موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

إلّا أن يكون مستلزماً للمشقّة التي لا تتحمّل من جهة كثرتها (١) فلو فاتته ظهر ومغرب ولم يعرف السابق صلّى ظهراً بين مغربين أو مغرباً بين ظهرين وكذا لو فاتته صبح وظهر ، أو مغرب وعشاء من يومين ، أو صبح وعشاء أو صبح ومغرب ، ونحوها ممّا يكونان مختلفين في عدد الركعات. وأمّا إذا فاتته ظهر وعشاء ، أو عصر وعشاء ، أو ظهر وعصر من يومين ممّا يكونان متّحدين في عدد الركعات فيكفي الإتيان بصلاتين بنية الاولى في الفوات والثانية فيه ، وكذا لو كانت أكثر من صلاتين ، فيأتي بعدد الفائتة بنية الأُولى فالأُولى.

______________________________________________________

تقديم ما هو المتأخّر فواتاً حتى مع العلم بالسابق واللاحق كما هو ظاهر.

وأمّا بناءً على اعتباره فهل يختصّ ذلك بحال الإحراز فلا يعتبر الترتيب مع الجهل ، أو أنّه شرط واقعي يعمّ الصورتين؟ الظاهر هو الثاني لإطلاق الدليل كما هو الشأن في بقية الأجزاء والشرائط ، حيث إنّها أُمور واقعية معتبرة في المأمور به ، سواء أكان المكلّف عالماً بها أم كان جاهلاً.

وعليه فيكون اللازم في مورد الجهل الاحتياط بالتكرار إلى أن يحصل العلم بتحقّق الشرط المذكور ، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي فراغاً مثله.

(١) فيسقط بدليل نفي الحرج. وهل الساقط حينئذ هو اعتبار الترتيب من أصله ، أو خصوص الحدّ المستلزم للحرج فيحتاط بالتكرار إلى حدٍّ يستلزم الاستمرار فيما بعده الحرج؟

الظاهر هو الثاني ، لعدم المقتضي للسقوط رأساً. ودليل نفي الحرج إنّما ينفي الاحتياط بالمقدار المستلزم للحرج ، فهذه المرتبة من الاحتياط هي الساقط وجوبها بدليل نفي الحرج ، وأمّا المقدار الذي لم يبلغ هذا الحدّ فلا موجب لسقوطه ، فانّ فعلية الحكم تتبع فعلية موضوعه. وبالجملة : فلا مناص من الاحتياط ما لم يلزم منه الحرج.

فاذا كانت الفائتة أوّلاً مردّدة بين مختلفي العدد كالصبح والمغرب مثلاً صلّى

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

صبحاً بين مغربين أو مغرباً بين صبحين ، فتقع إحداهما زائدة. ولا ضير في الزيادة للزوم الإتيان بها من باب المقدّمة العلمية.

كما أنّه لا ضير في التكرار احتياطاً كما في سائر موارد الاحتياط المستلزم للتكرار بعد حصول قصد القربة المعتبر في العبادة ولو على وجه الرجاء في كلّ واحد من الأطراف.

غايته فقد قصد التمييز حينئذ ، وهو غير معتبر ، لعدم الدليل عليه. وعلى فرض الاعتبار فهو خاصّ بصورة التمكّن منه ، وأمّا مع العجز عنه كما في أمثال المقام فهو ساقط بلا إشكال.

ومنه يظهر الحال في سائر ما أورده الماتن (قدس سره) من الأمثلة للفائتتين مختلفتي العدد.

وأمّا إذا تردّدت الفائتة أوّلاً بين صلاتين متّحدتي العدد كظهر وعشاء ، أو عصر وعشاء ، أو صبح وعشاء بالنسبة إلى المسافر ، أو ظهر وعصر من يومين أو كانت الفائتة صلاة واحدة مردّدة بين صلاة الظهر وصلاة العصر ولو من يوم واحد ، فإنّه لا حاجة إلى التكرار في شي‌ء من ذلك ، بل إنّه يكفي في الأخير الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة ، كما أنّه يكفي فيما عداه الإتيان بصلاتين بنية الاولى في الفوات والثانية فيه. كما أنّ الفائتة لو كانت أكثر من اثنتين كان عليه أن يأتي بعددها بنية الأُولى فالأُولى.

والوجه في ذلك كلّه هو كفاية قصد القربة إجمالاً في تحقّق العبادة ، ولا حاجة إلى قصدها تفصيلاً ، وأنّ التمييز غير معتبر في ذلك.

وهذا ظاهر فيما إذا تساوت الفائتتان من حيث الجهر والإخفات ، كما إذا تردّدتا بين الصبح والعشاء في حقّ المسافر ، أو الظهر والعصر من يومين.

وكذا الحال مع الاختلاف في ذلك كما إذا دار الأمر بين العصر والعشاء وذلك لسقوط اعتبار الجهر والإخفات في مفروض المقام ، ويدلّ عليه :

أوّلاً : صحيحة علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : من نسي من صلاة يومه واحدة ، ولم يدر أيّ صلاة هي

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

صلّى ركعتين وثلاثاً وأربعاً» (١).

فانّ الاكتفاء بأربع ركعات عن الفائتة المردّدة بين الجهرية والإخفاتية يكشف عن سقوط اعتبار الجهر والإخفات في قضاء المردّدة بينهما كما في المقام فإنّه يصدق على الاولى بوصف كونها كذلك أنّها مردّدة بين العصر والعشاء مثلاً من يوم واحد ، وقد حكم الإمام (عليه السلام) فيه بالاجتزاء بأربع ركعات. وكذلك الحال في الفائتة الثانية بوصف كونها كذلك. فينتج جواز الإتيان بصلاتين ، بلا حاجة إلى التكرار ، لعدم اعتبار الجهر والإخفات حينئذ ، هذا بحسب الدلالة.

وأمّا من حيث السند فقد أشرنا في بعض المباحث السابقة ولا سيما عند التعرّض لمرسلة يونس الطويلة (٢) إلى أنّ التعبير بـ (غير واحد من أصحابنا) أو (جماعة من أصحابنا) يكشف عن كثرة رواة الحديث ، بحيث يجد الراوي نفسه في غنى عن ذكر أسمائهم ، وكون صدور الخبر بنظره مسلّماً ومفروغا عنه ولذلك أجمل في مقام التعبير عنهم.

ومن البعيد جدّاً أن يكونوا على كثرتهم كلّهم ضعفاء ، بل تطمئنّ النفس بوجود الثقة فيهم ولا أقل من الواحد. فلا يقاس ذلك بقوله : (عن رجل) أو (عمّن أخبره) ونحوهما ، للفرق الواضح بين التعبيرين كما لا يخفى.

وعليه فلا يعامل مع هذه الرواية ونظائرها كمرسلة يونس الطويلة معاملة المراسيل ، فالمناقشة فيها من حيث السند ساقطة أيضاً. وأمّا علي بن أسباط نفسه فقد وثّقه النجاشي صريحاً (٣).

وتؤيّدها مرفوعة الحسين بن سعيد قال : «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي من الصلوات لا يدري أيّتها هي ، قال : يصلّي ثلاثاً وأربعاً وركعتين ، فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعاً ، وإن كانت

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٥ / أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ١.

(٢) شرح العروة ٧ : ١٤٩.

(٣) رجال النجاشي : ٢٥٢ / ٦٦٣.

١٤٣

[١٧٩٣] مسألة ١٧ : لو فاتته الصلوات الخمس غير مترتّبة (١) ولم يعلم السابق من اللاحق يحصل العلم بالترتيب بأن يصلّي خمسة أيّام ، ولو زادت فريضة أُخرى يصلّي ستة أيام ، وهكذا كلّما زادت فريضة زاد يوما.

______________________________________________________

المغرب أو الغداة فقد صلّى» (١). إلّا أنّها لضعفها سنداً لا تصلح إلّا للتأييد.

وثانياً : قصور المقتضي ، حيث إنّه لا إطلاق لدليل اعتبار الجهر والإخفات يتناول المقام ، فإنّ عمدة المستند لذلك إنّما هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمّت صلاته» (٢).

وهي كما تراها صريحة في الدلالة على أنّ الناقض هو الإخلال بالجهر والإخفات عامداً ، وأمّا إذا كان المصلّي لا يدري بذلك فلا شي‌ء عليه. ومن الواضح أنّ القاضي صلاته في مفروض الكلام لا يدري أنّ الفائتة الاولى جهرية أو إخفاتية ، وكذا الثانية ، فلا يشمله صدر الرواية ، بل يندرج ذلك تحت إطلاق الذيل ، هذا.

وقد ذكرنا في بحث الأُصول أنّه لا مانع من أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم نفسه لكن مع الاختلاف في المرتبة ، بأن يكون العلم بالحكم الإنشائي ومرحلة الجعل مأخوذاً في موضوع الحكم الفعلي ومرحلة المجعول (٣). وسيأتي إن شاء الله تعالى في شرح المسألة الحادية والعشرين ما له نفع في المقام.

(١) بأن فاتته الصبح في يوم والظهر في آخر والعصر في ثالث وهكذا ، مع عدم علمه بالسابق من اللاحق ، فإنّه لا يكاد يحصل العلم بالترتيب إلّا بأنّ يصلّي خمسة أيّام. ولو زادت الفريضة الفائتة بواحدة ازداد عدد الأيّام أيضاً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٣) لاحظ مصباح الأُصول ٢ : ٤٦ ٤٧.

١٤٤

[١٧٩٤] مسألة ١٨ : لو فاتته صلوات معلومة سفراً وحضراً ولم يعلم الترتيب صلّى بعددها من الأيّام ، لكن يكرّر الرباعيات من كلّ يوم بالقصر والتمام (١).

______________________________________________________

بواحد وهكذا ، هذا.

ولكن بناءً على ما ذكرناه وسيذكره الماتن (قدس سره) أيضاً فيما يأتي (١) من كفاية الإتيان عن الفائتة المردّدة بين الظهرين والعشاء برباعية مردّدة بينهما يكتفي في المقام بثنائية وثلاثية ورباعية مردّدة بين الصلوات الثلاث لكلّ يوم إذا كان الفوت حال الحضر ، وإذا كان في السفر اكتفى عن كلّ يوم بثنائية مردّدة بين الصبح والظهرين والعشاء ، وثلاثية.

(١) المفروض في هذه المسألة هو العلم بمقدار الفائت كما إذا علم بأنّه قد فاتته صلوات خمسة أيّام مثلاً بحيث لم يكن قد صلّى في هذه المدّة أصلاً ، مع العلم بأنّه كان حاضراً في بعض الخمسة ومسافراً في البعض الآخر ، ومع العلم أيضاً بعدد أيام السفر والحضر لكنّه جاهل بالسابق من اللاحق ، فلا يدري بسبق السفر على الحضر أو العكس ، وهو المراد بعدم العلم بالترتيب ، ففي مثله لا بدّ من قضاء صلوات خمسة أيام مع مراعاة التكرار في الرباعية من كلّ يوم بالجمع بين القصر والتمام كما أفاده الماتن (قدس سره).

والوجه فيه : أنّ الرباعية في كلّ يوم من الأيّام الخمسة دائر أمرها بين القصر والتمام ، لأجل العلم الإجمالي الناشئ من تردّده في اليوم المذكور بين السفر والحضر ، فبمقتضى العلم الإجمالي لا بدّ له من التكرار ، ولا ربط له بمسألة اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت ، فانّ التكرار كما ذكرناه لازم سواء أقلنا باعتبار الترتيب أم لم نقل ، فإنّه من آثار تنجيز العلم الإجمالي المتعلّق بوجوب القصر أو التمام كما عرفت.

__________________

(١) [في المسألة الحادية والعشرين].

١٤٥

[١٧٩٥] مسألة ١٩ : إذا علم أنّ عليه صلاة واحدة لكن لا يعلم أنّها ظهر أو عصر يكفيه إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة (١).

[١٧٩٦] مسألة ٢٠ : لو تيقّن فوت إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر لا على التعيين ، واحتمل فوت كلتيهما ، بمعنى أن يكون المتيقّن إحداهما لا على التعيين ولكن يحتمل فوتهما معاً ، فالأحوط الإتيان بالصلاتين ، ولا يكفي الاقتصار على واحدة بقصد ما في الذمة ، لأنّ المفروض احتمال تعدّده ، إلّا أن ينوي ما اشتغلت به ذمّته أوّلاً ، فإنّه على هذا التقدير يتيقّن إتيان واحدة صحيحة ، والمفروض أنّه القدر المعلوم اللازم إتيانه (٢).

______________________________________________________

ومنه تعرف أنّه لا يجري في المقام ما تقدّم في المسألة السابقة من عدم الحاجة إلى التكرار والاكتفاء في الفائتة حضراً بثنائية وثلاثية ورباعية مردّدة بين الظهرين والعشاء ، وسفراً بثلاثية وثنائية مردّدة بين الصبح والظهرين والعشاء كما قيل للفرق الواضح بين المسألتين موضوعاً ، فانّ المفروض في المسألة السابقة هو الترديد في الفائتة ، لعدم علمه بأنّ الفائتة في اليوم الأوّل أيّة فريضة من الفرائض اليومية الخمس ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأيّام الخمسة.

وهذا بخلاف المقام ، حيث إنّه لا ترديد فيه في الفائتة نفسها ، فإنّه عالم بفوت جميع الفرائض الخمس في كلّ من الأيّام الخمسة ، إلّا أنّ الترديد في الفائتة بلحاظ القصر والتمام ، فالفائتة معلومة من كلّ الجهات إلّا من جهة القصر والتمام ، وعليه فلا مناص من الجمع بين القصر والتمام كما ذكره الماتن (قدس سره).

(١) لكفاية قصد العنوان الواقعي إجمالاً وعدم لزوم قصده تفصيلاً على ما مرّت الإشارة إليه في مطاوي الأبحاث السابقة (١).

(٢) إذا تيقّن فوت إحدى الصلاتين كالظهرين لا على التعيين مع عدم

__________________

(١) كما في ص ١٤٢.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

احتماله فوتهما معاً فلا إشكال في كفاية الإتيان برباعية بقصد ما في الذمّة كما تقدّم آنفاً ، وإذا انضمّ إلى ذلك احتمال فوتهما معاً فلا ينبغي الشكّ في عدم لزوم قضاء ما زاد على المتيقّن به ، لأجل الشكّ في تحقّق الفوت الذي هو الموضوع لوجوب القضاء. فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة أو قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت كما سيشير إليه الماتن (قدس سره) في مطاوي المسائل الآتية ، وعليه فلا يجب الإتيان بأكثر من صلاة واحدة.

إنّما الكلام في كيفية الإتيان بها ، فهل يصحّ الإتيان بقصد ما في الذمّة كما هو الحال في المسألة السابقة ، أو لا؟

الظاهر هو الثاني ، فإنّ المفروض هنا هو احتمال التعدّد فيما اشتغلت به الذمّة واقعاً. وحينئذ فيحتاج في مقام القضاء إلى التعيين ولو إجمالاً ، والمفروض عدم حصول التعيين حتّى إجمالاً بالقصد المذكور بعد صلاحية انطباقه على كلّ من الصلاتين.

ومن هنا أفاد الماتن (قدس سره) أنّ اللازم حينئذ أن ينوي ما اشتغلت به ذمّته أوّلاً ، فإنّه عنوان متعيّن واقعاً ، لامتيازه عن غيره ، فيحصل بقصده التعيين الإجمالي لا محالة.

ومن المعلوم أنّه (قدس سره) لا يريد بذلك الأوّل بوصف الأولية أي الأوّل في باب الأعداد لاستدعاء الأوّلية كذلك فرض وجود ثان له لكي يكون هذا أوّلاً بالإضافة إليه ، وهو غير معلوم على الفرض ، بل مراده ذات الأوّل ، بمعنى ناقض العدم والذي لم يكن مسبوقاً بمثله ، حتّى يجتمع ذلك مع احتمالي وحدة الفائتة وتعدّدها ، كما أُطلق الأول بهذا المعنى على الباري سبحانه وتعالى.

وكيف ما كان ، فالمكلّف بهذا النحو من القصد يستطيع الإتيان بصلاة واحدة صحيحة ، نظراً إلى تحقّق التعيين الإجمالي بذلك.

١٤٧

[١٧٩٧] مسألة ٢١ : لو علم أنّ عليه إحدى الصلوات الخمس يكفيه صبح ومغرب وأربع ركعات بقصد ما في الذمّة مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ، مخيّراً فيها بين الجهر والإخفات (١).

وإذا كان مسافراً يكفيه مغرب وركعتان مرددة بين الأربع ، وإن لم يعلم أنّه كان مسافراً أو حاضراً يأتي بركعتين مردّدتين بين الأربع ، وأربع ركعات مرددة بين الثلاث ، ومغرب.

______________________________________________________

(١) لصحيحة علي بن أسباط المتقدّمة (١) المؤيّدة بمرفوعة الحسين بن سعيد (٢) وقد مرّ الكلام حول ذلك مستقصى في شرح المسألة السادسة عشرة فلاحظ.

وحيث كان مفاد الصحيحة هو الاجتزاء بالرباعية المأتي بها عن كلّ رباعية فائتة فُهم منها على سبيل القطع عدم الخصوصية للمورد ، وأنّه يجتزئ أيضاً بالثنائية المأتي بها عن كلّ ثنائية فائتة ولو كانت هي الظهرين والعشاء في حال السفر ، كالجمع بين الأمرين لو لم يعلم أنّه كان حاضراً أو مسافراً.

كما عرفت أيضاً أنّ المستفاد منها إلغاء اعتبار الجهر والإخفات عند تردّد الفائتة بين الجهرية والإخفاتية ، ولأجل ذلك ذكرنا هناك أنّ من فاتته صلاتان متساويتان من حيث العدد مختلفتان من حيث الجهر والإخفات ولم يعلم السابق منهما من اللاحق لا يلزمه التكرار حينئذ بناء على اعتبار الترتيب في القضاء بل يجزيه الإتيان بصلاتين ، قاصداً بالأُولى الفائتة أوّلاً وبالثانية الفائتة بعدها ، مخيّراً فيهما بين الجهر والإخفات ، وذلك لتردّد الاولى بوصف كونها اولى بين الجهر والإخفات ، وكذلك الحال في الثانية. فيسقط إذن بمقتضى الصحيحة المتقدّمة اعتبار الجهر والإخفات ، هذا.

__________________

(١) في ص ١٤٢.

(٢) تقدّم ذكرها ص ١٤٣.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مضافاً إلى قصور المقتضي ، لاختصاص دليل اعتبارهما الذي عمدته صحيحة زرارة (١) بحال العلم ، فينتفي اعتبارهما واقعاً في حال الجهل والتردّد. ولا مانع من أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه مع اختلاف المرتبة كما تقدّم.

وهل التخيير الثابت فيما ذكرناه مشروط بحصول الموافقة الاحتمالية للفائتة بأن يجهر في إحدى الصلاتين ويخفت في الأُخرى مخيّراً بينهما ، فلا يجوز الإجهار أو الإخفات فيهما معاً لاستلزامه المخالفة القطعية ، إذ الفائتة مردّدة بين جهرية وإخفاتية ، فيكون الإتيان بالصلاتين معاً جهراً أو إخفاتاً مخالفة للواقع في إحداهما قطعاً ، أو أنّ التخيير ثابت مطلقاً حتى وإن استلزم ذلك؟

الظاهر هو الثاني ، لعدم حصول المخالفة القطعية إلّا في موارد الأحكام الواقعية الثابتة في حالتي العلم والجهل ، لا مثل المقام ممّا كان الحكم فيه منوطاً بحال العلم ، ومنتفياً ظاهراً وواقعاً في حال الجهل كما دلّت عليه صحيحة زرارة على ما عرفت.

وعليه فاذا أجهر مثلاً في الصلاتين معاً فقد علم بالمخالفة في إحداهما ، إلّا أنّ هذا العلم الحاصل فيما بعد لا أثر له ، ولا يترتّب عليه تنجيز الحكم بعد فرض جهله بالجهر أو الإخفات حال الإتيان بالعمل. ففي ظرف الامتثال لم يثبت في حقّه وجوب الجهر أو الإخفات ، لأجل جهله المانع عن توجّه الحكم بالإضافة إليه بعد فرض تقوّمه بالعلم ، بل إنّه بهذا الاعتبار لا يكون احتمال المخالفة فضلاً عن القطع بها كما لا يخفي.

وعليه فبعد قصور دليل الاعتبار عن الشمول لمثل ذلك يشمله الإطلاق في صحيحة علي بن أسباط بطبيعة الحال.

وهل يثبت التخيير حتى في الصلاة الواحدة بأنّ يجهر في إحدى الركعتين الأُوليين ويخفت في الأُخرى؟ مقتضى الإطلاق في صحيحة علي بن أسباط جواز ذلك. لكنّه مشكل ، للزوم المخالفة القطعية في شخص الصلاة ، للعلم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١ ، وقد تقدمت في ص ١٤٤.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إجمالاً بأنّها إمّا جهرية بتمامها أو إخفاتية كذلك. فالتفكيك فيها بين الركعات مناف للعلم المذكور.

وبكلمة اخرى : أنّه يتولّد من العلم الإجمالي المذكور العلمُ تفصيلاً ببطلان الصلاة ، حيث يشمله قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه : أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة ...» (١).

إذ المراد من الموصولِ الصلاةُ ، فهو في هذه الصلاة يعلم بأنّه إمّا أجهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، والمفروض أنّه فعل ذلك متعمّداً ، فعليه الإعادة. فلا يقاس المقام بالفرض المتقدّم ، لعدم العلم فيه بالنسبة إلى كل صلاة باعتبار الجهر أو الإخفات.

ويمكن دفع الإشكال المذكور أيضاً بعدم وضوح إرادة الصلاة من الموصول بل الظاهر أنّ المراد به هي القراءة التي تتّصف بالجهر والإخفات. فالعبرة بملاحظة القراءة في كلّ ركعة بحيالها ، لا مجموع الصلاة ، ولا شك في أنّه حين القراءة في كلّ من الركعتين غير عالم باعتبار الجهر أو الإخفات فيها ، فيكون جاهلاً باعتبارهما في كلّ من الركعتين ، كما هو الحال بالنسبة إلى كلّ من الصلاتين في الفرض السابق.

فالمقتضي إذن قاصر في كلتا الصورتين ، فيرجع إلى الإطلاق في صحيحة علي ابن أسباط ، ومع الشكّ والترديد في المراد من الموصول وأنّه الصلاة أو القراءة يكون المرجع أيضاً هو إطلاق الصحيحة ، لإجمال صحيحة زرارة المتقدّمة ، فلا تنهض لتقييد الإطلاق.

فتحصّل : أنّ الأظهر هو سقوط اعتبار الجهر والإخفات في الفائتة المردّدة والحكم بثبوت التخيير في ذلك بين الجهر والإخفات مطلقاً.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

١٥٠

[١٧٩٨] مسألة ٢٢ : إذا علم أنّ عليه اثنتين من الخمس مردّدتين في الخمس من يوم (١) وجب عليه الإتيان بأربع صلوات ، فيأتي بصبح إن كان أوّل يومه الصبح ، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر ، ثمّ مغرب ، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين العصر (٢) والعشاء.

______________________________________________________

هذا كلّه على تقدير اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت المستلزم ذلك للترديد في كون الفائتة الاولى بوصف كونها اولى هل هي جهرية أو إخفاتية ، وأمّا على تقدير عدم اعتباره كما هو الصحيح على ما تقدّم (١) فاللازم مراعاة الجهر والإخفات ، لعدم الترديد في ذلك حينئذ. فمن فاتته ظهر وعشاء صلّى الظهر إخفاتاً والعشاء جهراً وإن علم بتأخّر الاولى في الفوت عن الثانية فضلاً عمّا إذا كان جاهلاً بالسابق منهما واللاحق ، لعدم اعتبار الترتيب بين الصلاتين ، فلا يحصل الترديد بين الجهر والإخفات في القضاء.

وهذه إحدى الثمرات المهمّة المترتّبة على القولين ، إذ تجب مراعاة الجهر والإخفات على القول بعدم اعتبار الترتيب ، ويسقط ذلك بناء على اعتباره.

(١) لا يخفى أنّ الفقيه ليس من شأنه إلّا بيان كبرى المسألة مثل اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت وعدمه ، والاكتفاء بأربع ركعات عمّا فاته من الرباعية عند الجهل بحال الفائتة ، وعدم اعتبار الجهر والإخفات في قضاء الفائتة المردّدة بينهما ، ونحو ذلك.

وأمّا تطبيق الكبريات على صغرياتها فليس ذلك من شأنه ، بل لا عبرة بنظره في هذا الباب ، وربما يشتبه الأمر في ذلك عليه كما وقع ذلك للماتن (قدس سره) في هذه المسألة والمسألة الثالثة والعشرين ، ولأجل ذلك لزمنا التنبيه على مواضع الاشتباه.

(٢) وذلك لجواز كون الفائتتين هما الظهران ، فتقع الأربع الأُولى حينئذ

__________________

(١) في ص ١٣٦ وما بعدها.

١٥١

وإن كان أوّل يومه الظهر أتى بأربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء (١) ثمّ بالمغرب ثمّ بأربع ركعات مردّدة بين العصر والعشاء (٢) ثمّ بركعتين للصبح.

وإن كان مسافراً يكفيه ثلاث صلوات ، ركعتان مردّدتان بين الصبح والظهر والعصر (٣) ومغرب ثمّ ركعتان مردّدتان بين الظهر والعصر والعشاء (٤) إن كان أوّل يومه الصبح ، وإن كان أول يومه الظهر تكون الركعتان الأُوليان مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ، والأخيرتان مردّدتان بين العصر والعشاء والصبح. وإن لم يعلم أنّه كان مسافراً أو حاضراً أتى بخمس صلوات ، فيأتي في الفرض الأوّل بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهر والعصر ، ثم أربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر ثم المغرب ، ثم ركعتين مردّدتين بين الظهر والعصر والعشاء ، ثم أربع ركعات مردّدة بين العصر والعشاء. وإن كان أوّل يومه الظهر فيأتي بركعتين مردّدتين بين الظهر والعصر (*) (٥)

______________________________________________________

ظهراً والثانية عصراً.

(١) لا حاجة إلى ملاحظة العشاء بعد فرض الإتيان بعد المغرب برباعية مردّدة بينها وبين العصر.

(٢) وإنّما لم يذكر الظهر للاستغناء عنها على تقدير فوتها بالرباعية الأُولى.

(٣) لاحتمال انطباق الفائتة الأُولى على كلّ واحدة منها.

(٤) وإنّما لم يذكر الصبح للاستغناء عنها على تقدير فوتها بالثنائية الاولى ومنه يظهر الوجه في الفروض الآتية.

(٥) لا بدّ من ضمّ العشاء أيضاً ، لجواز كون الفائتتين هما العشاء قصراً

__________________

(*) بل بالمردّدتين بين الظهر والعصر والعشاء ، ولعلّ السقط من النسّاخ.

١٥٢

وأربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء ، ثمّ المغرب ، ثمّ ركعتين مردّدتين بين العصر والعشاء والصبح ، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين العصر والعشاء.

[١٧٩٩] مسألة ٢٣ : إذا علم أنّ عليه ثلاثاً من الخمس وجب عليه الإتيان بالخمس على الترتيب ، وإن كان في السفر يكفيه أربع صلوات ركعتان مردّدتان بين الصبح والظهر ، وركعتان مردّدتان بين الظهر والعصر ، ثمّ المغرب ، ثمّ ركعتان مردّدتان بين العصر والعشاء.

وإذا لم يعلم أنّه كان حاضراً أو مسافراً يصلّي سبع صلوات ، ركعتين مردّدتين بين الصبح والظهر والعصر (*) (١) ثمّ الظهر والعصر تامّتين ، ثمّ ركعتين مردّدتين بين الظهر والعصر ، ثم المغرب ، ثمّ ركعتين مردّدتين بين العصر والعشاء ، ثمّ العشاء بتمامه. ويعلم ممّا ذكرناه حال ما إذا كان أوّل يومه الظهر ، بل وغيرها.

______________________________________________________

والصبح ، وعلى ما في المتن لم يصحّ منه حينئذ إلّا العشاء فقط ، ولعلّ السقط من النسّاخ (١).

(١) لا حاجة الى ضمّ العصر هنا ، للاستغناء عنها بضمّها إلى الظهر في الثنائية الثانية كما نبّه الأُستاذ (دام ظلّه) عليه وعلى ما قبله في تعليقته الأنيقة.

ثم إنّه لا موجب لشرح ما أفاده الماتن (قدس سره) في مطاوي هذه المسائل ، فإنّه بعد وضوح كبرى المسألة على ما تقدّم والتدبّر في الاستخراج والتطبيق لا طائل في التفصيل فلاحظ.

__________________

(*) لا حاجة إلى ضمّ العصر إليهما.

(١) وأمّا ما أُورد على المتن في المقام من عدم الحاجة إلى ملاحظة العشاء في الرباعية الأُولى لإغناء ملاحظتها في الرباعية الثانية ، فيندفع بلزوم ملاحظتها ، رعاية لاحتمال كون الفائتتين هما العشاء والصبح ، فإنّه على ما ذكره المورِد لم يصحّ منه إلّا العشاء فقط.

١٥٣

[١٨٠٠] مسألة ٢٤ : إذا علم أنّ عليه أربعاً من الخمس وجب عليه الإتيان بالخمس على الترتيب ، وإن كان مسافراً فكذلك قصراً ، وإن لم يدر أنّه كان مسافراً أو حاضراً أتى بثمان صلوات ، مثل ما إذا علم أنّ عليه خمساً ولم يدر أنّه كان حاضراً أو مسافرا.

[١٨٠١] مسألة ٢٥ : إذا علم أنّ عليه خمس صلوات مرتّبة ولا يعلم أنّ أولها أيّة صلاة من الخمس أتى بتسع صلوات على الترتيب ، وإن علم أنّ عليه ستاً كذلك أتى بعشر ، وإن علم أنّ عليه سبعاً كذلك أتى بإحدى عشرة صلاة وهكذا. ولا فرق بين أن يبدأ بأيّ من الخمس شاء ، إلّا أنّه يجب عليه الترتيب على حسب الصلوات الخمس إلى آخر العدد. والميزان أن يأتي بخمس ، ولا يحسب منها إلّا واحدة ، فلو كان عليه أيّام أو أشهر أو سنة ولا يدري أوّل ما فات ، إذا أتى بخمس ولم يحسب أربعاً منها ، يتيقّن أنّه بدأ بأوّل ما فات.

[١٨٠٢] مسألة ٢٦ : إذا علم فوت صلاة معيّنة كالصبح أو الظهر مثلاً مرّات ولم يعلم عددها يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى (١) ،

______________________________________________________

(١) وجوه المسألة بل الأقوال فيها أربعة :

الأوّل : الاقتصار على المقدار المعلوم كما هو المشهور ، وهو الأقوى ، وذلك لانحلال العلم الإجمالي الدائر بين الأقلّ والأكثر بالعلم التفصيلي بالأقل والشكّ البدوي في الأكثر.

وهل المرجع في نفي الأكثر أصالة البراءة أو قاعدة الحيلولة؟ ينبغي التفصيل في ذلك بين ما إذا كان احتمال الفوت مستنداً إلى احتمال الغفلة أو النسيان أو العصيان ونحو ذلك ممّا ينافي ظاهر حال المسلم فالمرجع حينئذ قاعدة الحيلولة ، التي هي بمثابة قاعدة الفراغ وأصالة الصحّة في عدم الاعتناء بكلّ احتمال ينافي ظاهر الحال.

١٥٤

ولكن الأحوط التكرار بمقدار يحصل منه العلم بالفراغ (١)

______________________________________________________

فكما لا يعتني باحتمال ترك الجزء أو الشرط بعد الفراغ من العمل كذلك لا يعتني باحتمال ترك الواجب بعد خروج الوقت ، لوحدة المناط ، وهو منافاة الاحتمال المذكور لطبع المكلّف الذي هو بصدد الامتثال.

وبين ما إذا استند الاحتمال المذكور إلى سبب آخر كالنوم مثلاً كما إذا انتبه من النوم الممتد وشكّ في أنّ نومه استغرق يومين أو ثلاثة مثلاً ، فإنّه لا مجال حينئذ للرجوع إلى قاعدة الحيلولة ، فإنّها إنّما تتكفّل بنفي احتمال الفوت المستند إلى ما ينافي ظاهر الحال كما عرفت.

وليس استمرار النوم إلى اليوم المشكوك فيه بالنسبة إلى من استمرّ نومه من هذا الباب. فليس المرجع حينئذ إلّا أصالة البراءة عن وجوب قضاء الزائد على المقدار المتيقّن به ، فانّ القضاء بأمر جديد ، وموضوعه الفوت ، ولم يحرز ذلك في المقدار المشكوك فيه.

بل الصحيح هو جريان البراءة عن وجوب الزائد حتّى بناءً على القول بتبعية القضاء للأداء وعدم كونه بأمر جديد ، بأن يلتزم بتعدّد المطلوب في الوقت ، وذلك للشكّ في أصل حدوث التكليف زائداً على المقدار المعلوم ، نظراً إلى الشكّ في تحقّق يوم آخر وقد نام فيه زائداً على الأيام المعلوم تحقّق النوم فيها ، فيرجع حينئذ إلى البراءة دون الاستصحاب.

(١) هذا هو القول الثاني ، وقد اختاره صاحب الحدائق (رحمه الله) واستند في ذلك إلى قاعدة الاشتغال بعد تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي الدائر بين الأقلّ والأكثر (١).

ولكن يتوجّه عليه أنّ المحقّق في محلّه هو انحلال العلم في أمثال المقام إلى علم تفصيلي بالمقدار الأقلّ الذي هو المتيقّن وشكّ بدويّ في الزائد على ذلك

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٢١.

١٥٥

خصوصاً مع سبق العلم بالمقدار وحصول النسيان بعده (١) ، وكذا لو علم بفوت صلوات مختلفة ولم يعلم مقدارها ، لكن يجب تحصيل الترتيب بالتكرار في القدر المعلوم ، بل وكذا في صورة إرادة الاحتياط بتحصيل التفريغ القطعي.

______________________________________________________

وحينئذ فيرجع في نفي الزائد إلى أصالة البراءة أو قاعدة الحيلولة لكون الشكّ بعد خروج الوقت.

(١) هذا هو القول الثالث ، وحاصله : التفصيل بين سبق التنجّز وعروض النسيان بعده ، وبين عدم السبق كما لو انتبه من النوم الممتدّ فترة من الزمان وشكّ في استمراره يومين أو ثلاثة مثلاً ، حيث إنّه لم يتنجّز في حقّه التكليف قبل حال الالتفات ، فيحكم بوجوب الاحتياط في الأوّل والاقتصار على المقدار المتيقّن به في الثاني.

وقد بنى على ذلك شيخنا الأُستاذ المحقّق النائيني (قدس سره) ، والوجه فيه كما أفاده (قدس سره) في مجلس البحث : أنّه مع سبق العلم قد تنجّز التكليف في حقّ المكلّف ، وعروض النسيان بعد ذلك لا يوجب رفع التنجيز ، فيكون احتمال الفوت في الزائد على المتيقّن به احتمالاً للتكليف المنجّز ، إذ هو على تقدير ثبوته فقد تنجّز سابقاً وإن لم يعلم به فعلاً ، والمرجع في مثل ذلك أصالة الاشتغال دون البراءة (١).

وجوابه ظاهر ممّا ذكرناه ، وقد ذكره (قدس سره) هو أيضاً (٢) غير مرّة من دوران التنجيز مدار المنجّز بالكسر حدوثاً وبقاء ، ولا يغني الحدوث عن البقاء حتّى في العلم التفصيلي فضلاً عن العلم الإجمالي. فإذا علم بحرمة شي‌ء ثمّ زال العلم المذكور بالشك الساري أفهل يتوقّف حينئذ في الرجوع إلى أصالة البراءة.

ومن المعلوم أنّ العلم الإجمالي لا يزيد في ذلك على العلم التفصيلي ، فإذا

__________________

(١) فوائد الأُصول ٣ : ٤٣٩ ٤٤١.

(٢) فوائد الأُصول ٣ : ٤٣٩ ٤٤١.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

علمنا بنجاسة أحد الإناءين ثم علمنا تفصيلاً بنجاسة أحدهما بالخصوص كان اللازم قبل حصول العلم الثاني الاجتناب عن كلا الإناءين لأجل العلم الإجمالي المنجّز ، وأمّا بعد حصوله وانحلال العلم الإجمالي بانقلابه إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، فلا محالة يرجع في نفي المشكوك فيه إلى أصالة البراءة لفقد المنجّز بالنسبة إليه بقاءً وإن كان ذلك موجوداً بالنسبة إليه في وقت ما.

وهذا هو الحال في محلّ الكلام ، فانّ العلم إنّما كان منجّزاً في ظرف تحقّقه وأمّا في هذه الحال وبعد انحلاله بعلم تفصيلي وشكّ بدوي فلا بقاء له كي يكون منجّزاً ، ولا أثر للتنجيز السابق بعد زوال موجبه ، فيكون الشكّ في المقدار الزائد شكّاً في التكليف غير المنجّز بالفعل ، ويرجع في نفيه إلى أصالة البراءة.

وأمّا القول الرابع وهو الاكتفاء بالظنّ بالفراغ فقد نسبه في الحدائق (١) نقلاً عن المدارك (٢) إلى المقطوع به من كلام الأصحاب (قدس سرهم) معترفاً بعدم ورود نصّ في ذلك.

ولكنّه غير واضح ، فانّ العلم الإجمالي الدائر بين الأقلّ والأكثر إن لم ينحلّ وجب الاحتياط بمقدار يحصل معه العلم بالفراغ ، عملاً بقاعدة الاشتغال كما اختار ذلك صاحب الحدائق (قدس سره) ، ولا يكفي حينئذ الظنّ بالفراغ ، فانّ الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالفراغ ، ومع الظنّ به يبقى باب الاحتمال مفتوحاً وإن كان الاحتمال موهوماً.

وإن انحلّ العلم الإجمالي كما هو الأظهر على ما مرّ فلا حاجة إلى تحصيل الظن ، بل يكفي حينئذ الاقتصار على المقدار المتيقّن به ، وينفى الزائد وإن كان مظنوناً بالأصل. فهذا القول أردأ الأقوال في المسألة ، فإنّه إمّا لا يكفي الظنّ أو أنّه لا حاجة إليه بعد عدم الدليل على حجّيته وكونه ملحقاً شرعاً بالشك.

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٢٠.

(٢) المدارك ٤ : ٣٠٦.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، هناك روايتان قد يستدلّ بهما على الاكتفاء بالظنّ في قضاء النوافل مع الجهل بعددها :

إحداهما : صحيحة مرازم قال : «سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله (عليه السلام) فقال : أصلحك الله ، إنّ عليّ نوافل كثيرة فكيف أصنع؟ فقال : أقضها فقال له : إنّها أكثر من ذلك ، قال : اقضها ، قلت (قال) : لا أُحصيها ، قال : توخّ ...» الحديث (١)

ثانيتهما : رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : «سألته عن الرجل نسي ما عليه من النافلة وهو يريد أن يقضي ، كيف يقضي؟ قال : يقضي حتّى يرى أنّه قد زاد على ما يرى عليه وأتم» (٢) بناءً على إرادة الظنّ من قوله : «حتّى يرى».

إلّا أنّه لا وجه للتعدّي عن موردهما بعد الغضّ عن سند الثانية ودلالتها للفرق الظاهر بين الفريضة والنافلة ، فانّ العلم قد تعلّق بالحكم الإلزامي في الأوّل فصار الحكم منجّزاً بذلك ، وهذا بخلاف النافلة حيث إنّه لا إلزام فيها فيمكن الحكم باستحباب القضاء في النوافل إلى أنّ يحصل الظنّ بقضاء كلّ ما فاته ، فانّ ذلك نحو من الاحتياط الذي هو حسن على كلّ حال.

وأمّا الفرائض فحيث كان الحكم الثابت فيها إلزامياً كان اللازم بناءً على عدم الانحلال هو الخروج عن عهدته بدليل قاطع ، وليس الاكتفاء بالظنّ هنا أولى منه هناك.

نعم ، بناء على الانحلال تتمّ الأولوية ، فإنّه بعد اشتراك الموردين في عدم الإلزام بالنسبة إلى المشكوك فيه إذا ثبت استحباب الامتثال الظنّي في النوافل ثبت ذلك في الفرائض بالأولوية كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٨ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٧٩ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٩ ح ٣.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم إنّه في المقام رواية ثالثة بإطلاقها تشمل الفرائض أيضاً ، والمظنون قوياً أنّها هي المستند لفتوى المشهور بالاكتفاء [بالظنّ] بالفراغ ، وهي رواية إسماعيل ابن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن الصلاة تجتمع عليّ قال : تحرّ واقضها» (١).

ولكنّها ضعيفة السند بمحمّد بن يحيى المعاذي الذي يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى ، فقد ضعّفه الشيخ (رحمه الله) صريحاً (٢) واستثناه ابن الوليد وتبعه الصدوق وابن نوح من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى (٣).

ودلالة ، فانّ قوله : «تجتمع عليّ» بصيغة المضارع ظاهر في الدوام والاستمرار بمعنى جريان العادة من إسماعيل بن جابر على ذلك ، وهو بعيد جدّاً ، بحيث لا يحتمل في حقّه وهو الثقة الممدوح من أصحاب الصادقين (عليه السلام) أن تفوته الفرائض مكرّراً وعلى سبيل الاستمرار بمثابة يصبح ذلك عادة له.

فانّ من الظاهر الفرق بين قول القائل : اجتمعت ... بصيغة الماضي ، وبين قوله : تجتمع ... بصيغة المضارع ، حيث يكون الثاني ظاهراً في الدوام والاستمرار.

فلا مناص إذن من أن يكون المراد بالصلاة فيها النوافل خاصّة ، ولا مانع من تكرّر فوتها منه عدة مرّات في الأُسبوع أو الشهر ، كما يتّفق ذلك كثيراً لغالب الأشخاص ، وعليه فلا تدلّ الرواية على كفاية التحرّي وهو الأخذ بالأحرى ، أي الظنّ بالنسبة إلى الفرائض أيضاً ، بل الصحيح أن الظنّ حينئذ إمّا غير كافٍ أو غير لازم حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٨ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٩ ح ٢.

(٢) رجال الطوسي : ٤٣٨ / ٦٢٦٣ ، وقد صرّح بضعفه في ترجمة رقم ٦٢٦٧.

(٣) كما ذكره النجاشي في رجاله : ٣٤٨ / ٩٣٩.

١٥٩

[١٨٠٣] مسألة ٢٧ : لا يجب الفور في القضاء ، بل هو موسّع ما دام العمر إذا لم ينجر إلى المسامحة في أداء التكليف والتهاون به (١).

______________________________________________________

فورية القضاء :

(١) الكلام في فورية القضاء وعدمها وأنّ القضاء هل يجب على سبيل المواسعة أو المضايقة يقع من ناحيتين :

فتارة يبحث من ناحية الوجوب الشرطي بالنسبة إلى فريضة الوقت ، وأنّه هل يعتبر في صحّة الحاضرة تفريغ الذمّة عن القضاء ما لم يتضيّق وقتها أو لا.

وأُخرى يكون البحث فيها من ناحية الوجوب النفسي وأنّه هل تجب المبادرة إلى القضاء في حدّ نفسه وإن لم يدخل وقت الصلاة الحاضرة بعد ، أو أنّه موسّع.

والكلام فعلاً متمحّض في الناحية الثانية ، وهو المناسب لباب القضاء بما هو كذلك ، وهو المعروف ببحث المواسعة والمضايقة. وأمّا الناحية الأُولى فسيجي‌ء البحث عنها إن شاء الله تعالى عند تعرّض الماتن (قدس سره) لها في المسألة التالية.

وخلاصة القول : أنّ في المسألة جهتين من البحث ، لا بدّ من إفراد كلّ منهما بالذكر ، وعدم خلط إحداهما بالأُخرى كما وقع ذلك في كثير من الكلمات.

فنقول : إنّه حكي عن غير واحد من الأصحاب (قدس سرهم) وجوب المبادرة إلى القضاء والقول بالمضايقة ، بل نسبه في الحدائق إلى المشهور بين القدماء (١) ، وبالغ بعضهم في ذلك حتّى أنّه منع من الاشتغال بالأكل والشرب والكسب إلّا بمقدار الضرورة.

ونسب إلى جماعة آخرين بل هو المشهور بين المتأخّرين القول

__________________

(١) الحدائق ٦ : ٣٣٦.

١٦٠