موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كانت الشمس حينئذ عند طلوعها بالإضافة إلى بلد وغروبها بالإضافة إلى بلد آخر ومنتصف النهار بالإضافة إلى بلد ثالث ، إذ هي دائماً في طلوع وغروب كما يقتضيه فرض كرؤية الأرض.

وعليه فالبلاد الواقعة في النصف من الجانب الآخر من الأرض لا تجب عليهم الصلاة ، لعدم تحقّق الكسوف القابل للرؤية بالإضافة إليهم ، فلا تجب علينا الصلاة للكسوف الحاصل تحت الأرض بعد عدم قبوله للرؤية بالنسبة إلينا ، فإن الموضوع للوجوب إنّما هو الكسوف القابل للرؤية ، الذي لا يدرى أنّه لرحمة أو لغضب كما في لسان بعض الأخبار (١). وكذا الحال في خسوف القمر.

وأمّا في غير الكسوفين من سائر الأسباب كالزلزلة ونحوها فلا ينبغي الشك في اختصاص الحكم ببلد الآية ، فلا يعمّ غيره ، لدوران الحكم مدار تحقّق الآية وصدقها كما استفيد من قوله (عليه السلام) : «حتى يسكن» الوارد في بعض نصوص الزلزلة (٢).

نعم ، قوّى في المتن إلحاق البلد المتّصل بذلك المكان ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد. وهذا ممّا لم نعرف له وجها أصلاً ، إذ لا دليل على الإلحاق بعد فرض اختصاص الآية بذاك المكان وعدم تحقّقها في غيره ، فلا تجب الصلاة على سكنة النجف لو وقعت زلزلة أو هبّت ريح سوداء في الكوفة.

بل الظاهر عدم الإلحاق حتى في البلد الواحد إذا كان متّسعاً جدّاً ، بحيث خصّت الآية جانباً معيّناً منه ولم تسر إلى الجانب الآخر. فلو وقعت زلزلة في أقصى البلد لا دليل على وجوب الصلاة بالنسبة إلى سكنة الجانب الآخر ممّن لم تتحقّق الزلزلة لديهم. وبالجملة : فالحكم تابع لفعلية موضوعه ، فلا يسري إلى غيره ، وهذا ظاهر.

__________________

(١) كرواية الفضل المتقدمة في ص ٨.

(٢) كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في ص ١١.

٦١

[١٧٧٢] مسألة ٢٠ : تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف (١) إلّا الحائض والنفساء فيسقط عنهما أداؤها (٢) ، والأحوط قضاؤها (*) بعد الطهر والطهارة (٣).

______________________________________________________

(١) لعموم دليل الوجوب أو إطلاقه.

(٢) لعموم ما دلّ على حرمة الصلاة عليهما المستفاد من النصوص الكثيرة وقد عقد لها في الوسائل باباً التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إذا كانت المرأة طامثاً فلا تحلّ لها الصلاة» (١) بعد وضوح مساواة النفساء مع الحائض في الأحكام إلّا ما خرج بالدليل.

(٣) بل قد تقدّم منه (قدس سره) في مبحث الحيض (٢) الفتوى بوجوب القضاء وإن احتاط فيه أوّلاً.

لكنّ الأقوى عدم الوجوب ، لا لما دلّ على سقوط القضاء عنها كي يدعي انصرافه إلى اليومية بل بعض الأخبار موردها خصوص اليومية (٣) بل لقصور المقتضي للوجوب ، لما تقرّر في محلّه من أنّ القضاء بأمر جديد (٤) ولا يكاد يتكفّله الأمر الأوّل ، لكونه محدوداً بزمان خاص وهو الوقت المضروب للعمل ، وحيث إنّ ظاهره وحدة المطلوب فبخروج الوقت يسقط الأمر لا محالة.

فتعلّق التكليف بالقضاء حينئذ يحتاج إلى أمر جديد ، فما لم يثبت يكون المرجع أصالة البراءة. فمجرّد الشك في القضاء مع عدم قيام دليل عليه كما لم يقم في المقام كافٍ في الحكم بعدم الوجوب.

والحاصل : أنّ القضاء لمّا كان بأمر جديد وكان موضوعه الفوت فلا بدّ من

__________________

(*) وإن كان الأظهر عدم وجوبه.

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٣ / أبواب الحيض ب ٣٩ ح ١.

(٢) في الأمر الحادي عشر ، بعد المسألة [٧٧٣].

(٣) الوسائل ٢ : ٣٤٨ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ٥ ، ١٢.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٦٧.

٦٢

(١٧٧٣) مسألة ٢١ : إذا تعدّد السبب دفعة أو تدريجاً تعدّد وجوب الصلاة (١).

(١٧٧٤) مسألة ٢٢ : مع تعدّد ما عليه من سبب واحد لا يلزم التعيين ، ومع تعدّد السبب نوعاً كالكسوف والخسوف والزلزلة الأحوط التعيين ولو إجمالاً (*) ، نعم مع تعدّد ما عدا هذه الثلاثة من سائر المخوّفات لا يجب التعيين وإن كان أحوط أيضاً (٢).

______________________________________________________

صدق هذا العنوان في الحكم بالقضاء ، وهو يتوقّف على تعلّق التكليف بالأداء وثبوته إمّا فعلاً كما في العاصي ونحوه ، أو اقتضاءً لوجود مانع عن التنجيز كما في الناسي والنائم ، فيصح إطلاق الفوت في أمثال هذه الموارد.

وأمّا الحائض والنفساء فلم يتعلّق التكليف بالصلاة في حقّهما من أوّل الأمر ولا وجوب حتى شأناً واقتضاء ، لورود التخصيص في دليل وجوب الصلاة بالنسبة إليهما. فلا موضوع للفوت حتى يجب القضاء ، وعلى تقدير الشك في ذلك فالمرجع أصالة البراءة.

(١) لأنّ كلّ سبب يستدعي مسبّباً يخصّه ، والتداخل على خلاف الأصل. فلو وقعت زلزلة مثلاً وقبل الصلاة لها وقعت زلزلة أُخرى أو انكسفت الشمس وجبت صلاة أُخرى للسبب الحادث.

(٢) فصّل (قدس سره) في صورة تعدّد السبب بين ما إذا كان المتعدّد فردين من نوع واحد كالزلزلة المتكرّرة ، وبين ما إذا كانا من نوعين ، وفصّل في الثاني بين الكسوف والخسوف والزلزلة وبين غيرها من سائر المخوّفات كالصاعقة والريح السوداء وغيرهما من أخاويف السماء ، فحكم (قدس سره) بعدم لزوم التعيين في الأوّل والأخير دون الثاني.

أقول : أمّا عدم الحاجة إلى التعيين في الأوّل فظاهر ، إذ السبب ليس هو

__________________

(*) وإن كان الأقوى عدم وجوبه.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الفرد بشخصه ، بل الطبيعي المتحقّق في ضمنه وضمن غيره ، فلا مدخلية لخصوصيات الأفراد في مقام تعلّق التكليف كي يحتاج إلى القصد والتعيين ، فلا يجب إلّا قصد الأمر الناشئ من طبيعي الزلزلة مثلاً. فلو امتثل ذلك مكرّراً بعدد الأفراد المتحقّقة في الخارج أتى بتمام الوظيفة.

ومنه يظهر الحال في الأخير ، فإنّ الأنواع وإن كانت متعدّدة حينئذ والطبائع مختلفة لكن الكلّ يندرج تحت عنوان واحد وهو المخوف السماوي الذي هو الموضوع للوجوب في لسان الأخبار ، دون تلك الأنواع بعناوينها ، بل إنّ هذا القسم ملحق بالأول لدى التحليل ، فانّ تلك الأنواع في الحقيقة أفراد لذلك النوع الذي هو موضوع الحكم ومصبّ التكليف كما لا يخفى.

وأمّا القسم الثاني فغاية ما يقال في وجه الحاجة إلى التعيين الذي اختاره في المتن أنّ هناك أنواعاً عديدة كلّ واحد منها سبب للتكليف بحياله قد أثّر في مسبّب مغاير للآخر ، فلا بدّ من تعلّق القصد بكلّ من المسببات ليمتاز عن الآخر.

وفيه : أنّ مجرّد التعدّد في السبب لا يستوجب اختلافاً في عنوان المسبّب وتغايراً فيه ، إذ من الجائز أن تكون الطبيعة الواحدة واجبة مرّتين لسببين كما لو قال : إن جاءك زيد فتصدّق بدرهم ، وإن سافرت فتصدّق بدرهم. فانّ التصدّق بالدرهم حقيقة واحدة وطبيعة فأرده لا تعدّد في عنوانها وإن تعدّد سبب وجوبها ، وصلاة الآيات في المقام من هذا القبيل ، فإنّها طبيعة واحدة لا اختلاف في عنوانها وإن وجبت بسبب الكسوف مرة والخسوف اخرى والزلزلة ثالثة.

نعم ، ربما يستفاد التعدّد من دليل خارجي كما في الأغسال ، فإنّها حقائق متباينة وإن كانت بصورة واحدة ، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : إن كان لله عليك حقوق أجزأك عنها حقّ واحد (١) ، فانّ التعبير بالحقوق كاشف

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١ ، (نقل بالمضمون).

٦٤

[١٧٧٥] مسألة ٢٣ : المناط في وجوب القضاء في الكسوفين في صورة الجهل احتراق القرص بتمامه ، فلو لم يحترق التمام ولكن ذهب ضوء البقية باحتراق (*) البعض لم يجب القضاء مع الجهل ، وإن كان أحوط خصوصاً مع الصدق العرفي (١).

______________________________________________________

عن تعدّد الطبائع وتباينها في الواقع. وكما في الظهرين لقوله (عليه السلام) «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (١). وكما في فريضة الفجر ونافلته ونحو ذلك. وأمّا في المقام فلا قرينة على التعدّد ، وقد عرفت أنّ مجرد تعدّد السبب لا يقتضيه.

ومن هنا ترى أنّ من أفطر يومين من شهر رمضان لسببين فأفطر في اليوم الخامس مثلاً للمرض ، واليوم الخامس عشر للسفر لم يجب عليه لدى القضاء تعيين اليوم الخاص من سبب مخصوص ، بل ولا تعيين السنة لو كان اليومان من سنتين ، وليس ذلك إلّا لما عرفت من أنّ اختلاف السبب لا يستوجب تعدّداً في عنوان المسبّب. فقضاء رمضان طبيعة واحدة قد وجبت مرّتين لسببين. إذن فمجرّد القصد إلى هذه الطبيعة كافٍ في حصول الامتثال كالقصد إلى طبيعي صلاة الآيات في المقام.

فتحصّل : أنّ الأقوى عدم الحاجة إلى تعيين السبب في شي‌ء من الأقسام.

(١) حاصله : أنّ القرص إذا لم يحترق بتمامه ولكن ذهب ضوء الباقي باحتراق البعض لم يجب القضاء حينئذ مع الجهل ، إذ العبرة باحتراق التمام المنفي في المقام.

وفيه أوّلاً : أنّ هذا مجرّد فرض لا واقع له ، فانّ احتراق البعض إنّما يؤثّر في ذهاب الضوء من ذلك البعض دون الباقي ، ضرورة أنّ احتراق القمر مسبّب عن حيلولة الأرض بينه وبين الشمس ، كما أنّ احتراق الشمس مسبّب عن

__________________

(*) الظاهر أنّه لا واقع لهذا الفرض.

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥.

٦٥

[١٧٧٦] مسألة ٢٤ : إذا أخبره جماعة بحدوث الكسوف مثلاً ولم يحصل له العلم بقولهم ثم بعد مضيّ الوقت تبيّن صدقهم فالظاهر إلحاقه بالجهل (١) ، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق القرص ، وكذا لو أخبره شاهدان لم يعلم عدالتهما (٢) ثم بعد مضيّ الوقت تبيّن عدالتهما ، لكن الأحوط القضاء في الصورتين (٣).

______________________________________________________

حيلولة القمر بينها وبين الأرض ، فبمقدار الحيلولة ينعدم الضوء ، ولا موجب للانعدام في غير هذا المقدار ، فالمقدار الباقي من القرص نيّر مضي‌ء لا محالة وإن كان مثل الهلال.

وثانياً : على فرض التسليم ووقوعه خارجاً فلا ينبغي الشك في وجوب القضاء حينئذ ، إذ العبرة في الاحتراق التام المأخوذ موضوعاً للحكم في المقام إنّما هو بالصدق العرفي والنظر العادي ، دون الدّقي العقلي المختص بالمنجّمين ومهرة الفن. وحيث إنّ ذهاب ضوء البقية باحتراق البعض بحيث يرى الجرم دون الشعاع مصداق للاحتراق التام عند العرف فلا جرم يكون مشمولاً لإطلاق الدليل.

(١) بل هو منه حقيقة ، إذ لا علم في الوقت لا وجداناً كما هو واضح ، ولا تعبّداً لعدم قيام البيّنة الشرعية ، ولا حصول الوثوق الشخصي من أخبارهم بعد احتمال صدورها لدواعٍ أُخر من مزاح ونحوه ، ويشير إليه مفهوم قوله (عليه السلام) في موثقة عمار : «وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك ...» إلخ (١).

(٢) لعدم إحراز شرائط الحجية في الوقت فيكون طبعاً ملحقاً بالعدم بعد وضوح أنّ العبرة بالحجّة الواصلة ، لا مجرّد وجودها الواقعي.

(٣) فإنّه حسن على كلّ حال.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٥٠١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١٠.

٦٦

فصل

في صلاة القضاء

يجب قضاء اليومية الفائتة عمداً ، أو سهواً ، أو جهلاً (١)

______________________________________________________

(١) ينبغي التكلّم أوّلاً فيما يقتضيه الأصل العملي عند الشكّ في وجوب القضاء ، ثمّ التعرّض للموارد التي ثبت الوجوب فيها حسب الأدلّة الاجتهادية فهنا جهتان :

أمّا الجهة الأُولى : فالمعروف بينهم أنّ القضاء إنّما هو بأمر جديد متعلّق بعنوان الفوت ، ولا يكاد يتكفّل بإثباته نفس الأمر الأوّل ، فإنّه متقيّد بالوقت الخاص ، فيسقط لا محالة بخروج الوقت ، فاذا شكّ في ثبوت الأمر الجديد كان مقتضى الأصل البراءة عنه.

إلّا أنّه ربما يتمسّك لبقاء الأمر الأوّل بعد خروج الوقت بالاستصحاب بدعوى أنّ خصوصية الوقت تعدّ بنظر العرف من الحالات المتبادلة لا من مقوّمات الموضوع ، بحيث يكون الشكّ في ثبوت الحكم بعد خروج الوقت شكّاً في بقاء الحكم الأوّل واستمراره ، ولا ريب في أنّ المدار في اتّحاد القضية المتيقّن بها والمشكوك فيها هو نظر العرف.

ويرد على ذلك أوّلاً : أنّ الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية كما حقّقنا ذلك في محلّه (١).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٦.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانياً : أنّه على فرض التسليم فهو غير جارٍ في خصوص المقام ، لكونه من القسم الثالث من استصحاب الكلّي ، ولا نقول به ، فانّ شخص الوجوب الثابت في الوقت قد ارتفع بخروجه قطعاً ، لأنّه كان محدوداً بزمان خاص على الفرض.

والظاهر من الدليل هو كون الفعل مطلوباً في الزمان الخاص بنحو وحدة المطلوب ، فينتهي الحكم لا محالة بانتهاء أمده حتّى مع تسليم كون الوقت بنظر العرف من قبيل الحالات المتبدّلة دون المقوّمات ، فلا معنى لجريان الاستصحاب حينئذ إلّا إجراؤه في كلّي الوجوب المحتمل بقاؤه في ضمن فرد آخر حدث مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل أو قارنه في الوجود ، لكنّه على كلا التقديرين غير مقطوع الثبوت. وقد حقّق في محلّه عدم حجيّة هذا القسم من استصحاب الكلّي (١).

وثالثاً : أنّه على فرض تسليم عدم ظهور الدليل في وحدة المطلوب ، وتسليم كون الوقت من قبيل الحالات المتبدّلة وكلّ ذلك فرض في فرض فالاستصحاب إنّما يتّجه على القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي ، نظراً إلى أنّ الوجوب في الوقت إذا كان بنحو وحدة المطلوب فقد ارتفع بخروج الوقت قطعاً ، وإذا لم يكن كذلك بل كان على نحو تعدّد المطلوب فهو باق قطعاً فيدور الأمر في الوجوب المذكور بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء.

والاستصحاب في هذا القسم وإن كان جارياً في نفسه كما ثبت في محلّه (٢) بأن يستصحب الكلّي الجامع بين الفرد القصير والفرد الطويل ، إلّا أنّه لا يكاد يجري في خصوص المقام ، وذلك للأصل الحاكم عليه وهو أصالة عدم تعلّق الوجوب بالطبيعي الجامع بين المأتي به في الوقت وخارجه.

فانّ المتيقن به من الجعل إنّما هو إيجاب الصلاة المقيّدة بالوقت سواء أكان ذلك بنحو وحدة المطلوب أم على سبيل التعدّد فيه ، حيث إنّ القائل بتعدّد

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١١٤ ، ١٠٥.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ١١٤ ، ١٠٥.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المطلوب أيضاً يرى وجوب الصلاة المقيّدة بالوقت أحد المطلوبين ، والمفروض تسالم الطرفين على ارتفاع هذا الوجوب بعد خروج الوقت ، فلا يكون بقاؤه مشكوكاً فيه كي يجري استصحابه بنفسه أو استصحاب الكلّي الموجود في ضمنه.

وأمّا الزائد على هذا المقدار وهو ممّا ينفرد به القائل بتعدّد المطلوب ، أي تعلّق الوجوب بالطبيعي المطلق الشامل لما بعد خروج الوقت فهو مشكوك الحدوث من الأوّل ، وحينئذ فيتمسّك في نفيه بالاستصحاب أو أصالة البراءة عنه ، ومع وجود هذا الأصل الحاكم المنقّح للموضوع والمبيّن لحال الفرد لا تصل النوبة إلى استصحاب الكلّي كما لا يخفي.

وبكلمة واضحة : أنّ الفارق بين المقام وبين سائر موارد القسم الثاني من استصحاب الكلّي كموارد دوران الأمر بين البق والفيل في المثال المعروف ، أو دوران الأمر بين الحدث الأصغر والأكبر ، وغيرهما من موارد الدوران بين الفرد القصير والطويل يتلخّص في أنّ الفردين المردّدين في تلك الموارد يعدّان بنظر العرف متباينين ، وحينئذ فلا يوجد هناك أصل يتكفّل بتعيين أحدهما فإنّ استصحاب عدم كلّ منهما يعارضه استصحاب عدم الآخر.

وهذا بخلاف المقام ، حيث يدور الأمر فيه بين الأقل والأكثر ، فإنّ الأصل المنقّح لأحد الفردين وهو أصالة عدم وجود الزائد على القدر المتيقّن به موجود ، ولا يعارض هذا أصالة عدم تعلّق التكليف بالمتقيّد بالوقت ، لما عرفت من كونه المتيقّن به بحسب الجعل على كلّ تقدير ، وأنّه من المتّفق عليه بين الطرفين.

فتحصّل من ذلك : سقوط الاستصحاب في المقام ، فيكون المرجع عندئذ أصالة البراءة عن القضاء.

وأمّا الجهة الثانية : فقد ثبت وجوب القضاء بمقتضى الأدلّة الخاصة في الصلوات اليومية الفائتة عمداً ، أو سهواً ، أو جهلاً ، أو لأجل النوم المستوعب للوقت ، أو لعدم الإتيان بها على وجهها لفقدها جزءاً أو شرطاً يوجب فقده

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

البطلان كما أفاده المصنف (قدس سره) بلا خلاف في ذلك ، وتدلّ عليه جملة من النصوص :

منها : صحيحة زرارة : «أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها ، أو نام عنها ، قال : يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار» (١).

وقد يناقش فيها بعدم دلالتها على العموم ، فهي أخصّ من المدعى. وإلغاء الخصوصية عنها غير واضح ، لعدم القرينة على ذلك ، وعليه فلعلّ الحكم خاصّ بالموارد المذكورة فيها.

وتندفع : بأنّ تلك الموارد لو كانت مذكورة في كلام الإمام (عليه السلام) لكان لما ذكر من دعوى الاختصاص وجه ، لكنّها واردة في كلام السائل ، ومعه لا مجال لتوهّم الاختصاص ، بل ينبغي الحمل على المثال. وهل يظنّ في حقّ السائل احتمال الفرق بين الصلاة الفاقدة للطهور والفاقدة للوقت أو الركوع وغير ذلك من موارد الخلل في الأجزاء أو الشرائط ، أم هل يحتمل في حقّه أنّه قد خطر بباله وجوب القضاء في الصلاة الفاقدة للطهور دون ما لو ترك الصلاة رأساً.

ولا يبعد أن يكون الوجه في تخصيص السؤال بالموارد المذكورة هو الجري على ما تقتضيه طبيعة الحال خارجاً ، فإنّ المؤمن بما هو مؤمن لا يترك الصلاة عامداً ، فاذا فاتته الصلاة فلا يخلو الحال في ذلك من أن يكون الفوت لأجل الإتيان بها فاسدة وقد مثّل لها في الرواية بالصلاة الفاقدة للطهور أو لأجل النسيان ، أو لغلبة النوم ، ولا منشأ على الأغلب لفوت الصلاة غير هذه الوجوه الثلاثة.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الشك في ظهور الصحيحة في كون المنظور إليه بالسؤال فيها هو ترك الفريضة في الوقت وعدم الإتيان بها فيه على وجهها

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

سواء أكان ذلك لأجل تركها رأساً أم لأجل فسادها الناشئ من الإخلال بجزء أو شرط يستوجب الإخلال به البطلان.

والذي يكشف لك عمّا ذكرناه قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : «فليصلّ ما فاته ممّا مضى» ، فإنّه كالصريح في كون المناط في الصلاة هو صدق عنوان الفوت كيف ما اتفق وبأي سبب تحقّق ، وأنّه لا خصوصية للموارد المصرّح بها فيها. فالإنصاف هو ظهور الصحيحة فيما ذكرناه ، بل هي باعتبار الذيل تكاد تكون صريحة فيه.

ومنها : صحيحة أُخرى لزرارة قال «قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال : يقضى ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فيلقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (١).

فانّ هذه الصحيحة وإن كانت ناظرة إلى اعتبار المماثلة بين الأداء والقضاء من حيث القصر والتمام إلّا أنّ الظاهر منها أنّ وجوب القضاء عند تحقّق عنوان الفوت كان مفروغاً عنه بنظر السائل ، وقد أقرّه المعصوم (عليه السلام) على ذلك.

ومنها : صحيحة زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها أو في وقت فوتها أنك لم تصلّها صلّيتها ، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن ، فان استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت» (٢).

وهذه الصحيحة وإن كانت واردة لبيان قاعدة الحيلولة وعدم الاعتناء

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

٧١

أو لأجل النوم المستوعب للوقت (١)

______________________________________________________

بالشك بعد خروج الوقت لكنّ الذي يظهر منها هي المفروغية عن أصل وجوب القضاء عند الفوت. والعمدة في المقام إنّما هي الصحيحة الاولى.

ثم إنّه لا فرق في وجوب القضاء في مورد ترك الفريضة عمداً بين صورتي العلم والجهل ، قصوراً وتقصيراً ، طالت مدة الجهل أو قصرت كمن أسلم وهو لا يعلم بوجوب الصلاة في شريعة الإسلام برهة من الزمن ، فإنّه يجب القضاء في جميع ذلك ، لإطلاق الفوت المجعول موضوعاً للحكم المذكور في النصوص.

النوم المستوعب :

(١) من غير فرق بين النوم المتعارف وغير المتعارف كالنوم أياماً استمراراً لإطلاق الدليل ، نعم عن الشهيد (رحمه الله) في الذكرى (١) والشيخ (قدس سره) في المبسوط (٢) التفصيل باختصاص القضاء بالنوم المتعارف.

ويستدل لهذا التفصيل بأنّ مدرك الحكم إن كان هو الإجماع فلا إجماع في محلّ الخلاف ، والمتيقّن من مورده إنّما هو النوم المتعارف فيقتصر عليه. وإن كان هو النصّ كصحيحة زرارة المتقدّمة (٣) فلا ريب في انصراف إطلاقه إلى الفرد المتعارف.

وفي هذا الاستدلال ما لا يخفى ، فانّ النوم غير المتعارف وإن كان نادر الوجود خارجاً إلّا أنّه من أظهر مصاديق طبيعي النوم وأوضح أفراده ، ولذلك يكون صدق الطبيعي عليه بالأولوية ، وحينئذٍ فكيف يقال بانصراف الإطلاق عنه.

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٤٢٩.

(٢) المبسوط ١ : ١٢٦.

(٣) في ص ٧٠.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ندرة وجود الفرد خارجاً فقد تقرّر في محلّه أنّه لا يوجب انصراف الطبيعي عنه ، ولا يمنع عن تحقّق الإطلاق بالنسبة إليه (١) ، نعم إطلاق المطلق وإرادة خصوص الفرد النادر منه قبيح ، وهذا أجنبي عن الحكم بشمول المطلق له في ضمن شموله للأفراد غير النادرة بعد فرض صدق الطبيعة على الجميع بملاك واحد ، فإنّه لا إشكال في عدم قبحه.

مع أنّه يكفينا في المقام ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة (٢) ، حيث جعل العبرة في وجوب القضاء بعنوان الفوت كما مرّ ، الذي لا ينبغي الريب في تحقّقه في النوم غير المتعارف على نحو تحقّقه في المتعارف منه ، هذا.

وقد يفصّل في المسألة بتفصيل آخر فيقال بالفرق بين النوم الغالب الخارج عن حدود الاختيار وبين غير الغالب ، فيحكم باختصاص وجوب القضاء بالثاني ، وذلك للتعليل المذكور في بعض روايات المغمى عليه من أنّ ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ، فانّ المستفاد منه هي الملازمة بين نفي القضاء وبين ترك الأداء المستند إلى غلبة الله ، الشامل لكلّ من الإغماء والنوم الغالب بمناط واحد ، هذا.

والظاهر هو عدم وجود نصّ معتبر يدلّ على الملازمة المذكورة ، فإنّ ما يمكن الاستدلال به لذلك مخدوش فيه سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو وإليك ذلك :

١ صحيحة علي بن مهزيار : «... عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلوات أو لا؟ فقال : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة ، وكلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر» (٣).

والمناقشة في دلالتها ظاهرة ، إذ لا يمكن الأخذ بظاهر الرواية ، فإنّ القضاء

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٧٣.

(٢) في ص ٧٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥٩ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٣.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد الإفاقة من الإغماء ليس ممّا غلب الله عليه (١). فليس هو من مصاديق هذه الكلّية.

وارتكاب التأويل بالالتزام بالحذف والتقدير فيقال : إنّ كلّ ما غلب الله عليه أداءً فالله أولى بالعذر قضاءً ، ممّا لا شاهد عليه ولا قرينة تقتضيه ، وإن كانت الدلالة على الملازمة حينئذ تامّة.

والظاهر أنّ الصحيحة ناظرة إلى بيان حكمين لموضوعين ، أحدهما : سقوط القضاء بعد ارتفاع العذر ، والآخر : سقوط الأداء حال العذر لكونه ممّا غلب الله عليه. فالكلّية المذكورة في ذيل الصحيحة وهي قوله (عليه السلام) : «كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر» بمنزلة العلّة لحكم آخر وهو سقوط الأداء حال العذر دون الحكم المذكور في صدر الرواية ، إذ لا يرتبط التعليل بذلك كما عرفت (٢).

وعليه فلا شك في سقوط الأداء في النوم المستوعب لأجل الكلّية المذكورة في ذيل الصحيحة ، وأمّا القضاء الذي هو المبحوث عنه في المقام فلا تدلّ الصحيحة على نفيه إلّا بالتأويل الذي لا يصار إليه مع عدم وجود الشاهد عليه.

٢ ما رواه الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في حديث «قال : وكذلك كلّ ما غلب الله عليه ، مثل الذي يغمى عليه في يوم وليلة ، فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق (عليه السلام) : كلّ ما غلب الله على العبد فهو أعذر له» (٣).

__________________

(١) نعم ، ولكنّ الفوت الذي هو الموضوع للقضاء مصداق له فلا يستتبع الحكم ، ومنه تعرف عدم الحاجة إلى التأويل الآتي ، وسيجي‌ء نظيره عند التعرّض لصحيح مرازم في المسألة الرابعة عشرة.

(٢) وقد عرفت ما فيه.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٦٠ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٧ ، علل الشرائع : ٢٧١.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ودلالتها على الملازمة ظاهرة ، بل تكاد تكون صريحة في المطلوب ، غير أنّها ضعيفة السند ، لضعف طريق الصدوق (رحمه الله) إلى الفضل بن شاذان ، فانّ له إليه طريقين كما نبّه عليه صاحب الوسائل (رحمه الله) في الخاتمة ، وفي أحدهما ابن عبدوس وابن قتيبة ، وفي الآخر جعفر بن نعيم بن شاذان ومحمد ابن أحمد بن شاذان (١) ، ولم يرد في أيّ واحد منهم التوثيق.

٣ ـ ما رواه أيضاً في العلل والخصال عن محمد بن الحسن عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن موسى بن بكر قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك ، كم يقضي من صلاته؟ قال : ألا أُخبرك بما يجمع هذه الأشياء ، كلّ ما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده. قال : وزاد فيه غيره أي قال عبد الله بن مسكان : وزاد فيه غير موسى بن بكر أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال : هذا من الأبواب التي يفتح كلّ باب منها ألف باب» (٢).

ودلالتها على الملازمة كسابقتها ظاهرة ، بل لعلّها تكون أظهر ، سيما بملاحظة الذيل ، ولكنّها قاصرة السند بابن سنان ، فإنّه محمّد بن سنان بقرينة روايته عن عبد الله بن مسكان ، إذ هو الراوي عنه ، وأمّا عبد الله بن سنان فابن مسكان يروي عنه دون العكس. كما يقتضيه أيضاً رواية أحمد بن محمد عنه فإنّه كالحسين بن سعيد إنّما يروي عن محمّد بن سنان ولا يمكنه لاختلاف الطبقة الرواية عن عبد الله بن سنان. وأمّا موسى بن بكر نفسه فهو وإن كان محلّاً للخلاف ولكنّ الأظهر وثاقته (٣) فلا نقاش في السند من ناحيته.

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٣٠ : ١٢١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٦٠ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٨ ، ٩ ، الخصال : ٦٤٤ / ٢٤ [لم نعثر عليه في العلل ، نعم روى في ص ٢٧١ من العلل قوله (عليه السلام) : «كلّ ما غلب الله على العبد فهو أعذر له» مستدلاً به على عدم وجوب قضاء الصلاة].

(٣) معجم رجال الحديث ٢٠ : ٣١ / ١٢٧٦٧.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

٤ ـ رواية مرازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المريض لا يقدر على الصلاة؟ قال فقال : كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر» (١).

وهي ضعيفة السند بعلي بن حديد ، والدلالة لعدم التعرّض فيها للقضاء وإنّما هي تنظر إلى الأداء فقط ، كما أنّه لا اختصاص لها بالمغمى عليه وإنّما تعمّ مطلق المريض.

٥ ـ صحيحة عبد الله بن سنان : «كلّ ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء» (٢). وهي ضعيفة الدلالة لعين ما تقدّم في الرواية السابقة (٣).

فتحصّل من ذلك : أنّ الأخبار المذكورة بين ضعيف السند وضعيف الدلالة على سبيل منع الخلو ، ولأجل ذلك لا يمكن الاستدلال بها.

ثمّ إنّه لو سلّم وجود نصّ معتبر في المسألة فلا بدّ من تخصيصه بغير النوم وذلك لأنّ النوم حدوثاً وإن كان ينقسم إلى ما يكون باختيار الإنسان وإرادته وما يكون بغلبة الله وقهره ، ولأجل ذلك يصحّ جعله متعلّقاً للتكليف كأن يحكم بحرمة النوم في وقت معيّن ، إلّا أنّه بقاءً لا يكون إلّا بغلبة الله وقهره ، قال تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٤) فالاستيقاظ يكون بيده تعالى ، فان شاء أعاد النفس وأيقظ العبد ، وإن شاء بقيت منفصلة عن البدن وتحقّق الموت. فالنوم بقاءً خارج عن اختيار العبد بالكليّة.

ولا شكّ في أنّ النوم المستوعب للوقت ولا سيما بالإضافة إلى صلاة الفجر كثير التحقّق خارجاً ، بل هو من الأفراد الشائعة ، لكثرة ابتلاء المكلّفين به في

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٦١ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٦٣ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٢٤.

(٣) بل تفترق عنها بانّ عموم النكرة في سياق النفي يشمل القضاء.

(٤) الزمر ٣٩ : ٤٢.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هذه الفترة القصيرة ، والمفروض كون النوم ولو بقاءً بغلبة الله ، فاذا كان مثل هذا مشمولاً للنصوص المتقدّمة لكونه ممّا غلب الله عليه أداءً وفرضنا الملازمة بينه وبين سقوط القضاء كان اللازم حينئذ إخراج هذا الفرد عن الإطلاقات المتقدّمة كصحيحة زرارة (١) وغيرها ، الدالّة على وجوب القضاء عند الفوت المستند إلى النوم.

وهو كما ترى ، فإنّه كيف يمكن الالتزام بإخراج الفرد الشائع عن تحت الإطلاق وحمله على الفرد النادر. فلا مناص إذن من الالتزام بالتخصيص بالنسبة إلى تلكم النصوص الدالّة على الملازمة بين سقوط القضاء وسقوط الأداء الناشئ من غلبة الله بأن يقال باختصاص ذلك بغير النوم ، حيث لا ملازمة بين الأمرين في مورد النوم.

ومع الغضّ عن ذلك فيكفي لإثبات التخصيص ما ورد في نوم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صلاة الغداة كما في موثّق سماعة بن مهران قال : «سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس ، قال : يصلّيها حين يذكرها ، فانّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ثمّ صلّاها حين استيقظ ، ولكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى» (٢) ، فانّ رقوده كان بغلبة الله بعد القطع بعدم نومه عن الفريضة اختياراً. وقد ورد في بعض النصوص ما يدلّ على أنّ ذلك كان رحمة من الله تعالى كي لا يعاب أحد بعد ذلك على مثله (٣).

والحاصل : أنّ الرواية قد دلّت على قضاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما استيقظ ، فلو كانت الملازمة المتقدّمة ثابتة لما كان هناك موجب للقضاء.

__________________

(١) المتقدمة في ص ٧٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٦٧ / أبواب قضاء الصلوات ب ٥ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٣ / ١٠٣١ ، وأُورد صدره في الوسائل ٨ : ٢٥٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٢.

٧٧

أو للمرض ونحوه (١) وكذا إذا أتى بها باطلة لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان بأن كان على وجه العمد أو كان من الأركان (٢).

______________________________________________________

فالالتزام بالتخصيص ممّا لا محيص عنه لو سلّم دلالة النصوص على الملازمة كيف وقد عرفت منعها. فالأقوى وجوب القضاء في النوم الغالب كغيره.

(١) لم يظهر وجهه ، ضرورة أنّ المرض بعنوانه لا يكون موجباً لترك الفريضة في قبال العمد والجهل والسهو والنوم ، فإنّه ليس من الأعذار التي يسوغ معها ترك الصلاة ، غايته أنّ المريض إنّما يصلّي على حسب طاقته وما تقتضيه وظيفته من الصلاة جالساً أو مضطجعاً أو إيماءً حسب اختلاف مراتب المرض. فعدّه سبباً مستقلا في قبال الأُمور التي ذكرها أوّلاً غير وجيه ، لا سيما مع العطف عليه بقوله : ونحوه. ولعلّ ذلك سهو من قلمه الشريف أو من النساخ.

الإتيان بالعمل باطلاً :

(٢) أمّا في الأركان فلصحيحة زرارة المتقدمة (١) الدالّة على وجوب القضاء على من صلّى بغير طهور ، بناء على ما عرفت من أنّ ذلك مثال للصلاة الفاسدة لعدم احتمال انقداح الفرق في ذهن السائل بين الصلاة الفاقدة للطهارة والفاقدة لغيرها ممّا يوجب البطلان كالقبلة والوقت والركوع ونحوها. على أنّه يكفي في وجوب القضاء صدق عنوان الفوت المجعول موضوعاً لهذا الحكم في ذيل الصحيحة المذكورة كما تقدّم (٢).

وأمّا غير الأركان فإن كان تركه على وجه العمد فلا إشكال في وجوب القضاء بالبيان المتقدّم ، وإن كان ذلك سهواً فلا تجب الإعادة فيه فضلاً عن القضاء ، لعدم فوت شي‌ء بعد فرض اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر

__________________

(١) في ص ٧٠.

(٢) في ص ٧٠.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المستفاد من صحيحة «لا تعاد الصلاة ...» (١) الحاكمة على أدلّة الأجزاء والشرائط.

وإن كان جهلاً فكذلك ، بناء على ما هو الصحيح من شمول الحديث للجاهل وعدم اختصاصه بالناسي ، وإن أصرّ عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (٢). هذا إذا كان الجاهل قاصراً بأن كان معذوراً في جهله كما لو أدّى اجتهاده أو اجتهاد مقلّده إلى عدم وجوب السورة في الصلاة ثمّ تبدّل رأيه بعد ذلك.

وأمّا المقصّر فالظاهر وجوب القضاء عليه كوجوب الإعادة ، لا لقصور في حديث «لا تعاد الصلاة ...» ، بل لمحذور آخر في شمول الحديث له ، وهو لزوم حمل الروايات الكثيرة الدالّة على الحكم بالإعادة في مورد ترك جزء أو شرط أو الإتيان بمانع على الفرد النادر وهو العالم العامد ، إذ لا شك في أنّ السؤال في هذه الروايات غالباً عن الجاهل المقصّر. فإخراجه عنها وإدراجه في حديث «لا تعاد ...» المستلزم لتخصيص الروايات المذكورة بالعامد يستوجب حمل المطلقات على الفرد النادر ، وهو قبيح. فلأجل الفرار عن المحذور المذكور يحكم باختصاص الحديث بالجاهل القاصر ولا يعمّ المقصّر.

وأمّا الجاهل المتردّد في الحكم فهو غير مشمول للحديث ، لاختصاصه بمن يرى صحة العمل وفراغ الذمة والإتيان بما هو وظيفته تماماً ثم يبدو له بعد ذلك بطلان العمل وعدم وقوعه على وجهه بحيث يحتاج إلى الإعادة ، كما يفصح عن ذلك التعبير في الحديث بالإعادة ، والمتردّد شاكّ في صحّة العمل من أوّل الأمر فنفس الأمر الأوّل باقٍ على حاله ، لعدم الامتثال المسقط له ، بلا حاجة إلى الأمر بالإعادة ، لعدم الموضوع للإعادة حينئذ.

هذا كلّه فيما إذا ثبتت الجزئية أو الشرطية بدليل لفظي أو بأصل محرز كالاستصحاب ، وأمّا إذا كان ثبوتها بدليل عقلي كالعلم الإجمالي أو قاعدة

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاشتغال فربما يستشكل في وجوب القضاء حينئذ بأنّه بأمر جديد كما مرّ (١) وموضوعه هو الفوت ، وهو غير محرز ، لاحتمال أن يكون ما أتى به في الوقت مطابقاً للواقع ، فلم يكن قد فاته شي‌ء. وواضح أنّ استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به في الوقت لا يجدي لإثبات الفوت كي يترتّب عليه وجوب القضاء وعليه فأصالة البراءة عنه محكّمة.

وقد أجاب المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) عن الإشكال أوّلاً : باتحاد الفوت مع الترك ، وعدم الفرق بينهما إلّا في مجرّد التعبير ، فاستصحاب عدم الإتيان يكفي لإثبات وجوب القضاء.

وفي هذا الكلام ما لا يخفى ، فانّ الفوت عنوان وجودي يساوق التعبير بالذهاب من الكيس ، وليس هو بحسب المفهوم متّحداً مع الترك الذي هو أمر عدمي ، وإن كان ممّا يتحصّل منه ويتسبّب بالترك إليه.

ولذلك لا يصدق الفوت بقول مطلق بالترك في مقدار من الوقت ، وإنّما يصدق ذلك باعتبار فوت وقت الفضيلة ، وأمّا الصدق بقول مطلق فهو يتوقّف على ذهاب الوقت كلّه ، وهذا بخلاف عنوان الترك وعدم الإتيان فإنّه يصدق حتى في أثناء الوقت فيقال : تركت الصلاة ، أو لم آت بها ، ولا يقال : فاتتني الصلاة. فاستصحاب العدم لا يجدي لإثبات عنوان الفوت.

وأجاب عنه (قدس سره) ثانياً : بأنّ الأمر بالقضاء عند الفوت كاشف عن تعدّد المطلوب وكون الواجب في الوقت أمرين ، أحدهما : طبيعي الصلاة والآخر : إيقاعها في الوقت ، وإلّا فمع وحدة المطلوب لا وجه للأمر بالقضاء.

وبعد سقوط الأمر بالمطلوب الآخر بخروج الوقت نشك في ارتفاع الأمر المتعلّق بالطبيعي ، للشك في مطابقة المأتي به للمأمور به فيستصحب بقاؤه فيجب الاحتياط في القضاء لعين الملاك الموجب له في الأداء ، وهو تعلّق الأمر

__________________

(١) في ص ٦٧.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٠٢ السطر ٣٣.

٨٠