موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٦

الشيخ مرتضى البروجردي

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين الغرّ الميامين.

٥
٦

فصل

في صلاة الآيات

وهي واجبة (١) على الرجال والنساء (٢) والخناثى ، وسببها أُمور :

الأوّل والثاني : كسوف الشمس وخسوف القمر (٣).

______________________________________________________

(١) إجماعاً كما عن غير واحد ، بل لعلّه في الجملة من الضروريات ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة كما ستعرف.

(٢) لقاعدة الاشتراك ، مضافاً إلى إطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات المؤيّدة برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن النساء هل على من عرف منهنّ صلاة النافلة وصلاة الليل والزوال والكسوف ما على الرجال؟ قال : نعم» (١) وإن كانت ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن.

ومنه تعرف حكم الخنثى ، فإنّها إمّا رجل أو أُنثى ، فيجري فيها ما عرفت بل وكذا لو كانت طبيعة ثالثة ، لكونها مشمولة للإطلاقات على أيّ حال.

(٣) بلا خلاف فيه ، بل إجماعاً ، وتقتضيه جملة من النصوص التي تضمّنت توصيفها بالفريضة كصحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : وقت صلاة الكسوف إلى أن قال : وهي فريضة» (٢) ، ونحوها غيرها.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٨٧ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٨٣ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١ ح ١.

٧

ولو بعضهما (١) وإن لم يحصل منهما خوف (٢).

الثالث : الزلزلة ، وهي أيضاً سبب لها (٣) مطلقاً وإن لم يحصل بها خوف على الأقوى.

______________________________________________________

ثمّ إنّ الكسوف يطلق على احتراق كلّ من النيّرين وإن كان استعماله في الشمس أكثر ، وأمّا الخسوف فيختصّ بالقمر. ومما تضمّن إطلاقه عليهما معاً صحيحة الفضيل بن يسار ومحمّد بن مسلم أنّهما قالا «قلنا لأبي جعفر (عليه السلام) : أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟ قال : إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت ، وإن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه» (١) ، ونحوها روايات كثيرة.

(١) بلا خلاف فيه لإطلاق النصوص ، مضافاً إلى صحيحة الفضيل ومحمّد ابن مسلم المتقدّمة المتضمّنة لنفي القضاء مع عدم احتراق القرص ، فإنّها تدلّ بوضوح على وجوب الأداء مطلقا.

(٢) لإطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات ، نعم قد يظهر من رواية الصدوق عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) «قال : إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات الله ، لا يدرى الرحمة ظهرت أم لعذاب ، فأحبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تفزع أُمّته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرّها ويقيهم مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس (عليه السلام) حين تضرّعوا إلى الله عزّ وجل ...» الحديث (٢) أنّ حكمة التشريع هي الخوف. ولكنّها ليست بعلّة ليلزم الاطّراد ، على أنّها ضعيفة السند.

(٣) إجماعاً كما عن غير واحد ، وإن استشعر الخلاف من إهمالها وعدم التعرض إليها في كلمات جمع من القدماء ، غير أنّه لم ينسب الخلاف إلى أحد صريحاً. وكيف ما كان ، فالمتّبع هو الدليل ، ويستدلّ له بوجوه :

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٩٩ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٨٣ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٢ / ١٥١٣.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدها : ما رواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن سليمان الديلمي «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزلزلة ما هي؟ فقال : آية ثمّ ذكر سببها ، إلى أن قال قلت : فاذا كان ذلك فما أصنع؟ قال : صلّ صلاة الكسوف ...» الحديث وروى مثله في العلل بطريق آخر عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (١).

ولكن السند ضعيف في الطريقين ، لعدم ثبوت وثاقة سليمان ولا ابنه محمد بل قال النجاشي : إنّه غال كذاب ، وكذلك ابنه محمد ، لا يعمل بما انفردا به (٢).

على أنّ في الطريق الثاني أحمد بن محمّد بن يحيى ، ولم تثبت وثاقته ، وكذا إبراهيم بن إسحاق. ودعوى الانجبار كما ترى.

ثانيهما : ما رواه الصدوق أيضاً بإسناده عن بريد بن معاوية ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا : إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فاذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت ، واحتسب بما مضى» (٣) ، فإنّ الزلزلة من أهمّ هذه الآيات ، والخوف الحاصل في موردها أعظم ، فيشملها قوله : «أو بعض هذه الآيات».

غير أنّ المحقّق الهمداني (قدس سره) ناقش في الدلالة ، نظراً إلى كونها مسوقة لبيان حكم آخر (٤) وهو تقديم الفريضة عليها لدى المزاحمة.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٨٦ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٢ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٣ / ١٥١٧ علل الشرائع : ٥٥٦ / ٧.

(٢) لاحظ معجم الأُستاذ ٩ : ٢٨٦ / ٥٤٨١ ، ٥٥٣٦. لكنّ النجاشي (في رجاله : ١٨٢ / ٤٨٢) نسبه إلى قائل مجهول ، ومثله لا يصلح لمعارضة التوثيق المستفاد من وقوعه في تفسير القمّي. اللهم إلّا أنّ يكون قوله : لا يعمل بما انفردا به ، من كلام النجاشي نفسه ، فليلاحظ.

(٣) الوسائل ٧ : ٤٩١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٥٣٠.

(٤) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٧٨ السطر ١٢.

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّه كما ترى لا يكون مانعاً عن التمسّك بها ، غايته بعد تقييد الوجوب بعدم المزاحمة وأنّه معها يتمّ الفريضة ثم يبني ، فإنّ هذا التقييد لا يمنع عن شمول لفظ البعض لأظهر المصاديق وأبرزها كما عرفت.

نعم ، يرد على الاستدلال بها أولاً : جواز أن يكون المراد من البعض هي الآيات المعهودة بين الناس والمعلوم كونها كالكسوف موجبة للصلاة كالعواصف الشديدة والرياح المظلمة ونحوها من الأخاويف السماوية الواردة في صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة الآتية ، فتكون تلك الصحيحة إشارة إلى هذه وكون الزلزلة عندهم مثلها غير معلوم.

وثانياً : أنّها غير نقية السند وإن عبّر عنها المحقّق الهمداني (١) كصاحب الجواهر (٢) بالصحيحة ، فإنّ طريق الصدوق إلى بريد مجهول ، حيث لم يذكر في المشيخة. وطريقه إلى محمّد بن مسلم ضعيف ، فانّ فيه علي بن أحمد بن عبد الله ابن أحمد البرقي عن أبيه (٣) وكلاهما مجهول.

ثالثها : التعليل الوارد في رواية الفضل بن شاذان المتقدّمة (٤) بعد وضوح أنّ الخوف الحاصل من الزلزلة المجعول مناطاً لوجوب الصلاة في هذه الرواية أعظم من غيرها من سائر الآيات.

وفيه : مضافاً إلى أنّ الخوف المزبور حكمة للتشريع لا علّة للحكم ليلزم اطّرادها كما تقدّم أنّها ضعيفة السند ، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل (٥). فما في مصباح الفقيه من الحكم باعتبار السند (٦) في غير محلّه.

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٧٨ السطر ٩.

(٢) الجواهر ١١ : ٤٠٦.

(٣) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٦.

(٤) الوسائل ٧ : ٤٨٣ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١ ح ٣ ، وقد تقدمت في ص ٨.

(٥) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٥٣.

(٦) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٧٨ السطر ٣٢.

١٠

الرابع : كلّ مخوّف سماوي (١)

______________________________________________________

رابعها : صحيحة الفضلاء عن كليهما أو أحدهما (عليهما السلام) «إنّ صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات ، صلّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس خلفه في كسوف الشمس ، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها» (١).

وفيه : أنّها بصدد بيان الكيفية وأنّها في جميعها عشر ركعات ، فلا تدلّ على الوجوب ، بل غايته المشروعية. ويشهد لذلك قوله (عليه السلام) بعد ذلك : «إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء ، وأشدّها وأطولها كسوف الشمس ...» إلخ.

والمتحصّل ممّا تقدم : ضعف هذه الوجوه سنداً أو دلالة ، فلا يصحّ التعويل عليها ، نعم لو قلنا بما سيجي‌ء من وجوب الصلاة لكلّ مخوّف سماوي أو أرضى ثبت الحكم في المقام بلا إشكال ، لكون الزلزلة من أبرزها وأعظمها ، ولكنّك ستعرف عدم ثبوت هذه الكليّة ، فلم يبق في البين إلا الإجماع المدعى في المقام وحيث إنّ في صحّة التعويل عليه بعد وضوح مدرك المسألة ما لا يخفى فالحكم إذن مبني على الاحتياط.

(١) على المشهور ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه (٢). ويستدلّ له بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا «قلنا لأبي جعفر (عليه السلام) : هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال : كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن» (٣).

وربما يستشكل في دلالتها من وجهين :

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٩٢ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٧ ح ١.

(٢) الخلاف ١ : ٦٨٢ المسألة ٤٥٨.

(٣) الوسائل ٧ : ٤٨٦ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٢ ح ١.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : أنّ السؤال لم يكن عن الوجوب بل عن المشروعية ، فيكون الجواب طبعاً منزّلاً عليها.

ويندفع : بأنّ المشروعية لدى الأخاويف السماوية أمر متعارف بينهم يعرفها عامة الناس ، فكيف يقع السؤال عنها سيما من الأجلاء والأعاظم نظراء زرارة ومحمّد بن مسلم الراويين لهذا الحديث. فلا جرم يكون السؤال عن الوجوب لا غير.

ثانيهما : أنّ قوله (عليه السلام) في الذيل : «حتى يسكن» آية الاستحباب لعدم وجوب إطالة الصلاة إلى سكون الآية وارتفاعها بضرورة الفقه.

ويندفع : بابتنائه على أن يكون ذلك قيداً في المأمور به ، وهو خلاف الظاهر بل في حيّز المنع ، وإنّما هو قيد للأمر أو غاية له ، ويكون المعنى على الأوّل أنّ الأمر بالصلاة باقٍ إلى زمان ارتفاع الآية وسكونها ، نظير قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (١) ، وعلى الثاني أنّ الغاية من الأمر وفائدة الإتيان بهذه الصلاة سكون الآية وهدوءها ، نظير قول الطبيب : اشرب الدواء حتّى تعافى.

ويمكن الاستدلال أيضاً بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله «أنّه سأل الصادق (عليه السلام) عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف ، فقال الصادق (عليه السلام) : صلاتهما سواء» (٢) ، فانّ ظاهر الجواب المساواة بين صلاة الكسوف وبين الصلاة لسائر الأخاويف السماوية في الوجوب وفي الكيفية ، لا في الثاني فقط كما لا يخفى.

وتؤيّد المطلوب رواية بريد ومحمد بن مسلم المتقدّمة ، حيث عرفت أنّ بعض الآيات الواردة فيها إشارة إلى الأخاويف السماوية المذكورة في صحيحة زرارة وابن مسلم الآنفة الذكر ، غير أنّها لأجل ضعف سندها لا تصلح إلّا

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٨٦ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٢ ح ٢.

١٢

أو أرضى (*) (١) كالريح الأسود أو الأحمر أو الأصفر والظلمة الشديدة والصاعقة والصيحة والهدّة والنار التي تظهر في السماء والخسف

______________________________________________________

للتأييد.

(١) كما عن جماعة من الأصحاب ، ويستدلّ له تارة بالتعليل الوارد في خبر الفضل بن شاذان (٢) وقد عرفت ما فيه.

وأُخرى : برواية بريد ومحمّد بن مسلم المتقدمة (٣) بدعوى أنّ «بعض هذه الآيات» الواردة فيها تعمّ السماوية والأرضية.

وفيه : مضافاً إلى ما عرفت من ضعف السند أنّها ناظرة إلى الأخاويف السماوية خاصة كما تقدّم.

وثالثة : بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة (٤) بدعوى شمول الأخاويف السماوية للأرضية ، نظراً إلى أنّ الإضافة لم تكن مكانية ، وإنّما هي نشوية ، باعتبار أنّ جميعها تنزل من السماء وتستند إلى الباري تعالى ، ولذا يعبّر عن الكلّ بالآفات الإلهية. فالأخاويف الأرضية وإن كان مكانها الأرض إلّا أنّ مصدرها السماء ، ومن ثمّ أُسندت إليها.

وفيه : ما لا يخفى ، لبعد هذا الاحتمال في حدّ نفسه ، ومع عدم البعد فهو مجرد احتمال لا يبلغ حدّ الظهور ليصحّ التعويل عليه ، ومن الجائز أن تكون الإضافة مكانية لا سببية.

إذن فلم ينهض دليل يعتمد عليه بالإضافة إلى الأخاويف الأرضية ، فالحكم فيها مبني على الاحتياط. نعم يتأكّد الاحتياط في خصوص الزلزلة

__________________

(*) الحكم بوجوبها في المخوف الأرضي مبني على الاحتياط.

(٢) المتقدّم في ص ٨.

(٣) في ص ٩.

(٤) في ص ١١.

١٣

وغير ذلك من الآيات المخوّفة عند غالب الناس. ولا عبرة بغير المخوّف من هذه المذكورات (١) ، ولا بخوف النادر (٢) ، ولا بانكساف أحد النيّرين ببعض الكواكب الذي لا يظهر إلا للأوحدي من الناس (٣)

______________________________________________________

لمكان دعوى الإجماع وبعض الأخبار ، على إشكال فيهما قد تقّدم (١).

(١) لاختصاص الدليل إمّا بالمخوّف أو بما لا يعمّ غيره حسبما تقدّم ، فيرجع في غيره إلى الأصل.

(٢) لانصراف النصوص عنه.

(٣) فلا تجب الصلاة إلّا بحيلولة الأرض بين القمر والشمس كما في الخسوف ، أو حيلولة القمر بين الشمس والأرض كما في الكسوف ، ولا عبرة بسائر الكواكب ، لانصراف الأدلّة عنها ، هذا.

والتحقيق أن يقال : أمّا في الخسوف فالفرض المزبور لا واقع له ، إذ لا يوجد كوكب يكون أقرب إلى الأرض من القمر لتفرض حيلولته بينهما ، إلّا أنّه على فرض تحقّقه ولو على سبيل الإعجاز شملته النصوص ووجبت الصلاة ، إذ الموضوع خسوف القمر ، والذي يفهمه العرف من هذه الكلمة هو رؤية جرمه فاقداً للنور ، وأمّا أنّ العلّة في ذلك هل هي حيلولة الأرض بينه وبين الشمس أو شي‌ء آخر فهو أمر لا يدركه عامّة الناس ، سيما من كان منهم في عصر صدور هذه الأخبار ، وإنّما هو شي‌ء يختصّ به الفلكيّون وأرباب فن الهيئة. إذن فمتى صدق الخسوف وبأي سبب تحقّق وجبت الصلاة بمقتضى إطلاق الأدلّة.

وأمّا في الكسوف فلا مانع من فرض كوكب آخر غير القمر يحول بين الأرض والشمس كالزهرة وعطارد ، حيث إنّهما واقعتان بينهما ، فيمكن أن تحجبا نورها ويتشكّل من ذلك كسوف يراه بعض سكنة الأرض ممّن يقع في نقطة تقابل مركز الزهرة مثلاً المقابلة لنقطة مركز الشمس.

__________________

(١) في ص ٨ فما بعدها.

١٤

وكذا بانكساف بعض الكواكب ببعض (١) إذا لم يكن مخوفاً للغالب من الناس (٢). وأمّا وقتها ففي الكسوفين هو من حين الأخذ إلى تمام الانجلاء على الأقوى ، فتجب المبادرة إليها بمعنى عدم التأخير إلى تمام الانجلاء ، وتكون أداء في الوقت المذكور (٣).

______________________________________________________

إلّا أنّ مثل ذلك لا يستوجب الصلاة ، لعدم ظهوره إلّا للأوحدي من أصحاب المراصد الفلكية ، ولا تعرفه عامّة الناس ، لمكان صغر الكوكب الناشئ من بعده المفرط. ومن الواضح أنّ موضوع الحكم إنّما هو الكسوف المرئي لعامّة الناس بحيث تشاهده آحادهم العاديون ، نعم لو تحقّق ذلك بحيث أصبح مرئياً لهم ولو من طريق الإعجاز بحيث صدق عندهم الكسوف وجبت الصلاة كما عرفته في الخسوف.

(١) لخروجه عن منصرف النصوص.

(٢) أمّا إذا كان مخوفاً وجبت الصلاة حينئذٍ ، لا لمكان الكسوف ، بل لما تقدّم (١) من وجوبها لعامة الأخاويف السماوية.

(٣) لا شبهة في عدم وجوب الصلاة قبل حصول الكسوفين ، لعدم الأمر بها قبل حصول موجبه ، فلو صلّى ثمّ حصل لم يسقط عنه التكليف حتّى لو كان معتقداً ذلك وبان خلافه ، لأنّ سقوط المأمور به بغيره يحتاج إلى الدليل ولا دليل ، بل الحال كذلك حتّى لو دخل الوقت في الأثناء ، لاعتبار الوقت في تمام الأجزاء بالأسر.

والالتزام بالصحّة في الفرائض اليوميّة إنّما هو لأجل النص الذي لا ينبغي التعدّي عن مورده بعد كونه على خلاف القاعدة ، بل لا نلتزم به حتّى في مورده لضعفه حسبما تقدّم في محلّه (٢).

وعلى الجملة : لا ينبغي التأمّل في أنّ صلاة الكسوفين من الفرائض الموقّتة

__________________

(١) في ص ١١.

(٢) شرح العروة ١١ : ٣٨١.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المحدودة بما بين الحدّين ، لا يجوز تقديمها على الوقت ، كما لا يجوز تأخيرها عنه على ما دلّت عليه صريحاً صحيحة جميل المتقدّمة المتضمّنة لبيان الوقت (١) وكذلك النصوص الإمرة بالقضاء لدى احتراق القرص حتّى مع الجهل (٢) الكاشفة عن أنّ لهذه الصلاة أداءً وقضاءً المساوق للتوقيت بطبيعة الحال ، وهذا كلّه مما لا خلاف فيه ولا إشكال.

وإنّما الكلام في تحديد الوقت من ناحية المبدأ تارة والمنتهى اخرى ، فهنا جهتان :

الجهة الاولى : في التحديد من ناحية المبدأ ، ولا إشكال كما لا خلاف في أنّه الشروع في الانكساف أو الانخساف ، وتدلّ عليه جملة من الأخبار.

منها : صحيحة جميل المتقدّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها ...» الحديث (٣).

ومنها : صحيحة أبي بصير قال : «انكسف القمر وأنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) في شهر رمضان فوثب وقال : إنّه كان يقال : إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا إلى مساجدكم» (٤).

فانّ الفزع إلى المساجد كناية عن الصلاة ، وقد أُمر بها بمجرد الانكساف.

ومنها : رواية بريد ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا : إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ...» إلخ (٥). ولكنّك عرفت (٦) أنّها ضعيفة السند ، فلا تصلح إلّا للتأييد. والعمدة ما عرفت

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٨٣ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١ ح ١.

(٢) الآتية في ص ٤٢ وما بعدها.

(٣) الوسائل ٧ : ٤٨٨ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٤ ح ٢.

(٤) الوسائل ٧ : ٤٩١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٦ ح ١.

(٥) الوسائل ٧ : ٤٩١ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٥ ح ٤.

(٦) في ص ١٠.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مضافاً إلى الإجماع.

الجهة الثانية : التحديد من ناحية المنتهي وأنّه هل هو الشروع في الانجلاء أو أنّه يمتد إلى تمام الانجلاء.

فالمنسوب إلى جلّ السلف ومعظمهم هو الأوّل ، ولكن أكثر المتأخّرين ذهبوا إلى الثاني ، بل لعلّه المشهور بينهم ، ويترتب على ذلك أنّ الصلاة الواقعة ما بين الحدّين قضاء على الأوّل وأداء على الثاني.

ويستدلّ للقول الثاني بجملة من الأخبار :

منها : ما تضمّن الأمر بتطويل الصلاة ، المستلزم لوقوع مقدار منها فيما بعد الشروع في الانجلاء كرواية عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فانّ ذلك أفضل ، وإذا أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» الحديث (١) ، فإنّه لو كان الوقت منتهياً بالشروع المزبور فكيف يؤمر بالتطويل المستلزم لتأخير الصلاة عن وقتها.

ومنها : صحيحة الرهط عن أحدهما (عليهما السلام) «... إلى أن قال قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها» (٢) ، فإنّها ظاهرة أيضاً في وقوع مقدار من الصلاة بعد الأخذ في الانجلاء ، فيكشف عن امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء بعد وضوح عدم احتمال تأخير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الفريضة عن وقتها ، هذا.

ولكن الظاهر عدم صحة الاستدلال بشي‌ء من هاتين الروايتين ، إذ مضافاً إلى ضعف سند أُولاهما بعلي بن خالد أنّ محلّ الكلام جواز تأخير الشروع في الصلاة إلى ما بعد الشروع في الانجلاء ، ومورد الروايتين أنّ الشارع فيها من ذي

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٩٨ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٨٩ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٤ ح ٤.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قبل يجوز أو يستحب له التطويل بحيث ينتهي عنها بعد الأخذ في الانجلاء ، ولا تلازم بين الأمرين ، لجواز التفصيل بين الشارع البادئ وبين المتلبّس ، فيلتزم بأنّ الأوّل لا يجوز له التأخير اختياراً عن زمان الشروع في الانجلاء ، وأمّا الثاني أعني من كان شارعاً فيها ومتلبّساً بها فتجوز له استدامة الصلاة وتأخير الفراغ عنها إلى ما بعد ذلك.

ودعوى عدم جواز تأخير الصلاة حتّى ببعض أجزائها عن وقتها المقرّر لها غير مسموعة ، إذ لا بشاعة في ذلك لو ساعده الدليل بعد وضوح عدم كونه حكماً عقلياً غير قابل للتخصيص ، بل من الأحكام التعبدية التي زمام أمرها بيد الشارع ، ومن الجائز أن يرخّص في بعض الموارد إيقاع بعض أجزاء المأمور به في خارج الوقت.

بل لا مناص من الالتزام بذلك في المقام حتّى على القول بامتداد الوقت إلى تمام الانجلاء ، لأنّ قوله (عليه السلام) في صحيحة الرهط : «ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها» كالصريح في وقوع مقدار من الصلاة بعد تمام الانجلاء ، كما أنّ قوله (عليه السلام) في ذيل رواية عمّار : «فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف» يدلّ بوضوح على أنّ مورد التطويل المحكوم بالأفضلية هو إطالة الصلاة إلى ما بعد ذهاب الكسوف بكامله ، المستلزم طبعاً لوقوع مقدار منها خارج الوقت.

إذن فلا يكون في فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا في الأمر بالتطويل دلالة على امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء بالمعنى الذي هو محلّ الكلام في المقام ، بل غايته جواز تأخير الفراغ عن منتهى الوقت ، سواء أكان هو الشروع في الانجلاء أم تمامه ، ويكون ذلك تخصيصاً في دليل عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها.

ومنها : ما استدل به المحقّق الهمداني (قدس سره) (١) من رواية ابن أبي يعفور

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٧٩ السطر ٢٩.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلّها فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم ، وأيّهما كسف بعضه فإنّه يجزي الرجل يصلّي وحده ...» الحديث (١).

بتقريب : أنّ جزئية الكسوف وكلّيته لا تعلم عادة إلّا عند انتهائه ، ولا سبيل إلى معرفته إلّا الاحتراق أو الأخذ بالانجلاء ، وعليه فلو تم الوقت بمجرّد الأخذ في الانجلاء الكاشف عن جزئية الكسوف لما جاز التأخير إليه عامداً مع أنّ ظاهر الرواية جوازه لتتّضح الجزئية أو الكلّية ، حتّى تترتّب عليهما ما تضمّنته من التفصيل بين الصلاة جماعة أو فرادى.

وما أفاده (قدس سره) متين جدّاً لولا الخدش في سند الرواية ، حيث إنّها ضعيفة بعلي بن يعقوب الهاشمي ، فإنّه لم يوثق.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) في صلاة الكسوف : إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد» (٢) ، فإنّها ظاهرة في بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء لتقع الإعادة في وقتها.

ويندفع : بأنّ استحباب الإعادة غير ملازم لبقاء الوقت ، فمن الجائز انقضاء وقت الواجب بالشروع في الانجلاء ومع ذلك تستحب الإعادة إلى تمام الانجلاء تضرعاً إلى الباري سبحانه ليرفع البلاء ، ولا غرو ، فانّ التفكيك في الأحكام التعبّدية بين الواجبات والمستحبات غير عزيز في الفقه.

والمتحصّل من جميع ما تقدم لحد الآن : عدم إمكان إثبات الامتداد وتوسعة الوقت إلى تمام الانجلاء من ناحية الروايات ، لقصورها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو.

نعم ، يمكن إثباته بالأصل ، نظراً إلى أنّ تقيّد الواجب بالوقوع ما قبل الشروع في الانجلاء مشكوك فيه ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٥٠٣ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ١٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٩٨ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٨ ح ١.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن الذي يترتّب على هذا الأصل إنّما هو مجرّد جواز التأخير ، فيجوز لمن خوطب بالصلاة لدى الانكساف عدم الاستعجال وتأخيرها إلى ما بعد الشروع وقبل تمام الانجلاء ، لا إثبات توسعة الوقت بحيث إنّ من لم يكن مخاطباً آن ذاك لارتفاع القلم عنه لصغر أو جنون بل نوم أو غفلة ونحوها من الأعذار الرافعة للتكليف ثمّ ارتفع المانع بعد الشروع تجب الصلاة عليه ، فانّ التكليف قبل الشروع كان ساقطاً حسب الفرض ، وبعده يشكّ في تعلّقه للشكّ في سعة الوقت وضيقه ، وحيث إنّ الأصل المزبور لا ينهض لإثبات التوسعة كما سمعت فلا جرم كان المتّبع أصالة البراءة عن حدوث تكليف جديد.

نعم ، لا مانع من التمسك باستصحاب كلّي الوجوب لولا أنّه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، ولا نقول به.

والتحقيق : عدم الحاجة إلى الاستصحاب ولا إلى أصالة البراءة ، بل لنا إثبات كلا الأثرين من جواز التأخير وإثبات التوسعة استناداً إلى إطلاقات النصوص ، حيث إنّ الموضوع فيها هو عنوان الكسوف والخسوف.

ومن الضروري صدقهما من لدن حدوث الآية إلى تمام الانجلاء ، من غير فرق بين ما قبل الشروع وما بعده ، فما دامت الآية باقية ولم تكن زائلة يصدق الكسوف أو الخسوف صدقاً حقيقياً من غير أيّة عناية ، لوحدة المناط في جميع الآنات.

فتجب الصلاة بمقتضى الإطلاقات ، بعد عدم نهوض ما يقتضي التقييد بما قبل الشروع في الانجلاء عدا ما قد يتوهّم من استفادته من صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «ذكروا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته ، قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى» (١).

بدعوى أنّ المستفاد منها ترتيب آثار الانجلاء التام بانجلاء البعض ، لأنّ

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٨٨ / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب ٤ ح ٣.

٢٠