موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

فيجب على الطفل إذا بلغ ، وعلى المجنون إذا عقل. وإذا مات غير البالغ قبل البلوغ أو المجنون قبل الإفاقة لا يجب على الأكبر بعدهما (١).

[١٨٤٧] مسألة ٥ : إذا كان أحد الأولاد أكبر بالسنّ والآخر بالبلوغ فالوليّ هو الأوّل (٢).

[١٨٤٨] مسألة ٦ : لا يعتبر في الوليّ كونه وارثاً ، فيجب على الممنوع من الإرث (*) بالقتل أو الرقّ أو الكفر (٣).

______________________________________________________

(١) لقصور الدليل عن الشمول لمثله كما لا يخفى.

الضابط في الأكبرية :

(٢) إذ المصرّح به في أخبار الباب هو وجوب القضاء على أولى الناس بالميّت ، وهو إنّما ينطبق على الأكبر من حيث السنّ لأجل الحبوة ، فيكون المدار على الأكبريّة بحسب السنّ دون البلوغ.

(٣) وكأنّه (قدس سره) اعتمد في ذلك على تعابير الفقهاء في كلماتهم ، فقد عبّروا عنه بأنّ القاضي هو الولد الأكبر ، بلا نظر إلى كونه وارثاً.

ولكن هذا لا يتمّ بالنظر إلى الأخبار المتقدّم ذكرها ، فإنّها دلّت على كون القاضي هو الأولى بالميراث ، وهذا كما قلنا (١) إنّما ينطبق على الولد الأكبر من جهة الحبوة وغيرها ، ومن البديهي أنّ القاتل ونحوه ليس بالأولى بالميراث بالفعل ، فلا يجب عليه القضاء بمقتضى تلكم النصوص.

ودعوى أنّ المراد بالأولى هي الأولوية بالاقتضاء وبالطبع الأوّلي مع قطع النظر عن الموانع والعوارض الخارجية ، خلاف الظاهر ، فانّ الظاهر منه هو من كان ينطبق عليه العنوان المذكور بالفعل ، كما هو الحال في نظائره من قولنا :

__________________

(*) لا يبعد اختصاص الوجوب بغيره.

(١) في ص ٢٧٤ وما بعدها.

٢٨١

(١٨٤٩) مسألة ٧ : إذا كان الأكبر خنثى مشكلاً فالوليّ غيره من الذكور (*) (١) وإن كان أصغر ، ولو انحصر في الخنثى لم يجب عليه.

______________________________________________________

الخمر حرام ، [حيث] يراد به ما كان خمراً بالفعل ، وهنا يراد به الأولى بالميراث فعلاً ، لا ما هو كذلك شأناً واقتضاء. وعليه فيختصّ وجوب القضاء بغير القاتل ونحوه.

الخنثى المشكل :

(١) فانّ الموضوع في لسان الدليل هو أولى الناس بالميراث ، المنحصر في الولد الأكبر كما مرّ ، ومع الشكّ في ذكوريّة الخنثى تجري في حقّه أصالة العدم فلا يعطى الحبوة ، بل تدفع إلى الذكر الأكبر عدا الخنثى ، ويكون هو الأولى بالميراث. فلا يجب القضاء على الخنثى ، هذا.

ولكنّ الظاهر هو التفصيل بين بلوغ الخنثى بعد موت الأب فيجب عليه القضاء ، وبلوغه قبل ذلك فلا يجب عليه ، والوجه فيه : أنّ الخنثى المشكل بعد تردّده بين الذكر والأُنثى يعلم إجمالاً بكونه مكلّفاً إمّا بتكاليف الرجال أو النساء ، وحيث كانت الأُصول متعارضة فلا محالة كان العلم الإجمالي منجّزاً في حقّه ، فيجب عليه الجمع بين أحكام الرجال والنساء.

وعليه فان كان بلوغه قبل الموت فحيث كان العلم الإجمالي المذكور قد تنجّز في حقّه في أوّل البلوغ ، وقد أثّر أثره كان الموت اللاحق موجباً للشكّ في حدوث تكليف جديد زائداً على ما تنجّز سابقاً بالعلم الإجمالي ، فيتمسّك في نفيه بالبراءة ، فلا يجب عليه القضاء.

وأمّا إذا كان البلوغ بعد موت الأب ، والمفروض عدم اختصاص وجوب

__________________

(*) ومع ذلك يجب على الخنثى قضاء ما فات عن أبيه إذا كان بلوغه بعد موت أبيه ، نعم إذا قضاه غيره سقط عنه بلا إشكال.

٢٨٢

[١٨٥٠] مسألة ٨ : لو اشتبه الأكبر بين الاثنين أو الأزيد لم يجب على واحد منهم (١) ، وإن كان الأحوط التوزيع أو القرعة.

______________________________________________________

القضاء بالبالغين حين الموت ، وإنّما يعمّ الصبي إذا بلغ بعد ذلك كما سبق ، فلا محالة يعلم إجمالاً حين بلوغه بكونه مكلّفاً بتكاليف الرجال ومن جملتها وجوب القضاء ، أو بتكاليف النساء. ولتعارض الأُصول يتنجّز العلم المذكور فيجب عليه القضاء حينئذ بمقتضى العلم المذكور.

والحاصل : أنّ الفرق بين الصورتين واضح وظاهر ، ففي الأُولى كان العلم الإجمالي منجّزاً قبل الموت وبعده كان الشك في توجّه تكليف جديد ، والبراءة تنفيه. وأمّا في الثانية فكان حين البلوغ يعلم إجمالاً بتوجّه تكاليف ومنها وجوب القضاء ، وكان مقتضاه هو وجوب القضاء عليه لا محالة.

نعم ، لو فرضنا أنّ الأكبر بعد الخنثى أو غيره قضى ما فات عن الأب سقط التكليف به حينئذ عن الخنثى ، لخروج التكليف به عن أطراف العلم الإجمالي لأجل انتفاء الموضوع ، لفراغ ذمّة الميّت حينئذ.

فالصحيح : هو التفصيل بهذا النحو كما أشار إليه سيدنا الأُستاذ (دام ظله) في تعليقته الأنيقة.

اشتباه الأكبر بغيره :

(١) فانّ موضوع الحكم وهو الأولى بالميراث المنحصر في الولد الأكبر كما مر (١) ممّا يشكّ في انطباقه على كلّ منهما ، فتجري البراءة في حقّ كلّ واحد منهما. والعلم الإجمالي بوجود الأكبر في البين لا أثر له بعد تردّد التكليف بين شخصين ، وعدم توجّه الخطاب المعلوم بالإجمال إلى شخص واحد ، فلا يصلح للتنجيز ، هذا.

__________________

(١) في ص ٢٧٤ وما بعدها.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يقال بالوجوب على كلّ منهما ، لأنّ كلّ واحد منهما يشكّ في أكبرية غيره ، والأصل عدمه.

ويتوجّه عليه أوّلاً : أنّ عنوان الولد الأكبر وإن كان مذكوراً في كلمات الفقهاء ، لكنّه ليس موضوعاً للحكم في لسان الروايات ، وإنّما الموضوع فيها هو الأولى بالميراث ، أو أفضل أهل بيته كما عرفت. ولا أصل ينقّح به هذا الموضوع.

وثانياً : لو سلّمنا أنّ الموضوع هو الولد الأكبر فإنّما يتّجه تقرير الأصل لو كان مفهوم الأكبر مركّباً من جزأين : الولادة من الأب وعدم تولّد شخص آخر منه قبله ، فإنّه بعد ضمّ الجزء الثاني الثابت بالاستصحاب إلى الأوّل الثابت بالوجدان يلتئم الموضوع لا محالة ويثبت أنّه الأكبر ، فيجب عليه القضاء. لكنّه ليس كذلك جزماً ، فإنّ الأكبريّة عنوان بسيط منتزع من عدم تولّد غيره قبله. ولا يثبت مثل هذا العنوان البسيط بالأصل.

وثالثاً : لو سلّمنا تركّبه من جزأين وأنّه قد تمّ أركان الاستصحاب لكان ذلك معارضاً بمثله لا محالة ، إذ يجري في حقّ كلّ من الأخوين أو الإخوة استصحابان يختلفان في الأثر :

أحدهما : أصالة عدم تولّد شخص آخر قبله ، وبعد ضمّه إلى تولّده وجداناً من أبيه يحرز أنّه الأكبر ، وأثره وجوب القضاء عليه.

ثانيهما : أصالة عدم تولّد شخص آخر قبل أخيه ، وبعد ضمّه إلى تولّده هو من أبيه وجداناً يحرز به أنّ الأخ هو الأكبر ، وأثره هو وجوب القضاء على الأخ لا عليه. فيتعارض الاستصحابان لا محالة.

فتحصّل : أنّ الأقوى هو عدم الوجوب على واحد منهم كما أفاده في المتن وإن كان الأحوط هو التوزيع أو القرعة كما أفاده (قدس سره).

٢٨٤

[١٨٥١] مسألة ٩ : لو تساوى الولدان في السنّ قسّط القضاء عليهما (*) (١) ويكلّف بالكسر أي ما لا يكون قابلاً للقسمة والتقسيط ، كصلاة واحدة وصوم يوم واحد كلّ منهما على الكفاية ، فلهما أن يوقعاه دفعة واحدة ويحكم بصحّة كلّ منهما وإن كان متّحداً في ذمّة الميت

______________________________________________________

التساوي في السن :

(١) إذا تساوى الولدان في السنّ كما في التوأمين أو المتولّدين من أُمّين في ساعة واحدة ، فهل يقسّط القضاء عليهما حينئذ ، أو يجب عليهما كفاية ، أو لا يجب على واحد منهما شي‌ء أصلاً؟ وجوه ، بل أقوال :

نسب الأخير إلى الحلّي (رحمه الله) (١) استناداً إلى أنّ موضوع الحكم هو الولد الأكبر ، والمفروض هو انتفاؤه بعد تساويهما في السنّ.

وهو ساقط جدّاً ، فانّ الموضوع ليس هو عنوان الأكبر وإن ذكره الفقهاء في كلماتهم كما مرّ مراراً ، بل الموضوع هو الأولى بالميراث الصادق عليهما معاً.

مع أنّ الأكبريّة على تقدير اعتبارها إنّما تلحظ بالإضافة إلى من هو أصغر منه على تقدير وجوده ، لا بالإضافة إلى من يساويه في السنّ ، ولذا لو انحصر الوارث بولد واحد كان هو الوليّ بلا إشكال ، وإن لم يصدق عليه عنوان الأكبر. فليست الأكبرية معتبرة على الإطلاق.

إذن فالمسألة تدور بين القولين الأوّلين. ذهب كثيرون إلى التقسيط ، منهم المصنّف (قدس سره).

__________________

(*) الظاهر أنّ الوجوب كفائي مع إمكان التقسيط وعدمه ، فانّ الظاهر وجوب طبيعي المقضي على طبيعي الولي ، ولازم ذلك كون الوجوب عينياً إذا لم يتعدد الولي وكفائياً إذا تعدد.

(١) السرائر ١ : ٣٩٩.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد استدلّ له شيخنا الأنصاري (قدس سره) في رسالته (١) بعد اختياره ذلك : بأنّ دليل وجوب القضاء لمّا كان مجملاً ولم يكن صالحاً لإثبات أحد الأمرين في المقام من التقسيط والوجوب الكفائي كان المرجع حينئذ هو الأصل ، ومقتضاه التقسيط ، فانّ نصف ما في ذمّة الميّت واجب على كلّ من الأخوين على كلّ تقدير ، أي سواء أكان الوجوب كفائياً أم على سبيل التقسيط ، فيكون هذا هو المتيقّن ، وينفى الزائد المشكوك بأصالة البراءة.

وقد فصّل المصنّف (قدس سره) بين ما إذا كان المورد قابلاً للتقسيط فالتزم فيه بذلك ، وبين ما إذا لم يقبله كما إذا اشتغلت ذمّة الميّت بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد ، أو استلزم التقسيط الكسر كما فيما إذا اشتغلت ذمّته بصلوات ثلاث أو صوم خمسة أيّام ، فالتزم في مثل ذلك بالوجوب على كلّ منهما كفاية.

ولا يخفى أنّ الجمع بين الأمرين أعني القول بالتقسيط فيما يقبله ، والالتزام بالوجوب الكفائي فيما لا يقبله ممّا يشكل إثباته بالدليل ، بل إثباته بدليل واحد مستحيل كما هو ظاهر ، حيث لا يتكفّل الدليل الواحد بإثبات الوجوب العيني والكفائي معاً.

وكأنّ الوجه فيما ذهب إليه (قدس سره) من الوجوب الكفائي فيما لا يقبل التقسيط هو العلم الخارجي بوجوب تفريغ ذمّة الميّت مطلقاً ، بحيث لا يحتمل اختصاصه بما يقبل التقسيط ، وحينئذ فلا يحتمل انتفاء الوجوب في هذا الفرض كما أنّه لا يحتمل الوجوب العيني على كلّ منهما ، فإنّ الفائتة الواحدة لا تستدعي قضاءين بالضرورة ، فلا محالة ينحصر الوجه المعقول بالوجوب الكفائي.

والأقوى هو القول بالوجوب الكفائي مطلقاً ، بلا فرق بين ما يقبل التقسيط وما لا يقبله ، والوجه فيه : أنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) في صحيحة

__________________

(١) رسائل فقهية : ٢٢٠.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حفص المتقدّمة (١) : «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» أنّ وجوب القضاء ثابت في حقّ طبيعيّ الوليّ ، الصادق تارة على الواحد كالولد الأكبر وهو الغالب وعلى المتعدّد اخرى كما في المقام.

فموضوع الوجوب هو الطبيعيّ الصادق على الواحد والمتعدّد ، كما أنّ الواجب هو الطبيعيّ الفائت عن الميّت ، أي كلّ فردٍ منه اشتغلت ذمّته به. فيجب قضاء طبيعيّ ما فات على طبيعي الوليّ.

ونتيجة ذلك : الالتزام بالوجوب العيني في فرض وحدة الوليّ والوجوب الكفائي عند تعدّده ، إذ لا تحتمل العينيّة في هذا الفرض ، كيف وأنّ الفائتة الواحدة لا توجب إلّا قضاء واحداً لا قضاءين.

كما لا يحتمل التقسيط أيضاً ، لما عرفت آنفاً من وجوب قضاء الطبيعيّ بمعنى كلّ فردٍ من الفائتة على الوليّ ، فكلّ من الوليّين يجب عليه الإتيان بجميع ما فات الميّت ، فاذا كان قد فاتته صلاتان أو ثلاث صلوات كان الواجب على طبيعيّ الوليّ قضاء كلّ صلاة فاتته ، لا حصّة من ذلك.

كما لا يحتمل السقوط رأساً كما مرّ ، وعليه فلا مناص من الالتزام بالوجوب الكفائي. فيجب عليهما معاً كفاية الإتيان بجميع ما فات الميّت.

فاذا بادر أحدهما إلى ذلك سقط عن الآخر ، من غير فرق بين ما يقبل التقسيط وما لا يقبله ، أو ما يستلزم الكسر وما لا يستلزمه ، لوحدة المناط في الكلّ.

وإذا فرضنا أنّهما أوقعاه دفعة واحدة بأن صاما عنه في يوم واحد أو صلّيا عنه بحيث كان فراغهما منها في زمان واحد كما لو صلّياها جماعة يحكم بصحّة كلتا الصلاتين ، وإن كان ما اشتغلت به ذمّة الميّت واحداً ، كما أشار إليه المصنّف (قدس سره) ، فانّ الوجوب كان ثابتاً في حقّ طبيعيّ الوليّ كما عرفت

__________________

(١) في ص ٢٦٤.

٢٨٧

ولو كان صوماً من قضاء شهر رمضان لا يجوز لهما الإفطار (*) بعد الزوال (١) والأحوط الكفّارة على كلّ منهما (**) مع الإفطار بعده بناء على وجوبها في القضاء عن الغير أيضاً كما في قضاء نفسه.

______________________________________________________

وهو كما يصدق على الواحد يصدق على المتعدّد المتحقّق دفعة واحدة.

(١) المعروف بينهم عدم جواز الإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان الموسّع ، وأنّه إذا أفطر وجبت عليه الكفّارة ، والمتيقّن منه القضاء عن نفسه وأمّا عن غيره ففيه خلاف تأتي الإشارة إليه في محلّه إن شاء الله تعالى (١). وعلى أيّ حال فهل الحكمان يثبتان في المقام أو لا؟

أمّا بالنسبة إلى جواز الإفطار فلا يبعد التفصيل بين صورة الاطمئنان بإتمام الآخر وعدمه ، فيجوز له الإفطار في الأُولى دون الثانية ، فإنّه بعد فرض كون الوجوب كفائياً وحصول الاطمئنان بوجود من به الكفاية وقيامه بالواجب على الوجه الصحيح لا موجب للمنع عن إفطار هذا الشخص ، وهذا بخلاف ما إذا لم يطمئنّ بذلك ، سواء أكان شاكاً في إتمام الآخر أم مطمئناً بعدمه ، فإنّه يشكل الإفطار حينئذ ، بل لا يجوز ، لكونه بمثابة الإخلال بالواجب الكفائي وعصيانه.

وأمّا الكفّارة فلا يبعد القول بوجوبها كفاية ، نظراً إلى أنّها تتبع كيفية وجوب الصوم ، فاذا كان وجوبه بنحو الكفاية كانت الكفارة أيضاً كذلك.

هذا إذا أفطرا دفعة واحدة ، وأمّا إذا كان بينهما سبق ولحوق بأن أفطر أحدهما أوّلاً عصياناً أو لاطمئنانه بإتمام الآخر ، فيمكن القول باختصاص الكفّارة حينئذ بالمتأخّر ، إذ بعد إفطار الأوّل ينقلب الوجوب الكفائي إلى العيني

__________________

(*) لا يبعد جوازه لأحدهما إذا اطمأنّ بإتمام الآخر.

(**) لا يبعد كون وجوبها أيضاً كفائياً ، نعم إذا لم يتقارن الإفطاران فوجوبها على المتأخّر لا يخلو من وجه.

(١) في المسألة [٢٥٤٨].

٢٨٨

[١٨٥٢] مسألة ١٠ : إذا أوصى الميّت بالاستئجار عنه سقط عن الولّي بشرط الإتيان من الأجير صحيحاً (١).

______________________________________________________

بالنسبة إليه ، الموجب لاختصاص الكفّارة به.

السقوط عن الوليّ بالوصية :

(١) أمّا جواز مثل هذه الوصيّة ومشروعيّتها فممّا لا إشكال فيه ولا خلاف وقد ادّعي عليه الإجماع. ولا حاجة إلى الاستدلال به ، لكون الحكم طبق القاعدة ، فلا يحتاج إلى إقامة دليل عليه بالخصوص.

وذلك لأنّه بعد الفراغ عن مشروعيّة التبرّع في النيابة عن الأموات كما أسلفنا القول فيه مستقصى في فصل صلاة الاستئجار (١) يكون جواز الاستئجار لمثل هذا العمل السائغ ثابتاً بمقتضى عموم دليل الوفاء بالعقود ، كما أنّ صحّة الوصيّة المتعلّقة بالاستئجار المذكور تكون مشمولة لعمومات نفوذ الوصيّة ، فلا ينبغي التأمّل في المقام في نفوذها.

إنّما الكلام في وجوب القضاء حينئذ على الوليّ ، فقد منعه جماعة منهم شيخنا الأنصاري (قدس سره) في رسالته (٢) واستدلّ له :

أوّلاً : بانصراف دليل الوجوب عن صورة الوصيّة. وفيه : ما لا يخفى ، فانّ الموجب للانصراف إن كان هو التنافي بين الأمرين فهو يرجع إلى الوجه الآتي وستعرف ما فيه. وإن كان شيئاً آخر فعليه البيان بعد أن لم يكن مبيّناً بنفسه.

وثانياً : بثبوت المنافاة بين الوجوب على الوليّ وبين نفوذ الوصيّة ، وإذ لا يمكن الجمع بينهما يقدّم الثاني لا محالة.

بيان ذلك : أنّه بعد فرض وجوب العمل بالوصيّة لا يمكن الجمع بينه وبين الوجوب على الوليّ عيناً ، فإنّ الفائتة الواحدة لا تقضى مرّتين ، ولا يجب

__________________

(١) في ص ١٩٨ وما بعدها.

(٢) رسائل فقهية : ٢٣٩.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قضاؤها على شخصين. والحمل على الوجوب الكفائي مخالف لظاهري الدليلين.

وحيث تصل النوبة إلى الأخذ بظاهر أحدهما فلا محالة يتعيّن تقديم الوصيّة لأنّ وجوبها ثابت بالعنوان الثانوي الحاكم على العناوين الأوليّة كما في غير المقام ، فإنّها أحكام طبعيّة اقتضائية لا تنافي بينها وبين الحكم الثابت بالعنوان الثانوي الطارئ ، بل هي محكومة به. وعليه فوجوب القضاء على الوليّ حكم أوّلي اقتضائيّ ، ووجوب العمل بالوصية حكم ثانويّ فعليّ حاكم عليه. ولعله لأجل ذلك حكم (قدس سره) بانصراف الدليل عن مثل المقام.

قلت : الظاهر عدم التنافي بين الأمرين ، وتوضيحه يتوقّف على بيان ما في الوصيّة بالاستئجار من الجهات لنرى بعد ذلك أنّ أيّاً منها تنافي وجوب القضاء على الوليّ ، فنقول : إنّ الثابت في الفرض المذكور عند التحليل أُمور ثلاثة :

أحدها : وجوب الاستئجار على الوصيّ ، ولا ينبغي التأمّل في عدم التنافي بينه وبين وجوب القضاء عيناً على الوليّ ، فإنّهما حكمان لموضوعين ولشخصين أحدهما أجنبي عن الآخر ، ولا معنى حينئذ للحمل على الوجوب الكفائي لا لمجرّد مخالفته لظاهري الدليلين كما ذكره (قدس سره) ، بل لامتناعه في نفسه.

فانّ مورد الوجوب الكفائي ما إذا كان هناك حكم واحد قد تعلّق بطبيعيّ المكلّف ، والمفروض هنا ثبوت حكمين متغايرين موضوعاً ومتعلّقاً ، أحدهما : وجوب الاستئجار الثابت للوصيّ. والآخر : وجوب القضاء للوليّ. ولا ارتباط لأحدهما بالآخر ، فلا منافاة بين الحكمين في هذه المرحلة.

ثانيها : ملكيّة الموصي أو الوصيّ للعمل في ذمّة الأجير. ولا شك أيضاً في عدم منافاتها لوجوب القضاء على الوليّ ، لعدم التنافي بين الحكم التكليفي والوضعي.

ثالثها : وجوب الصلاة على الأجير من باب وجوب تسليم العمل المستأجر

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه الثابت بمقتضى عقد الإجارة ، وإذا كان هناك تنافٍ بين الحكمين فإنّما يكون ذلك في هذه المرحلة ، إذ قد يتوهّم التنافي بين هذا وبين وجوب القضاء على الوليّ ، فإنّ فائتة الميّت لا تقتضي إلّا قضاءها مرّة واحدة ، إذ لا معنى لتفريغ ذمّته مرّتين ، فكيف يمكن الالتزام مع هذا بوجوب القضاء على كلّ من الأجير والوليّ عيناً.

ولا مجال للالتزام حينئذ بالوجوب الكفائي أيضاً ، فإنّ مقتضى عقد الإجارة هو وجوب التسليم على الأجير عيناً ، فإنّه طرف عقد الإيجار ، لا الطبيعي الأعمّ منه ومن الوليّ ، فكيف يمكن أن يكون عمل الوليّ وفاءً بعقد الإجارة مع كونه أجنبياً عنه بالكلّية.

والتحقيق : عدم المنافاة بينهما حتّى في هذه المرحلة ، لاختلاف الحكمين سنخاً ، فانّ الوجوب الثابت على الأجير مطلق غير مشروط بما عدا الشرائط العامّة ، ومنها القدرة على التسليم التي ستعرف حالها.

وهذا بخلاف الوجوب المتعلّق بالوليّ ، فهو مشروط حدوثاً وبقاءً باشتغال ذمّة الميّت بالقضاء ، لكونه مأموراً بتفريغ ذمّته ، الموقوف ذلك على اشتغال الذمّة ، فكما أنّ انتفاء اشتغال الذمّة حدوثاً يوجب انتفاء وجوب القضاء على الوليّ رأساً كذلك فراغ ذمته بقاءً كما لو تبرّع به متبرّع ، أو بادر الأجير إلى ذلك يوجب سقوط الوجوب عن الوليّ بقاءً ، لانعدام الموضوع.

وعلى الجملة : تكليف الوليّ بالقضاء دائر مدار اشتغال ذمّة الميّت به حدوثاً وبقاءً ، ففي كلّ آن زال الاشتغال المذكور سقط الوجوب عن الوليّ أيضاً. وهذا بخلاف الوجوب الثابت في حقّ الأجير بعقد الإجارة ، فإنّه مطلق من هذه الجهة ، كما لا يخفى (١).

وعليه فلا تنافي بين الوجوبين ، لعدم المنافاة بين الواجب المطلق والمشروط

__________________

(١) هذا وجيه لو كان متعلّق الإجارة ذات العمل لا تفريغ الذمّة ، فينبغي التفصيل ، إلّا أن يكون منصرف كلامه هو الأوّل كما لا يبعد.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

فيكون المقام أشبه شي‌ء بباب الترتّب ، حيث إنّ وجوب الأهم هناك مطلق ووجوب المهم مشروط بعصيان الأهم ، بلا تعاند بين الوجوبين ، وكذلك الحال فيما نحن فيه ، غايته : أنّ الشرط في المقام ليس هو العصيان بخصوصه ، بل مجرّد عدم إتيان الأجير بالقضاء صحيحاً ، سواء أكان عاصياً بذلك أم كان معذوراً فيه. وهذا هو مراد المصنّف (قدس سره) من اشتراط السقوط عن الوليّ بإتيان الأجير صحيحاً.

ثمّ إنّه لو بادر الوليّ إلى القضاء قبل الأجير فهل يحكم بانفساخ الإجارة؟ فيه تفصيل ، مرّت الإشارة إليه في المسألة الثانية والعشرين من الفصل السابق ومحصّله : أنّ الإجارة قد تقع على ذات العمل ، وأُخرى على عنوان التفريغ.

فعلى الأوّل لا موجب للانفساخ أبداً ، لتمكّن الأجير من الإتيان بالعمل بعد ذلك ولو رجاءً ، لاحتمال الفساد واقعاً في عمل الوليّ لاشتماله على خلل لم يعلم به ، كأن يكون جنباً وهو لا يدري ، حيث يكون العمل من الأجير حينئذ صحيحاً ومشروعاً ، فهو قادر على التسليم عقلاً وشرعاً. ولا يعتبر في الإجارة أكثر من هذا ، فلا موجب للانفساخ ، فيجب عليه القضاء حينئذ رجاءً وفاءً بعقد الإجارة.

وأمّا على الثاني فتارة : لا يتمكّن الأجير من التفريغ أصلاً لا حدوثاً ولا بقاءً ، كما في المرأة حال طمثها إذا بادر الوليّ إلى القضاء خلال هذه الفترة ، لعدم تمكّنها من العمل خلال هذه الفترة للطمث ، ولا بعدها لانتفاء الموضوع فتكون القدرة على التسليم منتفية في حقّها في جميع الآنات المتصوّرة ، وفي مثل ذلك لا ينبغي الشكّ في انفساخ الإجارة بالعجز عن التسليم ، الكاشف عن عدم كون الأجير مالكاً لشي‌ء حتّى يملّكه الغير ، ولا إجارة إلّا في ملك.

وأُخرى : يطرأ العجز عليه بعد فرض تمكّنه من ذلك ، كما لو استؤجر للصلاة خلال شهر مثلاً فتسامح في الإتيان به إلى أن بادر الولي إليه ، فحصل به التفريغ وانتفى به الموضوع بقاءً بعد فرض قدرته عليه حدوثاً ، وحينئذ لا موجب للانفساخ كما في جميع موارد العجز الطارئ ، غايته ثبوت الخيار للمستأجر

٢٩٢

[١٨٥٣] مسألة ١١ : يجوز للوليّ أن يستأجر ما عليه من القضاء عن الميّت (١).

______________________________________________________

فان اختار الفسخ رجع على الأجير بأُجرة المسمّى ، وإن أمضى العقد طالبه بقيمة العمل أي أجرة المثل ، للانتقال إلى البدل بعد تعذّر العين.

جواز استئجار الوليّ غيره :

(١) مقتضى ظواهر جملة من النصوص الواردة في المقام كصحيح حفص (١) وغيره (٢) اعتبار المباشرة في القضاء في حقّ الوليّ ، كما هو الحال في ظاهر كلّ خطاب متوجّه إلى المكلّف ، فانّ مقتضى إطلاقه هو المباشرة وعدم سقوط التكليف بفعل الغير كما حقّق ذلك في محلّه (٣).

إلّا أنّه ورد في بعضها إطلاق مشروعيّة العبادة عن الأموات ، الكاشف عن صحّة التبرّع من غير الوليّ ، بل في بعضها التصريح بصحّتها من قبل أخ الميّت فإنّه بعد قيام الدليل على مشروعية التبرّع لكلّ أحد وفراغ ذمّة الميّت به يستكشف منه كون الوجوب المتعلّق بالوليّ مشروطاً حدوثاً وبقاءً باشتغال ذمّة الميّت بالقضاء ، فلا تكليف بعد التفريغ بأداء المتبرّع كما مرّت الإشارة إلى ذلك في المسألة السابقة ، ولأجله ترفع اليد عن ظواهر النصوص الدالّة على المباشرة ، ويحكم بسقوط التكليف بفعل الغير أيضاً.

وعليه فلا مانع من تسبيب الوليّ إلى تصدّي الغير للتفريغ ، إمّا باستدعائه للتبرّع والتماس منه أو باستئجاره لذلك ، لصحّة الفعل الصادر عن الأجير وقدرته عقلاً وشرعاً على التسليم بعد فرض جواز التبرّع منه كما عرفت. ولا يعتبر في صحّة الإجارة أكثر من ذلك ، فتشمله عمومات الإجارة من دون حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص.

__________________

(١) المتقدّم في ص ٢٦٤.

(٢) كصحيحة الصفّار المتقدمة في ص ٢٧٦.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٤٢ فما بعدها.

٢٩٣

[١٨٥٤] مسألة ١٢ : إذا تبرّع بالقضاء عن الميت متبرع سقط القضاء عن الوليّ (١).

______________________________________________________

فما يظهر من الحلّي (١) وجماعة من عدم السقوط عن الوليّ بذلك لأجل الشكّ فيه ومقتضى الأصل العدم ، كما ترى ، إذ لا ينتهي الأمر إلى الأصل مع فرض قيام الدليل. ومن الواضح أنّه لا معنى لوجوب التفريغ على الوليّ بعد حصوله بفعل الغير المتبرّع بذلك أو الأجير.

نعم ، قد يظهر من مكاتبة الصفّار المتقدّمة لزوم مباشرة الوليّ وعدم السقوط بفعل الغير ، قال : «كتبت إلى الأخير (عليه السلام) : رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام ، وله وليّان ، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً ، خمسة أيّام أحد الوليّين وخمسة أيّام الآخر؟ فوقّع (عليه السلام) : يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيّام ولاءً إن شاء الله تعالى» (٢).

لكنّ الصحيحة بظاهرها مطروحة مهجورة ، ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله لدلالتها على عدم مشروعية القضاء من غير الوليّ ، وعلى اعتبار التوالي فيه أيضاً ، وشي‌ء منهما ممّا لا يلتزم به أحد من الأصحاب ، فإنّ محلّ الكلام إنّما هو الوجوب على الوليّ ، وأمّا الجواز وأصل المشروعية فثبوت ذلك في حقّ كل أحد ممّا لا إشكال ولا كلام فيه.

وأمّا التوالي في القضاء فلم يكن معتبراً في قضاء الميّت نفسه لو كان هو المتصدّي لقضاء ما بذمّته في حال حياته ، فكيف يعتبر ذلك في وليّه. فلا مناص من التأويل بحمله على الأفضلية كما ليس ببعيد ، أو ردّ علمها إلى أهله.

(١) وقد ظهر وجهه ممّا مرّ في المسألة السابقة وما مرّ في مطاوي الأبحاث المتقدّمة أيضاً.

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٩٩ ، ٣٩٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣.

٢٩٤

[١٨٥٥] مسألة ١٣ : يجب على الولي مراعاة الترتيب (*) (١) في قضاء الصلاة وإن جهله وجب عليه الاحتياط بالتكرار.

[١٨٥٦] مسألة ١٤ : المناط في الجهر والإخفات على حال الولّي المباشر (٢) لا الميّت ، فيجهر في الجهريّة وإن كان القضاء عن الام.

[١٨٥٧] مسألة ١٥ : في أحكام الشك والسهو يراعي الوليّ تكليف نفسه (٣) اجتهاداً أو تقليداً لا تكليف الميّت ، بخلاف أجزاء الصلاة وشرائطها فإنّه يراعي تكليف الميّت (**) (٤).

______________________________________________________

الترتيب وغيره :

(١) عرفت سابقاً (١) عدم وجوبه في غير المترتّبتين بالذات كالظهرين والعشاءين من يوم واحد ، فلا حاجة إلى التكرار في صورة الجهل ، وإن كان أحوط.

(٢) فإنّهما كاعتبار الساتر وعدم لبس الحرير أو الذهب للرجال من شرائط المصلّي دون الصلاة ، فتكون العبرة بحال النائب المباشر دون المنوب عنه ، فاذا كان رجلاً وجب عليه الجهر في الجهريّة ، وحرم عليه لبس الذهب والحرير ، ولم يجب عليه ستر ما عدا العورتين وإن كان المنوب عنه امرأة. والعكس بالعكس. وهكذا الحال في سائر الأحكام المتعلّقة بالمصلّي.

(٣) فإنّ المصلّي وهو الوليّ هو الشاكّ أو الساهي ، فلا بدّ له من مراعاة ما تقتضيه وظيفته في الفرض المذكور اجتهاداً أو تقليداً ، ولا دخل لنظر الميّت في ذلك ، لكون ذلك من أحكام المصلّي دون الصلاة كما مرّ في المسألة السابقة.

(٤) قد مرّ الكلام حول الفرع في المسألة الخامسة عشرة من الفصل

__________________

(*) مرّ عدم وجوبها.

(**) مرّ حكمه [في المسألة ١٨٢٧].

(١) في ص ١٣٦ وما بعدها.

٢٩٥

وكذا في أصل وجوب القضاء (*) فلو كان مقتضى تقليد الميّت أو اجتهاده وجوب القضاء عليه يجب على الوليّ الإتيان به وإن كان مقتضى مذهبه عدم الوجوب ، وإن كان مقتضى مذهب الميّت عدم الوجوب لا يجب عليه وإن كان واجباً بمقتضى مذهبه ، إلّا إذا علم علماً وجدانياً قطعياً ببطلان مذهب الميّت فيراعي حينئذ تكليف نفسه.

______________________________________________________

السابق (١) ، وقد قلنا هناك : إنّ فوائت الميّت تكون موضوعاً لتوجيه الخطاب بالقضاء إلى الوليّ ، فهو المكلّف بالتفريغ ، ولا بدّ له من الإتيان بعمل يراه هو مصداقاً للتفريغ ويعدّ بنظره امتثالاً للخطاب المفروض ، فلا دخل لنظر الميّت في سقوط الخطاب المتوجّه إلى الوليّ.

فلو اختلفا في أجزاء الصلاة أو شرائطها اجتهاداً أو تقليداً كان المتّبع هو نظر الوليّ نفسه ، وعليه أن يعمل حسب وظيفته ، ولا أثر لنظر غيره. فحكمه (قدس سره) بمراعاة تكليف الميّت لعلّه عجيب.

وأعجب منه ما ذكره (قدس سره) بعد ذلك من كون الاعتبار في أصل وجوب القضاء أيضاً بنظر الميّت ، فلو اختلفا فيه اجتهاداً أو تقليداً كان المتّبع في وجوب القضاء على الوليّ هو رأي الميّت.

وهو كما ترى ممّا لا يمكننا المساعدة عليه بوجه ، فانّ موضوع الخطاب بالقضاء المتوجّه إلى الوليّ إنّما هو فوائت الميّت ، بحيث يصدق أنّ «عليه صلاة» (٢) كما مرّ ، والسبيل إلى تشخيص هذا الموضوع إنّما هو نظر من خوطب بالقضاء عنه وهو الوليّ ، دون غيره الأجنبي عن التكليف المذكور.

فمتى ما أحرز الوليّ وبأيّ مقدار أحرز تحقّق الموضوع وثبوت الفوت عن الميّت كان الخطاب المذكور فعلياً في حقّه وإن لم يكن كذلك أصلاً أو بذلك

__________________

(*) المتبع فيه اجتهاد الولي أو تقليده على الأظهر.

(١) في ص ٢٤١ وما بعدها.

(٢) الوارد في صحيحة حفص المتقدّمة في ص ٢٦٤.

٢٩٦

[١٨٥٨] مسألة ١٦ : إذا علم الوليّ أنّ على الميّت فوائت ولكن لا يدري أنّها فاتت لعذر من مرض أو نحوه أو لا لعذر ، لا يجب عليه القضاء (*) (١) ، وكذا إذا شكّ في أصل الفوت وعدمه (٢).

[١٨٥٩] مسألة ١٧ : المدار في الأكبريّة على التولّد (٣) لا على انعقاد النطفة فلو كان أحد الولدين أسبق انعقاداً والآخر أسبق تولداً فالوليّ هو الثاني ، ففي التوأمين الأكبر أوّلهما تولّدا.

______________________________________________________

المقدار في حقّ الميت. والعكس بالعكس ، ولا أثر لنظر الميّت حينئذ أبداً.

(١) لا أثر لهذا الشكّ بناء على ما عرفت من أنّ الأقوى وجوب القضاء على الوليّ بالنسبة لمطلق فوائت الميّت ، سواء الفائتة لعذر أم لغيره ، نعم على مسلكه (قدس سره) من الاختصاص بما فاته لعذر يكون المرجع في مورد الشكّ أصالة البراءة ، للشكّ في تحقّق موضوع الحكم.

(٢) لأصالة البراءة ، فإنّ الموضوع للقضاء إنّما هو صدق عنوان : «يموت وعليه صلاة أو صيام» كما في صحيح حفص ، وهو مساوق (١) لعنوان الفوت ، والمفروض الشكّ في تحقّق العنوان المذكور. وأصالة عدم الإتيان بالعمل في وقته لا تكاد تجدي لإثبات العنوان ، فيدفع بالأصل. مضافاً إلى قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت الجارية في حقّ الميّت ، فليتأمّل.

(٣) إذ لا أثر لسبق انعقاد النطفة مع التأخّر بحسب التولّد ، فانّ العبرة إنّما هي بسبقه إلى هذا العالم الخارجي ، لكون المناط في الأكبريّة عرفاً هو هذا الاعتبار. وعليه ففي التوأمين تكون الأكبريّة بسبق أحدهما ولادةً ولو بدقائق وإن فرضنا تأخّره انعقاداً.

__________________

(*) بل يجب عليه على ما مرّ.

(١) بل يفارقه ، فانّ الفوت عنوان وجودي ، فلا يمكن إثباته بأصالة عدم الإتيان. بخلاف ما في النصّ ، فإنّه مؤلّف من جزأين : الموت ، واشتغال الذمّة بالعبادة ، ولا مانع من إحرازهما بضمّ الوجدان إلى الأصل فتدبّر.

٢٩٧

[١٨٦٠] مسألة ١٨ : الظاهر عدم اختصاص ما يجب على الوليّ بالفوائت اليومية ، فلو وجب عليه صلاة بالنذر الموقّت وفاتت منه لعذر وجب على الوليّ قضاؤها (١).

______________________________________________________

نعم ، يظهر من مرسلة علي بن أحمد بن أشيم عن الصادق (عليه السلام) خلافه ، فقد قال (عليه السلام) : «الذي خرج أخيراً هو أكبر ، أما علمت أنّها حملت بذلك أوّلاً ، وأنّ هذا دخل على ذلك» (١).

ولكنّها أوّلاً : ضعيفة بالإرسال ، نعم إنّ ابن أشيم وإن لم يوثّق صريحاً لكنّه موجود في أسناد كامل الزيارات. فلا مناقشة في سندها من جهته.

وثانياً : أنّ مفادها غير قابل للتصديق ، لانعقاد نطفتي التوأمين في آن واحد لدخول الحيوانين المنويّين في الرحم دفعة واحدة كما هو المحقّق في محلّه. فلا دخول لأحدهما على الآخر.

وثالثاً : مع التسليم أيضاً فالأسبقيّة في انعقاد النطفة بمجرّدها لا تكفي للاتصاف بالأكبرية ما لم يكن هناك سبق في الولادة ، فلو افترضنا أنّه واقع إحدى زوجتيه ثمّ بعد شهر على ذلك واقع الأُخرى فحملتا منه ، ثمّ وضعت الثانية حملها قبل الأُولى بأن وضعته لستة أشهر ، فهل يمكن الالتزام بأكبريّة ولد الزوجة الاولى مع تأخّره عن ولد الثانية بالولادة بشهرين استناداً إلى أسبقيّة انعقاد نطفته؟

وعلى الجملة : الرواية مخدوش فيها من جهات ، ولذلك لا يصحّ التعويل عليها ، بل الصحيح هو ما ذكرناه.

عدم الاختصاص باليوميّة :

(١) لإطلاق النصّ ، فانّ الموضوع للحكم في صحيحة حفص (٢) «الرجل

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٤٩٧ / أبواب أحكام الأولاد ب ٩٩ ح ١.

(٢) المتقدمة في ص ٢٦٤.

٢٩٨

(١٨٦١) مسألة ١٩ : الظاهر أنّه يكفي في الوجوب على الوليّ إخبار الميّت (*) بأنّ عليه قضاء ما فات لعذر (١).

______________________________________________________

يموت وعليه صلاة ...» يعمّ كافة الصلوات الواجبة الفائتة من الميّت. ودعوى الانصراف إلى اليومية كما ترى.

نعم ، يختص الحكم بما كان واجباً على الميّت نفسه بالأصالة ، فلا يشمل ما وجب عليه بالاستئجار أو الولاية ، لأنّ المذكور في الصحيحة المشار إليها : «يقضي عنه أولى الناس ...» ، والضمير المجرور عائد إلى الميّت.

فيكون مفادها وجوب القضاء عن الميّت نفسه ، فلا يشمل مورد الفوائت الواجبة بالاستئجار أو الولاية ، فإنّ القضاء في ذلك إنّما يكون عمّن استؤجر له أو عمّن له الولاية عليه ، لا عن الميّت نفسه. فالنصّ بنفسه قاصر الشمول لمثل ذلك ، بلا حاجة إلى دعوى الانصراف.

ثبوت القضاء بإخبار الميّت :

(١) لا يخفى أنّه لا دليل على اعتبار الإخبار المذكور إلّا من باب الإقرار على النفس ، الذي يختصّ نفوذه بما إذا ترتّب على ذلك أثر في حال الحياة كما في الإقرار بالدين ، فإنّه يوجب إلزامه بالأداء لو طالبه الدائن ، ولو امتنع عنه وجب على الوارث إخراجه من الأصل.

وأمّا في المقام فلا يترتّب على إقراره أيّ أثر حال الحياة ، وإنّما يظهر ذلك بعد الموت وفي تعلّق الوجوب بالوليّ ، فيكون مرجعه إلى الإقرار على شخص آخر لأعلى نفسه. وواضح أنّ إقرار العقلاء نافذ على أنفسهم لا على غيرهم.

نعم ، لو فرضنا الميّت ثقة كان إخباره حجّة بملاك حجيّة خبر الثقة في الموضوعات كالأحكام ، كما لو كان المخبر بذلك ثقة آخر غير الميّت.

__________________

(*) في كفايته إشكال ، بل منع.

٢٩٩

[١٨٦٢] مسألة ٢٠ : إذا مات في أثناء الوقت بعد مضيّ مقدار الصلاة بحسب حاله قبل أن يصلّي وجب على الوليّ قضاؤها (١).

______________________________________________________

وعلى الجملة : إخبار الميّت بفوائت نفسه بهذا العنوان لا دليل على حجّيته ما لم يدخل تحت عنوان إخبار الثقة الثابت حجيّته في الموضوعات كالأحكام.

(١) لأنّ موضوع الوجوب على الوليّ ليس هو الفوت عن الميّت كي لا يشمل المقام ، بل صدق «أنّه مات وعليه صلاة أو صيام ...» كما في صحيحة حفص ، وهو صادق في المقام.

والتعبير بالقضاء في النصّ يراد به المعنى اللغوي أعني مطلق الإتيان ، دون المصطلح الخاصّ بالمأتي به خارج الوقت حتّى يتأمّل في شموله للمقام. فدعوى الاختصاص بغير المقام ممّا يثبت فيه القضاء على الميّت اغتراراً بالتعبير المذكور في غير محلّها.

ويؤيّده : رواية ابن سنان الواردة في خصوص المقام عن الصادق (عليه السلام) «قال : الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به» (١).

لكنّها ضعيفة السند ، لضعف طريق السيد ابن طاوس (قدس سره) في كتاب غياث سلطان الورى ... كما مرّ (٢). فلا تصلح إلّا للتأييد.

نعم ، إنّ هنا فرعاً تعرّض له جماعة من الأصحاب ، وهو أنّه هل يجب على الوليّ المبادرة بإيقاع هذه الصلاة في وقتها ، أو أنّ له التأخير إلى خروج الوقت؟

قد يقال بالأول ، فإنّ الوليّ إنّما يتلقّى التكليف المتوجّه إلى الميّت على ما هو

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٨١ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١٨.

(٢) في ص ١٩٩ ٢٠٠.

٣٠٠