تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

وآله : كلّ قتيل في جنب الله شهيد ، ولمّا وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على شهداء اُحد وفيهم حمزة رضي الله عنه قال : أنا شهيد على هؤلاء القوم زمّلوهم بدمائهم فإنّهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دماً ، فاللون لوم الدم ، والريح ريح السمك (١) ، [ فهم ] (٢) كما قيل :

كسته القنا حلّة من دم

فأضحت لدى الله من أرجوان

جزته معانقة الدارعين

معانقة القاصرات الحسان (٣)

ولقد أحسنتُ في وصفهم ، وبالغت نعيهم بالتعزية ، وسمّيتها ب‍ « مجرية العبرة ومحزنة العترة » وهي الّتي وضعتها لتعزية المؤمنين يوم التاسع من المحرّم ، وستأتي في المجلس التاسع يوم التاسع إن شاء الله ، وهي مشتملة على نكت لطيفة ، واستعارات ظريفة ، وأشعار رائقة ، وعبارات شائقة ، أنشأتها بإذن الله ، وأوردتها على المنبر بحضور جمع من المؤمنين ، قبالة ضريح سيّد الشهداء ، وثالث الأوصياء ، وخامس أصحاب الكساء في حضرته الشريفة ، أبكيت بها عيون المؤمنين ، وأحزنت قلوب المخلصين ، راجياً أن يكون جزائي عنها وثوابي منها ثواب المستشهدين بين يدي حضرته ، الباذلين أنفسهم دونه ودون اُسرته.

ولمّا قُتل أصحاب الحسين عليه‌السلام ولم يبق إلّا أهل بيته ، وهم : ولد عليّ ، وولد جعفر ، وولد عقيل ، وولد الحسن ، وولده صلوات الله عليه اجتمعوا

____________

١ ـ من قوله : « فَقَتل اثنين وستّين » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار : ٤٥/٢٧ ـ ٣٢ عن كتابنا هذا.

٢ ـ عن المقتل.

٣ ـ انتهى كلام الخوارزمي.

٣٠١

وودّع (١) بعضهم بعضاً ، وعزموا على الحرب ، فأوّل من برز من أهل بيته عبد الله ابن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو يرتجز ويقول :

اليوم ألقى مسلماً وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبيّ

ليسو بقوم (٢) عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

[ من هاشم السادات أهل الحسب ] (٣).

فقاتل حتّى قتل ثمانية وتسعين رجلاً في ثلاث حملات ، ثمّ قتله عمرو ابن صُبيح الصيداويّ وأسد بن مالك.

ثمّ خرج من بعده جعفر بن عقيل ، وهو [ يرتجز و ] (٤) يقول :

أنا الغلام الأبطحيّ الطالبيّ

من معشر في هاشم وغالبِ

ونحن حقّاً سادة الذوائبِ

هذا (٥) حسين أطيب الأطائبِ

* من عترة البرّ التقيّ العاقبِ *

فقتل خمسة عشر فارساً ، ثمّ قتله بشر بن سوط الهمداني (٦).

ثمّ خرج من بعده أخوه عبد الرحمان بن عقيل ، وهو يقول :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشمٍ وهاشمٌ إخواني

____________

١ ـ في البحار : يودّع.

٢ ـ في المقتل : كقوم.

٣ و ٤ ـ من البحار.

٥ ـ في المقتل : فينا.

٦ ـ ذكر في وقعة الطفّ : ٢٤٧ أنّ قاتله عمرو بن صبيح الصُدّائي.

وفي ذوب النضار : ١٢٢ : عمرو بن صُبيح الصيداويّ طلبه المختار رحمه‌الله فأتوه وهو على سطحه بعد ما هدأت العيون ، وسيفه تحت رأسه ، فأخذوه وسيفه ، فقال : قبّحك الله من سيف ، ما أبعدك على قربك؟! فجيء به إلى المختار ، فلمّا كان من الغداة طعنوه بالرماح حتّى مات.

٣٠٢

كهول صدق سادة الأقرانِ

هذا حسين شامخ البنيانِ

وسيّد الشيب مع الشبّان (١)

فقتل سبعة عشر فارساً ، ثمّ قتله عثمان بن خالد (٢) الجهنيّ.

وخرج من بعده محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وهو يقول :

نشكو إلى الله من العدوان

قتال (٣) قوم في الردى عميان

قد تركوا معالم القرآنِ

ومحكم التنزيل والبيانِ (٤)

* وأظهروا الكفر مع الطغيانِ *

ثمّ قاتل حتّى قتل عشرة أنفس ، ثمّ قتله عامر بن نهشل التميمي.

ثمّ خرج من بعده عون بن عبد الله بن جعفر ، وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن جعفرِ

شهيد صدق في الجنان أزهرِ

يطير فيها بجناح أخضرِ

كفى بهذا شرفاً في المحشر

ثمّ قاتل حتّى قتل من القوم ثلاثة فوارس وثمانية عشر رجلاً ، ثمّ قتله عبد الله بن قُطبة الطائي.

____________

١ ـ روى الرجز الأخير في المقتل هكذا :

فينا حسين سيّد الأقران

وسيّد الشباب في الجنان

٢ ـ ذكر في وقعة الطفّ : ٢٤٧ أنّ عثمان بن خالد بن أسير الجهنّي وبشر بن حوط القابضي الهمداني اشتركا في قتل عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، واشتركا في سلبه. وهما كانا في الجبانة فأخذهما المختار رحمه‌الله فضرب أعناقهما ، ثمّ أحرقهما بالنار ، انظر : ذوب النضار : ١١٨.

٣ ـ في المقتل : فعال.

٤ ـ في البحار : والتبيان.

وروى الرجز الأخير في المقتل هكذا :

قد تركوا معالم القرآن

وأظهروا الكفر مع الطغيان

٣٠٣

ثمّ خرج من بعده عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام. وفي أكثر الروايات أنّه القاسم بن الحسن عليه‌السلام وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلمّا نظر الحسين عليه‌السلام إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غشي عليهما ، ثمّ استأذن الحسين عليه‌السلام في المبارزة ، فأبى الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، وهو يقول :

إن تنكروني فأنا فرع الحسن

سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين اُناس لاسُقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالاً شديداً حتّى قتل ـ على صغره ـ خَمسة وثلاثين رجلاً.

قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما.

فقال عمرو بن سعد الأزديّ : والله لأشدّنّ عليه.

فقلت : سبحان الله! وما تريد بذلك؟ والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيك هؤلاء الّذين تراهم قد احتوشوه.

قال : والله لأفعلنّ ، فشدّ ، فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه ، ونادى : يا عمّاه.

قال : فجاءه الحسين كالصقر المنقضّ فتخلّل الصفوف ، وشدّ شدّة الليث الحرب فضرب عمراً قاتله بالسيف ، فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق ، فصاح

٣٠٤

فتنحّى عنه ، وحملت [ خيل ] (١) أهل الكوفة فاستنقذوه من يد الحسين ، فوقف الحسين على رأس الغلام وهو يفحص [ برجليه ] (٢) ، فقال الحسين : يعزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك ولا ينفعك (٣) ، بعداً لقوم قتلوك.

ثمّ احتمله ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يصنع؟ فجاء حتّى ألقاه بين (٤) القتلى من أهل بيته.

ثمّ قال : اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً ، صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

ثمّ خرج عبد الله بن الحسن الّذي ذكرناه أوّلاً وهو الأصحّ أنّه برز بعد القاسم ، وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن حيدره

ضرغام آجام وليث قسوره

على الأعادي مثل ريح صرصره

[ أكيلكم بالسيف كيل السندره ] (٥)

فقَتَل أربعة عشر رجلاً ، ثمّ قَتَله هانىء بن ثُبيت الحضرمي لعنه الله فاسودّ وجهه.

____________

١ ـ من المقتل والبحار.

٢ و ٥ ـ من المقتل.

٣ ـ في المقتل والبحار : فلا يُعينك.

٤ ـ في المقتل : مع.

٣٠٥

ثمّ تقدّم إخوة الحسين عليه‌السلام عازمين على أن يموتوا دونه ، فأوّل من خرج منهم أبوبكر بن عليّ ، واسمه عبيد الله (١) ، واُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعيّ التميميّة ، فتقدّم ، وهو يرتجز ويقول :

شيخي عليّ ذوالفخار الأطول

من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا حسين بن النبيّ المرسل

عنه نحامي (٢) بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجّل

[ يا ربّ فامنحني ثواب المجزل ] (٣)

فلم يزل يقاتل حتّى قَتَله زَحْرُ بن بدر (٤) النخعي ، وقيل : عبد الله بن عتبة الغنويّ.

ثمّ برز من بعده أخوه عمر بن عليّ ، وهو يقول :

أضربكم ولا أرى فيكم زُحَر

ذاك الشقيّ بالنبيّ قد كفر

يازحر يازحر تدان من عمر

لعلّك اليوم تبوء من سقر

شرّ مكان في حريق وسعر

لأنّك الجاحد ياشرّ البشر

ثمّ حمل على زحر قاتل اخيه فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضرباً منكراً وهو يقول :

خلّوا عداة الله خلّوا عن عمر

خلّوا عن الليث العبوس المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفرّ

وليس فيها (٥) كالجبان المنحجر

____________

١ ـ كذا في البحار ، وفي الأصل والمقتل : عبد الله.

٢ ـ في المقتل : نذود عنه.

٣ ـ من المقتل.

٤ ـ في المقتل : قيس.

٥ ـ في المقتل : يغدو.

٣٠٦

فلم يزل يقاتل حتّى قُتِل.

ثمّ خرج من بعده أخوه عثمان بن عليّ ، واُمّه اُمّ البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب ، وهو يقول :

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر

شيخي عليّ ذو الفعال الظاهر

وابن عمّ للنبيّ الطاهر

أخي حسين خيرة الأخائر

وسيدّ الكبار والأصاغر

بعد الرسول فالوصيّ الناصر (١)

فرماه خَوَليّ بن يزيد الأصبحي على جنبه (٢) فسقط عن فرسه ، وحزّ (٣) رأسه رجل من بني أبان بن حازم فقَتَله.

ثمّ برز من بعده أخوه جعفر بن عليّ ، واُمّه اُمّ البنين أيضاً ، وهو يقول :

إنّي أنا جعفر ذو المعالي

ابن (٤) عليّ الخير ذوالنوالِ

حسبي بعمّي شرفاً وخالي

أحمي حسيناً ذي الندى المفضالِ (٥)

ثمّ قاتل فرماه خوليّ الأصبحي (٦) فأصاب شفيته أو عينه (٧).

____________

١ ـ بدل قوله : « وابن عمّ ... فالوصيّ الناصر » في المقتل :

صنو النبيّ ذي الرشاد السائر

ما بين كلّ غائب وحاضر

٢ ـ في البحار : جبينه.

٣ ـ في البحار : وجزّ.

٤ ـ في المقتل : نجل.

٥ ـ روى هذا الرجز في المقتل هكذا :

أحمي حسيناً بالقنا العسال

وبالحسام الواضح الصقال

٦ ـ ذكر في تسمية مَنْ قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٤٩رقم ٣ ان قاتله هانىء بن ثُبّيت الحضرمي.

٧ ـ في « ح » روى سلمان الفارسي قال : كان سيّدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام يحدّثنا كثيراً بالأشياء المغيّبات الّتي تحدث على مرور السنين والأوقات ، وانّه كان يوم الجمعة

٣٠٧

ثمّ برز أخوه عبد الله بن عليّ [ وأُمّه اُمّ البنين أيضاً ] (١) وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والإفضال

ذاك عليّ الخير ذو (٢) الفعال

سيف رسول الله ذو النكال

في كلّ قوم ظاهر الأهوال (٣)

فقتله هانىء بن ثُبَيت الحضرمي (٤).

وكان العبّاس (٥) السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه

____________

يخطب على منبره في مسجد الكوفة فقال في خطبته : أيّها الناس ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لاتسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ نبّأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.

قال : فقام إليه رجل فاجر فاسق ، وقال : يا عليّ ، اخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟

فقال له الإمام عليه‌السلام : لقد أخبرني بسؤالك هذا ابن عمّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونبّأني بما سألت عنه ، وانّه على كلّ طاقة شعر من شعر رأسك ولحيتك شيطاناً يلعنك ويلعن ولدك ونسلك ، وانّ لك ولداً رجساً ملعوناً يقتل ولدي وفرخي وقرّة عيني الحسين عليه‌السلام ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت وولدك بريئان من الايمان ، ولولا أنّ الّذي سألتني عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن حسبك فيما نبّأتك به من لعنك ورجسك وولدك الملعون الّذي يقتل ولدي ومهجة قلبي الحسين عليه‌السلام.

قال : وكان له ولد صغير في ذلك الوقت ، فلمّا نشأ وكبر وكان من أمر الحسين عليه‌السلام ما كان نما الصبيّ وتجبّر وتولّى قتل الحسين عليه‌السلام.

وقيل : إنّ ذلك الصبي كان اسمه خوليّ بن يزيد الأصبحي ، وهو الّذي طعن الحسين عليه‌السلام برمحه فخرج السنان من ظهره فسقط الحسين عليه‌السلام على وجهه يخور في دمه ويشكو إلى ربه. « فخر الدين صاحب مجمع البحرين » [ المنتخب : ١٦٥ ].

١ ـ من المقتل.

٢ ـ في المقتل : في.

٣ ـ في المقتل : وكاشف الخطوب والأهوال.

٤ ـ ذكر في تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٤٩ رقم ٤ : رماه خوليّ بن يزيد الأصبحي بسهم ، وأجهز عليه رجل من بني تميم بن أبان بن دارم.

٥ ـ ما يتعلّق بمصرع العبّاس بن عليّ عليه‌السلام والأرجاز نقله المؤلّف رحمه‌الله من

٣٠٨

السلام ، وهو أكبر الاخوان ، مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم ، وجعل يقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقى

حتى اُواري في المصاليت (١) لقى

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

* ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى *

ففرّقهم ، فكمن له زيد بن ورقاء (٢) من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه ، فأخذ السيف بشماله وحمل ، وهو يرتجز :

والله إن قطعتم يميني

انّي اُحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبيّ الطاهر الأمينِ

فقاتل حتّى ضعف ، فكمن له الحكيم (٣) بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله ، فقال :

يا نفس لا تخشي من الكفّار

وأبشري برحمة الجبّار

مع النبيّ السيّد المختار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلِهم يا ربِّ حرَّ النار

____________

مناقب ابن شهراشوب : ٤/١٠٨.

١ ـ المصلات : الشجاع ، الماضي في الحوائج.

٢ ـ الصحيح : زيد بن رقاد. انظر : تسمية مَن قتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٤٩ رقم ٢.

٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : الحكم.

٣٠٩

فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله ، فلمّا رآه الحسين عليه‌السلام صريعاً على شاطىء الفرات بكى ، وأنشأ :

تعدَّيتم شرَّ قوم ببغيكم

وخالفتموا (١) قول (٢) النبيّ محمد

أمّا كان خير الرسل أوصاكم بنا؟

أمّا نحن من نجل (٣) النبيّ المسدّد؟

[ أمّا كانت الزهراء اُمّي دونكم؟

أمّا كان من خير البرّية أحمد؟ ] (٤)

لعنتم واُخزيتم بما قد جَنيتم

فسوف تلاقوا حرَّ نار توقّدِ

ولمّا قُتل العبّاس قال الحسين عليه‌السلام : الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي.

قال : تقدّم عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، واُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، ورفع الحسين سبّابته (٥) نحو السماء وقال : اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله نظرنا إلى وجهه ، اللّهمّ امنعهم بركات الأرض ، وفرّقهم

____________

١ ـ في المناقب : بفعلكم ... وخالفتم.

٢ ـ في البحار : دين.

٣ ـ في المناقب : نسل.

٤ ـ من المناقب والبحار.

٥ ـ في المقتل : شيبته.

٣١٠

تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ، ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا.

ثمّ صاح الحسين بعمر بن سعد : مالك؟ قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ رفع الحسين عليه‌السلام صوته وتلا : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلىَ الْعَّالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١).

ثمّ حمل عليّ بن الحسين على القوم ، وهو يقول :

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ

من عصبة جدّ أبيهم النبيّ (٢)

والله لا يحكم فينا ابن الدعيّ

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي (٣)

ضرب غلام هاشميّ علويّ

فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ الناس من كثرة من قَتَل منهم ، وروي أنّه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً ، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبة ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟

____________

١ ـ سورة آل عمران : ٣٣ و٣٤.

٢ ـ في المقتل : نحن وبيت الله اولى بالنبيّ.

٣ ـ في المقتل : حتّى يلتوي.

٣١١

فبكى الحسين عليه‌السلام ، وقال : يا بنيّ ، يعزّ على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعليَّ (١) أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.

يا بنيّ ، هات لسانك ، فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه ، وقال : أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوّك فإنّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً ، فرجع عليه‌السلام إلى القتال ، وهو يقول :

الحرب قد قامت (٢) لها الحقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تُغمد البوارق

فلم يزل يقاتل حتّى قَتَل تمام المائتين ، ثمّ ضربه مرّة بن مُنقِذ (٣) العبدي لعنه الله على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثمّ اعتنق عليه‌السلام فرسه ، فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.

فلمّا بغلت الروح (٤) التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه ، هذا جدّي رسول

__________________

١ ـ في المقتل : وعلى أبيك.

٢ ـ في المقتل والبحار : بانت.

٣ ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل والمقتل والبحار : منقذ بن مرّة.

وهو مرّة بن منقذ بن النعمان الكندي. انظر : تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : ١٥٠ رقم ٨.

٤ ـ في المقتل : روحه.

٣١٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول [ لك ] (١) : العجل العجل ، فإنّ لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة.

فصاح الحسين عليه‌السلام وقال : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الله (٢) وعلى رسوله ، وعلى انتهاك حرمة الرسول؟! على الدنيا بعدك العَفا.

قال حميد بن مسلم : فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول : يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، ويا نور عيناه ، فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت عليّ عليه‌السلام ، وجاءت وانكبّت عليه فجاء [ إليها ] (٣) الحسين فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط ، وأقبل عليه‌السلام بفتيانه وقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه، فجاءوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه(٤).

قال : وخرج غلام من تلك الأبنية وفي اذنيه درّتان (٥) ، وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً ، فحمل عليه هانىء بن ثُبَيت لعنه الله ، فقتله ، فصارت شهربانوا تنظر إليه ولا تتكلّم كالمدهوشة.

ثمّ التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحداً من الرجال ، والتفت [ عن ] (٦)

__________________

١ و ٣ ـ من المقتل.

٢ ـ في البحار : الرحمن.

٤ ـ في « ح » فنظر الحسين بطرفه إلى السماء وقال : اللّهمّ أنت الشاهد على القوم الّذين قتلوا أشبه الخلق بنبيّك.

والله مالي أنيس بعد فرقتكم

إلاّ البكاء وقرع السن من ندمي

ولا ذكرت الّذي أيد الزمان لكم

إلاّ جرت أدمعي ممزوجة بدم

٥ ـ في المقتل : قرطان.

٦ ـ من البحار.

٣١٣

يساره فلم ير أحداً ، فخرج عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، وكان مريضاً لا يقدر أن يقلّ سيفه ، واُمّ كلثوم تنادي خلفه : يا بنيّ ، ارجع.

فقال : يا عمّتاه ، ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله.

وقال الحسين عليه‌السلام : يا اُمّ كلثوم ، خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولمّا فجع الحسين عليه‌السلام بأهل بيته وولده ، ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ [ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا ] (١)؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدّم صلوات الله عليه إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني عليّاً ابني الطفل حتّى اودّعه ، فناولوه الصبيّ ، فجعل يقبّله وهو يقول : ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله خصمهم ، والصبيّ في حجره ، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسديّ لعنه الله بسهم فذبحه في حجر الحسين ، فتلقّى الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه ، ثمّ رمى به إلى السماء فما رجع منه شيء ، ثمّ قال : لا يكون أهون عليك من فصيل ، اللّهمّ إن كنتَ حبستَ عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا. (٢)

____________

١ ـ من المقتل.

٢ ـ في « ح » ونقل انّه لمّا قُتل العبّاس تدافعوا الرجال على الحسين عليه‌السلام وأصحابه ، فلمّا نظر ذلك منهم نادى بالقوم : أمّا من مجير يجيرنا؟ أمّا من مغيث يغيثنا؟ أمّا من طالب حقّ ينصرنا؟ أمّا من خائف من النّار يذبّ عنّا؟ أمّا من أحدٍ يأتينا بشربة من الماء لهذا الطفل الصغير فإنّه لا يطيق الظمأ؟

فقام إليه ولده الأكبر شبيه الرسول ، فقال : أنا أتيك بالماء يا سيّدي.

٣١٤

ثمّ قام الحسين عليه‌السلام وركب فرسه وتقدّم إلى القتال ، وهو يقول :

كفر القوم وقدماً رغبوا

عن ثواب الله ربّ الثقلين

قتل (١) القوم عليّاً وابنه

حسن الخير كريم الأبوينِ

حنقاً منهم وقالوا أجمعوا

واحشروا الناس إلى حرب الحسين

[ يا لقوم من اُناس رُذّل

جمع الجمع لأهل الحرمين ] (٢)

ثمّ ساروا وتواصوا كلّهم

باجتياحي لرضاء الملحدينِ

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الكافرينِ

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين (٣)

لا لشيء كان منّي قبل ذا

غير فخري بضياء النيرّينِ

بعليّ الخير من بعد النبيّ

والنبيّ القرشيّ الوالدين

خيرة الله من الخلق أبي

ثمّ اُمّي فأنا ابن الخيّرين

فضّة قد خلصت من ذهبٍ

فأنا الفضّة وابن الذهبينِ

مَن له جد كجدي في الورى

أو كشيخي فأنا ابن العلمينِ

____________

فقال : امض بارك الله فيك.

قال : فأخذ الركوة بيده واقتحم الشريعة وملأ الركوة فأقبل بها نحو أبيه عليه‌السلام وقال : الماء طلبت ، يا أبي ، اسق أخي الصغير فإنّه لا يطيق العطش ، فإن بقي شيء فصبّه عليَّ ، فإنّي والله عطشان.

فبكى الحسين عليه‌السلام من قوله وأجلس ولده الصغير على فخذه وأخذ الركوة وقرّبها إلى فمه ، فلمّا همّ وأراد أن يشرب الطفل الماء أتاه سهم مسموم فوقع في حلقه فذبحه قبل أن يشرب من الماء شيئاً ، فبكى الحسين عليه‌السلام ورمى الركوة من يده ، الفخري مؤلّف مجمع البحرين. [ المنتخب : ٤٤٣ ].

١ ـ في البحار : قتلوا.

٢ ـ من البحار.

٣ ـ يقال : وكف البيت بالمطر : تقاطر وسال قليلاً ، والهطل : تتابع المطر والدمع وسيلانه.

٣١٥

فاطم الزهراء اُمّي وأبي

قاصم الكفر ببدر وحنينِ

عَبَدَالله غلاماً يافعاً

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزّى معاً

وعليّ كان صلّى القبلتين

وأبي شمس واُمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

وله في يوم اُحد وقعةٍ

شفت الغل بفضّ العسكرين

ثمّ في الأحزاب والفتح معاً

كان فيها حتف أهل الفيلقينِ

في سبيل الله ماذا صَنَعَتْ

اُمّة السوء معاً بالعترتين

عترة البرّ النبيّ المصطفى

وعليّ القرم (١) يوم الجحفلين (٢)

ثمّ وقف صلوات الله عليه قبالة القوم وسيفه مُصلت في يده آيساً من الحياة ، عازماً على الموت ، وهو يقول :

أنا ابن عليّ الطهر (٣) من آل هاشم

كفاني بهذا مفخراً حين أفخر

وجدّي رسول الله أكرم من مضى

ونحن سراج الله في الأرض (٤) نزهر

وفاطم اُمّي من سلالة أحمد (٥)

وعمّي يدعى ذو الجناحين جعفر


____________

١ ـ في البحار : الورد.

٢ ـ انظر الأبيات أيضاً في : الاحتجاج : ٣٠١ ، الفتوح لابن أعثم : ٥/٢١٠ ، مطالب السؤول : ٢/٢٩ ، كشف الغمّة : ٢/٢٧ ، عبرات المصطفين : ٢/٩٣.

٣ ـ في المقتل : الخير.

٤ ـ في البحار : الخلق.

٥ ـ في المقتل : وفاطمة اُمّي ابنة الطهر أحمد.

٣١٦

وفينا كتاب الله اُنزل صادقاً (١)

وفينا الهدى والوحي بالخير بذكر

ونحن أمان الله للناس (٢) كلّهم

نسرّ بها في الأنام ونجهرُ

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكرُ (٣)

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة (٤)

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

وذكر أبو عليّ السلاميّ في تاريخه أنّ هذه الأبيات للحسين عليه‌السلام من إنشائه ، وقال : وليس لأحد مثلها :

وإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

فإنّ ثواب الله أعلى وأنبلُ

وإن تكن الأبدان للموت اُنشئت

فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً

فقلّة سعي المرء في الكسب أجملّ

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرؤ يبخلُ؟


__________________

١ ـ في المقتل : صادعاً.

٢ ـ في المقتل : في الخلق.

٣ ـ في المقتل : نسقي محبّتنا ... بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر.

٤ ـ في المقتل : فيسعد فينا في القيام محبّنا.

٣١٧

[ سأمضي وما بالقتل عار على الفتى

إذا في سبيل الله يمضي ويقتل ] (١)

ثمّ إنّه عليه‌السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال ، حتّى قتل منهم مقتلة عظيمة.

ثمّ (٢) حمل عليه‌السلام على الميمنة وقال :

الموت خير من ركوب العار

[ والعار أولى من دخول النّار ] (٣)

ثمّ على الميسرة ، وهو يقول :

أنا الحسين بن عليّ

آلـيـت ألاّ انـثـني

أحمي عيـالات أبي

أمضي على دين النبيّ

ولم يزل يقاتِل حتّى قَتَل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين.

فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فاحملوا عليه من كلّ جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف ترمية بالسهام فحالوا بينه وبين رحله.

فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعراباً.

____________

١ ـ من المقتل.

٢ ـ من هنا إلى قوله : « من كلّ جانب » نقله المؤلّف رحمه‌الله من مناقب ابن شهراشوب : ٤/١١٠.

٣ ـ من المناقب.

٣١٨

فناداه شمر ، فقال : ما تقول ، يا ابن فاطمة؟

قال : أقول : انّا الّذي اُقاتلكم وتقاتولني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عُتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.

فقال شمر : لك هذا ، ثمّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل ، فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفو كريم.

قال : فقصدوه القوم وهو في ضمن ذلك يطلب شربة ماء ، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه أجمعهم حتّى أحالوه (١) عنه ، ثمّ رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفي لعنه الله بسهم ، فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته ، فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال صلوات الله عليه ، اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة ، اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً.

ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلّا بعجه بسيفه فقتله ، والسهام آخذة له من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره ، ويقول : يا اُمّة السوء ، بئسما خلّفتم محمّداً في عترته ، أمّا إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي ، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم ، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني ، فقال : وبماذا ينتقم لك منّا؟

قال : يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثمّ يصّب عليكم العذاب

__________________

١ ـ في المقتل : أجلوه.

٣١٩

الأليم.

ثمّ لم يزل يقال حتّى أصابته جراحات عظيمة.

وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، قال : وجد بالحسين عليه‌السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة.

وقال الباقر عليه‌السلام : اُصيب الحسين عليه‌السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح ، وضرب بسيف ، ورمية بسهم.

وفي رواية : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعة كالشوك في جلد القُنفذ ، وروي أنّها كانت كلّها في مقدّمته.

وهذا الروايات رواها الشيخ الثقة رشيد الدين بن شهراشوب المازندراني رضي الله عنه في كتابه المناقب. (١)

فوقف صلوات الله عليه يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب (٢) ليمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدّد مسموم ، له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره (٣) ، فقال الحسين عليه‌السلام : بسم الله ، وبالله ، وعلى ملّة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره ، ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/ ١١٠ ـ ١١١ ، عنه البحار : ٤٥ / ٥٢ ، وعوالم العلوم : ١٧/ ٢٩٥.

٢ ـ كذا في المقتل والبحار ، وهو الصحيح ، وفي الاصل : التراب

٣ ـ في المقتل : قلبه

٣٢٠