موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم اختياره الإسلام في الوقت.

ويندفع : بأنّ الأمر بالأداء قبل انقضاء الوقت وإن صحّ بناء على تكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالأُصول ، فيعاقب على تركه لأجل قدرته على الامتثال باختياره الإسلام ، إلّا أنّ الأمر بالقضاء قبل انقضاء الوقت ليس كذلك.

إذ لو أُريد به الأمر الإنشائي المجعول على نحو القضية الحقيقية للموضوع المفروض وجوده ، الثابت ذلك في حقّ كلّ مكلف كجعل وجوب القضاء على تقدير الفوت ، ووجوب الحج على تقدير الاستطاعة ونحو ذلك ، فواضح أنّ مثل هذا الأمر لا أثر له.

وإن أُريد به الأمر الفعلي فهو غير ثابت في الوقت جزماً ، إذ فعليته بفعلية موضوعه وهو الفوت ، ولا فوت قبل انقضاء الوقت ، فلا موضوع للقضاء ما دام الوقت باقياً ، فلا أمر به حينئذ إلّا بنحو القضية الشرطية وعلى سبيل الفرض والتقدير ، وقد عرفت أنّه لا أثر له ما لم يتحقّق ذلك التقدير خارجاً والمفروض أنّ هذا التقدير غير محقّق بالإضافة إلى الكافر ، حيث لا قضاء عليه بعد خروج الوقت كما مرّ.

وعلى الجملة : فهو أثناء الوقت غير مأمور بالقضاء إلّا بالأمر المشروط والشرط غير متحقّق في الكافر إذا أسلم على الفرض. فلا معنى للأمر بالقضاء قبل الوقت ، ولا موضوع له بعده.

نعم ، لو فرض قيام الإجماع على أنّ الكافر يعاقب على ترك القضاء كما يعاقب على ترك سائر الواجبات أمكن توجيهه بأنّ هناك مصلحة إلزامية في الوقت دعت المولى إلى الأمر بالأداء ، ويشترك في هذا الأمر كلّ من المسلم والكافر ، لأنّ كليهما مأمور بالأداء ، للقدرة على الامتثال بأن يسلم الكافر ويصلّي ، وبعد خروج الوقت تحدث مصلحة إلزامية أقوى تدعو إلى الأمر بالقضاء خارج الوقت ، وهذا الملاك الحادث مشترك فيه أيضاً بين المسلم

١٠١

ولا على الحائض والنفساء مع استيعاب الوقت (١).

[١٧٧٧] مسألة ١ : إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو المغمى عليه قبل خروج الوقت وجب عليهم الأداء (٢) وإن لم يدركوا إلّا مقدار ركعة من الوقت ، ومع الترك يجب عليهم القضاء ، وكذا الحائض والنفساء (*) إذا زال عذرهما قبل خروج الوقت ولو بمقدار ركعة. كما أنّه إذا طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضي مقدار صلاة المختار بحسب حالهم من السفر والحضر والوضوء والتيمم ولم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء كما تقدّم في المواقيت.

______________________________________________________

والكافر ، لكنّ الكافر لا يتمكّن من استيفائه من جهة كفره ، فيكون قد فوّته هو على نفسه من جهة عدم اختياره الإسلام في الوقت.

وحينئذ فإن أسلم بعد الوقت فقد تدارك الملاك المذكور بالإسلام فلا قضاء عليه ، وأمّا إذا لم يسلم كان قد فوّت الملاك المذكور على نفسه ، وكان الفوت حينئذ مستنداً إلى اختياره فصحّ عقابه عليه.

وعلى الجملة : فالأمر بالقضاء وإن لم يمكن في حقّه ولكنّه حيث فوّت هذا الملاك على نفسه اختياراً صحّ عقابه ، لاندراجه تحت كبرى الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

حكم الحائض والنفساء :

(١) تقدّم الكلام عن ذلك وما يترتّب عليه من الفروع مستقصى في مبحث الحيض (١) فلا نعيد.

(٢) بلا إشكال ، لعموم دليل التكليف بالصلاة ، فإنّ الخارج عنه خصوص

__________________

(*) على ما مرّ [في المسألة ٧٧٥].

(١) شرح العروة ٧ : ٤٢٨ وما بعدها.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

صورة استيعاب الأعذار المذكورة الوقت بتمامه ، بحيث يكون الترك مستنداً إلى العذر ، فاذا لم يستند إليه لفرض عدم الاستيعاب لزمه الأداء ، ومع تركه وجب القضاء بطبيعة الحال.

هذا فيما إذا ارتفع العذر وقد بقي من الوقت مقدار يسع الفريضة بتمامها ، وأمّا إذا لم يبق منه ما يسعها فيشكل ثبوت الأداء فضلاً عن القضاء ، لامتناع تعلّق التكليف بعمل في وقت لا يسعه.

لكنّ الإشكال يختصّ بما إذا لم يبق من الوقت حتّى بمقدار ركعة ، وأمّا إذا بقي منه بالمقدار المذكور فقد حكم جماعة منهم المصنّف (قدس سره) بثبوت القضاء حينئذ ، فضلاً عن الأداء ، تمسكاً بحديث «من أدرك ...» (١).

وقد ذكرنا في بحث المواقيت أنّ الحديث المزبور ورد بعدّة طرق كلّها ضعيفة السند ما عدا رواية واحدة وردت في صلاة الغداة (٢) ، وبضميمة القطع بعدم الفرق بينها وبين بقية الصلوات يثبت الحكم في جميع الفرائض اليومية (٣). وعليه فلا مجال للإشكال في تمامية القاعدة ولا في انطباقها على المقام ، فاذا حصل البلوغ أو الإفاقة من الجنون ، أو ارتفع الإغماء ، أو انقطع الدم ، أو أسلم الكافر وقد بقي من الوقت بمقدار ركعة توجّه التكليف بالأداء ببركة الحديث المذكور ، ومع الفوت وجب القضاء عملاً بإطلاق دليله.

نعم ، ربما يشكل الأمر في تطبيقها على المقام ، بدعوى اختصاص الحديث بما إذا كان الوقت في حدّ ذاته واسعاً وصالحاً لتوجّه التكليف فيه سوى أنّ المكلف لم يدرك منه إلّا بمقدار ركعة لمسامحته في الامتثال أو لغير ذلك.

وأمّا إذا كان الوقت في حدّ ذاته ضيّقاً لا يسع الفعل كما في المقام فإنّه قبل ارتفاع العذر لا تكليف على الفرض فلا عبرة بالسعة في ذلك ، وبعد ارتفاعه لا

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠.

(٢) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ١.

(٣) شرح العروة ١١ : ٢٣٢.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يسع الزمان لوقوع العمل لقصوره طبعاً ، لا لأجل عدم إدراك المكلّف منه إلّا ذلك المقدار فلا مجال للاستناد إلى الحديث فيه.

وحينئذ فيشكل الأمر في الأداء فضلاً عن القضاء ، لامتناع تعلّق التكليف بعمل في زمان أقصر منه وأقل ، فإنّه من التكليف بما لا يطاق.

وفيه أوّلاً : أنّ الإشكال لو تمّ فإنّما يتمّ في مثل الصبيّ ونحوه ، دون الكافر بناءً على المشهور من تكليفه بالفروع كالأُصول ، فإنّه على هذا كان مكلّفاً بالصلاة من أوّل الزوال ، وكان متمكّناً من امتثاله بالإسلام.

ومعلوم أنّ المقدور بالواسطة مقدور ، فالوقت بالإضافة إليه يكون واسعاً في حدّ ذاته غير أنّه بسوء اختياره فوّت التكليف على نفسه حيث أسلم في آخر الوقت ، فيصدق في حقّه أنّه لم يدرك من الوقت إلّا ركعة ، فليس التكليف بالإضافة إليه ممّا لا يطاق.

وثانياً : أنّه لا يتمّ مطلقاً حتّى في مثل الصبيّ ونحوه ، وذلك لأنّا تارة نفرض القصور الذاتي في طبيعة الوقت كما لو فرضنا أنّ بعض نقاط الأرض يقصر فيه الزمان الفاصل بين زوال الشمس وغروبها بحيث لا يسع الإتيان بأربع ركعات أو أنّ ما بين الطلوعين فيه لا يسع الإتيان بركعتين ، ففي مثله يتّجه الإشكال فيقال بامتناع تعلّق التكليف بالعمل في زمان لا يسعه ، فلا يصدق في حقّه حينئذ أنّ المكلّف لم يدرك من الوقت إلّا ركعة ، فإنّه في حدّ ذاته ليس أكثر من هذا المقدار.

وأُخرى نفرض أنّه لا قصور في الوقت بحسب الذات لامتداده بحسب طبعه ، غير أنّ المكلّف لأجل بعض العوارض والملابسات كالصغر والجنون والإغماء والحيض والكفر بناءً على عدم تكليف الكافر بالفروع حرم من إدراك الوقت المذكور إلّا بمقدار لا يسع تمام العمل ، ففي أمثال هذه الموارد إذا ارتفع العذر في وقت لم يسع إلّا مقدار ركعة يصدق عليه حينئذ أنّه لم يدرك الوقت كلّه وإنّما أدرك بعضه ، لأنّ المانع إنّما تحقّق من ناحية العبد لا من ناحية الوقت.

١٠٤

[١٧٧٨] مسألة ٢ : إذا أسلم الكافر قبل خروج الوقت ولو بمقدار ركعة ولم يصلّ وجب عليه قضاؤها (١).

[١٧٧٩] مسألة ٣ : لا فرق في سقوط القضاء عن المجنون والحائض والنفساء بين أن يكون العذر قهرياً أو حاصلاً من فعلهم واختيارهم ، بل وكذا في المغمى عليه ، وإن كان الأحوط القضاء عليه (*) إذا كان من فعله ، خصوصاً إذا كان على وجه المعصية ، بل الأحوط قضاء جميع ما فاته مطلقاً (٢).

______________________________________________________

وعلى الجملة : لا نرى أيّ مانع من شمول الحديث للمقام ، لانطباق موضوعه عليه ، وبعد الشمول المقتضي للتوسعة في الوقت ولو تعبّداً يخرج التكليف عن كونه تكليفاً بما لا يطاق ، لفرض قدرته حينئذ على الامتثال لكن في الوقت الثانوي المضروب له بمقتضى الحديث ، فيتّجه الأمر بالأداء ، وعلى تقدير الفوت يثبت عليه القضاء أيضا.

(١) كما تقدّم آنفا.

العذر الاختياري والقهري :

(٢) قد تقدّم حكم المغمى عليه (١). وهل الحال كذلك في الحائض والنفساء والمجنون؟ فلو شربت المرأة دواء فحاضت أو نفست بإسقاط جنينها ، أو فعل المكلّف ما أوجب الجنون فهل يحكم بوجوب القضاء أو لا؟

أمّا الجنون :

فيختلف الحكم فيه باختلاف المباني ، فانّ المستند لسقوط القضاء عنه إن كان هو الإجماع والضرورة والإجماع دليل لبيّ فلا بدّ من الاقتصار على

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

(١) في ص ٨٦.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المقدار المتيقّن به ، وهو ما إذا لم يكن حاصلاً باختياره ، إذ لم يحرز الإجماع على أكثر من ذلك ، فيشمله عموم أدلّة القضاء السالم عن المخصّص فيما عدا المقدار المتيقّن به.

وأمّا بناءً على المبنى الآخر وهو الصحيح من قصور المقتضي وعدم تحقّق موضوع القضاء وهو الفوت ، لاختصاص التكليف في الوقت بمقتضى حديث الرفع ، الذي هو بمثابة المخصّص لأدلّة التكاليف بغير المجنون ، فيكون عدم وجوب القضاء حينئذ على طبق القاعدة ، كما هو الحال في الصبي ، بلا فرق فيه بين قسمي الجنون ، لإطلاق الحديث.

ودعوى أنّ صدق الفوت لا يتوقّف على التكليف الفعلي ، بل تحقّق التكليف الشأني كافٍ في ذلك كما في النائم ، حيث ردف مع المجنون في حديث الرفع.

غير مسموعة لكون القياس مع الفارق ، فانّ ثبوت القضاء في حقّ النائم إنّما هو لدليل خارجي خاص ، وقد استكشفنا منه تمامية الملاك في حقّه وكونه قابلاً للتكليف ولو شأناً ، إلّا أنّه لم يقع مورداً للتكليف الفعلي بالأداء في الوقت ، لأجل عجزه الناشئ عن نومه ، لا لقصور في ناحية الملاك.

ولكن من أين لنا استكشاف مثل ذلك في المجنون ، ولعلّه مثل الصبي الذي لا مقتضي للتكليف في حقّه ويكون فاقداً للملاك رأساً ، إذ لا طريق لنا إلى استكشافه إلّا من ناحية قيام الدليل الخارجي كما في النائم ، وهو مفقود في المقام.

وأمّا الحيض والنفاس :

فالأمر فيهما أوضح حالاً منه في الجنون ، فانّ عدم تكليف الحائض والنفساء بالأداء ليس هو من باب العجز كما في المجنون بل هو من باب التخصيص ، وبعد ورود التخصيص الكاشف عن عدم توجّه التكليف إليهما رأساً كيف يمكننا إحراز الفوت الذي هو الموضوع لوجوب القضاء؟ ولا شكّ

١٠٦

[١٧٨٠] مسألة ٤ : المرتد يجب عليه قضاء ما فات أيّام ردّته بعد عودته إلى الإسلام ، سواء كان عن ملّة أو فطرة (١).

______________________________________________________

في أنّ دليل المخصّص بإطلاقه يعمّ الحالتين ، أي حالة كون الحيض والنفاس بالاختيار وعدم كونهما كذلك.

فلا فرق في سقوط القضاء في موارد الحيض والنفاس والجنون بين الحالتين حتّى ولو قلنا باختصاص الحكم في المغمى عليه بما إذا كان ذلك بقهر الله وغلبته إذ لا ملازمة بين المقامين ، فانّ التعليل بغلبة الله إنّما ورد في الإغماء ، فهو إذن حكم في مورد خاص ، فلا مجال للتعدّي.

حكم المرتدّ إذا عاد :

(١) لا ينبغي الإشكال في تكليف المرتد بكلا قسميه بالفروع كالأُصول وما ذكرناه في الكافر الأصلي غير جار هنا ، بل قد ورد أنّ المرأة تضرب أوقات الصلوات (١). فلا دليل على سقوط التكليف بعد شمول الإطلاقات له وإذا كان المرتدّ مأموراً بالصلاة في الوقت كسائر الواجبات فمع تركه لها يصدق الفوت ، فيتحقّق موضوع القضاء لا محالة.

ولا دليل على سقوطه في المقام ، فانّ دليل السقوط عن الكافر إن كان هي السيرة القطعية فمعلوم أنّ السيرة غير متحقّقة هنا ، فانّ المرتدّ الملّي وهو المسبوق بالكفر كان يقتل في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الاستتابة ، وأمّا الفطري فلم يعهد في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكيف يمكن دعوى قيام السيرة على نفي القضاء عنه؟

وإن كان حديثَ الجبّ (٢) فكذلك ، إذ ظاهر الحديث أنّ الإسلام يجبّ ما

__________________

(١) الوسائل ٢٨ : ٣٣٠ / كتاب الحدود والتعزيرات ب ٤ ح ١.

(٢) المتقدّم في ص ٩٧.

١٠٧

وتصحّ منه وإن كان عن فطرة على الأصح (١).

______________________________________________________

قبله إذا كان السابق على الإسلام بتمامه كفراً ، لا أنّ بعضه كان كفراً وبعضه كان إسلاماً.

وإن كان هو قصورَ المقتضي لأجل عدم تكليفه بالفروع وهو الذي اعتمدنا عليه ، واستظهرناه ممّا دلّ على أنّ الناس يؤمرون بالإسلام ثمّ بالولاية (١) فمن الواضح عدم جريانه في المقام.

أمّا أوّلاً : فلأنّ مقتضى إطلاق الدليل المذكور هو أنّه بعد تحقّق الإسلام ولو آناً ما يؤمر بالولاية ، وكذا سائر الفروع مطلقاً ، سواء أحصل الارتداد بعد ذلك أم لا. فهو على ثبوت القضاء عليه أدلّ.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فالمرتدّ غير مشمول للدليل المذكور بعد أن كان محكوماً عليه بأنّه يقتل وتبين منه زوجته وتقسّم أمواله ، فإنّ الرواية تنظر إلى الكافر الأصلي فقط ، ومنصرفة عن مثل المقام ممّن هو محكوم بالقتل.

وعلى الجملة : فالدليل على السقوط في المقام مفقود ، والإطلاقات والعمومات فيه محكّمة لكونها شاملة للمرتدّ كالمسلم. فلا فرق بينهما في وجوب الأداء والقضاء.

(١) على ما تقدّم البحث حول ذلك مستوفى في كتاب الطهارة (٢) حيث قلنا : إنّه لا إشكال في قبول توبة المرتد إذا كان امرأة ، وأمّا إذا كان رجلاً فقبول توبته واقعاً أي بينه وبين ربّه ممّا لا يعنينا البحث عنه ، وأمّا ظاهراً فبالنسبة إلى الأحكام الخاصّة كالقتل وبينونة الزوجة وتقسيم أمواله فهي لا تقبل جزماً ، بنصّ الروايات الدالة على ذلك.

وأمّا بالنسبة إلى ما عداها من الأحكام عند فرض عدم قتله وبقائه حياً كما في أمثال زماننا هذا فهل تقبل توبته ويعامل معه معاملة المسلمين أو لا؟

__________________

(١) المتقدّم في ص ٩٥.

(٢) شرح العروة ٤ : ١٩٩.

١٠٨

[١٧٨١] مسألة ٥ : يجب على المخالف قضاء ما فات منه (١).

______________________________________________________

الظاهر هو ذلك ، بل لا ينبغي الشكّ فيه ، لعدم الشكّ في تكليفه بالصلاة أداءً ، حيث لا يحتمل في حقّه استثناؤه من حكم سائر المكلفين حتّى يمتاز عنهم بسقوط الصلاة عنه. فاذا كان مكلّفاً بالصلاة وكان مسلماً ترتّب عليه سائر الأحكام من طهارة البدن ونحوها ، ومنها وجوب القضاء.

وبكلمة اخرى : يدور الأمر في المقام بين أن تقبل توبته ظاهراً فيصلّي ويصوم ويحكم بطهارة بدنه ، وهكذا تجري عليه كافّة أحكام الإسلام ، وبين أن يقال بعدم قبول توبته وسقوط التكليف عنه وبقائه على حكم الكفر ، لا يقبل شي‌ء من عباداته. وحيث لا يمكن الالتزام بالثاني ، بل لعلّه خلاف المقطوع به فلا جرم يتعيّن الأوّل.

حكم المخالف المستبصر :

(١) كما تقتضيه القاعدة ، إذ لا ريب في كونه مكلفاً بالأحكام ، وليس هو مثل الكافر يجري فيه البحث عن تكليفه بالفروع كالأُصول وعدمه ، فمع ثبوت التكليف في حقّه وتحقّق الفوت منه يشمله دليل القضاء بطبيعة الحال.

إلّا أنّه وردت روايات خاصة دلّت على نفي القضاء عنه إذا استبصر فيما إذا كان قد أتى به على وفق مذهبه ، فيستكشف منها التخصيص في أدلّة الأجزاء والشرائط والموانع ، وأنّ تلكم الأحكام الواقعية لا تعمّ المخالف الذي استبصر فيما بعد بنحو الشرط المتأخّر.

ففي صحيحة العجلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم مَنّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة ، لأنّه يضعها في غير مواضعها ، لأنّها لأهل الولاية ، وأمّا الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء» (١).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢١٦ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣ ح ١.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة ابن أُذينة قال : «كتب إليّ أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّ كلّ عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ، ثم مَنّ الله عليه وعرّفه هذا الأمر فإنّه يؤجر عليه ويكتب له إلّا الزكاة فإنّه يعيدها ، لأنّه وضعها في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية ، فأمّا الصلاة والصوم فليس عليه قضاؤهما» (١).

وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «أنّهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، ولا بدّ من أن يؤدّيها ، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية» (٢).

ثمّ إنّه لا ريب في عدم شمول هذه النصوص المخالف الذي فاتته الصلاة بأن تركها رأساً ، إذ الموضوع فيها هو كلّ عمل عمله وكلّ صلاة صلّاها ، فلا بدّ إذن من فرض صلاة صدرت منه خارجاً ، بل في صحيحتي العجلي وابن أُذينة «فإنّه يؤجر عليه» وكيف يؤجر من لم يعمل شيئاً على ما لم يفعله.

وعليه فيكون من فاتته الصلاة مشمولاً لما تقتضيه القاعدة من وجوب القضاء ، عملاً بإطلاقات أدلّة الفوت المفروض سلامتها لأجل قصور النصوص المتقدّمة عن المقيّد ، وهذا ممّا لا خلاف فيه.

نعم ، قد يظهر من بعض النصوص سقوط القضاء في المقام أيضاً ، وهو ما رواه الشهيد (قدس سره) في الذكرى نقلاً عن كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله وكذلك الكشي (رحمه الله) في كتابه بسنديهما عن عمّار الساباطي قال «قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله (عليه السلام) وأنا جالس : إنّي منذ عرفت هذا

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢١٧ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢١٦ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣ ح ٢.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر أُصلّي في كلّ يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي ، قال : لا تفعل فانّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة» (١).

لكن الرواية ضعيفة السند ، فلا يعتمد عليها في الخروج عمّا تقتضيه القاعدة مع عدم الجابر لها أيضاً لو سلّم الانجبار كبروياً.

وقال الشهيد (قدس سره) في تفسير الرواية : يعني ما تركت من شرائطها وأفعالها ، وليس المراد تركها بالكلّية. وهو استظهار حسن لا بأس به فراراً من طرح الرواية.

ويلحق بذلك : ما لو كان قد أتى بالصلاة فاسدة على مذهبه ومذهبنا معاً فإنّها أيضاً لا تكون مشمولة لهذه النصوص ، فانّ منصرفها هي الصلوات التي كان يعتقد صحتها ، بحيث كان يرى عدم لزوم قضائها بعد الاستبصار لولا الولاية.

وأمّا الناقصة بنظره من غير جهة الولاية أيضاً لفقد جزء أو شرط أو الاقتران بمانع ممّا هو محكوم عليه بالبطلان لدى الفريقين بحيث لم يكن المخالف يرى في حين العمل تفريغ الذمّة بمثله فالنصوص غير ناظرة إليه ومنصرفة عنه ، فيبقى هذا الفرض كالفرض السابق عليه مشمولاً للقاعدة ، ومقتضاها وجوب القضاء.

وأمّا إذا كان قد صلّى على وفق مذهبه فهذا هو المتيقّن دخوله تحت النصوص التي هي بحسب النتيجة مخصّصة للأدلّة الأوّلية على سبيل الشرط المتأخّر كما مرّ ، وحينئذ فيحكم بصحة جميع الأعمال السابقة ، بل يؤجر عليها عدا الزكاة حيث كان قد صرفها في غير مصارفها ووضعها في غير موضعها كما نطقت به النصوص ، فانّ موضعها هم المؤمنون ومن يكون من أهل الولاية فالدفع إلى غيرهم لا يستوجب تفريغ الذمّة ، فإنّه نظير ما لو أدّى دينه إلى

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٢٧ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٣١ ح ٤ ، الذكرى ٢ : ٤٣٢ ، رجال الكشي : ٣٦١ / ٦٦٧.

١١١

أو أتى به على وجه يخالف مذهبه (١) ، بل وإن كان على وفق مذهبنا أيضاً على الأحوط (٢).

______________________________________________________

عمرو في حين أنّه كان مديناً لزيد ، ولأجل هذا استثنيت الزكاة من بين سائر الأعمال.

(١) كما تقدّم آنفاً.

(٢) مع فرض تمشّي قصد القربة منه ، وقد حكم المحقّق الهمداني (قدس سره) في مثل ذلك بالصحّة وعدم الحاجة إلى القضاء ، بدعوى أنّ النصوص شاملة لهذه الصورة بالفحوى والأولوية القطعية ، إذ البناء على الصحّة فيما وافق مذهبه مع كونه فاقد الجزء أو الشرط أو مقترناً بالمانع بحسب الواقع وفاقداً لشرط الولاية أيضاً ، يستلزم البناء على الصحّة فيما لا يكون فاقداً إلّا لشرط الولاية بالأولوية (١).

أقول : قد يفرض المخالف معتقداً لصحّة العمل الموافق لمذهبنا كما إذا جاز عنده الأخذ بفتاوى علمائنا وقد اتّفق ذلك في عصرنا حيث أفتى شيخ جامع الأزهر بمصر الشيخ محمود شلتوت بجواز الرجوع إلى فتوى كلّ واحد من علماء المذاهب الإسلامية فاستناداً إلى ذلك قلّد المخالف أحد علماء الشيعة وأتى بالعمل موافقاً لرأي العالم المذكور ، فلا ينبغي الشكّ في كونه مشمولاً للنصوص المذكورة.

فإنّ العمل الذي يأتي به المخالف حينئذ وإن كان على خلاف مذهبه وموافقاً لمذهبنا إلّا أنّه في نهاية الأمر يرجع إلى ما يوافق مذهبه أيضاً ، ولو كان ذلك باعتبار موافقته لفتوى من جوّز له الأخذ بقول العلماء من سائر المذاهب وعلى هذا فالمخالف استناداً إلى ما ذكر يرى صحّة ما يأتي به من العمل وكونه مبرئاً. فلا قصور فيه على هذا إلّا من جهة الولاية.

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦٠١ السطر ٣٦.

١١٢

وأمّا إذا أتى به على وفق مذهبه فلا قضاء عليه (١) ، نعم إذا كان الوقت باقياً فإنّه يجب عليه الأداء حينئذٍ (٢) (*) ، ولو تركه وجب عليه القضاء.

______________________________________________________

وقد يفرض أنّه لا يعتقد صحّته ، بل يراه باطلاً لكونه على خلاف مذهبه فمثله غير مشمول لتلك النصوص ، والأولوية المدّعاة لا وجه لها ، للفرق الواضح بين الموردين ، إذ المخالف في المقيس عليه يعتقد الصحّة ، وليس الأمر كذلك في المقيس.

والمستفاد من تلك الأخبار أنّ الاعتبار في الحكم بالاجتزاء وعدم الحاجة إلى القضاء بالعمل الصادر حال الخلاف على وجه يرى المخالف صحّته وتفريغ الذمّة به ، وعدم قصور فيه في نفسه ، فإنّه المناسب لقوله (عليه السلام) : «فإنّه يؤجر عليه» (١) ، وأمّا العمل الذي يعتقد بطلانه في ظرفه حتى من غير جهة الولاية وإن فرضناه مطابقاً لمذهبنا فهو خارج عن منصرف تلك الأخبار.

(١) لما تقدّم من أنّه المتيقّن من نصوص الباب.

(٢) لاختصاص نصوص الإجزاء بالقضاء ، فيبقى عموم دليل التكليف بالصلاة الصحيحة أداء على حاله.

وفيه أوّلاً : أنّ التعبير بالقضاء وإن ورد في جملة من نصوص الباب إلّا أنّ المراد به في لسان الأخبار هو المعنى اللغوي ، وهو الإتيان بالفعل مرّة أُخرى ، لا خصوص المأتي به خارج الوقت في مقابل الإعادة ، فإنّ ذلك اصطلاح حديث قد تداول في كلمات الفقهاء ، فلا يكاد يحمل النصّ عليه سيما بعد التعبير في صحيحتي العجلي وابن أُذينة بصيغة العموم : «كلّ عمل ...» الشامل ذلك للأداء أيضاً.

__________________

(*) الظاهر عدم وجوبه عليه ، ومنه يظهر حال القضاء.

(١) الوارد في صحيحتي العجلي وابن أُذينة المتقدمتين في ص ١٠٩ ، ١١٠.

١١٣

ولو استبصر ثمّ خالف ثمّ استبصر (١) فالأحوط القضاء (*) وإن أتى به بعد العود إلى الخلاف على وفق مذهبه.

______________________________________________________

وثانياً : أنّ صحيحة الفضلاء (١) قد تضمّنت التصريح بعدم الإعادة ، فلو سلّم انصراف القضاء في بقية النصوص إلى المعنى المصطلح لكانت هذه الصحيحة بمفردها وافية بالمطلوب. فالأقوى الحكم بالاجتزاء مطلقاً ، سواء أكان استبصاره في الوقت أم في خارجه.

تنبيه :

لا ريب في عموم الحكم لكلّ منتحل للإسلام من الفرق المخالفة حتى المحكوم عليهم بالكفر كالناصب ونحوه الذي ورد في شأنه : «إنّ الله لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» (٢). فالنواصب والخوارج ونحوهم من الفرق المحكوم عليهم بالكفر تشملهم النصوص المذكورة ، فلا يجب عليهم القضاء بعد الاستبصار.

بل إنّه وقع التصريح بالناصب في صحيحتي العجلي وابن أُذينة ، كما أنّ جملة من المذكورين في صحيحة الفضلاء من قبيل الناصب. فلا يختص الحكم بمن حكم عليه بالإسلام وطهارة البدن من فرق المخالفين.

(١) نظير المرتدّ الملّي إذا أسلم ثمّ ارتدّ بعد إسلامه ثمّ أسلم ثانياً.

ثم إنّ البحث عن وجوب القضاء في الفرض المذكور إنّما هو بعد الفراغ عن عدم وجوب القضاء بالنسبة إلى الصلوات الواقعة قبل الإستبصار الأوّل فيبحث عن أنّ الحكم هل يختصّ بها اقتصاراً في الحكم المخالف للقواعد على المقدار المتيقّن به ، أو أنّه يشمل صورة العود إلى الخلاف. فمحلّ الكلام إنّما هي

__________________

(*) لا يبعد جواز تركه.

(١) المتقدمة في ص ١١٠.

(٢) الوسائل ١ : ٢٢٠ / أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.

١١٤

[١٧٨٢] مسألة ٦ : يجب القضاء على شارب المسكر ، سواء كان مع العلم أو الجهل ، ومع الاختيار على وجه العصيان أو للضرورة أو الإكراه (١).

______________________________________________________

الصلوات المتخلّلة ما بين الاستبصارين.

قد يقال بالثاني ، استناداً إلى إطلاق النصوص النافية للقضاء عمّا صدر منه حال المخالفة.

ويدفعه : أنّ النصّ لو كان هكذا : المخالف لا يقضي بعد الاستبصار. لاتّجه عندئذ التمسّك بإطلاقه ، فإنّ عنوان المخالف المأخوذ في الموضوع يصدق على مثل هذا الشخص في حال خلافه المتجدّد. إلّا أنّ النصوص الواردة ليست كذلك ، بل الموجود فيها كما يلي : «كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية ...».

والمستفاد من كلمة «ثم» أنّ الموضوع هو الناصب الذي لم يمنّ الله عليه ولم يعرّفه الولاية ، فينحصر بالخلاف الأول غير المسبوق بتعريف الولاية ، ولا يشمل الخلاف المتجدّد بعد منّ الله عليه وتعريفه لها ، فإنّه حال الخلاف الثاني لا يصدق عليه أنّه ممّن لم يمنّ الله عليه ولم يعرّفه الولاية ، بل هو ممّن منّ الله عليه وعرّفه ، غير أنّه بسوء اختياره أعرض عن الحقّ بعد المعرفة به. فمثله خارج عن مورد هذه النصوص ، لعدم ثبوت إطلاق لها يشمله.

كما أنّها لا تشمل من كان على الحق ثم خالف ثم استبصر وعاد إلى الحق نظير المرتدّ الفطري إذا أسلم وعاد ، لعين ما ذكر آنفاً من أنّ الخلاف المسبوق بالمعرفة خارج عن موضوع نصوص الباب ، فالأقوى فيه وجوب القضاء عملاً بإطلاق ما دلّ على ذلك بعد فرض سلامته عن المقيّد.

حكم السكران :

(١) لإطلاق ما دلّ على اعتبار الفوت موضوعاً لوجوب القضاء كصحيح

١١٥

[١٧٨٣] مسألة ٧ : فاقد الطهورين يجب عليه القضاء ، ويسقط عنه الأداء (١).

______________________________________________________

زرارة وغيره ممّا تقدمت الإشارة إليه (١) ، فانّ التكليف بالأداء في الوقت وإن كان ساقطاً عنه إلّا أنّ ذلك لأجل العجز ، لا لأجل التخصيص في دليل الوجوب. فالتكليف به ولو شأناً كان متوجّهاً نحوه ، وهو كافٍ في صدق الفوت الموجب للقضاء ، كما في النائم على ما مرّ تفصيله (٢).

نعم ، قد يقال في المقام بعدم الوجوب ، استناداً إلى التعليل الوارد في نصوص الإغماء (٣) من أنّ «ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر» ، فانّ السكر إذا كان خارجاً عن الاختيار مشمول لعموم العلّة المذكورة.

لكنّك عرفت فيما سبق عدم دلالة النصوص المذكورة على التعليل في موردها فضلاً عن التعدّي إلى غيره ، فانّ ما اشتمل منها على التعليل المذكور كان ضعيف السند أو الدلالة على سبيل منع الخلو فلاحظ.

حكم فاقد الطهورين :

(١) أمّا سقوط الأداء فلما تكرر في مطاوي هذا الشرح وأشرنا إليه في الأُصول في مبحث الصحيح والأعم (٤) من أنّ المستفاد من حديث التثليث الوارد في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود» (٥) هو اعتبار الطهارة كالركوع والسجود في حقيقة الصلاة ، وأنّ ماهيتها إنّما تتألّف من هذه الأُمور

__________________

(١) في ص ٧٠ ، ٧١.

(٢) في ص ٦٩ وما بعد.

(٣) المتقدمة في ص ٧٣ وما بعدها.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ١٦٤.

(٥) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثلاثة ، فهي دخيلة في مقام الذات وتعدّ من المقوّمات ، وعليه فالفاقد لأحد هذه الأُمور ليس بصلاة في نظر الشرع.

وهذا بخلاف سائر الأجزاء والشرائط ، فإنّها أُمور معتبرة في المأمور به ومن جملة مقوّماته ، لا من مقوّمات الماهيّة بحيث يدور مدارها اسم الصلاة وعنوانها ، حتّى فيما كان لسان دليل اعتباره مشابهاً للطهارة كما في الفاتحة والقبلة حيث ورد : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (١) أو «إلى القبلة» (٢) كما ورد : «لا صلاة إلّا بطهور» (٣) ممّا هو ظاهر في نفي الحقيقة بانتفاء الجزء المذكور.

وذلك لأنّا قد استفدنا من الخارج صحّة الصلاة الفاقدة لفاتحة الكتاب أو القبلة ولو في الجملة كما في صورة العجز ، فقد ورد في من لم يحسن القراءة أنّه يقرأ ما تيسّر من القرآن (٤) ، وأنّها لا تعاد بنسيانها (٥).

كما أنّه ورد في بعض الفروض : أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة (٦). حيث يستكشف من هذا كلّه : أنّ دليل اعتبارهما وإن كان ظاهراً في حدّ نفسه في نفي الحقيقة إلّا أنّه بملاحظة ما ذكرنا يحمل على ضرب من المبالغة ، اهتماماً بالأمرين المذكورين من بين سائر الأجزاء والشرائط.

إلّا أنّه بالنسبة إلى الطهور والركوع والسجود لم يرد ما يقتضي صرف أدلّة اعتبارها عن ظاهرها ، فتبقى هي بضميمة حديث التثليث على ظاهرها من

__________________

(١) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ [ولا يخفى أنّ هذه الرواية مرسلة ، ولعلّ المقصود مضمونها ، وهو صحيحة محمد بن مسلم الواردة في الوسائل ٦ : ٣٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ١].

(٢) الوسائل ٤ : ٣٠٠ / أبواب القبلة ب ٢ ح ٩.

(٣) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٤) [وهو ما يستفاد من صحيح ابن سنان في الوسائل ٦ : ٤٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣ ح ١ كما ذكره في شرح العروة ١٤ : ٤٢٠].

(٥) الوسائل ٦ : ٨٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ، ٢٩.

(٦) الوسائل ٤ : ٣١٢ / أبواب القبلة ب ٩ ح ٢.

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

اقتضائه انتفاء الحقيقة بانتفاء أحدها ، فيستفاد من ذلك كونها من المقوّمات وأنّها دخيلة في مقام الذات.

ثمّ إنّه لا يكاد يتصوّر غالباً العجز عن السجود والركوع ، وذلك لوجود المراتب الطولية لهما ، نظراً إلى أنّ العاجز عن الركوع الاختياري وظيفته الركوع جالساً ، ثم الإيماء ، ثم غمض العين وفتحها. وهكذا الحال في السجود.

وهذا بخلاف الطهور فإنّه يتحقق العجز بالنسبة إليه كما في فاقد الطهورين وحينئذ فيكون العجز عن المقوم للشي‌ء وهو الطهارة عجزاً عن الشي‌ء نفسه ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، فيستحيل تعلّق التكليف بالصلاة المشروطة بالطهارة ، لامتناع تعلّق الخطاب بأمر غير مقدور.

ولا يقاس ذلك بباقي الأجزاء والشرائط ، لوجود الفارق وهو كونها من مقوّمات المأمور به دون الماهية ، وعليه فالنتيجة هي سقوط التكليف بالصلاة أداء.

فإن قلت : كيف ذلك وقد ورد في الحديث : أنّ الصلاة لا تسقط بحال؟.

قلت : الموضوع لعدم السقوط بحال إنّما هي الصلاة ، وهي اسم لما يتركّب من الأُمور الثلاثة التي منها الطهارة بمقتضى حديث التثليث ، فالفاقد لها ليس بمصداق للصلاة ، ولا ينطبق عليه عنوانها بنظر الشارع الذي هو المبيّن لماهيتها والشارح لحقيقتها ، فليس العمل الفاقد للطهارة من حقيقة الصلاة في شي‌ء وإن كان مشاكلاً لها في الصورة ، ومع هذا كيف يصحّ التمسّك بالحديث المذكور بعد ما لم يكن له موضوع أصلاً.

وأمّا المناقشة في سند الحديث فيدفعها أنّه وإن لم يرد بهذا اللفظ في لسان الأخبار ، وإنّما هو من الكلمات الدائرة على ألسنة الفقهاء ، لكن مضمونه وارد في صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة ، وهو قوله (عليه السلام) : «ولا تدع الصلاة على حال» (١) ، إذ لا شك في عدم اختصاص المستحاضة بالحكم

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

١١٨

وإن كان الأحوط الجمع بينهما (١).

______________________________________________________

المذكور ، لعدم احتمال الفرق بينها وبين سائر المكلّفين من هذه الجهة ، فبعد إلغاء الخصوصية عن المورد يكون مفادها عاما يشمل جميع المكلّفين. والظاهر أنّ العبارة الدائرة على ألسنة الفقهاء متصيّدة من هذه الصحيحة.

وكيف ما كان ، فلا مجال للتمسّك بالحديث في المقام ، لما عرفت من أنّه وإن كان حاكماً على أدلّة الأجزاء والشرائط ومبيّناً لاختصاصها بحال التمكّن إلّا أنّ الحكومة فرع صدق اسم الصلاة كي يتأتّى المجال للدليل الحاكم ، والمفروض هو انتفاء الصدق بانتفاء ما يقوّمه بنظر الشارع ، فلا صلاة في البين كي يحكم عليها بعدم السقوط ، وإنّما هناك صورة الصلاة ، ولا دليل على وجوب الإتيان بهذه الصورة ، هذا.

ومع الشك في الوجوب فالمرجع هي أصالة البراءة ، وهذا بخلاف سائر الأجزاء ، فانّ عنوان الصلاة منطبق على فاقدها ، فيشملها الدليل المذكور.

وأمّا وجوب القضاء عليه فلإطلاق الفوت المأخوذ موضوعاً للحكم المذكور ، فإنّ العبرة في القضاء بفوت التكليف ولو شأناً. وإن شئت فقل : إنّ الاعتبار بفوات الملاك ، ولا شك في تماميته في المقام ونظائره كالنوم والنسيان ممّا استند فيه سقوط التكليف في الوقت إلى العجز ، لا إلى تخصيص دليل الوجوب كما في الحيض ونحوه.

كما يفصح عن ذلك ما دلّ على وجوب القضاء على النائم والناسي (١) ، حيث لا مجال لاحتمال اختصاص الحكم بالموردين ، بل المستفاد من ذلك الضابط الكلّي وهو ما عرفت من ثبوت القضاء في جميع موارد العجز ومنها المقام لأجل تمامية الملاك.

(١) عملاً بالعلم الإجمالي بوجوب أحد التكليفين.

__________________

(١) المتقدم في ص ٧٠ وما بعدها.

١١٩

[١٧٨٤] مسألة ٨ : من وجب عليه الجمعة إذا تركها حتّى مضى وقتها أتى بالظهر إن بقي الوقت ، وإن تركها أيضاً وجب عليه قضاؤها لا قضاء الجمعة (١).

______________________________________________________

(١) بلا إشكال في ذلك ولا خلاف ، واستدلّ له تارة بالإجماع وأُخرى بصحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة ، قال : يصلّي ركعتين ، فان فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعاً ...» (١).

وناقش المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) في الصحيحة بأنّ موردها صورة انعقاد الجمعة وعدم إدراك الإمام ، فهي ناظرة إلى مسألة أُخرى ، وهي أنّه لا جمعة بعد الجمعة ، وأجنبية عن صورة عدم انعقاد الجمعة رأساً حتى مضى وقتها.

ومن ثمّ استدلّ (قدس سره) للحكم المذكور بعد الإجماع وهو العمدة بوجه آخر ، وهو أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ الواجب يوم الجمعة إنّما هي أربع ركعات ، غير أنّه لدى استجماع الشرائط تقوم الخطبتان مقام الركعتين الأخيرتين فيؤتى بالصلاة فيه ركعتين ، وهذا إنّما ثبت في الوقت ، وأمّا في خارجه فيكفي في عدم مشروعية قضائها بهذه الكيفية أصالة عدم المشروعية. فاللازم هو الإتيان بأربع ركعات وهي الفريضة الواجبة على كلّ مكلف بعد فقد الدليل على الاجتزاء بغيرها.

أقول : الذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّه لا ريب في كون صلاة الجمعة من الواجبات المضيّقة ، وينتهي وقتها بصيرورة ظل كلّ شي‌ء مثله أو بمضي ساعة من النهار أو بغير ذلك على اختلاف الأقوال. وعلى أيّ حال فانّ وقتها مضيّق

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٣٤٥ / أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦ ح ٣.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٣٢ السطر ١٦.

١٢٠