة على محمد (٣) رسول الله وعلى آله الطيّبين الأخيار.
يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والخذل ، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة ، فإنّما مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم.
__________________
١ ـ في المقتل : حذيم ، وفي مستدركات علم الرجال : ٢/٣٧ : جزيم.
٢ ـ في المقتل : كأنّما تنطق عن.
٣ ـ في المقتل : أبي محمد ، وفي الملهوف : جدّي محمد.
ألا وهل فيكم إلّا الصلف النطف ، والصدر الشنف ، وملق (١) الاماء ، وغمز الأعداء؟ أو كمرعى على دمنة ، أو كقصّة (٢) [ على ] (٣) ملحودة.
ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون وتنتحبون؟ إي والله فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً ، [ فلقد ] (٤) ذهبتم بعارها وشنارها ، ولم ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنّى ترحضون قتل سليل [ خاتم ] (٥) الأنبياء ، وسيّد شباب أهل الجنّة غداً ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ، ومدرة ألسنتكم.
ألا ساء ما تزرون ، فبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبوّئتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أيّ كبد لرسول الله صلىاللهعليهوآله فريتم؟! وأيّ دم له سفكتم؟ [ وأيّ كريمة له أبرزتم؟! ] (٦) وايّ حريم له أصبتم؟! وأيّ حرمة له انتهكتم؟! ( لَقَدْْ جِئْتُمْ شَيْئاً إدْاً تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ) (٧) إن [ ما ] (٨) جئتم بها [ لصلعاء عنقاء سوداء فقماء ] (٩) خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملء السماء.
__________________
١ ـ كذا في المقتل والملهوف ، وفي الأصل : قلق.
والصلف : الوقاحة. النطف : التلطّخ بالعيب. الشنف : الكراهة والبغض.
٢ ـ كذا في المقتل ، وهو الصحيح ، وفي الأصل والملهوف : كفضّة.
والقصّة : الجصّة بلغة أهل الحجاز.
٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٨ و ٩ ـ من المقتل.
٧ ـ سورة مريم : ٨٩ و٩٠.
أعجبتم أن مطرت (١) السماء دماً؟ ولعذاب الآخرة [ أشدّ و ] (٢) أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنّه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، كلّا وإنّ ربّكم لبالمرصاد ، فترقّبوا أوّل النحل وآخر صاد (٣).
قال بشير : فوالله (٤) لقد رأيت الناس حيارى يومئذ يبكون وقد وضعوا أيديهم (٥) في أفواههم ، ورأيت شيخاً من قدماء أهل الكوفة وقد بكى حتّى اخضلّت لحيته بدموعه وهو يقول : صدقت المرأة ، كهولهم خير كهول ، وشبّانهم خير شبّان ، ونساؤهم إذا نطقن أنطق النسوان [ ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى ]. (٦)
وروى زيد بن موسى (٧) ، قال : حدّثني أبي ، عن جدّي عليهالسلام ، قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردّت (٨) من كربلاء ، فقالت :
الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزِنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأُؤمن به
____________
١ ـ في المقتل : قطرت.
٢ ـ من المقتل.
٣ ـ أيّ قوله تعالى في سورة النحل : ١ : ( أتَى أمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) ، وقوله تعالى في سورة ص : ٨٨ : ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ).
٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : فوت الثار ، وإنّ ربّك لبالمرصاد. قال : فوالله.
٥ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : وقد ردّوا أبدانهم.
٦ ـ مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ٢/٤٠ ـ ٤٢ ، الملهوف : ١٩٠ ـ ١٩٤. وما بين المعقوفين أثبتناه من المقتل.
٧ ـ هو زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام ، توفّي نحو سنة « ٢٥٠ » ه.
انظر في ترجمته ، مقاتل الطالبيّين : ٥٣٤ ، جمهرة الأنساب : ٥٥ ، الكامل في التاريخ : ٦/١٠٤ ، الأعلام للزركلي : ٣/٦١.
٨ ـ في الملهوف : وردت.
وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلىاللهعليهوآله ، وأن ذبحوا آله بشطّ (١) الفرات بغير ذحل (٢) ولا ترات.
اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، المسلوب حقّه ، المقتول من غير ذنب كما قتل والده بالأمس في بيتٍ من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة ألسنتهم ، تعساً لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته ، حتّى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيّب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه [ اللّهمّ ] (٣) فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته يا ربّ بالاسلام صغيراً ، وحمدتَ مناقبه كبيراً ، لم يزل ناصحاً لك ولرسولك صلىاللهعليهوآله حتّى قبضته إليك ، زاهداً في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغباً في الآخرة ، مجاهداً [ لك ] (٤) في سبيلك ، رضيته فهديته (٥) إلى صراطٍ مستقيم.
أمّا بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، إنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضّلنا بنبيّه محمد صلىاللهعليهوآله على كثير ممّن خلق تفضيلاً بيّناً.
__________________
١ ـ في الملهوف : وأنّ ذرّيّته ذبحوا بشطّ.
٢ ـ الذحل : الحقد والعداوة ؛ يقال : طلب بذحله ، أيّ بثأره. « الصحاح : ٤/١٧٠١ ـ ذحل ـ ».
٣ و ٤ ـ من الملهوف.
٥ ـ في الملهوف : رضيته فاخترته وهديته.
فكذّبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نهباً ، كأنّا أولاد ترك وكابل ، كما قتلتم جدّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم ، قرّت بذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء على الله ومكراً مكرتم ، والله خير الماكرين.
فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزء العظيم في كتاب من قبل أن نبرأها ، إنّ ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحبّ كلّ مختال فخور ، أمثالكم (١) ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حلّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم ، ويذيق (٢) بعضكم بأس بعض ، ثمّ تخلّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين.
ويلكم ، اتدرون أيّ أيد طاعنتنا منكم؟ وأيّ (٣) نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟ قست والله (٤) قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، ختم على سمعكم وبصركم (٥) ، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
تبّاً لكم يا أهل الكوفة ، [ أيّ ] (٦) ترات لرسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
١ ـ في الملهوف : تبّاً لكم.
٢ ـ في الملهوف : فيسحتكم بعذاب ويذيق.
٣ ـ في الملهوف : أيّة يد ... وأيّة.
٤ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من الملهوف.
٥ ـ في الملهوف : أسماعكم وابصاركم.
٦ ـ من الملهوف.
قبلكم ، وذحول له لديكم بما عنتم (١) بأخيه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام جدّي وبنيه عترة النبيّ الطاهرين الأخيار.
وافتخر بذلك مفتخركم (٢) ، فقال :
نحن قتلنا عليّاً وبني عليّ (٣) |
|
بسيوف هنديّة ورماح |
وسبينا نساءهم سبي ترك |
|
ونطحناهم فأيّ نطاح |
بفيك أيّها القائل الأثلب والكثكث (٤) ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله وطهّرهم تطهيراً ، وأذهب عنهم الرِّجس ، فاكظم واقْعِ كما أقعَى أبوك ، وإنّما لكلّ امرىء ما اكتسب وما قدّمت أوائله (٥) ، حسدتمونا ـ ويلا ً لكم ـ على ما فضّلنا الله به.
فما ذنبنا إن جاش دهراً بحوُرنا |
|
وبحرُك ساج ما يواري الدّعامصا (٦) |
( ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (٧) ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) (٨).
قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء ، وقالوا : حسبك يا ابنة الطيّبين ، فقد
__________________
١ ـ في الملهوف : عند تم.
٢ ـ كذا في الملهوف ، وفي الأصل : وافتخر مفتخر.
٣ ـ كذا في الملهوف ، وفي الأصل : قد قتلنا عليّ وابن عليّ.
٤ ـ في « ح » : الأثلب والكثكث ـ بكسر الهمزة في الأوّل والكافين في الثاني ـ : لفظان مترادفان يعني دقاق التراب والحجر يستعملان في الحقارة والذمّ.
٥ ـ في الملهوف : يداه.
٦ ـ الدعموص : دويبة تغوص في الماء. « الصحاح : ٣/١٠٤٠ ـ دعمص ـ ».
٧ ـ سورة الحديد : ٢١.
٨ ـ سورة النور : ٤٠.
أحرقت قلوبنا ، وأنضجت (١) نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت.
قال : وخطبت اُمّ كلثوم بنت عليّ عليهالسلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، وقالت :
يا أهل الكوفة ، شوّه (٢) لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً [ وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله ، وورثتموه ، وسبيتم نساءه ] (٣) ونكثتموه؟ فتبّاً لكم وسحقاً.
ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم؟ وأيّ وزر على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماء سفكتموها؟ [ وأيّ كريمة اهتضمتموها؟ وأيّ صبية سلبتموها؟ وأيّ أموال نهبتموها؟ ] (٤) قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ونُزعت الرحمة من قلبوكم ، الا إنّ حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون.
ثمّ قالت :
قتلتم أخي صبراً فويل لأُمّكم |
|
ستُجْزون ناراً حرّا يتوقّدُ (٥)ن |
سفكتم دماءً حرّم الله سفكَها |
|
وحرّمها القرآنُ ثمّ محمدُ |
ألا فابشروا بالنار إنّكم غداً |
|
لفي سقرٍ حقّاً يقيناً تخلدوا |
____________
١ ـ في الملهوف : وأنضحت.
٢ ـ في الملهوف : سوءاً.
٣ ـ من الملهوف. وفيه : « ونكبتموه » بدل « ونكثتموه ».
٤ ـ من الملهوف.
٥ ـ في الملهوف : لفي قعر نار حرّها يتصعّد.
وإنّي لأبكي في حياتي على أخي |
|
على خير مَن بعد النبيّ سيوجد (١) |
بدمعٍ غزيرٍ مستهلٍّ مكفكفٍ |
|
على الخدّ منّي دائماً (٢) ليس يحمدُ |
قال : فضجّ الناس بالبكاء والحنين (٣) والنوح ، ونشرت النساء شعورها ووضعن التراب على رؤوسها ، وخمشن الوجوه ، وضربن الخدود (٤) ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال [ ونتفوا لحاهم ] (٥) ، فلم يُر باكياً ولا باكية أكثر من ذلك اليوم.
ثمّ إنّ زين العابدين عليهالسلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا [ فسكتوا ] (٦) ، فقام قائماً فحمد الله وأثنى عليه ، ذكر النبيّ [ بما هو أهله ] (٧) فصلّى عليه ، ثمّ قال :
أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا [ أُعرّفه بنفسي : أنا ] (٨) عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من انتُهك حريمه ، واستُلب نعيمه ، وانتُهب ماله ، وسُبي عياله ، أنا ابن مَنْ قُتل صبراً ، وكفى بذلك فخراً.
أيّها الناس ، ناشدتكم بالله هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه
____________
١ ـ في الملهوف : سيولد.
٢ ـ في الملهوف : دائب.
٣ ـ في الملهوف : قال الراوي : فضجّ الناس بالبكاء والنحيب.
٤ ـ في الملهوف : ونشرت النساء شعورهنّ ، وحثين التراب على رؤوسهنّ ، وخمشن وجوههنّ ، ولطمن خدودهنّ.
٥ و ٦ و ٧ و ٨ ـ من الملهوف.