موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ومات قبل الالتفات ، أو ما إذا قطع الوليّ أو الوارث بالفوت مع عدم التفات الميّت إلى ذلك حتّى مات ، ونحو ذلك.

فالمدار في وجوب القضاء على الوليّ أو وجوب الإخراج على الوارث على فعليّة التكليف وتنجّزه في حقّهما ، سواء أتنجّز على الميّت أم لا ، فمتى ما حصل لهما العلم بالفوت ولو تعبداً ببركة الاستصحاب تنجّز الحكم في حقّهما. وعليه فالاستصحاب إنّما يجري في حقّ الوليّ أو الوارث. فإنّه هو الذي كان على يقين بالفوت وقد شكّ في الإتيان به فيستصحب بقاؤه ، ولا عبرة بجريانه في حقّ الميّت ليمنع منه الشكّ في تحقّق الموضوع في حقّه.

وأمّا الثاني : فلما عرفت فيما سبق (١) من أنّ أصالة الصحّة بمعنى تنزيه المسلم عن القبيح وعدم إساءة الظنّ به وإن كانت جارية في أمثال المقام إلّا أنّها لا أثر لها ، ولا يترتّب عليها أحكام الصحّة الواقعية.

وأمّا الأصل بمعنى الحكم بصحّة العمل الذي هو الموضوع للأثر فهو موقوف على إحراز أصل العمل والشك في صحّته وفساده ، وهو غير محرز في المقام لفرض الشكّ في صدور العمل من الميّت. فلا موضوع للأصل بالمعنى المذكور بل مقتضى الأصل عدم الصدور كما عرفت.

فتحصّل : أنّ الأقوى وجوب الاستئجار عنه. وتوقّف المصنّف (قدس سره) في المسألة واحتياطه في غير محلّه. والله سبحانه العالم.

__________________

(١) في ص ٢٥١.

٢٦١
٢٦٢

فصل

في قضاء الولي

يجب على وليّ الميت (١) رجلاً كان الميت أو امرأة على الأصحّ (*) (٢)

______________________________________________________

(١) بلا إشكال ولا خلاف فيه في الجملة ، وقد قام عليه الإجماع ، وتظافرت به الأخبار. وتفصيل الكلام يستدعي البحث تارة في المقضيّ عنه ، وأُخرى فيما يقضى ، وثالثة في القاضي.

المقضيّ عنه :

(٢) المشهور اختصاص ذلك بالرجل ، وعن جماعة منهم المصنّف (قدس سره) التعميم للمرأة أيضاً. ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص الواردة ، فإنّ مقتضى بعضها هو التعميم كرواية عبد الله بن سنان المحكية عن كتاب غياث سلطان الورى لسكّان الثرى للسيد ابن طاوس (قدس سره) عن الصادق (عليه السلام) «قال : الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به» (١) ، فانّ لفظ الميّت يشمل الرجل والمرأة.

كما أنّ مقتضى بعضها الآخر وهو الأكثر الاختصاص بالرجل ، لوروده

__________________

(*) بل على الأحوط ، والأظهر اختصاص الحكم بالرجل.

(١) الوسائل ٨ : ٢٨١ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١٨.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه كصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه ، قلت : فان كان أولى الناس به امرأة؟ فقال : لا ، إلّا الرجل» (١).

وقد يستدلّ للمشهور بحمل «الميّت» في رواية ابن سنان على الرجل كما في سائر النصوص ، إمّا لأجل دعوى انصرافه إليه ، أو لأنّه مقتضى الجمع بحمل المطلق على المقيّد.

وكلاهما كما ترى ، أمّا دعوى الانصراف فلا وجه لها بعد اشتراك الذكر والأُنثى في إطلاق اللفظ وصدقه عليهما على حدّ سواء ، وأمّا ارتكاب التقييد فلكونه فرع المعارضة ، ولا تعارض بين المثبتين بعد عدم ثبوت مفهوم القيد ، ولا سيما أنّ التقييد بالرجل مذكور في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام). فالإنصاف : أنّ الإطلاق في رواية ابن سنان محكّم ، فلا قصور فيها دلالة.

نعم ، هي ضعيفة السند بالإرسال ، لما أشرنا إليه سابقاً (٢) من أنّ روايات الكتاب المذكور بأجمعها ملحقة بالمراسيل. فالمقتضي للتعميم قاصر في نفسه لانحصاره في الرواية المذكورة وهي ضعيفة.

وحيث كان الحكم بوجوب القضاء على الوليّ على خلاف القاعدة لزم الاقتصار فيه على القدر المتيقّن وهو الرجل ، فإنّه مورد النصوص ، وأمّا المرأة فلم يرد فيها ذلك. ولا وجه للتعدّي إليها ، لاحتمال اختصاصه بالرجل ، فينفى وجوب القضاء عنها بالبراءة. فما هو المشهور من الاختصاص هو الصحيح لما عرفت ، لا لما ذكر من الوجهين.

ثم إنّه ربما يستدلّ للتعميم مضافاً إلى إطلاق رواية ابن سنان وقد عرفت الحال فيه بما دلّ من النصوص على وجوب قضاء الوليّ عن المرأة في الصوم بناءً على عدم الفرق ، لعدم القول بالفصل بينهما.

__________________

(١) الوسائل : ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٢) في ص ٢٠٠.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا لا بأس به لو تمّت دلالة النصوص في موردها على الوجوب ، لكنّها غير تامة ، فإنّ أقصى ما تدلّ عليه هو الجواز والمشروعية دون الوجوب وعمدتها : صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يقضى عنها؟ قال : أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم» (١) ، ونحوها صحيح محمد بن مسلم (٢).

وقد استدلّ بها شيخنا الأنصاري (قدس سره) (٣) على الوجوب بدعوى وضوح مشروعيّة القضاء عن الغير بحيث لا يكاد يخفى ذلك على أحد ، فضلاً عن مثل أبي حمزة الذي هو من أجلّاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام). فليس السؤال إلّا عن الوجوب ، وقد فصّل (عليه السلام) في ذلك بين السفر وغيره وبما أنّه لا يحتمل الوجوب في حقّ غير الوليّ فلا محالة يختصّ الحكم به وبمقتضى عدم القول بالفصل في المسألة يتعدّى من الصوم إلى الصلاة.

وهذا الاستدلال كما ترى من أغرب أنواعه ، ولا سيما من مثله (قدس سره) لورود نظير ذلك في غير واحد من الروايات ممّا لا يقصد به إلّا السؤال عن أصل المشروعيّة جزماً.

والوجه فيه : أنّ المفروض في مورد السؤال في هذه الروايات إنّما هو عروض الموت قبل خروج شهر رمضان ، أي قبل زمان يتمكّن فيه الميّت من قضاء الصوم ، ولا شكّ في أنّ مشروعية القضاء من الوليّ أو غيره حينئذ تكون في غاية الخفاء ، لعدم ثبوته في حقّ الميّت حتّى يقضى عنه ، وكيف يقضي النائب ما لم يكلّف المنوب عنه به لا أداءً لأجل العذر من المرض والسفر والطمث ونحو ذلك ، ولا قضاء لكون ظرفه بعد شهر رمضان ، لقوله تعالى :

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٤ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

(٣) رسائل فقهية : ٢٢٧.

٢٦٥

حرّا كان أو عبداً (١)

______________________________________________________

(... فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (١) ، وقد فرض موته قبل خروج الشهر.

بل قد ورد المنع عنه في بعض النصوص معلّلاً بأنّ الله لم يجعله ، بعد الإصرار من السائل على القضاء بقوله : «فإنّي أشتهي أن أقضي عنها ، وقد أوصتني بذلك» ، فأجابه (عليه السلام) قائلاً : «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله عليها؟ فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم» (٢).

وعلى الجملة : مشروعية القضاء في مفروض المسألة ليست من الواضحات الغنيّة عن السؤال ، وإنّما هي لأجل خفائها كما عرفت بحاجة إلى ذلك وعليه فلا مقتضي لحمل الصحيحة على السؤال عن الوجوب ، بل ينبغي حملها على ظاهرها وهو السؤال عن الجواز وأصل المشروعيّة. فلا تدلّ على وجوب القضاء في موردها ليتعدّى منه إلى غيره بعدم القول بالفصل.

والمتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ ما يستدلّ به للتعميم أمران :

أحدهما : إطلاق رواية ابن سنان. وقد عرفت أنّها ضعيفة السند ، وإن كانت الدلالة على فرض صحّة السند تامّة.

والآخر : استفادة حكم المقام ممّا ورد في الصوم بضميمة عدم القول بالفصل. وقد عرفت أيضاً توقّف ذلك على استفادة الوجوب من النصوص في موردها ، وهي غير ثابتة.

فالأقوى ما هو المشهور من اختصاص الحكم بالرجل وعدم التعميم للمرأة ، عملاً بأصالة البراءة.

(١) كما هو المشهور ، ويقتضيه الإطلاق في صحيحة حفص المتقدّمة (٣).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٤ ، ١٨٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

(٣) في ص ٢٦٤.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن بعضهم اختصاصه بالحرّ ، نظراً إلى أنّ المستفاد من الصحيحة كون الموضوع من هو أولى بالميراث لقوله (عليه السلام) : «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» ، وبما أنّ الأولى بالعبد هو مولاه ، ولا يجب عليه القضاء عنه بالضرورة ، إذ لم يعهد ذلك من أحد الأئمة (عليهم السلام) ولا من أصحابهم بالنسبة إلى عبيدهم ، فلا محالة يحكم بالاختصاص بالحر.

ويتوجّه عليه : أنّ الحكم لا يدور مدار عنوان الوارث بالفعل ، فإنّه لو كانت العبارة هكذا : يقضي عنه وارثه. لكان لهذه الدعوى وجه ، فيلتزم حينئذ بخروج العبد تخصيصاً ، للإجماع على عدم ثبوت القضاء على وارثه وهو المولى كما ذكر ، لكن العبارة هكذا : «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» ، فلم يؤخذ فيها عنوان الوارث ، بل عنوان الأولى بالميراث ، على غرار قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (١).

والمراد به من هو أمسّ الأشخاص بالميّت وأقربهم إليه نسباً ورحماً ، المستتبع لكونه الأولى فعلاً بالميراث من غيره ، وهو الولد الأكبر كما سيأتي لانفراده بالحبوة ولزيادة نصيبه على سائر الورثة غالباً.

فالعبرة بكون الأولوية فعلية لا بكون الإرث فعلياً ، إذ قد لا يكون وارثاً إمّا لانتفاء المال رأساً ، أو لأنّ بإزائه ديناً مستوعباً ، أو لكونه عبداً كما في المقام حيث إنّه بمنزلة من لا مال له ليورث ، لكونه وما في يده لمولاه حيّاً وميّتاً.

وعلى الجملة : لا يدور الحكم مدار الإرث الفعلي ، لانتقاضه طرداً وعكساً فربما يثبت الإرث ولا قضاء كما لو انحصر الوارث في الإمام (عليه السلام) وربما يثبت القضاء ولا إرث كمن لا مال له ، بل الاعتبار كما عرفت بكون الأولوية فعلية.

إذن فالقضاء يجب على من هو أولى من غيره بميراث الميّت وأكثر نصيباً إن كان للميت مال ، ومصداقه في المقام كغيره هو الولد الأكبر. وعدم إرثه من أبيه

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٧٥.

٢٦٧

أن يقضي عنه ما فاته من الصلاة لعذر (*) من مرض أو سفر أو حيض فيما يجب فيه القضاء (١)

______________________________________________________

الرق إنّما هو لكونه بمنزلة من لا مال له كما أُشير إليه.

فتحصّل : أنّ الصحيحة كسائر النصوص غير قاصرة الشمول للعبد فلا مناص من الالتزام بالتعميم الذي عليه المشهور ، عملاً بالإطلاق.

ما يقضى عنه :

(١) خصّ المصنّف (قدس سره) الحكم بما فات لعذر ، ومثّل له بالمرض والسفر والحيض. والتمثيل بذلك لا يخلو عن مسامحة واضحة ، فإنّ السفر والمرض ليسا من الأعذار المسوّغة لترك الصلاة ، غايته أنّ المريض يصلّي على حسب وظيفته من الجلوس أو الاضطجاع أو بالإيماء وهكذا ، كما أنّ المسافر يصلّي قصراً.

وأمّا الحيض فالمستوعب منه للوقت لا يوجب القضاء ، نعم يتّجه التمثيل بالحيض غير المستوعب كما لو حاضت المرأة بعد مضيّ نصف ساعة من الوقت لكونها معذورة في تأخير الصلاة عن أوّل الوقت لترخيص الشارع إيّاها في ذلك ، ولأجل هذا قيّده (قدس سره) بقوله : فيما يجب فيه القضاء. يريد بذلك اختصاص الحكم بما إذا فاجأها الحيض بعد دخول الوقت كما عرفت.

ثمّ إنّ المحكي عن جماعة منهم المحقّق (قدس سره) في بعض رسائله (١) الاختصاص بالفائتة لعذر ، فلا يجب القضاء في الترك العمدي ، وتبعهم المصنّف (قدس سره).

لكنّ الأقوى التعميم لمطلق الفوائت كما هو المشهور ، لإطلاق النصوص.

__________________

(*) بل مطلقاً على الأحوط ، ثم إنّ في عدّ المرض والسفر من العذر مسامحة واضحة.

(١) الرسائل التسع : ٢٥٨ المسألة ٣٢ من المسائل البغدادية.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى الانصراف إلى الفائتة لعذر ، كما ترى ، فإنّ الفائتة لغير عذر ليست بأقلّ ممّا فات لعذر في زمن صدور الروايات ، ولا سيما مع ملاحظة الفوت لأجل الخلل في بعض الأجزاء أو الشرائط. فلا موجب للانصراف أصلاً.

وما يقال من أنّ العامد يستحقّ العقاب فلا يجديه القضاء من الوليّ ، لكونه بمثابة الكفّارة ، وهي بمناسبة الحكم والموضوع تختصّ بالمعذور. فهو وجه استحساني لا يركن إليه لإثبات حكم شرعي ، ولا يقاوم الإطلاق.

كما أنّه لا وجه للاستناد في القول بالاختصاص إلى قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١) لكونه ناظراً إلى العقاب في الآخرة ، فهو أجنبي عن محلّ الكلام ، فإنّه لا مانع من كون فعل الغير الصادر منه بالاختيار ولو عصياناً موضوعاً لتكليف غيره كما في تنجيس المسجد ، حيث يجب التطهير وإن كان التنجيس بفعل الغير عصياناً.

ومقامنا من هذا القبيل ، فانّ فوات الفريضة من الميّت موضوع لتكليف الوليّ بالقضاء عنه ، وهذا لا يفرق فيه بين أن يكون الفوت منه لعذر أو عصياناً لإطلاق النصوص السليمة عمّا يصلح للتقييد.

وعن الحلّي (٢) وابن سعيد (٣) (قدس سرهما) الاختصاص بما فات في مرض الموت. وليس له وجه ظاهر عدا دعوى انصراف النصوص إلى ذلك. وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ صحيحة حفص المتقدّمة (٤) وهي العمدة في المقام مطلقة بالإضافة إلى مرض الموت وغيره.

فالأقوى تعميم الحكم لمطلق الفوائت ، من دون فرق بين ما فات لعذر وغيره ، وبين مرض الموت وغيره ، لإطلاق النصوص.

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٦٤.

(٢) السرائر ١ : ٢٧٧.

(٣) الجامع للشرائع : ٨٩.

(٤) في ص ٢٦٤.

٢٦٩

ولم يتمكّن من قضائه (*) (١) ، وإن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه.

______________________________________________________

(١) لدعوى انصراف النصوص إلى ذلك ، كدعوى انصرافها إلى المعذور كما تقدّم.

وفيه : مضافاً إلى منع الانصراف كما مرّ ، أنّه لو تمّ فإنّما يسلّم في من أخّر القضاء تقصيراً ، لإمكان دعوى انصراف النصوص عن مثله ، دون القاصر غير المسامح في ذلك كما لو نام عن صلاة الفجر وكان بانياً على قضائها في نفس اليوم لكن فاجأه الموت عند الزوال مثلاً ، فانّ دعوى الانصراف عن مثله ممنوعة جدّاً كما لا يخفى.

وعلى الجملة : تخصيص الحكم بما إذا لم يتمكّن الميّت من القضاء غير واضح بعد إطلاق النصوص.

بل يمكن القول باختصاص الحكم بصورة تمكّن الميّت من القضاء ، عكس ما أفاده المصنّف (قدس سره) ، فلا يجب القضاء على الوليّ إلّا في فرض تمكّن الميّت من القضاء وتركه له عذراً أو لغير عذر ، والوجه فيه أحد أمرين :

أحدهما : قصور المقتضي للحكم ، فإنّ عمدة الدليل في المسألة كما عرفت إنّما هي صحيحة حفص المتقدّمة (١) ، وظاهرها الاختصاص بذلك ، لقوله : «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ...» ، فان كلمة «عليه» ظاهرة في اختصاص مورد السؤال بما إذا كان قد ثبت تكليف المنوب عنه بالقضاء ولم يمتثل ، الكاشف عن تمكّنه منه ، لاشتراط التكليف بالقدرة.

فلو فرضنا أنّه نام عن صلاة الفجر ثم فاجأه الموت بعد أن استيقظ فإنّه لا ينطبق عليه حينئذ قوله : «عليه صلاة» ، لعدم توجّه التكليف إليه بحال ، لا حال النوم ولا في حال اليقظة كما هو ظاهر. وهكذا الحال في سائر موارد

__________________

(*) لا يبعد اختصاص وجوب القضاء على الولي بما إذا تمكّن الميّت منه قبل موته.

(١) في ص ٢٦٤.

٢٧٠

وكذا في الصوم لمرض (١) تمكّن من قضائه وأهمل.

______________________________________________________

العجز ، حيث يكون جميع ذلك خارجاً عن موضوع النصّ ، ومعه لا مقتضي لثبوت القضاء كما لا يخفى.

ثانيهما : التعليل الوارد في صحيحة أبي بصير الآتية ، وهو قوله (عليه السلام) : «فانّ الله لم يجعله عليها ...» وقوله : «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله عليها» فإنّها وإن وردت في باب الصوم إلّا أن عموم العلّة يستوجب التعدّي عن موردها إلى الصلاة ، ويكون المستفاد منها ضابطة كلّية على طبق القاعدة ، وهي أنّه ما لم يثبت القضاء على الميّت ولم يجعل التكليف به في حقّه فليس على أحد أن يقضيه عنه.

فلو افترضنا الإطلاق في صحيحة حفص لقيّد بهذه الصحيحة لا محالة ، وكانت النتيجة عدم وجوب القضاء على الوليّ إلّا فيما كان الميّت متمكّناً منه فلاحظ.

(١) لا ينبغي الإشكال في اختصاص الوجوب حينئذ بصورة تمكّن الميّت من القضاء وإهماله ، فلا يجب ذلك على الوليّ إذا لم يتمكّن منه إمّا لعدم برء مرضه ، أو لموته قبل خروج شهر رمضان ، ويدلّ عليه صريحاً :

صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها ، قال : هل برئت من مرضها؟ قلت : لا ، ماتت فيه ، قال : لا يقضى عنها ، فانّ الله لم يجعله عليها ...» (١).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ ، قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضي» (٢) ، ونحوهما غيرهما من

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٢٩ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٢.

٢٧١

بل وكذا لو فاته من غير المرض من سفر ونحوه (*) وإن لم يتمكّن من قضائه (١)

______________________________________________________

النصوص المتظافرة الدالّة على الاختصاص بفرض التمكّن.

(١) أمّا السفر فلا إشكال كما لا خلاف في وجوب القضاء على الوليّ ، سواء أتمكّن الميت من القضاء وأهمل أم لا كما لو مات في شهر رمضان.

ويستدل له بجملة من النصوص كصحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : أمّا الطمث والمرض فلا وأمّا السفر فنعم» (١) ، ونحوها صحيحة محمّد بن مسلم (٢). لكن تقدّم النظر في دلالتهما على الوجوب في أوّل الفصل فلاحظ (٣).

وموثّقة أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه ، قال : يقضيه أفضل أهل بيته» (٤).

إنّما الكلام في سائر الأعذار ، فهل هي تلحق بالسفر فيقضي مطلقاً كما اختاره المصنّف (قدس سره) في المسألة حيث قال : من سفر ونحوه ، أو أنّها تلحق بالمرض فلا يقضي إلّا مع تمكّن الميّت منه وإهماله؟ وجهان ، بل قولان نسب إلى المشهور الإلحاق بالسفر ، وأنّ الخارج من حكم الأعذار مطلقاً إنّما هو عنوان المرض فقط.

ولكنّه غير وجيه حتّى ولو ثبت ذهاب المشهور إليه ، وذلك فإنّ الأخبار واضحة الدلالة على أنّ المسافر فقط هو العنوان الوحيد الخارج ، وأمّا غيره

__________________

(*) في وجوب القضاء في الفائت في غير السفر مع عدم تمكّن الميّت من قضائه إشكال ولا يبعد عدم وجوبه.

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٤ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

(٣) ص ٢٦٥ ٢٦٦.

(٤) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١١.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يجب على الوليّ القضاء إلّا مع ثبوت التكليف به في حقّ الميّت كما يدلّ على ذلك صحيحة أبي بصير المتقدّمة (١).

فانّ التعليل فيها بقوله (عليه السلام) : «فانّ الله لم يجعله عليها» يعطينا الضابطة الكلّية في المسألة ، وهي أنّه ما لم يجب القضاء على الميّت لا يجب على وليّه ، فيستفاد من ذلك اختصاص وجوب القضاء بما إذا ثبت ذلك في حقّ الميّت ، وقد خرج عن هذه الكلّية خصوص المسافر كما دلّت عليه النصوص المتقدّمة.

ويدلّ على هذا صراحة صحيحة أبي حمزة الثمالي (رحمه الله) المتقدّمة (٢) فقد صرّح فيها بإلحاق الطمث بالمرض ، وأوجبت القضاء بقول مطلق في مورد السفر خاصة. فيستفاد منها أنّ التقييد بفرض التمكّن ممّا لا يخصّ المرض ، بل يعمّ غيره أيضاً.

على أنّا لا نحتاج إلى الاستدلال بالروايات المذكورة ، إذ يكفينا في الحكم بعدم وجوب القضاء على الوليّ مع عدم تمكّن الميّت منه قصور المقتضي ، فإنّ العمدة في ذلك إنّما هي صحيحة حفص المتقدّمة (٣) ، وهي في نفسها قاصرة عن شمول هذا الفرض ، لاختصاصها بفرض وجوب القضاء على الميّت لتمكّنه منه كما يقتضيه قوله : «عليه ...».

فلا تشمل الصحيحة ما إذا لم يجب القضاء عليه لمرض أو سفر أو حيض أو لغير ذلك من الأعذار المانعة عن صحّة الصوم ، وكما إذا التفت إلى الجنابة بعد مضيّ أيّام من شهر رمضان ، فانّ وجوب القضاء عليه يكون مشروطاً ببقائه حياً ، فلو مات في جميع هذه الصور قبل انقضاء شهر رمضان لم يجب القضاء عليه ، حيث لا يصدق في حقّه أنّه عليه ، وإن صدق الفوت ، والموضوع للحكم

__________________

(١) في ص ٢٧١.

(٢) في ص ٢٧٢.

(٣) في ص ٢٦٤.

٢٧٣

والمراد به الولد الأكبر (١) فلا يجب على البنت وإن لم يكن هناك ولد ذكر ، ولا على غير الأكبر من الذكور ، ولا على غير الولد من الأب والأخ والعمّ والخال ونحوهم من الأقارب.

______________________________________________________

في الرواية هو الأوّل دون الثاني. نعم خرجنا عن هذا الحكم في خصوص السفر بصحيحة أبي حمزة المتقدّمة (١) وغيرها.

القاضي

(١) كما هو المعروف. والعمدة في المقام هي صحيحة حفص المتقدّمة (٢) المشتملة على قوله (عليه السلام) : «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» ، وحينئذ فينبغي البحث عن مفادها.

فقد يقال : إنّها تدلّ على اختصاص القاضي بمن يكون الأولى بالإرث فعلاً من بين الموجودين ، وهذا ممّا يختلف حسب اختلاف طبقات الإرث ، فإنّه إن كان للميت أب أو ولد قضى عنه ، وإلّا قضى عنه الأخ والعمّ وهكذا حتّى تصل النوبة إلى المعتِق بالكسر وضامن الجريرة ، بل الإمام (عليه السلام).

فتكون العبرة بالأولوية الفعلية بالإرث بالنسبة إلى الموجودين حال الموت ويختلف مصاديق ذلك ، بل قد يتعدّد الوليّ على هذا كما إذا كان له أولاد أو إخوة أو أعمام أو أولاد الأعمام ، فيجب على جميعهم القضاء.

إلّا أنّ هذا المعنى كما ترى خلاف ظاهر الصحيحة في نفسها ، فانّ المنسبق من كلمة «أولى» في الصحيحة أنّ الوليّ دائماً شخص واحد لا يتعدّد ، كما أنّ ظاهر العموم في «الناس» هو إرادة جميع الناس ممّن خلقهم الله عزّ وجل ، الأعمّ من الموجودين منهم وغيرهم ، الأحياء منهم والأموات.

__________________

(١) في ص ٢٧٢.

(٢) في ص ٢٦٤.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فينحصر الوليّ في الولد الأكبر ، فإنّه الأولى بالميراث بقول مطلق حتّى الأب المتّحد معه في الطبقة ، لكون نصيبه من التركة أكثر منه غالباً ، حيث إنّ للأب السدس والباقي للولد.

وإنّما قيّدنا ذلك بالغالب لما قد يتّفق من زيادة نصيب الأب على نصيب الولد كما لو بلغ أولاد الميّت عشرة ، فإنّ السدس حينئذ وهو سهم الأب يزيد على ما يستحقّ كلّ ولد من باقي التركة ، إلّا أنّ هذا فرض اتفاقيّ نادر ، والغالب بحسب الطبع هو زيادة نصيب الولد على نصيب الأب ، وأمّا النقصان عنه كما في المثال فهو لجهة عارضة نادرة ، هذا.

مضافاً إلى اختصاصه بالحبوة ، فهو يشارك الأبوين وسائر الأولاد في الميراث ، ويزيد عليهم بذلك ، فكان هو الأولى. وبهذا البيان يظهر الوجه في تقدمه على سائر الأولاد ، فيكون تقدّمه على الجميع لأجل الحبوة.

فاتّضح من جميع ما مرّ : أنّ قوله (عليه السلام) : «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» ظاهر في إرادة الولد الأكبر فقط.

فان قلت : ورد مثل هذا أيضاً في باب الصلاة على الميّت ، حيث دلّ على أنّ أحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بالميراث. وقد فهم المشهور منه الأب فلما ذا لم يلتزموا بمثله في المقام؟ وكيف صارت الأولوية هناك للأب وهنا للابن؟ وما هو الفارق بين المقامين مع اتّحاد التعبيرين؟

قلت : هذه العبارة غير واردة في شي‌ء من نصوص باب الصلاة على الميّت وإنّما هي مذكورة في كلمات الفقهاء وشائعة على ألسنتهم. ولعلّ المستشكل لاحظ عبائر الفقهاء من دون تفطّن لخلوّ النصوص عنها ، والوارد في النصوص هو : «يصلّي على الجنازة أولى الناس بها» (١).

ومن الواضح الفرق بين التعبيرين ، أي التعبير بـ (أولى الناس بالميراث)

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١١٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١ ، ٢.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والتعبير بـ (أولى الناس بالجنازة) ، فإنّ الأولى بالميراث حسبما هو المتعارف عند العقلاء هو ولد الميّت ، بناءً منهم على أنّ كلّ ما يملكه الإنسان فهو لولده وذرّيته من بعده ، وإن كان الله سبحانه وتعالى قد جعل للأب أيضاً نصيباً مفروضاً في ذلك. وهذا بخلاف الأولى بالجنازة ، فإنّه بملاك احترام الميّت وتعظيمه يراد به أكبر أقرباء الميت وهو الأب ، فيكون أمر التجهيز راجعاً إليه ومنوطاً به ، فإنّ الأب هو الأصل والميّت فرع منه ، فلذلك كان هو الأولى به دون غيره.

فهناك فرق بين جنازة الميّت وبين ماله ، وبتبعه يختلف مصداق الأولوية المتعلّقة بكلّ منهما حسب اختلاف مناسبة الحكم وموضوعه ، ففي الأوّل يكون مصداق الأولى بالجنازة هو أب الميّت ، وفي الثاني يراد من الأولى بميراثه هو الولد الأكبر ، لمكان الحبوة كما عرفت. وهذا هو السر في تفرقة المشهور بين المقامين ، حيث بنوا على إرادة الأب من الأولى في باب الصلاة والولد في المقام.

وقد يستدلّ لتعيين الولد الأكبر بصحيحة الصفّار قال : «كتبت إلى الأخير (عليه السلام) : رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام ، وله وليّان ، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً ، خمسة أيّام أحد الوليّين وخمسة أيّام الآخر؟ فوقّع (عليه السلام) : يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيّام ولاءً إن شاء الله» (١).

إلّا أنّها لمخالفتها للإجماع بل الضرورة ممّا ينبغي ردّ علمها إلى أهله ، وذلك من جهتين :

إحداهما : نفي مشروعيّة القضاء في حقّ غير الأكبر ، فإنّ السؤال فيها كان عن الجواز دون الوجوب ، وهذا ممّا لم يقل به أحد ، إذ لا إشكال في مشروعيّة القضاء للأجنبي فضلاً عن غير الأكبر من الوليّين.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيتهما : دلالتها على اعتبار الموالاة في القضاء ، وهذا ممّا لا قائل به أيضاً فإنّها غير معتبرة في حقّ الميّت لو فرضنا مباشرته القضاء ، فضلاً عن الولي.

ولأجل ذلك تكون الرواية غير صالحة للعمل بها ، بل هي مطروحة أو مؤوّلة ، ويردّ علمها إلى أهله ، نعم لا بأس بالأخذ بها من حيث دلالتها على ولاية الولد الأكبر. فالعمدة في المقام هو الاستدلال بصحيحة حفص بالتقريب المتقدّم.

ثم إنّه لا يخفى عليك أنّ ما استظهرناه سابقاً من دلالة صحيحة حفص على أنّ الأولى بالميراث هو الولد الأكبر بالبيان المتقدّم وإن كان صحيحاً في نفسه ، لكن حفصاً نفسه لم يستظهر هذا المعنى كما يشهد به سؤاله الثاني : «فإن كان أولى الناس به امرأة» ، إلا أنّ عدم فهمه لا يضرّ بالاستدلال ، فانّنا إنّما نتعبّد بنقله لا بفهمه ، ونصدّقه في روايته لا في درايته ، وما رواه ظاهر فيما ذكرناه كما عرفت.

ثم إنّا لو تنزلّنا عن ذلك وأنكرنا ظهور الصحيحة فيه فلا ريب في عدم ظهورها في المعنى الآخر أيضاً ، أعني به الأولوية باعتبار طبقات الإرث ، غايته أن تصبح الرواية مجملة ، حيث لم يظهر منها أنّ المراد بالأولى هو شخص واحد معيّن وهو الولد الأكبر كما استظهرناه أو المراد به الطبقة المتعيّنة للإرث بالفعل حسب نظام الطبقات.

ولكنّ الولد الأكبر هو القدر المتيقّن لدخوله على كلّ تقدير ، وأمّا غيره فلم يعلم إرادته ، لفرض إجمال النصّ وتردّده بين المعنيين ، فيرجع في من عداه إلى أصالة البراءة ، للشكّ في التكليف بالنسبة إليهم ، فتكون النتيجة هي اختصاص الحكم بالولد الأكبر.

وبهذا البيان يظهر الحال في موثّقة أبي بصير المتقدّمة (١) حيث قال (عليه

__________________

(١) في ص ٢٧٢.

٢٧٧

وإن كان الأحوط مع فقد الولد الأكبر قضاء المذكورين على ترتيب الطبقات (١) ، وأحوط منه قضاء الأكبر فالأكبر (٢) من الذكور ثمّ الإناث في كلّ طبقة حتّى الزوجين والمعتِق وضامن الجريرة.

[١٨٤٣] مسألة ١ : إنّما يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الأبوين (*) من صلاة نفسهما (٣) ، فلا يجب عليه ما وجب عليهما بالاستئجار ، أو على الأب من صلاة أبويه من جهة كونه وليّا.

______________________________________________________

السلام) : «يقضيه أفضل أهل بيته» ، فانّ كلمة «أفضل» مجمل ولم يعلم المراد منه ، فهل يراد به الأعلم لينطبق على كلّ الطبقات بما فيهم الولد الأصغر أيضاً لإمكان أن يكون أعلم من الأكبر ، أو أنّ المراد به الأقرب من أهل بيت الميّت إليه ، المنطبق على الولد الأكبر فقط كما لعلّه الأقرب؟

(١) رعاية للتفسير الآخر كما سبق ، والاحتياط حسن على كلّ حال.

(٢) لصحيحة الصفّار المتقدّمة (١) ، بل الأحوط أن تقضي البنت مع عدم وجود الرجل في الطبقة الأُولى كما أفتى به المفيد (قدس سره) (٢) ، وإن كان ذلك على خلاف صحيحة [حفص بن] البختري (٣) من الاختصاص بالرجال.

الاختصاص بما فات من نفسه :

(٣) لانصراف الأدلّة إلى ما فات عن الميّت من صلاة نفسه دون مطلق الفائت ، بل الظاهر أنّه ليس في شي‌ء من روايات الباب ما يصلح للإطلاق كي يدّعى انصرافه إلى ما ذكر ، وإنّما هي بأجمعها خاصّة بهذا المورد ، فإنّ العمدة

__________________

(*) بل ما فات عن خصوص الأب كما تقدّم.

(١) في ص ٢٧٦.

(٢) المقنعة : ٣٥٣.

(٣) المتقدّمة في ص ٢٦٤.

٢٧٨

[١٨٤٤] مسألة ٢ : لا يجب على ولد الولد القضاء عن الميّت (١) إذا كان هو الأكبر حال الموت ، وإن كان هو الأحوط خصوصاً إذا لم يكن للميّت ولد.

______________________________________________________

فيها إنّما هي صحيحة حفص والموثّقة المتقدّمتان.

والمذكور في الصحيحة (١) : «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه» ، وهو كما ترى ظاهر فيما فات عن الميّت من صلاة نفسه أو صيامه ، لقوله (عليه السلام) : «يقضي عنه ...». ولو كان المقضيّ هو ما وجب على الميّت ولو استئجاراً لزم أن يقضي الوليّ عمّن استؤجر الأب له ، لا عن الأب نفسه ، فتختصّ الصحيحة لا محالة بما وجب على الأب أصالة لا مطلقاً.

وكذلك الحال في موثّقة أبي بصير المتقدّمة (٢) فإنّها خاصّة بما فات المكلّف من نفسه ، لفرض السؤال فيها عن «رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه ...»

وحاصل الكلام : أنّ عدم وجوب قضاء مطلق ما وجب على الميت ولو للاستئجار ونحوه إنّما هو لأجل قصور المقتضي ، لا لوجود المانع وهو الانصراف ، فلاحظ.

(١) وذلك لأنّه مع وجود الولد كما هو المفروض يكون هو الأولى بالميراث كما اقتضاه صحيح حفص المتقدّم ، فلا يجب على غيره.

ومع هذا فقد احتاط الماتن (قدس سره) في وجوب القضاء على ولد الولد الأكبر خصوصاً مع عدم وجود الولد للميّت.

أمّا الاحتياط مع وجود الولد للميّت ففيه ما لا يخفى ، فإنّه حينئذ لا موجب للقضاء على ولد الولد بعد اختصاصه بمقتضى الأخبار المتقدّمة (٣) بالولد ، فإنّ

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٦٤.

(٢) في ص ٢٧٢.

(٣) في ص ٢٧٢ ، ٢٧٤ ، ٢٧٦.

٢٧٩

[١٨٤٥] مسألة ٣ : إذا مات أكبر الذكور بعد أحد أبويه لا يجب على غيره من إخوته الأكبر فالأكبر (١).

[١٨٤٦] مسألة ٤ : لا يعتبر في الوليّ أن يكون بالغاً عاقلاً عند الموت (٢)

______________________________________________________

ولد الولد لا يرث الميّت مع وجود الولد فضلاً عن كونه الأولى بالميراث. ومطلق الكبر لا خصوصية فيه.

نعم ، الاحتياط الثاني في محلّه ، فإنّ الأولى بالميراث حينئذ هو ولد الولد فيجب عليه القضاء احتياطاً.

(١) فانّ الظاهر من الأولى بالميراث المفسّر بالولد الأكبر من كان كذلك حال الموت ، فلا دليل على وجوب القضاء على غيره ممّن لا ينطبق عليه العنوان المذكور حاله ، وإن كان قيام الأكبر فالأكبر بذلك هو الأحوط.

عدم اعتبار الكمال في الوليّ حال الموت :

(٢) فانّ المصرح به في دليل الوجوب أنّه «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» وبعد بلوغ الطفل أو بعد الإفاقة يصدق عليه العنوان المذكور ، فيجب عليه القضاء.

وبكلمة اخرى : أنّ وجوب القضاء على من هو أولى الناس بالميراث كسائر التكاليف إنّما يتنجّز عند تحقّق شرائطه التي منها البلوغ والعقل ، فاذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون وعقل تنجّز التكليف المذكور في حقّه لا محالة.

وأولى منهما بالحكم من لم يكلّف بذلك لغفلة ونوم ونحوهما ، فإنّه لو استيقظ أو التفت بعد ذلك وجب عليه القضاء بلا ريب.

والحاصل : أنّه لا يعتبر في من يجب القضاء عليه أن يكون مكلّفاً من أوّل زمان الوجوب ، بل يجب ذلك على من صحّ تكليفه به بعد ذلك إذا كان أولى الناس بالميراث.

٢٨٠