تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

الجرح ، فلمّا امتلأت [ دماً ] (١) رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين عليه‌السلام بدمه إلى السماء ، ثمّ وضع يده ثانياً ، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا أكون حتّى ألقى جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله ، قتلني فلان وفلان.

ثمّ ضعف عليه‌السلام عن القتال فوقف ، فكلّما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه انصرف عنه [ وكره أن يلقى الله بدمه ] (٢) ، حتّى جاء رجل من كندة يقال له مالك بن النُّسَير (٣) لعنه الله فضربه بالسيف على رأسه ، وعليه بُرنُس (٤) فقطع البرنس فامتلأ دماً.

فقال له الحسين عليه‌السلام : لا أكلت بها ولا شربت (٥) ، وحشرك الله مع الظّالمين ، ثمّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها وقد أعيى ، وجاء الكنديّ وأخذ البرنس ، وكان من خزّ ، فلمّا قدم [ به ] (٦) بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه ، فقالت له امرأته ، أتدخل بيتي سلب ابن رسول الله؟ اخرج عنّي حشى الله قبرك ناراً ، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوء حال ويبست يداه ، وكانتا في الشتاء ينضحان دماً ، وفي الصيف يصيران يابستين كأنّهما

__________________

١ و ٢ و ٦ ـ من المقتل.

٣ ـ كذا ضبطه في الكامل في التاريخ : ٤/٧٥ ، لكنّه عاد وسمّاه مالك بنَ بشير البدّي ، وذلك في ص ٢٣٩ حينما أحضره المختار رحمه‌الله فأمر بقطع يديه ورجليه وتُرك يضطرب حتّى مات.

وفي المقتل والملهوف : النسر ، وفي والأصل : البشير ، وفي البحار : اليسر.

٤ ـ البرنس : القلنسوة الطويلة.

٥ ـ في المقتل : لا أكلت بيمينك ولا شربت بها.

٣٢١

عودان.

ولمّا ضعف عليه‌السلام نادى شمر لعنه الله : ما وقوفكم؟ وما تنتظرون بالرجل؟ قد أثخنته الجراح والسهام ، احملوا عليه ثكلتكم اُمّهاتكم ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فرماه الحصين بن تميم في فيه ، وأبو أيّوب الغنويّ بسهم في حلقه ، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه اليسرى ، وعمر بن خليفة الجعفي على حبل عاتقه ، وطعنه صالح بن وهب المزنيّ في جنبه ، وكان قد طعنه سنان (١) بن أنس النخعي في صدره ، فوق صلوات الله عليه على الأرض على خدّه الأيمن ، ثمّ استوى جالساً ونزع السهم من حلقه (٢).

ثمّ دنا عمر بن سعد من الحسين عليه‌السلام.

قال حميد : وخرجت زينب بنت عليّ عليه‌السلام وقُرطاها يجولان بين اُذنيها ، وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض ، يا عمر بن سعد : أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته ، وهو يصرف وجهه عنها ، والحسين عليه‌السلام جالس وعليه جبّة خزّ ، وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ما تنتظرون به؟ اقتلوه ثكلتكم اُمّهاتكم ، فضربه زُرعة بن شريك فأبان كفّه اليسرى ، ثمّ ضربه على عاتقه ، ثمّ انصرفوا عنه ، وهو يكبوا مرّة ويقوم اُخرى.

فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه ، وقال لخوليّ بن يزيد : اجتزّ رأسه ، فضعف وارتعدت يده ، فقال له سنان : جبّ (٣) الله عضدك ،

____________

١ ـ كذا في المقتل والبحار ، وفي الأصل : سفيان ، وهو تصحيف.

٢ ـ في المقتل : نحره.

٣ ـ في المقتل والبحار : فتّ.

٣٢٢

وأبان يدك ، فنزل إليه شمر (١) لعنه الله ، وكان اللعين أبرص ، فضربه برجله فألقاه على قفاه ، ثمّ أخذ بلحيته ، فقال الحسين عليه‌السلام : أنت [ الكلب ] (٢) الأبقع الّذي رأيتك في منامي.

فقال : اتشبّهني بالكلاب؟ ثمّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه‌السلام. (٣)

وقيل : لمّا جاء شمر والحسين عليه‌السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش ، فطلب الماء فرفسه شمر لعنه الله برجليه ، وقال : يا ابن أبي تراب ، ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه؟ فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده ، ثمّ جلس على صدره.

فقال له الحسين عليه‌السلام : أتقتلني ولا تعلم من أنا؟

فقال : أعرفك حقّ المعرفة ؛ اُمّك فاطمة الزهراء ، وأبوك عليّ المرتضى ، وجدّك محمد المصطفى ، وخصمك العليّ الأعلى ، أقتلك ولا اُبالي ، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ، ثمّ جزّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه ، ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم.

ثمّ سلبوه (٤) عليه‌السلام لباسه وجميع ما كان عليه ؛ فأخذ عمامته جابر ابن يزيد الأزدي ، وقميصه إسحاق بن حيوة (٥) ، وثوبه جعونة بن حوبة

____________

١ ـ في المقتل : فنزل إليه نصر بن خرشة الضبابي ، وقيل : بل شمر.

٢ ـ من المقتل : وفيه « رأيته » بدل « رأيتك ».

٣ ـ من قوله : « ولمّا قتل أصحاب الحسين » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٣٢ ـ ٥٦ عن كتابنا هذا.

٤ ـ انظر في أسماء من سلبه عليه‌السلام : مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١١.

٥ ـ كذا في الكامل : ٤/٨٠ ووقعة الطفّ : ٢٥٥ ، وفي الأصل غير مقروءة ، وفي الملهوف :

٣٢٣

الحضرمي، وقطيفته من خزّ قيس بن الأشعث الكندي ، وسراويله بحير بن عمرو الجرمي(١)

وكان عليه‌السلام قد قال لأهله : ائتوني بثوب لا يُرغب فيه لئلّا اُسلبه ، فأتوه بتبان ، فقال : هذا من لباس أهل الذمة ، فأتوه بسراويل أوسع منه فسلبوه إيّاها ، سلبها [ بحير بن ] (٢) عمرو المذكور ؛ وقيل : أخذها بحر بن كعب التميمي ، وأخذ القوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي وهانىء بن ثُبيت الحضرمي وجرير بن مسعود الحضرمي ، ونعليه الأسود الاوسي ، وسيفه رجل من بني نهشل بن دارم (٣) ؛ وقيل : الأسود بن حنظلة ، فأحرقهم المختار رضي الله عنه بالنار ، ثمّ مال الناس على الورس والأمتعة والإبل فانتهبوها ، ثمّ تسابقوا على نهب بيوت آل الرسول حتّى كانوا ينزعون ملحفة المرأة عن رأسها وظهرها.

وعن فاطمة بنت الحسين قالت : لمّا دخلت العامّة علينا بالنهب دخل رجل وأنا صغيرة وفي رجليّ خلخالان فنزعهما من رجلي وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟

فقال : وكيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله؟!

فقلت : لا تسلبني.

فقال : أخاف أن يأخذه غيري.

__________________

حوبة ، وفي البحار : حُويّة.

١ ـ في الكامل : ٤/٧٧ و٧٨ ووقعة الطفّ : ٢٥٥ والملهوف : بحر بن كعب التيمي ، وفي البحار : أبجَر بن كعب التيمي.

٢ ـ أثبتناه للضرورة.

٣ ـ في المقتل : نهشل من بني دارم.

٣٢٤

وقال حميد بن مسلم : انتهيت إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام وهو مضطجع على فراش له وهو مريض ، وإذا شمر معه رجل يقول : ألا نقتل هذا الصبيّ؟

سبحان الله! ما معنى قتل الصبيان؟ فما زال دأبي كذلك أدفع عنه حتّى جاء عمر بن سعد ، فقال : لا يدخلنّ أحد بيوت هذه النسوة ، ولا يتعرّض لهذا الغلام أحد ، ومن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه ، فوالله ما ردّ أحد شيئاً غير انّهم كفّوا.

فقال لي عليّ بن الحسين عليه‌السلام : جزيت خيراً فقد دفع الله عنّا ـ بمقالتك ـ أشرار الناس. (١)

ولمّا دخل الناس بعد قتل الحسين الفسطاط ـ فسطاط النساء ـ للنهب أقبلت امرأة من عسكر ابن سعد كانت مع زوجها ، فلمّا اقتحم الناس الفسطاط وأقبلوا يسلبون النساء أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط ، ونادت : يا آل بكر ابن وائل ، أتسلب بنات رسول الله؟ يا لثارات رسول الله ، فأخذها زوجها فردّها إلى رحله.

ثمّ أمر ابن سعد بإخراج النساء من الخيمة وأضرموا فيها النّار ، فخرجن حواسر مسلّبات حافيات باكيات ، يمشين سبايا في أسر الذلّة.

قال بعض من شهد الوقعة : ما رأيت مكثوراً (٢) قطّ قتل ولده وإخوته وبنو عمّه ، وأهل بيته وأنصاره أربط جأشاً ، ولا أمضى جناناً ما رأيت قبل ولا بعده

____________

١ ـ في المقتل : شرّ هؤلاء.

٢ ـ المكثور : المغلوب.

٣٢٥

مثله ـ أعني الحسين عليه‌السلام ـ لقد رأيت الرجال تنكشف عنه انكشاف المعزى إذا عاث (١) فيها الذئب.

ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه الله نادى : من ينتدب للحسين فيطأه بفرسه (٢)؟ فانتدب له عشرة نفر ، منهم : أخنس بن مرثد الحضرمي ، وهو القائل (٣) :

نحن رضضنا الظهر بعد الصدر

بكلّ يعبوب شديد الأسر

[ حتّى عصينا الله ربّ الأمر

بصنعنا مع الحسين الطهر ] (٤)

وقال عمر بن سعد لعنه الله : بهذا أمر الأمير عبيدالله.

قال الراوي (٥) : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم أولاد زنا ، وهؤلاء أخذهم المختار رضي الله عنه وشدّ أيديهم وأرجلهم بسكك من حديد ، ثمّ أوطأهم الخيل حتّى ماتوا.

وأقام عمر بن سعد يومه ذاك بعد الواقعة إلى الغد ، فجمع قتلاه فصلّى عليهم ودفنهم ، وترك الحسين وأصحابه منبوذين بالعراء ، فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة وتركوهم على تلك الحال عمد أهل الغاضريّة من بني أسد فصلوا عليهم ودفنوهم. (٦)

____________

١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : غارت.

٢ ـ في المقتل : فيوطئة فرسه.

٣ ـ نسب الرجز في الملهوف : ١٨٣ إلى أسيد بن مالك.

٤ ـ من المقتل.

٥ ـ هو أبو عمرو الزاهد : انظر في ترجمته : وفيات الأعيان : ١/٥٠٠ ، تاريخ بغداد : ٢/٣٥٦ ، الأعملام للزركلي : ٦/٢٥٤.

٦ ـ من قوله : « وأقام عمر بن سعد يومه » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٦٢ عن كتابنا هذا. وكذا البحراني في عوالم العلوم : ١٧/٣٠٦.

٣٢٦

وابتلى الله سبحانه الّذين أخذوا سلب الحسين عليه‌السلام كلّ واحد منهم ببلاء ، فالّذي أخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فلبسها فصار زمناً مقعداً ، والذي أخذ عمامته وهو جابر بن يزيد فصار مجذوماً ، والّذي أخذ درعه مالك بن نسير صار معتوهاً ، والذي أخذ خاتمه وهو بجدل بن سليم الكلبي وقطع اصبعه عليه‌السلام مع الخاتم أخذه المختار وقطع يديه ورجليه وتركه يتشحّط بدمه حتّى مات. (١)

وارتفعت في السماء ـ في تلك الساعة الّتي قتل فيها صلوات الله عليه وآله ـ غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم.

وقتل صلوات الله عليه (٢) يوم عاشوراء عاشر المحرّم الحرام سنة إحدى وستّين من الهجرة ، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستّة أشهر ونصف.

قال : وأقبل فرس الحسين عليه‌السلام وقد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه‌السلام ، ثمّ أقبل يركض نحو خيمة النساء ، وهو يصهل ويضرب الأرض برأسه عند الخيمة حتّى مات. (٣)

والسيف الّذي كان مع الحسين صلوات الله عليه حين قُتل ليس هو بذي الفقار ، وإنّما هو غيره ، لأنّ ذا الفقار [ كان مذخوراً ومصوناً مع أمثاله ] (٤) من

____________

١ ـ انظر ذوب النضار : ١٢٣.

٢ ـ زاد في المقتل : باتّفاق الرواة ، وفي البحار : باتّفاق الروايات.

٣ ـ من قوله : « وقُتل صلوات الله عليه يوم عاشوراء » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٦٠ عن كتابنا هذا. وكذا البحراني في عوالم العلوم : ١٧/٣٠٤.

٤ ـ من الملهوف.

٣٢٧

ذخائر النبوّة والامامة لا يطّلع عليه أحد.

وكان عدة القتلى من أصحاب الحسين عليه‌السلام الّذين قتلوا معه اثنين وسبعين رجلاً رضوان الله عليهم ورحمته وسلامه هؤلاء الّذين قتلوا قبل أهل بيته.

وأمّا عدّة المقتولين من أهل بيته فالأكثرون على أنّهم كانوا سبعة وعشرين :

سبعة من بني مسلم ومن بني عقيل (١) : مسلم المقتول بالكوفة ، وجعفر ، وعبد الرحمان [ ابنا عقيل ] (٢) ، ومحمد بن مسلم ، وعبد الله بن مسلم ، وجعفر بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل.

وثلاثة من ولد جعفر : محمد بن عبد الله بن جعفر ، وعون الأكبر بن عبد الله ، وعبيدالله بن عبد الله.

وتسعة (٣) من ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحسين عليه‌السلام ، والعبّاس ؛ ويقال : وابنه محمد بن العبّاس. (٤)

ذكر صاحب مقاتل الطالبيّين انّ العبّاس بن عليّ بن أبي طالب ، وعثمان ابن عليّ بن ابي طالب ، وجعفر بن عليّ بن أبي طالب ، وعبد الله بن عليّ بن أبي طالب هؤلاء الأربعة صلّوا مع الحسين عليه‌السلام وكانت اُمّهم اُمّ البنين بنت

____________

١ ـ في البحار : سبعة من بني عقيل ، وفي مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١٢ : « تسعة » بدل « سبعة » وزاد في الأسماء : عون بن عقيل فقط.

٢ ـ من البحار.

٣ ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : سبعة.

٤ ـ مقال الطالبيّين : ٥٣ ـ ٥٦ ، عنه البحار : ٤٥/٣٩.

٣٢٨

حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيل (١) ، وهو عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وكان العبّاس أكبرهم ، وهو آخر من قُتل من إخوته لاُمّه وأبيه.

وفي العبّاس عليه‌السلام يقول الشاعر :

أحقّ الناس أن يبكي عليه

فتى أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده عليّ

أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء

فجادله على عطش بماء

وفيه يقول الكميت بن زيد :

وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو

شفاء النفوس من أسقام

قتل الأدعياء إذا قتلوه

أكرم الشاربين صوب الغمام

وكان العبّاس رجلاً جسيماً وسيماً جميلاً ، وكان يركب الفرس المطّهم (٢) ورجلاه تخطّان الأرض ، وكان يقال له قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسين عليه‌السلام معه يوم قُتل.

وكانت اُمّ البنين اُمّ هؤلاء الإخوة الأربعة تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، وكان مروان يجيء فيمن يجيء فيسمع ندبتها ويبكي.

وعبد الله الأصغر ، ومحمد الأصغر ، وأبوبكر ، يشكّ في قتله.

وأربعة من بني الحسن عليه‌السلام : أبوبكر ، وعبد الله ، والقاسم ؛ وقيل :

____________

١ ـ كذا في مقاتل الطالبيّين ، وفي الأصل : بنت حزام بن خويلد بن الوحيل.

٢ ـ المُطَهَّمُ من الناس والخيل : الحَسَنُ التَامُّ كلّ شيء منه على حدته ، فهو بارع الجمال « لسان العرب : ١٢/٣٧٢ ـ طهم ـ ».

٣٢٩

وبشر ؛ وقيل : عمر وكان صغيراً.

وستّة من أولاد الحسين عليه‌السلام مع اختلاف فيهم : عليّ الأكبر ، [ وإبراهيم ] (١) ، وعبد الله ، وعليّ الأصغر ، وجعفر ، ومحمد ، وذبح (٢) عبد الله في حجره.

وأسّروا الحسن بن الحسن مقطوعة يده ؛ وقيل : لم يقتل محمد الأصغر ابن الحسين (٣) لمرضه ؛ ويقال : رماه رجل من بني دارم فقتله.

والمقتولون في الحملة الاُولى من أصحاب الحسين : نُعيم بن عَجلان ، وعمران بن كعب ، وأنس بن حارث (٤) الأشجعي ، وحنظلة بن عمرو الشيباني (٥) ، وقاسط بن زهير ، وكنانة بن عتيق ، وعمرو بن مشيعة (٦) ، وضرغامة ابن مالك ، وعامر بن مسلم ، وسيف بن مالك النميري ، وعبد الرحمان الأرحبي ، ومجمع العائذي ، وحباب بن الحارث ، وعمرو الجندعي ، والحلاس ابن عمرو الراسبي ، وسوّار بن حمير (٧) الفهمي ، وعمّار بن سلامة (٨) الدالاني ،

____________

١ ـ من المناقب والبحار.

٢ ـ في المناقب : عبد الله ومحمد وحمزة وعلي وجعفر وعمر وزيد ، وذبح ....

٣ ـ في المناقب : محمد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

٤ ـ في المناقب والبحار : عمران بن كعب بن حارث ، وما في المتن يوافقه ما في تسمية من قتل مع الحسين بن عليّ عليه‌السلام : ١٥٢ رقم ٢٧ وص ١٥٣ رقم ٥٣.

٥ ـ ذكر فيما مرّ حنظلة بن سعد الشبامي.

٦ ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : عمر بن شيبة ، وسمّاه في تسمية من قُتل مع الحسين بن عليّ عليه‌السلام : ١٥٣ رقم ٤٢ : عمرو بن ضبيعة.

٧ ـ في المناقب : سوّار بن أبي عمير ، وفي البحار : سوّار بن أبي حمير ، وسمّاه في تسمية من قُتل مع الحسين عليه‌السلام : ١٥٦ رقم ١٠٣ : سوّار بن حمير الجابري.

٨ ـ في المناقب والبحار : عمّار بن أبي سلامة.

٣٣٠

والنعمان ابن عمرو الراسبي ، وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق ، وجبلة بن عليّ ، ومسعود بن الحجّاج ، وعبد الله بن عروة الغفاري ، وزهير بن بشر الخثعمي ، وعمّار بن حسّان ، وعبد الله بن عمير ، ومسلم بن كثير ، وزهير بن سليم (١) ، وعبد الله وعبيدالله ابنا زيد البصري ، وعشرة من موالي الحسين عليه‌السلام ، وموليان من موالي أمير المؤمنين عليه‌السلام.

هؤلاء المقتولون في الحملة الاُولى الى تمام الخمسين ، والباقون قتلوا بعد هؤلاء ، وهم : الحرّ ، وبرير ، وعمرو بن خالد الأسدي ، وحبيب بن مظاهر ، وزهير بن القين ، وغيرهم ممّن ذكرنا أوّلاً رضي الله عنهم أجمعين ، ولعن الله قاتلهم إلى يوم الدين.

قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه الله سرح (٢) برأس الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء ـ يوم قتل فيه عليه‌السلام ـ مع خوليّ بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأسدي إلى ابن زياد لعنه الله ، ثمّ أمر برؤوس الباقين من أهل بيته وأصحابه فقطعت وسرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن [ وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج ] (٣) إلى الكوفة ، وأقام ابن سعد يومه ذلك وغده إلى الزوال ـ كما أشرنا أوّلاً ـ.

وروي أنّ رؤوس أصحاب الحسين عليه‌السلام وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأساً ، وأقتسمتها القبائل لتتقرّب بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد :

فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً ، وصاحبهم قيس بن الأشعث.

____________

١ ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : مسلم.

٢ ـ في الملهوف : بعث.

٣ ـ من الملهوف.

٣٣١

وجاءت هوازن باثني عشر رأساً ، وصاحبهم شمر.

وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً.

وجاءت بنو أسد بستّة عشر رأساً.

وجاءت مذحج بسبعة رؤوس.

وجاء سائر الناس بثلاثة عشر رأساً. (١)

ثمّ أذن ابن سعد بالرحيل إلى الكوفة ، وحمل بنات الحسين وأخواته وعلي بن الحسين وذراريهم ، فاُخرجوا حافيات حاسرات مسلّبات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلّة ، فقلن : بحقّ الله ما نروح معكم ولو قتلتمونا إلاّ مررتم بنا على مصرع الحسين ، فأمر ابن سعد لعنه الله ليمرّوا بهم من المقتل حتّى رأين إخوانهنّ ، وأبناءهنّ ، وودّعنهم ، فذهبوا بهنّ إلى المعركة ، فلمّا نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههنّ.

قال : فوالله ما أنسى زينب بنت عليّ وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين : يا محمدا ، صلّى عليك مليك السماء ، وهذا حسين مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى ، وإلى محمد المصطفى ، وإلى عليّ المرتضى ، وإلى حمزة سيّد الشهداء.

وا محمداه هذا حسين بالعراء ، تسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه واكرباه ، اليوم مات جدّي رسول الله ، يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرّيّة

____________

١ ـ نَقَل هذه القطعة المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٦٢ عن كتابنا هذا ، وكذا البحراني في عوالم العلوم : ١٧/ ٣٠٦.

٣٣٢

المصطفى يساقون سوق السبايا.

وفي بعض الروايات : يا محمداه ، بناتك سبايا ، وذريتك قتلى ، تسفي عليهم الصبا ، هذا ابنك مجزوز (١) الرأس من القفا ، لا هو غائب فيرجى ، ولا جريح فيُداوى ، فما زالت [ تقول هذا القول ] (٢) حتّى أبكت والله كلّ صديق وعدوّ ، حتّى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها ، ثمّ إنّ سكيّنة اعتنقت جسد الحسين فاجتمع عدّة من الناس حتّى جرّوها. (٣) (٤).

قلت : ولمّا قرعت هذه الأخبار الشنيعة بقوارعها سمعي ، وأحرقت هذه الآثار الفضيعة فؤادي ، وأجرت دمعي بصورته عليه‌السلام صريعاً بين يدي الأعادي بين بصيرتي ، ومثّلته طريحاً في سرّي وفكرتي ، ونقشت صورة ذاته الشريفة في لوح حياتي ، وأجريت ذكره قتيلاً في خاطري وبالي ، وأوقفت في عالم الخيال نحيل بدني بين يديه ، ومزّقت بيد فكري جيب صبري جزعاً عليه ، وناديت صارخاً بأنّه ينبىء عن عظيم مصيبتي ، وندبت جازعاً بزفرة

____________

١ ـ في الملهوف ، محزوز.

٢ ـ من المقتل.

٣ ـ في « ح » : لمحرّره الحقير :

أخي يابن اُمّي ليتك اليوم غائب

فلم أراك قطّ قبل يوم وفاة

فأرضى على نيران هجرك اُحرق

بشرط حياتك يا ذا الجود والحسنات

فيرجو وصالك قلبي وقلب مَن

هواك من الأحباب حال حياة

ويا ليت اُمّي لم تلدني ولم أعش

ولم أر جسمك مجروحاً بسيف طغاة

أخي نور عيني أنت امي ووالدي

فأيتمتني والله والأخوات

تنوح سكينة بالحزن والأسى

تقول أبي وأين صاحب الحملات

أبي ما ... يا أنيسي وكافلي

لحزن طويل منتهاه حياتي

٤ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ٢/٤ ـ ٣٩ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٥٦ ـ ١٩٠.

٣٣٣

تجبر في جنبه رزيّتي ، قائلاً : يا حزني ، موضع انقضاك مماتي ، ويا وجدي خذ منتهاك وفاتي ، ويا عبرتي موضع جمودك حفرتي ، ويا زفرتي وقت جمودك منيّتي ، ويا مهجتي تصاعدي دماً بنار أحزاني من مقلتي ، ويا كبدي ذوبي بضرام أشجاني ونفسي ، فلأيّ فقيد أدّخر دمعي بعد مصابي بأحبّائي؟ وعلى أيّ شهيد أبذل جهدي بنحيبي وبكائي.

فيا من خدّت واقعة أخاديد في خدودي من ماء جفوني ، وأذابت رزّيته أحشائي فاسالتها دماً من شؤون عيوني ، أعلى أيّ قانت سواك أشقّ ثوب صبري؟ أم على أيّ هالك غيرك أهتك مصون ستري؟ وحبّك ديني ومعتقدي ، وولاؤك روحي في جسدي ، وذكرك انيس وحدتي ، ومدحك جليس خلوتي ، وخيالك في سواد مقلتي ، وجمالك في سويداء مهجتي ، أيليق البكاء إلاّ على مصيبتك؟ أم يحسن العزاء إلاّ لرزيّتك؟ هل لنبيّي سبط غيرك شهيداً فأبكيه؟ أم لولييّ قرّة عين سواك فأرثيه؟ أم للزهراء ثمرة قلب إلاّ جمال بهجتك؟ وهل لأئمة الهدى شرف إلاّ من شريف حضرتك؟

واقعتك أرخصت في سوق الأحزان عقيق عبرتي ، ومصيبتك هدّت بمعاول الأشجان قواعد تثبّتي ، وأحرقت بقوادح الأسقام مهجتي ، وأغرقت أسفاً بتناثر العبرات وجنتي ، وبدّلت برقادي سهادي ، وصيرّت الأوصاب دثاري ومهادي ، فجسمي سقيم ، وصبري عديم ، وقلبي حريق ، وطرفي غريق ، لشيبك الخضيب ، وخدّك التريب ، ونسوتك الاُسارى ، وذريتك الحيارى ، وأطفالك الّذين سقوا من ثدي الحمام قبل الفطام ، وجرعوا كؤوس الممات بمقابل الطعام ، ذكر ظعنك يطيف الأحزان بقلبي ، وتفوّر حتفك يهيج نيران الأسى غمومي وكربي ، ومصرع شبانك يذهل عقلي ولبّي ، ومقتل فتيانك

٣٣٤

يجعل من دموعي شربي ، لغمّتك شجرة الغموم بقلبي نبتت ، ولكربتك قواعد الهموم بلبّي ثبتت ، سحقاً لأيّامي إن استمسكت بغير عروتكم يدي ، وبُعداً لمقامي إن جعلت سواكم معتقدي ، وخرساً للهاتي إن فاهت بغير مدحتكم ، وعمىً لطرفي إن نظر جميلاً سوى بهجتكم ، لا قرّت عيني إن نثرت على غير عروس مجدكم فائق نثري. ولا راف معيني إن أطافت بسوى كعبة جودكم رائق شعري.

أنتم وسيلتي إلى خالقي ، وبكم وضحت في الحقّ طرائقي ، وإلى نحوكم منطق شكري صرفته ، وعلى مدحكم بديع نظامي وقفته ، إن رضيتم خدّي موطئاً لأقدامكم ، ووجهي موضعاً لنعالكم ، وأثبتم اسمي في جرائد عبيدكم ، ووفرتم قسمي من عنايتكم وجودكم ، فيا زلفتي من ربّي ، ويا وصولي وقربي ، وإن طردتموني عن أبواب كرمكم ، ومحو تموني من دفاتر خدمتكم ، فيا خسارة صفقتي ويا سوء عاقبتي ، فيا سعادة أنفساً بذلت في طاعتكم أرواحاً وأبداناً ، ويا فرحةً طائفة بلغت في نصرتكم بوجوهها وصدورها حساماً وسناناً.

فلعمري لقد حازوا بجميل صبرهم ثواباً جسيماً ، فياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ، جلت رياض الجنّة عرائس أزهارها على زهيرهم ، وأعلت على منازل أبرارها درجة حرّهم وبريرهم ، وجعلت حبيبهم حبيب حور عينها ، وصيرت لمنثور لؤلؤها لون جُونها ، ووهب وهبتها من غرفاتها أعلاها ، ويسّرت لمسلمها من قداح لذاتها معلّاها ، كانت دار النعيم أشدّ شوقاً إليهم ، وأشدّ ابتهاجاً بمقدمهم منهم عليها ، وفوا لله سعيهم فوفى لهم بما عاهدهم ، وصدقوا ما عاهدوه عليه فأنالهم الحسنى وزيادة على ما وعدهم.

٣٣٥

فوا أسفاه إذ لم أكن معهم شهيداً ، وواحزناه إذ لم أكن في زمرتهم عديداً ، أتلقّى عن سيّدي رماح الأعداء كما تلقّوا بقلوبهم وصدورهم ، واُقابل صفاح الأشقياء كما قابلوا بوجوههم ونحورهم ، وأجعل خدّي جُنّة لجَنّتي في حشري ، ووجهي وقاية لمعادي يوم نشري ، ويراني سيّدي لأمره سميعاً مطيعاً ، وبين يديه شهيداً صريعاً ، قد قطّعت في نصره أعضائي ، واُريقت في جنبه دمائي ، مجاهداً عنه بقولي وفعلي ، مجالداً بسيفي ونبلي ، قائلاً:

يا اُمّة كفرت بأنعم ربّها ، واستوجبت سوء العذاب بحربها ، وقطعت رحم رسولها ، وانتهكت حرمة بتولها ، وهدمت بنية إسلامها ، ونكثت بيعة إمامها ، تبّاً لك من اُمّة شرت ضلالها بهداها ، ودنياها باُخراها ، ونكصت على أعقابها ، بلامع سرابها.

ويلكم أتدرون على من جرّدتم سيوفكم ، ورتّبتم صفوفكم؟ هذا سبط خاتم الرسل ، وريحانة موضح السبل ، أشرف من مشى على وجه الغبراء ، وأفضل من تأزّر بالمجد وارتدى ، وأفخر من قامت سيّدة النساء ، وأجمل من كفلته البضعة الزهراء ، حجرها مهده ، وفرعها ولده ، وثديها مشربه ، وكتف والدها مركبه ، عنه سماء صلب نبيّكم انفطرت ، ومنه ينابيع ذرّيّة وليكم تفجّرت ، خادم مهده جبرائيل ، وبشير مولده ميكائيل ، ووليّ عقد نكاح اُمّه الملك الجليل ، وخطيب عرس والده راجيل.

سفهت أحلامكم ، ونكست أعلامكم ، وأحاطت أطواق العار بأعناقكم ، واستوجبت أطباق النّار بنفاقكم ، يا عباد الجبت والطاغوت ، ويا كفّاراً بصاحب العزّة والجبروت ، يا جند الشيطان ، ويا أعداء الرحمان ، أليس

٣٣٦

هذا ابن نبيّكم وهاديكم؟ أليس أبوه بنصّ الغدير واليكم؟ نقضتم حبل إسلامكم ، وعكفتم على أصنامكم ، أهذا كان جزءاً من اُرسل إليكم رحمة ، وعليكم نعمة ، أن تقتلوا ذرّيّته ، وتهتكوا اُسرته ، وتذبحوا أطفاله ، وتقتلوا رجاله ، تبّاً لكم يا قتلة أولاد النبيّين ، وبعداً لكم يا خذلة أوصياء المرسلين.

ثمّ أزدلف لقتالهم بقالبي وقلبي ، مشتاقاً بجهدي إلى لقاء ربّي ، طالباً درجة الشهادة بين يدي وليّي وابن وليّي ، راغباً في منازل السعادة بمرافقة رسولي ونبيّي ، اُورد حسامي من نحورهم ، واصدر عاملي من صدورهم ، أتلقّى سيوفهم بسواعدي ومناكبي ، وأردّ سهامهم بوجهي وترائبي ، لا ضارع ولا ناكل ، ولا خاضع ولا متواكل ، بل عزمي أمضى من ذي شفرتين ، وحدّي أقطع من ذي حدّين ، أقذف بعزيز نسبي في جموعهم ، واُبالغ بعروفي عصبي في تقطيعهم ، مبالغاً في النصيحة لوليّ أمري. سمحاً في جهاد أعدائه بالبقيّة من عمري ، متلقّياً من سهام القوم ما يصل إليه ، مقطّعة اوصالي بسيوفهم بين يديه.

فيالها حسرة في قلبي مدّتها لا تنقضي ، وغصّة في نفسي جمرتها لا تنطفي ، إذ لم أرق بقدم الشهادة إلى منازل الأبرار ، ولم اطر بقوادم السعادة إلى مواطن الأخيار ، بل قعد بي جسدي ، وكَلَّ عن ذلك جدّي ، وتأخّر زمن وجودي ، وغابت أنجم سعودي ، قبل بلوغ مجهودي ، ونيل مقصودي.

فها أنذا أنشد من قلب بسهام المصائب مصاب ، وأروي عن فؤاد بضرام النوائب مذاب ، مرتدياً ببردة حزني على ولد البتول ، ومعارضاً برائق نظمي ببرداة أشرف نبيّ ورسول :

الصبر والحزن مقطوع وموصول

والنوم والدمع ممنوع ومبذولُ


٣٣٧

والجسم منسقم والطرف منسجم

والوجد محتكم والقلب متبولُ

وفي فؤادي من فرط الأسى حرق

منها الحشا بضرام الحزن مشعولُ

من ما جرى بعد خير الرسل من عصبٍ

في الدين من سعيها نقص وتبديلُ

خانت عهوداً وأيماناً مؤكّدة

فالحقّ من جهلها في الناس مجهولُ

مما جنت سفها يوم السقيف دم

الوصيّ صنو رسول الله مطلولُ

وسبطه بوجي السمّ مخترم

وشِلْوُه في صعيد الطفّ مقتولُ

خانوه إذ وعدوه حفظ اُسرته

فالعقد منهم بكفّ الغدر محلولُ

وفي الغدير أقروّا باللسان وفي ال‍ـ

‍ـفؤاد عهدهم بالنقض مفلولُ

يا اُمّة كفرت بالله إذ مكرت

بعقد خمّ وغرّتها الأباطيلُ

وضيّعوا ما به أوصى النبيّ وما

يوم القيامة عنه المرء مسؤولُ

٣٣٨

من صدق ودّ اولي قربى النبيّ ومَن

فيهم أتانا من الرحمن تنزيلُ

قوم ولاؤهم فرض وحبّهم

حبل بحبل إله العرش موصولُ

سل عنهم « هل أتى » تلقى بها شرفاً

في ذكره لهم مدح وتفضيلُ

وفي العقود وفي النجوى مديحهم

يزينه من سليم القلب ترتيلُ

وإن تلاه زنيم الأصل حلّ به

من خبث باطنه بالجهل تأويلُ

فكلّ فخر على أبواب مجدهم

له سجود وإذعان وتقبيل

البحر علمهم والطود حلمهم

بفضلهم كامل الإفضال مفضول

أخنى الزمان عليهم فانثنوا ولهم

بأس لمجمله بالصبر تفصيلُ

في كربلاء أصبحوا يروي مناقبهم

حتى القيامة جيل بعده جيلُ

طافت عليهم بكأس الموت طائفة

فكلهم لعقاب الحتف مغلولُ

٣٣٩

فاستشعروا حبنا من حسن صبرهم

بها رضا الله مطلوب ومأمولُ

مضوا كراماً بأرض الطفّ يشملهم

من ذي المعارج توقير وتبجيلُ

نالوا بقتلهم في الله ما قصرت

عن وصفه من بني الدنيا الأقاويلُ

حازوا السعادة من بذل النفوس ففي

دار الخلود لهم فضل وتفضيلُ

لم ينسخ الظلّ منها ضوء مشرقه

فيا لهم بجميل الصبر تنويلُ

راقت مشاربها فاقت عجائبها

فسعى طالبها ما فيه تضليلُ

أشباحهم في الثرى منبوذة ولهم

أرواح صدق لها بالصفو تكميلُ

قوم لأوجههم يوم القراع وفي

بذل المكارم تقطيب وتهليلُ

قوم تراهم وسوق الحرب قائمة

والرمح والسيف منصوب ومسلولُ

أسد الشرى في ظلام النقع ترفل في

سرد الحديد لها سمر القناغيلُ

٣٤٠