تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً

فقلّة سعي (١) المرء في الكسب (٢) أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

وإن تكن الأجساد (٣) للموت اُنشئت

فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل

قال : وكتب الحسين عليه‌السلام إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وجماعة من الشيعة بالكوفة ، وبعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي.

فلمّا قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيد الله بن زياد لعنه الله ليفتّشه ، فأخرج الكتاب ومزّقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد لعنه الله.

فلمّا مثل بين يديه ، قال : من أنت؟

قال : أنا رجل من شيعة عليّ بن أبي طالب وابنه الحسين عليه‌السلام.

قال : فلماذا مزّقت الكتاب؟

قال : لئلا تعلم ما فيه؟

قال : وممّن الكتاب؟ وإلى من؟

____________

١ ـ في المقتل والملهوف : حرص.

٢ ـ في المقتل : الرزق ، وفي الملهوف : السعي ، وجاء فيهما هذا البيت ثالثاً.

٣ ـ في المقتل والملهوف : الأبدان. وجاء فيهما هذا البيت ثانياً.

٢٤١

قال : من الحسين عليه‌السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زياد وقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه ، أو لاُقطّعنّك (١) إرباً إرباً.

فقال : أمّا القوم فلا اُخبرك بأسمائهم ، وأمّا لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.

فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأكثر من الترّحم على علي وولده عليهم‌السلام ، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني اُميّة عن أوّلهم وآخرهم.

ثمّ قال : [ أيّها الناس ] (٢) أنا رسول الحسين بن عليّ عليه‌السلام إليكم ، وقد خلّفته بموضع كذا فأجيبوه.

فأخبروا ابن زياد بذلك ، فأمر بإلقائه من أعلى القصر ، فاُلقي من هناك ، فمات رحمه‌الله.

وبلغ الحسين عليه‌السلام موته فاستعبر باكياً ، وقال : اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك (٣) ، إنّك على كلّ شيء قدير.

وروي أنّ هذا الكتاب كتب من الحاجز ، وقيل غير ذلك (٤).

__________________

١ ـ في الملهوف : وإلاّ قطّعتك.

٢ ـ من الملهوف.

٣ ـ في الملهوف : مستقرّ رحمتك.

٤ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٣ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٤ ـ ١٣٦.

٢٤٢

وورد الخبر بقتل قيس على الحسين عليه‌السلام وهو بزبالة ، وكان قد تبعه خلق كثير من المنازل الّتي كان يمرّ بها لأنّهم كانوا يظنون استقامة الأمر له صلوات الله عليه.

فلمّا سار من زبالة قام في الناس خطيباً ، فقال : إنّ أهل الكوفة وثبوا على مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة فقتلوهما وقتلوا قيس بن مسهر (١) ، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج ، ليس عليه منّا ذمام ، فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الّذين جاءوا معه من المدينة (٢) ، وإنّما أراد أن يصحبه إنسان إلاّ على بصيرة.

ثمّ سار عليه‌السلام حتّى بقي على مرحلتين من الكوفة ، فقال رجل من القوم : الله أكبر.

فقال الحسين : ممّا كبّرت؟

قال : رأيت نخيل الكوفة.

قال الأسديان : هذا مكان ما رأينا فيه نخلاً قطّ.

قال الحسين عليه‌السلام : فما تريانه؟

قالا : والله نرى أسنّة (٣) الرماح ، وآذان الخيل.

قال الحسين عليه‌السلام : وأنا أرى ذلك ، فهل لنا ملجأ؟

____________

١ ـ في بعض المصادر : عبد الله بن بقطر ( يقطر ) وهو أخو الحسين عليه‌السلام من الرضاعة.

٢ ـ في المقتل : مكّة.

٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : قال : ما تريان إلاّ أسنّة.

٢٤٣

قالا : بلى ، ذو حُسَم (١) إلى جنبك فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد ، فأخذ ذات اليسار ، وطلعت الخيل ، فعدلوا إليه وسبق الخيل إلى ذي حسم ، فنزل صلوات الله عليه فيه ، فجاء الحرّ بن يزيد الرياحي في ألف رجل فوقفوا.

فقال الحسين عليه‌السلام لأصحابه : اسقوا القوم ومدّوهم ، فسقوهم حتّى ارتووا وكانوا شاكّين في السلاح.

فقال الحسين عليه‌السلام : من قائدكم؟

فقالوا : الحرّ بن يزيد الرياحي ، فناداه الحسين ، وقال : يا حرّ ، لنا أم علينا؟

فقال الحرّ : بل عليك.

فقال الحسين عليه‌السلام : لا حول ولا قوّة إلا بالله العظيم.

قال : ودنت صلاة الظهر ، فقال الحسين للحجّاج بن مسروق : أذِّن يرحمك الله وأقم الصلا حتّى نصلّي.

قال : فأذّن ، فلمّا فرغ من أذانه صاح الحسين بالحر ، فقال : أتريد أن تصلي بأصحابك وأصلي بأصحابي؟

فقال الحرّ : بل أنت صل ونصلّي بصلاتك ، فتقدّم الحسين عليه‌السلام وصلّى بالعسكرين جميعاً ، فلمّا فرغ من صلاته وثب قائماً واتّكى على قائم

____________

١ ـ اسم جبل ، كان النعمان يصطاد فيه ، وبينه وبين عُذيب الهجانات إلى الكوفة ثلاث وثلاثون ميلاً.

٢٤٤

سيفه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس معذرة إليّ وإلى (١) من حضر من المسلمين ، إنّي لم أقدم إلى هذا البلد حتّى أتتني كتبكم ، وقدمت عليَّ رسلكم أن أقدم إلينا فإنّه ليس علينا إمام ، فلعلّ الله يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على عهدكم فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه وأثق به من عهودكم ومواثيقكم أدخل مصركم معكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي انصرفت على المكان الّذي جئت منه ، والسلام.

فقال له الحرّ : أمّا والله ما ندري بهذه الكتب الّتي تقول.

فقال : يا عقبة (٢) بن سمعان ، أخرج الخرجين وأخرجها ، فنشر الكتب بين يديه.

فقال الحرّ : لسنا من هؤلاء.

وإذا بكتاب قد ورد من الكوفة من عبيد الله بن زياد إلى الحرّ :

أمّا بعد :

يا حرّ ، فإذا أتاك كتابي فجعجع بالحسين ولا تفارقه حتّى تأتيني به ، فإنّي قد أمرت رسولي أن يلازمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذ أمري إليك ، والسلام.

فلمّا قرأ الكتاب بعث إلى بقاية من أصحابه (٣) فدعاهم ، ثمّ قال : ويحكم قد ورد عليَّ كتاب هذا اللعين ابن زياد يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوء

____________

١ ـ في المقتل : معذرة إليكم اُقدّمها إلى الله وإلى.

٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : عتبة.

٣ ـ في المقتل : إلى ثقات أصحابه.

٢٤٥

ولا والله لا تطاوعني نفسي بذلك ولا تجيبني.

قال : فالتفت إليه رجل من أصحاب الحرّ يقال له أبو الشعثاء الكندي إلى رسول ابن زياد فقال له : فيما جئت ثكلتك اُمّك؟

فقال : أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي ، وجئت برسالة أميري.

فقال له أبو الشعثاء : لعمري لقد عصيت ربّك ، وأطعت إمامك ، وأهلكت نفسك ، والتبست (١) عاراً ، فبئس الإمام إمامك ، قال الله سبحانه : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ اِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ) (٣).

وقام الحسين عليه‌السلام على قدميه عند ذلك ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّا أهل بيت نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، السائرين فيكم بالظلم والعدوان ، فإن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله فيكون ذلك رضى ، وإن كرهتمونا وجهلتم حقّنا ، وكان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم انصرفت عنكم.

فأجابه الحرّ بما أجابه ، وقال : اُمرنا إن لقيناك لا نفارقك حتّى نقدم بك على الأمير.

قال : فتبسّم الحسين صلوات الله عليه ، ثمّ قال : يا ابن يزيد ، أولا تعلم أنّ الموت أولى من ذلك؟ ثمّ التفت الحسين إلى أصحابه وقال : احملوا النساء واركبوا حتّى ننظر ما (٣) الّذي يقدر أن يصنع هذا وأصحابه.

__________________

١ ـ في المقتل : واكتسبت.

٢ ـ سورة القصص : ٤١.

٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ماذا؟

٢٤٦

قال : فركب أصحاب الحسين وساقوا النساء بين أيديهم لينصرفوا إلى مكّة ، فتقدّمت خيل أهل الكوفة حتّى حالت بينهم وبين المسير ، وضرب الحسين بيده إلى سيفه ، وقال : يا ابن يزيد ، ثكلتك اُمّك ، ما الّذي أن تصنع؟

فقال الحرّ : أمّا والله يا حسين ، لو قالها أحد من العرب غيرك لرددتها عليه كائناً من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر اُمّك من سبيل ، غير أنّي لابّد أن أنطلق بك إلى ابن زياد.

فقال الحسين عليه‌السلام : أمّا والله لا أتبعك أو تذهب نفسي.

فقال الحرّ : إذا والله لا افارقك أو تذهب نفسي ونفس أصحابي.

قال الحسين عليه‌السلام : فذر أصحابك وأصحابي وابرز إليّ ، فإن قتلتني حملت رأسي إلى ابن زياد ، وإن قتلتك أرحت الخلق منك.

فقال الحرّ : إنّي لم أُؤمر بقتالك ، وإنّما اُمرت أن لا أُفارقك أو أقدم بك على ابن زياد ، وأنا كاره والله أن أبتلي بشيء من أمرك ، غير أنّي أخذت بيعة القوم وخرجت إليك ، وأنا أعلم أنّه ما يوافي أحد من هذه الاُمّة يوم القيامة الّا وهو يرجو شفاعة جدّك ، وأنا خائف إن قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة ، لكن يا أبا عبد الله ، لا أقدر على الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا ، فخذ في غير الطريق وامض حيث شئت حتّى أكتب إلى ابن زياد انّ الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه ، وأنا اُنشدك الله في نفسك.

فقال : يا حرّ ، كأنّك تخبرني أنّي مقتول.

قال الحرّ : نعم يا أبا عبد الله ، ما أشكّ في ذلك إلاّ أن ترجع من حيث

٢٤٧

جئت.

فقال الحسين عليه‌السلام : لا أدري ما أقول لك ، ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّ له لقيه وهو يريد نصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أين تذهب إنّك مقتول؟

فقال :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مذموماً وخالف مجرماً

أقدم نفسي لا اريد بقاءها

لتلقى خميساً في الوغى (١) وعرمرما

فإن عشت لم اُذمم وإن مت لم اُلم

كفى بك ذلّاً أن تعيش فترغما

ثمّ أقبل الحسين عليه‌السلام على أصحابه ، وقال : هل فيكم أحد يعرف (٢) الطريق على غير الجادّة؟

فقال الطرمّاح (٣) : نعم ، يا ابن رسول الله ، أنا أخبر الطريق.

فقال الحسين عليه‌السلام : سر بين أيدينا ، فسار الطرمّاح واتّبعه الحسين

__________________

١ ـ في المقتل : النزال.

٢ ـ في المقتل : يخبر.

٣ ـ هو الطرماح بن عديّ الطائي.

٢٤٨

صلوات الله عليه وأصحابه ، وجعل الطرمّاح يرتجز [ ويقول ] (١) :

يا ناقتي لا تجزعي (٢) من زجر

وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول الله آل (٣) الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر (٤)

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف (٥) البتر

حتى تحلّى بكريم النجر (٦)

الماجد الجدّ (٧) الرحيب الصدر

أتى به (٨) الله لخير أمر (٩)

عمرّه الله بقاء الدهر

يا مالك النفع معاً والضرِّ

أيد حسيناً سيّدي بالنصر

على الطغاة من بقايا الكفر

على اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر

وابن زياد العهر وابن العهر (١٠)

____________

١ ـ من البحار.

٢ ـ في المقتل والبحار : لا تذعري.

٣ ـ في المقتل : أهل.

٤ ـ في المقتل : الغرّ.

٥ ـ في المقتل : بالصفاح.

٦ ـ في البحار : الفخر.

٧ ـ في المقتل : الحرّ.

٨ ـ في البحار : أثابه.

٩ ـ بقيّة الأرجاز في المقتل هكذا :

عمره الله بقاء الدهر

وزاده من طيّبات الذكر

يا مالك النفع معاً والضرّ

أيّد حسيناً سيّدي بالنصر

على الطغاة من باقايا الكفر

أعني اللعينين سليل صخر

وابن زياد العاهر ابن العهر

فأنت يا ربّ به ذو البر

وما في وقعة الطفّ يختلف عن المتن والمقتل.

١٠ ـ من قوله : « ثمّ أقبل الحسين عليه‌السلام » إلى هنا نقله المجلسي رحمه‌الله في البحار :

٢٤٩

قال : وأصبح الحسين عليه‌السلام من وراء عذيب الهجانات (١) وإذا بالحرّ قد ظهر له (٢) أيضاً في جيشه ، فقصد الحسين ، فقال : ما وراءك يابن يزيد؟ أليس أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق فأخذنا وقبلنا مشورتك؟

فقال : صدقت ، ولكن هذا كتاب ابن زياد ورد عليَّ يؤنّبني ويضعّفني في أمرك.

قال الحسين : فذرنا ننزل بقرية نينوى أو الغاضريّة؟

فقال الحرّ : والله ما أستطيع ذلك ، هذا رسول ابن زياد معي ، وإنّما بعثه عيناً عليَّ.

فأقبل زهير بن القين على الحسين ، فقال : يابن رسول الله ، ذرنا نقاتل هؤلاء القوم فإنّ قتالنا إيّاهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم.

فقال الحسين عليه‌السلام : صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت بالّذي أبدأهم بالقتال حتّى يبدأوني.

فقال زهير : سر بنا حتّى ننزل كربلاء فإنّها [ على ] (٣) شاطىء الفرات فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنّا عليهم بالله.

فدمعت عينا الحسين عليه‌السلام ، وقال : ألّلهمّ إنّي أعوذ بك من

____________

٤٤/٣٧٨ ـ ٣٧٩ عن كتابنا هذا وكذا في عوالم العلوم : ١٧/٢٢٩.

١ ـ عذيب الهجانات قريب من عذيب القوادس ، وعذيب القوادس ماء بين القادسيّة والمغيثة ، بينه وبين القادسيّة أربعة أميال ، وقيل غير ذلك. « معجم البلدان : ٤/٩٢ ».

٢ ـ في المقتل : عارضه.

٣ ـ من المقتل.

٢٥٠

الكرب والبلاء ونزل الحسين في موضعه ونزل الحرّ حذاءه. (١).

وقام إلى الحسين رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع الجملي (٢) ، فقال : يا ابن رسول الله ، الست تعلم أنّ جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ، ولا أن يرجعوا من أمره إلى ما يحبّ (٣) ، وقد كان [ منهم ] (٤) منافقون يعدّونه النصر ويضمرون له الغدر ، ويلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمر من الحنظل حتّى قبضه الله تعالى إليه ، وأنّ أباك أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في مثل ذلك ، فقوم اجتمعوا على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين [ وقوم قعدوا عنه وخذلوه ] (٥) حتّى آتاه الله أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيته فلن يضرّ إلّا نفسه ، والله تعالى مغن عنه ، فسرّ بنا معافى راشداً إن شئت مشرقاً أو مغرباً ، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك.

ثمّ وثب إليه رجل من شيعته يقال له برير بن خضير الهمداني ، فقال : والله يا ابن رسول الله ، لقد منّ الله تعالى بك علينا أن نقاتل بين يديك ، وتقطّع [ فيك ] (٦) أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك صلى‌الله‌عليه‌وآله شفيعاً لنا يوم القيامة ، لا أفلح قوم ضيّعوا ابن [ بنت ] (٧) نبيّهم ، اُفّ لهم غداً ما يلاقون ، ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم.

__________________

١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/٢٢٩ ـ ٢٣٤. وانظر : وقعة الطفّ : ١٦٧ ـ ١٧٣.

٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : البجلي.

٣ ـ في المقتل : ما كان أحبّ.

٤ و ٥ و ٦ و ٧ ـ من المقتل.

٢٥١

قال : فجمع الحسين عليه‌السلام ولده وإخوته وأهل بيته بين يديه ، ثمّ نظر إليهم ، فبكى ساعة ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّا عترة نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد اُخرجنا وطردنا واُزعجنا عن حرم جدّنا ، وتعدّت بنو اُميّة علينا ، فخُذ لنا بحقّنا ، وانصرنا على القوم الظالمين.

ثمّ نادى عليه‌السلام بأصحابه ورحل من موضعه (١) حتّى نزل كربلاء في يوم الأربعاء أو الخميس ، وذلك في اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين ، ثمّ أقبل على أصحابه ، فقال : الناس عبيدالدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت (٢) معايشهم ، فإذا محصّوا بالبلاء قلَّ الديّانون.

ثمّ قال : أهذه كربلاء (٣)؟

فقالوا : نعم.

فقال : هذا موضع كرب وبلا ، هاهنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، ومسفك دمائنا. (٤)

فنزل القوم وحطّوا أثقالهم ناحية من الفرات ، وضربت خيمة الحسين لأهله وبنيه وبناته ، وضرب إخوته وبنو عمّه خيامهم حول خيمته ، وجلس

____________

١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ودخل موضعه.

٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ما دارت.

٣ ـ في « ح » وردت هذه الأبيات :

وجدّ السرى يطوي الفيافي فلم ينبعث مهر الحسين بخطوه فقالوا تسمىّ كربلا قال هوّنوا إلى أن أتى في سيره أرض كربلا فقال الله يا صحب ما هذه الفلا مسيركم يا قوم قد نزل البلا

٤ ـ انظر : الفتوح لابن أعثم : ٥/١٤٩ ، مطالب السؤول : ٢/٣٦ ، نظم درر السمطين : ٢١٦ ، أمالي الصدوق : ١٣٢ ، تيسير المطالب : ٩٢ ، المناقب لابن شهراشوب : ٤/٩٧ ، مثير الأحزان : ٤٩ ، كشف الغمّة : ٢/٤٧ ، البحار : ٤٤/٣١٥.

٢٥٢

الحسين عليه‌السلام يصلح سيفه ومعه جون مولى أبي ذر الغفاري ، فأنشأ الحسين يقول :

يا دهر أُفٍ لك من خليلِ

كم لك بالإشراق والأصيلِ

من طالب بحقّه قتيل (١)

والدهر لا يقنع بالبديلِ

وكلّ حيٍّ سالك سبيلِ

ما أقرب الوعد من الرحيلِ

وإنّما الأمر إلى الجليل

[ سبحانه جلّ عن المثيل ] (٢)

فسمعت بذلك اُخت الحسين زينب واُمّ كلثوم ، فقالت : يا أخي ، هذا كلام من أيقن بالموت.

فقال : نعم ، يا اُختاه ، لوترك القطا لغفا ونام.

فقالت زينب : واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة ، مات جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومات أبي عليّ ، وماتت اُمّي فاطمة ، ومات أخي الحسن ، والآن ينعى إليّ أخي الحسين نفسه.

قال : وبكت النسوة ، ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب ، وجعلت اُمّ كلثوم تنادي (٣) : وا محمّداه ، وا عليّاه ، وا اُمّاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا ضيعتاه ، يا أبا عبد الله.

فعزّاها الحسين وصبّرها ، وقال : يا اُختاه ، تعزّي بعزاء الله ، وارضي بقضاء الله ، فإنّ سكّان السماء يفنون (٤) ، وأهل الأرض يموتون ، ( كُلُّ شَيْءٍ

____________

١ ـ في المقتل : من صاحبٍ وطالبٍ قتيل.

٢ ـ من المقتل.

٣ ـ في المقتل : وجعلت اُخته تنادي.

٤ ـ في المقتل : فإنّ أهل السماء يفوتون.

٢٥٣

هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) (١).

يَا اُختاه ، كان أبي وجدّي وأخي واُمّي أفضل منّي وقد ذاقوا الموت ، وصاروا تحت الثرى ، وانّ لي ولهم ولكلّ مؤمن اُسوة برسول الله.

وعزّاها الحسين : يا اُختاه يا اُمّ كلثوم ويا زينب ويا فاطمة ، انظرن إذا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً ، ولا تخمشن وجهاً ، ولا تقلن هجراً.

وقال الطرمّاح بن عديّ : الوجه عندي في ذلك يا ابن رسول الله أن تركب معي جمازه فإنّي [ أبلغ ] (٢) بك الليلة قبل الصباح أحياء طي ، واُسوّي لك اُمورك ، واُقيم بين يديك خمسة آلاف مقاتل يقاتلون عنك.

فقال الحسين عليه‌السلام : ليس من مروة الرجل أن ينجو بنفسه ويهلك أهل وعياله.

فقال له أصحابه : إنّ هؤلاء إذا لم يجدوك لم يفعلوا بالعيال مكروهاً ، فلم يلتفت إلى قولهم ، وجزى الطرمّاح خيراً.

وأقبل الحرّ حتّى نزل بإزاء الحسين بكربلاء.

وكتب ابن زياد إلى الحسين عليه‌السلام :

أمّا بعد :

يا حسين ، فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ، ولا أشبع من الخمير ، أو اُلحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد.

____________

١ ـ سورة القصص : ٨٨.

٢ ـ من المقتل.

٢٥٤

فلمّا ورد كتابه على الحسين عليه‌السلام وقرأه رماه من يده ، وقال : لا أفلح قوم شروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.

فقال له الرسول : الجواب يا أبا عبد الله.

فقال له : ما له عندي جواب ، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب ، فرجع الرسول إلى ابن زياد ، فخبّره بذلك ، فغضب عدوّ الله أشدّ الغضب ، ثمّ جمع أصحابه وقال : من منكم يتولّى قتال الحسين أتولّى به (١) أيّ بلد شاء؟ فلم يجبه أحد ، والتفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقّاص وقد كان قبل ذلك بأيّام قد عقد له عهداً وولّاه الريّ وتستر ، وأمره بحرب الديلم فأراد أن يخرج إليها ، فلمّا كان ذلك أقبل عليه ابن زياد : فقال : اُريد أن تمضي إلى حرب الحسين فإذا نحن فرغنا من أمره سرتَ إلى عملك.

فقال عمر بن سعد : أيّها الأمير ، إن رأيت أن تعفيني عن قتال الحسين منعماً عليَّ.

فقال ابن زياد : فإنّا قد أعفيناك ، فاردد علينا عهدنا الّذي كتبناه لك واجلس في منزلك حتّى نبعث غيرك.

فقال عمر : فأمهلني اليوم حتّى أنظر في أمري.

قال : قد أمهلتك.

قال : فانصرف عمر بن سعد إلى منزله ليستشير إخوانه ومن يثق به ، فلا يشير عليه أحد بذلك غير أنّهم يقولون : آثر الله واتّق ربّك ولا تفعل ، وأقبل اليه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اُخته ، فقال اُنشدك الله يا خال ان تسير إلى

____________

١ ـ في المقتل : بولاية.

٢٥٥

[ قتال ] (١) الحسين فإنّك تأثم بذلك وتقطع رحمك ، فوالله لئن خرجت من سلطان الأرض كلّها هو خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين.

قال : فسكت عمر وفي قلبه من الريّ ما فيه (٢) ، فلمّا أصبح أقبل على ابن زياد ، فقال له : ما عندك يا عمر؟

فقال : أيّها الأمير ، إنّك ولّيتني هذا بعمل ، وقد تسامع الناس به ، فإن رأيت أن تفسده لي وتولّي غيري فافعل ، فإنّ في الكوفة أسماء بن خارجة ، وكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وغيرهم.

فقال له ابن زياد : لا تعلّمني بأشراف الكوفة ، فإنّي لا أستأمرك فيمن اُريد أن أبعث ، فإن سرت أنت فرّجت عنّا هذه الغمّة ، وأنت الحبيب القريب ، وإلّا فاردد علينا عملنا (٣) ، والزم منزلك فإنّا لا نكرهك.

قال : فسكت عمر ، وغضب ابن زياد ، وقال : يا ابن سعد ، والله لئن لم تمض إلى حرب الحسين (٤) وتتولّاه لأضربنّ عنقك ، ولأهدمنّ دارك ، ولأنهبن مالك [ ولا اُبقي عليك ] (٥) كائنا من كان.

فقال : إذاً فأنا سائر إليه غداً ، فجزاه ابن زياد خيراً ، ووصله وأعطاه ، وضمّ إليه أربعة آلاف فارس ، وقال له : خذ بكظم الحسين ، وحل بينه وبين ماء الفرات أن يشرب منه ، ثمّ سار عمر بن سعد في أربعة آلاف نحو الحسين ، وكان

____________

١ و ٥ ـ من المقتل.

٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ما في قلبه.

٣ ـ في المقتل : عهدنا.

٤ ـ في المقتل : لم تسر إلى الحسين.

٢٥٦

[ الحرّ ] (١) عنده ألف فذلك خمسة آلاف ، ثمّ دعا عمر بن سعد برجل من أصحابه يقال له عروة بن قيس ، فقال له : امض إلى الحسين فاسأله ما الّذي جاء به إلى هذا الموضع؟ وما الّذي أخرجه من مكّة؟

فقال عروة : أيّها الأمير ، إنّي كنت قبل اليوم اُكاتب الحسين ويكاتبني ، وأنا أستحي أن أصير إليه ، فإن رايت أن تبعث غيري ، فبعث ابن سعد برجل يقال له كثير بن عبد الله الشعبي (٢) ، وكان ملعوناً ناصبيّاً شديد العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام فسلّ سيفه ، فلمّا رأى أبو ثمامة الصائدي (٣) قال للحسين : يا ابن رسول الله ، قد جاءك شرّ الناس واجرأهم على سفك الدماء.

قال : فقام الحسين وقال له : ضع سيفك حتّى نكلّمك فقال : لا ولا كرامة ، إنّما أنا رسول فإن سمعتَ منّي بلّغتُ ما اُرسلتُ به ، وإن أبيتَ انصرفتُ.

فقال له أبو ثمامة : تكلّم بما تريد ولاتدن من الحسين فإنّك رجل فاسق ، فغضب ورجع إلى ابن سعد ، وقال : إنّهم لم يتركوني أن أدنو من الحسين فاُبلّغه رسالتك فابعث غيري ، فأرسل إليه برجل يقال له قرّة بن قيس الحنظلي ، فلمّا أشرف على عسكر الحسين قال الحسين لأصحابه : هل تعرفون الرجل؟

فقال حبيب بن مظاهر : نعم ، يا ابن رسول الله ، هذا رجل من بني تميم ثمّ من بني حنظلة ، وقد (٤) كنت أعرفه حسن الرأي ، وما ظننت أنّه يشهد هذا المشهد ، ثمّ تقدّم الحنظلي حتّى وقف بين يدي الحسين عليه‌السلام وأبلغه

____________

١ ـ من المقتل.

٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : يقال غيلان بن عبد الله السبيعي.

٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : الصيداوي.

٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : هذا رجل من تميم وقد.

٢٥٧

رسالة عمر بن سعد.

فقال الحسين عليه‌السلام : يا هذا ، أبلغ صاحبك انّي لم ارد هذا البلد ، ولكن كتب إليّ أهله أن آتيهم يبايعوني ويمنعوني وينصروني ، فإن كرهتموني انصرفت عنكم من حيث جئتُ.

ثمّ وثب إليه حبيب بن مظاهر ، وقال : ويحك يا قرّة ، عهدي بك وأنت حسن الرأي في أهل البيت ، فما الّذي غيرك حتّى جئتنا بهذه الرسالة ، فأقم عندنا وانصر هذا الرجل الّذي قد أتانا الله به؟

فقال الحنظلي : سمعت مقالتك ، وهو أحقّ بالنصر من غيره ، ولكنّي أرجع إلى صاحبي بالرسالة وأنظر في ذلك ، ثمّ انصرف وأخبر ابن سعد بمقالة الحسين.

فقال ابن سعد : الحمد لله ، والله إنّي لا أرجو أن يعافيني الله من حربه ، ثمّ كتب إلى ابن زياد :

إلى الأمير عبيد الله بن زياد من عمر بن سعد.

أمّا بعد :

فإنّي نزلت بالحسين ، ثمّ بعثت إليه رسولاً وسألته عمّا أقدمه ، فذكر انّ أهل الكوفة أرسلوا يسألونه القدوم عليهم ليبايعوه وينصروه ، فإذا قد بدا لهم في نصرته فإنّه ينصرف من حيث أتى ويلحق بيزيد بن معاوية ، أو يلحق بأيّ بلد أردت فيكون كواحد من المسلمين ، فأحببت أن اُعلم الأمير بذلك.

فلمّا قرأ ابن زياد كتاب عمر فكر ساعة ، ثمّ قال : الآن وقد علقت مخاليبنا يرجو ابن أبي تراب النجاة منها ، هيهات لانجّى الله ابن زياد إن نجا منها

٢٥٨

الحسين ، ثمّ كتب إلى ابن سعد :

أمّا بعد :

فقد بلغني كتابك وما ذكرت من أمر الحسين ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فأعرض عليه البيعة ليزيد ، فإن فعل وأجاب إلى البيعة وإلّا فائتني به ، والسلام.

فلمّا ورد الكتاب على ابن سعد قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، أخاف أنّ ابن زياد لا يقبل العافية ، والله المستعان ، فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنّه علم أنّ الحسين لا يبايع يزيد أبداً (١).

قال : ثمّ جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ، ثمّ خرج فصعد المنبر ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة ، محمود الطريقة ، محسناً إلى الرعيّة ، يعطي العطاء في حقّه ، قد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد ، ويغنيهم بالأموال ويكرمهم ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن اُوفّرها عليكم واُخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين ، فاسمعوا له وأطيعوا.

ثمّ نزل عن المنبر ووفّر للناس العطاء ، وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه‌السلام ، ويكونوا عوناً لابن سعد على حربه ، فأوّل من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف ، ثمّ أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ، وفلان المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر بن فلان في ألفين ، فذلك عشرون ألفاً.

____________

١ ـ في المقتل : لا يجيبه إلى ذلك أبداً.

٢٥٩

ثمّ أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا فإنّا نريد أن نوجّه بك إلى حرب الحسين ، فتمارض شبث وأراد أن يعفيه ابن زياد ، فأرسل إليه :

أمّا بعد :

فإنّ رسولي خبّرني بتمارضك ، وأخاف أن تكون من الّذين إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزءون (١) ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعاً ، فأقبل إليه شبث بعد العشاء ، لئلّا ينظر الملعون إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة ، فلمّا دخل رحّب به وقرّب مجلسه ، وقال : اُحبّ أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عوناً لابن سعد عليه.

فقال : أفعل أيّها الامير. (٢)

فما زال يرسل إليه بالعساكر حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل ، ثمّ كتب إليه ابن زياد : إنّي لم أجعل لك علّة في كثرة الخيل والرجال ، فانظر لا اُصبح ولا اُمسي إلاّ وخبرك عندي غدوة وعشيّة ، وكان ابن زياد يستحثّ عمر بن سعد على قتال الحسين عليه‌السلام ، وعمر بن سعد يكره ذلك. (٣)

قال : والتأمت العساكر عند عمر بن سعد لستّة أيام مضين من المحرّم (٤) ، وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه‌السلام ، فقال : يا ابن رسول الله ، هاهنا

____________

١ ـ إشارة إلى الآية : ١٤ من سورة البقرة.

٢ ـ كذا في خ ل الأصل والمقتل ، وفي الأصل : الرجل.

٣ ـ في المقتل : يكرة أن يكون قتل الحسين يده.

٤ ـ في البحار : وكان ابن زياد يستحثّ عمر بن سعد لستّة أيّام مضين من المحرّم.

٢٦٠