الأذان بين الإصالة والتحريف

السيد علي الشهرستاني

الأذان بين الإصالة والتحريف

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8166-82-X
الصفحات: ٤٩٦

شهر شوّال أمر الحاكم بأمر الله برفع ما كان يؤخذ من الخمس والزكاة والفطرة والنجوى ، وأبطل قراءة مجالس الحكمة في القصر ، وأمر بردّ التثويب في الأذان ، وأذّن للناس في صلاة الضحى وصلاة التراويح ، وأمر المؤذّنين بأسرهم في الأذان بأن لا يقولوا «حيّ على خير العمل» ، وأن يقولوا في الأذان للفجر : «الصلاة خير من النوم» ، ثمّ أمر في ثاني عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة بإعادة قول «حيّ على خير العمل» في الأذان وقطع التثويب وترك قولهم «الصلاة خير من النوم» ، ومنع من صلاة الضحى وصلاة التراويح ، وفتح باب الدعوة ، وأعيدت قراءة المجالس بالقصر على ما كانت ، وكان بين المنع من ذلك والأذان فيه خمسة أشهر.

وضُرب في جمادى من هذه السنة جماعة وشُهروا بسبب بيع الملوخيا والسمك الذي لا قشر له وشرب المسكرات وتتبّع السكارى فضيّق عليهم (١).

وفي السادس والعشرين منه [من المحرم سنة ٤٠١ هـ] قرئ بجامع مصر سجلّ يتضمن النهي عن معارضة الحاكم فيما يفعله وترك الخوض فيما لا يعني ، وإعادة «حيّ على خير العمل» إلى الأذان وإسقاط «الصلاة خير من النوم» والنهي عن صلاة التراويح والضحى ... (٢)

بغداد (سنة ٤٤١ ـ ٤٤٢ هـ)

ذكر ابن الأثير في حوادث هذه السنة : ... وفيها مُنع أهل الكرخ من النَّوح ، وفعل ما جرت عادتهم بفعله يوم عاشوراء ، فلم يقبلوا وفعلوا ذلك ، فجرى بينهم وبين السنيّة فتنة عظيمة قُتل فيها وجرح كثير من الناس ، ولم ينفصل الشرّ بينهم

__________________

(١) المواعظ والاعتبار ٢ : ٣٤٢.

(٢) نهاية الارب في فنون الادب / الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ اخبار الملوك العبيديون.

٣٨١

حتّى عبر الأتراك وضربوا خيامهم عندهم فكفّوا حينئذ.

ثمّ شرع أهل الكرخ في بناء سور على الكرخ ، فلمّا رآهم السنيّة من القلاّئين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلاّئين ، وأخرج الطائفتان في العمارة مالاً جليلاً ، وجرت بينهما فتن كثيرة ، وبطلت الأسواق وزاد الشر حتّى انتقل كثير من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي فأقاموا به.

وتقدّم الخليفة إلى أبي محمّد بن النسوي بالعبور وإصلاح الحال وكفّ الشر ، فسمع أهل الجانب الغربي ذلك فاجتمع السنة والشيعة على المنع منه ، وأذّنوا في القلاّئين وغيرها بـ «حيّ على خير العمل» وأذّنوا في الكرخ بـ «الصلاة خير من النوم» وأظهروا الترحّم على الصحابة ، فبطل عبوره (١).

وفي (المنتظم) وضمن بيان حوادث سنة ٤٤٢ هـ : ... انّه ندب أبو محمّد النسوي للعبور وضبط البلد ، ثمّ اجتمع العامّة من أهلِ الكرخ والقلاّئين وباب الشعير وباب البصرة على كلمة واحدة في أنه متى عبر ابن النسوي أحرقوا أسواقهم وانصرفوا عن البلد ، فصار أهل الكرخ إلى باب نهر القلاّئين ، فصلّوا فيه وأذنوا في المشهد «حيّ على خير العمل» وأهل القلاّئين بالعتيقة والمسجد بالبزّازين بـ «الصلاة خير من النوم» واختلطوا واصطلحوا وخرجوا إلى زيارة المشهدين مشهد عليّ والحسين (٢).

وفي (تاريخ أبي الفداء) : ... وقعت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة ، وعَظُم الأمر حتّى بطلت الأسواق ، وشرع أهل الكرخ في بناء سور عليهم محيطاً بالكرخ ، وشرع السنّة من القلاّئين ومن يجري مجراهم في بناء سور على سوق القلائين ، وكان الأذان

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٥٣.

(٢) المنتظم ١٥ : ٣٢٥.

٣٨٢

بأماكن الشيعة بـ «حيّ على خير العمل» وبأماكن السنة «الصلاة خير من النوم» (١).

وفي (النجوم الزاهرة) : ... فيها كان من العجائب أنّه وقع الصلح بين أهل السنّة والرافضة وصارت كلمتهم واحدة ، وسبب ذلك : أن أبا محمّد النسوي ولي شرطة بغداد وكان فاتكاً ، فاتّفقوا على أنّه متى رحل إليهم قَتَلوه ، واجتمعوا وتحالفوا ، وأُذّن بباب البصرة «حيّ على خير العمل» ، وقرئ في الكرخ فضائل الصحابة ، ومضى أهل السنة والشيعة إلى مقابر قريش ، فعدّ ذلك من العجائب ، فإنّ الفتنة كانت قائمة والدماء تُسكب والملوك والخلفاء يعجزون عن ردّهم حتّى ولي هذا الشرطة ، فتصالحوا على هذا الأمر اليسير (٢).

بغداد (سنة ٤٤٣ هـ)

قال ابن الأثير في (الكامل) : ... في هذه السنة في صفر تجدّدت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة وعظمت أضعاف ما كانت قديماً ، فكان الاتفاق الذي ذكرناه في السنة الماضية غير مأمون الانتقاض لما في الصدور من الإحن ، وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرخ شرعوا في عمل باب السمّاكين ، وأهل القلاّئين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففرغ أهل الكرخ ، وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب : «محمّد وعليّ خير البشر» ؛ وأنكر السنيّة ذلك وادّعوا أنّ المكتوب : «محمّد وعليّ خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر» ؛ وأنكر أهلُ الكرخ الزيادةَ وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ١ : ١٧٠.

(٢) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ٥ : ٤٩.

٣٨٣

الله أبا تمّام نقيب العبّاسيّين ، ونقيب العلويّين وهو عدنان بن الرضي ، لكشف الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيّين ، فأمر حينئذ الخليفة ونوّاب الرحيم بكفّ القتال ، فلم يقبلوا. وانتدب ابن المذهب القاضي ، والزهيريّ ، وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبدالصمد بحمل العامّة على الإغراق في الفتنة ، فأمسك نوّابُ الملك الرحيم عن كفّهم غيظاً من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ، ومنع هؤلاء السُّنّة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عيسى قد انفتح بثقُهُ ، فعظم الأمر عليهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف ، وصبّوا عليه ماء الورد ، ونادوا : الماء للسبيل ؛ فأغروا بهم السُّنّة.

وتشدّد رئيس الرؤساء على الشيعة ، فمحوا : «خير البشر» ، وكتبوا : «عليهما السلام» ، فقالت السُّنّة : لا نرضى إلاّ أن يُقلع الآجرّ الذي عليه «محمّد وعليّ» وأن لا يؤذَّن : «حيَّ على خير العمل» ؛ وامتنع الشيعة من ذلك ، ودام القتال إلى ثالث ربيع الأوّل ، وقُتل فيه رجل هاشميّ من السنيّة ، فحمله أهله على نعش ، وطافوا به في الحربيّة ، وباب البصرة ، وسائر محالّ السُّنّة ، واستنفروا الناس للأخذ بثأره ، ثمّ دفنوه عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدّم.

فلمّا رجعوا من دفنه قصدوا مشهد باب التبن فأُغلق بابه ، فنقبوا في سوره وتهدّدوا البوّاب ، فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضّة وسُتور وغير ذلك ، ونهبوا ما في الترب والدور ، وأدركهم الليل فعادوا.

فلمّا كان الغد كثر الجمع ، فقصدوا المشهد ، وأحرقوا جميع الترب والآراج ، واحترق ضريح موسى ، وضريح ابن ابنه محمّد بن عليّ الجواد ، والقُبّتان الساج اللتان عليهما ، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بُوَيْه ، مُعزّ الدولة ،

٣٨٤

وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وقبر الأمين محمّد بن الرشيد ، وقبر أمّه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجرِ في الدنيا مثله.

فلمّا كان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر ، فجاء الحفر إلى جانبه.

وسمع أبو تمّام نقيب العبّاسيّين وغيره من الهاشميّين السنيّة الخبرَ ، فجاؤوا ومنعوا عن ذلك ، وقصد أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيّين فنهبوه ، وقتلوا مدرّس الحنفيّة أبا سعد السَّرَخْسيّ ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء. وتعدّت الفتنة إلى الجانب الشرقيّ ، فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بَجّ ، والأساكفة ، وغيرهم.

ولمّا انتهى خبر إحراق المشهد إلى نور الدولة دُبَيْس بن مَزيد عَظُم عليه واشتدّ وبلغ منه كلّ مبلغ ؛ لأنّه وأهل بيته وسائر أعماله من النيل وتلك الولاية كلّهم شيعة ، فقُطعت في أعماله خطبةُ الإمام القائم بأمر الله ، فروسل في ذلك وعُوتب ، فاعتذر بأنّ أهل ولايته شيعة ، واتّفقوا على ذلك ، فلم يمكنه أن يَشُقّ عليهم كما أنّ الخليفة لم يمكنه كفّ السفهاء الذين فعلوا بالمشهد ما فعلوا ، وأعاد الخطبة إلى حالها (١).

وقد ذكر ابن الجوزي هذه الحادثة في (المنتظم) إلى أن يقول : ... وفي يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الآخر خطب بجامع براثا وأسقط «حيّ على خير العمل» ودق الخطيب المنبر وقد كانوا يمنعون منه ، وذكر العبّاس في خطبته (٢).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٥٩ ـ ٦٠ حوادث سنة ٤٤٣.

(٢) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ١٥ : ٣٣١ وتاريخ ابي الفداء ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١ ، وتاريخ الإسلام ٣٠ : ٩.

٣٨٥

بغداد (سنة ٤٤٤ ـ ٤٤٥ هـ)

ذكر ابن الأثير عدّة حوادث في هذه السنة ، وقال : «وفيها عُمل محضرٌ ببغداد يتضمّن القدح في نسب العلويّين أصحاب مصر ، وأنّهم كاذبون في ادّعائهم النسبَ إلى عليّ عليه‌السلام ، وعَزَوهم فيه إلى الدَّيصانيّة من المجوس ، والقدّاحيّة من اليهود ، وكتب فيه العلويّون ، والعبّاسيّون ، والفقهاء ، والقضاة ، والشهود ، وعُمل به عدّة نسخ ، وسُيِّر في البلاد ، وشُيّع بين الحاضر والباد ....

وفيها حدثت فتنة بين السُّنة والشيعة ببغداد ، وامتنع الضبط ، وانتشر العيّارون وتسلّطوا ، وجَبَوا الأسواق ، وأخذوا ما كان يأخذه أرباب الأعمال ، وكان مقدّمهم الطِّقطِقيّ والزَّيْبق ، وأعاد الشيعة الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، وكتبوا على مساجدهم : «محمّد وعليّ خير البشر» ؛ وجرى القتال بينهم ، وعظم الشرّ (١).

ثمّ صدّر حوادث سنة خمس وأربعين وأربعمائة بذكر الفتنة بين السنّة والشيعة ببغداد ، فقال :

في هذه السنة ، في المحرّم ، زادت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم من السُّنّة ، وكان ابتداؤها أواخر سنة أربع وأربعين [وأربعمائة].

فلمّا كان الآن عظم الشرّ ، واطّرحت المراقبة للسلطان ، واختلط بالفريقَيْن طوائف من الأتراك ، فلمّا اشتدّ الأمر اجتمع القوّاد واتفقوا على الركوب إلى المحالّ وإقامة السياسة بأهل الشرّ والفساد ، وأخذوا من الكرخ إنساناً علويّاً وقتلوه ، فثار نساؤه ، ونَشَرنَ شعورهنّ واستَغَثنَ ، فتَبعهنّ العامّة من أهل الكرخ ، وجرى بينهم وبين القوّاد ـ ومَن معهم من العامّة ـ قتال شديد ، وطَرَح الأتراك النار في أسواق

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٦٤ ، وانظر كلام ابن العماد الحنبلي في حوادث سنة ٤٠٢ «الشذرات ٣ : ١٦٢».

٣٨٦

الكرخ ، فاحترق كثير منها ، وألحقتها بالأرض ، وانتقل كثير من الكرخ إلى غيرها من المحالّ.

وندم القوّاد على ما فعلوه ، وأنكر الإمام القائم بأمر الله ذلك ، وصلح الحال ، وعاد الناس إلى الكرخ ، بعد أن استقرّت القاعدة بالديوان بكفّ الأتراك أيديهم عنهم (١).

وفي (تاريخ أبي الفداء) : ... وفي هذه السنة (ت ٤٤٤ هـ) كانت الفتنة ببغداد بين السنة والشيعة ، واعادت الشيعة الأذان «بحيّ على خير العمل» ، وكتبوا على مساجدهم : «محمّد وعليّ خير البشر» (٢).

بغداد (سنة ٤٤٨ هـ)

ذكر ابن الأثير في حوادث هذه السنة : ... وفيها أمر الخليفة بأن يؤذّن بالكرخ والمشهد وغيرها : «الصلاة خير من النوم» ، وأن يتركوا : «حيّ على خير العمل» ففعلوا ما أمرهم به خوف السلطنة وقوتها (٣).

وقال ابن الجوزي في (المنتظم) : ... وفي هذه السنة أقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش ومشهد العتيقة ومساجد الكرخ بـ «الصلاة خير من النوم» ، وأزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان من «حيّ على خير العمل» وقلع جميع ما كان على أبواب الدور والدروب من «محمّد وعليّ خير البشر».

ودخل إلى الكرخ منشدو أهل السنة من باب البصرة فأنشدوا الاشعار

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٦٥.

(٢) تاريخ أبي الفداء ٢ : ١٧٢ ، البداية والنهاية ١٢ : ٦٨ ، العبر في خبر من غبر ٣ : ٢٠٥ ، تاريخ الإسلام للذهبي ٣٠ : ٩.

(٣) الكامل في التاريخ ٨ : ٧٩ ، وفي النجوم الزاهرة ٥ : ٥٩ مثله.

٣٨٧

في مدح الصحابة ، وتقدم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبدالله بن الجلاب شيخ البزّازين بباب الطاق ، لِما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض ، فقُتل وصلب على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونُهبت داره ، وتزايد الغلاء فبيع الكرّ الحنطة بمائة وثمانين ديناراً (١).

وفي (البداية والنهاية) : ... وفيها ألزم الروافض بترك الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وأمروا أن ينادي مؤذنهم في أذان الصبح وبعد حيّ على الفلاح ، «الصلاة خير من النوم» مرتين ، وأزيل ما كان على أبواب المساجد ومساجدهم من كتابة : «محمّد وعليّ خير البشر» ، ودخل المنشدون .... ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة ، وذلك أنّ نوءُ الرافضة اضمحلّ ، لأنّ بني بويه كانوا حكاماً وكانوا يقوونهم وينصرونهم ، فزالوا وبادوا وذهب دولتهم (٢).

وفي (السيرة الحلبية) : ... وذكر بعضهم أنّ في دولة بني بويه كانت الرافضة تقول بعد الحيعلتين «حيّ على خير العمل» ، فلمّا كانت دولة السلجوقية منعوا المؤذنين من ذلك وأمروا أن يقولوا في أذان الصبح بدل ذلك «الصلاة خير من النوم» (٣).

وفي (النجوم الزاهرة) : وفيها أقيم الأذان في مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ بـ «الصلاة خير من النوم» على رغم أنف الشيعة ، وأُزيل ما كانوا يقولونه في الأذان من «حيّ على خير العمل» (٤).

ومما يجب التنبيه عليه أنّ جماعة من السنة ببغداد قد ثاروا في سنة ٤٤٧ هـ وقصدوا دار الخلافة وطلبوا أن يسمح لهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر

__________________

(١) المنتظم ١٦ : ٧ ـ ٨.

(٢) البداية والنهاية ١٢ : ٧٣.

(٣) السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٥.

(٤) النجوم الزاهرة ٥ : ٥٩.

٣٨٨

فأذن لهم وزاد شرهم ، ثمّ استأذنوا في نهب دور البساسيري [ذي الميول الشيعية الذي أجاز الأذان بالحيعلة الثالثة] وكان غائباً في واسط فأذن لهم الخليفة.

وهي تلك السنة التي وقعت فيها الفتنة بين الشافعية والحنابلة ببغداد وأنكرت الحنابلة على الشافعية الجهر بالبسملة والقنوت في الصبح والترجيع بالأذان (١).

وذكر ابن الأثير بعض حوادث هذه السنة ، فقال : ... فتبعهم من العامة الجم الغفير وأنكروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعوا من الترجيع في الأذان ، والقنوت في الفجر ، ووصلوا إلى ديوان الخليفة ، ولم ينفصل حال ، وأتى الحنابلة إلى مسجد بباب الشعير ، فنهوا إمامه عن الجهر بالبسملة فأخرج مصحفاً وقال : أزيلوها من المصحف حتّى لا أتلوها (٢).

وهذا يشير إلى أن الخلاف الفقهي بين المسلمين لا ينحصر في الحيعلة الثالثة ولا ينحصر بالطالبيين ، فقد يذهب بعض أهل السنة إلى خلاف المشهور عندهم لثبوت شرعيتها عنده وهذا ما نريد قوله ، وهو وجود أصل متجذر للمختلف فيه بين المسلمين ، وأن الطالبيين كانوا جادّين في الحفاظ على ما تلقوه ورووه من سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونهج أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

أما عموم اتباع نهج الخلفاء فكانوا يتبعون عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء فيما شرعوه من الامور التي أشار الامام علي عليه‌السلام اليها سابقاً.

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ٢ : ١٧٤.

(٢) الكامل في التاريخ ٨ : ٧٢ ـ ٧٣ حوادث سنة (٤٤٧).

٣٨٩

بغداد (سنة ٤٥٠ هـ)

قال ابن الأثير في (الكامل في التاريخ) : .. ثمّ إن البساسيري (١) وصل إلى بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام على غاية الضر والفقر ، وكان معه أبو الحسن بن عبدالرحيم الوزير ، فنزل البساسيري بمشرعة الروايا ، ونزل قريش بن بدران وهو في مائتي فارس عند مشرعة باب البصرة ، وركب عميد العراق ومعه العسكر والعوام وأقاموا بازاء عسكر البساسيري ، وعادوا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي صاحب مصر ، وأمر فأذن بـ «حيّ على خير العمل» وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر (٢).

وجاء في (النجوم الزاهرة) : ... ثمّ دخل الأمير أبو الحارث أرسلان البساسيري بغداد في ثامن ذي القعدة بالرايات المستنصرية وعليها ألقاب المستنصر هذا صاحب مصر ، فمال إلى البساسيري أهل باب الكرخ وفرحوا به لكونهم رافضة ، والبساسيري وخلفاء مصر أيضاً رافضة ، فانضموا إلى البساسيري وتشفّوا من أهل السنة وشمخت أنوف المنافقين الرافضة وأعلنوا بالأذان بـ «حيّ على خير العمل» ببغداد.

واجتمع خلق من أهل السنة على الخليفة القائم بأمر الله العباسي وقاتلوا معه وفشت الحرب بين الفريقين في السفن أربعة أيّام.

وخطب يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة ببغداد للمستنصر هذا صاحب الترجمة بجامع المنصور وأذّنوا بحيّ على خير العمل ، وعقد الجسر وعبرت عساكر

__________________

(١) كان البساسيري مملوكاً تركياً من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة [البويهي] ، تقلبت به الأمور حتّى بلغ هذا المقام المشهور ، واسمه أرسلان وكنيته أبو الحارث. انظر : الكامل لابن الأثير ٨ : ٨٧ احداث سنة ٤٥١.

(٢) الكامل في التاريخ ٨ : ٨٣ ، وانظر : البداية والنهاية ١٢ : ٨٢ ، تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٤٩.

٣٩٠

البساسيري إلى الجانب الشرقي (١).

وذكر ابن الجوزي في المنتظم : ... وعاود أهل الكرخ الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وظهر فيهم السرور الكثير وحملوا راية بيضاء ونصبوها في وسط الكرخ وكتبوا عليها اسم المستنصر بالله وأقام بمكانه والقتالُ يجري في السفن بدجلة.

فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دُعي لصاحب مصر في جامع المنصور ، وزيد في الأذان «حيّ على خير العمل» وشرع البساسيري في إصلاح الجسر (٢).

وفي (نهاية الأرب في فنون الأدب) عند ذكر استيلاء أبي الحارث البساسيري على العراق ، قال : ثمّ وصل البساسيري إلى بغداد في يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام في غاية الضر والفقر ، فنزل بمشرعة دار الروايا وكان معه قريش بن بدران وهو في مائتي فارس ، فنزل مشرعة باب البصرة وركب عميد العراق ومعه العسكر والعوام وأقاموا بإزاء عسكر البساسيري وعادوا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر العلوي صاحب مصر فأذن «حيّ على خير العمل» وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر واجتمعوا فيه وخطب في الجمعة الثانية للمصري بجامع الرصافة ... (٣)

وفي تاريخ بغداد : ... فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعي لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور وزيد في الأذان «حيّ على خير العمل» ، وشرع البساسيري في إصلاح الجسر (٤).

__________________

(١) النجوم الزاهره ٥ : ٦.

(٢) المنتظم ١٦ : ٣٢ حوادث ٤٥٠.

(٣) نهاية الارب في فنون الادب ٢٣ : ٢٢٧.

(٥) تاريخ بغداد ٩ : ٤٠١ ـ ٤٠٢ ، ومثله في بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم ٣ : ١٣٥٢ ، والبداية والنهاية ١٢ : ٨٤.

٣٩١

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : ... ثمّ قدم البساسيري بغداد في سنة خمسين ومعه الرايات المصرية ، ووقع القتال بينه وبين الخليفة ، ودعي لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور ، وزيد في الأذان «حيّ على خير العمل» ، ثمّ خطب له في كلّ الجوامع إلاّ جامع الخليفة ، ودام القتال شهراً ثمّ قبض البساسيري على الخليفة في ذي الحجة وسيّره إلى غابة وحبسه بها و ... (١)

مكة / حلب (سنة ٤٦٢ هـ)

قال ابن خلدون (٢) والذهبي (٣) والسيوطي (٤) : إنّ محمّد بن أبي هاشم خطب بمكة للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان (٥) ، وأسقط خطبة العلوي صاحب مصر وترك «حيّ على خير العمل» من الأذان.

وقال ابن الأثير : ... وفيها ورد رسول صاحب مكّة محمّد بن أبي هاشم ومعه ولده إلى السلطان ألب أرسلان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم بأمر الله وللسلطان بمكة وإسقاط خطبة العلوي صاحب مصر ، وترك الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعاً نفيسة وأجرى له كلّ سنة

__________________

(١) تاريخ الخلفاء ١ : ٤١٨.

(٢) تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٧٠.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٥ : ١٩٠.

(٤) تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢١.

(٥) ولي هذا خراسان بعد وفاة والده جغري بك دواد سنة ٤٥٢ ، وداود كان أخ السلطان طغرلبك السلجوقي المعروف.

٣٩٢

عشرة الآف دينار (١).

ثمّ ذكر في حوادث سنة ٤٦٣ كيفية استيلاء السلطان ألب أرسلان على حلب ، إلى أن قال : ... وقد وصلها نقيب النقباء أبو الفوارس طِراد بالرسالة القائمية ، والخلع ، فقال له محمود ؛ صاحب حلب : أسالك الخروج إلى السلطان واستعفائه لي من الحضور عنده ، فخرج نقيب النقباء ، وأخبر السلطان بأنّه قد لبس الخِلَعِ القائمية وخطب ، فقال : أيّ شيء تساوي خطبتهم وهم يؤذنون «حيّ على خير العمل»؟ ولابد من الحضور ودوس بساطي ، فامتنع محمود من ذلك.

فاشتدّ الحصار على البلد ، وغلت الأسعار ، وعظم القتال وزحف السلطان يوماً وقرب من البلد ، فوقع حجر منجنيق في فرسه ، فلما عظم الأمر على محمود خرج ليلاً ، ومعه والدته منيعة بنت وثّاب النميري ، فدخلا على السلطان وقالت له : هذا ولدي فافعل به ما تحبّ ، فتلقاهما بالجميل وخلع على محمود وأعاده إلى بلده فأنفذ إلى السلطان مالاً جزيلاً (٢).

وخطب محمود بن صالح بحلب للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان ... فأخذت العامة حُصُرَ الجامع ، وقالوا : هذه حُصُرُ عليّ بن أبي طالب ، فليأتِ أبو بكر بحُصُر يصلّي عليها الناس (٣).

وفي (النجوم الزاهرة) (٤) عن الشيخ شمس الدين بن قزاوغلي في المرآة ، قال : ... وضاقت يد أبي هاشم محمّد أمير مكّة بانقطاع ما كان يأتيه من مصر ، فأخذ قناديل الكعبة وستورها وصفائح الباب والميزاب ، وصادر أهل مكّة فهربوا ، وكذا

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٧.

(٢) الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٩.

(٣) الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٨.

(٤) في أحداث سنة ٤٢٨.

٣٩٣

فعل أمير المدينة مهنّأ وقَطَعَاً الخطبة للمستنصر [الفاطمي] وخطبا لبني العبّاس ـ الخليفة القائم بأمر الله ـ وبعثا إلى السلطان ألب أرسلان السلجوقي حاكم بغداد بذلك ، وأنّهما أذّنا بمكة والمدينة الأذان المعتاد وتركا الاذان بـ «حيّ على خير العمل» ، فأرسل ألب أرسلان إلى صاحب مكّة أبي هاشم المذكور بثلاثين ألف دينار ، وإلى صاحب المدينة بعشرين ألف دينار ، وبلغ الخبر بذلك المستنصر فلم يلتفت إليه لشغله بنفسه ورعيته من عظم الغلاء (١).

وفي أحداث سنة ٤٦٤ قال : بعث الخليفة القائم بأمر الله الشريف أبا طالب الحسن بن محمّد أخا طرَّاد الزينبي إلى أبي هاشم محمّد أمير مكّة بمال وخلع ، وقال له : غيِّر الأذان وأبطل «حيّ على خير العمل» ، فناظره أبو هاشم مناظرة طويلة وقال له : هذا أذان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فقال له أخو الشريف : ما صحَّ عنه وإنّما عبدالله بن عمر بن الخطاب روي عنه أنه أذّن به في بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر! فأسقطه من الأذان (٢).

وجاء في تاريخ الخلفاء بأن الخطبة اُعيدت للعبيدي بمكة في سنة ٤٦٧ (٣).

الشام (سنة ٤٦٨ هـ)

جاء في (مآثر الإنافة) للقلقشندي : ... تغلّب على دمشق اتسز بن ارتق الخوارزمي المعروف بالاقسيس ، أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي [ابن ألب ارسلان] في سنة ٤٦٨ وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي (٤)

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٥ : ٢٣.

(٢) النجوم الزاهرة ٥ : ٨٩.

(٣) تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢٣.

(٤) ولي المقتدي ٤٦٧ بعد وفاة والده القائم بالله ، ومما يجب التنبيه عليه أنّ الخطبة للعلويين

٣٩٤

العباسي ، ومنع الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ولم يخطب بعدها بالشام لأحد من الفاطميين وبقي بها إلى ما بعد خلافة المقتدي (١).

وفي (الكامل) لابن الأثير : ... ودخلها هو [أي الاقسيس] وعسكره في ذي القعدة وخطب بها يوم الجمعة لخمس بقين من ذي القعدة للمقتدي بأمر الله الخليفة العباسي ، وكان آخر ما خطب فيها للعلويين المصريين ، وتغلب على أكثر الشام ، ومنع الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، ففرح أهلها فرحاً عظيماً ، وظلم أهلها وأساء السيرة فيهم (٢).

وفي (البداية والنهاية) لابن كثير ، قال : ... الاقسيس هذا هو اتسز بن اوف الخوارزمي ، ويلقب بالملك المعظم ، وهو أوّل من استعاد بلاد الشام من أيدي الفاطميين وأزال الأذان منها بـ «حيّ على خير العمل» بعد أن كان يؤذن به على منابر دمشق وسائر الشام مائة وست سنين (١٠٦ سنة) ، وكان على أبواب الجوامع والمساجد مكتوب لعنة الصحابة رضي الله عنهم ، فأمر هذا السلطان المؤذّنين والخطباء أن يترضّوا عن الصحابة أجمعين (٣).

وفي تاريخ الخلفاء : ... خطب للمقتدي العباسي بدمشق وأبطل الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وفرح الناس بذلك (٤).

__________________

أعيدت بمكة بعد وفاة القائم بالله وقطع خطبة المقتدي وكانت مدة الخطبة العباسية بمكة أربع سنين وخمسة اشهر ، ثمّ أعيدت في ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة (انظر : الكامل في التاريخ ٨ : ١٢١).

(١) مآثر الإنافة للقلقشندي ٢ : ٥.

(٢) الكامل في التاريخ ٨ : ١٢٢ احداث سنة ٤٦٨ هـ.

(٣) البداية والنهاية ١٢ : ١٢٠ ، ١٢٧.

(٤) تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢٤.

٣٩٥

وفي تاريخ ابن خلدون : ... وخطب فيها اتسز للمقتدي العباسي في ذي القعدة سنة ثمان وستين ، وتغلّب على أكثر الشام ، ومنع من الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، ثمّ سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها حتّى أشرف على أخذها ، ثمّ انهزم من غير قتال ، ورجع إلى دمشق وقد انتقضَ عليه أكثر الشام ، فشكر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة ، وبلغه أنّ أهل القدس وثبوا بأصحابه ... (١)

مصر (سنة ٤٧٨ هـ)

ولي المستنصر بالله الفاطمي من سنة (٤٢٨ ـ ٤٨٧ هـ) وهو معد أبو تميم حفيد الحاكم بأمر الله ، وقد قرب هذا بدرَ الجماليَّ لولاية اُمور الحضرة.

قال صاحب (النجوم الزاهرة) : ... كان بدر الجمالي أرمني الجنس فاتكاً جباراً قتل خلقاً كثيراً من العلماء وغيرهم ، وأقام الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، وكبّر على الجنائز خمساً ، وكتب سبَّ الصحابة على الحيطان ... (٢)

وفي (المنتظم) : وفي شهر ذي القعدة قبض بدر الجمالي ـ أمير مصر ـ على ولده الأكبر وأربعة من الأمراء ... ونفى مذكِّري أهل السنة ، وحمل الناس أن يكبّروا خمساً على الجنائز ، وأن يسدلوا أيمانهم في الصلاة ، وأن يتختّموا في الأيمان ، وأن يثوّبوا (٣) في صلاة الفجر «حيّ على خير العمل» ، وحبس أقواماً رووا فضائل

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤.

(٢) النجوم الزاهرة ٥ : ١٢٠.

(٣) وقد عبّر ابن الجوزي عن الحيعلة الثالثة بالتثويب تساهلاً منه ؛ لأنّها حلّت محلّ «الصلاة خير من النوم».

٣٩٦

الصحابة (١).

مصر (سنة ٥٢٤ هـ)

ولي الحافظ لدين الله الفاطمي (عبدالمجيد حفيد المستنصر بالله) بعد قتل ابن عمه أبي عليّ منصور الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

قال العلاّمة أبو المظفر في مرآة الزمان : ... ولما استمر الحافظ في خلافة مصر ضعف أمره مع وزيره أبي عليّ أحمد بن الأفضل أمير الجيوش ، وقويت شوكة الوزير المذكور وخطب للمنتظر المهدي ، وأسقط من الأذان «حيّ على خير العمل» ، ودعا الوزير المذكور لنفسه على المنابر «بناصر إمام الحق ، هادي العصاة إلى اتّباع الحق ، مولى الأمم ، ومالك فضيلتي السيف والقلم» فلم يزل حتّى قتل الوزير (٢).

وقد تكلم المقريزي في (اتعاظ الحنفاء) عن أبي عليّ أحمد بن الأفضل ، فقال : (وكان إمامياً متشدّداً فالتفت عليه الإمامية ولعبوا به حتّى أظهر المذهب الإمامي وتزايد الأمر فيه إلى التأذين فانفعل بهم ، وحسّنوا له الدعوة للقائم المنتظر فضرب الدراهم باسمه ونقش عليها «الله الصمد ، الإمام محمّد» ... إلى أن يقول : ... وكان قد أسقط منذ إقامة الجند ذكر إسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيلية ، وأزال من الأذان قولهم فيه «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يُدعى به على المنابر ... (٣)

__________________

(١) المنتظم في تاريخ الامم والملوك ١٦ : ٢٤٢.

(٢) النجوم الزاهرة ٥ : ٢٣٨.

(٣) اتعاظ الحنفاء في تاريخ الائمة الخلفاء ٣ : ١٤٣.

٣٩٧

وقال أبو الفداء في تاريخه : ... ثمّ دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة ، فيها قُتِلَ أبو عليّ بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي ، وكان أبو عليّ المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة وقطع من الأذان «حيّ على خير العمل» فنفرت منه قلوب شيعة العلويين وثار به جماعة من الممالك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره (١).

وفي (وفيات الاعيان) : ... وقبض على الحافظ المذكور واستقل بالأمر وقام به أحسن قيام ، وردّ على المصادَرين أموالهم ، وأظهر مذهب الإمامية وتمسّك بالائمة الاثني عشر ، ورفض الحافظَ وأهلَ بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالإمام المنتظر على زعمهم وكتب اسمه على السكة ، ونهى أن يؤذّن بـ «حيّ على خير العمل» ، وأقام كذلك إلى أن وثب عليه رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة في النصف من المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان بتدبير الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج الحافظ وبايعوه ولقبوه بالحافظ ودعي له على المنابر (٢).

وفي (بدائع الزهور في وقائع الدهور) قوله : ... وكان قد أسقط منذ أقامه الجندُ ذِكْرَ اسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيلية ، وأزال من الأذان قولهم فيه «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يدعى به على المنابر (٣).

وفي (نهاية الأرب في فنون الأدب) : قال المؤرخ : لما بويع الحافظ لدين الله ثار

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ٣ : ٦.

(٢) وفيات الاعيان ٣ : ٢٣٦. تاريخ ابن خلدون ٤ : ٧١ ـ ٧٢.

(٣) بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمد بن أحمد بن إياس الحنفي طـ الهيئة المصرية العامة ١٤٠٢ هـ.

٣٩٨

الجند الأفضلية وأخرجوا ابن مولاهم أبا عليّ أحمد بن الافضل الملقب بكتيفات ، وولّوه أمر الجيوش وذلك في يوم الخميس السادس من ذي القعدة منها ، فحكم ، واعتقل الحافظ صبيحة يوم بيعته ، ودعا للإمام المنتظر وقوي أمر ابن الأفضل.

وفي سنة خمس وعشرين رتّب أحمد بن الافضل في الأحكام أربعة قضاة : الشافعية ، والمالكية ، والإسماعيلية ، والإماميّة ، يحكم كلّ قاضي بمقتضى مذهبه ويورّث بمقتضاه ، فكان قاضي الشافعية الفقيه سلطان ، وقاضي المالكية اللبني ، وقاضي الاسماعيلية أبو الفضل ابن الأزرق ، وقاضي الإماميّة ابن أبي كامل.

وسار أحمد بن الأفضل سيرة جميلة بالنسبة إلى أيام الآمر ، وردّ على الناس بعض مصادراتهم ، وأظهر مذهب الإماميّة الاثني عشرية ، وأسقط من الأذان قولهم «حيّ على خير العمل» وأمر بالدعاء لنفسه على المنابر بدعاء اخترعه (١).

وفي تاريخ ابن خلدون : فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر ، وضرب الدراهم باسمه دون الدنانير ، ونقش عليها : «الله الصمد ، الإمام محمّد» وهو الإمام المنتظر. وأسقط ذِكْرَ إسماعيل من الدعاء على المنابر وذِكْرَ الحافظ ، وأسقط من الأذان «حيّ على خير العمل» (٢).

وفي (المواعظ والاعتبار) : ... ولمّا تغلّب أبو عليّ بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبدالمجيد بن الأمير أبي القاسم محمّد بن المستنصر بالله في سادس عشر

__________________

(١) نهاية الارب في فنون الادب : ٧٤٦٧.

(٢) تاريخ بن خلدون.

٣٩٩

ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، سجَنَ الحافظ وقيّده ، واستولى على سائر ما في القصر من الأموال والذخائر ، وحملها إلى دار الوزارة ، وكان إمامياً متشدّداً في ذلك ، خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية ، وأظهر الدعاء للإمام المنتظر ، وأزال من الأذان «حيّ على خير العمل» وقولهم «محمّد وعليّ خير البشر» ، وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية ، فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الأذان ما كان أُسقط منه (١).

وفي بعض كلام المؤرخين هذا خطأ ؛ إذ المعروف عن الإمامية والثابت عندهم هو جزئية «حيّ على خير العمل» فلا يجوز رفعه إن كان كتيفات هذا إمامياً بالمصطلح.

وأما الدعاء للإمام المنتظر وإسقاط ذكر إسماعيل بن جعفر من الخطبة فكانت خطوة سياسية احتمى بها ابن كتيفات ؛ لأنّه كان سنيّاً لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر.

وهذا ما صرح به الذهبي في (العبر في خبر من غبر) بأن أبويه كانا سنيّين ، قال : ... فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور ، وأخذ أكثر ما في القصر ، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ، لأنّه كان سنيّاً كأبيه ، لكنه أظهر التمّسك بالإمام المنتظر ، وأبطل من الأذان «حيّ على خير العمل» ، وغيرّ قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه (٢).

وقال اليافعي في (مرآة الجنان وعبرة اليقظان) : ... وأهمل ناموس الخلافة

__________________

(١) المواعظ والاعتبار للمقريزي ٢ : ٢٧١ ، وانظر : قصة قتل أبي علي بن كثيفات في الكامل في التاريخ ٨ : ٣٣٤ أحداث سنة ٥٢٦ هـ.

(٢) العبر في خبر من غبر ٤ : ٦٨ ، شذرات الذهب ٢ : ٧٨ ، سير أعلام النبلاء ١٩ : ٥٠٩ ـ ٥١٠.

٤٠٠