تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ٢

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-11-8
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

عليه‌السلام قابض على تلابيب الأعسر (١) ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعض على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلّفتني أنت وأصحابك ، عليكم لعنة الله ولعنتي ، الخبر. (٢)

كتاب الإبانة : قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين عليه‌السلام : إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك!

فقال عليه‌السلام : لإن اقتل في موضع كذا وكذا أحبّ إليّ من أن يستحل بي مكّة ، عرّض به عليه‌السلام.

كتاب التخريج : عن العامري بالإسناد عن هبيرة بن مريم (٣) ، عن ابن عبّاس ، قال : رأيت الحسين عليه‌السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة وكف جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله سبحانه.

وعُنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه‌السلام ، فقال : إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.

وقال محمد بن الحنفيّة : وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. (٤)

____________

١ ـ الأعسر : الشديد أو الشؤوم ، والمراد به الأوّل أو الثاني.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥١ ـ ٥٢ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٤ ذ ح ١١ ، ومدينة المعاجز : ٣/٥٠٠ ح ١٠١٥ وص ٥٠١ ح ١٠١٦ ، وعوالم العلوم : ١٧/٤٩ ح ١ وص ٥٠ ح ١.

٣ ـ في المناقب : بريم.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٢ ـ ٥٣ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٥ ح ١٢ ، ومدينة المعاجز : ٣/٥٠٣ ح ١٠١٧ ـ ١٠١٩ ، وعوالم العلوم : ١٧/٥٤ ح ٢ وص ٤١ ح ١.

١٠١

فصل

في مكارم أخلاقه عليه‌السلام

سأل رجل الحسين (١) عليه‌السلام حاجة ، فقال صلوات الله عليه : يا هذا ، سؤالك إيّاي يعظم لديّ ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر عليّ ، ويدي تعجز عن نيلك ممّا أنت أهله ، والكثير في ذات الله قليل ، وما في ملكي وفاء لشكرك ، فإن قبلت الميسور دفعت عنّي مؤنة (٢) الاحتيال لك ، والاهتمام لما أتكلّف من واجب حقك.

فقال الرجل : يا ابن رسول الله ، أقبل ( اليسير ) (٣) ، وأشكر العطية ، وأعذر على المنع ، فدعا الحسين عليه‌السلام بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها ، ثمّ قال : هات الفاضل من الثلاثمائة الف ، فأحضر خمسين ألفاً من الدراهم. فقال : ما فعلت الخمسمائة دينار؟

قال : هي عندي.

قال : احضرها ، فدفع الدراهم والدنانير إلى الرجل ، فقال : هات من

__________________

١ ـ في جميع المصادر باستثناء مقتل الخوارزمي : الحسين.

٢ ـ في المقتل : مرارة ، وفي الكشف : [ الاحتفال ] بدل [ الاحتيال ].

يقال : احتفل في الأمر : أيّ بالغ فيه.

٣ ـ من المقتل.

١٠٢

يحمل معك هذا المال ، فأتاه بالحمّالين ، فدفع الحسين إليهم رداءه لكراء حملهم حتّى حملوه معه ، فقال مولى له : والله لم يبق عندنا درهم واحد.

قال : لكنّي أرجوا أن يكون لي بفعلي هذا عندالله ، أجر عظيم. (١)

قيل : خرج الحسن عليه‌السلام في سفر فأضلّ طريقة ليلاً ، فمرّ براعي غنم فنزل عنده وألطفه وبات عنده ، فلمّا أصبح دله على الطريق ، فقال له الحسن عليه‌السلام : إنّي ماض إلى ضيعتي (٢) ، ثمّ أعود إلى المدينة ، ووقّت له وقتاً قال : تأتيني فيه ، فلمّا جاء الوقت شغل الحسن بشيء من اموره عن قدوم المدينة ، فجاء الراعي وكان عبداً لرجل من أهل المدينة فصار إلى أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام وهو يظنّه الحسن ، فقال : يا مولاي ، أنا العبد الّذي بتَّ عندي ليلة كذا وأمرتني (٣) أن اصير إليك في هذا الوقت ، وأراه علامات عرف الحسين عليه‌السلام أنّه كان الحسن عليه‌السلام.

فقال الحسين عليه‌السلام : لمن أنت؟

فقال : لفلان. قال : كم غنمك؟ قال : ثلاثمائة.

__________________

١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٥٣.

ورواه في مطالب السؤول : ٢/٩ ، عنه كشف الغمة : ١/٥٥٨ ـ ٥٥٩.

ورواه في الفصول المهمة : ١٥٧ ، عنه حلية الأبرار : ٣/٦٣ ح ٦ وعن المطالب.

وأخرجه في البحار : ٤٣/٣٤٧ ح ٢٠ عن الكشف.

٢ ـ الضيعة : النخل والكرم والأرض.

٣ ـ في المقتل : ووعدتني.

١٠٣

فأرسل عليه‌السلام إلى الرجل فرغّبه حتّى باعه الغنم والعبد فأعتقه ووهب له الغنم مكافأة عمّا صنع بأخيه ، وقال : إنّ الّذي بات عندك أخي وقد كافيتك بفعلك به. (١)

وروى الحسن البصري : قال : كان الحسين سيداً ، زاهداً ، ورعاً ، صالحاً ، ناصحاً ، حسن الخلق ، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستان له وكان في ذلك البستان غلام له يقال له صافي ، فلمّا قرب من البستان رأى الغلام قاعداً يأكل خبزاً ، فنظر الحسين إليه وجلس مستتراً ببعض النخل ، فكان الغلام يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى اكلب ويأكل نصفه ، فتعجب الحسين عليه‌السلام من فعل الغلام ، فلمّا فرغ من الأكل قال : الحمد لله ربّ العالمين. اللّهمّ اغفر لي ولسيدي وبارك له كما باركت على أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.

فقام الحسين عليه‌السلام وقال : يا صافي ، فقام الغلام فزعاً ، فقال : يا سيّدي وسيد المؤمنين إلى يوم القيامة ، إنّي ما رأيتك فاعف عني.

فقال الحسين عليه‌السلام : اجعلني في حلّ يا صافي لأني دخلت بستانك بغير إذنك.

فقال صافي : يا سيّدي بفضلك وكرمك وسؤددك تقول هذا.

فقال الحسين عليه‌السلام : إنّي رأيتك ترمي بنصف الرغيف إلى الكلب وتأكل نصفه ، فما معنى ذلك؟

فقال الغلام : إن [ هذا ] (٢) الكلب ينظر إليّ حين أكلي ، فإنّي أستحي منه يا

__________________

١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٥٣.

٢ ـ من المقتل.

١٠٤

سيدي لنظره إليّ ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء ، وأنا عبدك وهذا كلبك نأكل من رزقك معاً.

فبكى الحسين عليه‌السلام وقال : إن كان كذلك فأنت عتيق لله ووهبت لك ألفي دينار بطيبة من قلبي.

فقام الغلام : إن أعتقتني لله فإنّي اريد القيام ببستانك.

فقال الحسين : إنّ الكريم (١) إذا تكلّم بالكلام ينبغي له أن يصدقه بالفعل ، وأنا قلت حين دخلت البستان : اجعلني في حلّ فإنّي دخلت بستانك بغير إذنك ، فصدقت قولي ، ووهبت البستان لك بما فيه ، غير أنّ أصحابي هؤلاء جاءوالأكل الثمار والرطب فاجعلهم أضيافاً لك ، وأكرمهم لأجلي أكرمك الله يوم القيامة وبارك لك في حسن خلقك وأدبك.

فقال الغلام : إن كنت أوهبت لي بستانك فإنّي قد سبلته لأصحابك وشيعتك.

قال الحسن البصري : فينبغي للمؤمن أن يكون في الفعال كنافلة (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (٣)

وروي : أنّ الحسين عليه‌السلام كان جالساً في المسجد ، مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الموضع الّذي كان يجلس فيه أخوه الحسن عليه‌السلام ، بعد وفاة أخيه عليه‌السلام ، فأتاه أعرابي فسلّم عليه ، فردّ عليه‌السلام وقال : ما حاجتك؟

__________________

١ ـ في المقتل : الرجل.

٢ ـ النافلة : الذرّيّة من الأحفاد والأسباط.

٣ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٥٣ ـ ١٥٤.

١٠٥

قال إنّي قتلت ابن عمّ لي وقد طولبت بالدية ، وقد قصدتك في دية مسلمة إلى أهلها.

قال أقصدت أحداً قبلي؟

قال : نعم ، قال : قصدت عتبة بن أبي سفيان فناولني خمسين ديناراً ، فرددتها عليه ، وقلت : لأقصدنّ خيراً منك وأكرم.

فقال عتبة : ومن خير منّي وأكرم لا اُمّ لك؟ فقلت الحسين وعبد الله بن جعفر (١) ، وقد أتيتك بدءاً لتقيم بها عمود ظهري وتردّني إلى أهلي.

فقال الحسين عليه‌السلام : يا أعرابي ، إنّا قوم نعطي المعروف على قدر المعرفة.

فقال : سل ، يا ابن رسول الله.

فقال الحسين : ما النجاة من الهلكة؟

قال : التوكّل على الله.

فقال : ما أوفى للهمة؟

فقال : الثقة بالله.

فقال : ما احصن ما يتحصّن به العبد؟

قال : بحبّكم أهل البيت.

قال : ما أزين ما يتزيّن به العبد؟

قال : علم يزيّنه حلم.

____________

١ ـ في المقتل : إمّا الحسين بن علي وإما عبد الله بن جعفر.

١٠٦

قال : فإن أخطأه ذلك.

قال : عقل يزيّنه تُقى.

قال : فإن أخطأه ذلك.

قال : سخاء يزيّنه خلق حسن.

قال : فإن أخطأه ذلك.

قال : شجاعة يزينها ترك العجب.

قال : فإن أخطأه ذلك.

قال : والله يا ابن رسول الله إن أخطأ المرء هذه الخصال فالموت أنسب به من الحياة.

وفي رواية أنّه قال : فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه.

فضحك الحسين عليه‌السلام وأمر بعشرة آلاف درهم له وقال : هذا قضاء ديتك الّتي وجبت عليك ، وعشرة آلاف اخرى ترمّ (١) بها معيشتك ، فأخذ الجميع الأعرابي وأنشأ يقول :

طربت وماهاج بي (٢) مقلق

وما بي سقام ولا معشق (٣)

ولكن طربت لآل الرسول

فهاج بي (٤) الشعر والمنطق

هم الأكرمون هم الأنجبون

نجوم السماء بهم تشرق

__________________

١ ـ الرمّ : إصلاح الشيء.

٢ ـ في المقتل : قلقت وما هاجني.

٣ ـ في المقتل : موبق.

٤ ـ في المقتل : ففاجأني.

١٠٧

فأنت الامام (١) وبدر الظلام

ومعطي الأنام إذا أملقوا

سبقت الأنام إلى المركمات

فأنت الجواد فلا تلحق (٢)

أبوك الّذي فاز بالمكرمات

فقصّر عن سبقه السبّق

بكم فتح الله باب االرشاد (٣)

وباب الضلال بكم مغلق (٤)

__________________

١ ـ في المقتل : الهمام.

٢ ـ في المقتل : وأنت سبقت الأنام إلى الطيبات ... وما.

٣ ـ في المقتل : الهدى.

٤ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٥٥ ـ ١٥٧ ، باختلاف.

١٠٨

فصل

فيما جاء في فضله عليه‌السلام من الأحاديث المسندة

روي بحذف الإسناد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوماً لاُمّ سلمة : اجلسي على الباب فلا يلجنّ عليّ أحد.

قال : فجاء الحسين عليه‌السلام وهو وحف (١) ، قالت : فذهبت أتناوله فسبقني ، فلمّا طال عليَّ خفت أن يكون قد وجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي شيئاً ، فتطلعت من الباب فوجدته يقلب بكفيه شيئاً والصبيّ نائم على بطنه ودموعه تسيل ، فأمرني أن أدخل ، فدخلت وقلت : يا رسول الله صلّى الله عليك ، إن ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني فلمّا طال عليَّ خفت أن تكون وجدت في نفسك عليَّ شيئاً ، فتطلعّت من الباب فوجدتك تقلّب بكفّيك شيئاً ودموعك تسيل والصبيّ نائم على بطنك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبرئيل أتاني بهذه التربة الّتي يقتل عليها ابني ، وأخبرني إنّ اُمّتي تقتله. (٢)

____________

١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : وصيف.

والوحف : المسرع.

٢ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام الخوارزمي : ١/١٥٨.

وروى نحوه في أمالي الصدوق : ١٢٠ ح ٣ ، عنه البحار : ٤٤/٢٢٥ ح ٨ ، وعوالم العلوم : ١٧/١٢٨ ح ١٠.

١٠٩

وفي رواية اخرى : عن اُمّ الفضل بنت الحارث أنّها دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : يا رسول الله ، إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة.

قال : وما هو؟

قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت خيراً ، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك.

فولدت فاطمة الحسين عليه‌السلام فكان في حجري كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلت يوماً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله عليه وآله تهرقان بالدموع ، فقلت : يا نبيّ الله ، بأبي أنت واُمّي مالك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل وأخبرني إنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا.

فقلت : هذا؟

فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربتة حمراء. (١)

وفي رواية اُمّ سلمة : أخبرني جبرائيل إن اُمّتي ستقتله بأرض العراق. فقلت : يا جبرائيل ، أرني تربة الأرض الّتي يقتل بها ، فأراني (٢) ، فهذه

__________________

١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٥٨ ـ ١٥٩.

ورواه في مستدرك الحاكم : ٣/١٧٦ ، دلائل الامامة : ٧٢ ، إرشاد المفيد : ٢٥٠ ، ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام من تاريخ دمشق : ١٨٣/٢٣٢.

وأخرجه في البحار : ٤٤/٢٣٨ ح ٣٠ ، وعوالم العلوم : ١٧/١٢٧ ح ٧ عن الارشاد.

٢ ـ في المقتل : قال.

١١٠

تربتها. (١)

وعن ابن عبّاس : قال : ما كنّا نشك وأهل البيت متوافدون على أنّ الحسين عليه‌السلام يقتل بالطف (٢).

روي بالاسناد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : هبط عليَّ جبرائيل عليه‌السلام في قبيل من الملائكة قد نشروا أجنحتهم يبكون حزناً على الحسين ، وجبرائيل معه قبضة من تربة الحسين عليه‌السلام تفوح مسكاً أذفر ، فدفعها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : يا حبيب الله ، هذه تربة ولدك الحسين عليه‌السلام وسيقتله اللعناء بأرض يقال لها كربلاء.

قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبيبي جبرائيل ، وهل تفلح اُمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي؟

قال : لا ، بل يضربهم الله بالاختلاف ، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر.

وقال شرحبيل بن أبي عون : إن الملك الّذي جاء إلى النبيّ إنّما كان ملك البحار ، وذلك انّ ملكاً من ملائكة الفردوس (٣) نزل إلى البحر الأعظم ، ثمّ نشر أجنحته وصاح صيحة ، وقال في صيحته : يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن فإن فرخ محمد مقتول مذبوح ، ثمّ جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا حبيب الله ، تقتتل على هذه الأرض [ فرقتان ؛ ] (٤) فرقة من اُمّتك ظالمة معتدية

__________________

١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٥٩.

٢ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٦٠.

٣ ـ في المقتل : الفراديس.

٤ ـ من المقتل.

١١١

فاسقة يقتلون فرخك الحسين بن بنتك بأرض كرب وبلاء ، وهذه تربته.

قال : ثمّ ناوله قبضة من أرض كربلاء وقال : تكون هذه التربة عندك حتّى ترى علامة ذلك ، ثمّ حمل ذلك الملك من تربة [ الحسين في بعض أجنحته فلم يبق ملك في سماء الدنيا إلا شم تلك التربة ] (١) وصار لها عنده أثر وخبر.

قال : ثمّ أخذ النبيّ تلك القبضة الّتي جاء بها الملك فشمها وهو يبكي ويقول في بكائه : اللّهمّ لا تبارك في قاتل الحسين ولدي ، وأصله نار جهنّم ، ثمّ دفع القبضة إلى اُمّ سلمة وأخبرها بمقتل الحسين عليه‌السلام على شاطىء الفرات وقال : يا اُمّ سلمة ، خذي هذه التربة إليك فإنها إذا تغيّرت وتحوّلت دماً عبيطاً فعند ذلك يقتل ولدي الحسين ، فلمّا أتى على الحسين سنة كاملة من مولده هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ملكاً أحدهم على صور الأسد ، والثاني على صورة الثور ، والثالث على صورة التنيين والرابع على صورة بني (٢) آدم ، والثمانية الباقية (٣) على صور شتّى محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم ، يقولون : يا محمد إنّه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل وقابيل. (٤)

قال : ولم يبق في السماء ملك إلا نزل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يعزّيه بالحسين عليه‌السلام ويخبره بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ،

__________________

١ ـ من المقتل.

٢ ـ في المقاتل : ولد.

٣ ـ في المقتل : الباقون.

٤ ـ زاد في المقتل : وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل.

١١٢

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : اللّهمّ اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه.

قال المسور بن مخرمة : ولقد أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ملك من ملائكة الصفيح الأعلى لم ينزل إلى الأرض منذ خلق الله الدنيا ، وإنّما استأذن ذلك الملك ربّه ونزل شوقاً منه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا نزل إلى الأرض أوحى الله سبحانه إليه أن اخبر محمّداً بأن رجلاً من اُمته يقال له يزيد لعنه الله تعالى يقتل فرخه الطاهر ابن الطاهرة نظيرة البتول مريم.

قال : فقال الملك : إلهي وسيّدي ، لقد نزلت من السماء وأنا مسرور بنزولي إلى نبيّك محمد ، فكيف أخبره بهذا الخبر؟! ليتني لم أنزل عليه ، فنودي الملك من فوق رأسه : أن امض لما اُمرت ، فجاء وقد نشر أجنحته [ حتّى وقف ] (١) بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : السلام عليك يا حبيب الله ، إنّي استأذنت ربّي في النزول إليك فأذن لي ، فليت ربّي دق جناحي ولم آتك بهذا الخبر ، ولكنّي مأمور ، يا نبيّ الله ، اعلم أن رجلاً من اُمتك يقال له يزيد زاده الله عذاباً ، يقتل فرخك الطاهر ابن فرختك الطاهرة نظيرة البتول مريم ، ولم يتمتع بعد ولدك ، وسيأخذه الله معاوضة على أسوء عمله ، فيكون من أصحاب النار.

قال : فلمّا أتى على الحسين سنتان كاملتان خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر ، فلمّا كان (٢) ببعض الطريق وقف واسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك ، فقال : هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشاطىء الفرات يقال لها

__________________

١ ـ من المقتل.

٢ ـ صار ـ خ ل ـ.

١١٣

كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة.

فقيل : من يقتله ، يا رسول الله؟

قال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله له في نفسه ، وكأنّي أنظر إلى مصرعه ومدفنه بها وقد اُهدي رأسه ، ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ولدي فيفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه ، يعني ليس في قلبه ما يقول (١) بلسانه من الشهادة.

قال : ثمّ رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سفره ذلك مغموماً ، ثمّ صعد المنبر فخطب ووعظ الناس ، والحسن والحسين بين يديه ، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ، واليسرى على رأس الحسين عليهما‌السلام ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، فقال : اللّهمّ إنّي محمد عبدك ونبيك ، وهذان أطائب عترتي ، وخيار ذرّيّتي وأرومتي ومن اُخلفهما (٢) في اُمّتي.

اللّهمّ وقد أخبرني جبرائيل بأنّ ولدي هذا مخذول مقتول.

اللّهمّ بارك لي في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، إنّك على كلّ شيء قدير.

اللّهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله.

قال : فضج الناس بالبكاء في المسجد ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتبكون ولا تنصرونه؟ اللّهمّ فكن أنت له ولياً وناصراً.

قال ابن عبّاس : خرج (٣) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر قبل موته بأيام

__________________

١ ـ في المقتل : ما يكون.

٢ ـ كذا في المقتل : ، وفي الأصل : اُخلفهم.

٣ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ثمّ خرج.

١١٤

يسيرة ، ثمّ رجع وهو متغيّر اللون محمرّ الوجه ، فخطب خطبة بليغة موجزة وعيناه تهملان دموعاً ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّي قد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وأرومتي ومراح قلبي وثمرتي ، لم (١) يفترقاحتى يراد عليّ الحوض ، ألا وإنّي أنتظرهما ، ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربّي ، إنّي أسألكم المودّة في القربى ، فانظروا لا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم ، ألا وإنّه سترد علي في القيامة ثلاث رايات من هذه الاُمّة : راية سوداء مظلمة فتقف علي فأقول : من أنتم؟ فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقل : أنا أحمد نبيّ العرب والعجم ، فيقولون : نحن من اُمتك ، فأقول : كيف خلّفتموني في أهلي وعترتي من بعدي وكتاب ربّي؟ فيقولون : أمّا الكتاب فضيعنا ومزقنا ، وأمّا عترتك فحرصنا على أن نبيدهم (٢) عن جديد الأرض ، فاُوليّ وجهي ، فيصدرون ظماء عطاشاً مسودة وجوههم.

ثمّ ترد علي راية اُخرى أشدّ سواداً من الاُولى [ فأقول لهم : من أنتم؟ ] (٣) فيقولون كالقول الأوّل بأنهم من أهل التوحيد ، فإذا ذكرت لهم اسمي عرفوني ، وقالوا : نحن اُمتك ، فاقول : كيف خلّفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر؟ فيقولون : أمّا الأكبر فخالفنا ، وأمّا الاصغر فخذلنا ( وَمَزَّقنَاهُم كُلَّ مُمَزَّقٍ ) (٤) ، فأقول لهم : إليكم عنّي ، فيصدرون ظماء عطاشاً مسودة وجوههم.

ثمّ ترد عليَّ راية اُخرى تلمع نوراً ، فأقول : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل

__________________

١ ـ في المقتل : ومزاج مائي وثمرتي ، ولن.

٢ ـ في المقتل : ننبذهم.

٣ ـ من المقتل.

٤ ـ سورة سبأ : ١٩.

١١٥

كلمة التوحيد والتقوى ، نحن اُمّة محمد ، ونحن بقيّة أهل الحقّ الّذين حملنا كتاب الله ربّنا فحللنا حلاله ، وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرّيّة محمد فنصرناهم من كلّ ما نصرنا به (١) أنفسنا ، وقاتلنا معهم ، وقتلنا من ناواهم ، فأقول لهم : أبشروا ، فأنا نبيّكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون رواءً.

ألا وإن جبرئيل قد أخبرني بأنّ اُمّتي تقتل ولدي الحسين بأرض كربلاء ، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر.

قال : ثمّ نزل عن المنبر ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا وتيقّن بأن الحسين عليه‌السلام مقتول.

ولمّا أسلم كعب الأحبار وقدم جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم الّتي تكون في آخر الزمان وكعب يخبرهم بأنواع الملاحم والفتن ثمّ قال كعب : نعم ، وأعظمها فتنة وملحمة هي الملحمة الّتي لا تنسى أبداً ، وهو الفساد الّذي ذكره الله سبحانه في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم بقوله : ( ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ ) (٢) وإنّما فتح بقتل هابيل ، ويختم بقتل الحسين عليه‌السلام. (٣)

روى عبد الله [ بن عبد الله ] (٤) بن الأصم ، عن عمّه يزيد بن الأصم قال : خرجت مع الحسن من الحمام ، فبينا هو جالس إذ أتته اضبارة من الكتب ، فما

____________

١ و ٤ ـ من المقتل.

٢ ـ سورة الروم : ٤١.

٣ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٦٢ ـ ١٦٥.

١١٦

نظر في شيء منها حتّى دعا الخادم بإحضار مخضب فيه ماء ، ثمّ دلكها (١) ، فقلت : يا أبا محمد ، من أين هذه الكتب؟

فقال : من العراق ، من عند قوم لا يقصرون عن باطل ، ولا يرجعون إلى حقّ ، ثمّ قال : إنّي لست أخشاهم على نفسي ولكن أخشاهم على ذاك ـ وأشار إلى الحسين عليه‌السلام ـ.

وعن ابن عبّاس رضي الله عنه : قال : أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : يا عبد الله بن عبّاس ، كيف بك إذا قتلنا ، وولغت الفتنة في أولادنا ، وسبيت ذرارينا ونساؤنا كما تسبى الأعاجم؟

قلت : اعيذك بالله يا أبا الحسن يا ابن عمّ ، لقد كلمتني بشيء ساءني ، وما ظننت أنّه يكون ، أمّا ترى الايمان ما أحسنه ، والاسلام ما أزينه؟ أتراهم فاعلين ذلك؟ لعلها غير هذه الاُمة.

قال : لا والله ، بل هذه الاُمّة ، فأمرض قلبي وساءني وصرت إلى رسول الله صلّى عليه وآله فخبرته على استحياء وخوف ، وشاركتني في ذلك ميمونة وكأنّي اُريدها بالحديث.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر ، من أخبرك بذلك؟

قلت : أخبرني به عليّ.

فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ائت عليّاً فادعه ، فإذا هو بالباب فدخل فأمره بالجلوس ، فقال : حبيبي ما لي أراك متغيّر اللون؟

قال : خيراً يا رسول الله.

____________

١ ـ في المقتل : دعا الخادم بالمخضب والماء فألقاها فيه ، ثمّ دلكها.

١١٧

قال : لعلّك ذكرت أمراً فأحزنك؟

قال : قد كان ذلك.

قال : إن عبد الله قد حدّث عنك بما حدث ، فمن أين قلت؟ لقد أمرضت قلبي وأحزنتني.

قال : إنّ ابنتك فاطمة أخبرتني انها رأت رؤيا أقلقتني عندما قصّتها عليّ.

فقال رسول اله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما هيأته؟ قال : أخبرتني انّ قائلاً يقول لها : ستكون بعدك فتنة ، وانّه يؤخذ منك ولدك وولد ولدك فلولا أنّ الله يريد ألا يهلك العباد كلّهم لرجمهم كما رجم قوم لوط بالحجارة.

فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسمع المنام من فاطمة عليها‌السلام وقال لها : إن ولدك يقتل ، وزوجك يقتل (١) ، وتحمل نسائي وبناتي إلى الشام ، والملائكة بذلك تخبرني ، وجاءني جبرئيل وهو يقرأ عليك السلام ويقرأ عليّاً السلام ويعزيني فيكما وفي ولديكما ولا تسكن الفتنة إلا بكما ، وإن الله جلّ جلاله وعدكما (٢) الأجر والثواب ، ولك عند الله فضيلة ليس لغيرك بصبرك واحتسابك على ما ابلاك ، وعلى ولدك من بعدك ، وإنّه ليعطيك ـ يا علي ـ علماً (٣) من نور فتجلس على حوضي وبين يديك ولدان من نور ، فكل من أراد الشرب من الناس والصدّيقين غير النبيّين والمرسلين والشهداء البريّين والبحريّين يكتب في رق فيعرض عليك فيأخذ الولدان أواني من نور فيسقون

____________

١ ـ في المقتل : وذريتك تقتل.

٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : وفي ولدكما ... وعدك.

٣ ـ في المقتل : قلَماً.

١١٨

أولياءك (١) بإذنك ، وإذا أذن لأحد منهم إلى الجنّة كتبت له رقعة إلى رضوان فهي جوازه حتّى يدخل الجنة.

عليك السلام بعدي ، وأنت الخليفة على كلامي (٢) وكتاب ربّي وسنّتي فلا تكن من القاعدين ، والعن الكسلين ، إنّ الله سبحانه قد منعك من حرام الدنيا ولم يجعل لها عليك سبيلاً ولا على ولدك ، وجعل قوتهم قدراً منها ليقل حسابهم (٣) ، ووهب لمن تمسك بسيرتك واعتقد محبتك ونصرة ولدك ، شفاعتك والنظر اليك جزاء بما كانوا يكسبون لا يطردون (٤) عنها ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ، فإن كانت لهم حاجة عند ربّهم في آبائهم وأزواجهم وأولادهم وإخوانهم قضاها ، فبشر عنّي اُمّتي وعرفها ذلك ، فان السعيد يقبل ، والشقي يحرم. (٥)

قلت : سعير وجدي بتأسّفي لا تخمد ، وغزير دمعي بتلهفي لا يجمد ، وزفراتي من التراقي تصاعد ، وحسراتي بتجدّد ساعاتي تتجدّد ، حزناً على دين الحق كيف قوّضت أركانه ، ونقضت ايمانه ، وبدّلت أحكامه ، ونكست أعلامه ، وانمحت آثاره ، وخمدت أنواره ، وارتفعت اوغاد المنافقين على أمجاده ، وعلت كلمة المارقين في بلاده ، وارتدّت أهل ملته على الأعقاب ، وعلت على الرؤوس فيه الأذناب ، لمّا مات صاحب الشريعة الغرّاء ، والملّة الزهراء ، والدين الظاهر ، والنسب الطاهر ، والحسب الفاخر ، محمد سيّد

____________

١ ـ في المقتل : تكتب لهم برقّ من نور فيأخذه الولدان وتملأ أواني ... اُولئك

٢ ـ في المقتل : كتابي.

٣ ـ في المقتل : الحساب.

٤ ـ في المقتل : لا يصرفون.

٥ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١/١٦٦ ـ ١٦٩.

١١٩

الأوائل والأواخر.

ظهر الفساد في البرّ والبحر (١) ، واشتهر العناد في البدو والحضر ، واظهرت الأحقاد القديمة ، وغيرت الطرائق القويمة ، وعلت الأسافل على الأعالي ، وانحط من سعر الاسلام كلّ غالي ، وصار زمامه في أيدي أرذاله ، وقواُمّه في قبضة جهاله ، وسلطانه إلى أعداء صاحب دعوته مفوضاً ، وبنيانه بأكف الملحدين في آياته مقوضاً ، فأجهدوا جهدهم في إدحاض حجته ، وبذلوا وسعهم في إبطال أدلته ، ولمّا رأوا دعوته قد حكمت ، وفروضه قد استحكمت ، وقدمه في صعيد القوّة راسخة ، وفروعه في سماء العزّة شامخة ، واصوله في القلوب ثابتة ، ومسله (٢) في النفوس ثابتة ، وأنواره في الآفاق ساطعة ، وحدوده لأسباب الشرك قاطعة.

لم يتمكنوا من إطفاء نوره ، ولم يتحكّموا في إخفاء منشوره ، ولم يجدوا إلى هدم بنيانه سبباً ، وما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً ، أظهروا النصيحة للأنام والغدر حشو صدورهم ، وأضمروا هدم الاسلام بزخرفهم وغرورهم.

فكان أوّل تدبيرهم في تغيير قواعده ، وأعظم تزويرهم في إبطال مقاصده ، صرف الأمر عن ذرّيّة نبيّهم ، والعدول بالحقّ عن عترة وليّهم ، فنقضوا عهد الرسول إليهم فيهم ، وخالفوا نصّه في الغدير وغيره عليهم ، وراموا بوارهم عن جديد الغبراء ، وإعدامهم من أقطار الدنيا ، ولو يجدوا موافقاً على جاهليّتهم ، مدافعاً عن معتقدهم ونحلتهم ، لعبدوا الأصنام ، ولاقتسموا بالأزلام ، ولعظموا الرِّجس من الأوثان ، ولا شتغلوا بعبادة الشيطان عن عبادة

__________________

١ ـ إقتباس من الآية : ٤١ من سورة الروم.

٢ ـ كذا في الأصل.

١٢٠