موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا التعدّي إلى غير اليومية فلا دليل عليه ولا إجماع يقتضيه بعد كونه مخالفاً لمقتضى القاعدة.

وأشكل من ذلك التمسك بالحديث فيما إذا لم يسع الوقت إلّا بقدر الركعة ، إذ على تقدير تسليم التعدّي إلى غير اليومية لا يكاد يشمل الحديث مثله ، لاختصاص مورده بصورة صلاحية الوقت لتمام العمل فيه غير أنّ المكلّف لم يدرك أكثر من مقدار الركعة ، دون ما لم يكن صالحاً له في حدّ نفسه.

ومن هنا استشكل جمع كالمحقّق في الشرائع (١) وغيره في أصل الوجوب في الفرض بناء على التوقيت لامتناع التكليف بشي‌ء في ظرف لا يسعه ولا يكون صالحاً لوقوعه فيه.

وأوضح إشكالاً ما لو كان الوقت قاصراً عن أداء الركعة أيضاً ، إذ لا مجال لتطبيق الحديث حينئذ بوجه كما لا يخفى.

فهذه الفروع بناء على التوقيت الذي هو مختار المتن في غاية الإشكال.

لكن الذي يهوّن الخطب أنّ التوقيت بالمعنى المتعارف أعني التحديد من ناحية المبدأ والمنتهى كما في الظهرين غير ثابت في هذه الصلاة ، لقصور الأدلّة عن إثباته ، وإنّما المستفاد منها كما أشرنا إليه سابقاً (٢) التوقيت من ناحية المبدأ فقط ، وهو من حين الأخذ إلى الشروع في الانجلاء أو إلى تمام الانجلاء على الخلاف ، وإن كان الثاني أقوى كما مر (٣).

وأمّا من ناحية المنتهي فلا تحديد فيها ، نعم ظاهرها بمقتضى الإطلاق مراعاة التحديد من كلا الجانبين. إلا أنّه يرفع اليد عن هذا الظهور لروايتين دلّتا على جواز التأخير ولو بإطالة الصلاة إلى ما بعد الانجلاء حتى اختياراً ، فضلاً عن الاضطرار كما في المقام ، بل يظهر منهما أنّ ذلك هو الأفضل.

__________________

(١) لاحظ الشرائع ١ : ١٢٤.

(٢) في ص ١٦ وما بعد.

(٣) في ص ٢٠.

٤١

[١٧٦١] مسألة ٩ : إذا علم بالكسوف أو الخسوف وأهمل حتى مضى الوقت عصى ووجب القضاء ، وكذا إذا علم ثم نسي وجب القضاء ، وأمّا إذا لم يعلم بهما حتى خرج الوقت الذي هو تمام الانجلاء فان كان القرص محترقاً وجب القضاء ، وإن لم يحترق كلّه لم يجب (١).

______________________________________________________

ففي صحيح الرهط «صلّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس خلفه في كسوف الشمس ، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها» (١) وفي موثّقة عمار «قال : إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطوّل في صلاتك فانّ ذلك أفضل» (٢).

وعليه فتتّصف الصلاة بكونها أداءً في جميع هذه الفروع لا لقاعدة من أدرك بل لعدم التوقيت من ناحية المنتهي ، وحصول التوقيت الملحوظ من حيث المبدأ. والتكليف بالمحال إنّما يتّجه لو كان التوقيت من الطرفين ، فلا مجال لتوهّم السقوط. فما ذكره في المتن هو الصحيح وإن كان التعليل المستفاد منه عليلاً.

(١) المشهور وجوب القضاء فيما لو علم بالكسوف أو الخسوف وترك الصلاة حتى مضى الوقت عصياناً أو نسياناً أو لعذر آخر ، وأمّا مع الجهل فيفصّل بين صورتي الاحتراق التام وعدمه ، فيجب القضاء في الأوّل دون الثاني ، وهذا هو الأقوى. ونسب إلى المفيد (٣) وجماعة وجوب القضاء مطلقا.

وتفصيل الكلام : أنّ الإطلاق في الأدلّة الأوّلية المتكفّلة لوجوب القضاء مثل صحيحة زرارة «سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها ، قال : يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» (٤) غير قاصر

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩٨ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٨ ح ٢. [ولا يخفى أنّه رماها في ص ١٧ بالضعف من جهة علي بن خالد ، ولكن سيأتي في ص ٤٤ توضيح ذلك منه].

(٣) المقنعة : ٢١١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الشمول للمقام ، لما عرفت من أنّ هذه الصلاة من مصاديق الصلاة حقيقة ، لاشتمالها على الركوع والسجود وسائر ما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط ، فلو كنّا نحن وتلك الأدلّة كان اللازم الحكم بوجوب القضاء في المقام على الإطلاق.

إلّا أنّه قد وردت في المقام نصوص خاصة تضمنت نفي القضاء مطلقاً كصحيحة علي بن جعفر : «سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال : إذا فاتتك فليس عليك قضاء» المؤيّدة بروايتي الحلبي وجامع البزنطي (١) ، وحيث إنّ هذه النصوص أخصّ مطلقاً من تلك الإطلاقات كان اللازم بمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حملها عليها والالتزام بعدم وجوب القضاء في المقام على الإطلاق.

غير أنّ هذه الطائفة من النصوص في أنفسها مبتلاة بالمعارض ، لوجود طائفة أُخرى تضمنت وجوب القضاء مطلقاً ، بحيث كانت النسبة بينهما هي التباين الكلّي ، وهي روايتان :

إحداهما : مرسلة حريز «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غدٍ وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل» (٢) ، تضمنت أمرين : وجوب القضاء مطلقاً وضمّ الغسل في فرض العلم ، وقد مرّ في بحث الأغسال أنّ الغسل للآيات ليس عليه دليل معتبر (٣).

الثانية : رواية أبي بصير «سألته عن صلاة الكسوف إلى أن قال : فإذا أغفلها أو كان نائماً فليقضها» (٤).

لكن الذي يهوّن الخطب أنّ الروايتين ضعيفتا السند للإرسال في الاولى

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٥٠١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٧ ، ٩ ، ١١.

(٢) الوسائل ٧ : ٥٠٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٥.

(٣) لاحظ شرح العروة ١٠ : ٦٣.

(٤) الوسائل ٧ : ٥٠١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٦.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولعدم وثاقة علي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير في الثانية ، فلا تصلحان للمعارضة مع النصوص السابقة. ومع التسليم فيمكن الجمع بينهما ، لوجود شاهد الجمع كما ستعرف ، هذا كلّه في أصل وجوب القضاء.

وأمّا بالنسبة إلى خصوصيات المكلّف فقد يكون عالماً في الوقت فلم يصلّ عصياناً أو نسياناً أو لعذر آخر ، وقد يكون جاهلاً.

أمّا في فرض العلم فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب القضاء لموثّقة عمّار «... وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها» (١). رواها في الوسائل عن الشيخ بطريقين (٢) ، في أحدهما ضعف لمكان علي بن خالد ، فإنّه كان زيدياً ثم عدل إلى الحقّ ، ولم يرد فيه مدح ولا توثيق. وأمّا الطريق الآخر فصحيح ، لصحّة إسناد الشيخ إلى عمّار (٣) فتصبح الرواية موثّقة ، هذا من حيث السند.

وأمّا الدلالة فموردها وإن كان غلبة النوم إلّا أنّه يتعدّى إلى العصيان والنسيان ، إمّا من جهة الأولوية في الأوّل والقطع بعدم الفرق بين الثاني وبين النوم ، فلا خصوصية فيه وإنّما ذكر مثالاً لمطلق العذر. أو من جهة استفادة التعدّي من نفس الرواية ، وذلك لمكان التفريع في قوله (عليه السلام) : «فلم تصلّ» ، إذ لو كان العطف بالواو لأمكن احتمال أن يكون لغلبة النوم خصوصية في وجوب القضاء ، وأنّ الحكم مترتّب على مجموع الأمرين من النوم وترك الصلاة في الوقت ، لكنّ التفريع بالفاء يدفع الاحتمال ، ويوجب قوة الظهور في أنّ تمام الموضوع لوجوب القضاء إنّما هو مطلق ترك الصلاة.

وإنّما ذكرت غلبة النوم توطئة ومقدمة لذلك ، لا لخصوصية فيها ، فكأنّه (عليه السلام) قال : إن أعلمك أحد فلم تصلّ. والنوم من أحد الأسباب لترك الصلاة ، من دون دخالته في تعلّق الحكم.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٥٠١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٦ ، الإستبصار ١ : ٤٥٤ / ١٧٦٠.

(٣) الفهرست : ١١٧ / ٥١٥.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى أيّ حال فهذه الموثّقة صريحة في وجوب القضاء في فرض العلم ، فتكون مخصّصة لما دلّ على عدم ثبوته مطلقاً كصحيحة علي بن جعفر المتقدّمة. ويؤيد الوجوب مرسلة الكليني الصريحة في ثبوت القضاء في فرض النسيان (١) الملازم طبعاً لسبق العلم.

ثمّ إنّ صاحب الوسائل قال بعد ذكر هذه المرسلة ما لفظه : محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد مثله.

والظاهر أنّ هذا سهو من قلمه الشريف أو من غلط النسّاخ ، فانّ هذه المرسلة لم يروها الشيخ عن حمّاد ، نعم الرواية السابقة التي رواها في الوسائل قبل هذه المرسلة متّصلاً رواها عنه ، فحقّ العبارة أن تذكر عقيب تلك الرواية. وكيف ما كان ، فلا شك في وجوب القضاء في فرض العلم.

وأمّا في فرض الجهل فقد وردت هناك روايات دلّت على التفصيل بين الاحتراق التام وعدمه ، وأنّه يجب القضاء في الصورة الأُولى دون الثانية عمدتها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (٢) ، وتكون هذه الصحيحة وجهاً للجمع بين الطائفتين الأُوليين لو سلّم صحة سند الثانية واستقرار المعارضة بينهما ، فتحمل الاولى على صورة الاحتراق الناقص والثانية على التام وكلاهما في فرض الجهل. لكن أشرنا إلى ضعف الطائفة الثانية في نفسها وعدم صلاحيتها للمعارضة ، هذا.

ومن جملة هذه الروايات المفصّلة ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار ومحمّد بن مسلم (٣) ، وقد عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة (٤) ، وتبعه

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٥٠٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٣ ، الكافي ٣ : ٤٦٥ / ذيل ح ٦.

(٢) الوسائل ٧ : ٥٠٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٤٩٩ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٥٣٢.

(٤) الحدائق ١٠ : ٣١٨.

٤٥

وأمّا في سائر الآيات فمع تعمّد التأخير يجب الإتيان بها ما دام العمر ، وكذا إذا علم ونسي ، وأمّا إذا لم يعلم بها حتى مضى الوقت أو حتى مضى الزمان المتصل بالآية ففي الوجوب بعد العلم إشكال (*) لكن لا يترك الاحتياط بالإتيان بها ما دام العمر فوراً ففوراً (١).

______________________________________________________

المحقّق الهمداني (١) وغيره. وليس الأمر كذلك على مسلكهم ، فانّ طريق الصدوق إلى ابن مسلم ضعيف (٢) ، وطريقه إلى الفضيل بن يسار فيه علي بن الحسين السعدآبادي (٣) ولم يوثّق.

نعم ، بناءً على مسلكنا من توثيق رجال كامل الزيارات تتّصف الرواية بالصحة ، لوجود السعدآبادي في إسناده ، فإنّه شيخ ابن قولويه. فليس للحدائق ومن تبعه توصيف الرواية بالصحة بعد ما عرفت من وجه الضعف ووضوح عدم سلوكهم مسلكنا في التوثيق (٤)

وأمّا ما تقدّم عن المفيد من القضاء مطلقاً فليس له وجه ظاهر عدا الإطلاق في مرسلة حريز ورواية أبي بصير ، وقد عرفت حالهما من ضعف السند وأنّه على تقدير الصحة يقيّدان بهذه الصحيحة وغيرها.

(١) يقع الكلام تارة في فرض العلم بالآية وترك الصلاة إمّا عصياناً أو نسياناً أو لعذر آخر ، وأُخرى في صورة الجهل ، فهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل : فالمشهور شهرة عظيمة حتى قال في الجواهر : لا أجد فيه خلافاً (٥) وجوب القضاء بناء على وجوب الأداء في الزلزلة. ويستدل على الوجوب بوجوه :

__________________

(*) الظاهر أنّه لا إشكال فيه ولا سيما في الزلزلة.

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٨٢ السطر ٨.

(٢) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٦ ، ٣٢.

(٣) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٦ ، ٣٢.

(٤) شمول توثيق ابن قولويه لمشايخه بلا واسطة لعلّه مسلّم عند الكل.

(٥) الجواهر ١١ : ٤٣٤.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدها : أنّ وجود السبب وتحقّق الآية كما يقتضي الأداء يستوجب القضاء أيضاً.

وهذا الوجه ظاهر الضعف ، لأنّا إن بنينا على أنّ هذه الصلاة من الموقتات كما هو الصحيح بالمعنى المتقدّم (١) إمّا من حين الآية أو في الزمان المتصل بها كما في الزلزلة فلا شكّ في سقوط الوجوب بانقضاء الوقت ، لأنّ مقتضى التوقيت محدودية التكليف بزمان خاص ، فيرتفع بارتفاعه لا محالة ، فيحتاج القضاء إلى دليل آخر غير الدليل الأوّل المتكفّل للأداء ، لقصوره عن التعرّض لذلك كما هو ظاهر.

وإن بنينا على عدم التوقيت فمجرّد السبب وإن كان كافياً لكنّه حينئذ أداء ما دام العمر ، فلا موضوع للقضاء أصلاً ، لتقوّمه بالتوقيت المنفي حسب الفرض.

الثاني : عدم القول بالفصل ، فانّ كلّ من قال بوجوب القضاء عند الاحتراق إذا كان جزئياً قال به في سائر الآيات أيضاً. فالتفكيك قول بالفصل ، وهو خرق للإجماع المركّب. ومن أجل هذا ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) أنّ الوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط (٢).

وفيه : أنّ غايته أنّه لم يوجد هناك خلاف في الخارج ، ولم يكن قائل بالفصل وليس هذا من الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، بل أقصاه أنّ القضاء هنا هو المشهور ، ولا حجية للشهرة.

الثالث : عموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته (٣) الشامل بإطلاقه لصلاة الآيات.

وأجاب عنه في المدارك بانصراف الفريضة إلى خصوص اليومية (٤) كما قد

__________________

(١) في ص ٢٢.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٨٣ السطر ١١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

(٤) المدارك ٤ : ١٣٤.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يقتضيه التشبيه في قوله : كما فاتته ، الناظر إلى المماثلة من حيث القصر والتمام.

وأيّده المحقّق الهمداني (قدس سره) (١) بأنّ الفريضة قد وقعت في قبال صلاة الآيات في أخبار الكسوف والخسوف (٢).

لكن الظاهر أنّ دعوى الانصراف كالتأييد في غير محلّها ، فانّ للفريضة إطلاقين : أحدهما خصوص ما فرضه الله في كتابه ، الثاني : مطلق الفرض ولو ثبت بالسنة ، في قبال التطوّع. وأكثر إطلاقها في لسان الأخبار إنّما هو بالمعنى الثاني ما لم تقم قرينة على الخلاف كما في مورد التأييد ، حيث إنّ وقوع المقابلة بينها وبين صلاة الآيات قرينة على إرادة اليومية منها التي هي فرض ثابت بالكتاب ، وإلّا فالغالب إطلاقها في قبال التطوّع كما عرفت ، بل قد أُطلق لفظ الفريضة على نفس صلاة الآيات في كثير من الأخبار (٣).

فدعوى الانصراف ساقطة ، ولا قصور في العموم في شموله للمقام ، لكن الشأن في ثبوت العموم في حدّ نفسه ، فانّ هذه الرواية لم تثبت من طرقنا ، بل ولا من طرق العامة كما قيل ، نعم اشتهر هذا المضمون في ألسنة الفقهاء ، فغايته أنّها رواية مرسلة لا يعتدّ بها.

الرابع : الاستصحاب. وفيه : مضافاً إلى عدم حجيّته في الشبهات الحكمية أنّ هذا الواجب من الموقتات كما مرّ ، ومقتضاه سقوط التكليف بانقضاء الوقت ، وبعد ذلك يشك في حدوث تكليف جديد ، والمرجع في مثله أصالة البراءة دون الاستصحاب.

الخامس : وهو العمدة التمسّك بإطلاق صحيح زرارة : «عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها ، قال : يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ...» إلخ (٤) ، فانّ المذكور فيها لفظ الصلاة

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) ٤٨٢ السطر ٢٩.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥.

(٣) الوسائل ٧ : ٤٨٣ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا قصور في شمولها لصلاة الآيات ، فلو سلّم الانصراف في لفظ الفريضة إلى اليومية لا وجه لتوهّمه في لفظ الصلاة.

نعم ، قد اشتمل ذيل الصحيحة على لفظ الفريضة ، قال (عليه السلام) : «ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» الكاشف عن إرادتها من الصلاة المذكورة في الصدر. لكنّه في مقابل التطوّع ، فلا يقدح في الاستدلال كما لا يخفى.

وأمّا المقام الثاني : أعني القضاء في فرض الجهل ، فالمعروف والمشهور بينهم بل لم ينقل الخلاف من أحد كما في الجواهر (١) عدم وجوبه ، وعن بعض المتأخّرين وجوبه.

وجميع ما ذكرناه في المقام الأوّل من الوجوه التي استدلّ بها للوجوب مع مناقشاتها جار في المقام أيضاً إلّا الوجه الثاني وهو عدم القول بالفصل ، لأنّ المشهور عدم وجوب القضاء في فرض الجهل عند عدم الاحتراق لا وجوبه كما كان في فرض العلم ، فلا ملازمة بين الموردين من حيث الوجوب.

ويؤيّد المقام بمناقشة ثالثة في الاستصحاب وهو عدم كون الوجوب متيقّناً بل عدم الالتفات إلى وقوع الآية غالباً من جهة نوم ونحوه ، فإنّ فرض التوجّه والشكّ في وقوعها كما لو أحس بحركة وشك في أنّها من جهة الزلزلة أو من أثر سرعة مرور الطائرة العظيمة شاذ نادر ، وعليه فلم يكن حال وقوع الآية مكلّفاً ليكون متيقّناً فيستصحبه ، وأمّا بعده فهو شاك في تعلّق التكليف ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وحيث كان الوجه الخامس سليماً عن أيّة مناقشة فاللازم هو الحكم بوجوب القضاء هنا أيضاً كما ذهب إليه بعض المتأخّرين.

وأمّا ما التزم به المشهور من عدم وجوب القضاء فلم يعرف وجهه سوى ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) من فحوى سقوطه في الكسوف الذي هو أقوى في الوجوب قطعاً (٢).

ولكنّه كما ترى ، فانّ الكسوف له فردان أحدهما : مع الاحتراق ، وحكمه

__________________

(١) الجواهر ١١ : ٤٣٠.

(٢) الجواهر ١١ : ٤٣٠.

٤٩

[١٧٦٢] مسألة ١٠ : إذا علم بالآية وصلّى ثم بعد خروج الوقت أو بعد زمان الاتصال بالآية تبيّن له فساد صلاته وجب القضاء (١) أو الإعادة.

[١٧٦٣] مسألة ١١ : إذا حصلت الآية في وقت الفريضة اليومية فمع سعة وقتهما مخيّر بين تقديم أيّهما شاء وإن كان الأحوط تقديم اليومية ، وإن ضاق وقت إحداهما دون الأُخرى قدّمها ، وإن ضاق وقتهما معاً قدّم اليومية (٢).

______________________________________________________

وجوب القضاء. ثانيهما : مع عدمه ، وحكمه سقوطه عند الجهل. ومع هذا الاختلاف ما هو الموجب لإلحاق سائر الآيات بأحد الفردين دون الآخر.

وبعبارة أُخرى : التفصيل المزبور يكشف عن أن مجرّد الكسوف المقرون بالجهل لم يكن علّة للسقوط ، بل بضميمة ما يختص بالمورد وهو كون الاحتراق ناقصاً ، ومعه لا موضوع للفحوى (١). فلا مجال للتعدّي.

(١) وذلك فلأنّ المسألة بحدّها وإن لم تكن منصوصة إلّا أنّه يمكن استفادة حكمها من إطلاق موثّقة عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة (٢) حيث يستفاد منه وجوب القضاء في فرض العلم بالآية ولم يصلّ ولو كان من جهة اشتمالها على الخلل ، فانّ موردها وإن كان غلبة العين إلّا أنّك عرفت فيما سبق أنّه لا خصوصية لذلك ، بل هي من باب المثال وأنّ المعيار ترك الصلاة بتمامها أو ببعض خصوصياتها ، فكما أنّه لو تبيّن الخلل أثناء الوقت تجب الإعادة بمقتضى الاشتغال فكذلك لو كان التبيّن بعد الوقت ، لإطلاق الموثقة.

(٢) ما ذكره (قدس سره) من أحكام صور المسألة هو المعروف والمشهور بينهم ولا سيما المتأخّرين منهم ، كما أنّها مطابقة لما تقتضيه القاعدة.

أمّا في صورة سعة الوقت لكلّ من صلاتي اليومية والآية فلعدم التزاحم

__________________

(١) مناط الفحوى دعوى أقوائية الوجوب ، والقائل بها يرى تحقّقها في كلا فردي الكسوف بملاك واحد ، ومعه يتعيّن الإلحاق بالفرد الثاني لاختصاص الفحوى به كما لا يخفى ، اللهم إلّا أن يناقش في الدعوى المزبورة من أصلها.

(٢) الوسائل ٧ : ٥٠١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١٠ ، وقد تقدّمت في ص ٤٤.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بينهما إذ المفروض سعة الوقت ، ومقتضاها جواز تقديم أيّهما شاء.

وأمّا في فرض ضيق الوقت عن الإتيان بهما فيه معاً فلأهمّية اليومية على ما يستفاد ممّا ورد من عدم سقوط الصلاة بحال (١) فتقدّم لدى المزاحمة لا محالة.

وأمّا في صورة ضيق وقت خصوص اليومية فالتقديم فيها أظهر ، فإنّه في الفرض السابق الذي كان وقت الآية أيضاً مضيّقاً حكمنا بتقديم اليومية من جهة الأهمّية ، فما ظنّك بما إذا كان وقت الآية موسّعاً.

وأمّا في فرض ضيق وقت الآية فقط فلعدم التزاحم بين الموسّع والمضيّق هذا.

مضافاً إلى أنّه قد دلّت الروايات الخاصّة على حكم الصورة الأُولى وهي سعة الوقت لهما بل وكذا الثالثة ، أعني ضيق وقت اليومية خاصّة.

ولكن مع ذلك فقد ذهب جمع كالصدوقين (٢) والشيخ (٣) وابني حمزة (٤) والبراج (٥) والشهيد (٦) إلى وجوب تقديم الفريضة حتّى في سعة الوقت لهما. كما أنّه نسب إلى بعض كابن أبي عقيل (٧) والآبي (٨) والحلّي (٩) القول بوجوب تقديم صلاة الكسوف ولو في السعة لهما.

أمّا القائلون بتقديم الفريضة فقد استدلّوا بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٣٤٧ ذيل ح ١٥٣٤ ، المقنع : ١٤٣ ، وحكاه عنهما في المختلف ٢ : ٢٩٧ المسألة ١٨٢ ، فقه الرضا : ١٣٥.

(٣) النهاية : ١٣٧.

(٤) الوسيلة : ١١٢.

(٥) المهذّب ١ : ١٢٥.

(٦) لاحظ الذكرى ٤ : ٢٢٣ ، الدروس ١ : ١٩٥ ، البيان : ٢٠٨.

(٧) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٢٩٧ المسألة ١٨٢.

(٨) كشف الرموز ١ : ١٩١.

(٩) السرائر ١ : ٣٢٣.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : ابدأ بالفريضة ، فقيل له : في وقت صلاة الليل؟ فقال : صلّ صلاة الكسوف قبل صلاة الليل» (١) ، فانّ موضوع هذه الصحيحة باعتبار التعبير بالبدأة هو سعة الوقت لكلّ من الصلاتين ، إذ الابتداء يستدعي الانتهاء وأن يكون الوقت صالحاً لوقوع الصلاتين فيه معاً مقدّماً لأيّ منهما شاء تعييناً أو تخييراً. وأمّا إذا لم يكن الوقت صالحاً وواسعاً إلّا لإحداهما لكان المناسب التعبير بمثل قولنا : ائت بالفريضة ، وقد أمر (عليه السلام) في هذا الفرض بتقديم الفريضة ، وظاهر الأمر الوجوب ، فلا بدّ من تقديمها على الكسوف.

والإنصاف : أنّ دلالة هذه الصحيحة في نفسها لا قصور فيها ، بحيث لو كنّا نحن وهذه الرواية لحكمنا بذلك ، إلّا أنّ الدليل الخارجي وهو صحيحته الثالثة الآتية دلّ على جواز الإتيان بصلاة الآية قبل الفريضة ، فيكون الأمر في هذه الصحيحة محمولاً على الاستحباب ويرفع اليد عن ظاهره ، فله تقديم صلاة الآية وإن كان الأولى تقديم الفريضة.

وأمّا القائلون بتقديم صلاة الآية حتّى في السعة فمستندهم هو ما رواه بريد ابن معاوية ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا : إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة ، واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف فاذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت ، واحتسب بما مضى» (٢) ، فإنّه (عليه السلام) في غير فرض تخوّف ذهاب وقت الفريضة أمر بإتيان صلاة الكسوف ، وإطلاقه شامل لفرض سعة الوقت لكلتا الصلاتين وظاهر الأمر الوجوب ، فلا بدّ من تقديم صلاة الآية على الفريضة.

وفيه : بعد الغضّ عن ضعف سند الرواية وإن عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة (٣) وتبعه غير واحد ممّن تأخّر عنه ، لكنّه وهم ، فانّ بريداً ومحمّد بن

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٩٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٤.

(٣) الحدائق ١٠ : ٣٤٦.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مسلم وإن كانا من الأجلّاء إلّا أنّ طريق الصدوق إلى كلّ منهما ضعيف كما عرفت قريباً (١)

وبعد الإغماض عن معارضتها بالصحيحة المتقدّمة الناصّة على وجوب البدأة بالفريضة ، أنّ الدليل قد قام على عدم وجوب تقديم صلاة الآية على الفريضة وجواز العكس كما ستعرف. ومعه لا يبقى لهذه الرواية ظهور في الوجوب ، فهذان القولان ساقطان.

وأمّا قول المشهور من جواز تقديم صلاة الآية فيستفاد من صحيح محمّد ابن مسلم قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك ، ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة ، فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة ، فقال : إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثمّ عد فيها ، قلت : فاذا كان الكسوف في آخر الليل فصلّينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل فبأيّتهما نبدأ؟ فقال : صلّ صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح» (٢).

وذلك لأن السؤال إنّما هو عن جواز الشروع في صلاة الآية عند خشية فوات الفريضة ، والجواب متعرّض لحكم من كان قد شرع فيها ثمّ تخوّف فوت الفريضة ، فلا يكون الجواب مطابقاً للسؤال ، إلّا أنّ الإمام (عليه السلام) كأنّه أراد التنبيه على أنّه فيما إذا كان قد شرع في صلاة الآية يقطعها عند تخوّف فوات الفريضة فيأتي بها ثمّ يعود إلى تلك ، ليعرف حكم هذا الفرض تفضّلاً منه.

ويستنتج من ذلك حكم مورد السؤال من جهة الأولوية ، فإنّ مقتضاها عدم جواز الدخول فيها إذا خشي الفوت ، فيدلّ بالمفهوم على أنّه في فرض

__________________

(١) [الذي تقدّم قريباً أي في ص ٤٦ هو طريقه إلى الفضيل ومحمد بن مسلم ، ومع ذلك فطريقه إلى بريد ومحمد بن مسلم ضعيف ، لضعف طريقه إلى محمد بن مسلم وجهالة طريقه إلى بريد].

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٢.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

السعة وعدم الخشية يجوز له الدخول في صلاة الآية قبل الفريضة كما يجوز تتميمها ، وبه يرفع اليد عن ظاهر الصحيحة الاولى من وجوب الإتيان بصلاة الفريضة مقدّماً على الآية وتحمل على الاستحباب.

ثمّ إنّه لا ريب في أنّ المراد من الوقت المفروض تخوّف فوته إنّما هو الوقت الفضيلي من المغرب لا الوقت الإجزائي له ، ضرورة أنّ الثاني ممتدّ إلى نصف الليل ، ومن الواضح أنّ صلاة الآية مهما طالت لا تستوعب من الوقت من بعد المغرب إلى نصف الليل ، بخلاف الوقت الفضيلي منه فإنّه يمكن فرض تخوّف فوته مع الاشتغال بصلاة الآية. ومن المعلوم أنّ فوت الوقت الفضيلي لا بأس به ولا مانع منه ، فإنّه يجوز تأخير الصلاة عنه اختياراً.

وعليه فيكون الأمر بقطع الصلاة لدرك الوقت الفضيلي محمولاً على الاستحباب دون الوجوب ، فله أن لا يقطع الصلاة للكسوف بل يستمر فيها ويجوز له الشروع فيها في كلّ من وقتي الإجزاء والفضيلة ، وبه يرفع اليد عن ظاهر الرواية الأُولى (١) له من وجوب الإتيان بالفريضة قبل صلاة الآية وتحمل على الاستحباب.

وبالجملة : المستفاد من هذه الصحيحة عدم وجوب البدأة لا بصلاة الآية ولا بصلاة الفريضة ، بل له تقديم أي منهما شاء كما عليه المشهور.

وأمّا صحيحة أبي أيوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ونخشى فوت الفريضة ، فقال : اقطعوها وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم» (٢) فقد حملها بعضهم على أنّ المراد بالفريضة هي صلاة المغرب ، فالمراد من فوتها فوت أدائها في وقت الفضيلة.

ولكنّه بعيد جدّاً ، فانّ المفروض أنّ الكسوف كان قبل مغيب الشمس وبطبيعة الحال كان قبله بمقدار نصف ساعة تقريباً ، ومن المعلوم أنّه بعد هذا إلى

__________________

(١) [الموجود في الأصل : الثانية ، والصحيح ما أثبتناه].

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩٠ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٣.

٥٤

[١٧٦٤] مسألة ١٢ : لو شرع في اليومية ثم ظهر له ضيق وقت صلاة الآية قطعها مع سعة وقتها واشتغل بصلاة الآية (١) ، ولو اشتغل بصلاة الآية فظهر له في الأثناء ضيق وقت الإجزاء لليومية قطعها واشتغل بها وأتمّها (٢) ثم عاد إلى صلاة الآية من محلّ القطع إذا لم يقع منه مناف غير الفصل المزبور (٣) ،

______________________________________________________

فوات وقت فضيلة المغرب يستوعب أكثر من ساعة ، فكيف يصح أن يقال إنّه يخاف من فوت الفريضة.

بل المراد فريضة العصر جزماً ، ولا بدع في تأخيرها إلى ما قبل مغيب الشمس حتى من الجماعة الذين هم مورد السؤال بعد أن كان التأخير سائغاً والوقت واسعاً ، فمن الجائز أن يكون كلّهم قد أخّروا من باب الصدفة والاتّفاق ، فإنّها قضية خارجية لا حقيقية ، فلعلّهم كانوا معذورين لنوم ونحوه بل ولو عامدين ، فقد ورد في بعض الروايات أنّ زرارة كان يؤخّر صلاته إلى آخر الوقت (١). فكان هذا أمراً متعارفاً بينهم وإن كان الغالب عدم التأخير عن وقت الفضيلة.

وعليه فحكمه (عليه السلام) بتقديم الفريضة مطابق للقاعدة ، إذ المضيّق لا يزاحمه الموسّع. فالروايات الواردة في المقام كلّها موافقة للقاعدة كما عرفت.

(١) لما عرفت من أنّ الموسّع لا يزاحم المضيّق ، ولا دليل على حرمة القطع في مثل المقام ، فانّ مستندها لو تم إنّما هو الإجماع ، وهو دليل لبي يقتصر على المتيقّن منه الذي هو غير ما نحن فيه.

(٢) لأهمّيتها من صلاة الآية كما سبق (٢).

(٣) كأنّ الحكم مورد للتسالم ، وهذه من الصلاة في الصلاة ، الجائزة في خصوص صلاة الآيات وإن كان على خلاف الأصل ، للنصوص الدالّة عليه كما

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٥٥ / أبواب المواقيت ب ٩ ح ١٤.

(٢) في ص ٥٠ ، ٥١.

٥٥

بل الأقوى جواز قطع صلاة الآية والاشتغال باليومية إذا ضاق وقت فضيلتها فضلاً عن الإجزاء ، ثم العود إلى صلاة الآية من محل القطع (١) لكن الأحوط خلافه (٢).

[١٧٦٥] مسألة ١٣ : يستحب في هذه الصلاة أُمور :

الأول والثاني والثالث : القنوت ، والتكبير قبل الركوع وبعده ، والسمعلة على ما مر.

الرابع : إتيانها بالجماعة أداء كان أو قضاء ، مع احتراق القرص وعدمه والقول بعدم جواز الجماعة مع عدم احتراق القرص ضعيف. ويتحمّل الإمام فيها عن المأموم القراءة خاصة كما في اليومية ، دون غيرها من الأفعال والأقوال.

الخامس : التطويل فيها خصوصاً في كسوف الشمس.

السادس : إذا فرغ قبل تمام الانجلاء يجلس في مصلّاه مشتغلاً بالدعاء والذكر إلى تمام الانجلاء ، أو يعيد الصلاة.

السابع : قراءة السور الطوال كيس والنور والروم والكهف ونحوها.

الثامن : إكمال السورة في كلّ قيام.

______________________________________________________

سبق (١) ، ولأجلها يحكم بالاغتفار عن تلك الزيادات وعدم قدحها بشرط عدم الإتيان بمناف آخر غير الفصل بهذه الصلاة ، لقصور النصوص عن إثبات الجواز فيما عدا ذلك ، فيرجع إلى الإطلاق في أدلّة المنافيات السليم عمّا يصلح للتقييد.

(١) للتصريح به في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (٢).

(٢) لما نسب إلى المشهور من اقتصارهم في الحكم على وقت الإجزاء وعدم

__________________

(١) في ص ٥٢ ، ٥٣.

(٢) في ص ٥٣.

٥٦

التاسع : أن يكون كلّ من القنوت والركوع والسجود بقدر القراءة في التطويل تقريباً.

العاشر : الجهر بالقراءة فيها ليلاً أو نهاراً حتى في كسوف الشمس على الأصح.

الحادي عشر : كونها تحت السماء.

الثاني عشر : كونها في المساجد ، بل في رحبها.

[١٧٦٦] مسألة ١٤ : لا يبعد استحباب التطويل حتى للإمام ، وإن كان يستحبّ له التخفيف في اليومية مراعاة لأضعف المأمومين.

[١٧٦٧] مسألة ١٥ : يجوز الدخول في الجماعة إذا أدرك الإمام قبل الركوع الأوّل أو فيه من الركعة الأُولى أو الثانية ، وأمّا إذا أدركه بعد الركوع الأول من الأُولى أو بعد الركوع من الثانية فيشكل الدخول ، لاختلال النظم حينئذ بين صلاة الإمام والمأموم (١).

______________________________________________________

التعدّي إلى وقت الفضيلة ، وإن لم يكن عليه دليل ظاهر.

(١) لا ريب في مشروعية الجماعة في هذه الصلاة ، بل ورجحانها ، للأدلّة الدالّة عليه قولاً وفعلاً كما تقدّمت الإشارة إليه (١) ، كما لا ريب في أنّ المتيقّن من تلك الأدلّة ما إذا أدرك الإمام قبل الدخول في الركوع الأوّل من الركعة الأُولى أو الثانية وكذا لو أدركه فيه ، لما ورد عنهم (عليهم السلام) من أنّ من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة كلّها (٢).

وإنّما الكلام فيما إذا أدرك الإمام بعد الركوع الأوّل من الأُولى أو الثانية فقد استشكل في صحّة الجماعة حينئذ في المتن تبعاً لجمع من الأعلام ، بل لعلّ المنع هو المشهور بينهم ، معللاً بما ذكره في المتن من لزوم اختلال النظم وعدم

__________________

(١) [منها ما تقدم في ص ١١ ، وهو صحيحة الفضلاء].

(٢) الوسائل ٨ : ٣٨٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥.

٥٧

[١٧٦٨] مسألة ١٦ : إذا حصل أحد موجبات سجود السهو في هذه الصلاة فالظاهر وجوب الإتيان به بعدها كما في اليومية (١).

______________________________________________________

حصول المتابعة بين صلاتي المأموم والإمام ، لافتراق كلّ منهما عن الآخر في الأفعال لا محالة ولا دليل على اغتفار ذلك في المقام ، هذا.

ولكنّ المنسوب إلى العلامة في التذكرة هو الجواز ، قال (قدس سره) فيما حكي عنه : فاذا سجد الإمام لم يسجد هو ، بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم ، فاذا ركع الإمام أوّل الثانية ركع معه عن ركوعات الأُولى ، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ثم لحق بالإمام ، ويتمّ الركعات قبل سجود الثانية (١).

ولكنّ الأظهر عدم الجواز ، لتقوّم مفهوم الجماعة بالمتابعة المنفيّة في المقام فانّ الانتظار والاستقلال في الأفعال على حدّ ما ذكره ينافي التبعية المعتبرة في صدق الجماعة.

على أنّ التخلف والانتظار الذي ذكره (قدس سره) ليس بأولى من الاشتغال بتكميل الركوعات والالتحاق بالإمام قبل استكماله من سجود الاولى ، بل هذه الكيفية أولى ، حذراً من فوات المتابعة في السجود لدى التمكّن منها.

مع أنّ كلتا الكيفيتين منافية لصدق التبعية المعتبرة في مفهوم الجماعة وماهية الائتمام ، وهل ذلك إلّا كمن أقحم ركعة أو ركعتين في ركعات الإمام ثمّ التحق به كما لو اقتدى الحاضر بالمسافر فائتمّ في الركعة الاولى ثمّ أتى بالركعتين منفرداً ثمّ التحق في رابعته بثانية الإمام ، فإنّ الائتمام في أمثال ذلك يستلزم التخلف في أفعال كثيرة والاستقلال في أُمور شتّى المضاد لمفهوم القدوة كما لا يخفى. فالأقوى عدم انعقاد الجماعة في أمثال المقام كما عليه المشهور ، وهو المطابق للأصل.

(١) لإطلاق أدلّة الوجوب الشامل للمقام (٢) ، فلو تكلّم ساهياً أو قام في

__________________

(١) التذكرة ٤ : ١٨٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ، ٢٠٦ / ب ٤ ح ١ وغيرهما.

٥٨

[١٧٦٩] مسألة ١٧ : يجري في هذه الصلاة قاعدة التجاوز عن المحل وعدم التجاوز عند الشك في جزء أو شرط كما في اليومية.

[١٧٧٠] مسألة ١٨ : يثبت الكسوف والخسوف وسائر الآيات بالعلم وشهادة العدلين (*) وإخبار الرصدي إذا حصل الاطمئنان بصدقه على إشكال في الأخير (**) لكن لا يترك معه الاحتياط (١) ، وكذا في وقتها ومقدار مكثها.

______________________________________________________

محلّ القعود أو بالعكس كذلك وجب عليه السجود ، ولو بنينا على وجوبه لكلّ زيادة ونقيصة كما هو مفاد المرسلة (١) وجب هنا أيضاً ، عملاً بإطلاق الدليل ، إذ لا موجب للانصراف إلى اليومية كما هو ظاهر ، نعم بعض موجبات السجود لا مسرح له في المقام كالشكّ بين الأربع والخمس.

وأوضح حالاً ما ذكره في المسألة الآتية من جريان قاعدة التجاوز عن المحلّ في المقام كما لو شكّ حال السجود في عدد الركوعات ، لعموم قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (٢) كجريان قاعدة الشكّ في المحلّ ، لإطلاق دليلها (٣) ، مضافاً إلى الاستصحاب.

(١) أمّا الثبوت بالعلم أو بالشياع المفيد للعلم فظاهر ، وكذا بالدليل العلمي كشهادة البيّنة العادلة ، لإطلاق دليل اعتبارها (٤) ، بل لا يبعد ثبوتها بشهادة عدل ، بل ثقة واحد على ما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح.

__________________

(*) بل لا يبعد ثبوتها بشهادة عدل ، بل ثقة واحد.

(**) الظاهر أنّه لا إشكال في ثبوتها به إذا أفاد الاطمئنان.

(١) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٣) [وهو مفهوم صحيحة زرارة].

(٤) [وهو إمّا ما رواه مسعدة بن صدقة ، المذكور في الوسائل ١٧ : ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤ ، أو ما سلكه المقرّر له في شرح العروة ١ : ١٧٤.]

٥٩

(١٧٧١) مسألة ١٩ : يختص وجوب الصلاة بمن في بلد الآية (١) فلا يجب على غيره ، نعم يقوى إلحاق المتّصل بذلك المكان (*) ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد.

______________________________________________________

وأمّا الثبوت باخبار الرصدي مع حصول الاطمئنان بصدقه فقد استشكل فيه في المتن لكن الإشكال في غير محلّه بعد فرض حصول الاطمئنان الذي هو حجة عقلائية كالقطع ، نعم التعويل حينئذ إنّما هو على الاطمئنان الحاصل من قوله ، لا على قوله بما هو كذلك.

اللهم إلّا أن يكون مراده حصول الاطمئنان بصدق المخبر لا بصدق الخبر كما لو كان الرصدي مأموناً عن الكذب فجزمنا بكونه صادقاً في إخباره ومع ذلك لم نطمئن بصدق الخبر لاحتمال خطئه وعدم إصابته للواقع ، فكنّا بالنسبة إلى وقوع الكسوف خارجاً في شكّ وترديد وإن كنّا مطمئنين في صدقه عمّا يخبر بمقتضى القواعد النجومية ، فإنّه يشكل الاعتماد حينئذ على قوله ، لعدم الدليل على حجية الأخبار الحدسي في الأمر الحسي ، والرجوع إلى أهل الخبرة يختص بالأُمور الحدسية دون الحسية كما في المقام.

وعلى الجملة : إذا حصل الاطمئنان من قول الرصدي بوقوع الكسوف خارجاً كما لو كان الشخص محبوساً في مكان لا يتيسّر له استعلام الكسوف وكان عنده رصدي أخبر بذلك ، أو كان الشخص بنفسه رصديا فلا ريب في وجوب الصلاة حينئذ ، عملاً بالاطمئنان الذي هو حجة عقلائية كما عرفت وإلّا فمجرّد الاطمئنان بصدق المخبر مع الترديد في الوقوع الخارجي لا أثر له لعدم الاكتفاء في الموضوع الحسي باخبار مستند إلى الحدس.

(١) أمّا بالإضافة إلى الكسوفين فهذا البحث لا موضوع له ، إذ بعد فرض كرؤية الأرض فكسوف الشمس أمر يمكن أن تقع عليه الرؤية من عامّة سكنة البلدان الواقعة في تمام القوس النهاري الشاملة لأكثر من نصف سكّان الأرض

__________________

(*) في القوّة إشكال ، بل منع.

٦٠