موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

نعم ، الأحوط مباشرة الولد ذكراً كان أو أُنثى (*) مع عدم التركة إذا أوصى بمباشرته لهما وإن لم يكن ممّا يجب على الولي أو أوصى إلى غير الولي ، بشرط أن لا يكون مستلزماً للحرج من جهة كثرته. وأمّا غير الولد ممّن لا يجب عليه إطاعته فلا يجب عليه ، كما لا يجب على الولد أيضاً استئجاره إذا لم يتمكّن من المباشرة أو كان أوصى بالاستئجار عنه لا بمباشرته.

______________________________________________________

عليه ، وهو من أحكام الوليّ الذي سيجي‌ء البحث عنه إن شاء الله تعالى في فصل (قضاء الولي) (١) بخصوصياته ، ومنها البحث عن اختصاص ذلك بما فات عن الوالد لعذر ، أو تعميمه لمطلق الفائت وإن لم يكن لعذر ، وهو أجنبيّ عن فروع الوصيّة المبحوث عنها في المقام.

فالكلام في المسألة إنّما يقع فيما إذا أوصى إلى غير الولد الأكبر كالأجنبي أو إلى الولد الأصغر ، أو إلى الأكبر في غير ما يجب عليه.

أمّا الوصيّة إلى الأجنبي فلا إشكال في عدم نفوذها. وما دلّ من الكتاب والسنة على لزوم العمل بالوصيّة منصرف عن مثلها جزماً ، فإنّ الوصية الملحوظة في موضوع الأدلّة المذكورة كقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٢) وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (٣) إنّما هي بالإضافة إلى ما يتركه الميّت ويخلّفه من الأموال وأنّه إذا أوصى بذلك إلى أحد بأن جعل له ولاية التصرّف في ماله وجب عليه العمل على طبق الوصيّة.

والمال الموصى به في الوصية التمليكية ينتقل إلى الموصى له بمجرّد موت الموصي ، لكنّه في الوصية العهدية يكون باقياً على ملك الميّت ، ولا ينتقل عنه

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) في ص ٢٦٣ وما بعدها.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٠.

(٣) النساء ٤ : ١١.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى ملك الوارث أو غيره ، ولا مانع من قيام الملكيّة بالميّت بعد كونها من الأُمور الاعتبارية ، فليس لأحد التصرّف في ذلك إلّا بإذنه وعلى النحو الذي جعل له ولاية التصرّف فيه ، فيكون عدم جواز تغييره عمّا هو عليه على طبق القاعدة ، لكنّه فيما يرجع إلى أمواله فقط كما عرفت.

وأمّا في غير ذلك كما لو أوصى بأن يقضي عنه زيد جميع صلواته أو يصلّي عليه صلاة الميت أو يطعم أي زيد من ماله الخاص الفقراء كلّ ليلة جمعة ونحو ذلك من الأعمال القائمة بالموصى له فلا دليل على نفوذ مثل هذه الوصيّة بل لا ينبغي الشكّ في عدم وجوب القبول ، فإنّه تصرّف في سلطان الغير بدون حقّ ، فليس له أن يلزم أحداً بعمل لا يرتبط بأمواله ، وهذا من الواضحات. فاذا لم يكن للميّت مال لم تنفذ وصيته بالصلاة والصوم بلا إشكال.

وأمّا الوصية إلى الولد الأكبر في غير ما يجب عليه أو إلى غير الأكبر من سائر أولاده ، والمفروض أنّه لا مال للميّت أصلاً ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في عدم النفوذ فيما إذا كان مورد الوصية من الأُمور المالية كما إذا أوصى ولده بأن يستأجر من ينوب عنه لزيارة الحسين (عليه السلام) كلّ ليلة جمعة ، أو يستأجر من يصلّي عنه أو يصوم أو يحجّ ونحو ذلك ، ضرورة عدم وجوب إطاعة الوالد فيما يرجع إلى المال. فلو أمره بأن يهب أو يتصدّق بماله على أحد لم تجب على الولد إطاعته ، كما لا تجب إطاعته فيما هو أعظم كطلاق زوجته.

إنّما الكلام في نفوذ وصيته في غير الأُمور المالية كما لو أوصى ولده بأن يزور بنفسه الحسين (عليه السلام) ، أو يباشر قضاء ما فات منه من الصلاة والصيام ممّا لم يجب عليه القضاء ، أو يقوم بقضاء ما فات عن جدّه مثلاً ، فهل يجب عليه القبول أو لا؟ احتاط الماتن (قدس سره) في ذلك بالقبول ، نظراً إلى وجوب إطاعة الوالد فيما يرجع إلى الفعل المباشري.

ولكن الظاهر عدم الوجوب ، لعدم الدليل على وجوب الإطاعة بهذا العنوان بل الواجب إنّما هو البرّ في مقابل العقوق بأن يعاشره معاشرة حسنة ويصاحبه

٢٢٢

[١٨١٨] مسألة ٦ : لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب إخراجه (*) من الأصل أيضاً (١)

______________________________________________________

بالمعروف ، قال الله تعالى (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) ... (١) في مقابل المصاحبة بالمنكر ، لا أنّه تجب عليه إطاعتهما على حدّ وجوب إطاعة العبيد لأسيادهم ، لتجب عليه صلاة الليل مثلاً فيما لو أمر بها ، فإنّه لا دليل عليه بوجه.

نعم ، لا ريب في كونه أحوط ، وأحوط منه العمل بكلّ ما أمر حتّى ما يرجع منه إلى الأموال ، بل في استحبابه ، فإنّه إحسان في حقّه وإرضاء له. وقد ورد أنّه إذا أمراك أن تخرج من مالك وأهلك فافعل (٢).

وكيف ما كان ، فالظاهر أنّ الوصية غير نافذة مطلقاً ، وأنّه لا يجب العمل بها ، سواء تعلّقت بالأُمور المالية أم بغيرها.

نعم ، ورد أنّه يجب على الولد قبول وصية الوالد (٣) ، بخلاف الآخرين حيث يمكنهم الردّ. لكنّ ذلك أجنبي عمّا نحن بصدده ، فانّ مورد الحكم المذكور إنّما هو الوصية فيما يرجع إلى أموال الميّت نفسه ، حيث يكون مثل هذه الوصية جائزة في حقّ الآخرين وواجبة في حقّ الولد ، بحيث لا يكون له الامتناع عن قبولها. وأين هذا من الوصية بمال الولد أو فعله المباشري التي هي محلّ الكلام.

فتحصّل : أنّ الأظهر هو عدم نفوذ الوصية بمال الوصي أو بفعله المباشري من دون فرق في ذلك بين الولد وغيره.

(١) فلا فرق في الخروج من الأصل بين الواجبات الثابتة في ذمّة الميّت قطعاً

__________________

(*) المدار إنّما هو على وجوب الاحتياط في نظر الوارث ، فان لم يكن واجباً بنظره وجب إخراجه من الثلث.

(١) لقمان ٣١ : ١٥.

(٢) الوسائل ٢١ : ٤٨٩ / أبواب أحكام الأولاد ب ٩٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٩ : ٣٢٢ / كتاب الوصايا ب ٢٤ ح ١ ، ٣٧٢ / ب ٤٨ ح ٢ وغيرهما.

٢٢٣

وأمّا لو أوصى بما يستحبّ عليه من باب الاحتياط وجب العمل به ، لكن يخرج من الثلث (١) ، وكذا لو أوصى بالاستئجار عنه أزيد من عمره فإنّه يجب العمل به والإخراج من الثلث ، لأنه يحتمل أن يكون ذلك من جهة احتماله الخلل في عمل الأجير (٢).

______________________________________________________

وبين ما كان ثبوتها عليه من باب الاحتياط اللزومي.

ولكن الظاهر هو الفرق ، فانّا لو سلّمنا خروج الواجبات من الأصل لكونها ديناً فإنّما يتمّ ذلك فيما ثبت اشتغال ذمّة الميت ، لكي يتحقّق معه عنوان الدين لا في صورة الجهل بالاشتغال ، وإن وجب عليه الاحتياط بحكم العقل من أجل وجود الاحتمال المنجّز ، ضرورة أنّ الاحتياط لا يحقّق عنوان الدين ولا يثبته فلا علم لنا بالوجوب حتّى يثبت بذلك موضوع الدين. فالاحتياط الوجوبي في نظر الميت لا أثر له.

نعم ، لو فرضنا أنّ هذا الاحتياط الوجوبي كان ثابتاً عند الوارث وإن لم يفرض ثبوته عند الميت لاختلافهما في الحكم اجتهاداً أو تقليداً وجب عليه الإخراج من الأصل ، لكفاية احتمال كونه ديناً في ذمّة الميت احتمالاً منجّزاً ، إذ لو لم يخرج وصادف الواقع لعوقب على مخالفته.

وأمّا إذا لم يكن الاحتياط وجوبياً في نظره وإن كان كذلك في نظر الميت فلا يحكم بالخروج من الأصل ، لعدم كون الاحتمال منجّزاً في نظر الوارث على الفرض. وتنجّزه في نظر الميت لا يكاد يحقّق عنوان الدين كما عرفت.

ومنه يظهر الحال في الواجب المالي والحج. وعلى الجملة : الاحتياط اللزومي إنّما يوجب الخروج من الأصل حتّى في الدين المالي وفي الحج فيما إذا كان كذلك بالإضافة إلى الوارث ، دون الميّت بالخصوص.

(١) كما هو ظاهر.

(٢) فانّ عمله وإن كان محكوماً بأصالة الصحّة ظاهراً إلّا أنّ وجود الخلل

٢٢٤

وأمّا لو علم فراغ ذمّته علماً قطعياً (١) فلا يجب وإن أوصى به ، بل جوازه أيضاً محلّ إشكال (*) (٢).

______________________________________________________

فيه واقعاً أمر محتمل وجداناً ، والاحتياط حسن ، فيكون العمل سائغاً ، فتشمله عمومات الوصية ، كما كان هذا الاحتياط مشروعاً والعمل على طبقه سائغاً في حقّ الميت نفسه حال حياته بأن يقضي جميع صلواته مدى عمرة أو أزيد منه بكثير من باب الاحتياط ، لمجرّد احتمال اشتغال الذمّة الناشئ من احتمال الخلل في عمله.

(١) فهل يجب العمل حينئذ بالوصية؟ ونحوه ما لو أراد أحد قضاء الصلاة عن أحد المعصومين (عليهم السلام) تبرّعاً.

استشكل الماتن (قدس سره) في الجواز فضلاً عن الوجوب ، نظراً إلى أنّ العبادة توقيفية فتحتاج إلى الإذن ، وإنّما قام الدليل على النيابة عن الميّت فيما كانت الذمّة مشغولة قطعاً أو احتمالاً ، وأمّا مع القطع بالعدم كما إذا فرضنا الموت في آخر رمضان السنة الاولى من بلوغه مع فرض استمرار المرض في تمام الشهر كلّه ، فإنّه غير مشغول الذمّة بقضاء الصوم قطعاً ، لاختصاصه بالمتمكّن من القضاء بعد رمضان.

ولذا أجاب الإمام (عليه السلام) عن سؤال القضاء في عين المسألة بقوله : «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله عليها» (١). فالمشروعية مشكلة ، بل لم يثبت الجواز فضلاً عن وجوب العمل بالوصية.

(٢) قد يستشكل في عبارة المصنف (قدس سره) بأنّ الوجوب وعدمه تابعان للجواز وعدمه ، فاذا جاز وجب وإلّا لم يجب ، فكيف جزم (قدس سره) بعدم الوجوب واستشكل في الجواز ، فإنّه إن كان في المسألة إشكال ففي كليهما

__________________

(*) بل منع.

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

٢٢٥

[١٨١٩] مسألة ٧ : إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به فان اشترط المباشرة بطلت الإجارة (*) بالنسبة إلى ما بقي عليه (١) ، وتشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه ، فيخرج من تركته.

______________________________________________________

وإلّا فكذلك ، فما هو الوجه في التفكيك؟

والجواب : أنّ مراده (قدس سره) بالجواز الذي استشكل فيه هو الجواز الواقعي ، أعني مشروعية العمل في حدّ نفسه وبالعنوان الأوّلي ، مع قطع النظر عن عنوان التشريع الطارئ عليه الموجب لحرمته لأجل توقيفية العبادة ، فإنّ العمل وإن كان حراماً بالفعل بملاحظة انطباق عنوان التشريع فلا يجب العمل بالوصية قطعاً ، إلّا أنّ حرمة العمل في نفسه وبحسب الواقع مورد للإشكال ، لعدم قيام دليل عليه ، ولا تنافي بين الأمرين فليتأمّل.

موت الأجير قبل إتمام العمل :

(١) لتعذّر الوفاء بالشرط ، فتبقى ذمّته مشغولة بمال الإجارة بالنسبة إلى الباقي لو قبضه ، فيخرج عن الأصل لو كان له مال ، وإلّا فلا يجب على الورثة كما مرّ (١). هذا هو مختار الماتن (قدس سره).

وربما يورد عليه بعدم الموجب للانفساخ ، بل غاية ما يترتّب على تعذّر الشرط هو التسلّط على الفسخ ، فيثبت للمستأجر خيار تخلّف الشرط كما هو الحال في سائر الشروط حيث لا يترتّب على تخلّفها إلّا الخيار دون البطلان وحينئذ فإن أمضى العقد وجب على الورثة الاستئجار بالنسبة إلى الباقي من صلب المال إن كان له مال كسائر ديونه ، وإلّا فلا ، وإن جاز تفريغ الذمّة من الزكاة أو بالتبرّع على النحو الذي مرّ.

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يمض زمان يتمكّن الأجير من الإتيان بالعمل فيه ، وإلّا لم تبطل.

(١) في ص ٢٢٢.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن فسخ العقد طالب بمال الإجارة كاملاً ، إذ بالفسخ ينحلّ العقد من أوّل الأمر ، فيرجع إلى الورثة بتمام المال ، ويخرج من الأصل ، غايته أنّ المستأجر يلزمه أن يدفع للورثة أُجرة المثل بالمقدار الذي كان الميت قد أتى به من العمل ، كما هو الشأن في كلّ معاملة مفسوخة ، حيث يسترجع العوضان عيناً إن أمكن وإلّا استرجع البدل.

أقول : ليس المقام من موارد تخلّف الشرط الموجب للخيار ، بل من باب تخلّف القيد الموجب لتعذّر المبيع في مورد البيع المستلزم للبطلان ، فانّ الاشتراط يباين التقييد ويغايره ثبوتاً وبحسب اللّب ونفس الأمر ، ولا عبرة في هذا الباب باللفظ كما أشرنا إلى ذلك في بعض المباحث السابقة وبيّناه مستقصى في بحث المكاسب (١).

وتوضيح الكلام : أنّ ما تقع عليه المعاملة كالمبيع أو الثمن قد يكون شخصياً وجزئياً خارجياً كما لو باعه الحنطة المعيّنة على أن تكون من المزرعة الفلانية ، وفي مثله يستحيل التقييد ، أي تقييد المبيع بكونه من تلك المزرعة فإنّ التقييد فرع إمكان الإطلاق ، والموجود الخارجي جزئي حقيقي وفرد معيّن لا إطلاق له كي يصلح للتقييد ، سواء وقع التعبير عنه بالتقييد بأن قال : هذه الحنطة المقيّدة بكذا ... ، أو بلفظ الشرط بأن يقول : بشرط أن تكون ... ، أو على أن تكون ... ، أو بوصف كذا.

فالمبيع حينئذ هو الموجود الخارجي على ما هو عليه ، ولا يعقل تقييده بشي‌ء ، حيث إنّه ليس لهذه العين الشخصية فردان كي يمكن التقييد بأحدهما.

فالذي يتصوّر فيه التقييد إنّما هو الالتزام بالبيع ، دون المبيع نفسه ، لما عرفت من أنّ الإنشاء البيعي إنّما يرد على الموجود الخارجي على ما هو عليه وإنّما يكون التزامه بهذا البيع مشروطاً باتّصاف المبيع بالوصف المعيّن ، ومرجع ذلك إلى اشتراط جعل الخيار على تقدير تخلّف الشرط ، كما هو الحال في باب

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٥ : ٤١٠ ٤١١.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

اشتراط الأُمور الخارجة عن المبيع كاشتراط الخياطة ، حيث لا يوجب تخلّفها أو تعذّر الوفاء بها إلّا الخيار. فالتقييد في أمثال المقام راجع إلى الاشتراط لا محالة ، ونتيجته جعل الخيار ، من دون فرق بين التعبير عنه بلفظ القيد أو الشرط.

وقد يكون المبيع كلّياً كما لو باعه منّاً من الحنطة مع ذكر الخصوصيات الرافعة للغرر ، واشترط عليه أن تكون من المزرعة الفلانية ، فمرجع هذا الاشتراط إلى تقييد كلّي بحصّة خاصّة من الحنطة ، فالبيع إنّما يرد على هذه الحصّة ، فتكون هي المبيع بخصوصها دون غيرها.

فاذا تخلّف وادّى إلى المشتري غيرها لم يكن ما أداه هو المبيع ، وإنّما يكون أجنبياً عنه ، فان تراضيا على ذلك كان ذلك معاملة جديدة لا وفاء بالبيع الأوّل ، ونتيجة ذلك أنّه لو تعذّر عليه انفسخ العقد ، لكشفه عن عدم سلطنة البائع على المبيع ، فلا مال له كي يبيعه من غيره.

فلو آجر نفسه على أن يحجّ مباشرة عن زيدٍ في هذه السنة فمات في شهر شوال مثلاً انفسخ بذلك عقد الإجارة لا محالة ، لكشف الموت عن عدم كونه مالكاً لحجّ نفسه في هذه السنة حتّى يملّكه لغيره بعقد الإجارة ، فإنّ الإنسان لا يكون مالكاً لأعماله إلّا في حال الحياة ، لا مطلقاً ولو بعد مماته.

وعلى الجملة : ذكر القيد في هذا القسم أي المعاملة على الكلّي لا معنى له سوى تقييد المبيع أو العمل المستأجر عليه ونحوه بحصّة خاصّة ، عبّر عنه بلفظ القيد أو الشرط ، ونتيجته هو الانفساخ عند التعذّر كما عرفت.

والمقام من هذا القسم ، فانّ متعلّق الإجارة إنّما هو العمل في ذمّة الأجير لكن لا على إطلاقه وكلّيته ، بل الحصّة الخاصّة منه وهو الصادر عنه بالمباشرة وبالموت يستكشف أنّه لم يكن مالكاً للمقدار الباقي من العمل وأنّه كان قد ملّك المستأجر ما لم يكن ليملكه ، فكان التمليك بعقد الإجارة في غير محلّه ، ونتيجته انفساخ العقد بالنسبة إلى الباقي بطبيعة الحال.

فهو نظير ما لو آجر داره سنة فانهدمت أثناء السنة ، فكما أنّه يحكم

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بانفساخ عقد الإجارة بالنسبة إلى المدّة الباقية من الأجل من جهة كشف الانهدام عن عدم كونه مالكاً للمنافع في تلك المدّة حيث لا موضوع لها ، كذلك الحال في المقام بعين المناط ، فانّ التعذّر قد تعلّق بنفس العمل المستأجر عليه فيكون ذلك من قبيل تعذّر المبيع الموجب للخيار. فما ذكره في المتن من الحكم بالبطلان هو الصحيح ، هذا.

ولكن ينبغي تخصيص ذلك بصورة واحدة ، وهي ما إذا مات الأجير قبل انتهاء المدّة التي كان يمكنه إيقاع العمل المستأجر عليه فيها كما لو استأجر لصلاة سنة واحدة ، وكان بإمكانه إيقاع ذلك خلال أربعة أشهر مثلاً ، ولكنّه بعد مضيّ شهرين من زمان العقد والإتيان بنصف العمل مات ، فإنّه يجري فيه ما مرّ من الحكم بالانفساخ بالنسبة إلى الأشهر الستة الباقية ، لكشف الموت عن تعذّر العمل بهذا المقدار ، وعدم كون الأجير مالكاً لمنافع نفسه في هذه المدّة. وكذلك لو استؤجر للحجّ في سنة معيّنة مباشرة فمات في شهر شوال من تلك السنة.

وأمّا إذا كان الوقت واسعاً وأمكنه الإتيان بتمام العمل قبل الموت غير أنّه تسامح وأخّر حتّى عرضه الموت كما لو مات بعد مضيّ أربعة أشهر على زمان الإجارة في المثال الأوّل ، أو أنّه استؤجر للحجّ في خصوص هذه السنة فأخّره إلى القابل ظنا منه بالبقاء فمات بعد أيام الموسم ، فلا موجب للانفساخ في مثل ذلك ، لفرض ثبوت قدرته على تسليم العمل مع فرض سعة الوقت ، فكان مالكاً للعمل بتمامه ، وقد وقعت الإجارة على ما كان يملكه ، فقد ملّك المستأجر ما يملكه وما هو مسلّط عليه ، لا ما لا يملكه كما في الصورة المتقدّمة ، إلّا أنّه باختياره قد تسامح في التسليم فأخّر ولم يسلّم.

وبكلمة اخرى : أنّا إنّما حكمنا بالبطلان في الصورة المتقدّمة لأجل كشف الموت عن عدم ملكية الأجير للعمل المستأجر عليه ، فكان الحكم المذكور لأجل وقوع عقد الإجارة على غير الملك. وهذا بخلاف المقام ، حيث إنّه لا

٢٢٩

وإن لم يشترط المباشرة وجب استئجاره من تركته إن كان له تركة (١) ، وإلّا فلا يجب على الورثة ، كما في سائر الديون إذا لم يكن له تركة.

نعم ، يجوز تفريغ ذمّته من باب الزكاة (٢) أو نحوها (٣) أو تبرّعا (٤).

______________________________________________________

سبيل فيه إلى الكشف المذكور ، إذ الأجير مالك لمنافعه حال الحياة ، والمفروض سعة الوقت لتمام العمل المستأجر عليه ، فقد ورد عقد الإجارة حينئذ على الملك ، فلا مقتضي للحكم بالانفساخ.

والقاعدة تقضي برجوع المستأجر حيث إنّه لم يتسلّم المقدار الباقي من العمل إلى الورثة ومطالبتهم بقيمة العمل الباقي حتّى ولو كانت هناك زيادة في القيمة ، فإنّه مالك لنفس العمل في ذمّة الميّت بعد فرض صحّة الإجارة ، وحيث لا يمكن التسليم فعلاً فلا محالة ينتقل منه إلى البدل وهي القيمة حين الأداء فتخرج قيمة العمل المذكور كسائر الديون الماليّة من أصل التركة إن كانت وإلّا لم يجب ذلك على أحد كما مرّ.

فما ذكره الماتن (قدس سره) من الحكم بالبطلان صحيح ، لكن لا على إطلاقه ، بل على التفصيل الذي عرفت.

(١) لا ينبغي الإشكال في عدم انفساخ العقد حينئذ ، لعدم الموجب له ، بل العمل باق في ذمّته كسائر ديونه ، غايته أنّ الدين هنا إنّما هو نفس العمل وحينئذ فان كان له مال وجب الاستئجار من أصل التركة كما في بقيّة الديون وإلّا لم يجب على الورثة شي‌ء ، لما تقدّم من عدم وجوب تفريغ ذمّة الميّت فيما إذا لم يكن له مال.

(٢) كما في سائر الديون ، للنصوص الخاصّة الدالّة على ذلك (١).

(٣) كالوقف ونحوه إذا كان مصرفه شاملاً لمثله ومنطبقاً عليه.

(٤) كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦.

٢٣٠

(١٨٢٠) مسألة ٨ : إذا كان عليه الصلاة أو الصوم الاستئجاري ومع ذلك كان عليه فوائت من نفسه ، فان وفت التركة (*) بها فهو ، وإلّا قدّم الاستئجاري لأنّه من قبيل دين الناس (١).

______________________________________________________

(١) بناء على ما سلكناه من عدم خروج الواجبات من أصل المال لاختصاص ذلك بالدين ، فلا ريب في اختصاص الخارج منه حينئذ بالاستئجاري ، لكونه ديناً في ذمّة الميّت وإن كان من سنخ العمل ، بلا فرق في ذلك بين وفاء التركة بهما وعدمه.

وأمّا على مسلك الماتن (قدس سره) من خروجها أيضاً من الأصل لكونها مصداقاً للدين كسائر الديون فالظاهر هو التقسيط ، وعدم تقديم الاستئجاري.

وتقديم حقّ الناس على حقّ الله سبحانه وتعالى عند الدوران وإن كان متيناً كبروياً لكنّه غير منطبق على المقام ، لاختصاصه بباب التزاحم الذي مورده خصوص الأحكام التكليفية ، دون الوضعية كما فيما نحن فيه.

وتوضيح ذلك : أنّ الذمّة إذا اشتغلت بما هو من حقّ الله محضاً وبما هو من حقّ الناس كما لو استقرّ عليه الحجّ من السنة الماضية واشتغلت ذمته بالدين أيضاً والمفروض أنّ ماله لا يفي إلّا بأحدهما ، فقد توجّه إليه حينئذ تكليفان أحدهما متعلّق بالحجّ والآخر بأداء الدين ، وبما أنّه لا يتمكّن من الجمع بينهما في مقام الامتثال فلا محالة يقع التزاحم بين التكليفين ، ولا بدّ فيه من الرجوع إلى مرجّحات باب التزاحم التي منها الترجيح بالأهمية قطعاً أو احتمالاً.

ولا ريب في أنّ الدين أهمّ ، إذ أنّه بعد فرض اشتراكه مع الحجّ في أصل الإلزام الإلهي يمتاز بكونه من حقّ الناس ، وهذه المزيّة تستوجب القطع بالأهميّة ، ولا أقل من احتمالها ، فيتقدّم الدين على الحجّ ، ولأجله يحكم بأنّ كلّ ما فيه حقّ الناس يتقدّم على ما هو متمحّض في كونه حقّ الله سبحانه وتعالى.

__________________

(*) مرّ أنّ فوائت نفسه لا تخرج من أصل التركة.

٢٣١

[١٨٢١] مسألة ٩ : يشترط في الأجير أن يكون عارفاً (١) بأجزاء الصلاة وشرائطها ومنافياتها وأحكام الخلل (*) عن اجتهاد أو تقليد صحيح.

______________________________________________________

فالكبرى المذكورة وإن كانت تامّة إلّا أنّها تختصّ بالأحكام التكليفية ، ولا تجري في الأحكام الوضعية التي منها المقام ، لعدم تصوّر التزاحم في باب الأحكام الوضعية ، ففي محلّ الكلام لم يتعلّق بالوليّ أو الوصيّ تكليفان لا يمكنه الجمع بينهما في مقام الامتثال حتّى يتحقّق التزاحم ، بل يكون أمر التركة دائراً بين الصرف في الاستئجاري وصرفه في عبادة الميّت الواجبة عليه بالأصالة.

وبكلمة اخرى : أنّ المال لم يعلم حاله وأنّه ما هو مصرفه حسب تعيين الشارع ، ومثل هذا خارج عن باب التزاحم كما لا يخفى. فلا مجال في المقام للترجيح بالأهميّة كي يقتضي ذلك تقديم الاستئجاري ، وإنّما يكون مقتضى القاعدة فيه هو التقسيط جمعاً بين الحقّين. فما ذكره (قدس سره) من تقديم الاستئجاري إنّما يستقيم على مسلكنا لا مطلقاً فلاحظ.

شرائط الأجير :

(١) من الواضح عدم دخل المعرفة في صحّة العمل ، لإمكان صدوره تامّ الأجزاء والشرائط من الجاهل أيضاً كما لو احتاط في الإتيان بالسورة رجاءً مع عدم العلم بجزئيتها. أو أنّه لقوّة حفظه اطمأن من نفسه بعدم ابتلائه بمسائل الشكوك ، أو أنّه تمكّن من قصد القربة مع الشكّ في جزئية شي‌ء مثلاً فصادف الواقع ، فانّ العمل في جميع ذلك محكوم عليه بالصحّة ، لكون وجوب التعلّم طريقياً لا نفسياً كما نبّهنا عليه في مباحث الاجتهاد والتقليد (١).

فالوجه في اعتبار المعرفة إنّما هو عدم إحراز المستأجر فراغ ذمّة المنوب

__________________

(*) هذا فيما إذا كان ممّا يبتلى به عادة.

(١) شرح العروة ١ : ٢٤٨.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عنه إذا كان الأجير جاهلاً ، لاحتمال فساد عمله المقتضي لوجوب الاستئجار ثانياً تحصيلاً لليقين بالفراغ.

ولا مجال لجريان أصالة الصحّة في المقام ، وذلك لأنّه لم تثبت حجّية الأصل المذكور بدليل لفظي حتّى يستند إلى إطلاقه في موارد الشكّ ، حيث لم يدلّ عليه شي‌ء من النصوص بل المستند في حجيّته هي السيرة والإجماع ، بل الضرورة.

فإنّ من الأُمور الواضحة التي اتفق عليها علماء الإسلام وقامت عليه السيرة القطعية حمل الفعل الصادر من المسلم العارف بالمسائل على الصحّة ، بإلغاء احتمال الفساد الناشئ من احتمال الغفلة أو النسيان أو التعمّد في الإخلال ببعض الأجزاء أو الشرائط ، بلا فرق بين العبادات والمعاملات.

فترى أنّه يقتدى بإمام الجماعة ، ويكتفى بصلاة الغير على الميت ، ويبني الموكّل على صحّة ما صدر من وكيله من بيع أو نكاح أو طلاق إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى المعاد أو المعاش ، مع طروء احتمال الفساد في جميع ذلك من جهة الغفلة مثلاً عن النية وهي أمر باطني لا سبيل للعلم بها وغيرها من الأجزاء والشرائط ولكنّهم لا يعبؤون بذلك ، حملاً لفعل المسلم على الصحيح.

بل السيرة قائمة على ذلك حتّى مع الشكّ في معرفة العامل ، حيث إنّه لا يُتصدّى في الحكم بالصحّة لمعرفة حال العامل من حيث علمه بالمسائل وجهله بها. فاذا شاهدوا من يصلّي على الميت وهم لا يعرفونه عالماً بمسائل الصلاة أو جاهلاً بها بنوا على صحّة صلاته ، ولم يبالوا باحتمال الفساد الموجب لعدم سقوط الواجب الكفائي بالعمل المذكور.

وأمّا مع العلم بجهله بها فالسيرة غير جارية حينئذ في الحمل على الصحة بمجرّد احتمال المصادفة الواقعية ، فلا تجري في مثله أصالة الصحّة بالضرورة.

وعلى الجملة : بعد فرض انحصار مستند الأصل المذكور بالدليل اللّبي الذي لا إطلاق له لا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن به ، وهو صورة العلم بمعرفته للمسائل وصورة الشكّ في ذلك ، لا مع العلم بجهله بها أيضاً.

٢٣٣

(١٨٢٢) مسألة ١٠ : الأحوط اشتراط عدالة الأجير (١) وإن كان الأقوى كفاية الاطمئنان بإتيانه على الوجه الصحيح (*) وإن لم يكن عادلا (٢).

______________________________________________________

فما أفاده الماتن (قدس سره) من اشتراط المعرفة في الأجير صحيح ، لكن ينبغي على ضوء ما ذكرناه تبديل العبارة على النحو التالي : يشترط في الأجير أن يكون عارفاً ولو احتمالاً ... ، لما عرفت من أنّ المعتبر عدم العلم بجهله ، لا العلم بمعرفته.

(١) لا دخل للعدالة في صحة العمل ، فانّ التكاليف والأحكام الشرعية تعمّ العادل والفاسق ، ولا اختصاص لها بالأوّل. فالعمل الصادر من كلّ منهما يكون محكوماً بالصحّة إذا كان واجداً للأجزاء والشرائط ولو بمعونة أصالة الصحة كما مرّ.

فاشتراط العدالة في الأجير إنّما هو لعدم حجّية قول الفاسق في إخباره عن الإتيان بالعمل. فلم يحرز فراغ ذمّة المنوب عنه ، فيجب الاستئجار له ثانياً تحصيلاً لليقين بالفراغ ، ولأجل ذلك يكتفى بالعدالة حين الإخبار وإن كان فاسقاً حال العمل أو حين الاستئجار ، دون العكس.

(٢) في المقام أمران اختلط أحدهما بالآخر في بعض الكلمات :

أحدهما : أنّه مع حصول الاطمئنان بصدور العمل من الأجير صحيحاً يكتفى به بلا إشكال ، فإنّ الاطمئنان علم عادي وحجّة عقلائية سواء أخبر به الأجير أيضاً أم لا ، فاسقاً كان أم عادلاً ، حيث لا يدور الاعتماد على الاطمئنان مدار الإخبار ، كما لا يختصّ ذلك بالفاسق. فلو استؤجر العادل فمات ولم يخبر ولكن حصل الاطمئنان بإتيانه بالعمل صحيحاً كفى ذلك قطعاً.

ثانيهما : أنّه إذا أخبر الأجير بتحقّق العمل مع عدم حصول الاطمئنان بذلك

__________________

(*) بل الأقوى كفاية الاطمئنان بأصل الإتيان بالعمل ، وأما صحته فيحكم بها بمقتضى الأصل.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فهل تعتبر العدالة في قبول قوله أو لا بل يكتفى بكونه ثقة وإن لم يكن عدلاً؟ الظاهر هو الثاني ، لعدم اختصاص ما دلّ على حجيّة قول الثقة بباب الأحكام بل يعمّ الإخبار عن الموضوعات أيضاً ، ولا سيما في موارد إخبار الشخص عن عمل نفسه كما حقّق ذلك في محلّه (١).

وعلى الجملة : فالاطمئنان بصدور العمل شي‌ء ، والاعتماد على إخبار الثقة شي‌ء آخر.

ومنه تعرف أنّه كان الأولى بالماتن التعبير التالي : وإن كان الأقوى كفاية كونه ثقة. لما قد عرفت من أنّ اعتبار العدالة لأجل التعويل على إخبار الأجير ، لا من جهة دخلها في صحّة العمل. فكان الأنسب بسياق الكلام هو تعميم الأجير المخبر عن العمل للعدل والثقة وإلّا فالاطمئنان بصدور العمل منه صحيحاً غير دائر مدار الإخبار وعدمه ، كما لا يختصّ ذلك بالفاسق كما عرفت.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) (٢) أفاد بأنّ الاستقراء وتتبّع الأخبار يشهدان بأنّ كلّ ذي عمل مؤتمن على عمله ، وأنّ قوله فيه حجّة كما يظهر ذلك بملاحظة ما ورد في الجارية المأمورة بتطهير ثوب سيدها ، وكذا إخبار الحجّام بطهارة موضع الحجامة ، وما ورد في القصّابين والجزّارين والقصّارين ونحو ذلك فانّ التدبّر في ذلك بعين الإنصاف ربما يورث القطع بحجّية إخبار كل عامل عن عمله وأنّه مصدّق فيه ، ومن مصاديق هذا الموضوع هو إخبار النائب عن تحقّق الفعل الذي هو مورد الكلام.

ويتوجّه عليه : عدم ثبوت هذه الكليّة بحيث يكون إخبار صاحب العمل بمثابة أخبار ذي اليد عن طهارة ما تحت يده أو نجاسته. وما ذكره من الاستقراء فهو ناقص يختصّ بموارد جزئية معيّنة ، وليس بالاستقراء التام حتّى

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ١٩٦ ، ٢٠٠.

(٢) الجواهر ٦ : ١٨١.

٢٣٥

(١٨٢٣) مسألة ١١ : في كفاية استئجار غير البالغ ولو بإذن وليّه إشكال ، وإن قلنا بكون عباداته شرعيّة والعلم بإتيانه على الوجه الصحيح ، وإن كان لا يبعد (*). وكذا لو تبرّع عنه مع العلم المذكور (١).

______________________________________________________

تثبت به الكلّية المدّعاة كما لا يخفى. فلا يمكن الخروج بذلك عن مقتضى القواعد.

وعليه فان كان المخبر وهو الأجير في مفروض الكلام عادلاً أو ثقة كان إخباره عن عمله حجّة ، وإلّا فلا.

(١) استشكل (قدس سره) في كفاية استئجار غير البالغ مع العلم بإتيانه العمل على الوجه الصحيح ، وكذا في تبرّعه ، ثمّ بنى أخيراً على الكفاية بناءً على شرعيّة عباداته ، فإنّه بعد ثبوت الأمر بها في حقّه لا يفرق بين عبادات نفسه وبين ما يأتي به عن غيره.

وقد يقال بالكفاية مطلقاً حتى بناءً على تمرينيّة عباداته وعدم الأمر بها فإنّ النائب إنّما يقصد الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه لا إليه نفسه. فعدم مشروعيّة العبادة في حقّ النائب لا يمنع من صحّة نيابته عن غيره ، بل قد لا يمكن توجّه الأمر نحو النائب كما في حجّ غير المستطيع عن المستطيع حجّة الإسلام.

ولكنّ الظاهر هو عدم الكفاية مطلقاً.

أمّا بناءً على التمرينيّة فظاهر ، إذ بعد عدم المشروعية في حقّ الصبيّ وعدم توجّه الأمر نحوه كيف يتّصف العمل المأتي به بالعباديّة الموقوفة على ثبوت الأمر ، فلا يوجب تفريغ ذمّة المنوب عنه.

وقياسه بالحجّ عجيب ، فانّ غير المستطيع وإن لم يتوجّه إليه الأمر لكنّه خصوص الأمر بالحجّ ، لا مطلقاً حتّى مثل الأمر بالنيابة عن الغير في الحجّ. وكم فرق بين الأمرين.

__________________

(*) فيه إشكال ، بل الأظهر عدم الصحة ، لعدم ثبوت الشرعية في عباداته النيابية ، ومنه يظهر حال تبرّعه.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد عرفت أنّ المدار في صحّة النيابة تعلّق الأمر بنفس النيابة دون نفس العمل ، وأنّ النائب إنّما يقصد امتثال هذا الأمر المتعلّق به ، وهو المصحّح للنيابية واتّصاف العمل بالعبادية ، دون الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه ، حيث تختصّ داعويته بالمنوب عنه المفروض سقوطه بموته ، فلا ربط له بالنائب.

وأمّا بناءً على الشرعيّة كما هو الصحيح فلأنّ مستند هذا القول ليس هو إطلاق الأدلّة الأوّلية ، كيف وهي مختصّة بغير الصبيّ بمقتضى حديث رفع القلم (١). ودعوى أنّ المرفوع خصوص الإلزام فيبقى أصل الخطاب بحاله واضحة الفساد كما لا يخفى. فأدلّة الأحكام برمّتها حتّى مثل الأمر بالنيابة منصرفة عن الصبيّ وخاصّة بالبالغين.

بل المستند هو ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أمر الأولياء بأمر الصبيان بالصلاة والصيام (٢) بناءً على ما تقرّر في محلّه من أنّ الأمر بالأمر بالشي‌ء أمر بالشي‌ء نفسه (٣) ، وهذا منصرف إلى ما يأتي به الصبيّ من الصلاة والصيام عن نفسه ، ولا إطلاق له بالإضافة إلى ما ينوب فيهما عن غيره. فلا دليل على ثبوت الأمر بالنسبة إلى عباداته النيابية ، وهو ممّا لا بدّ منه في صحّة النيابة كما عرفت ذلك آنفاً.

وعلى الجملة : أنّ العبادات توقيفية ، يحتاج الحكم بمشروعيتها إلى الأمر ، ولم يثبت ذلك في حقّ الصبيّ إلّا في خصوص عباداته الأصلية دون النيابية. فلا يصح استئجاره كما لا يكتفى بما يأتي به تبرّعاً وإن كان صحيحاً في نفسه ، للشكّ في فراغ ذمّة الميّت بذلك ، ومقتضى إطلاق دليل وجوب التفريغ المتوجّه إلى الوليّ أو الوصيّ عدم الاكتفاء به كما لا يخفى.

ومع الغضّ عن الإطلاق فمقتضى الأصل العملي هو الاشتغال دون البراءة

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٥ / أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١ وغيره.

(٢) الوسائل ٤ : ١٩ / أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٥ ، ٧ ، ٨ ، ١٠ : ٢٣٤ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٢٩ ح ٣.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٧٤.

٢٣٧

[١٨٢٤] مسألة ١٢ : لا يجوز استئجار ذوي الأعذار (١) خصوصاً من كان صلاته بالإيماء ، أو كان عاجزاً عن القيام ويأتي بالصلاة جالساً ونحوه ، وإن كان ما فات من الميت أيضاً كان كذلك.

______________________________________________________

للشكّ في تحقّق الفراغ والامتثال بعد العلم بالتكليف.

وقد ذكرنا نظيره في بحث الصلاة على الميّت (١) وقلنا إنّه لا يكتفى بصلاة غير البالغ على الميّت وإن التزمنا بمشروعية عباداته. ولا منافاة بين الأمرين ، فإنّ المشروعية إنّما ثبتت بدليل الأمر بالأمر بالصلاة المنصرف عن مثل هذه الصلاة. فيتمسّك حينئذ بإطلاق الأمر بالصلاة على الميّت المتوجّه إلى البالغين أو بأصالة الاشتغال للشك في سقوط التكليف عنهم بصلاة الصبيّ.

والمتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ النائب إنّما يقصد الأمر الاستحبابي العبادي المتوجّه إليه بعنوان النيابة ، وربما يتّصف ذلك بالوجوب بعنوان آخر مثل الإجارة ونحوها ، دون الأمر المتعلّق بالمنوب عنه كما هو ظاهر ، ودون الأمر المتعلّق بذات الفعل بما هو هو ، إذ قد لا يكون الفعل مأموراً به في حقّه أصلاً كما في مثال الحجّ المتقدّم ، وكما لو بلغ الوليّ وهو الولد الأكبر بعد شهر رمضان ومات والده وعليه قضاء شهر رمضان ، فإنّه يجب على الولد حينئذ الصوم عن أبيه مع أنّه لم يكلّف بعدُ بصوم شهر رمضان.

فالعبرة في صحّة النيابة بقصد الأمر المتعلّق بها ، وحيث لم يثبت ذلك في حقّ الصبيّ وإن قلنا بمشروعية عباداته لم يجز استئجاره ، كما لا يكتفى بما أتى به تبرّعا.

(١) فإنّ الفائت عن الميّت هي الصلاة الاختيارية ، فيجب تفريغ ذمّته عمّا اشتغلت به كما اشتغلت ، فلا تجزي الصلاة العذريّة من النائب حتّى ولو كانت هي تكليف الميّت في ظرف الفوت ، كما لو فاتته الصلاة وهو عاجز عن الركوع

__________________

(١) شرح العروة ٩ : ١٩٤.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أو القيام فكانت وظيفته البدل وهو الإيماء للركوع أو الصلاة جالساً ، فانّ الانتقال إلى البدل كان مختصاً بما إذا أتى بالعمل في ظرفه دون ما إذا لم يتحقّق منه ذلك ، لقصور أدلّة البدليّة عن هذا الفرض. ومن هنا كان الواجب على الميّت نفسه في مقام قضاء ما فاته الإتيان بالصلاة الاختيارية بلا إشكال.

والسرّ في ذلك هو اختلاف التكليف باعتبار حالتي الأداء والفوت ، وأنّه في مقام الأداء يكون المفروض هي الوظيفة الفعليّة من الإتيان بالأجزاء الاختيارية إن أمكن وإلّا فالاضطرارية ، وأمّا مع الفوت ووجوب القضاء فالاعتبار إنّما يكون بما فات من الوظيفة الأوّلية ، أعني الصلاة الاختيارية.

ولا يقدح عدم تعلّق الأمر الفعلي بها في الوقت ، لكفاية التكليف الشأني الاقتضائي في صدق عنوان الفوت كما في النائم والناسي ونحوهما على ما عرفت سابقاً (١).

وعلى الجملة : فحيث إنّ الفائت من الميّت على كلّ تقدير إنّما هي الصلاة الاختيارية ذات الركوع والسجود ... ، كان اللازم في مقام القضاء إمّا بنفسه حال حياته ، أو بالاستئجار عنه بعد موته الإتيان بتلك الصلاة. فلا يجزي استئجار المعذور الذي يومئ للركوع أو السجود.

هذا إذا كان العذر الموجب للانتقال إلى البدل في الأجزاء أو الشرائط ، كما في الأمثلة المتقدمة ممّا كان مركز الاعتبار هو نفس الصلاة كاعتبار الركوع والسجود أو القيام ونحو ذلك ، ففي مثل ذلك كلّه لا يجوز بلا إشكال استئجار العاجز ، للزوم المطابقة مع الفائت في الكيفيّة كما عرفت.

وأمّا العذر الراجع إلى المصلّي نفسه بحيث كان مركز الاعتبار هو المصلّي دون الصلاة فلا يبعد القول في مثل ذلك بكفاية استئجار المعذور ، كما في استئجار العاجز عن الطهارة المائية الآتي بالصلاة مع التيمم ، فانّ المعتبر في الصلاة هي الطهارة الجامعة بين المائية والترابية على ما هو المستفاد من قوله

__________________

(١) في ص ٨٦.

٢٣٩

ولو استأجر القادر فصار عاجزاً وجب عليه التأخير إلى زمان رفع العذر وإن ضاق الوقت انفسخت الإجارة (*) (١).

______________________________________________________

تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (١).

وأمّا خصوص الوضوء أو الغسل فإنّما يعتبر في المصلّي لدى القدرة على استعمال الماء ، وعند عجزه من ذلك تنتقل وظيفته إلى التيمّم. فالقدرة على الماء أو العجز عنه ممّا لوحظ في ناحية المصلّي كالسفر والحضر ، لا في الصلاة نفسها وإلّا فكلتا الصلاتين واجدتان لشرط الطهارة ، ولا مزيّة لإحداهما على الأُخرى ، وإن كان لا يجوز التعدّي من الماء إلى التراب في فرض التمكّن.

وعليه فالصلاة مع التيمّم الصادرة من الأجير تطابق الصلاة الاختيارية الفائتة عن الميّت في الاشتمال على الشرط وهي الطهارة ، فلا مانع من استئجاره بعد تمكّنه من تفريغ ذمّة المنوب عنه عمّا اشتغلت به من الصلاة بما لها من الأجزاء والشرائط ، وإن كان مصداق الطهور في الأجير مغايراً لما كان ثابتاً في حقّ الميّت ، ولا دليل على قادحيّة المغايرة بهذا المقدار بعد كون التيمّم مصداقاً للطهور حقيقة.

ولعلّ هذا هو السرّ في جواز ائتمام المتوضي أو المغتسل بالمتيمّم مع عدم جواز ذلك عند اختلافهما بحسب وظيفة الركوع أو السجود ، حيث لا يجوز اقتداء المختار بمن يصلّي إيماءً بلا إشكال. والسر فيه : هو ما عرفت من اشتمال كلتا الصلاتين على شرط الطهارة وإن اختلف الإمام والمأموم في مصداقها ، وفي بعض الروايات إشارة إلى ذلك (٢).

(١) أمّا وجوب التأخير إلى زمان رفع العذر فظاهر ممّا مرّ ، على إشكال

__________________

(*) في إطلاقه إشكال تقّدم نظيره آنفاً [في المسألة ١٨١٩] ويأتي الكلام فيه في كتاب الإجارة.

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب الصلاة الجماعة ب ١٧ ح ١.

٢٤٠