موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٧٨٥] مسألة ٩ : يجب قضاء غير اليوميّة (١) سوى العيدين (٢) ،

______________________________________________________

ومحدود بزمان خاص ، ونتيجة ذلك سقوط الوجوب بخروج الوقت حتّى على القول بوجوبها تعييناً ، فتنقلب الوظيفة الواقعية عندئذ إلى صلاة الظهر ، لعدم احتمال سقوط التكليف عنه بالمرّة في هذا اليوم كما هو ظاهر.

وحينئذ فان صلّى أربع ركعات في الوقت فهو ، وإلّا كان قد فاتته صلاة الظهر دون الجمعة ، إذ الفوت إنّما يتحقّق في آخر الوقت دون وسطه أو أوّله. فالعبرة بالتكليف الثابت عند خروج الوقت الذي به يتحقّق الفوت ، لا بما ثبت في أوّل الوقت. فالمصداق للفائت ليس هو إلّا صلاة الظهر دون الجمعة.

وبعبارة اخرى : ليس الواجب على المكلّف في يوم الجمعة إلّا صلاة واحدة وهي الجمعة في أوّل الوقت وإلا فالظهر ، ولا شك في أنّ ما يفوته بخروج الوقت الذي هو زمان صدق الفوت إنّما هو الظهر دون الجمعة ، فلا يجب إلّا قضاء الظهر.

فلا حاجة إلى التشبّث بالإجماع أو بأصالة عدم مشروعية الجمعة في خارج الوقت كما أفاده (قدس سره) ، فإنّ الأمر وإن كان كذلك إلّا أنّا في غنى عن الاستدلال بهما كما لا يخفى.

قضاء غير اليومية :

(١) لإطلاق دليل القضاء كقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة : «فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى» (١) ، فإنّه يشمل اليومية وغيرها.

(٢) حتى مع وجوب الأداء كما في زمن الحضور ، لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ، ولا قضاء عليه» (٢) ، وبه يقيّد إطلاق الصحيحة المتقدّمة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٢١ / أبواب صلاة العيد ب ٢ ح ٣.

١٢١

حتّى النافلة المنذورة في وقت معيّن (١).

______________________________________________________

هذا فيما [إذا] ثبت العيد وأُقيمت الجماعة لكن المكلّف لم يدركها ، وأمّا إذا خرج الوقت ولم تنعقد الجماعة لعدم ثبوت الهلال إلّا بعد الزوال فإنّه تؤخّر الصلاة حينئذ إلى الغد كما نطق بذلك صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا قد شهدا قبل زوال الشمس فان شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم» (١). ولا تعارض بين الروايتين ، لاختلاف الموردين.

(١) كما يقتضيه الإطلاق المتقدّم. ولكن قد يناقش في ذلك بأنّ الفريضة المأخوذة موضوعاً لوجوب القضاء منصرفة إلى ما تكون فريضة في حدّ ذاتها وبالعنوان الأوّلي ، لا ما صارت فريضة بالعنوان الثانوي العارض كالنذر والإجارة ونحوهما ، فإنّ الإطلاق قاصر عن شمول ذلك ، وحيث إنّ القضاء بأمر جديد فالمرجع عند الشكّ فيه أصالة البراءة عنه.

ويندفع : بعدم كون الفريضة بعنوانها موضوعاً للقضاء في شي‌ء من النصوص المعتبرة ، فإنّ حديث «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» لم يرد من طرقنا ، وإنّما الموضوع هو عنوان فوت الصلاة كما ورد في صحيحة زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها ، قال : يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها إلى أن قال : فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى» إلخ ، الواردة بطريقي الشيخ والكليني (٢).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٣٢ / أبواب صلاة العيد ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٥٩ / ٣٤١ ، الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٣.

١٢٢

[١٧٨٦] مسألة ١٠ : يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت من ليل أو نهار أو سفر أو حضر (١).

______________________________________________________

نعم ، قد اشتمل الذيل على لفظ «الفريضة» ولكنّه ناظر إلى حكم آخر ، وهو المنع عن التطوّع في وقت الفريضة ، ولا يرتبط بما نحن فيه من وجوب قضاء الفوائت.

ودعوى الاحتفاف بما يصلح للقرينية المورث للإجمال ، ممنوعة بعد تعدّد الحكم والموضوع كما لا يخفى. ومن الواضح أنّ العنوان المزبور ينطبق على النافلة المنذورة كالفرائض اليومية بمناط واحد.

ويؤيّده ما ورد في صحيحة ابن مهزيار من لزوم قضاء الصوم المنذور في يوم معيّن لو ترك في ظرفه (١) ، فإنّ موردها وإن كان خصوص الصوم إلّا أنّه قد يستأنس منها عدم خصوصية للمورد ، وأنّ كلّ منذور فات في ظرفه يقضى من غير فرق بين الصلاة والصيام.

(١) بلا إشكال فيه ولا خلاف ، كما نطقت بذلك الأخبار الكثيرة ، بل لا يبعد دعوى بلوغها حدّ التواتر ، ومن جملتها صحيحة زرارة المتقدّمة آنفاً.

نعم ، بإزائها ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال : لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا تجوز له ولا تثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل» (٢).

لكنّها رواية شاذة لا تنهض لمقاومة ما سبق ، فإنّه من أظهر مصاديق قوله (عليه السلام) : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر» (٣) هذا.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧٨ / أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٧٢ / ١٠٨١.

(٣) المستدرك ١٧ : ٣٠٣ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢.

١٢٣

ويصلّي في السفر ما فات في الحضر تماماً ، كما أنّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصراً (١).

[١٧٨٧] مسألة ١١ : إذا فاتت الصلاة في أماكن التخيير فالأحوط قضاؤها قصراً (*) مطلقاً ، سواء قضاها في السفر أو في الحضر في تلك الأماكن أو غيرها وإن كان لا يبعد جواز الإتمام أيضاً إذا قضاها في تلك الأماكن ، خصوصاً إذا لم يخرج عنها بعد وأراد القضاء (٢).

______________________________________________________

مضافاً إلى أنّها ضعيفة في نفسها وإن كان قد عبّر عنها بالموثّق في بعض الكلمات ، فإنّ في السند علي بن خالد ، ولم يرد فيه توثيق.

نعم ، المذكور في الوسائل في هذا الموضع : أحمد بن خالد ، بدل علي بن خالد. لكنّه سهو من قلمه الشريف أو قلم النسّاخ (١). والصحيح هو علي بن خالد كما في نسخ التهذيب الطبع القديم منه والحديث (٢).

إذن فلا تصل النوبة إلى الحمل على التقية كما قيل ، وإن كان ممّا لا بأس به لو صحّ السند.

(١) إجماعاً ، وتشهد به جملة من النصوص منها صحيح زرارة قال «قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر ، قال : يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (٣) ، ونحوها غيرها.

الفائتة في أماكن التخيير :

(٢) الأقوال المعروفة في المسألة ثلاثة : التخيير مطلقاً ، وتعيّن القصر مطلقاً

__________________

(*) بل هو الظاهر.

(١) الوسائل ٤ : ٢٧٨ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١٤ [لكن المذكور فيه : علي بن خالد].

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٢ / ١٠٨١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والتفصيل بين ما إذا كان القضاء في تلك الأماكن نفسها فالتخيير سيما إذا كان لم يخرج عنها بعد ، وبين القضاء في بلد آخر فالقصر كما مال إليه الماتن (قدس سره).

وقد استدلّ للقول الأوّل بوجوه :

الأوّل : عموم «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» ، فانّ اللفظ المذكور وإن لم يرد في شي‌ء من النصوص (١) لكن ذلك هو مضمون نصوص الباب كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدّمة آنفاً : «يقضي ما فاته كما فاته» وحيث إنّ الفائت في المقام هي الفريضة المخيّر فيها بين القصر والتمام فكذلك الحال في قضائها ، عملاً بالمماثلة بين الأداء والقضاء المأمور بها في هذه النصوص.

وفيه : أنّ النظر في المماثلة مقصور على ذات الفائت بحسب ما يقتضيه طبعه من قصر أو تمام ، لا بلحاظ ما يطرأ عليه من الخصوصيات والملابسات المستتبعة للحكم الشرعي بالعنوان الثانوي من زمان أو مكان ونحو ذلك ، ولا شك في أنّ الفريضة المقرّرة بالذات في حقّ المسافر إنّما هي القصر ، وأمّا جواز الإتمام فهو حكم شرعي آخر نشأ من خصوصية في المكان ، وقد أثبته الدليل للصلاة أداء ، ولم ينهض مثله في القضاء فلا موجب للتعدّي.

وعلى الجملة : المماثلة غير ناظرة إلى الخصوصيات اللاحقة والأوصاف الطارئة على الفعل الزائدة على مقام الذات ، فلا تكاد تعمّ مثل المقام ، هذا.

مضافاً إلى أنّ مقتضى إطلاق موثّق عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسافر يمرض ولا يقدر أن يصلّي المكتوبة ، قال : يقضي إذا أقام مثل صلاة المسافر بالتقصير» (٢) وجوب التقصير في قضاء الفائت حال السفر ، سواء أكان الفوت في مواطن التخيير أم لا.

__________________

(١) كما تقدم في ص ١٢٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٦٩ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٥.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) من تبعية القضاء للأداء ، فإنّ القضاء وإن كان بأمر جديد لكنّه يكشف لا محالة عن تعدّد المطلوب في الوقت وأنّ مطلوبية العمل غير منتفية بفواته ، وعليه فالصلاة المقضيّة هي بعينها الماهية المطلوبة في الوقت ، فيجب مراعاة جميع الأحكام عدا الناشئ منها من خصوصية الوقت ، وحيث إنّ من تلك الأحكام ثبوت التخيير في المقام كان الحال هو ذلك في القضاء ، رعاية لقانون التبعية (١).

ويتوجّه عليه : ما عرفت سابقاً (٢) من منع التبعية ، وأنّ الأمر بالقضاء لازم أعم لتعدّد المطلوب ، فلا يكاد ينكشف به ذلك لملاءمته مع وحدته أيضاً ، بل هي الظاهر من الأمر بالصلاة مقيّدة بالوقت كما لا يخفى ، فاذا سقط هذا الأمر بخروج الوقت وتعلّق أمر جديد بالقضاء فلا دليل على ثبوت التخيير في الأمر الجديد أيضاً ، وإنّما التخيير كان ثابتاً في خصوص الأمر الساقط فقط.

الثالث : الاستصحاب ، بدعوى أنّ الأمر التخييري كان ثابتاً في الأداء ويحكم بثبوته في القضاء أيضاً عملاً بالاستصحاب.

ويرد عليه أوّلاً : المنع عن جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، فانّا وإن بنينا على جريانه في الأحكام غير الإلزامية كالإباحة والطهارة على ما بيّناه في الأُصول (٣) إلّا أنّا لا نلتزم بجريانه في خصوص المقام ، لأجل المعارضة التي لأجلها منعنا جريانه في الأحكام الإلزامية.

وذلك لأنّ الوظيفة الأوّلية المقرّرة في حقّ المسافر إنّما هي القصر ، وإنّما جعل التخيير لمن كان في إحدى الأماكن المعيّنة ، تخصيصاً لما تقتضيه القاعدة الأوّلية. إذن فالتخيير في المقام مجعول للشارع ، وليس كالإباحة التي لا تحتاج إلى الجعل ، وعلى هذا فاستصحاب بقاء التخيير إلى ما بعد خروج الوقت

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦١٧ السطر ٣٤.

(٢) في ص ٨١.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٤٧.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

معارض باستصحاب عدم جعل التخيير في خارج الوقت.

وثانياً : أنّ الاستصحاب في نفسه غير جار في المقام ، لأجل تعدّد الموضوع فإنّ الأمر الأوّل الذي كان على وجه التخيير قد سقط بخروج الوقت جزماً والمفروض هو وحدة المطلوب كما استظهرناه من الدليل حسبما عرفت (١) ، والأمر الثاني الحادث بعد خروج الوقت مشكوك الكيفية من حين حدوثه ، حيث لا ندري به أنّه على وجه التخيير أو التعيين ، فما الذي نستصحبه؟

ثم إنّ جميع ما ذكرناه إلى هنا إنّما كان مجاراة منّا ، وإلّا فالظاهر أنّ من تفوته الصلاة في أماكن التخيير ينحصر الفائت في حقّة بالفريضة المقصورة فقط ، فإنّ العبرة في القضاء بما يفوت المكلّف في آخر الوقت ، وهو زمان صدق الفوت.

ولا شك في أنّه عند ضيق الوقت إلّا بمقدار أربع ركعات كما في الظهرين تنقلب الوظيفة الواقعية من التخيير إلى التقصير ، فلا يكون الفائت إلّا الصلاة قصراً. وهذا الفرض متحقّق دائماً ، فانّ الفوت مسبوق لا محالة بالتضيّق المذكور ، ومعه لا مجال للاستصحاب ولا لدعوى التبعية ، ولا عموم أدلّة الفوت.

ويستدلّ للقول الثالث وهو التخيير فيما إذا أراد القضاء في تلك الأماكن بالاستصحاب والتبعية. وقد عرفت حالهما.

وعمدة ما يستدلّ له مكاتبة علي بن مهزيار قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : أنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين إلى أن قال فكتب إليّ (عليه السلام) بخطّه : قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما فأنا أُحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر ، وتكثر فيهما من الصلاة» (٢).

فانّ مقتضى إطلاقها استحباب الإكثار من الصلاة واختيار التمام لشرف

__________________

(١) في ص ١٢٦ ، ٦٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٢٥ / أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٤.

١٢٧

(١٧٨٨) مسألة ١٢ : إذا فاتته الصلاة في السفر الذي يجب فيه الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام فالقضاء كذلك (١).

(١٧٨٩) مسألة ١٣ : إذا فاتت الصلاة وكان في أوّل الوقت حاضراً وفي آخر الوقت مسافراً أو بالعكس لا يبعد التخيير في القضاء بين القصر والتمام والأحوط اختيار ما كان واجباً (*) في آخر الوقت ، وأحوط منه الجمع بين القصر والتمام (٢).

______________________________________________________

المكان ، من دون فرق بين الأداء والقضاء ، لعموم العلّة.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّها ناظرة إلى الصلاة الأدائية خاصة وهي التي وقع الخلاف في حكمها بين الفقهاء كما أُشير إلى ذلك في صدر الرواية ولا إطلاق لها بالإضافة إلى القضاء ، وإلّا لزم القول بالتخيير فيما إذا قضى في الحرمين ما فاته قصراً في غيرهما ، فإنّ الإطلاق على تقدير ثبوته يشمل ذلك أيضاً ولا يظنّ بأحد الالتزام به. فالنظر في الصحيحة يكون مقصوراً على حال الأداء فقط ، ولا يكاد يتناول القضاء بوجه.

فالمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الأقوى هو القول الثاني ، أعني به تعيّن القصر مطلقاً.

(١) لعين المناط الموجب للاحتياط في الأداء ، وهو العم الإجمالي بأحد التكليفين.

(٢) لا يخفى أنّه بناءً على كون الاعتبار في كيفية الأداء بحال تعلّق الوجوب وأنّ الواجب على من سافر بعد دخول الوقت ليس هو إلّا التمام فهذا البحث ساقط من أصله ، ويكون المتعيّن حينئذ هو قضاء الصلاة تماماً ، فإنّها هي التي تعلّق بها التكليف في الوقت حتّى في حال السفر ، فلم يكن مصداق الفائت إلّا الصلاة التامّة ، فيتعيّن القضاء تماماً.

__________________

(*) في كونه أحوط إشكال ، نعم هو أظهر.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كما أنّه بناءً على كون الوظيفة المقرّرة في الوقت في الفرض المذكور هي التخيير يندرج المقام في المسألة المتقدّمة ، وهي الفائتة في مواطن التخيير ، وقد مرّ حكمها.

فالكلام في المسألة مبني على كون الاعتبار في الوقت بحال الأداء وزمان الامتثال وأنّ المتعيّن في الفرض المزبور هي الصلاة قصراً ، فهل يتعيّن القضاء حينئذ قصراً أيضاً كما عليه المشهور ، أو تماماً كما اختاره جمع من الأعلام كوالد الصدوق (١) والإسكافي (٢) والشيخ في المبسوط (٣) والسيد المرتضى (٤) والحلّي في السرائر (٥) وغيرهم (قدس سرهم) ، أو يتخيّر بينهما كما مال إليه المصنف (قدس سره) في المتن؟ وجوه ، بل أقوال.

ثمّ إنّ المصنف (قدس سره) بعد نفي البعد عن القول بالتخيير ذكر أنّ الأحوط هو اختيار ما كان واجباً في آخر الوقت وهو القصر في المثال وأحوط منه الجمع بين القصر والتمام.

قلت : أمّا أنّ مقتضى الاحتياط هو الجمع فحقّ لا سترة عليه ، لدوران الفائت بين القصر والتمام ، فيكون مقتضى الاحتياط الناشئ من العلم الإجمالي بوجوب أحدهما هو الجمع ، وبه يتحقّق اليقين بالفراغ.

وأمّا كون القصر فقط موافقاً للاحتياط فلم نعرف له وجهاً بعد ذهاب الجمّ الغفير من الأعلام كما أشرنا إليهم آنفاً إلى التمام ، فانّ الاعتبار عند هؤلاء بحال الوجوب دون الأداء.

وعلى الجملة : القصر هو أحد طرفي العلم الإجمالي كالتمام ، فان تمّ مستنده

__________________

(١) حكاه عنه في السرائر ١ : ٣٣٥.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٤٧ المسألة ٣٩٧.

(٣) المبسوط ١ : ١٤٠.

(٤) حكاه عنه في السرائر ١ : ٣٣٤.

(٥) السرائر ١ : ٣٣٢ ، ٣٣٤.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كان القول به أظهر لا أحوط ، وإلّا كان كلا الأمرين بالنظر إلى الاحتياط على حدّ سواء.

وكيف ما كان ، فيستدلّ لوجوب التمام في المقام تارة بأنّ الفائت هو ما خوطب المكلّف به في الحال الأوّل وهو الصلاة تماماً ، فإنّه لو كان قد صلّى في تلك الحال لكانت صلاته تامّة ، فيجب عليه أن يقضيها حينئذ كما هي فاتته.

وفيه ما لا يخفى ، فانّ الخطاب في الحال الأوّل قد سقط وتبدّل بالخطاب بالقصر بسبب ترخيص الشارع في التأخير. ومجرّد الفرض والتقدير وهو أنّه لو كان صلّاها في تلك الحال لكانت تماماً لا يستوجب انطباق عنوان الفوت عليه. فالقصر إذن هو الفائت المتمحّض في الفوت دون غيره.

وأُخرى بما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخّر الصلاة حتّى قدم فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله ، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها ، قال : يصلّيها ركعتين صلاة المسافر ، لأنّ الوقت دخل وهو مسافر ، كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك» (١).

فانّ مقتضى تعليل القضاء قصراً بوجوبه عليه عند دخول الوقت أنّ الاعتبار في القضاء بحال الوجوب لا حال الأداء ، فيدلّ التعليل على وجوب القضاء تماماً في عكس الفرض ، وهو ما لو كان حاضراً في أوّل الوقت ثمّ سافر.

ويندفع بأنّ السند وإن كان معتبراً ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا موسى ابن بكر ، وهو ثقة على الأظهر كما نبّه عليه سيدنا الأُستاذ (دام ظله) في المعجم (٢). لكنّ الدلالة قاصرة ، لقرب احتمال كونها ناظرة إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء ، فتكون من أدلّة القائلين بأنّ الاعتبار في الأداء في من كان أوّل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥١.

(٢) معجم رجال الحديث ٢٠ : ٣١ / ١٢٧٦٧.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الوقت حاضراً ثم سافر أو بالعكس بحال تعلّق الوجوب لا حال الامتثال وعليه فتكون أجنبية عمّا نحن فيه.

على أنّها معارضة بالنصوص الناطقة بأنّ الاعتبار في القضاء بحال الفوت الذي لا يكاد يتحقّق إلّا بلحاظ آخر الوقت دون أوّله ، فإنّه من تبديل الوظيفة لا فواتها كما ستعرف (١).

والصحيح ما عليه المشهور من تعيّن القضاء قصراً ، وكون الاعتبار بحال الأداء لا الوجوب ، وذلك لوجهين :

الأول : أنّ الفوت المأخوذ موضوعاً لوجوب القضاء إنّما ينطبق على الفريضة المقرّرة حال خروج الوقت الذي هو زمان صدق الفوت ، وأمّا ما ثبت أوّلاً وقد جاز تركه آن ذاك بترخيص من الشارع في التأخير ، والمفروض هو سقوط الخطاب به عنه بتبدّل الموضوع وانقلاب الوظيفة الواقعية من التمام إلى القصر فلا فوت بالنسبة إليه كي يشمله دليل القضاء.

وبكلمة واضحة : ليس الواجب على الحاضر أوّل الوقت هو التمام بما هو وإلّا لما جاز له تركه ، مع بداهة الجواز بمقتضى التوسعة المفروضة في الوقت ، بل الواجب هو طبيعي الصلاة ، والتمام إنّما يكون شرطاً لصحّة العمل الواقع في خصوص الظرف المعيّن ، حيث لا تصحّ منه الصلاة في أوّل الوقت مع فرض كونه حاضراً حينئذ إلّا إذا أتى بها تامة ، لا أنّ الصلاة التامة بخصوصها تعلّق بها الوجوب في تلك الحال ، كيف وقد ساغ له الترك فيه بإذن من الشارع ، فلو لم يصلّها حينئذ لم يكن قد فاته شي‌ء.

وهذا بخلاف الصلاة في آخر الوقت ، فانّ الواجب عندئذ هو خصوص القصر ، ولا يسوغ له تركه ، لأجل ضيق الوقت وانحصار الطبيعة المأمور بها في هذا الفرد ، فلو ترك ذلك حتى خرج الوقت كان الفائت منه هو هذا الفرد لا محالة ، فيختص الفوت به دون غيره ، فلا يجب إلّا القضاء قصراً.

__________________

(١) ولمزيد التوضيح لاحظ ما سيأتي في الجزء ٢٠ : ٣٩١ ٣٩٤.

١٣١

[١٧٩٠] مسألة ١٤ : يستحبّ قضاء النوافل الرواتب استحباباً مؤكّداً (١) ،

______________________________________________________

الثاني : إطلاق موثّقة عمّار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسافر يمرض ولا يقدر أن يصلّي المكتوبة ، قال : يقضي إذا أقام مثل صلاة المسافر بالتقصير» (١) ، فإنّ إطلاقها يشمل المسافر الذي كان حاضراً أوّل الوقت ، فيجب عليه أيضاً القضاء قصراً.

ولا ينتقض ذلك بشمول الإطلاق المسافر الذي بلغ أهله في آخر الوقت وذلك لخروجه عن عنوان المسافر حينئذ ، وظاهر الموثّقة اعتبار فوت المكتوبة حال كونه مسافراً ، فلا تشمل مثل هذا الفرض كما لا يخفى.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : هو لزوم القضاء قصراً.

وأمّا ما أفاده الماتن (قدس سره) من القول بالتخيير فغير واضح ، إذ لم يثبت ذلك في الأداء كي يتبعه القضاء ، فإنّ العبرة إن كانت بحال الوجوب فالفائت هو التمام ، أو بحال الأداء فالقصر ، فلم يكن مصداق الفائت هو الواجب التخييري كي يقضيه كذلك.

ومن جميع ما قدّمنا يظهر حكم عكس المسألة أعني ما لو كان مسافراً في أوّل الوقت فحضر قبل خروج الوقت ، وأنّ الواجب حينئذ هو القضاء تماماً لعين ما ذكر فلا نعيد.

قضاء النوافل :

(١) لجملة من النصوص وأكثرها معتبر سنداً دلّت على تأكّد الاستحباب (٢) منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قلت له : أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها ، كيف يصنع؟ قال : فليصلّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها ، فيكون

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٦٩ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٧٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ، ١٩.

١٣٢

بل لا يبعد استحباب قضاء غير الرواتب من النوافل الموقّتة (١) ، دون غيرها (٢) ، والأولى قضاء غير الرواتب من الموقّتات بعنوان احتمال المطلوبية (٣).

______________________________________________________

قد قضى بقدر علمه (ما علمه) إلى أن قال قلت : فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق؟ فسكت ملياً ، ثمّ قال : فليتصدّق بصدقة ، قلت : فما يتصدّق؟ قال : بقدر طَوله ، وأدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة قلت : وكم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكلّ مسكين؟ قال : لكلّ ركعتين من صلاة الليل مدّ ، ولكلّ ركعتين من صلاة النهار مدّ ، فقلت : لا يقدره ، قال : مدّ لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار وأربع ركعات من صلاة الليل ، قلت : لا يقدر ، قال : فمدّ إذن لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل» (١).

(١) لإطلاق بعض نصوص الباب الشامل لغير الرواتب من النوافل الموقتة كصلاة أوّل الشهر ، والصلوات الواردة في ليالي شهر رمضان ونحوهما.

كصحيحة عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الربّ ملائكته منه ، فيقول : ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه» (٢).

وصحيحة عاصم بن حميد قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّ الربّ ليعجب ملائكته من العبد من عباده يراه يقضي النوافل (النافلة) فيقول : انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه» (٣).

(٢) كصلاة جعفر ونحوها ، حيث إنّها لأجل عدم التوقيت تكون أداءً في كلّ حال ، فلا قضاء لها أصلاً.

(٣) الوجه في ذلك هو المناقشة في الإطلاق المتقدّم ، نظراً إلى احتمال

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٧٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٧٧ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ٥.

١٣٣

ولا يتأكّد قضاء ما فات حال المرض (١).

ومن عجز عن قضاء الرواتب استحبّ له الصدقة عن كلّ ركعتين بمدّ ، وإن لم يتمكّن فعن كلّ أربع ركعات بمدّ ، وإن لم يتمكّن فمدّ لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار (٢) ، وإن لم يتمكّن فلا يبعد مدّ لكلّ يوم وليلة (٣). ولا فرق في قضاء النوافل أيضاً بين الأوقات.

______________________________________________________

انصرافه إلى الرواتب ، كما هو الغالب في موارد نصوص الباب. فان تمّ هذا الانصراف فلا دليل على الاستحباب في غيرها ، وإلّا كان الإطلاق محكّماً ولأجل هذا الترديد كان الأولى هو الإتيان رجاءً وباحتمال المطلوبية.

(١) فقد دلّ على استحباب القضاء فيه بالخصوص بعض النصوص كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «قلت له : رجل مرض فترك النافلة ، فقال : يا محمّد ليست بفريضة ، إن قضاها فهو خير يفعله وإن لم يفعل فلا شي‌ء عليه» (١).

إلّا أنّ مقتضى بعض النصوص هو نفي القضاء في الفرض المذكور كصحيح مرازم بن الحكيم الأزدي أنّه قال : «مرضت أربعة أشهر لم أتنفّل فيها ، فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال : ليس عليك قضاء ، إنّ المريض ليس كالصحيح ، كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر» (٢).

ومقتضى الجمع بينها الحمل على نفي التأكّد ، بأن يكون قضاء ما فات حال المرض دون قضاء ما فات حال السلامة في الأهمية.

(٢) هذه المراتب الثلاث منصوص عليها في صحيحة ابن سنان المتقدّمة (٣).

(٣) حكى ذلك في الحدائق عن الأصحاب (قدس سرهم) جاعلاً إيّاها

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٩ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٨٠ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٠ ح ٢.

(٣) في ص ١٣٢.

١٣٤

[١٧٩١] مسألة ١٥ : لا يعتبر الترتيب في قضاء الفوائت من غير اليومية لا بالنسبة إليها ولا بعضها مع البعض الآخر (١) ، فلو كان عليه قضاء الآيات وقضاء اليومية يجوز تقديم أيّهما شاء ، تقدّم في الفوات أو تأخر ، وكذا لو كان عليه كسوف وخسوف يجوز تقديم كلّ منهما وإن تأخّر في الفوات.

[١٧٩٢] مسألة ١٦ : يجب الترتيب في الفوائت اليومية (*) بمعنى قضاء السابق في الفوات على اللاحق وهكذا (٢).

______________________________________________________

المرتبة الثانية ، مقتصراً عليها وعلى الاولى من المراتب المذكورة في المتن (١). ولم نجد مستنداً لذلك ، وهم أي الأصحاب أعرف بما قالوا. وكأنّ الجمع بين ذلك وبين ما سبق حمل الماتن (قدس سره) على نفي البعد عن جعلها مرتبة رابعة.

وكيف ما كان ، فلم يثبت استحباب العمل المذكور في نفسه فضلاً عن كونه في المرتبة الثانية أو الرابعة ، نعم الصدقة في حدّ نفسها إحسان وإنفاق ، فهي حسن على كلّ حال ، فلا بأس بالتصدّق بمدّ عن كلّ يوم أو يومين أو ثلاثة أو أُسبوع أو شهر وهكذا ، لكن استحبابها شرعاً عن كلّ يوم أي مجموع النهار والليل غير ثابت بالخصوص ، لعدم قيام دليل على ذلك كما عرفت.

(١) لإطلاق أدلّة القضاء ، مضافاً إلى أصالة البراءة عن الترتيب بعد عدم نهوض دليل عليه.

الترتيب في القضاء :

(٢) أمّا لزوم الترتيب فيما إذا كانت الفائتة مترتّبة في نفسها كالظهرين

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم وجوبه إلّا فيما إذا كان الترتيب معتبراً في أدائه كالظهرين والعشاءين من يوم واحد ، وبذلك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

(١) الحدائق ١١ : ٢٨.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والعشاءين فممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، فإنّه على طبق القاعدة بعد أن كان اللازم هو قضاء ما فات كما فات. فتجب مراعاة جميع الخصوصيات الموجودة في الفائتة عدا خصوصية الوقت.

ولا شكّ في أنّه يعتبر في صحّة صلاة العصر بمقتضى الترتيب الملحوظ بينها وبين صلاة الظهر المستفاد من قوله (عليه السلام) : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (١) تأخّرها عن صلاة الظهر ، وكذا الحال في صلاة العشاء بالنسبة إلى المغرب وحينئذ فلا بدّ من المحافظة على الشرط المذكور في القضاء حتّى تتحقّق المماثلة المطلقة المعتبرة بينها وبين الأداء.

مضافاً إلى أنّه يدلّ عليه في خصوص العشاءين بعض النصوص كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس» (٢).

وأمّا في الظهرين فلم يرد فيهما نصّ عدا رواية جميل الآتية ، إلّا أنّهما بلا شك كالعشاءين ، لعدم احتمال الفرق بينهما.

إنّما الكلام في اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت غير المترتّبة كالغداة والظهر أو العصر والمغرب. والمشهور وجوب الترتيب بمعنى قضاء السابق في الفوات على اللاحق.

واختار جماعة عدم الوجوب ، وذكروا أنّه لا دليل عليه ، لعدم اعتبار الترتيب بين الصلاتين شرعاً حتّى في مقام الأداء. والترتيب المتحقّق بينهما خارجاً اتفاقي يقتضيه طبع الزمان ، لسبق وقت الغداة مثلاً على الظهر ، لا

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٨ / أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ الشارع اعتبر السبق واللحوق بينهما ، فحالهما حال ما إذا اتفق الكسوف قبل الزوال ، فكما أنّه لا ترتيب حينئذ بين صلاتي الكسوف والظهر شرعاً وإنّما يكون الترتيب اتفاقياً خارجاً ، كذلك الحال في المقام. وحيث لا دليل على اعتبار الترتيب شرعاً في خصوص القضاء ، فيكون مقتضى الإطلاقات المؤيّدة بأصالة البراءة عدم الوجوب.

لكنّ القائلين بوجوب الترتيب استدلّوا له بعدّة روايات :

منها : ما رواه المحقّق (قدس سره) في المعتبر عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قلت : تفوت الرجل الاولى والعصر والمغرب ، ويذكر بعد العشاء ، قال : يبدأ بصلاة الوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل ، ثمّ يقضي ما فاته الأوّل فالأوّل» (١) كذا في رواية الوسائل. وفي المعتبر : «عند العشاء» بدل : «بعد العشاء».

وكيف كان ، فقد دلّت الرواية على لزوم الإتيان بعد الفراغ عن أداء فريضة الوقت بالقضاء مراعياً فيه الأوّل فالأوّل بتقديم السابق في الفوات على اللاحق.

ولكن الاستدلال بذلك غير تامّ على التقديرين ، أمّا على رواية الوسائل من كون التذكّر بعد الفراغ من العشاء فالمراد بفريضة الوقت إنّما هي صلاة المغرب لا محالة ، فينحصر على هذا مصداق الفائت بالظهرين ، ولا شك في اعتبار الترتيب في قضائهما لكونهما مترتّبتين أداء ، وهذا الفرض خارج عن محلّ الكلام كما عرفت.

على أنّا نقطع بغلط النسخة على هذا التقدير ، فإنّه بعد استلزامها انحصار الفائت بالظهرين كما عرفت يلغو قوله : «الأوّل فالأوّل» ، فإنّ الأوّلية تستدعي وجود ما يكون ثانياً وإلّا لما صحّ اتصاف الشي‌ء بالأوّلية ، فقوله

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٩ / أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٦ ، المعتبر ٢ : ٤٠٧.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) : «فالأوّل» يستلزم فرضَ ثانٍ له لا محالة ، وهو الثالث من المجموع ، وعليه فلا يحسن مثل هذا التعبير إلّا عند فرض أُمور ثلاثة على أقلّ تقدير ، والمفروض في المقام انحصار الفائت باثنين ، الظهر والعصر ، فكان من حقّ العبارة أن يقال : يقضي الأوّل وبعده العصر ، لا «الأوّل فالأوّل».

فالصحيح إذن إنّما هي نسخة المعتبر المشتملة على قوله : «عند العشاء» حيث يكون المراد بفريضة الوقت على هذا التقدير صلاة العشاء ، وحينئذ فيكون الفائت ثلاث صلوات ، الظهرين وصلاة المغرب ، وبذلك يصحّ التعبير الوارد في الرواية ، ولا تكون أجنبية عن محلّ الكلام.

وممّا يؤيّد ما ذكرناه أنّ صاحب الوسائل (قدس سره) ذكر الرواية بعينها مع اختلاف يسير في ألفاظها لا يوجب تغييراً في المعنى في باب القضاء موافقاً لما في المعتبر ، وإليك نصّها : بإسناده أي الشيخ (قدس سره) عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن رجل عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قلت له : تفوت الرجل الاولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة ، قال : يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ، ثمّ يقضي ما فاته الأُولى فالأُولى» (١).

والمظنون قوياً أنّ صاحب المعتبر (قدس سره) روى أيضاً هذه الرواية عن جميل بالإسناد المذكور ، إذ من البعيد جدّاً أن يكون قد رواها من كتاب جميل أو بإسناد آخر ، وحينئذ فلا بدّ وأن يكون قوله : «بعد العشاء» كما في رواية الوسائل في باب المواقيت نقلاً عن المحقّق في المعتبر من غلط النسخة وأنّ الصحيح هو قوله : «عند العشاء» كما في المعتبر وفي باب القضاء من الوسائل.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٧ / أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٦٢.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّه مع ذلك كلّه فالاستدلال بالرواية غير تامّ.

أمّا أوّلاً : فلأنّها إنّما تنطبق على مذهب العامّة (١) وبعض القدماء من أصحابنا من القول بتضييق وقت المغرب وانتهائه بغيبوبة الشفق التي هي مبدأ وقت صلاة العشاء ، وإلّا لما صحّ توصيف صلاة المغرب بالفائتة عند العشاء فانّ المعروف من مذهب أصحابنا هو امتداد وقتي المغرب والعشاء إلى منتصف الليل ، بل إلى الفجر كما هو الصحيح وإن كان آثماً في التأخير.

وعلى هذا فلا تكون المغرب حين تذكّره وهو عند العشاء فائتة ، فكيف يسوغ والحال هذه البدأة بصلاة العشاء ثمّ الإتيان بصلاة المغرب مع اعتبار الترتيب بينهما؟ وهل هذا إلّا الإخلال بالترتيب عامداً؟ فلا جرم تطرح الرواية لمخالفتها للمذهب.

وثانياً : أنّها ضعيفة السند بالإرسال ، وقد ذكرنا آنفاً أنّ المحقّق (قدس سره) بالظنّ القوي يرويها بهذا الإسناد ، وعلى فرض أن يكون لها سند آخر عنده فهو مجهول. فالرواية مرسلة على كلّ حال ، ولا تصلح للاستدلال.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة ...» (٢).

والاستدلال بها مبنيّ على أن يكون المراد بـ «أوّلهنّ» أُولاهن في الفوات بأن يبدأ بما فاته أوّلاً ، فيقدّم السابق فواتاً على اللاحق ، فتدلّ حينئذ على اعتبار الترتيب.

ولكنّ هذا المعنى غير ظاهر ، لعدم كونه بيّناً في نفسه ولا مبيّناً ، ومن الجائز أن يراد أُولاهن في مقام القضاء ، بأن تكون الصحيحة ناظرة إلى بيان كيفية

__________________

(١) المغني ١ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١ ، ٨ : ٢٥٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٤.

١٣٩

ولو جهل الترتيب وجب التكرار (١)

______________________________________________________

الأذان والإقامة عند تصدّي المكلّف للقضاء ، وأنّه يكفيه أذان الصلاة الاولى من الصلوات التي يقضيها ، ولا يجب عليه الأذان لكلّ قضاء ، ثمّ يصلّي بإقامة إقامة لكل واحدة من الصلوات التي يقضيها ما دام متشاغلاً بالقضاء في مجلس واحد.

فاذا فرضنا أنّه انقطع عن القضاء فترة ثمّ أراد التشاغل به بعد ذلك كان عليه أيضاً الأذان للأُولى فيصلّيها بأذان وإقامة ، ويأتي بعد ذلك بما شاء قضاءً بإقامة إقامة لكلّ واحدة منها بدون الأذان ، وهكذا.

وعلى الجملة : أنّ هذا الذي ذكرناه غير بعيد عن سياق الرواية ، بل لعلّه هو الظاهر منها ، سيما بملاحظة الفاء في قوله (عليه السلام) : «فأذّن» الكاشفة عن أنّ قوله (عليه السلام) : «فابدأ بأوّلهنّ ...» توطئة وتمهيد لبيان حكم قضاء الصلوات من حيث الأذان والإقامة ، فيكون النظر مقصوراً على بيان الحكم المذكور ، من دون نظر إلى الفوائت أنفسها من حيث السبق واللحوق في الفوت.

كما يؤيّده عدم التعرّض في الرواية للترتيب بين الاولى وما عداها في الصلوات الفائتة ، وعليه فيكون مفاد الرواية مطابقاً لما دلّ عليه صحيح محمّد ابن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلّى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثمّ ذكر بعد ذلك ، فقال : يتطهّر ويؤذّن ويقيم في قضاء أُولاهن ثمّ يصلّي ، ويقيم بعد ذلك في كلّ صلاة فيصلّي بغير أذان حتّى يقضي صلاته» (١).

فالمتحصّل : أنّه لا دلالة لشي‌ء من النصوص على اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت غير المرتّبة في نفسها ، والمرجع بعد الشك أصالة البراءة.

(١) أمّا بناءً على عدم اعتبار الترتيب كما هو الصحيح فلا ريب في جواز

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٣.

١٤٠