موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٨٢٥] مسألة ١٣ : لو تبرّع العاجز عن القيام مثلاً عن الميّت ففي سقوطه عنه إشكال (*) (١).

[١٨٢٦] مسألة ١٤ : لو حصل للأجير سهو أو شكّ يعمل بأحكامه على وفق تقليده أو اجتهاده ، ولا يجب عليه إعادة الصلاة (٢).

[١٨٢٧] مسألة ١٥ : يجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليف الميّت اجتهاداً أو تقليداً ، ولا يكفي الإتيان بها على مقتضى تكليف نفسه (**).

______________________________________________________

تقدّم في القيود المعتبرة في المباشر.

وأمّا الحكم بالانفساخ في ضيق الوقت فهو على إطلاقه غير تامّ ، بل يختصّ ذلك بما إذا لم يمكن إيقاع المستأجر عليه في زمان القدرة والاختيار لعدم سعة الوقت للعمل ، فانّ العجز الطارئ حينئذ يكشف عن عدم ملك الأجير لمنافعه فتنفسخ الإجارة لا محالة ، بخلاف ما إذا كان الوقت واسعاً وكان قد أخّرهُ اختياراً حتّى عجز ، فإنّه لا موجب للحكم بالانفساخ في مثله ، وإنما يرجع إلى الأجير بأجرة المثل ، فيلزمه دفعها وإن فرض الارتفاع في الأُجرة كما عرفت ذلك سابقاً (١) فلاحظ.

(١) بل ينبغي الجزم بالعدم ، كما جزم (قدس سره) بعدم صحة استئجاره في المسألة السابقة ، لوحدة المناط فيهما وهو عدم فراغ ذمّة الميّت عن الفائتة وهي الصلاة الاختيارية بذلك ، من دون فرق بين الأجير والمتبرّع. فالتفكيك بالجزم في أحدهما والاستشكال في الآخر في غير محلّه.

(٢) هذه من متفرّعات المسألة التالية ، وهي أنّ العبرة في الصحّة وفي مراعاة

__________________

(*) والأظهر عدم السقوط.

(**) هذا إذا أوصى الميت بالاستئجار عنه أو كان الأجير مستنداً في عدم وجوب شرط أو جزء عليه إلى أصل عملي ، وأمّا إذا كان مستنداً إلى أمارة معتبرة كاشفة عن عدم اشتغال ذمّة الميّت بأزيد مما يرى وجوبه فالاجتزاء به في فرض عدم الوصية لا يخلو من قوة.

(١) في ص ٢٢٩.

٢٤١

فلو كان يجب عليه تكبير الركوع أو التسبيحات الأربع ثلاثاً أو جلسة الاستراحة اجتهاداً أو تقليداً ، وكان في مذهب الأجير عدم وجوبها يجب عليه الإتيان بها. وأمّا لو انعكس فالأحوط الإتيان بها (*) أيضاً ، لعدم الصحّة عند الأجير على فرض الترك ، ويحتمل الصحّة إذا رضي المستأجر بتركها. ولا ينافي ذلك البطلان في مذهب الأجير إذا كانت المسألة اجتهادية ظنّية ، لعدم العلم بالبطلان ، فيمكن قصد القربة الاحتمالية ، نعم لو علم علماً وجدانياً بالبطلان لم يكف ، لعدم إمكان قصد القربة حينئذ ، ومع ذلك لا يترك الاحتياط (١).

______________________________________________________

أحكام الصلاة ممّا يرجع إلى السهو والشك وغيرهما هل هي بنظر الأجير أو الميت أو غيرهما ، وليست بمسألة مستقلة ، وسيأتي الكلام عنها مستقصى.

(١) يقع الكلام تارة في المتبرّع ، وأُخرى في الأجير :

إمّا المتبرّع : فلا ريب في كون المدار في تحقّق التبرّع هو الإتيان بصلاة يراها صحيحة وإن لم تكن كذلك بنظر الميت ، إلّا أنّه لا تبرأ بها ذمّة الميّت لو كانت فاسدة بنظره ، فلا يكتفي الوصيّ بها لو أوصى الميّت بالاستئجار عنه ، كما أنّه ليس للوليّ الاكتفاء بها أيضاً حيث لا يراها مفرّغة لذمّة الميّت وإن كانت صحيحة في نظر المتبرّع بها ، إذ لا عبرة بنظر المتبرّع في التفريغ كما لا يخفى.

ولو انعكس الأمر بأن كانت صحيحة بنظر الميّت فاسدة عند المتبرّع فان كان المتبرّع جازماً بالبطلان فلا إشكال في الفساد ، لعدم تمشّي القربة منه حينئذ.

__________________

(*) بل هو الأقوى إذا كان الإيجار على تفريغ ذمّة الميّت ، وأما إذا كان على نفس العمل فالأظهر صحّته فيما إذا احتملت صحّة العمل واقعاً ، فيجب الإتيان به حينئذ رجاء ، هذا بالإضافة إلى الأجير ، وأمّا الولي فيجب عليه تفريغ ذمّة الميّت بما يراه صحيحاً ولو كان ذلك بالاستئجار ثانياً.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا استند في الحكم بالبطلان إلى اجتهاد أو تقليد مع احتمال الصحّة واقعاً ، فأتى بها مع القربة ولو رجاءً صحّت وحكم حينئذ بفراغ ذمّة الميّت واكتفى الوصيّ بها أيضاً ، بلا حاجة إلى الاستئجار لها ، فانّ المكلّف بالعمل كان هو الميت ، والمفروض صحّته عنده.

وأمّا اكتفاء الوليّ فمشروط بصحّتها عنده ، فإنّه المخاطب بتفريغ ذمّة الميّت وكان اللازم عليه الإتيان بصلاة تكون مصداقاً للتفريغ بنظره ، ولا عبرة حينئذ بنظر الميّت فضلاً عن المتبرّع ، فاذا كان يراها فاسدة وجب عليه الصلاة ثانياً أو الاستئجار لها.

مثلاً إذا فرضنا أنّ رأي الميت اجتهاداً أو تقليداً كان هو الاكتفاء بالتسبيحات الأربع مرّة واحدة فصلّى المتبرّع كذلك ، ولكن الوليّ كان يرى بأحدهما اعتبار الثلاث ، ليس له الاكتفاء بمثل هذه الصلاة ، لأنّه يرى عدم فراغ الذمّة بعد ، والخطاب بالتفريغ كما عرفت متوجّه إليه ، فلا بدّ من تحصيله العلم بالفراغ على حسب اعتقاده ، من دون أن يكون لنظر الميت فضلاً عن المتبرّع أيّ أثر أصلاً ، هذا في المتبرع.

وأمّا الأجير : فقد يكون أجيراً عن المتبرّع ، وأُخرى عن الوصيّ ، وثالثة عن الولي :

١ ـ الأجير عن المتبرّع : وحكمه حكم المتبرّع ، فاذا كانت صلاته صحيحة بنظره أو المستأجر المتبرّع جاء الكلام المتقدّم فيه حرفاً بحرف.

٢ ـ الأجير عن الوصيّ : ولا ينبغي الشك في أنّ العبرة حينئذ بنظر الميّت فإنّ الوصيّة بنفسها تكون قرينة على ذلك ، حيث إنّ معناها هو أن يؤتى بعمل لو كان الموصي متمكّناً منه لكان قد أتى به ، فيكون الموصى به هو الصحيح عند الموصي ، ولهذه القرينة يجب على الوصيّ أن يستأجر من يراعي نظر الميّت.

نعم ، لا بدّ من صحّة العمل عند الأجير ولو احتمالاً ، إذ مع اعتقاده الفساد

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يتمشّى منه قصد القربة كما مرّ. وعلى الجملة : فالاعتبار بالصحّة في مورد الوصيّة بنظر الموصي ، دون الوصيّ ودون الأجير.

٣ الأجير عن الوليّ : ويقع الكلام فيه تارة في وظيفة الأجير ، وأُخرى في وظيفة الوليّ من حيث الاكتفاء بهذا العمل.

أمّا وظيفة الأجير : فقد يفرض كونه أجيراً على مجرّد الصلاة عن الميّت وأُخرى على تفريغ ذمّته.

أمّا إذا كانت الإجارة على النحو الأوّل فلا ريب في استحقاقه الأُجرة إذا أتى بالصلاة الصحيحة بنظره وإن كانت فاسدة بنظر الميّت ، فإنّه إنّما استؤجر للصلاة الصحيحة ، والألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية ، فكلّ ما يراه الأجير مصداقاً للصحيح ينطبق عليه العمل المستأجر عليه فيستحقّ الأُجرة بذلك سواء أكان مطابقاً لمذهب الميّت أم لم يكن.

فالعبرة في الوفاء بعقد الإجارة بمراعاة نظره بالإتيان بما يعتقده صحيحاً ، لا نظر الميت. ولا إشكال حينئذ من ناحية الإجارة. وأمّا وظيفة الولي من حيث الاكتفاء بذلك وعدمه فستعرفها.

وإذا كانت الإجارة على النحو الثاني ، بأن كان المستأجر عليه هو عنوان تفريغ الذمّة ، فلا مناص له إذن من الإتيان بعمل يراه مبرئاً لذمّة الميّت ، فان توافق مذهباهما في ذلك فلا كلام ، وإن تخالفا كما لو اعتقد الأجير كفاية التسبيحات الأربع مرّة واحدة وكان الميت يرى اعتبار الثلاث.

فان استند الأجير في اعتقاده إلى الدليل الاجتهادي اجتهاداً أو تقليداً جاز له التعويل على رأيه في الحكم بالتفريغ ، فانّ مفاد الدليل الاجتهادي إنّما هو كون مؤداه هو الحكم الواقعي الثابت في الشريعة على كلّ أحد ومنهم الميت. فيكون من قام عنده مثل ذلك وهو الأجير على الفرض يرى عدم اشتغال ذمّة الميّت بأكثر من التسبيحات الأربع مرّة واحدة ، وأنّها تكون مبرئة لذمّته فلا يكون ملزماً بمراعاة نظر الميّت وهو يرى خطأه في ذلك ، بل يكتفي بالواحدة المحقّقة لعنوان التفريغ.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا كان مستنده في ذلك هو الأصل العملي بأن كان نفي الثلاث عنده بأصالة البراءة عنه ، بناءً منه على جريانها في الأقل والأكثر الارتباطيين ، لا لدليل اجتهادي على النفي ، ولكن الميت كان يذهب إلى الثلاث للدليل الاجتهادي أو للأصل العملي وهو أصالة الاشتغال ، لبنائه على كون المرجع في الأقل والأكثر الارتباطيين هو ذلك ، فمن الواضح حينئذ أنّ الأصل المعتبر عند الأجير ممّا لا يترتب عليه فراغ ذمّة الميّت.

فإنّ غاية ما يترتّب على أصالة البراءة إنّما هو نفي التنجيز عمّن جرت في حقّه وهو الأجير ، لا مطلقاً ، وحيث إنّ الميّت لم يكن يرى ذلك كان التكليف الواقعي متنجّزاً في حقّه ، وعليه فلا قطع بالفراغ إلّا بمراعاة ما هو الصحيح عند الميّت ، فلا تكفي الصحّة بنظر الأجير ، هذا كله في وظيفة الأجير.

وأمّا وظيفة الوليّ : فإن كان يرى صحّة العمل الصادر من الأجير اكتفى به وإن لم يكن صحيحاً عند الميت ، بل ولا عند الأجير أيضاً كما إذا كان الأجير قد أتى به رجاء مع عدم اعتقاده بصحّته ، وإلّا لزمه الإتيان بما يعتقد صحّته أو الاستئجار لذلك.

والوجه فيه : ما عرفت من توجيه الخطاب بالتفريغ إلى الوليّ نفسه ، فإنّه المأمور بالقضاء عن والده ، فتكون العبرة بما يراه مصداقاً للصحيح ومحقّقاً لعنوان التفريغ ، ولا أثر حينئذ لنظر الميّت ولا الأجير.

نعم ، لا يجب عليه قضاء الصلوات التي أتى الميّت بها حال حياته إذا كانت فاقدة لشرط الصحّة بنظر الوليّ بأن كانت فاقدة للسورة ، أو مع الاقتصار على التسبيحات الأربع مرّة واحدة ، وذلك لحديث «لا تعاد الصلاة ...» (١) ، وإنّما يختصّ ذلك بما فات الميّت من الصلوات ، حيث يجب عليه قضاؤها على الوجه الصحيح عنده.

وعلى الجملة : يختلف الحال في هذه الموارد حسبما عرفت ، فلا مجال لإطلاق

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

القول بأنّ العبرة بنظر الأجير أو الميّت ، إذ قد لا تكون العبرة بهذا ولا بذاك بل بنظر الوليّ فقط كما ذكرناه أخيراً. فاللازم هو التفصيل في المسألة على النحو الذي ذكرناه.

هذا كلّه في فرض العلم باختلاف مذهب الأجير والميّت ، وأمّا مع الشكّ في ذلك كما هو الغالب فلا يجب الفحص ، كما هو المتعارف خارجاً في مقام الاستئجار ، من دون سؤال عن نظر الأجير في الصلاة أو مقدّماتها وكونه مطابقاً لنظر الميّت أو لا ، اعتماداً على أصالة الصحّة بعد فرض كون الأجير ثقة ، فإنّ الأصل مطابقة عمله لما هو الصحيح عند الله.

وبما أنّ ذمّة الميّت تكون مشغولة بمثل ذلك أيضاً فيبني لا محالة على المطابقة حملاً لفعل الأجير على الصحّة. فيختصّ محلّ الكلام في المسألة بصورة العلم باختلافهما ، وأمّا مع الجهل به فضلاً عن العلم بالاتفاق فلا كلام أصلاً.

وملخّص ما ذكرناه في المسألة هو : أنّ النائب إمّا أن يكون متبرّعاً ، أو وصيّاً ، أو أجيراً ، أو ولياً.

أمّا المتبرع فلا يعتبر في حقّه سوى الإتيان بالصحيح عنده قطعاً أو ما يكون محتملة رجاءً ، لعدم ثبوت تكليفه بشي‌ء ، فيجوز له الاكتفاء بما يراه صحيحاً ولو رجاءً.

وأمّا الوصيّ فتكليفه العمل على طبق الوصيّة ، وهي ظاهرة في الإتيان بما هو وظيفة الميّت ، فلا عبرة بنظر الوصيّ ، إذ لا شأن له عدا الوساطة في تحقّق العمل على النحو الذي كان الموصي يحقّقه لو كان حياً.

وأمّا الأجير فوظيفته الإتيان بما استؤجر عليه كيف ما كان ، ويعتبر فيه أن لا يكون الأجير جازماً بفساده ، لعدم تمشّي قصد القربة منه حينئذ فيبطل العمل ، فلو كان صحيحاً عنده ولو رجاءً استحقّ الأُجرة ، طابق نظر الوصيّ أو الميّت أم لا ، فإنّ العبرة في صحّة الإجارة بكون العمل قابلاً للإيجار ، فيكفي مجرّد احتمال الصحّة ، إلّا إذا اعتبر في الإجارة كيفيّة خاصة كمراعاة نظر الوصيّ أو الميّت أو نحو ذلك فيجب حينئذ رعايتها عملاً بالشرط.

٢٤٦

[١٨٢٨] مسألة ١٦ : يجوز استئجار كلّ من الرجل والمرأة للآخر (١). وفي الجهر والإخفات يراعى حال المباشر ، فالرجل يجهر في الجهرية وإن كان نائباً عن المرأة ، والمرأة مخيّرة وإن كانت نائبة عن الرجل.

______________________________________________________

نعم ، لو كانت الإجارة واقعة على عنوان التفريغ لزم الإتيان بما يكون مبرئاً لذمّة الميّت على التفصيل المتقدّم.

وأمّا الوليّ فحيث يكون مأموراً من قبل الله سبحانه بالعمل فلا محالة يلزمه الإتيان بما يعتقد صحته مباشرة أو تسبيباً ، ولا عبرة حينئذ بنظر الميّت ولا الأجير.

(١) هذا منصوص عليه في باب الحجّ (١) ، وأمّا غيره من الصلاة والصوم ونحوهما فلم نجد نصّاً صريحاً فيه ، بل مورد أكثر النصوص هو نيابة الرجل عن مثله (٢) ، إلّا أنّه لا ريب في التعدّي عنه إلى المرأة أيضاً ، لعدم فهم الخصوصية قطعاً ، كما هو الحال في سائر النصوص المتضمّنة للأحكام ، حيث كان السؤال خاصّاً بالرجل كقوله : عن الرجل يحدث في صلاته (٣) أو يضحك (٤) ونحو ذلك ، ولكن لعدم استظهار بل ولا استشعار الخصوصية يتعدّى منه إلى المرأة بلا إشكال.

على أنّ صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة مطلقة تشمل الرجل والمرأة ، فقد ورد فيها : «والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ويحجّ ويتصدّق ويعتق عنهما ويصلّي ويصوم عنهما ...» (٥) ، فانّ الولد عامّ يشمل الذكر والأُنثى.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٧٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٥ وغيره.

(٤) [لاحظ الوسائل ٧ : ٢٥٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ، حيث لم يكن السؤال خاصاً بالرجل].

(٥) الوسائل ٢ : ٤٤٤ / أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٦.

٢٤٧

[١٨٢٩] مسألة ١٧ : يجوز مع عدم اشتراط الانفراد الإتيان بالصلاة الاستيجارية جماعة (١) إماماً كان الأجير أو مأموماً ، لكن يشكل الاقتداء بمن يصلّي الاستئجاري إلّا إذا علم اشتغال ذمّة من ينوب عنه بتلك الصلاة (٢) وذلك لغلبة (*) كون الصلوات الاستيجارية احتياطية.

______________________________________________________

إذن فلا ينبغي الشكّ في جواز نيابة كلّ من الرجل والمرأة عن الآخر تطوعاً أو استئجاراً ، بل الحكم ممّا تسالم الكلّ عليه.

وعليه فلا بدّ للمصلّي من رعاية حال نفسه من حيث شرائط الصلاة ، دون المنوب عنه ، فالمرأة تستر جميع بدنها ، وتتخيّر بين الجهر والإخفات وإن كان المنوب عنه رجلاً ، كما أنّ الرجل يتعيّن عليه الجهر في الجهرية ، ولا يجوز له لبس الذهب ولا الحرير وإن ناب عن المرأة. فاللازم هو مراعاة المباشر حال نفسه ، فإنّ الشرائط المذكورة عائدة في الحقيقة إلى المصلّي دون الصلاة.

صلاة الأجير جماعة :

(١) سيأتي في محلّه (١) إن شاء الله تعالى صحّة القضاء جماعة إماماً ومأموماً من دون فرق بين القضاء عن نفسه وعن الغير ، وعليه فمع عدم اشتراط الانفراد يجوز الإتيان بالصلاة الاستيجارية جماعة.

(٢) إذ يشترط في صحّة الاقتداء بالقاضي عن نفسه أو عن الغير أن يكون القضاء يقينياً ليحرز الأمر به ، فلو كانت صلاة الإمام احتياطية عن نفسه أو عن الغير تبرّعاً أو استئجاراً لم تحرز صحّتها حينئذ ، للشكّ في تعلّق الأمر بها فلعلّها تكون صورة الصلاة دون حقيقتها ، فلا يكفي مثل ذلك لترتيب أحكام الجماعة ، هذا.

__________________

(*) لا يحتاج عدم الجواز في الفرض إلى ثبوت الغلبة المزبورة ، فإنّ الشكّ في كون صلاة الإمام مأموراً بها في الواقع يكفي في عدم جواز الاقتداء به.

(١) شرح العروة ١٧ : ٧.

٢٤٨

[١٨٣٠] مسألة ١٨ : يجب على القاضي عن الميت أيضاً مراعاة الترتيب (*) في فوائته مع العلم به ، ومع الجهل يجب اشتراط التكرار المحصّل له ، خصوصاً إذا علم أنّ الميّت كان عالماً بالترتيب (١).

______________________________________________________

وقد علّل الحكم في المتن بغلبة كون الصلوات الاستيجارية احتياطية.

ولكنّك خبير بأنّ الغلبة وإن كانت مسلّمة ، فإنّ الغالب في باب الاستئجار هو مراعاة الاحتياط في كميّة الصلوات ، إلّا أنّه لا حاجة إلى إثبات كونها احتياطية بالغلبة ، بل مجرّد احتمال كونها احتياطية يكفي في الحكم بالعدم ، لما عرفت من اشتراط الائتمام بإحراز الصحّة في صلاة الإمام ، ومع الشكّ في ثبوت الأمر لا تكون الصحّة محرزة.

وتوهّم الاستناد في صحّتها إلى أصالة الصحّة الجارية في صلاة الإمام ساقط جدّاً ، لما هو المقرّر في محلّه (١) من كون مجرى الأصل المذكور هو الشكّ في انطباق المأمور به على المأتي به خارجاً بعد الفراغ عن ثبوت الأمر ، وأمّا مع الشك في أصل الأمر كما في المقام فلا مجال لإثباته بأصالة الصحّة ، فالأصل المذكور إنّما يتكفّل بإثبات الانطباق ، ولا يتكفّل بإثبات الأمر نفسه.

اعتبار الترتيب :

(١) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة وكذا في المسألة الآتية للترتيب المعتبر في القضاء الذي لا يفرّق فيه بين القضاء عن نفسه والقضاء عن الغير. فيجب على القاضي عن الميّت رعايته أيضاً ، ولأجل ذلك لو كان القاضي اثنين أو أكثر لزم كلا منهما إتمام الدور ، وأن لا يشرع الآخر إلّا بعد ختم الأوّل لا في أثنائه.

__________________

(*) مرّ عدم وجوب الترتيب في القضاء إلّا في المترتبتين بالأصالة ، وبه يظهر الحال في المسألة الآتية.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٢٥.

٢٤٩

[١٨٣١] مسألة ١٩ : إذا استؤجر لفوائت الميّت جماعة يجب أن يعيّن الوقت لكلّ منهم ليحصل الترتيب الواجب ، وأن يعيّن لكلّ منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية مثل الظهر ، وأن يتمّ اليوم والليلة في دوره ، وأنّه إن لم يتمّ اليوم والليلة بل مضى وقته وهو في الأثناء أن لا يحسب ما أتى به وإلّا لاختلّ الترتيب ، مثلاً إذا صلّى الظهر والعصر فمضى وقته ، أو ترك البقية مع بقاء الوقت ففي اليوم الآخر يبدأ بالظهر ، ولا يحسب ما أتى به من الصلاتين.

[١٨٣٢] مسألة ٢٠ : لا تفرغ ذمّة الميّت بمجرّد الاستئجار (١) ، بل يتوقّف على الإتيان بالعمل صحيحاً ، فلو علم عدم إتيان الأجير أو أنّه أتى به باطلاً وجب الاستئجار ثانياً ، ويقبل قول الأجير بالإتيان به صحيحاً (٢)

______________________________________________________

إلّا أنّ هذا كلّه مبني على اعتبار الترتيب في القضاء ، وقد عرفت (١) عدم الدليل عليه في غير المترتّبتين بالأصل كالظهرين والعشاءين ، وعليه فلا يجب شي‌ء ممّا ذكره (قدس سره) في المقام وإن كان أحوط.

(١) فإنّ اللازم تفريغ ذمّة الميّت ، وهو لا يتحقّق إلّا بإيقاع الصلاة الصحيحة في الخارج ، والاستئجار مقدّمة له ، لا أنّه بدل عنها كي يكتفى به فلو ترك الأجير الصلاة عصياناً أو لعذر أو أتى بها فاسدة كانت ذمّة الميّت مشغولة بها بعد ، وكذا الحال في الصوم والحجّ وغيرهما.

وعلى الجملة : يحب تفريغ الذمّة بالإتيان بما هو مصداق لما اشتغلت به والاستئجار لا يكون مصداقاً له ليحصل به التفريغ.

(٢) إذا كان ثقة وإن لم يكن عدلاً ، لحجيّة خبر الثقة في الموضوعات كالأحكام كما مرّ (٢).

__________________

(١) في ص ١٣٦ وما بعدها.

(٢) في ص ٢٣٥.

٢٥٠

بل الظاهر جواز الاكتفاء ما لم يعلم عدمه (*) حملاً لفعله على الصحّة إذا انقضى وقته ، وأمّا إذا مات قبل انقضاء المدّة فيشكل الحال ، والأحوط تجديد استئجار مقدار ما يحتمل بقاؤه من العمل (١).

______________________________________________________

(١) إذا لم يخبر الأجير بذلك فهل يمكن البناء على الإتيان [به] صحيحاً تمسّكاً بأصالة الصحة؟

فصّل (قدس سره) في ذلك بين ما إذا انقضت المدّة المضروبة للعمل ، وما إذا لم تنقض بعدُ كما إذا استؤجر للنيابة سنة واحدة على أن يأتي بالعمل خلال ثلاثة أشهر فمات النائب أثناء المدّة واحتمل في حقّه البدار والإتيان بتمام العمل ، فاختار في الأوّل البناء على ذلك حملاً لفعل المسلم على الصحيح ، دون الثاني لجواز التأخير في حقّه مع سعة الوقت.

قلت : أصالة الصحّة تأتي بمعنيين :

أحدهما : الحكم بتنزيه المسلم عن الفسق وارتكاب ما هو قبيح وعدم إساءة الظن به ، بدون الالتزام بصدور الفعل الصحيح منه حتّى يترتّب عليه أحكامه الواقعية ، كما إذا تردّد الكلام الصادر منه بين السبّ والسلام ، حيث يبنى حينئذ على عدم صدور الحرام ، لا على تحقّق السلام كي يجب الردّ. ولا شكّ في جريان الأصل بالمعنى المذكور في المقام ، فيبنى على تنزّه الأجير عن ارتكاب القبيح ، وهو عدم الوفاء بعقد الإجارة.

والآخر : الحكم بصحّة العمل وترتيب آثار العمل الصحيح عليه ، وهذا موقوف على إحراز أصل العمل خارجاً وتمحّض الشكّ في صحّته وفساده كما إذا رأينا من يصلّي على الميّت وشككنا في صحّة صلاته ، حيث يبني على الصحّة ولا يعبأ باحتمال بقاء الوجوب الكفائي.

وكذا الحال في سائر تجهيزات الميّت من غسله وكفنه ودفنه ، بل وكذا في

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، نعم لو علم وجود العمل وشك في فساده حمل على الصحة.

٢٥١

[١٨٣٣] مسألة ٢١ : لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل (١) إلّا مع إذن المستأجر أو كون الإجارة واقعة على تحصيل العمل أعمّ من المباشرة والتسبيب ، وحينئذ فلا يجوز أن يستأجر بأقلّ من الأُجرة المجعولة له ، إلّا أن يكون آتياً ببعض العمل ولو قليلاً (٢)

______________________________________________________

غير هذا المورد من البيع والنكاح والطلاق وغيرها من الأفعال الصادرة من المسلم ، ومن جملتها فعل الأجير ، فيحمل الجميع على الصحيح ، لكن بعد إحراز أصل العمل. وأمّا مع الشكّ في صدور الفعل كما في المقام فلا مجال لذلك ، حيث لا موضوع للحمل على الصحّة ، فأيّ شي‌ء يحمل عليها؟

وعليه فلا يمكن الحكم بفراغ ذمّة الميّت في محلّ الكلام إلّا بما علم إتيان الأجير به ، من دون فرق بين انقضاء المدّة وعدمه. والتصدّي للتصحيح في الأوّل بقاعدة الحيلولة كما ترى ، لاختصاص دليلها بالموقّتات بالأصالة وبعمل الشخص نفسه. فالتعدّي إلى عمل الغير سيما في الموقّت بالعرض موقوف على دليل مفقود.

استئجار الأجيرِ الغيرَ :

(١) فانّ ظاهر الإجارة اعتبار المباشرة ، فلا يكون فعل الغير مصداقاً للعمل المستأجر عليه إلّا إذا رضي به المستأجر الأوّل الراجع ذلك إلى تعويض ما كان يملكه في ذمّة الأجير بفعل الغير ، أو كانت الإجارة واقعة على ذات العمل الأعم من المباشري والتسبيبي.

(٢) أو كانت الإجارة الثانية بجنس آخر ، فانّ مقتضى القاعدة وإن كان هو الجواز مطلقاً إلّا أنّ بعض النصوص الواردة في باب الإجارة قد منعت عن مثل ذلك ، فقد ورد في غير واحد من النصوص أنّ «فضل الأجير حرام» (١) ، فكأنّه

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٢٥ / كتاب الإجارة ب ٢٠ ح ٢ ٥.

٢٥٢

[١٨٣٤] مسألة ٢٢ : إذا تبرّع متبرّع عن الميّت قبل عمل الأجير ففرغت ذمّة الميّت انفسخت الإجارة (*) (١) ، فيرجع المؤجر بالأُجرة أو ببقيتها إن أتى ببعض العمل ،

______________________________________________________

بحكم الربا.

نعم ، لو أتى الأجير ببعض العمل ولو يسيراً كما لو فصّل الخياط الثوب فاستأجر الغير للخياطة بالأقل ، أو اختلفت الإجارتان في الجنس بأن استؤجر للعمل بالدرهم مثلاً واستأجر غيره بالدينار ، لم يكن به بأس وإن كان الفضل كثيراً ، وذلك للنصّ كما يأتي الكلام حول ذلك مستقصى في بحث الإجارة إن شاء الله ، وكأنّه بذلك يخرج عن الشبه بالربا (١).

(١) لعدم قدرة الأجير على التسليم بعد افتراض فراغ ذمّة الميّت بعمل المتبرّع ، وحينئذ فيرجع المستأجر بتمام الأُجرة أو بعضها إذا كان الأجير قد أتى بالبعض.

وهذا على إطلاقه لا يتمّ ، بل الصحيح هو التفصيل في المقام ، فإنّ الإجارة قد تقع على ذات العمل لكن بداعي تفريغ ذمّة الميّت ، وقد تقع على عنوان التفريغ.

أمّا في الأوّل : فلا وجه لانفساخ الإجارة ، لتمكّن الأجير حينئذ من الإتيان بالعمل ، لاحتمال اشتغال ذمّة الميّت بعد التبرّع ، لجواز فساد عمل المتبرّع ولو واقعاً ، فتكون النيابة عن الميّت مشروعة ومحكوماً عليها بالصحّة ، فيكون

__________________

(*) هذا إذا وقع الإيجار على تفريغ ذمّة الميت ولم يمض زمان يتمكّن الأجير فيه من الإتيان بالعمل ، وإلا لم تنفسخ الإجارة وكانت عليه عندئذ اجرة المثل على تقدير عدم فسخ المستأجر وأما إذ وقع على ذات العمل بداعي التفريغ واحتمل فساد عمل المتبرع واقعاً فلا وجه للانفساخ أصلاً ، حيث إنّ العمل مع هذا الاحتمال مشروع فيجب على الأجير العمل على طبق الإجارة.

(١) ولتوضيح المقام لاحظ ما حرّرناه في كتاب الإجارة من مستند العروة : ٢٨٢.

٢٥٣

نعم لو تبرّع متبرّع عن الأجير ملك الأُجرة (*) (١).

______________________________________________________

الأجير قادراً على التسليم حينئذ ، فما هو الموجب للانفساخ؟ ومن المعلوم أنّ تخلّف الداعي لا يقدح في الصحّة. ففي هذه الصورة وهي الغالبة لا ينبغي الشكّ في عدم الانفساخ.

وأمّا الثاني : أعني به وقوع الإيجار على تفريغ ذمّة الميّت.

فقد يفرض تمكّن الأجير من الإتيان بالعمل قبل التبرّع ولكنّه أخّره باختياره لسعة الوقت فاتفق التبرّع فحصل العجز وتعذّر عليه التسليم بقاءً بعد تمكّنه منه حدوثاً ، وحينئذ فلا مجال أيضاً للانفساخ ، فانّ العجز الطارئ لا يوجبه ، غايته ثبوت الخيار للمستأجر.

فلو أمضى طالبَ الأجيرَ بقيمة ما بقي في ذمّته ، لتعذّر التسليم الموجب للانتقال إلى البدل ، كما هو الحال في البيع ، فلو باع الكلّي وكان قادراً على التسليم فلم يسلّم إلى أن طرأ عليه العجز عنه كان للمشتري خيار تعذّر التسليم ، فيطالبه بقيمة المثل لو أمضى المبيع ، وإلّا رجع بالثمن.

وقد يفرض عجزه عن ذلك حدوثاً وبقاءً كما لو كان مريضاً من الأوّل وبرئ منه بعد حصول التبرّع فلم يكن قادراً على التسليم في شي‌ء من الوقت المحدّد للعمل ، وحينئذ يحكم بانفساخ الإجارة لا محالة ، لكشف العجز عن عدم ملكه المنفعة من الأوّل ، ويرجع المستأجر بنفس الأُجرة.

فالحكم ببطلان العقد يختصّ بهذه الصورة ، ولا يأتي في الصورتين المتقدّمتين. هذا كلّه في التبرّع عن الميّت ، وستعرف بعد هذا حكم التبرّع عن الأجير.

(١) شريطة وقوع الإجارة على ذات العمل الأعمّ من المباشري والتسبيبي فانّ عمل المتبرّع حينئذ مصداق لما في ذمّة الأجير ، فيكون ذلك من قبيل أداء

__________________

(*) هذا إذا لم تكن الإجارة مقيّدة بالمباشرة.

٢٥٤

[١٨٣٥] مسألة ٢٣ : إذا تبيّن بطلان الإجارة بعد العمل استحقّ الأجير اجرة المثل بعمله ، وكذا إذا فسخت الإجارة من جهة الغبن لأحد الطرفين (١).

______________________________________________________

دين الغير ، الجائز ببناء العقلاء والنصوص الخاصّة (١). فيستحقّ الأُجرة بعد انطباق ما اشتغلت به الذمّة من الطبيعي على فعل المتبرّع كما هو ظاهر.

وأمّا إذا كانت الإجارة واقعة على العمل المباشري فقط فلا ينفع فعل المتبرّع بالنسبة إلى الأجير ، وإن انتفع الميّت به بفراغ ذمّته ، فتعود الفائدة منه إليه فقط ، وليس للأجير الاكتفاء به.

وفي انفساخ الإجارة حينئذ ما تقدّم في التبرّع عن الميّت ، فيحكم بالانفساخ مع وقوع الإجارة على عنوان التفريغ وعجز الأجير من ذلك حدوثاً وبقاءً ، وبثبوت الخيار مع العجز الطارئ. كما أنّه مع تعلّق الإجارة بالصلاة بداعي التفريغ يحكم بلزوم العقد ، فيجب على الأجير الإتيان بالعمل ثانياً ، لاحتمال الفساد الواقعي في فعل المتبرّع على التفصيل المتقدّم فلاحظ.

(١) إذا انكشف بطلان الإجارة لفقد شرط من شروطها كما إذا كانت المدّة مجهولة ، أو أُكره أحدهما على العقد ، أو انكشف موجب للخيار كالغبن من أحد الطرفين ففسخ صاحبه ، إلى غير ذلك من موجبات الانحلال حدوثاً أو بقاءً فان لم يكن الأجير قد أتى بشي‌ء فلا كلام.

وأمّا إذا كان آتياً بالعمل كلا أو بعضاً استحق من اجرة المثل بمقدار ما عمله وذلك لقاعدة : كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. والإجارة من العقود الضمانيّة ، ففاسدها يوجب الضمان بأُجرة المثل كما يوجب صحيحها ضمان المسمّى.

والمستند لهذه القاعدة أنّ المقدم على المعاملة الضمانيّة لم يقدِم على إتلاف ماله أو عمله مجّاناً ، بل بإزاء عوض ، وحيث كان عمله في المقام محترماً استحقّ الأُجرة بإزائه لا محالة.

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٤٦ / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٢ ح ٦ وغيره.

٢٥٥

[١٨٣٦] مسألة ٢٤ : إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال من يوم معيّن إلى الغروب فأخّر حتّى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات ولم يصلّ صلاة عصر ذلك اليوم ، ففي وجوب صرف الوقت في صلاة نفسه أو الصلاة الاستيجارية إشكال (*) من أهمّية صلاة الوقت ، ومن كون صلاة الغير من قبيل حقّ الناس المقدّم على حقّ الله (١).

______________________________________________________

(١) موضوع البحث هو ما إذا وقعت المزاحمة بين فريضة الوقت وبين واجب آخر مالي ، من دون فرق بين الصلاة الاستيجارية وغيرها ، كما إذا وقعت المزاحمة بين فريضة الوقت وبين الخياطة أو الكتابة ونحوهما لكونه أجيراً على الإتيان بذلك ، وكما إذا كان دين مطالب مزاحم بفريضة الوقت. فلا يختصّ ذلك بما فرضه المصنف (قدس سره) في المتن ، لعموم الملاك.

وكيف كان ، فقد استشكل (قدس سره) في تقديم أحدهما على الآخر من جهة أهميّة فريضة الوقت ، ومن كون الواجب الآخر من حقّ الناس المقدّم على حقّ الله تعالى.

ولكن لا مجال لذلك ، بل لا ينبغي التأمّل في تقديم فريضة الوقت ، فإنّ الصلاة عمود الدين (١) وممّا بني عليها الإسلام (٢) وهي المائز بين المسلم والكافر (٣) ، إلى غير ذلك ممّا ورد في أخبار الباب ، الكاشف ذلك عمّا لها من أهميّة بالإضافة إلى سائر الواجبات إلّا النادر منها كحفظ النفس المحترمة وحفظ بيضة الإسلام. فهي مقدّمة على غيرها من الواجبات عند المزاحمة ، ولا تحتمل أهميّة غيرها كي يتردّد في المسألة.

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في تقدّم صلاة نفسه.

(١) الوسائل ٤ : ٢٧ / أبواب أعداد الفرائض ب ٦ ح ١٢.

(٢) الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدمة العبادات ب ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٢ / أبواب أعداد الفرائض ب ١١ ح ٦ ، ٧.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا لزوم تقديم حقّ الناس على حقّ الله سبحانه فيختصّ بموارد تساوي الواجبين المتزاحمين في الرتبة مع زيادة أحدهما على الآخر بكونه حقّ الناس كما لو كان مكلّفاً بالحج من السنة السابقة وكان مكلّفاً بأداء الدين أيضاً ، فإنّ هذه المزيّة في مسألة الدين تستوجب أهميّة أحد المتزاحمين بالنسبة إلى الآخر قطعاً أو احتمالاً فيتقدّم.

ولا يتمّ ذلك فيما إذا اختلف المتزاحمان في المرتبة وبحسب الملاك بأن كان أحدهما أهمّ من الآخر مطلقاً حتّى ولو كان الآخر حقّا مالياً كما في المقام ، فإنّ الأهم حينئذ يتقدّم على غيره قطعاً ، ولا مجال فيه للترديد ، فضلاً عن تقديم الحقّ المالي على الحق الإلهي.

وقد يقال بانفساخ الإجارة في مفروض الكلام ، فانّ صحّتها مشروطة بالقدرة على العمل حدوثاً وبقاء. فلو طرأ العجز وتعذّر العمل بقاء ولو لأجل المانع الشرعي الذي هو في حكم المانع العقلي كشف ذلك عن بطلان العقد من أوّل الأمر ، لارتفاع الموضوع ، فلا تصل النوبة إلى المزاحمة حتى يتردّد في التقديم.

وفيه ما لا يخفى ، لعدم الدليل على الاشتراط بالقدرة بقاءً ، وإنّما المعتبر هي القدرة على الفعل حدوثاً فقط ، ليكون مالكاً له حال التمليك ، فلا يكون العجز الطارئ قادحاً في صحّة التمليك ولزومه لا في الإجارة ولا في البيع كما مرّت الإشارة إليه (١).

فالمدار في الصحة حدوثاً وبقاءً على مجرّد القدرة على التسليم حدوثاً ، أي في ظرف التمليك ، حتّى لا يملّك ما لا سلطنة له عليه ، وهو متحقّق في المقام ، لا أنّ الصحة بقاءً تدور مدار القدرة بقاءً ، نعم العجز الطارئ يوجب الانتقال إلى البدل ، فيرجع المستأجر في المقام إلى الأجير بأُجرة المثل ، كما أنّ للأجير أن

__________________

(١) في ص ٢٥٤.

٢٥٧

[١٨٣٧] مسألة ٢٥ : إذا انقضى الوقت المضروب للصلاة الاستيجارية ولم يأت بها أو بقي منها بقيّة ، لا يجوز له أن يأتي بها بعد الوقت إلّا بإذن جديد من المستأجر(١).

[١٨٣٨] مسألة ٢٦ : يجب تعيين الميّت المنوب عنه (٢) ، ويكفي الإجمالي ، فلا يجب ذكر اسمه عند العمل ، بل يكفي من قَصَده المستأجر ، أو صاحب المال ، أو نحو ذلك.

[١٨٣٩] مسألة ٢٧ : إذا لم يعيّن كيفية العمل من حيث الإتيان بالمستحبّات يجب الإتيان على الوجه المتعارف (٣).

______________________________________________________

يطالبه بالمسمّى بمقتضى صحّة الإجارة.

(١) الحكم في كلّ من المستثنى والمستثنى منه ظاهر ، فإنّ الصلاة كلّا أو بعضاً خارج الوقت المضروب للعمل ليست مصداقاً للمستأجر عليه ، فلا يكون وفاء بالعقد إلّا برضا المستأجر ، الراجع إلى إسقاط الشرط وإجراء معاوضة جديدة مع الأجير.

(٢) فإنّ الكلّي الذي اشتغلت به الذمّة ممّا لا يتعيّن بدون القصد ، حيث لا تعيّن له واقعاً بغير ذلك ، نعم لا يعتبر التفصيلي كذكر اسمه عند العمل ، بل يكفي الإجمالي والإشارة على نحو يوجب التعيين كالأمثلة المذكورة في المتن.

انصراف الإجارة إلى المتعارف :

(٣) لانصراف الإطلاق إليه ، الذي هو في قوة الاشتراط ، فيجب القنوت وجلسة الاستراحة بناء على عدم وجوبهما لعدم تعارف الصلاة عندنا بدونهما ، وأمّا الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد ذكرى الركوع والسجود فلا تجب ما لم يصرّح بها في العقد ، لعدم التعارف الموجب لانصراف الإطلاق.

٢٥٨

(١٨٤٠) مسألة ٢٨ : إذا نسي بعض المستحبّات التي اشترطت عليه أو بعض الواجبات ممّا عدا الأركان (١) ، فالظاهر نقصان الأُجرة بالنسبة (*) إلّا إذا كان المقصود تفريغ الذمّة على الوجه الصحيح (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت لزوم الإتيان بالمستحبّات المتعارفة ، نظراً إلى انصراف الإطلاق إليها ، وحيث إنّه أي الانصراف خاصّ بحال الذكر فلا جرم لا يترتّب على نسيانها شي‌ء.

وأمّا الواجبات غير الركنية فهي وإن كانت ملحوظة في عقد الإجارة لا محالة ، لانصرافه إلى العمل الصحيح ، لكنّها لمّا لم تكن ملحوظة على سبيل الاستقلال بل باعتبار الدخل في الصحّة وهو مختصّ بحال الذكر فلا يترتّب على نسيانها شي‌ء أيضاً.

هذا كلّه مع إطلاق العقد ، وأمّا مع التصريح بهما في متنه فان كان على سبيل الجزئية للعمل المستأجر عليه بحيث قوبل كلّ منهما بجزء من الأُجرة تعيّن التقسيط لدى النسيان ، فينقص من الأُجرة بالنسبة ، لمكان تبعّض الصفقة.

وأمّا إذا كان على سبيل الاشتراط فلم يترتّب على نسيانهما ما عدا خيار تخلّف الشرط ، فلو فسخ المستأجر رجع إلى الأجير بأُجرة المسمّى ورجع الأجير إليه بأُجرة المثل.

(٢) يعني وقعت الإجارة على عنوان التفريغ بالوجه الصحيح ، وإن لم تكن العبارة وافية بذلك ، وحينئذ فلا موجب للتقسيط ، لحصول التفريغ بعد الحكم بالصحّة في فرض نسيان الجزء غير الركني بطبيعة الحال.

__________________

(*) الظاهر أنّ متعلّق الإجارة ينصرف إلى الصحيح ، فلا يؤثر نسيان جزء غير ركني في استحقاق الأُجرة شيئاً ، وأما الأجزاء المستحبة فالمتعارف منها وإن كان داخلاً في متعلق الإجارة بحسب الإطلاق إلا أنه منصرف عن صورة النسيان فلا يترتب على نسيانها أثر أيضاً ، نعم إذا أُخذ شي‌ء من الأجزاء الواجبة أو المستحبة في متعلّق الإجارة صريحاً تعين التقسيط ، كما أنه إذا أُخذ فيه شي‌ء منها بنحو الاشتراط كان تخلفه موجباً للخيار.

٢٥٩

(١٨٤١) مسألة ٢٩ : لو آجر نفسه لصلاة شهر مثلاً فشكّ في أنّ المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر ولم يمكن الاستعلام من المؤجر أيضاً ، فالظاهر وجوب الاحتياط بالجمع (١) ، وكذا لو آجر نفسه لصلاة وشكّ أنّها الصبح أو الظهر مثلاً وجب الإتيان بهما.

(١٨٤٢) مسألة ٣٠ : إذا علم أنّه كان على الميت فوائت ولم يعلم أنّه أتى بها قبل موته أو لا ، فالأحوط الاستئجار عنه (*) (٢).

______________________________________________________

(١) للعلم الإجمالي بوجوب إحداهما فتجب الموافقة القطعية ، ولا يحصل ذلك إلّا بالاحتياط بالجمع.

(٢) بل هو الأقوى ، لاستصحاب عدم الإتيان بها حال الحياة وبقائها في ذمّته ، فيجب على الوليّ المباشرة أو الاستئجار ، أو على الوارث إخراجه من الأصل ، بناءً على خروج الواجبات منه.

وقد يقال بعدم الوجوب ، تارة لأجل أنّ الوليّ أو الوارث إنّما يجب عليه مراعاة التكاليف المنجزة في حقّ الميت لا مطلقاً ، فانّ تكليفه بالعمل يتبع تكليف الميّت ومتفرّع عليه لا محالة ، ولم يعلم بتنجّز التكليف في حقّ الميّت لتفرّعه على ثبوت الشكّ له ليجري الاستصحاب ، ولم يحرز ذلك في حقّه لاحتمال عدم التفاته إليه ما دامت الحياة.

واخرى للبناء على الإتيان به قبل الموت ، استناداً إلى أصالة الصحّة.

وفي كلا الوجهين ما لا يخفى.

أمّا الأوّل : فلأنّ فوائت الميّت تكون موضوعاً لتوجيه الخطاب إلى الوليّ أو الوارث. ولا يناط تنجّز هذا التكليف في حقّ الوليّ أو الوارث بسبق تنجّزه في حق الميت ، كيف وقد يتنجّز ذلك في حقّهما مع العلم بعدم التنجّز في حقّ الميّت كما لو دخل عليه الوقت وهو نائم فمات ، أو أُغمي عليه فأفاق أثناء الوقت

__________________

(*) بل الأقوى ذلك في موارد يجب الاستئجار فيها على تقدير الفوات.

٢٦٠